مدارك الأحكام - ج ٧

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٧

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

______________________________________________________

حريز قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « المحرمة تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن » (١).

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة » (٢).

وفي الصحيح عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « المحرمة تسدل ثوبها إلى نحرها » (٣).

ويستفاد من هذه الروايات جواز سدل الثوب إلى النحر.

واعلم أن إطلاق هذه الروايات يقتضي عدم اعتبار مجافاة الثوب عن الوجه ، وبه قطع في المنتهى ، واستدل عليه بأنه ليس بمذكور في الخبر ، مع أن الظاهر خلافه ، فإن سدل الثوب لا تكاد تسلم معه البشرة من الإصابة ، فلو كان شرطا لبيّن ، لأنه موضع الحاجة (٤).

ونقل عن الشيخ أنه أوجب عليها مجافاة الثوب عن وجهها بخشبة وشبهها بحيث لا يصيب البشرة ، وحكم بلزوم الدم إذا أصاب الثوب وجهها ولم تزله بسرعة (٥). وكلا الحكمين مشكل ، لانتفاء الدليل عليه.

ثم إن قلنا بعدم اعتبار المجافاة فيكون المراد بتغطية الوجه المحرّمة تغطيته بالنقاب خاصة ، إذ لا يستفاد من الأخبار أزيد منه ، أو تغطيته بغير السدل. وكيف كان فإطلاق الحكم بتحريم تغطية الوجه مع الحكم بجواز سدل الثوب عليه وإن أصاب البشرة غير جيد ، والأمر في ذلك هيّن بعد‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢١٩ ـ ١٠٠٧ ، الوسائل ٩ : ١٣٠ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٦.

(٢) الفقيه ٢ : ٢١٩ ـ ١٠٠٨ ، الوسائل ٩ : ١٣٠ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٨.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٧ ـ ١٠٧٤ ، الوسائل ٩ : ١٣٠ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٧.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٩١.

(٥) المبسوط ١ : ٣٢٠.

٣٦١

وتظليل المحرم عليه سائرا ،

______________________________________________________

وضوح المأخذ.

قوله : ( وتظليل المحرم عليه سائرا ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل قال في التذكرة : يحرم على المحرم الاستظلال حالة السير ، فلا يجوز له الركوب في المحمل وما في معناه ، كالهودج والكنيسة والعمارية وأشباه ذلك عند علمائنا أجمع (١). ونحوه قال في المنتهى (٢). ونقل عن ابن الجنيد أنه جعل ترك التظليل مستحبا (٣). والمعتمد الأول.

لنا ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الله بن المغيرة قال ، قلت لأبي الحسن الأول عليه‌السلام : أظلل وأنا محرم؟ قال : « لا » قلت : أظلل وأكفر؟ قال : « لا » قلت : فإن مرضت؟ قال : « ظلّل وكفّر » ثم قال : « أما علمت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ما من حاج يضحي ملبيا حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه معها » (٤).

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يركب في القبة ، قال : « ما يعجبني ذلك إلا أن يكون مريضا » (٥).

وفي الصحيح عن إسماعيل بن عبد الخالق ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، هل يستتر المحرم من الشمس؟ قال : « لا ، إلا أن يكون شيخا كبيرا ، أو قال : ذا علة » (٦).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٣٧.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٩١.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٢٨٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٢٥ ـ ١٠٥٩ ، الوسائل ٩ : ١٤٦ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ٣.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠٩ ـ ١٠٥٨ ، الإستبصار ٢ : ١٨٥ ـ ٦١٩ ، الوسائل ٩ : ١٤٦ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ٥.

(٦) التهذيب ٥ : ٣١٠ ـ ١٠٦٢ ، الإستبصار ٢ : ١٨٦ ـ ٦٢٢ ، الوسائل ٩ : ١٤٧ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ٩ ، ورواها في الكافي ٤ : ٣٥١ ـ ٨.

٣٦٢

______________________________________________________

وفي الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن المحرم يظلّل على نفسه فقال : « أمن علة؟ » فقلت : يؤذيه حر الشمس وهو محرم فقال : « هي علة يظلل ويفدي » (١).

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بالظلال للنساء ، وقد رخص فيه للرجال » (٢) وفي الصحيح عن موسى بن القاسم ، عن علي بن جعفر ، قال : سألت أخي ، أظلل وأنا محرم؟ فقال : « نعم » قال : فرأيت عليا إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل (٣). لأن الرواية الأولى إنما تضمنت الرخصة فيه للرجال ، ونحن نقول به لكن مع الضرورة ، فإن الرخصة إنما تطلق غالبا على ما منع منه أولا ثم أذن فيه لضرورة كأكل الميتة.

وأما الرواية الثانية فلاحتمال أن يكون إذن الكاظم عليه‌السلام لأخيه في ذلك لعلمه بتضرره من تركه كما هو واضح.

وهذا الحكم مختص بحالة السير ، فيجوز للمحرم حالة النزول الاستظلال بالسقف والشجرة والخباء والخيمة لضرورة وغير ضرورة عند العلماء كافة ، قاله في التذكرة (٤). ويدل عليه مضافا إلى الأصل ما رواه الشيخ ، عن جعفر بن المثنى ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يركب راحلته فلا يستظل عليها وتؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض ، وربما ستر وجهه بيده ، وإذا نزل استظل بالخباء‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٠ ـ ١٠٦٤ ، الإستبصار ٢ : ١٨٦ ـ ٦٢٤ ، الوسائل ٩ : ٢٨٧ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٦ ح ٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٣١٢ ـ ١٠٧٤ ، الإستبصار ٢ : ١٨٧ ـ ٦٢٨ ، الوسائل ٩ : ١٤٧ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ١٠.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٤ ـ ١١٥٠ ، الوسائل ٩ : ٢٨٧ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٦ ح ٢ ، وفيهما : فقال : نعم وعليك الكفارة.

(٤) التذكرة ١ : ٣٣٧.

٣٦٣

______________________________________________________

وفي البيت وبالجدار » (١).

ويجوز للمحرم المشي تحت الظلال كما نص عليه الشيخ (٢) وغيره (٣). وقال الشارح : إنما يحرم ـ يعني التظليل ـ حالة الركوب ، فلو مشى تحت الظل كما لو مشى تحت الجمل والمحمل جاز (٤).

ويدل على الجواز صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : كتبت إلى الرضا عليه‌السلام : هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظل المحمل؟ فكتب : « نعم » (٥).

وقال العلامة في المنتهى : إنه يجوز للمحرم أن يمشي تحت الظلال ، وأن يستظل بثوب ينصبه إذا كان سائرا ونازلا ، لكن لا يجعله فوق رأسه سائرا خاصة لضرورة وغير ضرورة عند جميع أهل العلم (٦).

ومقتضى ذلك تحريم الاستظلال في حال المشي بالثوب إذا جعله فوق رأسه ، وربما كان مستنده صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق المتضمنة لتحريم الاستتار من الشمس ، إلا أن المتبادر منه الاستتار حال الركوب. والمسألة محل تردد ، وإن كان الاقتصار في المنع من التظليل على حالة الركوب كما ذكره الشارح لا يخلو من قرب.

وإنما يحرم الاستظلال على الرجل ، أما المرأة فيجوز لها ذلك إجماعا ، للأخبار الكثيرة الدالة عليه ، كصحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن المحرم يركب القبة؟ قال : « لا » ‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٠٩ ـ ١٠٦١ ، الوسائل ٩ : ١٤٩ أبواب تروك الإحرام ب ٦٦ ح ١.

(٢) المبسوط ١ : ٣٢١ ، والنهاية : ٢٢١.

(٣) كالشهيد الأول في الدروس : ١٠٧ ، والشهيد الثاني في الروضة البهية ٢ : ٢٤٤.

(٤) المسالك ١ : ١١١.

(٥) لم نعثر عليها في كتب الشيخ وهي موجودة في الكافي ٤ : ٣٥١ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ١٥٢ أبواب تروك الإحرام ب ٦٧ ح ١.

(٦) المنتهى ٢ : ٧٩٢.

٣٦٤

ولو اضطر لم يحرم. ولو زامل عليلا أو امرأة اختصّ العليل والمرأة بجواز التظليل.

______________________________________________________

قلت : فالمرأة المحرمة؟ قال : « نعم » (١) وصحيحة حريز قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا بأس بالقبة على النساء والصبيان وهم محرمون » (٢).

قوله : ( ولو اضطر لم يحرم ).

المراد بالضرورة : المشقة اللازمة من تركه إما بواسطة الحر أو البرد أو المطر. ويدل على جواز التظليل والحال هذه مضافا إلى ما سبق صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس وأنا أسمع فأمره أن يفدي شاة يذبحها بمنى (٣).

وصحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال ، قلت للرضا عليه‌السلام : المحرم يظلّل على محمله ويفدي إذا كانت الشمس والمطر يضر به قال : « نعم » قلت : كم الفداء؟ قال : « شاة » (٤).

قوله : ( ولو زامل عليلا أو امرأة اختص العليل والمرأة بجواز التظليل ).

الوجه في هذا الاختصاص ظاهر ، لقيام المانع من التظليل في حق غير العليل والمرأة ، ويؤيده رواية بكر بن صالح ، قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام : إن عمتي معي وهي زميلتي ويشتد عليها الحر إذا‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٢ ـ ١٠٧٠ ، الوسائل ٩ : ١٤٦ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣١٢ ـ ١٠٧١ ، الوسائل ٩ : ١٤٨ أبواب تروك الإحرام ب ٦٥ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٥١ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٢٦ ـ ١٠٦٣ ، التهذيب ٥ : ٣١١ ـ ١٠٦٥ ، الإستبصار ٢ : ١٨٦ ـ ٦٢٥ ، الوسائل ٩ : ٢٢٨ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٦ ح ٦.

(٤) الكافي ٤ : ٣٥١ ـ ٩ ، التهذيب ٥ : ٣١١ ـ ١٠٦٦ ، الإستبصار ٢ : ١٨٧ ـ ٦٢٦ ، الوسائل ٩ : ٢٨٧ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٦ ح ٥.

٣٦٥

وإخراج الدم ، إلا عند الضرورة ، وقيل : يكره. وكذا قيل : في حكّ الجلد المفضي إلى إدمائه. وكذا في السواك ، والكراهية أظهر.

______________________________________________________

أحرمت ، أفترى أن أظلل عليّ وعليها؟ فكتب؟ « ظلل عليها وحدها » (١).

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ ، عن العباس بن معروف ، عن بعض أصحابه ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن المحرم له زميل فاعتل فظلّل على رأسه ، إله أن يستظل؟ قال : « نعم » (٢) لأنا نجيب عنها أولا بالطعن في السند بالإرسال ، وثانيا بالمنع من الدلالة على خلاف ما دلت عليه الرواية المتقدمة ، لاحتمال عود الضمير في قوله : إله أن يستظل ، إلى المريض الذي قد ظلل ، كما ذكره الشيخ في التهذيب (٣).

قوله : ( وإخراج الدم ، إلا عند الضرورة ، وقيل : يكره ، وكذا قيل في حكّ الجلد المفضي إلى إدمائه ، وكذا في السواك ، والكراهة أظهر ).

القول بالتحريم في الجميع للشيخ في النهاية والمفيد في المقنعة (٤) والمرتضى (٥) وابن إدريس (٦) وغيرهم (٧) ، تمسكا بمقتضى الأخبار المتضمنة للنهي عن ذلك ، كحسنة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يحتجم ، قال : « لا إلا أن لا يجد بدا فليحتجم ولا يحلق مكان‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٥٢ ـ ١٢ ، الفقيه ٢ : ٢٢٦ ـ ١٠٦١ ، التهذيب ٥ : ٣١١ ـ ١٠٦٨ ، الإستبصار ٢ : ١٨٥ ـ ٦١٦ ، الوسائل ٩ : ١٥٣ أبواب تروك الإحرام ب ٦٨ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣١١ ـ ١٠٦٩ ، الإستبصار ٢ : ١٨٥ ـ ٦١٧ ، الوسائل ٩ : ١٥٣ أبواب تروك الإحرام ب ٦٨ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣١٢.

(٤) النهاية : ٢٢٠ و ٢٢١. والمقنعة : ٦٨.

(٥) جمل العلم والعمل : ١٠٧.

(٦) السرائر : ١٢٨.

(٧) كالعلاّمة في المختلف : ٢٦٩ والشهيد الأول في الدروس : ١١٠ والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١١١.

٣٦٦

______________________________________________________

المحاجم » (١).

وصحيحة معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم ، كيف يحك رأسه؟ فقال : « بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر » (٢).

وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يستاك؟ قال : « نعم ، ولا يدمي » (٣).

والقول بالكراهة للشيخ في الخلاف (٤) وجمع من الأصحاب ، وهو المعتمد ، جمعا بين ما تضمن النهي عن ذلك ، وما تضمن الإذن في الفعل ، كصحيحة حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر ، واحتجم الحسن بن علي عليهما‌السلام وهو محرم » (٥).

وصحيحة معاوية بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المحرم يستاك؟ قال : « نعم » قلت : فإن أدمى يستاك؟ قال : « نعم ، هو السنة » (٦).

وروى معاوية في الصحيح أيضا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن المحرم يعصر الدمل ويربط على القرحة ، قال : « لا بأس » (٧).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٠ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١٤٣ أبواب تروك الإحرام ب ٦٢ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٩ ـ ١٠٨٦ بتفاوت يسير ، التهذيب ٥ : ٣١٣ ـ ١٠٧٦ ، الوسائل ٩ : ١٥٩ أبواب تروك الإحرام ب ٧٣ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣١٣ ـ ١٠٧٨ ، الوسائل ٩ : ١٥٩ أبواب تروك الإحرام ب ٧٣ ح ٣.

(٤) الخلاف ١ : ٤٤٣.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢٢ ـ ١٠٣٣ ، ١٠٣٤ ، التهذيب ٥ : ٣٠٦ ـ ١٠٤٦ ، الإستبصار ٢ : ١٨٣ ـ ٦١٠ ، الوسائل ٩ : ١٤٤ أبواب تروك الإحرام ب ٦٢ ح ٥ ، ٧.

(٦) الكافي ٤ : ٣٦٦ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٢٢ ـ ١٠٣٢ ، علل الشرائع : ٤٠٨ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١٥٨ أبواب تروك الإحرام ب ٧١ ح ٤.

(٧) الكافي ٤ : ٣٥٩ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ١٥٦ أبواب تروك الإحرام ب ٧٠ ح ٥.

٣٦٧

وقصّ الأظفار.

______________________________________________________

ويمكن الجمع بين الروايات بحمل هذه على حالة الضرورة ، لكن الأول أقرب ، ويشهد له رواية يونس بن يعقوب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يحتجم ، قال : « لا أحبه » (١) فإن لفظ « لا أحبه » ظاهر في الكراهة.

وكيف كان فينبغي القطع بعدم وجوب الكفارة بذلك ، تمسكا بمقتضى الأصل السالم من المعارض ، وحكى الشهيد في الدروس عن بعض أصحاب المناسك أنه جعل فدية إخراج الدم شاة (٢). وعن الحلبي أنه جعل في حك الجسم حتى يدمي إطعام مسكين (٣).

هذا كله مع انتفاء الضرورة إلى إخراج الدم ، أما معها فقال في التذكرة : إنه جائز بلا خلاف ، ولا فدية فيه إجماعا (٤).

قوله : ( وقص الأظفار ).

أجمع فقهاء الأمصار كافة على أن المحرم ممنوع من قص الأظفار مع الاختيار ، قاله في التذكرة (٥). ويدل عليه روايات كثيرة ، منها صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « من قلم أظافيره ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم » (٦) ويستفاد من هذه الرواية أن الحكم ليس مقصورا على القص ، أعني قطعها بالمقصّ ، بل هو متناول لمطلق الإزالة ، لأن القلم لغة مطلق القطع.

ولو انكسر ظفره وتأذى ببقائه فقال في التذكرة : إن له إزالته بلا خلاف‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٠٦ ـ ١٠٤٥ ، الإستبصار ٢ : ١٨٣ ـ ٦٠٩ ، الوسائل ٩ : ١٤٤ أبواب تروك الإحرام ب ٦٢ ح ٤.

(٢) الدروس : ١١٠.

(٣) الكافي في الفقيه : ٢٠٤.

(٤) التذكرة ١ : ٣٣٩.

(٥) التذكرة ١ : ٣٣٩.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٣ ـ ١١٤٥ ، الإستبصار ٢ : ١٩٥ ـ ٦٥٥ ، الوسائل ٩ : ٢٩١ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٠ ح ٥.

٣٦٨

وقطع الشجر والحشيش ، إلا أن ينبت في ملكه. ويجوز قلع شجر الفواكه والإذخر والنخل وعودي المحالة على رواية.

______________________________________________________

وإن وجبت الفدية (١). ويدل على الحكمين ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن معاوية بن عمار : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم تطول أظفاره أو ينكسر بعضها فيؤذيه ، قال : « لا يقص منها شيئا إن استطاع ، فإن كانت تؤذيه فليقصها وليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام » (٢).

قوله : ( وقطع الشجر والحشيش ، إلا أن ينبت في ملكه ، ويجوز قلع شجر الفواكه ، والإذخر ، والنخل ، وعودي المحالة على رواية ).

المراد بالشجر والحشيش : النابتين في الحرم. وهذا الحكم ـ أعني تحريم قطعهما على المحرم ـ مجمع عليه في الجملة. قال في المنتهى : يحرم على المحرم قطع شجر الحرم ، وهو قول علماء الأمصار (٣). وقال في التذكرة : أجمع علماء الأمصار على تحريم قطع شجر الحرم غير الإذخر وما أنبته الآدمي من البقول والزروع والرياحين (٤).

والأصل في هذه المسألة الأخبار المستفيضة كصحيحة حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كل شي‌ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين ، إلا ما أنبتّه أنت أو غرسته » (٥).

وصحيحة معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل فقال : « حرم فرعها لمكان أصلها » قال ، قلت : فإن أصلها في الحل وفرعها في الحرم؟ فقال : « حرم أصلها‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٣٩.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٨ ـ ١٠٧٧ ، الوسائل ٩ : ٢٩٣ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٢ ح ٤.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٩٧.

(٤) التذكرة ١ : ٣٤٠.

(٥) الكافي ٤ : ٢٣٠ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ١٦٦ ـ ٧١٨ ، التهذيب ٥ : ٣٨٠ ـ ١٣٢٥ ، الوسائل ٩ : ١٧٣ أبواب تروك الإحرام ب ٨٦ ح ٤.

٣٦٩

______________________________________________________

لمكان فرعها » (١).

وموثقة زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « حرم الله حرمه بريدا في بريدان يختلى خلاه ، ويعضد شجره إلا الإذخر » (٢) والخلى ـ مقصور ـ : الرطب من النبات ، واختلاء النبات جزّه ، قاله في القاموس (٣).

وقد استثنى المصنف وغيره (٤) من ذلك أربعة أشياء :

الأول : ما ينبت في ملك الإنسان ، واستدلوا عليه برواية حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم فقال : « إن بنى المنزل والشجرة فيه فليس له أن يقلعها ، وإن كانت نبتت في منزله وهو له قلعها » (٥) دلت الرواية على جواز قطع الشجرة من المنزل ، ولا قائل بالفصل بينه وبين غيره ، ولا بين الشجر والحشيش. وللمناقشة في أمثال هذه التعميمات مجال ، مع أن في طريق هذه الرواية محمد بن يحيى الصيرفي وهو مجهول. وكيف كان فلا ريب في جواز قطع (٦) ما أنبته الإنسان ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة حريز : « إلا ما أنبتّه أنت أو غرسته ».

الثاني : شجر الفواكه ، وقد قطع الأصحاب بجواز قلعه سواء أنبته الله تعالى أو الآدميون ، وظاهر المنتهى أنه موضع وفاق بين الأصحاب (٧). ويدل عليه ما رواه ابن بابويه في الحسن ، عن سليمان بن خالد : أنه سأل أبا‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣١ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ١٦٥ ـ ٧١٧ ، التهذيب ٥ : ٣٧٩ ـ ١٣٢١ ، الوسائل ٩ : ١٧٧ أبواب تروك الإحرام ب ٩٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٨١ ـ ١٣٣٢ ، الوسائل ٩ : ١٧٤ أبواب تروك الإحرام ب ٨٧ ح ٤.

(٣) القاموس المحيط ٤ : ٣٢٧.

(٤) كالعلامة في المنتهى ٢ : ٧٩٧.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٨٠ ـ ١٣٢٧ ، الوسائل ٩ : ١٧٤ أبواب تروك الإحرام ب ٨٧ ح ٣.

(٦) في « ض » : قلع.

(٧) المنتهى ٢ : ٧٩٧.

٣٧٠

______________________________________________________

عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقطع من الأراك الذي بمكة قال : « عليه ثمنه يتصدق به ، ولا ينزع من شجر مكة شي‌ء إلا النخل وشجر الفواكه » (١). وإطلاق الإذن في النزع يتناول القلع والقطع. ولو كان الشجر مما أنبته الآدميون جاز قلعه وقطعه بغير إشكال ، لصحيحة حريز المتقدمة.

الثالث : شجر الإذخر ، وقد نقل العلامة في التذكرة والمنتهى الإجماع على جواز قطعه (٢). ويدل عليه قوله عليه‌السلام في موثقة زرارة المتقدمة « إلا الإذخر ».

الرابع : عودا المحالة ، وهما اللذان يجعل عليهما المحالة ليستقى بها ، والمحالة بفتح الميم على ما نص عليه الجوهري : البكرة العظيمة (٣). ويدل على هذا الاستثناء ما رواه الشيخ ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « رخص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قطع عودي المحالة ـ وهي البكرة التي يستقى بها ـ من شجر الحرم والإذخر » (٤) وفي الطريق ضعف (٥).

ولا بأس بقطع اليابس من الشجر والحشيش ، للأصل ، ولأنه ميت فلم يبق له حرمة ، ولأن الخلى المحرم جزّه الرطب من النبات ، لا مطلق النبات.

ويجوز للمحرم أن يأخذ الكمأة من الحرم ، لأنه ليس بحشيش ، وأن يترك إبله لترعى الحشيش وإن حرم عليه قطعه ، للأصل ، وصحيحة حريز بن عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « تخلي عن البعير في الحرم‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٦٦ ـ ٧٢٠ ، الوسائل ٩ : ٣٠١ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٨ ح ٢.

(٢) التذكرة ١ : ٣٤١ ، والمنتهى ٢ : ٧٩٨.

(٣) الصحاح ٥ : ١٨١٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨١ ـ ١٣٣٠ ، الوسائل ٩ : ١٧٤ أبواب تروك الإحرام ب ٨٧ ح ٥.

(٥) بالإرسال وغيره.

٣٧١

وتغسيل المحرم لو مات بالكافور.

______________________________________________________

يأكل ما شاء » (١).

بل لو قيل بجواز نزع الحشيش للإبل لم يكن بعيدا ، للأصل ، وصحيحة جميل ومحمد بن حمران قالا : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن النبت الذي في أرض الحرم أينزع؟ فقال : « أما شي‌ء تأكله الإبل فليس به بأس أن تنزعه » (٢).

وقال الشيخ في التهذيب : قوله عليه‌السلام « لا بأس أن تنزعه » يعني الإبل ، لأن الإبل يخلى عنها ترعى كيف شاءت ، واستدل على ذلك بصحيحة حريز المتقدمة. وليس بين الروايتين تناف يقتضي المصير إلى ما ذكره من التأويل.

واعلم أن قطع شجرة الحرم كما يحرم على المحرم يحرم على المحل أيضا ، كما صرح به الأصحاب ، ودلت عليه النصوص. وحينئذ فكان المناسب أن لا يجعل ذلك من تروك الإحرام ، بل يجعل مسألة برأسها كما فعل في الدروس (٣).

قوله : ( وتغسيل المحرم لو مات بالكافور ).

أي لا يجوز ذلك ، لأن الكافور طيب. وكذا لا يجوز تحنيطه به ، وقد ورد بذلك روايات كثيرة ، منها صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : عن المحرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال : « يغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال ، غير أنه لا يقربه طيبا » (٤) والأصح عدم وجوب‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣١ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ١٦٦ ـ ٧١٩ ، التهذيب ٥ : ٣٨١ ـ ١٣٢٩ ، الوسائل ٩ : ١٧٦ أبواب تروك الإحرام ب ٨٩ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٨٠ ـ ١٣٢٨ ، الوسائل ٩ : ١٧٧ أبواب تروك الإحرام ب ٨٩ ح ٢ ، وفيهما :

جميل وعبد الرحمن بن أبي نجران عن محمد بن حمران. قال : سألت.

(٣) الدروس : ١١١.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٤ ـ ١٣٣٨ ، الوسائل ٩ : ١٧٠ أبواب تروك الإحرام ب ٨٣ ح ١.

٣٧٢

ولبس السلاح لغير الضرورة ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

الغسل بمسه بعد الغسل ، لأنه غسل اختياري تام بالنسبة إلى المحرم.

قوله : ( ولبس السلاح لغير الضرورة ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه ).

القول بالتحريم مذهب الأكثر ، واستدل عليه بصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، أيحمل السلاح [ المحرم ] (١)؟ فقال : « إذا خاف المحرم عدوا أو سرقا فليلبس السلاح » (٢) وصحيحة عبد الله بن علي الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إن المحرم إذا خاف العدو فلبس السلاح فلا كفارة عليه » (٣).

وأجاب عنه في المنتهى بأن هذا الاحتجاج مأخوذ من دليل الخطاب ، وهو ضعيف عندنا (٤). وهو غير جيد ، لأن هذا المفهوم مفهوم شرط ، وهو حجة عنده وعند أكثر المحققين ، لكن يتوجه عليه أن المفهوم إنما يعتبر إذا لم يظهر للتعليق وجه سوى نفي الحكم عما عدا محل الشرط ، وهنا ليس كذلك ، إذ لا يبعد أن يكون التعليق باعتبار عدم الاحتياج إلى لبس السلاح عند انتفاء الخوف ، وأيضا فإن مقتضى الرواية الثانية لزوم الكفارة بلبس السلاح مع انتفاء الخوف ولا نعلم به قائلا ، ويمكن تأويلها بحمل السلاح على ما يجوز لبسه للمحرم ، كالدرع والبيضة ، ومعه يسقط الاحتجاج بها رأسا.

وبالجملة فالخروج عن مقتضى الأصل بمثل هاتين الروايتين مشكل ، والقول بالكراهة متجه ، إلا أن الاحتياط يقتضي اجتناب ذلك مع انتفاء الحاجة إليه ، أما مع الحاجة فيجوز إجماعا.

__________________

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٨٧ ـ ١٣٥٢ ، الوسائل ٩ : ١٣٧ أبواب تروك الإحرام ب ٥٤ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٨٧ ـ ١٣٥١ ، الوسائل ٩ : ١٣٧ أبواب تروك الإحرام ب ٥٤ ح ١.

(٤) المنتهى ٢ : ٨١١.

٣٧٣

والمكروهات عشرة :

الإحرام في الثياب المصبوغة بالسواد والعصفر وشبهه ، ويتأكد في السواد ،

______________________________________________________

قوله : ( والمكروهات عشرة : الإحرام في الثياب المصبوغة بالسواد والعصفر وشبهه ، ويتأكد في السواد ).

أما كراهة الإحرام في الثياب المصبوغة بالسواد فاستدل عليه في المنتهى بأنه لباس أهل النار فلا يقتدى بهم (١) ، وما رواه الشيخ ، عن الحسين بن مختار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يحرم الرجل في الثوب الأسود؟ قال : « لا يحرم في الثوب الأسود » (٢) وفي الطريق ضعف (٣). وقال الشيخ في النهاية : إن الإحرام في الثوب الأسود غير جائز (٤). ولعله يريد به الكراهة.

وأما كراهة المعصفر وشبهه فذكره المصنف وجمع من الأصحاب وقال في المنتهى : لا بأس بالمعصفر من الثياب ، ويكره إذا كان مشبعا ، وعليه علماؤنا (٥). وهو يؤذن بدعوى الإجماع عليه ، ثم استدل على الكراهة بما رواه الشيخ ، عن أبان بن تغلب ، قال : سأل أبا عبد الله عليه‌السلام أخي وأنا حاضر عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثم يغسل ، ألبسه وأنا محرم؟ قال : « نعم ، ليس العصفر من الطيب ولكن أكره أن تلبس ما يشهرك بين الناس » (٦).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٨٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٦٦ ـ ٢١٤ ، الوسائل ٩ : ٣٦ أبواب تروك الإحرام ب ٢٦ ح ١.

(٣) ووجه الضعف هو أن راويها واقفي ـ رجال الطوسي : ٣٤٦. ولأن من جملة رجالها الحسن بن علي ـ وهو ابن فضال ـ فطحي.

(٤) النهاية : ٢١٧.

(٥) المنتهى ٢ : ٦٨٢.

(٦) التهذيب ٥ : ٦٩ ـ ٢٢٤ ، الإستبصار ٢ : ١٦٥ ـ ٥٤١ ، الوسائل ٩ : ١٢٠ أبواب تروك الإحرام ب ٤٠ ح ٥.

٣٧٤

والنوم عليها ، وفي الثياب الوسخة وإن كانت طاهرة ،

______________________________________________________

وعن عامر بن جذاعة : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن مشبعات الثياب تلبسها المرأة المحرمة فقال : « لا بأس إلا المقدم المشهور » (١). وفي الروايتين ضعف من حيث السند(٢).

والأصح عدم كراهة المعصفر مطلقا لصحيحة علي بن جعفر : أنه سأل أخاه موسى عليه‌السلام ، أيلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر؟ فقال : « إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به » (٣).

ولا بأس بالإحرام في الثوب الأخضر ، لما رواه الشيخ وابن بابويه ، عن خالد بن أبي العلاء الخفاف ، قال : رأيت أبا جعفر عليه‌السلام وعليه رداء أخضر وهو محرم (٤).

قوله : ( والنوم عليها ).

أي على الثياب المصبوغة بالسواد والعصفر وشبهه ، واستدل عليه في المنتهى (٥) بما رواه الشيخ ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « يكره للمحرم أن ينام على الفراش الأصفر والمرفقة الصفراء » (٦) وكراهة الأصفر يقتضي كراهة الأسود بطريق أولى ، لكن في الطريق ضعف.

قوله : ( وفي الثياب الوسخة وإن كانت طاهرة ).

يدل على ذلك صحيحة العلاء بن رزين ، قال : سئل أحدهما‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٤٦ ـ ١٠ ، الفقيه ٢ : ٢٢٠ ـ ١٠١٥ ، الوسائل ٩ : ١١٩ أبواب تروك الإحرام ب ٤٠ ح ١.

(٢) ووجهه إهمال الراوي فيهما.

(٣) التهذيب ٥ : ٦٧ ـ ٢١٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ ـ ٥٤٠ ، قرب الإسناد : ١٠٤ ، الوسائل ٩ : ١٢٠ أبواب تروك الإحرام ب ٤٠ ح ٤.

(٤) الفقيه ٢ : ٢١٥ ـ ٩٧٨ ، ولم نعثر عليها في كتب الشيخ وهي موجودة في الكافي ٤ : ٣٣٩ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ٣٧ أبواب تروك الإحرام ب ٢٨ ح ١.

(٥) المنتهى ٢ : ٦٨٣.

(٦) التهذيب ٥ : ٦٨ ـ ٢٢١ ، الوسائل ٩ : ١٠٤ أبواب تروك الإحرام ب ٢٨ ح ٢.

٣٧٥

ولبس الثياب المعلمة ،

______________________________________________________

عليه‌السلام عن الثوب الوسخ أيحرم فيه المحرم؟ فقال : « لا ، ولا أقول إنه حرام ، ولكن يطهره أحب إليّ ، وطهره غسله » (١).

ولو عرض له الوسخ في أثناء الإحرام لم يغسل ما دامت طاهرة ، لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليه‌السلام ، قال : « لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحل وإن توسخ ، إلا أن تصيبه جنابة أو شي‌ء فيغسله » (٢).

قوله : ( ولبس الثياب المعلمة ).

الثوب المعلم : المشتمل على علم ، وهو لون يخالف لونه ليعرف به ، يقال : أعلم الثوب القصار فهو معلم بالبناء للفاعل ، والثوب معلم بسكون العين وفتح اللام. وقد قطع المصنف وجمع من الأصحاب بكراهة الإحرام فيه ، واستدلوا بصحيحة معاوية بن عمار قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا بأس أن يحرم الرجل في الثوب المعلم ، وتركه أحب إليّ إذا قدر على غيره » (٣).

وفي الدلالة نظر ، مع أن ابن بابويه روى في الصحيح ، عن الحلبي ، قال : سألته ـ يعني أبا عبد الله عليه‌السلام ـ عن الرجل يحرم في ثوب له علم ، فقال : « لا بأس به » (٤) وفي الصحيح عن ليث المرادي : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الثوب المعلم ، هل يحرم فيه الرجل؟ قال : « نعم ، إنما يكره الملحم » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٦٨ ـ ٢٢٢ ، الوسائل ٩ : ١١٨ أبواب تروك الإحرام ب ٣٨ ح ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٧١ ـ ٢٣٤ ، الوسائل ٩ : ١١٧ أبواب تروك الإحرام ب ٣٨ ح ١.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١٦ ـ ٩٨٦ ، التهذيب ٥ : ٧١ ـ ٢٣٥ ، الوسائل ٩ : ١١٨ أبواب تروك الإحرام ب ٣٩ ح ٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٢١٦ ـ ٩٨٥ ، الوسائل ٩ : ١١٩ أبواب تروك الإحرام ب ٣٩ ح ٤.

(٥) الكافي ٤ : ٣٤٢ ـ ١٦ ، الفقيه ٢ : ٢١٦ ـ ٩٨٧ ، الوسائل ٩ : ١١٨ أبواب تروك الإحرام ب ٣٩ ح ١.

٣٧٦

واستعمال الحنّاء للزينة ، وكذا للمرأة ولو قبل الإحرام إذا قارنته ،

______________________________________________________

قوله : ( واستعمال الحنّاء للزينة ، وكذا للمرأة ولو قبل الإحرام إذا قارنته ).

اختلف الأصحاب في استعمال الحناء للزينة في حال الإحرام ، فذهب الأكثر إلى كراهته ، واستوجه العلامة في المختلف التحريم (١) ، واختاره الشارح (٢) ـ قدس‌سره ـ وهو جيد ، لأن مقتضى قوله عليه‌السلام في صحيحة حريز : « لا تنظر في المرآة وأنت محرم ، لأنه من الزينة ، ولا تكتحل المرأة بالسواد ، إن السواد زينة » (٣) تحريم كلما يتحقق به الزينة.

ولا ينافي ذلك ما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الحناء فقال : « إن المحرم ليمسه ويداوي به بعيره ، وما هو بطيب ، وما به بأس » (٤) لأن الزينة لا تتحقق بمسه على هذا الوجه.

قال الشارح قدس‌سره : ولو اتخذه للسنة فلا تحريم ولا كراهة والفارق القصد (٥). ويمكن المناقشة فيه بأن قصد السنة به لا يخرجه عن كونه زينة كما تقدم في الاكتحال. ولا ريب أن اجتنابه مطلقا أحوط.

وأما كراهة استعمال الحناء قبل الإحرام إذا قارنه فيدل عليه رواية أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن امرأة خافت الشقاق ، فإذا أرادت أن تحرم ، هل تخضب يديها بالحناء قبل ذلك؟ قال :

__________________

(١) المختلف : ٢٦٩.

(٢) المسالك ١ : ١١١ ، والروضة ٢ : ٢٤٤.

(٣) الكافي ٤ : ٣٥٦ ـ ١ ، وفي الفقيه ٢ : ٢٢١ ـ ١٠٣١ ، وعلل الشرائع : ٤٥٨ ـ ١ : صدر الحديث ، الوسائل ٩ : ١١٤ أبواب تروك الإحرام ب ٣٤ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٥٦ ـ ١٨ ، الفقيه ٢ : ٢٢٤ ـ ١٠٥٢ ، التهذيب ٥ : ٣٠٠ ـ ١٠١٩ ، الوسائل ٩ : ١٠٠ أبواب تروك الإحرام ب ٢٣ ح ١.

(٥) المسالك ١ : ١١١.

٣٧٧

والنقاب للمرأة على تردد ،

______________________________________________________

« ما يعجبني أن تفعل » (١) وهذه الرواية مع ضعف سندها لا تدل على أزيد من الكراهة.

وقال الشارح قدس‌سره : إنه لا فرق بين الواقع بعد نية الإحرام وبين السابق عليه إذا كان يبقى بعده (٢). وجزم في الروضة بتحريم الحناء قبل الإحرام إذا بقي أثره إليه (٣) ، والرواية قاصرة عن إفادة ذلك ، ويستفاد منها أن محل الكراهة استعماله عند إرادة الإحرام ، وعلى هذا فلا يكون استعماله قبل ذلك محرما ولا مكروها.

قوله : ( والنقاب للمرأة على تردد ).

القول بتحريم النقاب للمرأة مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا. ويدل عليه ما رواه الشيخ في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « مر أبو جعفر عليه‌السلام بامرأة متنقبة وهي محرمة فقال : أحرمي وأسفري وجهك وأرخي ثوبك من فوق رأسك فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك » (٤).

وفي الحسن عن عبد الله بن ميمون ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام ، قال : « المحرمة لا تتنقب ، لأن إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه » (٥).

وربما كان الوجه في تردد المصنف في ذلك الالتفات إلى ظاهر النهي‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٢٣ ـ ١٠٤٢ ، التهذيب ٥ : ٣٠٠ ـ ١٠٢٠ ، الوسائل ٩ : ١٠٠ أبواب تروك الإحرام ب ٢٣ ح ٢.

(٢) المسالك ١ : ١١١.

(٣) الروضة البهية ٢ : ٢٤٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٧٤ ـ ٢٤٥ ، الوسائل ٩ : ١٢٩ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٣.

(٥) لم نعثر عليها في كتب الشيخ ، وهي موجودة في الكافي ٤ : ٣٤٥ ـ ٧ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ ـ ١٠٠٩ ، الوسائل ٩ : ١٢٩ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ١.

٣٧٨

ودخول الحمام ، وتدليك الجسد فيه ، وتلبيته من يناديه ،

______________________________________________________

المستفاد من هاتين الروايتين ، وإلى قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة العيص بن القاسم : « المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين ، وكره النقاب » (١) فإن العدول عن استثنائه بلفظ غير إلى الحكم بكراهته يقتضي عدم تحريمه ، لكن الكراهة تستعمل في كلامهم كثيرا بمعنى التحريم ، فلا يمكن التعلق بهذا اللفظ في الخروج عن ظاهر النهي.

قوله : ( ودخول الحمام ).

يدل على ذلك ما رواه الشيخ ، عن عقبة بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن المحرم يدخل الحمام ، قال : « لا يدخل » (٢). وإنما حملنا النهي هنا على الكراهة جمعا بين هذه الرواية وبين ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس أن يدخل المحرم الحمام ، ولكن لا يتدلك » (٣) ونقل العلامة في التذكرة إجماع علمائنا على انتفاء التحريم (٤).

قوله : ( وتدليك الجسد فيه ).

وكذا في غيره ، ويدل عليه مضافا إلى ما سبق ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يغتسل فقال : « نعم ، يفيض الماء على رأسه ولا يدلكه » (٥).

قوله : ( وتلبية من يناديه ).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٤٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٧٣ ـ ٢٤٣ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٨ ـ ١٠٩٩ ، الوسائل ٩ : ٤٣ أبواب تروك الإحرام ب ٣٣ ح ٩.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٨٦ ـ ١٣٤٩ ، الإستبصار ٢ : ١٨٤ ـ ٦١٢ ، الوسائل ٩ : ١٦١ أبواب تروك الإحرام ب ٧٦ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣١٤ ـ ١٠٨١ و ٣٨٦ ـ ١٣٥٠ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ ـ ٦١١ ، الوسائل ٩ : ١٦١ أبواب تروك الإحرام ب ٧٦ ح ١.

(٤) التذكرة ١ : ٣٤٠.

(٥) التهذيب ٥ : ٣١٣ ـ ١٠٧٩ ، الوسائل ٩ : ١٦٠ أبواب تروك الإحرام ب ٧٥ ح ١.

٣٧٩

واستعمال الرياحين.

خاتمة :

كل من دخل مكة وجب أن يكون محرما ،

______________________________________________________

بأن يقول له : لبيك ، لأنه في مقام التلبية لله فلا يشرك غيره فيها ، ولما‌ رواه الكليني في الصحيح ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ليس للمحرم أن يلبي من دعاه حتى ينقضي إحرامه » قلت : كيف يقول؟ قال : « يقول : يا سعد » (١).

قوله : ( واستعمال الرياحين ).

بل الأصح تحريم استعمالها ، لورود النهي عنه في صحيحتي حريز (٢) وعبد الله بن سنان (٣) ، وقد تقدم الكلام في ذلك (٤). ويستثنى من الرياحين الشيح والخزامي والإذخر والقيصوم إن أطلق عليها اسم الريحان ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « لا بأس أن تشم الإذخر والقيصوم والخزامى والشيح وأشباهه وأنت محرم » (٥) والظاهر أن المراد بأشباهه مطلق نبات الصحراء ، فيكون المراد بالرياحين المحرمة ما ينبته الآدميون من ذلك ، ويحتمل أن يراد به ما هو أخص من ذلك.

قوله : ( كل من دخل مكة وجب أن يكون محرما ).

أجمع الأصحاب على أنه لا يجوز لأحد دخول مكة بغير إحرام عدا ما استثني ، وأخبارهم به ناطقة ، فروى الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٦ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ١٧٨ أبواب تروك الإحرام ب ٩١ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٩٧ ـ ١٠٠٧ ، الإستبصار ٢ : ١٧٨ ـ ٥٩١ ، الوسائل ٩ : ٩٥ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٠٧ ـ ١٠٤٨ ، الوسائل ٩ : ٩٥ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١٠.

(٤) في ص : ٣١٨.

(٥) الكافي ٤ : ٣٥٥ ـ ١٤ ، الفقيه ٢ : ٢٢٥ ـ ١٠٥٧ ، التهذيب ٥ : ٣٠٥ ـ ١٠٤١ ، الوسائل ٩ : ١٠١ أبواب تروك الإحرام ب ٢٥ ح ١.

٣٨٠