مدارك الأحكام - ج ٧

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٧

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

والجدال ، وهو قول : لا والله ، وبلى والله.

______________________________________________________

الكذب والسباب (١) ، وفي صحيحة علي بن جعفر بأنه الكذب والمفاخرة (٢) ، والجمع بينهما يقتضي المصير إلى أن الفسوق هو الكذب خاصة ، لاقتضاء الأولى نفي المفاخرة ، والثانية نفي السباب.

لكن قال في المختلف : إن المفاخرة لا تنفك عن السباب ، إذ المفاخرة إنما تتم بذكر فضائل له وسلبها عن خصمه ، أو سلب رذائل عنه وإثباتها لخصمه ، وهذا هو معنى السباب (٣). ولا بأس به.

وكيف كان فلا ريب في تحريم الجميع ، ولا كفارة في الفسوق سوى الاستغفار ، ولما رواه الحلبي ومحمد بن مسلم في الصحيح ، أنهما قالا لأبي عبد الله عليه‌السلام : أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال : « لم يجعل الله له حدا ، يستغفر الله ويلبي » (٤).

قوله : ( والجدال ، وهو قول : لا والله ، وبلى والله ).

هذا التفسير مروي في عدة روايات ، كرواية معاوية بن عمار المتقدمة ، وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام أنه قال : « والجدال قول الرجل : لا والله ، وبلى والله (٥) وفي صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار ، عن الصادق عليه‌السلام : « إنما الجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله » (٦).

ويستفاد من هذه الروايات انحصار الجدال في هاتين الصيغتين ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٧ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٩٦ ـ ١٠٠٣ ، الوسائل ٩ : ١٠٨ أبواب تروك الإحرام ب ٣٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٩٧ ـ ١٠٠٥ ، الوسائل ٩ : ١٠٩ أبواب تروك الإحرام ب ٣٢ ح ٤.

(٣) المختلف : ٢٧٠.

(٤) الفقيه ٢ : ٢١٢ ـ ٩٦٨ ، الوسائل ٩ : ١٠٨ أبواب تروك الإحرام ب ٣٢ ح ٢.

(٥) تقدمت الإشارة إليها في هامش ٢.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٦ ـ ١١٥٧ ، الوسائل ٩ : ١٠٩ أبواب تروك الإحرام ب ٣٢ ح ٣.

٣٤١

وقتل هوام الجسد ، حتى القمل.

______________________________________________________

وقيل : يتعدى إلى كل ما يسمى يمينا (١) ، واختاره الشهيد في الدروس (٢) ، ولعل مستنده إطلاق قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « إن الرجل إذا حلف ثلاثة أيمان في مقام ولاء وهو محرم فقد جادل وعليه حد الجدال دم يهريقه ويتصدق به » (٣) وهو ضعيف ، لأن هذا الإطلاق غير مناف للحصر المتقدم.

وهل الجدال مجموع اللفظين ، أعني لا والله وبلى والله ، أو إحداهما؟ قولان ، أظهرهما الثاني ، وهو خيرة المنتهى (٤).

ولو اضطر إلى اليمين لإثبات حق أو نفي باطل فالأقرب جوازه ولا كفارة ، وقال ابن الجنيد : يعفى عن اليمين في طاعة الله وصلة الرحم ما لم يدأب في ذلك (٥). ونفى عنه البأس في المختلف (٦) ، ويشهد له ما رواه الكليني في الصحيح ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير ـ والظاهر أنه ليث المرادي بقرينة رواية ابن مسكان عنه ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن المحرم يريد أن يعمل العمل فيقول له صاحبه : والله لا تعمله ، فيقول : والله لأعملنه ، فيخالفه مرارا ، أيلزمه ما يلزم صاحب الجدال؟ قال : « لا ، إنما أراد بهذا إكرام أخيه ، إنما ذلك في ما كان فيه معصية » (٧).

قوله : ( وقتل هوامّ الجسد ، حتى القمل ).

الهوامّ بالتشديد : جمع هامّة ـ به أيضا ـ وهي الدابة ، قاله في‌

__________________

(١) كما في جامع المقاصد ١ : ١٦٥.

(٢) الدروس : ١١٠.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٥ ـ ١١٥٢ ، الوسائل ٩ : ٢٨٠ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ٥.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٤٤.

(٥) نقله عنه ونفى عنه البأس في المختلف : ٢٧١.

(٦) نقله عنه ونفى عنه البأس في المختلف : ٢٧١.

(٧) الكافي ٤ : ٣٣٨ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ١١٠ أبواب تروك الإحرام ب ٣٢ ح ٧ ، ورواها في الفقيه ٢ : ٢١٤ ـ ٩٧٣ ، وعلل الشرائع : ٤٥٧ ـ ١ ، والمستطرفات ( السرائر ) : ٤٧٤.

٣٤٢

______________________________________________________

القاموس (١). وهذا الحكم ، أعني تحريم قتل هوامّ الجسد من القمل والبراغيث والصّئبان (٢) على المحرم سواء كان على الثوب أو الجسد هو المشهور بين الأصحاب ، ونقل عن الشيخ في المبسوط (٣) وابن حمزة (٤) أنهما جوّزا قتل ذلك على البدن.

احتج القائلون بالتحريم مطلقا (٥) بما رواه الشيخ ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها فقال : « يطعم مكانها طعاما » (٦).

وعن حماد بن عيسى ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها ، قال : « يطعم مكانها طعاما » (٧).

وعن الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « المحرم لا ينزع القمل من جسده ولا من ثوبه متعمدا ، وإن قتل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده » (٨).

وهذه الروايات إنما تدل على تحريم قتل القملة خاصة ، والأجود الاستدلال على تحريم قتل الجميع بما رواه الكليني في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا أحرمت فاتق قتل‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ١٩٤.

(٢) الصّؤابة بالهمز بيضة القملة ، والجمع الصّؤاب والصّئبان. لسان العرب ١ : ٥١٤.

(٣) المبسوط ١ : ٣٣٩.

(٤) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٨٧.

(٥) منهم الشيخ في التهذيب ٥ : ٣٣٦.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٦ ـ ١١٥٩ ، الإستبصار ٢ : ١٩٦ ـ ٦٦٠ ، الوسائل ٩ : ٢٩٧ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٥ ح ٢.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٣٦ ـ ١١٥٨ ، الإستبصار ٢ : ١٩٦ ـ ٦٥٩ ، الوسائل ٩ : ٢٩٧ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٥ ح ١.

(٨) التهذيب ٥ : ٣٣٦ ـ ١١٦٠ ، الإستبصار ٢ : ١٩٦ ـ ٦٦١ ، الوسائل ٩ : ٢٩٧ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٥ ح ٣.

٣٤٣

ويجوز نقله من مكان إلى آخر من جسده. ويجوز إلقاء القراد والحلم.

______________________________________________________

الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة » (١).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة ، قال : سألته عن المحرم ، هل يحك رأسه أو يغتسل بالماء؟ فقال : « يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة » (٢) ودابة الرأس تتناول القمل وغيره.

قوله : ( ويجوز نقله من مكان إلى آخر من جسده ).

يدل على ذلك قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « فإذا أراد أن يحول قملة من مكان إلى مكان فلا يضره » (٣).

وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين نقله إلى مكان أحرز مما كان فيه أو غيره. وقيده بعض المتأخرين بالمساوي أو الأحرز (٤) ، وهو تقييد لإطلاق النص من غير دليل. نعم يمكن القول بالمنع من وضعه في محل يكون معرضا للسقوط ، لأنه يؤول إلى الإلقاء المحرّم ، وفيه ما فيه.

قوله : ( ويجوز إلقاء القراد والحلم ).

الحلم ـ بفتح الحاء واللام ـ : واحدة حلمة بالفتح أيضا القراد العظيم ، قاله الجوهري (٥) ، وقد قطع المصنف وأكثر الأصحاب بجواز إلقاء القراد والحلم عن نفسه وبعيره ، واستدلوا عليه بأصالة الإباحة ، وما رواه الكليني في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أرأيت إن وجدت عليّ قرادا أو حلمة أطرحهما؟ قال : « نعم وصغار لهما ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٣ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ١٦٦ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٣٠ ـ ١٠٩٢ ، المقنع : ٧٥ ، الوسائل ٩ : ١٥٩ أبواب تروك الإحرام ب ٧٣ ح ٤.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٣٠ ـ ١٠٩١ ، التهذيب ٥ : ٣٣٦ ـ ١١٦١ ، الوسائل ٩ : ١٦٣ أبواب تروك الإحرام ب ٧٨ ح ٥.

(٤) اختاره في المسالك ١ : ١١٠.

(٥) الصحاح ٥ : ١٩٠٣.

٣٤٤

ويحرم لبس الخاتم للزينة ـ ويجوز للسنّة

______________________________________________________

إنهما رقيا في غير مرقاهما » (١) ولا دلالة في هذه الرواية على جواز إلقائهما عن البعير.

وقال الشيخ في التهذيب : ولا بأس أن يلقي المحرم القراد عن بعيره ، وليس له أن يلقي الحلمة. واستدل عليه بما رواه ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن ألقى المحرم القراد عن بعيره فلا بأس ، ولا يلقي الحلمة » (٢) وفي طريق هذه الرواية إبراهيم ، وهو ابن أبي سماك ، وحاله غير معلوم ، لكنها مروية في كتاب من لا يحضره الفقيه بطريق صحيح (٣) (٤).

ويدل عليه أيضا حسنة حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن القراد ليس من البعير ، والحلمة من البعير بمنزلة القملة من جسدك ، فلا تلقها وألق القراد » (٥) ورواية عمر بن يزيد ، قال : « لا بأس أن تنزع القراد عن بعيرك ، ولا ترم الحلمة » (٦) وهذا التفصيل لا يخلو من قوة لصحة مستنده.

قوله : ( ويحرم لبس الخاتم للزينة ويجوز للسنة ).

أما تحريم لبس الخاتم للزينة فاستدل عليه برواية مسمع عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : وسألته أيلبس المحرم الخاتم؟ قال : « لا يلبسه للزينة » (٧) وفي الطريق ضعف ، لكن مقتضى قوله عليه‌السلام في صحيحة‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٢ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ١٦٤ أبواب تروك الإحرام ب ٧٩ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٨ ـ ١١٦٧ ، الوسائل ٩ : ١٦٥ أبواب تروك الإحرام ب ٨٠ ح ١.

(٣) في « م » : حسن.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٣٢ ـ ١١٠٦.

(٥) الكافي ٤ : ٣٦٤ ـ ٨ ، الفقيه ٢ : ٢٣٢ ـ ١١٠٧ ، الوسائل ٩ : ١٦٥ أبواب تروك الإحرام ب ٨٠ ح ٢.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٨ ـ ١١٦٨ ، الوسائل ٩ : ١٦٥ أبواب تروك الإحرام ب ٨٠ ح ٤.

(٧) التهذيب ٥ : ٧٣ ـ ٢٤٢ ، الإستبصار ٢ : ١٦٥ ـ ٥٤٤ ، الوسائل ٩ : ١٢٧ أبواب تروك الإحرام ب ٤٦ ح ٤.

٣٤٥

ولبس المرأة الحليّ للزينة ، وما لم يعتد لبسه منه على الأولى ،

______________________________________________________

حريز « لا تنظر في المرآة وأنت محرم لأنه من الزينة ، ولا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ، إنّ السواد زينة » (١) تحريم كلما يتحقق به الزينة.

وأما جواز لبسه للسنة فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن إسماعيل ، قال : رأيت العبد الصالح وهو محرم وعليه خاتم وهو يطوف طواف الفريضة (٢). وفي الحسن عن ابن أبي نصر ، عن نجيح ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بلبس الخاتم للمحرم » (٣) وهو محمول على لبسه للسنة ، جمعا بين الروايات.

قوله : ( ولبس المرأة الحلي للزينة ، وما لم تعتد لبسه منه على الأولى ).

أما تحريم لبسه للزينة فلا إشكال فيه ، ويدل عليه مضافا إلى ما سبق‌ قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم : « المحرمة تلبس الحلي كله إلا حليا مشهورا للزينة » (٤) لكن مقتضى الرواية اختصاص التحريم بالمشهور منه أي الظاهر ، إلا أن الظاهر أن التزيّن إنما يتحقق به غالبا.

وأما تحريم لبس ما لم تعتد (٥) لبسه من الحلي وإن لم يكن بقصد الزينة فيمكن أن يستدل عليه بمفهوم قوله عليه‌السلام في صحيحة حريز : « إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للإحرام لم ينزع عنها » (٦) وقول المصنف في غير‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٥٦ ـ ١ ، وفي الفقيه ٢ : ٢٢١ ـ ١٠٣١ ، وعلل الشرائع : ٤٥٨ ـ ١ ، والوسائل ٩ : ١١٤ أبواب تروك الإحرام ب ٣٤ ح ٣ : صدر الحديث.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٣ ـ ٢٤١ ، الإستبصار ٢ : ١٦٥ ـ ٥٤٣ ، الوسائل ٩ : ١٢٧ أبواب تروك الإحرام ب ٤٦ ح ٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٧٣ ـ ٢٤٠ ، الإستبصار ٢ : ١٦٥ ـ ٥٤٢ ، الوسائل ٩ : ١٢٧ أبواب تروك الإحرام ب ٤٦ ح ١ ، ورواها في الكافي ٤ : ٣٤٣ ـ ٢٢.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٢٠ ـ ١٠١٦ ، التهذيب ٥ : ٧٥ ـ ٢٤٩ ، الإستبصار ٢ : ٣١٠ ـ ١١٠٥ ، الوسائل ٩ : ١٣٢ أبواب تروك الإحرام ب ٤٩ ح ٤.

(٥) في « ض » : يعتد.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٢٠ ـ ١٠٢١ ، الوسائل ٩ : ١٣٢ أبواب تروك الإحرام ب ٤٩ ح ٩.

٣٤٦

ولا بأس بما كان معتادا لها ، لكن يحرم عليها إظهاره لزوجها.

واستعمال دهن فيه طيب محرّم بعد الإحرام ، وقبله إذا كان ريحه يبقى إلى الإحرام.

______________________________________________________

المعتاد : على الأولى ، يشعر بعدم جزمه بتحريمه ، وكأن وجهه عدم دلالة النصوص عليه صريحا ، وتعميم الإباحة في رواية محمد بن مسلم لكل حلي إلا الحلي المشهور للزينة (١).

قوله : ( ولا بأس بما كان معتادا لها ، لكن يحرم عليها إظهاره لزوجها ).

أي ولا بأس بلبس ما كان معتادا لها من الحلي إذا لم يكن للزينة ، وقد ورد بذلك روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المرأة يكون عليها الحلي والخلخال والمسكة والقرطان من الذهب والورق تحرم فيه وهو عليها وقد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها ، أتنزعه إذا أحرمت أو تتركه على حاله؟ قال : « تحرم فيه وتلبسه وتلبس من غير أن تظهره للرجال في مركبها ومسيرها » (٢).

ومقتضى الرواية تحريم إظهاره للرجال مطلقا ، فيندرج في ذلك الزوج والمحارم وغيرهما ، فلا وجه لتخصيص الحكم بالزوج. ولا شي‌ء في لبس الحلي والخاتم المحرّمين سوى الاستغفار.

قوله : ( واستعمال دهن فيه طيب محرّم بعد الإحرام وقبله إذا كان ريحه يبقى إلى الإحرام ).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٢٠ ـ ١٠١٦ ، التهذيب ٥ : ٧٥ ـ ٢٤٩ ، الإستبصار ٢ : ٣١٠ ـ ١١٠٥ ، الوسائل ٩ : ١٣٢ أبواب تروك الإحرام ب ٤٩ ح ٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٥ ـ ٢٤٨ ، الإستبصار ٢ : ٣١٠ ـ ١١٠٤ ، الوسائل ٩ : ١٣١ أبواب تروك الإحرام ب ٤٩ ح ١.

٣٤٧

______________________________________________________

أما تحريم استعمال الأدهان الطيبة كدهن الورد والبنفسج والبان في حال‌ الإحرام فقال في المنتهى : إنه قول عامة أهل العلم ، ويجب به الفدية إجماعا (١).

وأما تحريم استعمالها قبل الإحرام إذا كانت رائحته تبقى إلى وقت الإحرام فهو قول الأكثر ، وجعله ابن حمزة مكروها (٢) ، والأصح التحريم ، لورود النهي عنه في عدة روايات ، كحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر ، من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم ، وادهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل » (٣).

ورواية علي بن أبي حمزة ، قال : سألته عن الرجل يدهن بدهن فيه طيب وهو يريد أن يحرم ، فقال : « لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر تبقى ريحه في رأسك بعد ما تحرم ، وادهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم قبل الغسل وبعده ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل » (٤).

ومقتضى الروايتين جواز التدهن بغير المطلب قبل الإحرام ، ونقل عليه في التذكرة الإجماع (٥).

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في ذلك بين ما يبقى أثره إلى حال الإحرام وغيره ، واحتمل بعض الأصحاب تحريم الإدهان‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٨٧.

(٢) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٨٨.

(٣) الكافي ٤ : ٣٢٩ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٠٣ ـ ١٠٣٢ ، الاستبصار ٢ : ١٨١ ـ ٦٠٣ ، علل الشرائع : ٤٥١ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١٠٤ أبواب تروك الإحرام ب ٢٩ ح ١.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٠٢ ـ ٩٢١ ، التهذيب ٥ : ٣٠٢ ـ ١٠٣١ ، الإستبصار ٢ : ١٨١ ـ ٦٠٢ ، الوسائل ٩ : ١٠٥ أبواب تروك الإحرام ب ٢٩ ح ١.

(٥) التذكرة ١ : ٣٣٥.

٣٤٨

وكذا ما ليس بطيّب اختيارا بعد الإحرام ، ويجوز اضطرارا.

______________________________________________________

مما يبقى أثره بعد الإحرام قياسا على المطيب (١). وهو بعيد.

ولا يخفى أن تحريم الإدهان بالمطيب قبل الإحرام إنما يتحقق مع وجوب الإحرام وتضيّق وقته ، وإلاّ لم يكن الإدهان محرما وإن حرم إنشاء الإحرام قبل زوال أثره كما هو واضح.

قوله : ( وكذا ما ليس بطيب اختيارا بعد الإحرام ، ويجوز اضطرارا ).

اختلف الأصحاب في جواز الإدهان بغير الأدهان الطيبة كالشيرج والسمن والزيت اختيارا ، فمنعه الشيخ في النهاية والمبسوط (٢) وجمع من الأصحاب ، وسوغه المفيد (٣) وسلار (٤) وابن أبي عقيل (٥) وأبو الصلاح (٦) ، والمعتمد الأول.

لنا قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « ولا تمس شيئا من الطيب ولا من الدهن في إحرامك » (٧) وفي حسنة الحلبي : « فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل » (٨).

احتج المجوزون (٩) بأصالة الإباحة ، وما رواه الشيخ في الصحيح ،

__________________

(١) كما في المسالك ١ : ١١٠.

(٢) النهاية : ٢٢٠ ، والمبسوط ١ : ٣٢١.

(٣) المقنعة : ٦٨.

(٤) المراسم : ١٠٦.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٢٦٩.

(٦) الكافي في الفقه : ٢٠٣.

(٧) التهذيب ٥ : ٢٩٧ ـ ١٠٠٦ ، الإستبصار ٢ : ١٧٨ ـ ٥٩٠ ، الوسائل ٩ : ١٠٥ أبواب تروك الإحرام ب ٢٩ ح ٣.

(٨) الكافي ٤ : ٣٢٩ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٠٣ ـ ١٠٣٢ ، الاستبصار ٢ : ١٨١ ـ ٦٠٣ ، علل الشرائع : ٤٥١ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١٠٤ أبواب تروك الإحرام ب ٢٩ ح ١.

(٩) نقل احتجاجهم في المختلف : ٢٦٩.

٣٤٩

وإزالة الشعر ، قليله وكثيره ، ومع الضرورة لا إثم.

______________________________________________________

عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليه‌السلام ، قال : سألته عن محرم تشققت يداه قال ، فقال : « يدهنهما بزيت أو سمن أو إهالة » (١) وفي الصحيح عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا خرج بالمحرم الخراج أو الدمل فليبطه وليداوه بسمن أو زيت »(٢).

والجواب أما عن الأصل فبأنه إنما يصار إليه مع انتفاء ما يدل على خلافه وقد بيناه ، وأما عن الروايتين فبالقول بالموجب ، فإن الضرورة مبيحة لاستعماله إجماعا ، وموضع الخلاف الإدهان بغير المطيب لا استعماله مطلقا ، فإن أكله جائز إجماعا ، حكاه في التذكرة (٣).

ولو ادهن بغير المطيب فعل حراما ولا فدية فيه ، للأصل السالم من المعارض. أما المطيّب فقال في المنتهى : إنه تجب الفدية باستعماله ولو اضطر إليه (٤). لصحيحة معاوية بن عمار : في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج ، قال : « إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وإن كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه » (٥) وسيجي‌ء تمام الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى (٦).

قوله : ( وإزالة الشعر ، قليله وكثيره ، ومع الضرورة لا إثم ).

أما تحريم إزالة الشعر قليله وكثيره عن الرأس واللحية وسائر البدن بحلق ونتف وغيرهما مع الاختيار فقال في المنتهى : إنه مجمع عليه بين العلماء (٧). ويدل عليه مضافا إلى قوله تعالى : ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٠٤ ـ ١٠٣٧ ، الوسائل ٩ : ١٠٧ أبواب تروك الإحرام ب ٣١ ح ٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٠٤ ـ ١٠٣٦ ، الوسائل ٩ : ١٠٧ أبواب تروك الإحرام ب ٣١ ح ١.

(٣) التذكرة ١ : ٣٣٥.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٨٧.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠٤ ـ ١٠٣٨ ، الوسائل ٩ : ٢٨٥ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٤ ح ٥.

(٦) في ج ٨ ص ٤٤٨.

(٧) المنتهى ٢ : ٧٩٣.

٣٥٠

______________________________________________________

يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (١) روايات كثيرة كصحيحة زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « من حلق أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم » (٢).

وصحيحة حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم » (٣).

وصحيحة معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم كيف يحك رأسه؟ قال : « بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر » (٤).

وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن نتف المحرم من شعر لحيته وغيرها شيئا فعليه أن يطعم مسكينا في يده » (٥).

وروى الحلبي في الحسن أيضا ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يحتجم ، قال : لا إلا أن لا يجد بدا فليحتجم ، ولا يحلق مكان المحاجم » (٦).

وأما جواز إزالته مع الضرورة فموضع وفاق بين العلماء أيضا ، ويدل عليه مضافا إلى الأصل ونفي الحرج وعدم عموم الأخبار المانعة قوله تعالى : ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٧).

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦١ ـ ٨ بتفاوت يسير ، التهذيب ٥ : ٣٣٩ ـ ١١٧٤ ، الإستبصار ٢ : ١٩٩ ـ ٦٧٢ ، الوسائل ٩ : ٢٩١ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٠ ح ١.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٨ ـ ١٠٧٩ ، التهذيب ٥ : ٣٤٠ ـ ١١٧٧ ، الإستبصار ٢ : ١٩٩ ـ ٦٧٥ ، الوسائل ٩ : ٢٩٢ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١١ ح ١.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٢٩ ـ ١٠٨٦ بتفاوت يسير ، التهذيب ٥ : ٣١٣ ـ ١٠٧٦ ، الوسائل ٩ : ١٥٩ أبواب تروك الإحرام ب ٧٣ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٣٦١ ـ ٩ ، الوسائل ٩ : ٣٠٠ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٦ ح ٩.

(٦) الكافي ٤ : ٣٦٠ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١٤٣ أبواب تروك الإحرام ب ٦٢ ح ١.

(٧) البقرة : ١٩٦.

٣٥١

______________________________________________________

وصحيحة حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كعب بن عجرة (١) الأنصاري والقمل يتناثر من رأسه فقال : أتؤذيك هوامّك؟ فقال : نعم » قال : « فأنزلت هذه الآية ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٢) فأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحلق رأسه وجعل عليه الصيام ثلاثة أيام ، والصدقة على ستة مساكين لكل مسكين مدان ، والنسك شاة » وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « وكل شي‌ء في القرآن ( أو ) فصاحبه بالخيار يختار ما شاء وكل شي‌ء في القرآن ( فمن لم يجد فعليه كذا ) فالأول بالخيار » (٣).

فروع :

الأول : قال في المنتهى : لو كان له عذر من مرض أو وقع في رأسه قمل أو غير ذلك من أنواع الأذى جاز له الحلق إجماعا ، للآية ، والأحاديث السابقة ، ثم ينظر فإن كان الضرر اللاحق به من نفس الشعر فلا فدية عليه ، كما لو نبت في عينه أو نزل شعر حاجبه بحيث يمنعه الإبصار ، لأن الشعر أضر به ، فكان له إزالة ضرره ، كالصيد إذا صال عليه ، وإن كان الأذى من غير الشعر لكن لا يتمكن من إزالة الأذى إلا بحلق الشعر كالقمل والقروح برأسه والصداع من الحر بكثرة الشعر وجبت الفدية ، لأنه قطع الشعر لإزالة ضرر عنه ، فصار كما لو أكل الصيد للمخمصة ، لا يقال : القمل من ضرر الشعر والحر سببه كثرة الشعر فكان الضرر منه أيضا ، لأنا نقول : ليس القمل من الشعر وإنما لا يمكنه المقام إلا بالرأس ذي الشعر ، فهو محل لا سبب ، وكذلك الحر من الزمان ، لأن الشعر يوجد في البرد ولا يتأذى به ، فقد ظهر‌

__________________

(١) هكذا ضبطه في تنقيح المقال ٢ : ٣٩ ، وهو الموافق للمصادر ، وفي جميع النسخ : عجيزة.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) الكافي ٤ : ٣٥٨ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٣٣ ـ ١١٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٥ ـ ٦٥٦ ، المقنع : ٧٥ ، الوسائل ٩ : ٢٩٥ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٤ ح ١.

٣٥٢

وتغطية الرأس ،

______________________________________________________

إن الأذى في هذين النوعين ليس من الشعر (١). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وهو غير واضح.

والمتجه لزوم الفدية إذا كانت الإزالة بسبب (٢) المرض والأذى الحاصل في الرأس مطلقا ، لإطلاق الآية الشريفة ، دون ما عدا ذلك ، لأن الضرورة مسوغة لإزالته ، والفدية منتفية بالأصل.

الثاني : لو قطع يده وعليها شعر فقد قطع العلامة (٣) وغيره (٤) بأنه لا يضمن الشعر ، لأنه تابع لليد فلا ينفرد بالضمان ، واليد لا تضمن فديتها فكذلك التابع. ولا بأس به.

الثالث : لا يجوز للمحرم حلق رأس المحرم إجماعا ، وفي جواز حلقه رأس المحل قولان ، أصحهما المنع ، لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يأخذ المحرم من شعر الحلال » (٥).

قوله : ( وتغطية الرأس ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، بل قال في التذكرة : يحرم على الرجل حالة الإحرام تغطية رأسه اختيارا بإجماع العلماء (٦). ويدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : الرجل المحرم يريد أن ينام ، يغطي وجهه من الذباب؟ قال : « نعم ، ولا يخمّر رأسه » (٧).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٩٣ ولكن فيه وفي جميع النسخ : ليسا من الشعر. والصحيح ما أثبتناه.

(٢) في « ض » : لإزالة سبب.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٩٣ ، والتذكرة ١ : ٣٣٨.

(٤) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ١١٠.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٤٠ ـ ١١٧٩ ، الوسائل ٩ : ١٤٥ أبواب تروك الإحرام ب ٦٣ ح ١.

(٦) التذكرة ١ : ٣٣٦.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٠٧ ـ ١٠٥١ ، الإستبصار ٢ : ١٨٤ ـ ٦١٤ ، الوسائل ٩ : ١٣٨ أبواب تروك الإحرام ب ٥٥ ح ٥.

٣٥٣

______________________________________________________

وفي الصحيح عن حريز ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن محرم غطى رأسه ناسيا ، قال : « يلقي القناع عن رأسه ويلبي ولا شي‌ء عليه » (١).

وتنقيح المسألة يتم ببيان أمور :

الأول : صرح العلامة (٢) وغيره (٣) بأنه لا فرق في التحريم بين أن يغطي رأسه بالمعتاد كالعمامة والقلنسوة أو بغيره حتى الطين والحنّاء وحمل متاع يستره ، وهو غير واضح ، لأن المنهي عنه في الروايات المعتبرة تخمير الرأس ووضع القناع عليه والستر بالثوب ، لا مطلق الستر ، مع أن النهي لو تعلق به لوجب حمله على ما هو المتعارف منه ، وهو الستر بالمعتاد ، إلا أن المصير إلى ما ذكروه أحوط.

قال في التذكرة : ولو توسّد بوسادة فلا بأس ، وكذا لو توسّد بعمامة مكورة ، لأن المتوسّد يطلق عليه عرفا أنه مكشوف الرأس (٤). وهو حسن.

الثاني : لو ستر رأسه بيده أو ببعض أعضائه فالأظهر جوازه ، كما اختار العلامة في المنتهى (٥) ، واستشكله في التحرير (٦) ، وجعل في الدروس تركه أولى (٧). ويدل على الجواز مضافا إلى الأصل وعدم صدق الستر ووجوب مسح الرأس في الوضوء المقتضى لستره باليد في الجملة ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٠٧ ـ ١٠٥٠ ، الإستبصار ٢ : ١٨٤ ـ ٦١٣ ، الوسائل ٩ : ١٣٨ أبواب تروك الإحرام ب ٥٥ ح ٣ ، ورواها في الفقيه ٢ : ٢٢٧ ـ ١٠٧١.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٨٩ ، والتذكرة ١ : ٣٣٦ ، والتحرير ١ : ١١٤.

(٣) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ١١٠.

(٤) التذكرة ١ : ٣٣٦.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٩٠.

(٦) التحرير ١ : ١١٤.

(٧) الدروس : ١٠٨.

٣٥٤

______________________________________________________

بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس » وقال : « لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض » (١).

الثالث : ذكر جمع من الأصحاب أن المراد بالرأس هنا منابت الشعر خاصة حقيقة وحكما (٢) ، وظاهرهم خروج الأذنين منه ، وبه صرح الشارح قدس‌سره (٣). واستوجه العلامة في التحرير تحريم سترهما (٤) ، وهو متجه ، لما رواه الكليني في الصحيح ، عن عبد الرحمن ـ والظاهر أنه ابن الحجاج ـ قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المحرم يجد البرد في أذنيه يغطهما؟ قال : « لا » (٥).

الرابع : قال في المنتهى : يحرم تغطية بعض الرأس كما يحرم تغطيته ، لأن النهي عن إدخال الستر في الوجود يستلزم النهي عن إدخال أبعاضه (٦). وهو جيد لو ثبت ما ذكره ، لكنه غير ثابت.

والأجود الاستدلال عليه بما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول لأبي وشكى إليه حر الشمس وهو محرم وهو يتأذى به وقال : ترى أن أستتر بطرف ثوبي؟ قال : « لا بأس بذلك ما لم يصب رأسك » (٧) فإن إطلاق النهي عن إصابة الثوب الرأس يقتضي ذلك.

ويستثنى من ذلك وضع عصام القربة على الرأس لحملها ، فإنه جائز‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٠٨ ـ ١٠٥٥ ، الوسائل ٩ : ١٥٢ أبواب تروك الإحرام ب ٦٧ ح ٣.

(٢) في « م » و « ح » : أو حكما.

(٣) المسالك ١ : ١١١.

(٤) التحرير ١ : ١١٤.

(٥) الكافي ٤ : ٣٤٩ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ١٣٧ أبواب تروك الإحرام ب ٥٥ ح ١.

(٦) المنتهى ٢ : ٧٨٩.

(٧) لم نعثر عليها في كتب الشيخ ، وهي موجودة في الفقيه ٢ : ٢٢٧ ـ ١٠٦٨ ، الوسائل ٩ : ١٥٢ أبواب تروك الإحرام ب ٦٧ ح ٤.

٣٥٥

______________________________________________________

وإن تحقق به ستر البعض ، لصحيحة محمد بن مسلم : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يضع عصام القربة على رأسه إذا استسقى؟ قال : « نعم » (١) ولا يتقيد ذلك بالضرورة ، لإطلاق النص.

وتجوز العصابة للصداع لصحيحة معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بأن يعصب الرجل المحرم رأسه من الصداع » (٢) واستدل عليه في المنتهى أيضا بأنه غير ساتر لجميع العضو ، فكان سائغا كسير النعل (٣). وهو مناف لما ذكره أولا من أن ستر البعض كستر الكل.

الخامس : اختلف الأصحاب في جواز تغطية الرجل المحرم وجهه ، فذهب الأكثر إلى الجواز ، بل قال في التذكرة : إنه قول علمائنا أجمع (٤). ومنعه ابن أبي عقيل : وجعل كفارته إطعام مسكين في يده (٥). وقال الشيخ في التهذيب : فأما تغطية الوجه فيجوز مع الاختيار ، غير أنه يلزمه الكفارة ، ومتى لم ينو الكفارة لم يجز له ذلك (٦).

وقد ورد بالجواز مطلقا روايات كثيرة ، كصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (٧) ، وصحيحة زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : الرجل المحرم يريد أن ينام ، يغطي وجهه من الذباب؟ قال : « نعم ولا يخمّر رأسه » (٨).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٢١ ـ ١٠٢٤ ، الوسائل ٩ : ١٤٠ أبواب تروك الإحرام ب ٥٧ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٩ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٠٨ ـ ١٠٥٦ ، الوسائل ٩ : ١٥٦ أبواب تروك الإحرام ب ٧٠ ح ٤.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٨٩.

(٤) التذكرة ١ : ٣٣٧.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٢٨٦.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٠٨.

(٧) في ص ٣٥٥.

(٨) التهذيب ٥ : ٣٠٧ ـ ١٠٥١ ، الإستبصار ٢ : ١٨٤ ـ ٦١٤ ، الوسائل ٩ : ١٣٨ أبواب تروك الإحرام ب ٥٥ ح ٥.

٣٥٦

وفي معناه الارتماس.

______________________________________________________

وصحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يكره للمحرم أن يجوز بثوبه فوق أنفه » (١).

وصحيحة حفص بن البختري وهشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « يكره للمحرم أن يجوز ثوبه أنفه من أسفل » وقال : « اضح لمن أحرمت له » (٢).

ورواية منصور بن حازم ، قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام وقد توضأ وهو محرم ثم أخذ منديلا فمسح به وجهه » (٣).

احتج الشيخ في التهذيب على لزوم الكفارة بذلك بما رواه في الصحيح ، عن الحلبي ، قال : « المحرم إذا غطى وجهه فليطعم مسكينا في يده » قال : « ولا بأس أن ينام على وجهه على راحلته » (٤).

وأجيب عن الرواية بالحمل على الاستحباب (٥). وهو غير بعيد ، لإطلاق الإذن بالتغطية في الأخبار الكثيرة ، ولو كانت الكفارة واجبة لذكرت في مقام البيان ، ولا ريب أن التكفير أولى وأحوط.

قوله : ( وفي معناه الارتماس ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب أيضا. ويدل عليه روايات كثيرة ، كصحيحة حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يرتمس المحرم في الماء » (٦).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٢٦ ـ ١٠٦٦ ، الوسائل ٩ : ١٤٣ أبواب تروك الإحرام ب ٦١ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٦ ـ ١٠٦٧ ، الوسائل ٩ : ١٤٣ أبواب تروك الإحرام ب ٦١ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٦ ـ ١٠٦٥ ، الوسائل ٩ : ١٤٣ أبواب تروك الإحرام ب ٦١ ح ٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٠٨ ـ ١٠٥٤ ، الوسائل ٩ : ١٣٨ أبواب تروك الإحرام ب ٥٥ ح ٤.

(٥) كما في المنتهى ٢ : ٧٩٠.

(٦) التهذيب ٥ : ٣١٢ ـ ١٠٧١ ، الوسائل ٩ : ١٤٠ أبواب تروك الإحرام ب ٥٨ ح ٣.

٣٥٧

ولو غطّى رأسه ناسيا ألقى الغطاء واجبا ، وجدّد التلبية استحبابا.

______________________________________________________

وصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « لا تمس الريحان وأنت محرم ، ولا تمس شيئا فيه زعفران ، ولا تأكل طعاما فيه زعفران ، ولا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك » (١) ويستفاد من هذه الرواية أن المراد بالارتماس إدخال الرأس في الماء.

قال في التذكرة : ويجوز للمحرم أن يغسل رأسه ويفيض عليه الماء إجماعا ، لأنه لا يطلق عليه اسم التغطية ، وليس فهو في معناها كالارتماس. ويدل عليه صحيحة حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا اغتسل المحرم من الجنابة صب على رأسه الماء ويميّز الشعر بأنامله بعضه من بعض (٢) » (٣).

وصحيحة يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يغتسل؟ فقال : « نعم ، يفيض الماء على رأسه ولا يدلكه » (٤).

وروى ابن بابويه في الصحيح ، عن أبان ، عن زرارة ، قال : سألته عن المحرم هل يحك رأسه أو يغتسل بالماء؟ فقال : « يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة ، ولا بأس أن يغتسل بالماء ، ويصب على رأسه ما لم يكن ملبّدا ، فإن كان ملبّدا فلا يفيض على رأسه الماء إلا من احتلام » (٥).

قوله : ( ولو غطى رأسه ناسيا ألقى الغطاء واجبا ، وجدّد التلبية استحبابا ).

أما وجوب إلقاء الغطاء عند الذكر فلا ريب فيه ، لأن استدامة التغطية‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٠٧ ـ ١٠٤٨ ، الوسائل ٩ : ١٤٠ أبواب تروك الإحرام ب ٥٨ ح ١.

(٢) التذكرة ١ : ٣٣٦.

(٣) الكافي ٤ : ٣٦٥ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٣٠ ـ ١٠٩٤ ، التهذيب ٥ : ٣١٣ ـ ١٠٨٠ ، الوسائل ٩ : ١٦٠ أبواب تروك الإحرام ب ٧٥ ح ٢.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٣٠ ـ ١٠٩٣ ، التهذيب ٥ : ٣١٣ ـ ١٠٧٩ ، الوسائل ٩ : ١٦٠ أبواب تروك الإحرام ب ٧٥ ح ١.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٣٠ ـ ١٠٩٢ ، الوسائل ٩ : ١٦٠ أبواب تروك الإحرام ب ٧٥ ح ٣.

٣٥٨

ويجوز ذلك للمرأة لكن عليها أن تسفر عن وجهها. ولو أسدلت قناعها على رأسها إلى طرف أنفها جاز.

______________________________________________________

محرمة كابتدائه ، وأما استحباب التلبية فعلل بأن التغطية تنافي الإحرام ، فاستحب تجديد ما ينعقد به وهو التلبية ، ويدل على الحكمين ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن حريز ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن محرم غطى رأسه ناسيا ، قال : « يلقي القناع عن رأسه ويلبي ولا شي‌ء عليه » (١).

ويدل على استحباب التلبية أيضا ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن الحلبي : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يغطي رأسه ناسيا أو نائما ، فقال : « يلبي إذا ذكر » (٢).

ومقتضى الروايتين وجوب التلبية ، وحملتا على الاستحباب لعدم القائل بالوجوب. ولا يخفى ما فيه.

قوله : ( ويجوز ذلك للمرأة ، لكن عليها أن تسفر عن وجهها ، ولو أسدلت قناعها على رأسها إلى طرف أنفها جاز ).

أجمع الأصحاب على أن إحرام المرأة في وجهها ، فلا يجوز لها تغطيته ، بل قال في المنتهى : إنه قول علماء الأمصار. والأصل فيه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إحرام الرجل في رأسه ، وإحرام المرأة في وجهها » (٣).

وما رواه الكليني في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « مر أبو جعفر عليه‌السلام بامرأة متنقبة وهي محرمة ، فقال : أحرمي وأسفري وأرخي ثوبك من فوق رأسك ، فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك ، فقال رجل : إلى أين ترخيه؟ فقال : تغطي عينيها » قال :

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٠٧ ـ ١٠٥٠ ، الإستبصار ٢ : ١٨٤ ـ ٦١٣ ، الوسائل ٩ : ١٣٨ أبواب تروك الإحرام ب ٥٥ ح ٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٧ ـ ١٠٧٠ ، الوسائل ٩ : ١٣٨ أبواب تروك الإحرام ب ٥٥ ح ٦.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٩٠. وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المقنعة : ٧٠.

٣٥٩

______________________________________________________

« قلت : يبلغ فمها؟ قال : نعم » (١).

وفي الحسن عن عبد الله بن ميمون ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام ، قال : « المحرمة لا تتنقب ، لأن إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه » (٢).

وعن أحمد بن محمد ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : « مر أبو جعفر عليه‌السلام بامرأة محرمة قد استترت بمروحة ، فأماط المروحة بنفسه عن وجهها » (٣).

وذكر جمع من الأصحاب أنه لا فرق في التحريم بين أن تغطيه بثوب وغيره. وهو مشكل ، وينبغي القطع بجواز وضع اليدين عليه ، وجواز نومها على وجهها ، لعدم تناول الأخبار المانعة لذلك.

ويستثنى من الوجه ما يتوقف عليه ستر الرأس ، فيجب ستره في الصلاة ، تمسكا بمقتضى العمومات المتضمنة لوجوب ستره ، السالمة عما يصلح للتخصيص.

وقد أجمع الأصحاب وغيرهم على أنه يجوز للمحرمة سدل ثوبها من فوق رأسها على وجهها إلى طرف أنفها ، قاله في التذكرة (٤). وقال في المنتهى : لو احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبا منها سدلت ثوبها من فوق رأسها على وجهها إلى طرف أنفها ، ولا نعلم فيه خلافا (٥). ويدل عليه مضافا إلى ما سبق ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن حماد ، عن‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٤٤ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ١٢٩ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٤٥ ـ ٧ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ ـ ١٠٠٩ ، المقنعة : ٧٠ وفيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الوسائل ٩ : ١٢٩ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٤٦ ـ ٩ ، وفي الفقيه ٢ : ٢١٩ ـ ١٠١٠ ، وقرب الإسناد : ١٦٠ بتفاوت يسير ، الوسائل ٩ : ١٣٠ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٤.

(٤) التذكرة ١ : ٣٣٧.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٩١.

٣٦٠