مدارك الأحكام - ج ٧

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٧

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

______________________________________________________

المسك والعنبر والزعفران والورس ، غير أنه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح » (١).

وفي الصحيح عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الطيب المسك والعنبر والزعفران والعود » (٢).

وعن سيف ـ وهو ابن أبي عميرة ـ قال : حدثني عبد الغفار ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « الطيب : المسك والعنبر والزعفران والورس ، وخلوق الكعبة لا بأس به (٣) » (٤).

والظاهر أن المراد من هاتين الروايتين حصر الطيب الذي يحرم على المحرم كما يدل عليه قوله في الرواية الثانية : وخلوق الكعبة لا بأس به ، على أن حصر الطيب في هذه الأنواع الأربعة كاف في التخصيص.

ومن هنا يظهر أن ما ذكره الشيخ في الإستبصار من أن هذين الخبرين ليس فيهما أكثر من الإخبار بأن الطيب أربعة أشياء ، وليس فيهما ذكر ما يجب اجتنابه على المحرم ، وأنه إنما تأولهما لذكر الأصحاب لهما في أبواب ما يجب على المحرم اجتنابه ، وإلا فلا حاجة إلى تأويلهما (٥). محل نظر.

ويبقى الإشكال في اختلاف الروايات في الحصر ، فإن الرواية الأولى‌

__________________

(١) الطريق الصحيح في : التهذيب ٥ : ٣٠٤ ـ ١٠٣٩ ، الوسائل ٩ : ٩٤ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ٨. والطريق الضعيف في : التهذيب ٥ : ٢٩٩ ـ ١٠١٣ ، الإستبصار ٢ : ١٧٩ ـ ٥٩٦ ، الوسائل ٩ : ٩٦ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٩٩ ـ ١٠١٤ ، الإستبصار ٢ : ١٧٩ ـ ٥٩٧ ، الوسائل ٩ : ٩٦ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١٥.

(٣) قوله : وخلوق الكعبة لا بأس به ، لم يرد في الاستبصار والوسائل ، وقد يظهر من التهذيب أنه من كلام الشيخ فتأمل.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٩٩ ـ ١٠١٥ ، الإستبصار ٢ : ١٨٠ ـ ٥٩٨ ، الوسائل ٩ : ٩٦ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١٦.

(٥) الاستبصار ٢ : ١٨٠‌

٣٢١

______________________________________________________

تضمنت ذكر الورس مع الأنواع الثلاثة ، والرواية الثانية العود ، والجمع بين الروايتين يقتضي عدم وجوب النوع الرابع منهما.

وليس في الروايات المفصلة تعرض لذكر الكافور ، مع أنه يحرم على المحرم الميت إجماعا ، فالحي أولى على ما ذكروه. والمسألة قوية الإشكال ، والاحتياط للدين يقتضي تحريم الطيب بجميع أنواعه.

وعرفه الشارح قدس‌سره : بأنه الجسم ذو الريح الطيبة ، المتخذ للشم غالبا ، غير الرياحين ، كالمسك والعنبر والزعفران وماء الورد (١). وهو حسن.

وذكر الشيخ (٢) والعلامة (٣) وغيرهما (٤) أن أقسام النبات الطيّب ثلاثة :

الأول ، ما لا ينبت للطيب ولا يتخذ منه ، كالشيخ (٥) والقيصوم (٦) والخزامى (٧) وحبق الماء (٨) والفواكه كلها من الأترج والتفاح والسفرجل وأشباهه. وهذا كله ليس بمحرم ، ولا يتعلق به كفارة إجماعا ، ويدل عليه صحيحة معاوية بن عمار قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا بأس أن تشم الإذخر والقيصوم والخزامى والشيح وأشباهه وأنت محرم » (٩).

__________________

(١) المسالك ١ : ١٠٩.

(٢) المبسوط ١ : ٣٥٢.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٨٤ ، والتحرير ١ : ١١٣ ، والتذكرة ١ : ٣٣٣.

(٤) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٩.

(٥) الشيح : نبات سهلي له رائحة طيبة وطعم مر ـ لسان العرب ٢ : ٥٠٢.

(٦) القيصوم : نبات طيب الرائحة من رياحين البر ورقه هدب وله نورة صفراء ، وهي تنهض على ساق وتطول ـ لسان العرب ١٢ : ٤٨٦.

(٧) الخزامي : بقلة طيبة الرائحة طويلة العيدان صغيرة الورق حمراء الزهرة وهي من أطيب الأزهار ـ المصباح المنير : ١٦٨ ، ولسان العرب ١٢ : ١٧٦.

(٨) حبق الماء : النعناع.

(٩) الكافي ٤ : ٣٥٥ ـ ١٤ ، الفقيه ٢ : ٢٢٥ ـ ٢٩ ، التهذيب ٥ : ٣٠٥ ـ ١٠٤١ ، الوسائل ٩ : ١٠١ أبواب تروك الإحرام ب ٢٥ ح ١.

٣٢٢

______________________________________________________

وصحيحة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن التفاح والأترج والنبق وما طاب ريحه فقال : « يمسك عن شمه ويأكله » (١).

ورواية عمار الساباطي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يتخلل؟ قال : « نعم لا بأس به » قلت له : يأكل الأترج؟ قال : « نعم » قلت له : فإن له رائحة طيبة فقال : « إن الأترج طعام وليس هو من الطيب » (٢).

الثاني ، ما ينبته الآدميون للطيب ولا يتخذ منه طيب ، كالريحان الفارسي والمرزجوش (٣) والنرجس ، وقد اختلف الأصحاب في حكمه ، فقال الشيخ : إنه غير محرم ولا يتعلق به كفارة (٤). واستقرب العلامة في التحرير تحريمه (٥). وهو غير واضح. نعم لو صدق عليه اسم الريحان عرفا لحقه حكمه.

الثالث ، ما يقصد شمه ويتخذ منه الطيب ، كالياسمين والورد والنيلوفر (٦). وقد وقع الاختلاف في حكمه أيضا ، واستقرب العلامة في التذكرة والمنتهى التحريم (٧) ، لأن الفدية تجب فيما يتخذ منه ، فكذا في‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٠٥ ـ ١٠٤٢ ، الإستبصار ٢ : ١٨٣ ـ ٦٠٦ ، الوسائل ٩ : ١٠٣ أبواب تروك الإحرام ب ٢٦ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٦ ـ ١٧ وأورد صدره في ص ٣٦٦ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٠٦ ـ ١٠٤٣ ، الإستبصار ٢ : ١٨٣ ـ ٦٠٧ ، الوسائل ٩ : ١٠٢ أبواب تروك الإحرام ب ٢٦ ح ٢ وأورد صدره في ص ١٧٩ ب ٩٢ ح ٣.

(٣) المرزجوش : السمسق ، نافع لعسر البول والمغص ولسعة العقرب ـ القاموس المحيط ٢ :

٢٩٩.

(٤) المبسوط ١ : ٣٥٢.

(٥) تحرير الأحكام ١ : ١١٣.

(٦) النيلوفر : ضرب من الرياحين ينبت في المياه الراكدة. ملين صالح للسعال وأوجاع الجنب والرئة ـ القاموس المحيط ٢ : ١٥٢.

(٧) التذكرة ١ : ٣٣٣ ، والمنتهى ٢ : ٧٨٤.

٣٢٣

______________________________________________________

أصله. وهو استدلال ضعيف ، والظاهر دخول هذا النوع قبل الجفاف في قسم الرياحين ، وقد اختار المصنف كراهة استعمالها ، وسيجي‌ء الكلام فيه (١) ، وأن الأظهر تحريمها ، لقوله عليه‌السلام في رواية حريز : « لا يمس المحرم شيئا من الطيب ، ولا من الريحان ، ولا يتلذذ به » (٢) وصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « لا تمس الريحان وأنت محرم » (٣).

الثانية : إنه يستثنى من الطيب المحرّم على المحرم خلوق الكعبة ، وهو مجمع عليه بين الأصحاب على ما نقله جماعة (٤) ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن حماد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن خلوق الكعبة ، وخلوق القبر يكون في ثوب الإحرام ، فقال : « لا بأس به ، هما طهوران » (٥).

والخلوق ـ كصبور ـ : ضرب من الطيب ، قاله في القاموس (٦). وقال الشارح قدس‌سره : إنه أخلاط خاصة من الطيب ، منها الزعفران ، فعلى هذا لو كان طيب الكعبة غيرها حرم ، كما لو جمرت الكعبة ، لكن لا يحرم عليه الجلوس فيها وعندها ، وإنما يحرم الشم (٧).

وذهب الشيخ (٨) والعلامة (٩) إلى عدم تحريم الشم أيضا ، ويدل عليه‌

__________________

(١) في ج ٨ ص ٤٣٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٩٧ ـ ١٠٠٧ ، الإستبصار ٢ : ١٧٨ ـ ٥٩١ ، الوسائل ٩ : ٩٥ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٠٧ ـ ١٠٤٨ ، الوسائل ٩ : ٩٥ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١٠.

(٤) منهم الشيخ في الخلاف ١ : ٤٣٩ والعلامة في المنتهى ٢ : ٧٨٥.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٩٩ ـ ١٠١٦ ، الوسائل ٩ : ٩٨ أبواب تروك الإحرام ب ٢١ ح ٣.

(٦) القاموس المحيط ٣ : ٢٣٦.

(٧) المسالك ١ : ١٠٩.

(٨) لم نعثر عليه في كتب الشيخ ولكن نقله عنه في الدروس : ١٠٦.

(٩) التذكرة ١ : ٣٣٤ ، قال فيها : ويجوز الجلوس عند الكعبة وهي تجمّر ، ولا يجوز الجلوس عند رجل متطيب ولا في سوق العطارين لأنه يشم الطيب حينئذ.

٣٢٤

______________________________________________________

فحوى صحيحة هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « ولا بأس بالريح الطيبة فيما بين الصفا والمروة من ريح العطارين ، ولا يمسك على أنفه » (١) فإنه إذا جاز شم الرائحة الطيبة من العطارين بين الصفا والمروة فرائحة الكعبة أولى. وقد ظهر من هذه الرواية استثناء العطر في السعي (٢) ، ولا بأس به ، لصحة مستنده.

الثالثة : إن من اضطر إلى مس الطيب أو أكل ما فيه طيب قبض على أنفه وجوبا ، ويدل عليه روايات كثيرة ، منها صحيحة الحلبي ومحمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « المحرم يمسك على أنفه من الريح الطيبة ، ولا يمسك على أنفه من الريح الخبيثة » (٣).

وصحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « وأمسك على أنفك من الرائحة الطيبة ، ولا تمسك عنه من الريح المنتنة ، فإنه لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة » (٤).

وحكم الشهيد في الدروس بتحريم القبض على الأنف من كريه الرائحة ، آخذا بظاهر النهي (٥). وهو أحوط ، وإن كان في تعيّنه نظر.

فروع :

الأول : يحرم على المحرم لبس الثوب المطيب ، سواء صبغ بالطيب أو غمس فيه ـ كما يغمس في الماء الورد ـ أو بخّر به. وكذا لا يجوز له افتراشه والجلوس عليه والنوم. ولو فرش فوقه ثوب صفيق يمنع الرائحة والمباشرة جاز‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٥٤ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٢٥ ـ ١٠٥٦ ، التهذيب ٥ : ٣٠٠ ـ ١٠١٨ ، الإستبصار ٢ : ١٨٠ ـ ٥٩٩ ، الوسائل ٩ : ٩٨ أبواب تروك الإحرام ب ٢٠ ح ١.

(٢) في « ض » و « م » : المسعى.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٤ ـ ١٠٥٥ ، الوسائل ٩ : ١٠٠ أبواب تروك الإحرام ب ٢٤ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٥٣ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٠٤ ـ ١٠٣٩ ، الوسائل ٩ : ١٠١ أبواب تروك الإحرام ب ٢٤ ح ٢.

(٥) الدروس : ١٠٦.

٣٢٥

______________________________________________________

الجلوس عليه والنوم. ولو كان الحائل بينهما ثياب بدنه فوجهان ، الجواز ، للأصل ، وعدم صدق مس الطيب الذي هو متعلق النهي ، والمنع ، وهو خيرة المنتهى (١) ، لأن المحرم كما منع من استعمال الطيب في بدنه منع من استعماله في ثوبه.

الثاني : لو غسل الثوب حتى ذهب طيبه جاز لبسه بإجماع العلماء ، ولو كان معه ماء لا يكفيه لغسل الثوب والطهارة ، ولم يمكن قطع رائحة الطيب بشي‌ء غير الماء صرفه في غسله وتيمم ، لأن للطهارة المائية بدلا ، ولا بدل للغسل الواجب ، ويحتمل وجوب الطهارة به ، لأن وجوب الطهارة قطعي ووجوب الإزالة والحال هذه مشكوك فيه ، لاحتمال استثنائه للضرورة ، كما استثني شمه في الكعبة والسعي (٢) ، والاحتياط يقتضي تقديم الغسل على التيمم ، لتحقق (٣) فقد الماء حالته.

الثالث : لو أصاب ثوب المحرم طيب أمر الحلال بغسله أو غسله بآلة ، وروى ابن أبي عمير في الحسن ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في المحرم يصيب ثوبه الطيب ، قال : « لا بأس بأن يغسله بيد نفسه » (٤).

الرابع : قد تقدم أنه كما يحرم شم الطيب يحرم أكله ، وهو إجماع ، والنصوص به مستفيضة ، وقد تقدم طرف منها فيما سبق (٥).

قال في التذكرة : ولو استهلك الطيب فيه ولم يبق له ريح ولا طعم ولا لون فالأقرب أنه لا فدية فيه (٦). وهو حسن ، وربما كان في صحيحة عمران‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٨٥.

(٢) في « ض » و « م » : والمسعى.

(٣) في « ض » : ليتحقق.

(٤) الكافي ٤ : ٣٥٤ ـ ٨ ، الوسائل ٩ : ٩٩ أبواب تروك الإحرام ب ٢٢ ح ٣.

(٥) في ص ٣١٩.

(٦) التذكرة ١ : ٣٣٤.

٣٢٦

______________________________________________________

الحلبي إشعار به ، فإنه قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يكون به الجرح فيتداوى بدواء فيه زعفران ، فقال : « إن كان الغالب على الدواء الزعفران فلا ، وإن كانت الأدوية الغالبة عليه فلا بأس » (١) والفرق بين الأمرين إنما يتجه مع انتفاء الضرورة ، أما معها فيجوز مطلقا.

الخامس : قال ابن بابويه : إذا اضطر المحرم على سعوط فيه مسك من ريح يعرض له في وجهه وعلة تصيبه فلا بأس أن يتسعط به ، فقد سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك فقال : « استعط به » (٢).

السادس : روى ابن بابويه في الصحيح ، عن علي بن مهزيار أنه قال : سألت ابن أبي عمير عن التفاح والأترج والنبق وما طاب ريحه فقال : تمسك عن شمه وكله ولم يرو فيه شيئا (٣). وقد روى الشيخ في التهذيب ذلك عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) ، ولعل هذه الرواية متأخرة عن الرواية الأولى. وظاهر الشيخ في التهذيب وجوب الإمساك على الأنف عند أكل ذلك ، وهو أحوط.

السابع : يجوز للمحرم شراء الطيب والنظر إليه إجماعا ، لأن المنع إنما ورد عن استعماله ، وذلك ليس استعمالا له ، وروى محمد بن إسماعيل في الصحيح ، قال : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام كشف بين يديه طيب لينظر إليه وهو محرم فأمسك على أنفه بثوبه من ريحه (٥).

الثامن : روى الكليني عن حماد قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني جعلت ثوبي مع أثواب قد جمّرت فأخذ من ريحها ، قال :

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٥٩ ـ ٨ ، الفقيه ٢ : ٢٢٢ ـ ١٠٣٧ ، الوسائل ٩ : ١٥٤ أبواب تروك الإحرام ب ٦٩ ح ٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٤ ـ ١٠٥٤ ، الوسائل ٩ : ٩٧ أبواب تروك الإحرام ب ١٩ ح ٣.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٥ ـ ١٠٥٨ ، الوسائل ٩ : ١٠٢ أبواب تروك الإحرام ب ٢٦ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٠٥ ـ ١٠٤٢ ، الوسائل ٩ : ١٠٣ أبواب تروك الإحرام ب ٢٦ ح ٣.

(٥) الكافي ٤ : ٣٥٤ ـ ٦ ، الوسائل ٩ : ٩٣ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١.

٣٢٧

ولبس المخيط للرجال ،

______________________________________________________

« فانشرها في الريح حتى يذهب ريحها » (١).

قوله : ( ولبس المخيط للرجال ).

أجمع العلماء كافة على أنه يحرم على الرجل المحرم لبس الثياب المخيطة ، قاله في التذكرة (٢). وقال في المنتهى : يحرم على المحرم لبس المخيط من الثياب إن كان رجلا ، ولا نعلم فيه خلافا (٣). والأصل فيه من طريق الأصحاب ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا تلبس وأنت تريد الإحرام ثوبا تزره ، ولا تدرعه ، ولا تلبس سراويل ، إلا أن لا يكون لك إزار ، ولا الخفين إلا أن لا يكون لك نعلان » (٤).

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار أيضا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا لبست قميصا وأنت محرم فشقه وأخرجه من تحت قدميك » (٥).

وفي الصحيح عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا اضطر المحرم إلى القباء ولم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا ولا يدخل يديه في يدي القباء » (٦).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم إلا أن تنكسه ، ولا ثوبا تدرعه ، ولا سراويل إلا أن لا يكون لك إزار ، ولا خفين إلا‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٥٦ ـ ١٩ ، الوسائل ٩ : ٩٤ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ٤.

(٢) التذكرة ١ : ٣٣٢.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٨١.

(٤) التهذيب ٥ : ٦٩ ـ ٢٢٧ ، الوسائل ٩ : ١١٥ أبواب تروك الإحرام ب ٣٥ ح ٢.

(٥) التهذيب ٥ : ٧٢ ـ ٢٣٧ ، الوسائل ٩ : ١٢٥ أبواب تروك الإحرام ب ٤٥ ح ١.

(٦) التهذيب ٥ : ٧٠ ـ ٢٢٨ ، الوسائل ٩ : ١٢٤ أبواب تروك الإحرام ب ٤٤ ح ١.

٣٢٨

______________________________________________________

أن لا يكون لك نعل » (١).

وفي الصحيح عن زرارة ، عن أحدهما عليه‌السلام ، قال : سألته عما يكره للمحرم أن يلبسه فقال : « يلبس كل ثوب إلا ثوبا يتدرعه » (٢).

وأقول إن هذه الروايات إنما تدل على تحريم القميص والقباء والسراويل والثوب المزرّر والمدرع ، لا على تحريم مطلق المخيط ، وقد اعترف بذلك الشهيد في الدروس فقال : ولم أقف الآن على رواية بتحريم عين المخيط إنما نهي عن القميص والقباء والسراويل ، وفي صحيح معاوية (٣) : « لا تلبس ثوبا تزره ولا تدرعه ولا تلبس سراويل » (٤) وتظهر الفائدة في الخياطة في الإزار وشبهه (٥). انتهى كلامه رحمه‌الله وهو جيد.

ومن هنا يعلم أن ما اشتهر بين المتأخرين من أنه يكفي في المنع مسمى الخياطة وإن قلّت غير واضح ، ونقل عن ابن الجنيد أنه قيد المخيط بالضام للبدن (٦). ومقتضاه عدم تحريم التوشح به ، ويدل عليه مضافا إلى الأصل‌ قوله عليه‌السلام في رواية معاوية بن عمار : « لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم إلا أن تنكسه » (٧) ولا ريب أن اجتناب مطلق المخيط كما ذكره المتأخرون أحوط.

وهنا مباحث :

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢١٨ ـ ٩٩٨ ، الوسائل ٩ : ١١٤ أبواب تروك الإحرام ب ٣٥ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢١٨ ـ ٩٩٩ ، الوسائل ٩ : ١١٦ أبواب تروك الإحرام ب ٣٦ ح ٥.

(٣) في « م » وفي الصحيح عن معاوية بن عمار ، وفي « ح » : وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام وهو الموافق للتهذيب والوسائل وما أثبتناه من « ض » وهو الموافق للدروس.

(٤) التهذيب ٥ : ٦٩ ـ ٢٢٧ ، الوسائل ٩ : ١١٥ أبواب تروك الإحرام ب ٣٥ ح ٢‌

(٥) الدروس : ١٤٤.

(٦) حكاه عنه في الدروس : ١٠٧.

(٧) الكافي ٤ : ٣٤٠ ـ ٩ ، الفقيه ٢ : ٢١٨ ـ ٩٩٨ ، الوسائل ٩ : ١١٥ أبواب تروك الإحرام ب ٣٦ ح ١.

٣٢٩

______________________________________________________

الأول : ألحق الأصحاب بالمخيط ما أشبهه ، كالدرع المنسوج ، وجبة اللبد ، والملصق بعضه ببعض ، واحتج عليه في التذكرة بالحمل على المخيط لمشابهته إياه في المعنى من التّرفه والتنعم (١). وهو استدلال ضعيف ، والأجود الاستدلال عليه بالنصوص المتضمنة لتحريم الثياب على المحرم ، فإنها متناولة بإطلاقها لهذا النوع ، وليس فيها تقييد بالمخيط حتى يكون إلحاق غيره به خروجا عن المنصوص.

الثاني : ذكر العلامة (٢) وغيره (٣) أنه يحرم على المحرم عقد الرداء وزرّه وتخليله ، واستدلوا عليه بما رواه ابن بابويه في الموثق ، عن سعيد الأعرج : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يعقد إزاره في عنقه؟ قال : « لا » (٤) ويمكن حملها على الكراهية ، لقصورها من حيث السند عن إثبات التحريم.

الثالث : قال في المنتهى : يجوز للمحرم أن يعقد إزاره عليه ، لأنه يحتاج إليه لستر العورة ، فيباح ، كاللباس للمرأة (٥). وهو حسن. وكذا يجوز له عقد الهميان ، للأصل ، وصحيحة يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يصر الدراهم في ثوبه قال : « نعم ويلبس المنطقة والهميان » (٦) وقال في المنتهى : إنه لو أمكن إدخال سيور الهميان بعضها في بعض وعدم عقدها فعل ، لانتفاء الحاجة إلى العقد ، ولو لم يثبت بذلك كان له عقده (٧). وهو حسن ، وإن كان الأظهر الجواز مطلقا. ومقتضى الرواية استثناء المنطقة أيضا ، وهي ما يشد بها الوسط ، وبه قطع في‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٣٢.

(٢) لتذكرة ١ : ٣٣٣.

(٣) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠١.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٢١ ـ ١٠٢٣ ، الوسائل ٩ : ١٣٥ أبواب تروك الإحرام ب ٥٣ ح ١.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٨٣.

(٦) الكافي ٤ : ٣٤٤ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ١٢٨ أبواب تروك الإحرام ب ٤٧ ح ١.

(٧) المنتهى ٢ : ٧٨٣.

٣٣٠

وفي النساء خلاف ، والأظهر الجواز ، اضطرارا واختيارا.

______________________________________________________

الدروس (١).

الرابع : يجوز للمحرم شد العمامة على بطنه ، للأصل ، وصحيحة عمران الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « المحرم يشد على بطنه العمامة ، وإن شاء يعصبها على موضع الإزار ، ولا يرفعها إلى صدره » (٢) ومقتضى الرواية تحريم عصبها على الصدر. والأولى اجتناب شدها مطلقا ، لما رواه الكليني في الصحيح ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يشد على بطنه العمامة؟ قال : « لا » ثم قال : « كان أبي يقول : يشد على بطنه المنطقة التي فيها نفقته يستوثق بها فإنها من تمام حجه » (٣).

قوله : ( وفي النساء خلاف ، والأظهر الجواز ، اضطرارا واختيارا ).

القول بالجواز هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل قال في التذكرة : إنه مجمع عليه بين العلماء (٤). وقال في المنتهى : يجوز للمرأة لبس المخيط إجماعا ، لأنها عورة ، وليست كالرجال. ولا نعلم فيه خلافا إلا قولا شاذا للشيخ لا اعتداد به (٥) ، وهذا القول ذهب إليه الشيخ في النهاية في ظاهر كلامه حيث قال : ويحرم على المرأة في حال الإحرام من لبس الثياب جميع ما يحرم على الرجل ، ويحل لها ما يحل له. مع أنه قال بعد ذلك : وقد وردت رواية بجواز لبس القميص للنساء ، والأفضل ما قدمناه ، فأما السراويل فلا بأس بلبسه لهن على كل حال (٦). وكيف كان فالمعتمد‌

__________________

(١) الدروس : ١٠٧.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢١ ـ ١٠٢٦ ، الوسائل ٩ : ١٥٨ أبواب تروك الإحرام ب ٧٢ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٤٣ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ١٥٨ أبواب تروك الإحرام ب ٧٢ ح ٢.

(٤) التذكرة ١ : ٣٣٣.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٨٣.

(٦) النهاية : ٢١٨.

٣٣١

______________________________________________________

الجواز.

لنا الأصل ، واختصاص الأخبار المانعة من لبس الثياب للمحرم بالرجل ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن يعقوب بن شعيب قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المرأة تلبس القميص تزرّه عليها وتلبس الحرير والخز والديباج؟ فقال : « نعم لا بأس به ، وتلبس الخلخالين والمسك (١) » (٢).

وفي الصحيح عن عيص بن القاسم قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين » (٣).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن محمد الحلبي : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة إذا أحرمت ، أتلبس السراويل؟ فقال : « نعم ، إنما تريد بذلك الستر » (٤).

ويستفاد من رواية العيص تحريم لبس القفازين ، وبه قطع العلامة في التذكرة والمنتهى (٥) ، وظاهره دعوى الإجماع عليه ، ولو لا ذلك لأمكن القول بالجواز ، وحمل النهي الوارد عن لبسهما على الكراهة ، كما في الحرير.

قال في التذكرة : والمراد بالقفازين شي‌ء تتخذه المرأة لليدين يحشى بقطن ويكون له أزرار تزرّه على الساعدين من البرد تلبسه المرأة (٦). ونحوه‌

__________________

(١) المسك : أسورة من العاج في أيدي النساء مكان السوار ـ العين ٥ : ٣١٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٤ ـ ٢٤٦ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٩ ـ ١١٠٠ ، الوسائل ٩ : ٤١ أبواب الإحرام ب ٣٣ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٤٤ ـ ١ ، التهذيب ٧٣ ـ ٢٤٣ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٨ ـ ١٠٩٩ ، الوسائل ٩ : ٤٣ أبواب الإحرام ب ٣٣ ح ٩.

(٤) الفقيه ٢ : ٢١٩ ـ ١٠١٣ ، الوسائل ٩ : ١٣٣ أبواب تروك الإحرام ب ٥٠ ح ٢.

(٥) التذكرة ١ : ٣٣٣ ، والمنتهى ٢ : ٧٨٣.

(٦) التذكرة ١ : ٣٣٣.

٣٣٢

وأما الغلالة فجائزة للحائض إجماعا. ويجوز لبس السراويل للرجل إذا لم يجد إزارا.

______________________________________________________

قال في المنتهى (١). وقال في القاموس : القفاز كرمان شي‌ء يعمل لليدين يحشى بقطن تلبسهما المرأة للبرد أو ضرب من الحلي لليدين والرجلين (٢).

قوله : ( وأما الغلالة فجائزة للحائض إجماعا ).

الغلالة بكسر الغين : ثوب رقيق يلبس تحت الثياب. وقد أجمع العلماء على جواز لبسه للحائض ، حتى أن الشيخ في النهاية مع منعه من لبس المخيط لهن على ما أفهمه أول كلامه قال : ويجوز للحائض أن تلبس تحت ثيابها غلالة تقي ثيابها من النجاسات (٣). ويدل على الجواز صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « تلبس المرأة الحائض تحت ثيابها غلالة » (٤).

قوله : ( ويجوز لبس السراويل للرجال إذا لم يجد إزارا ).

هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء ، ويدل عليه روايات ، منها صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم إلا أن تنكسه ، ولا ثوبا تدرعه ، ولا سراويل إلا أن لا يكون لك إزار ، ولا خفين إلا أن لا يكون لك نعل » (٥).

وقد صرح العلامة في التذكرة والمنتهى بأنه لا فدية في لبسه على هذا الوجه ، للأصل ، وجواز اللبس ، ونقل عن بعض العامة قولا بالوجوب (٦) ،

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٨٣.

(٢) القاموس المحيط ٢ : ١٩٤.

(٣) النهاية : ٢١٨.

(٤) التهذيب ٥ : ٧٦ ـ ٢٥١ ، الوسائل ٩ : ١٣٥ أبواب تروك الإحرام ب ٥٢ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٣٤٠ ـ ٩ ، الفقيه ٢ : ٢١٨ ـ ٩٩٨ ، الوسائل ٩ : ١١٤ أبواب تروك الإحرام ب ٣٥ ح ١.

(٦) التذكرة ١ : ٣٣٢ ، والمنتهى ٢ : ٧٨٢.

٣٣٣

وكذا لبس طيلسان له أزرار ، لكن لا يزرّه على نفسه.

______________________________________________________

ولا ريب في بطلانه ، لأنه إثبات شي‌ء لا دليل عليه.

قوله : ( وكذا لبس طيلسان له أزرار ، لكن لا يزرّه على نفسه ).

لم أقف في كلام أهل اللغة على معنى الطيلسان ، وعرفه الشارح بأنه ثوب منسوج محيط بالبدن (١).

ومقتضى العبارة جواز لبسه اختيارا ، وبه صرح العلامة في جملة من كتبه (٢) ، والشهيد في الدروس (٣). واعتبر العلامة في الإرشاد في جواز لبسه الضرورة (٤).

والمعتمد الجواز مطلقا ، للأصل ، والأخبار الكثيرة ، كصحيحة يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور فقال : « نعم ، وفي كتاب علي عليه‌السلام : لا تلبس طيلسانا حتى تنزع أزراره ، فحدثني أبي : إنما كره ذلك مخافة أن يزرّه الجاهل عليه » (٥).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في المحرم يلبس الطيلسان المزرّر فقال : « نعم ، وفي كتاب علي عليه‌السلام : لا تلبس طيلسانا حتى تنزع أزراره » وقال : « إنما كره ذلك مخافة أن يزرّه الجاهل ، فأما الفقيه فلا بأس أن يلبسه » (٦).

__________________

(١) المسالك ١ : ١١٠.

(٢) كالقواعد ١ : ٨٢.

(٣) الدروس : ١٠٧.

(٤) الإرشاد ( مجمع الفائدة ) ٦ : ٣٤٧.

(٥) الكافي ٤ : ٣٤٠ ـ ٧ ، الوسائل ٩ : ١١٦ أبواب تروك الإحرام ب ٣٦ ح ٢.

(٦) الكافي ٤ : ٣٤٠ ـ ٨ ، الفقيه ٢ : ٢١٧ ـ ٩٩٥ ، علل الشرائع : ٤٠٨ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١١٦ أبواب تروك الإحرام ب ٣٦ ح ٣.

٣٣٤

والاكتحال بالسواد على قول ، وبما فيه طيب.

______________________________________________________

قوله : ( والاكتحال بالسواد على قول ).

القول للشيخ ـ رحمه‌الله ـ في النهاية والمبسوط (١) والمفيد (٢) وسلار (٣) وابن إدريس (٤) وابن الجنيد (٥). وقال الشيخ في الخلاف : إنه مكروه. والأصح التحريم ، لورود النهي عنه في أخبار كثيرة ، كصحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يكتحل الرجل والمرأة المحرمان بالكحل الأسود إلا من علّة » (٦).

وصحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ، إنّ السواد زينة » (٧) ومقتضى التعليل تحريمه وإن لم تقصد به الزينة ، لأنه عليه‌السلام جعل العلة فيه حصول الزينة به لا قصدها.

قال في المنتهى : ويجوز الاكتحال بما عدا الأسود من أنواع الاكتحال إلا ما فيه طيب بلا خلاف (٨).

قوله : ( وبما فيه طيب ).

سوق العبارة يقتضي عدم تحقق الخلاف في ذلك ، وبه صرح في التذكرة فقال : أجمع علماؤنا على أنه لا يجوز للمحرم أن يكتحل بكحل فيه طيب ، سواء كان رجلا أو امرأة (٩).

__________________

(١) النهاية : ٢٢٠ ، والمبسوط ١ : ٣٢١.

(٢) المقنعة : ٦٨.

(٣) المراسم : ١٠٦.

(٤) السرائر : ١٢٨.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٢٦٩.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٠١ ـ ١٠٢٣ ، الوسائل ٩ : ١١١ أبواب تروك الإحرام ب ٣٣ ح ٢.

(٧) الكافي ٤ : ٣٥٦ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٠١ ـ ١٠٢٥ ، علل الشرائع : ٤٥٦ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ١١٢ أبواب تروك الإحرام ب ٣٣ ح ٤.

(٨) المنتهى ٢ : ٧٨٨.

(٩) التذكرة ١ : ٣٣٥.

٣٣٥

ويستوي في ذلك الرجل والمرأة.

وكذا النظر في المرآة ، على الأشهر.

______________________________________________________

ويدل على التحريم مضافا إلى العمومات المانعة من استعمال الطيب روايات ، منها صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس أن تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه ، فأما للزينة فلا » (١).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « يكتحل المحرم إن هو رمد بكحل ليس فيه زعفران » (٢).

ورواية أبان ، عمن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا اشتكى المحرم عينه فليكتحل بكحل ليس فيه مسك ولا طيب » (٣).

وحكى العلامة في المختلف عن ابن البراج أنه جعل الاكتحال بما فيه طيب مكروها ، واحتج له بالأصل ، وأجاب بالخروج عنه بالروايات (٤). وهو كذلك ، والفدية هنا فدية الطيب.

قوله : ( ويستوي في ذلك الرجل والمرأة ).

هذا مما لا خلاف فيه بين الأصحاب ، وقد تقدم من الأخبار ما يدل عليه.

قوله : ( وكذا النظر في المرآة على الأشهر ).

المشار إليه بذا هو التحريم على الرجل والمرأة ، وقد اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فذهب الأكثر إلى التحريم ، وقال الشيخ في الخلاف : إنه مكروه (٥). والأصح التحريم ، لصحيحة حماد ، عن أبي عبد الله‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٥٧ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ١١٢ أبواب تروك الإحرام ب ٣٣ ح ٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٠١ ـ ١٠٢٦ ، الوسائل ٩ : ١١٢ أبواب تروك الإحرام ب ٣٣ ح ٥.

(٣) الكافي ٤ : ٣٥٧ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ١١٢ أبواب تروك الإحرام ب ٣٣ ح ٩.

(٤) المختلف : ٢٦٩.

(٥) الخلاف ١ : ٤٤٥.

٣٣٦

ولبس الخفين ، وما يستر ظهر القدم.

______________________________________________________

عليه‌السلام ، قال : « لا تنظر في المرآة وأنت محرم ، فإنها من الزينة » (١).

وصحيحة حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا تنظر في المرآة وأنت محرم لأنه من الزينة » (٢).

قوله : ( ولبس الخفين وما يستر ظهر القدم ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدلوا عليه بقوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « ولا تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك إزار ، ولا خفين إلا أن لا يكون لك نعل » (٣).

وفي صحيحة الحلبي : « وأي محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك ، والجوربين يلبسهما إذا اضطر إلى لبسهما » (٤).

وفي صحيحة رفاعة أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يلبس الخفين والجوربين قال : « إذا اضطر إليهما » (٥).

وهذه الروايات كما ترى إنما تدل على تحريم لبس الخف والجورب خاصة ، وغاية ما يمكن أن يلحق بهما ما أشبههما ، أما ستره بما لا يسمى لبسا فليس بمحرّم قطعا كما صرح به الشهيدان (٦). والأصح اختصاص‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٠٢ ـ ١٠٢٩ ، الوسائل ٩ : ١١٤ أبواب تروك الإحرام ب ٣٤ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٦ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٢١ ـ ١٠٣١ ، علل الشرائع : ٤٥٨ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١١٤ أبواب تروك الإحرام ب ٣٤ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٣٤٠ ـ ٩ ، الفقيه ٢ : ٢١٨ ـ ٩٩٨ ، الوسائل ٩ : ١١٤ أبواب تروك الإحرام ب ٣٥ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٤ ـ ١٣٤١ ، الوسائل ٩ : ١٣٤ أبواب تروك الإحرام ب ٥١ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٣٤٧ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢١٧ ـ ٩٩٦ ، الوسائل ٩ : ١٣٤ أبواب تروك الإحرام ب ٥١ ح ٤.

(٦) الشهيد الأول في الدروس : ١٠٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١١٠.

٣٣٧

فإن اضطر جاز. وقيل : يشقهما ، وهو متروك.

______________________________________________________

التحريم بما كان ساترا لظهر القدم بأجمعه دون الساتر للبعض ، بل يمكن اختصاصه بساتر الجميع إذا كان له ساق ، كما في الخف والجورب.

وما قيل من أن كل جزء من أجزاء الظهر ليس أولى من غيره بتحريم الستر ، فلو لم يعم التحريم لزم الترجيح من غير مرجح (١) ، ففساده واضح ، لأن الترجيح من غير مرجح إنما يلزم من تحريم ستر جزء بعينه من غير دليل ، أما تحريم ستر الجميع دون البعض فلا استحالة فيه بوجه. ومن هنا يظهر عدم وجوب تخفيف الشراك والشسع إلى قدر تندفع به الحاجة. وهذا الحكم مختص بالرجل ، لاختصاص الروايات المانعة به ، فلا يحرم على المرأة لبس الخف اختيارا كما صرح به في الدروس (٢).

قوله : ( فإن اضطر جاز ، وقيل : يشقهما ، وهو متروك ).

أما جواز لبسهما مع الاضطرار فقال في المنتهى : إنه لا نعلم فيه مخالفا (٣). وقد تقدم من الأخبار ما يدل عليه (٤). وإنما الخلاف في وجوب شقهما ، فقال الشيخ (٥) وأتباعه (٦) بالوجوب ، لرواية محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل ، قال : نعم ولكن يشق ظهر القدم » (٧).

ورواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل هلكت نعلاه ولم يقدر على نعلين ، قال : « له أن يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك ، وليشقه من ظهر القدم » (٨).

__________________

(١) كما في المسالك ١ : ١١٠.

(٢) الدروس : ١٠٧.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٨٢.

(٤) في ص ٣٣٧.

(٥) المبسوط ١ : ٣٢٠ ، والخلاف ١ : ٤٣٤.

(٦) كابن حمزة في الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٨٨.

(٧) الفقيه ٢ : ٢١٨ ـ ٩٩٧ ، الوسائل ٩ : ١٣٥ أبواب تروك الإحرام ب ٥١ ح ٥.

(٨) الكافي ٤ : ٣٤٦ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ١٣٤ أبواب تروك الإحرام ب ٥١ ح ٣.

٣٣٨

______________________________________________________

وفي سند الروايتين ضعف ، لأن في طريق الأولى الحكم بن مسكين ، وهو مجهول ، وفي طريق الثانية علي بن أبي حمزة البطائني قائد أبي بصير الضرير الذي يروي الحديث ، وهما ضعيفان.

وقال ابن إدريس (١) والمصنف وجمع من الأصحاب لا يجب شق النعلين ، للأصل ، وإطلاق الأمر بلبس الخفين مع عدم النعلين في عدة أخبار صحيحة ، ولو كان الشق واجبا لذكر في مقام البيان ، وقد يقال إن هذه الأخبار مطلقة ، فلا ينافي الأخبار المفصّلة ، لأن المفصّل يحكم على المجمل. ويتوجه عليه أن ذلك إنما يتم مع تكافؤ السند ، وهو منتف كما بيناه.

وكيف كان فلا ريب أن الشق أولى ، تخلصا من الخلاف ، وأخذا بالمتيقن.

وقد اختلف كلام الأصحاب في كيفية القطع ، فقال الشيخ في المبسوط : يشق ظهر قدميهما (٢). وقال في الخلاف : إنه يقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين (٣). وقال ابن الجنيد : ولا يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين حتى يقطعهما أسفل الكعبين (٤). وقال ابن حمزة : إنه يشق ظاهر القدمين ، وإن قطع الساقين كان أفضل (٥).

والذي دلت عليه الروايتان شق ظهر القدم ، نعم ورد في روايات العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين ، وليقطعهما حتى يكونا إلى الكعبين » (٦) والاحتياط يقتضي الجمع بين‌

__________________

(١) السرائر : ١٢٧.

(٢) المبسوط ١ : ٣٢٠.

(٣) الخلاف ١ : ٤٣٤.

(٤) نقله عنه في المختلف : ٢٧٠.

(٥) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٨٨.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٨٣٥ ـ ٣ بتفاوت يسير.

٣٣٩

والفسوق ، وهو الكذب.

______________________________________________________

القطع كذلك وشق ظهر القدم.

قوله : ( والفسوق ، وهو الكذب ).

أجمع العلماء كافة على تحريم الفسوق في الحج وغيره ، والأصل فيه‌ قوله تعالى ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) (١) والحج يتحقق بالتلبس بإحرامه ، بل بالتلبس بإحرام عمرة التمتع ، لدخولها في الحج ، وقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « إذا أحرمت فعليك بتقوى الله ، وذكر الله ، وقلة الكلام إلا بخير ، فإن تمام الحج والعمرة أن يحفظ المرء لسانه إلا من خير ، كما قال الله تعالى فإن الله يقول ( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) فالرفث : الجماع ، والفسوق : الكذب والسباب والجدال ، قول الرجل ولا والله ، وبلى والله » (٢).

واختلف كلام الأصحاب في تفسير الفسوق ، فقال الشيخ (٣) وابنا بابويه (٤) والمصنف وجماعة : إنه الكذب. وخصه ابن البراج بالكذب على الله تعالى وعلى رسوله والأئمة عليهم‌السلام (٥). وقال المرتضى (٦) وابن الجنيد (٧) وجمع من الأصحاب : إنه الكذب والسباب. وقال ابن أبي عقيل : إنه كل لفظ قبيح (٨). وقد وقع التصريح في صحيحة معاوية بأن الفسوق‌

__________________

(١) البقرة : ١٩٧.

(٢) الكافي ٤ : ٣٣٧ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٩٦ ـ ١٠٠٣ ، الوسائل ٩ : ١٠٨ أبواب تروك الإحرام ب ٣٢ ح ١.

(٣) المبسوط ١ : ٣٢٠ ، الاقتصاد : ٣٠٢.

(٤) الصدوق في المقنع : ٧١ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٢٧٠.

(٥) المهذب ١ : ٢٢١.

(٦) جمل العلم والعمل : ١٠٦.

(٧) حكاه عنهما في المختلف : ٢٧٠.

(٨) حكاه عنهما في المختلف : ٢٧٠.

٣٤٠