مدارك الأحكام - ج ٧

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٧

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

والاشتراط أن يحله حيث حبسه. وإن لم يكن حجة فعمرة ، وأن يحرم في الثياب القطن ، وأفضله البيض.

______________________________________________________

قوله : ( والاشتراط أن يحله حيث حبسه ، وإن لم تكن حجة فعمرة ).

موضع الشرط عقد الإحرام ، ولا تكفي فيه النية ، لورود النص بالقول. ولو كان الإحرام بالعمرة المفردة اقتصر على الشرط الأول ، وقد تقدم الكلام في ذلك (١).

قوله : ( وأن يحرم في الثياب القطن ، وأفضله البيض ).

أما استحباب الإحرام في الثياب القطن فيدل عليه ما رواه الكليني مرسلا عن بعضهم ، قال : « أحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ثوبي كرسف » (٢).

وأما أفضلية البيض فلما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « خير ثيابكم البيض ، فألبسوها أحياءكم ، وكفنوا بها موتاكم » (٣) ويؤيده صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كان ثوبا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللذان أحرم فيهما يمانيين عبري وأظفار ، وفيهما كفّن » (٤) والظاهر أنهما كانا أبيضين ، للقطع باستحباب ذلك في الكفن.

ولا بأس بالإحرام في الثوب الأخضر ، لما رواه ابن بابويه ، عن خالد بن أبي العلاء الخفاف ، قال : رأيت أبا جعفر عليه‌السلام وعليه‌

__________________

(١) راجع ص ٢٨٨.

(٢) الكافي ٤ : ٣٣٩ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٣٧ أبواب الإحرام ب ٢٧ ح ٣.

(٣) أمالي الطوسي : ٣٩٨ ، الوسائل ٣ : ٣٥٦ أبواب أحكام الملابس ب ١٤ ح ٥.

(٤) الكافي ٤ : ٣٣٩ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢١٤ ـ ٩٧٥ ، الوسائل ٩ : ٣٦ أبواب الإحرام ب ٢٧ ح ٢.

٣٠١

وإذا أحرم بالحج من مكة رفع صوته بالتلبية إذا أشرف على الأبطح.

______________________________________________________

برد أخضر وهو محرم (١).

ولا كراهة في الثوب المصبوغ بالمشق ، لما رواه الكليني في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس أن يحرم الرجل في ثوب مصبوغ بمشق » (٢).

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سمعته وهو يقول : « كان علي عليه‌السلام محرما ومعه بعض صبيانه وعليه ثوبان مصبوغان ، فمر به عمر بن الخطاب فقال : يا أبا الحسن ما هذان الثوبان المصبوغان؟

فقال له عليه‌السلام : ما نريد أحدا يعلمنا بالسنة ، إنما هما ثوبان صبغا بالمشق ، يعني الطين » (٣).

قوله : ( وإذا أحرم بالحج من مكة رفع صوته بالتلبية إذا أشرف على الأبطح ).

المستند في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا كان يوم التروية إن شاء الله فاغتسل ، ثم ألبس ثوبيك وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار ، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام أو في الحجر ، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة فأحرم بالحج ، ثم امض وعليك السكينة والوقار ، فإذا انتهيت إلى الرقطاء دون الردم فلب ، فإذا انتهيت إلى الردم وأشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى » (٤).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢١٥ ـ ٩٧٨ ، الوسائل ٩ : ٣٧ أبواب الإحرام ب ٢٨ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٤٣ ـ ٢٠ ، الوسائل ٩ : ١٢١ أبواب الإحرام ب ٤٢ ح ٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٦٧ ـ ٢١٩ ، الوسائل ٩ : ١٢١ أبواب الإحرام ب ٤٢ ح ٢.

(٤) التهذيب ٥ : ١٦٧ ـ ٥٥٧ ، الوسائل ١٠ : ٢ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١ ح ١.

٣٠٢

ويلحق بذلك تروك الإحرام ، وهي محرمات ومكروهات :

فالمحرمات عشرون شيئا : مصيد البرّ ، اصطيادا أو أكلا‌

______________________________________________________

ومقتضى الرواية تأخير التلبية عن الإحرام إلى أن ينتهي إلى الرقطاء دون الردم فيلبي سرا ، ثم يجهر بها إذا أشرف على الأبطح. ويستفاد من إطلاقها عدم الفرق في ذلك بين الماشي والراكب.

وقال الشيخ في التهذيب : إن الماشي يلبي من الموضع الذي يصلي فيه ، والراكب يلبي عند الرقطاء ، أو عند شعب الذب ، ولا يجهران بالتلبية إلا عند الإشراف على الأبطح (١). واستدل على ذلك بما رواه عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة ، ثم صل ركعتين خلف المقام ، ثم أهل بالحج ، فإن كنت ماشيا فلب عند المقام ، وإن كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك » (٢) وهي مع ضعف سندها (٣) غير دالة على ما ذكره.

ويجوز التلبية من المسجد للماشي والراكب ، لما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن حفص بن البختري ومعاوية بن عمار وعبد الرحمن بن الحجاج والحلبي جميعا عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « وإن أهللت من المسجد الحرام للحج ، فإن شئت لبيت خلف المقام ، وأفضل ذلك أن تمضي حتى تأتي الرقطاء ، وتلبي قبل أن تصير إلى الأبطح » (٤).

قوله : ( ويلحق بذلك تروك الإحرام ، وهي محرمات ومكروهات ، فالمحرمات عشرون شيئا : مصيد البر ، اصطيادا أو أكلا‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٦٨.

(٢) التهذيب ٥ : ١٦٩ ـ ٥٦١ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٢ ـ ٨٨٦ ، الوسائل ٩ : ٦٣ أبواب الإحرام ب ٤٦ ح ٢.

(٣) لأن من جملة رجالها محمد بن عمر بن يزيد وهو لم يوثق.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٠٧ ـ ٩٤٣ ، الوسائل ٩ : ٦٣ أبواب الإحرام ب ٤٦ ح ١.

٣٠٣

ولو صاده محل ، وإشارة ودلالة ، وإغلاقا وذبحا.

______________________________________________________

ولو صاده محل ، وإشارة ودلالة ، وإغلاقا وذبحا ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنه قول كل من يحفظ عنه العلم (١). والأصل فيه الكتاب والسنة ، قال الله تعالى : ( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً ) (٢) وقال الله عزّ وجلّ ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) (٣).

وأما السنة فمستفيضة ، منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام ، ولا أنت حلال في الحرم ، ولا تدل عليه محلا ولا محرما فيصطاده ، ولا تشر إليه فيستحل من أجلك ، فإن فيه الفداء لمن تعمده » (٤).

وفي الصحيح عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « المحرم لا يدل على الصيد ، فإن دل عليه فقتل فعليه الفداء » (٥).

وما رواه الشيخ (٦) ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « واجتنب في إحرامك صيد البر كله ، ولا تأكل مما صاده غيرك ، ولا تشر إليه فيصيده غيرك » (٧).

وفي الصحيح عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن لحوم الوحش تهدى للرجل وهو محرم لم يعلم بصيده ولم يأمر به ، أيأكله؟

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٠٢.

(٢) المائدة : ٩٦.

(٣) المائدة : ٩٥.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨١ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٢٠٨ أبواب كفارات الصيد وتوابعها ب ١٧ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٣٨١ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٦٧ ـ ١٦٣٤ ، الإستبصار ٢ : ١٨٧ ـ ٦٢٩ ، الوسائل ٩ : ٢٠٨ أبواب كفارات الصيد ب ١٧ ح ٢.

(٦) في « ض » زيادة : في الصحيح.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٠٠ ـ ١٠٢١ ، الوسائل ٩ : ٧٥ أبواب تروك الإحرام ب ١ ح ٥.

٣٠٤

______________________________________________________

قال : « لا » (١).

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا تأكل من الصيد وأنت حرام وإن كان أصابه محل ، وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد ، فإن عليك الفداء فيه بجهل كان أو بعمد » (٢) والأخبار الواردة في ذلك كثيرة جدا.

ولم يذكر المصنف هنا ما يحرم من الصيد ، وذكر فيما سيأتي أن الصيد هو الحيوان الممتنع ، وخصه في النافع بالحيوان المحلّل الممتنع ، وألحق به جمع من الأصحاب ستة من المحرّم وهي : الثعلب ، والأرنب ، والضب ، واليربوع ، والقنفذ ، والقمل ، وألحق به آخرون الزنبور ، والأسد ، والعظاية. ونقل عن أبي الصلاح أنه حرم قتل جميع الحيوانات ، إلا إذا خاف منه ، أو كان حية ، أو عقربا ، أو فأرة ، أو غرابا (٣). وسيجي‌ء الكلام في ذلك مفصلا إن شاء الله تعالى (٤).

واعلم أن الدلالة أعم من الإشارة ، لتحققها بالإشارة بشي‌ء من أجزاء البدن والكتابة والقول ، واختصاص الإشارة بأجزاء البدن.

ولا فرق في تحريم الدلالة على المحرم بين كون المدلول محرما أو محلا ، ولا بين الدلالة الخفية والواضحة.

ولو فعل المحرم عند رؤية الصيد فعلا فطن غيره بسببه للصيد ، كما لو تشوف إليه أو ضحك ، ففي تحريمه وجهان : من الشك في تسميته دلالة ، وكونه في معناها.

ولا يخفى أن الدلالة إنما تحرم لمن يريد الصيد إذا كان جاهلا‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٤ ـ ١٠٨٤ ، الوسائل ٩ : ٧٧ أبواب تروك الإحرام ب ٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣١٥ ـ ١٠٨٥ ، الوسائل ٩ : ٧٧ أبواب تروك الإحرام ب ٢ ح ٣.

(٣) الكافي في الفقه : ٢٠٣.

(٤) في ج ٨ ص ٣١٢.

٣٠٥

ولو ذبحه كان ميتة حراما على المحل والمحرم.

______________________________________________________

بالمدلول عليه ، فلو لم يكن مريدا للصيد ، أو كان عالما به ولم تفده الدلالة زيادة انبعاث فلا حكم لها ، بل الظاهر أن مثل ذلك لا يسمى دلالة.

قوله : ( ولو ذبحه كان ميتة حراما على المحل والمحرم ).

هذا الحكم مشهور بين الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنه قول علمائنا أجمع (١). واستدل عليه بما رواه الشيخ ، عن وهب ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام ، قال : « إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال والحرام ، وهو كالميتة ، وإذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلال ذبحه أو حرام » (٢).

وعن إسحاق عن جعفر أن عليا عليه‌السلام كان يقول : « إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم ، وإذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم » (٣).

وفي الروايتين قصور من حيث السند ، أما الأولى فباشتراك وهب الراوي بين الضعيف وغيره ، وأما الثانية فبأن من جملة رجالها الحسن بن موسى الخشاب ، وهو غير موثق ، بل ولا ممدوح مدحا يعتد به ، وإسحاق بن عمار وهو فطحي.

وذهب الصدوق في من لا يحضره الفقيه إلى أن مذبوح المحرم في غير الحرم لا يحرم على المحل مطلقا (٤). وحكاه شيخنا الشهيد في الدروس عن ابن الجنيد أيضا (٥). ويدل على هذا القول مضافا إلى الأصل روايات كثيرة ،

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٠٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٧٧ ـ ١٣١٥ ، الإستبصار ٢ : ٢١٤ ـ ٧٣٣ ، الوسائل ٩ : ٨٦ أبواب تروك الإحرام ب ١٠ ح ٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٧٧ ـ ١٣١٦ ، الإستبصار ٢ : ٢١٤ ـ ٧٣٤ ، الوسائل ٩ : ٨٦ أبواب تروك الإحرام ب ١٠ ح ٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٣٥.

(٥) الدروس : ١٠٣.

٣٠٦

______________________________________________________

كصحيحة معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أصاب صيدا وهو محرم ، أيأكل منه الحلال؟ فقال : « لا بأس ، إنما الفداء على المحرم » (١).

وصحيحة حريز ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن محرم أصاب صيدا ، أيأكل منه المحل؟ فقال : « ليس على المحل شي‌ء ، إنما الفداء على المحرم » (٢).

وصحيحة منصور بن حازم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل أصاب صيدا وهو محرم ، آكل منه وأنا حلال؟ قال : « أنا كنت فاعلا » قلت له : فرجل أصاب مالا حراما فقال : « ليس هذا مثل هذا يرحمك الله » (٣).

وحسنة الحلبي ، قال : « المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه ، ويتصدق بالصيد على مسكين » (٤).

وحسنة معاوية بن عمار قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا أصاب المحرم الصيد في الحرم وهو محرم فإنه ينبغي له أن يدفنه ولا يأكله أحد ، وإذا أصابه في الحل فإن الحلال يأكله وعليه هو الفداء » (٥).

وأجاب الشيخ في التهذيب عن الروايتين الأخيرتين بالحمل على ما إذا أدرك الصيد وبه رمق بحيث يحتاج إلى الذبح ، فإنه يجوز للمحل والحال هذه‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٧٥ ـ ١٣٠٧ ، الإستبصار ٢ : ٢١٥ ـ ٧٣٨ ، الوسائل ٩ : ٧٨ أبواب تروك الإحرام ب ٣ ح ٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٧٥ ـ ١٣٠٦ ، الإستبصار ٢ : ٢١٥ ـ ٧٣٧ ، الوسائل ٩ : ٧٨ أبواب تروك الإحرام ب ٣ ح ٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٧٥ ـ ١٣٠٥ ، الوسائل ٩ : ٧٨ أبواب تروك الإحرام ب ٣ ح ٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٦٧ ـ ١٦٣٣ ، الإستبصار ٢ : ٢١١ ـ ٧٢٠ ، الوسائل ٩ : ٢٤٤ أبواب كفارات الصيد ب ٤٨ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٣٨٢ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٧٨ ـ ١٣١٨ ، الإستبصار ٢ : ٢١٥ ـ ٧٣٦ ، الوسائل ٩ : ٧٨ أبواب تروك الإحرام ب ٣ ح ٢.

٣٠٧

وكذا يحرم فرخه وبيضه. والجراد في معنى الصيد البرّي.

______________________________________________________

أن يذبحه ويأكله. وهو تأويل بعيد ، ثم قال : ويجوز أيضا أن يكون المراد إذا قتله برميه إياه ولم يكن ذبحه ، فإنه إذا كان الأمر على ذلك جاز أكله للمحل دون المحرم. والأخبار الأولة تناولت من ذبح وهو محرم ، وليس الذبح من قبيل الرمي في شي‌ء (١). وهذا التفصيل ظاهر اختيار شيخنا المفيد في المقنعة (٢) ، وفيه جمع بين الأخبار المتعارضة ، إلا أنها ليست متكافئة من حيث السند كما بيناه. وكيف كان فالاقتصار على إباحة غير المذبوح من الصيد ـ كما ذكره الشيخان ـ أولى وأحوط ، وأحوط منه اجتناب الجميع.

قوله : ( وكذا يحرم فرخه وبيضه ).

هذا الحكم مجمع عليه بين العلماء ، قال في التذكرة (٣) : ويدل عليه الروايات الكثيرة المتضمنة لثبوت الكفارة بذلك ، كصحيحة حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « في الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيض ربع درهم » (٤).

قوله : ( والجراد في معنى الصيد البري ).

هذا قول علمائنا وأكثر العامة ، قاله في التذكرة (٥). وقال بعض العامة : إنه من صيد البحر ، لأنه يتولد من روث السمك (٦). ويدل على تحريمه على المحرم روايات كثيرة ، كصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « مر علي صلوات الله عليه على قوم يأكلون جرادا وهم محرمون ، فقال : سبحان الله وأنتم محرمون! فقالوا : إنما هو من صيد‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٧٧.

(٢) المقنعة : ٦٩.

(٣) التذكرة ١ : ٣٢٨.

(٤) الكافي ٤ : ٢٣٤ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ ـ ١١٩٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٠ ـ ٦٧٧ ، الوسائل ٩ : ١٩٦ أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ح ٥.

(٥) التذكرة ١ : ٣٣٠.

(٦) ذكره العيني في عمدة القاري ١٠ : ١٦٤.

٣٠٨

ولا يحرم صيد البحر ، وهو ما يبيض ويفرّخ في الماء.

______________________________________________________

البحر ، فقال : ارموه في الماء إذن » (١).

وصحيحة معاوية (٢) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « ليس للمحرم أن يأكل جرادا ولا يقتله » (٣) وحسنة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « اعلم أنه ما وطئت من الدباء أو أوطأته بعيرك فعليك فداؤه » (٤).

قوله : ( ولا يحرم صيد البحر ، وهو ما يبيض ويفرّخ في الماء ).

أجمع العلماء كافة على عدم تحريم صيد البحر وجواز أكله وسقوط الفدية فيه. والأصل فيه قوله تعالى ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ ) (٥).

وما رواه الكليني في الحسن ، عن حريز ، عمن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بأن يصيد المحرم السمك ويأكل مالحه وطريّه ويتزوّد وقال ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ ) قال : مالحه الذي يأكلون ، وفصل ما بينهما : كل طير يكون في الآجام يبيض في البر ويفرّخ في البر فهو من صيد البر ، وما كان من صيد البر يكون في البر ويبيض في البحر (٦) فهو من صيد البحر » (٧).

ويستفاد من هذه الرواية أن ما كان من الطيور يعيش في البر والبحر يعتبر‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٣ ـ ٦ ، وفي الفقيه ٢ : ٢٣٥ ـ ١١١٩ ، والتهذيب ٥ : ٣٦٣ ـ ١٢٦٣ ، والوسائل ٩ : ٨٣ أبواب تروك الإحرام ب ٧ ح ١ : ارمسوه بدل ارموه ، وكذا في « م ».

(٢) في « ض » و « ح » والوسائل زيادة : ابن عمار.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٦٣ ـ ١٢٦٤ ، الوسائل ٩ : ٨٤ أبواب تروك الإحرام ب ٧ ح ٤.

(٤) الكافي ٤ : ٣٩٣ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ٢٤٩ أبواب كفارات الصيد ب ٥٣ ح ٢.

(٥) المائدة : ٩٦.

(٦) في الكافي زيادة : ويفرخ في البحر.

(٧) الكافي ٤ : ٣٩٢ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٨٢ أبواب تروك الإحرام ب ٦ ح ٣.

٣٠٩

والنساء ، وطئا وعقدا لنفسه ولغيره ،

______________________________________________________

بالبيض ، فإن كان مما يبيض في البر فهو صيد البر وإن كان ملازما للماء كالبط ونحوه ، وإن كان مما يبيض في البحر فهو صيد البحر. وقال العلامة ـ رحمه‌الله ـ في المنتهى : إنه لا يعلم في ذلك خلافا إلا من عطاء (١).

قوله : ( والنساء وطئا وعقدا لنفسه ولغيره ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، والأصل فيه قوله تعالى : ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) (٢) والرفث هو الجماع بالنص الصحيح من الصادق والكاظم عليهما‌السلام.

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ليس للمحرم أن يتزوج ولا يزوج ، فإن تزوج أو زوج محلا فتزوجه باطل » (٣).

وفي الحسن عن معاوية بن عمار قال : « المحرم لا يتزوج ولا يزوّج ، فإن فعل فنكاحه باطل » (٤).

وفي الصحيح عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل ملك بضع امرأة وهو محرم قبل أن يحل ، فقضى أن يخلّي سبيلها ، ولم يجعل نكاحه شيئا حتى يحل ، فإذا أحل خطبها إن شاء ، فإن شاء أهلها زوّجوه ، وإن شاءوا لم يزوّجوه » (٥).

ومقتضى الرواية أنها لا تحرم مؤبدا بالعقد. وحملها الشيخ (٦) على‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٠٢.

(٢) البقرة : ١٩٧.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٢٨ ـ ١١٢٨ ، الإستبصار ٢ : ١٩٣ ـ ٦٤٧ ، الوسائل ٩ : ٨٩ أبواب تروك الإحرام ب ١٤ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٧٢ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٣٠ ـ ١١٣٥ ، الوسائل ٩ : ٩٠ أبواب تروك الإحرام ب ١٤ ح ٩.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٣٠ ـ ١١٣٤ ، الوسائل ٩ : ٩٢ أبواب تروك الإحرام ب ١٥ ح ٣.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٢٩.

٣١٠

وشهادة على العقد وإقامة ولو تحملها محلا ،

______________________________________________________

الجاهل ، جمعا بينها وبين خبرين ضعيفين وردا بالتحريم المؤبد بذلك مطلقا ، وحملا على العالم. وهو مشكل ، لكن ظاهر المنتهى أن الحكم مجمع عليه بين الأصحاب (١) ، فإن تم فهو الحجة ، وإلا فللنظر فيه مجال.

قوله : ( وشهادة على العقد ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين أن يكون العقد لمحل أو محرم ، وبهذا التعميم صرح العلامة في التذكرة والمنتهى (٢) ، واستدل عليه بما رواه الشيخ ، عن الحسن بن علي ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « المحرم لا ينكح ولا ينكح ولا يشهد ، فإن نكح فنكاحه باطل » (٣).

وعن عثمان بن عيسى ، عن أبي شجرة ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في المحرم يشهد على نكاح المحلين ، قال : « لا يشهد » (٤).

وفي الروايتين قصور من حيث السند ، إلا أن الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب.

وينبغي قصر الحكم على حضور العقد لأجل الشهادة ، فلو اتفق حضوره لا لأجل الشهادة لم يكن محرما.

ولا يبطل العقد بشهادة المحرم له قطعا ، لأن النكاح عندنا لا يعتبر فيه الشهادة.

قوله : ( وإقامة ولو تحملها محلاّ ).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٠٨.

(٢) التذكرة ١ : ٣٤٢ ، والمنتهى ٢ : ٨٠٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٠ ـ ١١٣٦ ، الوسائل ٩ : ٩٠ أبواب تروك الإحرام ب ١٤ ح ٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٣١٥ ـ ١٠٨٧ ، الإستبصار ٢ : ١٨٨ ـ ٦٣٠ ، الوسائل ٩ : ٨٩ أبواب تروك الإحرام ب ١٤ ح ٥.

٣١١

ولا بأس به بعد الإحلال ، وتقبيلا ونظرا بشهوة ،

______________________________________________________

نبّه بقوله : ولو تحملها محلا ، على خلاف الشيخ ـ رحمه‌الله ـ حيث‌ قيّد تحريم إقامة شهادة النكاح على المحرم بما إذا تحملها وهو محرم (١). والمشهور عموم المنع ، لكن دليله غير واضح.

وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في تحريم الإقامة بين أن يكون العقد الواقع بين محلّين أو محرمين أو بالتفريق. واستوجه العلامة في التذكرة اختصاصه بعقد وقع بين محرمين أو محرم ومحل (٢). وحكى عنه ولده في شرح القواعد أنه قال : إن ذلك هو المقصود من كلام الأصحاب (٣). ولا بأس به ، قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق إن تم ، وإلا اتجه عدم التحريم مطلقا.

وكيف كان فإنما يحرم على المحرم الإقامة إذا لم يترتب على تركها محرّم ، فلو خاف به وقوع الزنا المحرّم وجب عليه تنبيه الحاكم على أن عنده شهادة ليوقف الحكم إلى إحلاله ، ولو لم يندفع إلا بالشهادة وجب إقامتها قطعا.

قوله : ( ولا بأس به بعد الإحلال ).

هذه العبارة لا تخلو من شي‌ء ، وكأن (٤) المراد منها أنه لا بأس بإقامة الشهادة بعد الإحلال وإن كان قد تحملها في حال الإحرام. وينبغي (٥) تقييده بما إذا وقعت الشهادة بعد التوبة ، لتحريم التحمل وقت الإحرام على ما سبق.

قوله : ( وتقبيلا ونظرا بشهوة ).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣١٧.

(٢) التذكرة ١ : ٣٤٣.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٢٩٢.

(٤) في « ح » : ولو كان.

(٥) في « ح » : فينبغي.

٣١٢

______________________________________________________

يدل على ذلك روايات كثيرة ، كصحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي‌ عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى وهو محرم ، قال : « لا شي‌ء عليه ، ولكن ليغتسل ويستغفر ربه ، وإن حملها من غير شهوة فأمنى فلا شي‌ء عليه ، وإن حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم » وقال في المحرم ينظر إلى امرأته وينزلها بشهوة حتى ينزل ، قال : « عليه بدنة » (١).

وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته ، قال : « نعم ، يصلح عليها خمارها ، ويصلح عليها ثوبها ومحملها » قلت : أفيمسها وهي محرمة!؟ قال : « نعم » قلت : المحرم يضع يده بشهوة ، قال : « يهريق دم شاة » قلت : فإن قبّل؟ قال : « هذا أشد ، ينحر بدنة » (٢).

ورواية محمد بن مسلم : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يحمل امرأته ويمسها فأمنى أو أمذى فقال : « إن حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو لم يمن ، أو أمذى أو لم يمذ ، فعليه دم شاة يهريقه ، وإن حملها أو مسها بغير شهوة فليس عليه شي‌ء ، أمنى أو لم يمن ، أمذى أو لم يمذ » (٣).

قال الشارح قدس‌سره : ولا فرق في ذلك ـ يعني تحريم النظر بشهوة ـ بين الزوجة والأجنبية بالنسبة إلى النظرة الأولى إن جوزناها ، وإلا فالحكم مخصوص بالزوجة (٤). وكأن وجه الاختصاص عموم تحريم النظر إلى الأجنبية على هذا التقدير ، وعدم اختصاصه بحالة الشهوة ، وهو جيد ، إلا أن ذلك لا‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٥ ـ ١ ، وفي التهذيب ٥ : ٣٢٥ ـ ١١١٧ ، والاستبصار ٢ : ١٩١ ـ ٦٤٢ : وفيه صدر الحديث ، الوسائل ٩ : ٢٧٤ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٥ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ٢٧٤ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١٤ ـ ٩٧٢ ، التهذيب ٥ : ٣٢٦ ـ ١١١٩ ، المقنع : ٧٦ ، الوسائل ٩ : ٢٧٥ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ٦.

(٤) المسالك ١ : ١٠٩.

٣١٣

وكذا الاستمناء.

تفريع :

الأول : إذا اختلف الزوجان في العقد ، فادّعى أحدهما وقوعه في الإحرام وأنكر الآخر ، فالقول قول من يدّعي الإحلال ، ترجيحا لجانب‌

______________________________________________________

ينافي اختصاص التحريم الإحرام بما كان بالشهوة ، كما أطلقه المصنف رحمه‌الله.

قوله : ( وكذا الاستمناء ).

وهو استدعاء المني ، ولا ريب في تحريمه ، للأخبار الكثيرة الدالة عليه ، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يعبث بامرأته حتى يمني وهو محرم من غير جماع ، أو يفعل ذلك في شهر رمضان فقال : « عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع » (١).

ورواية إسحاق بن عمار ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال ، قلت له : ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟ قال : « أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو محرم : بدنة ، والحج من قابل » (٢).

والظاهر أن الأمر بالحج محمول على الاستحباب ، لضعف الرواية من حيث السند عن إثبات الوجوب ، ولما سيجي‌ء إن شاء الله من أن الحج إنما يفسد بالجماع قبل الموقفين (٣).

قوله : ( تفريع ، إذا اختلف الزوجان في العقد ، فادعى أحدهما وقوعه في الإحرام ، وأنكر الآخر ، فالقول قول من يدّعي الإحلال ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٦ ـ ٥ وفيه عن أبي الحسن عليه‌السلام ، التهذيب ٥ : ٣٢٧ ـ ١١٢٤ ، الوسائل ٩ : ٢٧١ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٤ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٦ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٢٤ ـ ١١١٣ ، الإستبصار ٢ : ١٩٢ ـ ٦٤٦ ، الوسائل ٩ : ٢٧٢ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٥ ح ١.

(٣) في ج ٨ ص ٤٠٦.

٣١٤

الصحة ،

______________________________________________________

ترجيحا لجانب الصحة ).

إذا اتفق الزوجان على أن العقد وقع في حال الإحرام بطل وسقط المهر قبل الدخول ، سواء كانا جاهلين أو عالمين أو بالتفريق ، لفساد العقد إجماعا. وإن دخل بها وهي جاهلة ثبت لها مهر المثل بما استحل من فرجها ، وفرّق بينهما مؤبدا مع العلم على ما قطع به الأصحاب ، وإلى أن يحصل الإحلال مع الجهل.

ولو اختلفا فادعى أحدهما أنه وقع في حال الإحلال ، وادعى الآخر وقوعه في حال الإحرام فقد حكم المصنف وغيره (١) بأن القول قول من يدعي وقوعه في حالة الإحلال ، حملا لفعل المسلم على الصحة ، والتفاتا إلى أنهما مختلفان في وصف زائد على أركان العقد المتفق على حصولها يقتضي الفساد ، وهو وقوع العقد في حالة الإحرام ، فالقول قول منكره. وفي الوجهين نظر :

أما الأول ، فلأنه إنما يتم إذا كان المدعي لوقوع الفعل في حال الإحرام عالما بفساد ذلك ، أما مع اعترافهما بالجهل فلا وجه للحمل على الصحة.

وأما الثاني فلأن كلا منهما يدعي وصفا ينكره الآخر ، فتقديم أحدهما يحتاج إلى دليل.

وكيف كان فينبغي القطع بتقديم قول من يدعي الإحلال مع اعتراف مدعي الفساد بالعلم بالحكم ، وإنما يحصل التردد مع الجهل ، ومعه يحتمل تقديم قول من يدعي تأخر العقد مطلقا ، لاعتضاد دعواه بأصالة عدم التقديم ، ويحتمل تقديم قول مدعي الفساد ، لأصالة عدم تحقق الزوجية إلى أن تثبت شرعا ( والمسألة محل تردد ) (٢).

__________________

(١) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٩.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ض ».

٣١٥

لكن إن كان المنكر المرأة ، كان لها نصف المهر ، لاعترافه بما يمنع من الوطء ، ولو قيل : لها المهر كلّه كان حسنا.

______________________________________________________

قوله : ( لكن إن كان المنكر المرأة كان لها نصف المهر ، لاعترافه بما يمنع من الوطء ، ولو قيل لها المهر كله كان حسنا ).

موضع الخلاف ما إذا وقعت الدعوى قبل الدخول ، والقول بتنصيف المهر بذلك للشيخ ـ رحمه‌الله ـ لما ذكره المصنف من التعليل (١). وهو ضعيف جدا ، والأصح ما حسنة المصنف من لزوم جميع المهر ، لثبوته بالعقد ، وتنصيفه بالمفارقة قبل الدخول على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على موضع النص والوفاق وهو الطلاق ، ولا يلحق به ما أشبهه ، لبطلان القياس. ولو كان النزاع بعد الدخول وجب المسمى بأجمعه قولا واحدا.

وقد قطع الأصحاب بأن قبول قول مدعي الصحة بيمينه إنما هو بحسب الظاهر ، وإلا فيجب على كل منهما فيما بينه وبين الله تعالى فعل ما هو حكمه في نفس الأمر ، فإن كان المدعي للصحة هو الزوج ثبت النكاح ظاهرا ، وحرم عليه التزويج بأختها ، ووجب عليه نفقتها ، والمبيت عندها ، ويجب عليها فيما بينها وبين الله أن تعمل بما تعلم أنه الحق بحسب الإمكان ، ولو بالهرب واستدعاء الفراق ، وليس لها المطالبة بشي‌ء من حقوق الزوجية ، ولا بالمهر قبل الدخول ، أما بعده فتطالب بأقل الأمرين من المسمى ومهر المثل مع جهلها.

وإن كان المدعي للصحة هي المرأة كان لها المطالبة بالمهر كله على ما بيناه ، وكذا النفقة ، وسائر حقوق الزوجية ، ولا يحل لها التزوج بغيره ، ولا الأفعال المتوقفة على إذنه بدون الإذن.

ونص الشارح (٢) وغيره (٣) على أنه يجوز له بحسب الظاهر التزوج‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣١٨.

(٢) المسالك ١ : ١٠٩.

(٣) كالكركي في جامع المقاصد ١ : ١٦٤.

٣١٦

الثاني : إذا وكل في حال إحرامه فأوقع ، فإن كان قبل إحلال الموكل بطل ، وإن كان بعده صحّ.

______________________________________________________

بأختها وخامسة ونحو ذلك من لوازم الفساد ، لأنها كالأجنبية بحسب دعواه. ثم قال الشارح قدس‌سره : وإنما جمعنا بين هذه الأحكام المتنافية مع أن اجتماعها في الواقع ممتنع ، جمعا بين الحقين المبنيين على المضايفة المحضة ، وعملا في كل سبب بمقتضاه بحيث يمكن.

وأقول : إن إثبات هذه الأحكام مشكل جدا ، للتضاد ، خصوصا جواز تزويجه بأختها مع دعواه الفساد ، إذ اللازم منه جواز تزويجها بغيره إذا ادعت ذلك ، وهو معلوم البطلان. والذي يقتضيه النظر أنه متى حكم بصحة العقد شرعا ترتبت عليه لوازمه ، فيكون لها المطالبة بحقوق الزوجية ظاهرا وإن ادعت الفساد ، ولا يجوز له التزويج بأختها وإن ادعى ذلك ، لحكم الشارع بصحة العقد ظاهرا ، وأما في نفس الأمر فيكلف كل منهما بحسب ما يعلمه من حاله ، لكن لو وقع منهما أو من أحدهما حكم مخالف لما ثبت في الظاهر وجب الحكم ببطلانه كذلك والله تعالى أعلم.

قوله : ( الثاني ، إذا وكّل في حال إحرامه فأوقع ، فإن كان قبل إحلال الموكّل بطل ، وإن كان بعده صح ).

أما الصحة إذا وقع بعد إحلال الموكل فظاهر ، للأصل السالم عما يصلح للمعارضة. وأما البطلان إذا وقع قبل الإحلال فمقطوع به في كلام الأصحاب ، بل قال في المنتهى : ولو وكّل محل محلا في التزويج ، فعقد له الوكيل بعد إحرام الموكّل لم يصح النكاح ، سواء حضره الموكّل أو لم يحضره ، وسواء علم الوكيل أو لم يعلم (١). واستدل عليه بأن الوكيل نائب عن الموكّل ، فكان الفعل في الحقيقة مستندا إليه وهو محرم ( وهو جيد إن ثبت امتناع ذلك منه على وجه العموم ) (٢) وفي استفادة ذلك من الأخبار نظر.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٠٩.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ض ».

٣١٧

وتجوز مراجعة المطلقة الرجعية ، وشراء الإماء في حال الإحرام.

والطيب على العموم ، ما خلا خلوق الكعبة ، ولو في الطعام. ولو اضطر إلى أكل ما فيه طيب أو لمس الطيب قبض على أنفه. وقيل : إنما‌

______________________________________________________

قوله : ( ويجوز مراجعة المطلقة الرجعية وشراء الإماء في حال الإحرام ).

لا خلاف في جواز كل من الأمرين ، أما المراجعة فلأن متعلق النهي التزويج في حال الإحرام ، والمراجعة ليست ابتداء نكاح ، لأن المطلقة رجعية في حكم الزوجة ، ولا فرق في ذلك بين المطلقة تبرعا والمختلعة إذا رجعت في البذل.

وأما شراء الإماء فيدل على جوازه مضافا إلى الأصل السالم من المعارض صحيحة سعد بن سعد ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن المحرم يشتري الجواري ويبيع؟ قال : « نعم » (١).

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في شراء الإماء بين أن يقصد بهن الخدمة أو التسري ، وهو كذلك وإن حرمت المباشرة.

وقال الشارح قدس‌سره : إنه لو قصد المباشرة عند عقد الشراء في حال الإحرام حرم ، وهل يبطل الشراء؟ فيه وجه ، منشؤه النهي عنه ، والأقوى العدم ، لأنه عقد لا عبادة (٢). قلت : لا ريب في عدم البطلان ، بل الظاهر عدم تحريم الشراء أيضا ، لأنه ليس منهيا عنه بخصوصه ، ولا علة في المحرّم ، أعني المباشرة ، فلا يكون تحريمها مستلزما لتحريمه كما هو واضح.

قوله : ( والطيب على العموم ، ما خلا خلوق الكعبة ، ولو في الطعام ، ولو اضطر إلى أكل ما فيه طيب أو لمس الطيب قبض على‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٣ ـ ٨ ، الفقيه ٢ : ٣٠٨ ـ ١٥٢٩ ، التهذيب ٥ : ٣٣١ ـ ١١٣٩ ، الوسائل ٩ : ٩٢ أبواب تروك الإحرام ب ١٦ ح ١.

(٢) المسالك ١ : ١٠٩.

٣١٨

يحرم المسك والعنبر والزعفران والعود والكافور والورس. وقد يقتصر بعض على أربعة : المسك والعنبر والزعفران والورس ، والأول أظهر.

______________________________________________________

أنفه ، وقيل : إنما يحرم المسك والعنبر والزعفران والعود والكافور والورس ، وقد يقتصر بعض على أربعة : المسك والعنبر والزعفران والورس ، والأول أظهر ).

تضمنت هذه العبارة مسائل ، الأولى : أنه يحرم على المحرم الطيب شما وأكلا ، وهو في الجملة موضع وفاق. وإنما الخلاف فيما يحرم من الطيب ، فذهب المفيد (١) والمرتضى (٢) وابن بابويه (٣) والشيخ في موضع من المبسوط (٤) وابن إدريس (٥) والمصنف ومن تأخر عنه (٦) إلى تحريم الطيب بأنواعه.

وقال الشيخ في التهذيب : إنما يحرم المسك والعنبر والزعفران والورس (٧). وأضاف في النهاية والخلاف إلى هذه الأربعة : العود والكافور (٨).

احتج القائلون بالتعميم بالأخبار الكثيرة الدالة على ذلك ، كصحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا تمس شيئا من الطيب ولا من الدهن في إحرامك ، واتق الطيب في طعامك ، وأمسك على‌

__________________

(١) المقنعة : ٦٧.

(٢) جمل العلم والعمل : ١٠٧.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١٧ ، والمقنع : ٧٢.

(٤) المبسوط ١ : ٣١٩.

(٥) السرائر : ١٢٨.

(٦) كالعلامة في التحرير ١ : ١١٣ ، وفخر المحققين في الإيضاح ١ : ٢٩٣ ، والشهيد الأول في الدروس : ١٠٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٩.

(٧) التهذيب ٥ : ٢٩٩.

(٨) النهاية : ٢١٩ ، والخلاف ١ : ٤٣٧.

٣١٩

______________________________________________________

أنفك من الرائحة الطيبة ، ولا تمسك عنه من الريح المنتنة ، فإنه لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة » (١).

وصحيحة (٢) حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يمس المحرم شيئا من الطيب ولا من الريحان ولا يتلذذ به ، فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه » يعني من الطعام (٣).

وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم ، فإن كان ناسيا فلا شي‌ء عليه ويستغفر الله ويتوب إليه » (٤).

وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « المحرم يمسك على أنفه من الريح الطيبة ، ولا يمسك على أنفه من الريح المنتنة » (٥). وروى هشام بن الحكم في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام نحو ذلك وقال : « لا بأس بالريح الطيبة فيما بين الصفا والمروة من ريح العطارين ولا يمسك على أنفه » (٦).

احتج الشيخ في التهذيب على وجوب اجتناب الأنواع الأربعة خاصة بما رواه بطريقين ، أحدهما صحيح ، والآخر ضعيف ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء :

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٥٣ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٩٤ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ٥.

(٢) في « ض » : ورواية.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٩٧ ـ ١٠٠٧ ، الإستبصار ٢ : ١٧٨ ـ ٥٩١ ، الوسائل ٩ : ٩٥ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٥٤ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٣ ـ ١٠٤٦ ، الوسائل ٩ : ٢٨٤ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٤ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٣٥٤ ـ ٤ ، الوسائل ٩ : ١٠٠ أبواب تروك الإحرام ب ٢٤ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ٣٥٤ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٢٥ ـ ١٠٥٦ ، التهذيب ٥ : ٣٠٠ ـ ١٠١٨ ، الإستبصار ٢ : ١٨٠ ـ ٥٩٩ ، الوسائل ٩ : ٩٨ أبواب تروك الإحرام ب ٢٠ ح ١.

٣٢٠