مدارك الأحكام - ج ٧

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٧

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

وإن فعل ذلك عامدا ، قيل : بطلت عمرته وصارت حجة مبتولة ، وقيل : بقي على إحرامه الأول وكان الثاني باطلا ، والأول هو المروي.

______________________________________________________

عليه‌السلام عن رجل أهلّ بالعمرة ونسي أن يقصّر حتى دخل في الحج قال : « يستغفر الله ولا شي‌ء عليه وتمّت عمرته » (١) وفي الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فدخل مكة فطاف وسعى ولبس ثيابه وأحلّ ونسي أن يقصّر حتى خرج إلى عرفات قال : « لا بأس به ، يبني على العمرة وطوافها وطواف الحج على أثره » (٢).

احتج الشيخ في التهذيب على وجوب الدم بما رواه عن إسحاق بن عمار قال ، قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : الرجل يتمتع فينسى أن يقصّر حتى يهلّ بالحج قال : « عليه دم يهريقه » (٣) وأجاب ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه عن هذه الرواية بالحمل على الاستحباب (٤). وهو حسن.

قوله : ( وإن فعل ذلك عامدا قيل : بطلت عمرته وصارت حجة مبتولة. وقيل : بقي على إحرامه الأول وكان الثاني باطلا ، والأول هو المروي ).

القول ببطلان العمرة بذلك وصيرورة الحجة مبتولة للشيخ (٥) ـ رحمه‌الله ـ وجمع من الأصحاب ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن إسحاق بن عمار ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٩١ ـ ٢٩٩ ، الإستبصار ٢ : ١٧٥ ـ ٥٧٩ ، الوسائل ٩ : ٧٣ أبواب الإحرام ب ٥٤ ح ٣ ، ورواها في الكافي ٤ : ٤٤٠ ـ ٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٩٠ ـ ٢٩٨ و ١٥٩ ـ ٥٣٠ ، الاستبصار ٢ : ١٧٥ ـ ٥٧٨ وص ٢٤٣ ـ ٨٤٧ ، الوسائل ٩ : ٧٣ أبواب الإحرام ب ٥٤ ح ٢ ، ورواها في الكافي ٤ : ٤٤٠ ـ ٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٥٨ ـ ٥٢٧ ، الوسائل ٩ : ٧٣ أبواب الإحرام ب ٥٤ ح ٦.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٣٧.

(٥) النهاية : ٢١٥ ، والمبسوط ١ : ٣١٦.

٢٨١

______________________________________________________

« المتمتع إذا طاف وسعى ثم لبّى قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر وليس له متعة » (١).

وعن محمد بن سنان ، عن العلاء بن الفضيل قال : سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهلّ بالحج قبل أن يقصّر قال : « بطلت متعته وهي حجة مبتولة » (٢) وفي الروايتين قصور من حيث السند فيشكل التعويل عليهما في إثبات حكم مخالف للأصل والاعتبار.

وأجاب عنهما في الدروس بالحمل على متمتع عدل عن الإفراد ثم لبّى بعد السعي قال : لأنه روي التصريح بذلك (٣). وهو حمل بعيد ، وما ادعاه من النص لم نقف عليه.

والقول ببطلان الإحرام الثاني والبقاء على الأول لابن إدريس محتجا بأن الإحرام بالحج إنما يسوغ التلبس به بعد التحلل من الأول ، وقبله يكون منهيا عنه ، والنهي في العبادة يقتضي الفساد ، وبأن الإجماع منعقد على أنه لا يجوز إدخال الحج على العمرة ولا العمرة على الحج قبل فراغ مناسكهما (٤).

وأجيب عنه بمنع كون النهي هنا مفسدا ، لرجوعه إلى وصف خارج عن ماهية الإحرام. ومنع تحقق الإدخال ، لأن التقصير محلّل لا جزء من العمرة. ويتوجه على الأول أن المنهي عنه نفس الإحرام ، لأن التلبس به قبل التحلل من إحرام العمرة إدخال في الدين ما ليس منه فيكون تشريعا محرّما ويفسد ، لأن النهي في العبادة يقتضي الفساد ، وإذا كان فاسدا يكون وجوده كعدمه ويبقى الحال على ما كان عليه من وجوب التقصير وإنشاء إحرام الحج.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٥٩ ـ ٥٢٩ ، الوسائل ٩ : ٧٣ أبواب الإحرام ب ٥٤ ح ٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٩٠ ـ ٢٩٦ ، الإستبصار ٢ : ١٧٥ ـ ٥٨٠ ، الوسائل ٩ : ٧٣ أبواب الإحرام ب ٥٤ ح ٤.

(٣) الدروس : ٩٢.

(٤) السرائر : ١٣٦.

٢٨٢

الثانية : لو نوى الإفراد ثم دخل مكة جاز أن يطوف ويسعى ويقصر ويجعلها عمرة يتمتع بها ما لم يلبّ. فإن لبّى انعقد إحرامه. وقيل : لا اعتبار بالتلبية ، وإنما هو بالقصد.

______________________________________________________

وعلى الثاني أن المستفاد من الأخبار الكثيرة المتضمنة لبيان أفعال العمرة كون التقصير من جملة أفعالها وإن حصل التحلّل به كما في طواف الحج وطواف النساء ، وقد صرّح بذلك العلاّمة في المنتهى مدعيا الإجماع وهذه عبارته : أفعال العمرة هي الإحرام والطواف وركعتاه والسعي والتقصير ذهب إليه علماؤنا أجمع ، فالتقصير حينئذ نسك يثاب عليه (١). انتهى كلامه ـ رحمه‌الله ـ وهو صريح فيما ذكرناه ، ومتى ثبت كون التقصير نسكا تحقق الإدخال بالتلبس بإحرام الحج قبل الإتيان به جزما ، على أن اللازم ممّا ذكره المجيب من عدم اقتضاء النهي الفساد وعدم تحقق الإدخال المنهي عنه صحة الإحرام بالحج لا صيرورة الحجة مبتولة وهم لا يقولون بذلك.

ويظهر من المصنف ـ رحمه‌الله ـ التردد في هذه المسألة حيث اقتصر على نقل القولين من غير ترجيح لأحدهما ، وهو في محله ، وإن كان مقتضى الأصل المصير إلى ما ذكره ابن إدريس إلى أن يثبت سند الروايتين. ثم إن قلنا بصيرورة العمرة حجة مفردة كما ذكره الشيخ فيجب إكمالها ولا تجزيه عن فرضه لانتفاء الضرورة المسوّغة للعدول ، ويحتمل الإجزاء لعدم الأمر بالإعادة في الروايتين فلا تكون واجبة ، وإلاّ لتأخر البيان عن وقت الحاجة.

قوله : ( الثانية ، لو نوى الإفراد ثم دخل مكة جاز له أن يطوف ويسعى ويقصّر ويجعلها عمرة ويتمتع بها ما لم يلبّ ).

قد تقدم الكلام في ذلك وأن الأظهر اختصاصه بمن لم يتعين عليه الإفراد بالأصل أو العارض.

قوله : ( فإن لبّى انعقد إحرامه ، وقيل : لا اعتبار بالتلبية وإنما هو بالقصد ).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٠٩.

٢٨٣

______________________________________________________

المراد أن المفرد إنما يجوز له العدول إلى المتعة إذا لم يكن لبّى بعد‌ الطواف والسعي ، فإن لبّى بعده امتنع منه العدول ووجب عليه المضي في حجه. وهذا الحكم ذكره الشيخ (١) وأتباعه (٢) ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن موسى بن القاسم ، عن صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي بصير قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يفرد الحج ثم يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ثم يبدو له أن يجعلها عمرة قال : « إن كان لبّى بعد ما سعى قبل أن يقصّر فلا متعة له » (٣) وهذه الرواية قاصرة من حيث السند باشتماله على إسحاق بن عمار ، واشتراك راويها بين الثقة والضعيف فوصفها بالصحة كما فعله الشارح (٤) وغيره (٥) غير جيد.

وقال ابن إدريس : لا أرى لذكر التلبية هنا وجها وإنما الحكم للنية دون التلبية (٦) ، لقوله عليه‌السلام : « إنما الأعمال بالنيات » (٧) وفسر كلامه بأمرين ، أحدهما : أن الاعتبار بقصد الإهلال بالتلبية لا بالتلبية وحدها ، فيكون مقتضاه أنه لو لبّى قاصدا إلى عقد الإحرام امتنع عنه العدول إلى التمتع لا بدونه. ويشكل بأن مقتضى الرواية كون التلبية مقتضية لانعقاد الإحرام وامتناع العدول ، فإن لم نقل بموجبها امتنع كونها مؤثرة مع النية لانتفاء الدليل عليه رأسا.

الثاني : أن المراد أن الاعتبار بقصده إلى العدول إلى التمتع عملا بالحكم الثابت من جواز النقل بالنية ولا عبرة بالتلبية. وهذا المعنى أقرب إلى‌

__________________

(١) النهاية : ٢١٥.

(٢) كابن البراج في المهذب ١ : ٢١٧.

(٣) التهذيب ٥ : ٩٠ ـ ٢٩٥ ، الوسائل ٨ : ٢١٠ أبواب أقسام الحج ب ١٩ ح ١.

(٤) المسالك ١ : ١٠٧.

(٥) كالعلامة في المختلف : ٢٦٨.

(٦) السرائر : ١٢٦.

(٧) التهذيب ١ : ٨٣ ـ ٢١٨ ، الوسائل ١ : ٣٤ أبواب مقدمة العبادات ب ٥ ح ٧.

٢٨٤

الثالثة : إذا أحرم الولي بالصبي جرّده من فخ ، وفعل به ما يجب على المحرم ، وجنّبه ما يجتنبه.

______________________________________________________

كلامه وأوفق بالدليل.

ولو وقع العدول قبل الطواف ثم لبّى بعده فينبغي القطع بجواز التحلل له ، للأصل ، ولأن أقصى ما يستفاد من الرواية المتقدمة أنه لا يجوز العدول لمن لبّى بعد طوافه وسعيه ولا يلزم منه كون التلبية مقتضية لإبطال العدول المتقدم ، والعجب أن الشارح (١) ـ قدس‌سره ـ جعل ذلك مورد الخلاف مع أن النص وكلام الأصحاب كالصريحين في خلافه.

قوله : ( الثالثة ، إذا أحرم الولي بالصبي جرّده من فخ وفعل به ما يجب على المحرم وجنّبه ما يجتنبه ).

قد تقدم الكلام في ذلك وأن التجريد كناية عن الإحرام ، وإن ذلك على سبيل الرخصة ، وإلاّ فالأفضل الإحرام به من الميقات (٢). ويدل على أنه يجب على الولي أن يفعل به ما يجب على المحرم ويجنّبه ما يجتنبه روايات : منها صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة أو إلى بطن مرو يصنع بهم ما يصنع بالمحرم ، ويطاف بهم ، ويرمى عنهم ، ومن لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه » (٣).

وصحيحة زرارة عن أحدهما عليه‌السلام ، قال : « إذا حج الرجل بابنه وهو صغير فإنه يأمره أن يلبّي ويفرض الحج ، فإن لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه ، ويطاف به ، ويصلى عنه » قلت : ليس لهم ما يذبحون عنه ، قال : « يذبح عن الصغار ويصوم الكبار ، ويتقى ما يتقي المحرم من الثياب‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٠٧.

(٢) في ص ٢٢٦.

(٣) الكافي ٤ : ٣٠٤ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٦٦ ـ ١٢٩٤ ، التهذيب ٥ : ٤٠٩ ـ ١٤٢٣ ، الوسائل ٨ : ٢٠٧ أبواب أقسام الحج ب ١٧ ح ٣.

٢٨٥

ولو فعل الصبي ما تجب به الكفارة لزم ذلك الولي في ماله. وكل ما يعجز عنه الصبي يتولاّه الولي ، من تلبية وطواف وسعي وغير ذلك.

______________________________________________________

والطيب ، فإن قتل صيدا فعلى أبيه » (١).

قوله : ( ولو فعل الصبي ما تجب به الكفارة لزم ذلك الولي في ماله ).

المراد أنه لو فعل الصبي ما تجب به الكفارة على المكلف لزم ذلك الولي في ماله ، فإن الصبي لا يجب عليه اجتناب موجبها ، وإنما يجب على الولي أن يجنّبه ذلك ، كما دلت عليه الروايات السابقة.

وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين ما يوجب الكفارة عمدا وسهوا كالصيد ، أو عمدا لا سهو كلبس المخيط. والأصح اختصاص الحكم بالأول كما اختاره الشيخ (٢) وأكثر الأصحاب (٣) ، اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النص ، وهو الصيد (٤).

قوله : ( وكل ما يعجز عنه الصبي يتولاّه الولي ، من تلبية وطواف وسعي وغير ذلك ).

وقد تقدم ما يدل على هذا الحكم من الأخبار ، ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام وكنا تلك السنة مجاورين وأردنا الإحرام يوم التروية فقلت : إن معنا مولودا صبيا فقال : « مروا أمه فلتلق حميدة فلتسألها كيف تعمل بصبيانها » قال : فأتتها فسألتها فقالت لها : إذا كان يوم التروية فجردوه‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٠٣ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٦٥ ـ ١٢٩١ ، التهذيب ٥ : ٤٠٩ ـ ١٤٢٤ ، الوسائل ٢ : ٢٠٨ أبواب أقسام الحج ب ١٧ ح ٥.

(٢) المبسوط ١ : ٣٢٩.

(٣) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ٧٤٨ ، والشهيد الأول في الدروس : ٨٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٧.

(٤) في « م » و « ح » زيادة : وما في معناه.

٢٨٦

ويجب على الولي الهدي من ماله أيضا. وروي : إذا كان الصبي مميّزا جاز أمره بالصيام عن الهدي ، ولو لم يقدر على الصيام صام الولي عنه مع العجز عن الهدي.

______________________________________________________

وغسلوه كما يجرد المحرم ، ثم أحرموا عنه ، ثم قفوا به في المواقف ، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه واحلقوا رأسه ، ثم زوروا به البيت ، ثم مروا الخادم أن يطوف به البيت وبين الصفا والمروة ، وإذا لم يكن الهدي فليصم عنه وليه إذا كان متمتعا » (١).

قوله : ( ويجب على الولي الهدي من ماله أيضا ، وروي إذا كان الصبي مميّزا جاز أمره بالصيام عن الهدي ، ولو لم يقدر على الصيام صام عنه وليه مع العجز عن الهدي ).

يمكن أن تكون الرواية التي أشار إليها المصنف صحيحة زرارة المتقدمة حيث قال فيها ، قلت : ليس لهم ما يذبحون ، قال : « يذبح عن الصغار ويصوم الكبار » (٢) إذ الظاهر أن المراد من الكبار المميزون.

وفي رواية سماعة : « ولو أنه أمرهم فصاموا قد أجزأ عنهم » (٣).

ومقتضى العبارة أن صوم الولي يترتب على عجز الصبي عن الصوم ، والظاهر جوازه مطلقا ، لإطلاق الأمر به في صحيحة ( معاوية بن عمار ) (٤). وعبد الرحمن بن الحجاج المتقدمتين.

وفي صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن الصادق عليه‌السلام :

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤١٠ ـ ١٤٢٥ ، ورواه في الكافي ٤ : ٣٠٠ ـ ٥ ، والوسائل ٨ : ٢٠٧ أبواب أقسام الحج ب ١٧ ح ١ وفيهما بتفاوت يسير ، يظهر من المصنف أنه عدّ الجميع من كلام الإمام عليه‌السلام وعول عليه واستدل به فيما بعد ، ولكن الظاهر أن قوله : وإذا لم يكن الهدي إلى آخره من كلام الشيخ كما يظهر من مراجعة التهذيب ، وليس هو في الكافي.

(٢) في ص ٢٨٥.

(٣) الكافي ٤ : ٣٠٥ ـ ٩ ، الفقيه ٢ : ٢٦٦ ـ ١٢٩٥ ، الوسائل ١٠ : ٩٠ أبواب الذبح ب ٢ ح ٨.

(٤) بدل ما بين القوسين في « ض » : زرارة.

٢٨٧

الرابعة : إذا اشترط في إحرامه أن يحله حيث حبسه ثم أحصر تحلل ، وهل يسقط الهدي؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه. وفائدة الاشتراط جواز التحلل عند الإحصار ، وقيل : يجوز التحلل من غير شرط ، والأول أظهر.

______________________________________________________

« يصوم عن الصبي وليه إذا لم يجد هديا وكان متمتعا » (١) ولا ريب أن صوم الولي أولى لصحة مستنده وصراحته.

قوله : ( الرابعة ، إذا اشترط في إحرامه أن يحله حيث حبسه ، ثم أحصر تحلّل ، وهل يسقط الهدي؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه. وفائدة الاشتراط جواز التحلّل عند الإحصار ، وقيل : يجوز التحلّل من غير شرط ، والأول أظهر ).

أجمع علماؤنا وأكثر العامة على أنه يستحب لمن أراد الإحرام بالحج أو العمرة أن يشترط على ربه عند عقد إحرامه أن يحله حيث حبسه. والأصل فيه الأخبار المستفيضة كصحيحة معاوية بن عمار ، وعن أبي عبد الله عليه‌السلام الواردة في كيفية عقد الإحرام ، حيث قال فيها : « اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن عرض لي شي‌ء يحبسني فحلني حيث حبستني بقدرك الذي قدّرت عليّ ، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة » (٢).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا أردت الإحرام والتمتع فقل : اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج ، فيسر لي ذلك ، وتقبله مني ، وأعني عليه ، وحلّني حيث حبستني بقدرك الذي قدّرت عليّ » (٣).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤١٠ ـ ١٤٢٦ ، الوسائل ١٠ : ٩١ أبواب الذبح ب ٣ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٣٣١ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٠٦ ـ ٩٣٩ ، التهذيب ٥ : ٧٧ ـ ٢٥٣ ، الاستبصار ٢ : ١٦٦ ـ ٥٤٨ وفيه صدر الحديث ، الوسائل ٩ : ٢٢ أبواب الإحرام ب ١٦ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٧٩ ـ ٢٦٣ ، الإستبصار ٢ : ١٦٧ ـ ٥٥٣ ، الوسائل ٩ : ٢٣ أبواب الإحرام ب ١٦ ح ٢.

٢٨٨

______________________________________________________

ورواية الفضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربه أن يحله حيث حبسه » (١).

إذا تقرر ذلك فنقول : اختلف الأصحاب في فائدة هذا الاشتراط على أقوال ، أحدها : أن فائدته سقوط الهدي مع الإحصار والتحلل بمجرد النية ، ذهب إليه المرتضى (٢) وابن إدريس (٣) ، ونقلا فيه إجماع الفرقة. وقال الشيخ : لا يسقط ، لعموم قوله تعالى ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٤) (٥).

وأجاب عنه السيد بأنه محمول على من لم يشترط (٦). وهو غير بعيد ، لأن المتبادر من قوله : « وحلني حيث حبستني » أن التحلل لا يتوقف على شي‌ء أصلا.

وأظهر من ذلك دلالة ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن ذريح المحاربي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج وأحصر بعد ما أحرم ، كيف يصنع؟ قال ، فقال : « أو ما اشترط على ربه قبل أن يحرم أن يحله من إحرامه عند عارض عرض له من أمر الله؟ » فقلت : بلى قد اشترط ذلك ، قال : « فليرجع إلى أهله حلالا إحرام عليه ، إن الله أحق من وفي ما اشترط عليه » قلت : أفعليه الحج من قابل؟ قال : « لا » (٧) دلت الرواية على التحلل بمجرد الإحصار من غير‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٥ ـ ١٥ ، التهذيب ٥ : ٨١ ـ ٢٧١ ، الوسائل ٩ : ٣٣ أبواب الإحرام ب ٢٣ ح ٢.

(٢) الانتصار : ١٠٤.

(٣) السرائر : ١٢٥.

(٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) الخلاف ١ : ٤٩٤.

(٦) الانتصار : ١٠٥.

(٧) التهذيب ٥ : ٨١ ـ ٢٧٠ ، الإستبصار ٢ : ١٦٩ ـ ٥٥٨ ، الوسائل ٩ : ٣٥ أبواب الإحرام ب ٢٤ ح ٣.

٢٨٩

______________________________________________________

تعرض لاعتبار الهدي ، ولو كان واجبا لذكر في مقام البيان.

وموضع الخلاف من لم يسق الهدي ، أما السائق فقال فخر المحققين : إنه لا يسقط عنه بإجماع الأمة (١).

وثانيها : ما ذكره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من أن فائدته جواز التحلل عند الإحصار ، والظاهر أن المراد به جواز التحلل عند الإحصار من غير تربص إلى أن يبلغ الهدي محله ، فإنه لو لم يشترط لم يجز له التعجيل عند المصنف ومن قال بمقالته ، وإلا فثبوت أصل التحلل مع الإحصار لا نزاع فيه مع الشرط وبدونه. وبهذا التفسير صرح المصنف في النافع فقال : ولا يسقط هدي التحلل بالشرط ، بل فائدته جواز التحلل للمحصور من غير تربص (٢).

وذكر فخر المحققين لجواز التحلل عند الإحصار معنى آخر ، فقال بعد نقل قول والده في القواعد « وفائدة الاشتراط جواز التحلل » : ليس المراد منه المنع من التحلل لو لم يشترط ، بل معناه أن التحلل ممنوع منه ومع العذر وعدم الاشتراط يكون جواز التحلل رخصة ، ومع الاشتراط يصير التحلل مباح الأصل. قال : والفائدة تظهر فيما لو نذر أن يتصدق عن كل ما فعل رخصة وفي التعليق (٣).

ويتوجه عليه. أولا أن هذه الفائدة لا اعتداد بها ، فيبعد أن تكون مقصودة من الأمر. وثانيا أنه على هذا التفسير لا يظهر لتخصيص الحصر فائدة ، فإن ذلك آت في الحصر والصّدّ ، اللهم إلا أن يراد بالحصر هنا ما يشمل الأمرين.

وثالثها : أن فائدة هذا الشرط سقوط الحج في القابل عمن فاته الموقفان ، ذكره الشيخ في موضع من التهذيب ، واستدل عليه بما رواه في‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٣٢٧.

(٢) المختصر النافع : ٨٤.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٢٩٢.

٢٩٠

______________________________________________________

الصحيح ، عن ضريس بن أعين ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر فقال : « يقيم على إحرمه ، ويقطع التلبية حين يدخل مكة ، فيطوف ، ويسعى بين الصفا والمروة ، ويحلق رأسه ، وينصرف إلى أهله إن شاء » وقال : « هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه ، فإن لم يكن اشترط فإن عليه الحج من قابل » (١).

واستشكله العلامة في المنتهى بأن الحج الفائت إن كان واجبا لم يسقط فرضه في العام المقبل بمجرد الاشتراط ، وإن لم يكن واجبا لم يجب بترك الاشتراط. ثم قال : والوجه حمل إلزام الحج في القابل مع ترك الاشتراط على شدة الاستحباب (٢). وهو حسن. مع أن العلامة ـ رحمه‌الله ـ قال في موضع آخر من المنتهى : الاشتراط لا يفيد سقوط فرض الحج في القابل لو فاته الحج ، ولا نعلم فيه خلافا (٣).

ورابعها : أن فائدة هذا الشرط استحقاق الثواب بذكره في عقد الإحرام ، لأنه دعاء مأمور به وإن لم يكن له حكم مخالف لحكم غير المشترط. وهذا هو الذي رجّحه الشارح في جملة من مصنفاته (٤).

والذي يقتضيه النظر أن فائدته سقوط التربص عن المحصر ، كما يستفاد من قوله عليه‌السلام : « وحلّني حيث حبستني » وسقوط الهدي عن المصدود ، لما ذكرناه من الأدلة ، مضافا إلى ضعف دليل وجوبه بدون الشرط كما سنبينه في محله. بل لا يبعد سقوطه مع الحصر أيضا ، كما ذهب إليه‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٩٥ ـ ١٠٠١ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٨ ـ ١٠٩٨ ، الوسائل ١٠ : ٦٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ٢.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٥٣.

(٣) المنتهى ٢ : ٦٨٠.

(٤) المسالك ١ : ١٠٨ ، الروضة البهية ٢ : ٣٦٩.

٢٩١

الخامسة : إذا تحلّل المحصور لا يسقط الحج عنه في القابل إن كان واجبا ، ويسقط إن كان ندبا.

والمندوبات : رفع الصوت بالتلبية للرجال ، وتكرارها عند نومه واستيقاظه ، وعند علوّ الآكام ونزول الأهضام ،

______________________________________________________

المرتضى (١) وابن إدريس (٢).

ولا ينافي ذلك قوله عليه‌السلام في حسنة زرارة : « هو حل إذا حبسه اشترط أو لم يشترط (٣) لأن أقصى ما يستفاد من الرواية ثبوت التحلل مع الحبس في الحالين ونحن نقول به ، ولا يلزم من ذلك تساويهما من كل وجه ، فيجوز افتراقهما بسقوط الدم مع الشرط ولزومه بدونه ، والله تعالى أعلم بحقائق أحكامه.

قوله : ( الخامسة ، إذا تحلّل المحصور لا يسقط الحج عنه في القابل إن كان واجبا ، ويسقط إن كان ندبا ).

أما سقوط الندب فلا إشكال فيه. وكذا الواجب الذي لم يستقر قبل عام الحصر ، لأن الحصر يكشف عن انتفاء الوجوب في نفس الأمر ، لعدم استجماع شرائطه. نعم لو كان الحج مستقرا في الذمة قبل عام الحصر وجب فعله في المستقبل. وكذا لو حصلت الاستطاعة بعد ذلك العام. ولا فرق في ذلك كله بين المشترط وغيره.

قوله : ( والمندوبات ، رفع الصوت بالتلبية للرجال ، وتكرارها عند نومه واستيقاظه ، وعند علوّ الآكام ونزول الأهضام ).

يدل عليه روايات كثيرة ، منها صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في‌

__________________

(١) الانتصار : ١٠٤.

(٢) السرائر : ١٢٥.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٣ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ٨٠ ـ ٢٦٧ ، الوسائل ٩ : ٣٥ أبواب الإحرام ب ٢٥ ح ١.

٢٩٢

______________________________________________________

صدر الباب ، حيث قال في آخرها : « تقول هذا في دبر كل صلاة مكتوبة أو نافلة ، وحين ينهض بك بعيرك ، وإذا علوت شرفا ، أو هبطت واديا ، أو لقيت راكبا ، أو استيقظت من منامك ، وبالأسحار ، وأكثر ما استطعت ، واجهر بها » (١).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، حيث قال فيها بعد أن ذكر كيفية تلبية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وكان يلبي كلما لقي راكبا ، أو علا أكمة ، أو هبط وأديا ، ومن آخر الليل ، وفي أدبار الصلاة » (٢).

وصحيحة عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « واجهر بها كلما ركبت ، وكلما نزلت ، وكلما هبطت واديا ، أو علوت أكمة ، أو لقيت راكبا ، وبالأسحار » (٣).

وليس في هذه الروايات دلالة على استحباب التلبية عند النوم ، وكان الأولى أن يذكر في محله التلبية بالأسحار ، وعند ملاقاة الراكب ، وتكرارها في دبر كل صلاة مكتوبة أو نافلة ، كما تضمنته الروايات.

ويدل على استحباب الجهر بالتلبية مضافا إلى ما سبق ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن حريز ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، أنهما قالا : « لما أحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاه جبرائيل عليه‌السلام فقال له : مر أصحابك بالعج والثج ، فالعج : رفع الصوت بالتلبية ، والثج : نحر البدن » (٤).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٥ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٩١ ـ ٣٠٠ ، الوسائل ٩ : ٥٣ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٢١٠ ـ ٩٥٩ ، الوسائل ٩ : ٥٤ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٩٢ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٩ : ٥٣ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٩٢ ـ ٣٠٢ ، الوسائل ٩ : ٥٠ أبواب الإحرام ب ٣٧ ح ١.

٢٩٣

فإن كان حاجا فإلى يوم عرفة عند الزوال ،

______________________________________________________

وقال الشيخ في التهذيب : إن الإجهار بالتلبية واجب مع القدرة والإمكان (١). ولعل مراده تأكد الاستحباب.

ويدل على اختصاص الاستحباب بالرجال ما رواه الشيخ ، عن فضالة بن أيوب ، عمن حدثه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن الله تعالى وضع عن النساء أربعا : الجهر بالتلبية ، والسعي بين الصفا والمروة ، ودخول الكعبة ، والاستلام » (٢).

وعن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ليس على النساء جهر بالتلبية » (٣).

والإكام بكسر الهمزة : جمع أكم بالفتح ، والأكم : جمع أكمة بالفتح أيضا ، وهي التل. والآكام بفتح الهمزة وقلب الثانية حرف مد : جمع أكم بالضم ، مثل عنق وأعناق ، والأكم بالضم : جمع إكام بالكسر ، وهو الجمع المتقدم مثل كتاب وكتب ، فالآكام بالهمزتين جمع رابع ، وهو ثالث جمع الجمع (٤).

والأهضام : جمع هضم بكسر الهاء وفتحها وسكون الضاد ، وهو المطمئن من الأرض وبطن الوادي (٥).

قوله : ( فإن كان حاجا فإلى يوم عرفة عند الزوال ).

يدل على ذلك روايات كثيرة ، منها صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية عند‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٩٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٩٣ ـ ٣٠٣ ، الوسائل ٩ : ٥١ أبواب الإحرام ب ٣٨ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٩٣ ـ ٣٠٤ ، الوسائل ٩ : ٥١ أبواب الإحرام ب ٣٨ ح ٥.

(٤) راجع الصحاح ٥ : ١٨٦٢.

(٥) راجع القاموس المحيط ٤ : ١٩٣.

٢٩٤

وإن كان معتمرا بمتعة فإذا شاهد بيوت مكة.

______________________________________________________

زوال الشمس » (١).

وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « الحاج يقطع التلبية يوم عرفة زوال الشمس » (٢).

وصحيحة عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا زاغت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية » (٣).

ومقتضى الروايات وجوب القطع حينئذ. ونقل عن علي بن بابويه (٤) والشيخ (٥) التصريح بذلك ، وهو حسن.

قوله : ( وإن كان معتمرا بمتعة فإذا شاهد بيوت مكة ).

المستند في ذلك ما رواه الشيخ في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « المتمتع إذا نظر إلى بيوت مكة قطع التلبية » (٦).

قال المفيد في المقنعة : وحد بيوت مكة عقبة المدنيين ، وإن كان قاصدا إليها من طريق العراق فإنه يقطع التلبية إذا بلغ عقبة ذي طوى (٧). وكأن مستنده الجمع بين صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : أنه سئل عن المتمتع متى يقطع التلبية؟ قال :

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٨١ ـ ٦٠٨ ، الوسائل ٩ : ٥٩ أبواب الإحرام ب ٤٤ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ٤٦٢ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٥٩ أبواب الإحرام ب ٤٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ١٨٢ ـ ٦١٠ ، الوسائل ١٠ : ١٠ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٩ ح ٤.

(٤) نقله عنه في الدروس : ٩٨.

(٥) النهاية : ٢٤٨ ، والمبسوط ١ : ٣٦٥ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٣٣ ، الخلاف ١ : ٤٣٣.

(٦) التهذيب ٥ : ٩٤ ـ ٣٠٧ ، الإستبصار ٢ : ١٧٦ ـ ٥٨١ ، الوسائل ٩ : ٥٧ أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ٢ ، ورواه في الكافي ٤ : ٣٩٩ ـ ٣.

(٧) المقنعة : ٦٣.

٢٩٥

وإن كان بعمرة مفردة ، قيل : كان مخيرا في قطع التلبية عند دخول الحرم ، أو مشاهدة الكعبة. وقيل : إن كان ممن خرج من مكة للإحرام فإذا شاهد الكعبة وإن كان ممن أحرم من خارج فإذا دخل الحرم ، والكل جائز.

______________________________________________________

« إذا نظر إلى عراش مكة عقبة ذي طوى » قلت : بيوت مكة قال : « نعم » (١). ورواية معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا دخلت مكة وأنت متمتع فنظرت إلى بيوت مكة فاقطع التلبية ، وحد بيوت مكة التي كانت قبل اليوم إذا بلغت عقبة المدنيين فاقطع التلبية » (٢).

قوله : ( وإن كان بعمرة مفردة ، قيل : كان مخيرا في قطع التلبية عند دخول الحرم أو مشاهدة الكعبة ، وقيل : إن كان ممّن خرج من مكة للإحرام فإذا شاهد الكعبة ، وإن كان ممّن أحرم من خارج فإذا دخل الحرم ، والكل جائز ).

القول بالتخيير لابن بابويه ـ رحمه‌الله ـ في من لا يحضره الفقيه ، فإنه روى في الصحيح ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنه قال : « ومن خرج من مكة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة » (٣).

وفي الموثق عن يونس بن يعقوب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يعتمر عمرة مفردة ، من أين يقطع التلبية؟ قال : « إذا رأيت بيوت مكة ذي طوى فاقطع التلبية » (٤).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٩ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٩٤ ـ ٣١٠ ، الإستبصار ٢ : ١٧٦ ـ ٥٨٤ ، الوسائل ٩ : ٥٧ أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ٤.

(٢) الكافي ٤ : ٣٩٩ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٩٤ ـ ٣٠٩ ، الإستبصار ٢ : ١٧٦ ـ ٥٨٣ ، الوسائل ٩ : ٥٧ أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ١.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٧٦ ـ ١٣٥٠ ، الوسائل ٩ : ٦١ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٨.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٧٧ ـ ١٣٥٤ بتفاوت يسير ، التهذيب ٥ : ٩٥ ـ ٣١٤ ، الإستبصار ٢ : ١٧٧ ـ ٥٨٧ ، الوسائل ٩ : ٦١ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٣.

٢٩٦

______________________________________________________

وعن الفضيل بن يسار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، قلت : دخلت بعمرة ، فأين أقطع التلبية؟ قال : « حيال العقبة عقبة المدنيين » فقلت : أين عقبة المدنيين؟ قال : « حيال القصارين » (١).

وعن مرازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يقطع صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم » (٢).

ثم قال : وروي أنه يقطع التلبية إذا نظر إلى بيوت مكة (٣).

وقال ، قال مصنف هذا الكتاب : هذه الأخبار كلها صحيحة متفقة ليست مختلفة ، والمعتمر عمرة مفردة يقطع التلبية في أي موضع من هذه المواضع شاء (٤).

وقال الشيخ في الاستبصار بعد أن أورد هذه الروايات : قال محمد بن الحسن ، الوجه في الجمع بين هذه الأخبار أن نحمل الرواية الأخيرة ـ وعنى بها رواية الفضيل بن يسار ـ على من جاء من طريق المدينة (٥) ، والرواية التي تضمنت عند النظر إلى الكعبة على من يكون قد خرج من مكة للعمرة ، وعلى هذا الوجه لا تنافي بينها ولا تضاد ، والرواية التي ذكرناها في الباب الأول بأنه يقطع المعتمر التلبية إذا دخل الحرم نحملها على الجواز ، وهذه الروايات مع اختلاف ألفاظها على الفضل والاستحباب. ثم قال : وكان أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ـ رحمه‌الله ـ حين روى هذه الروايات‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٧٧ ـ ١٣٥٣ ، التهذيب ٥ : ٩٦ ـ ٣١٦ ، الإستبصار ٢ : ١٧٧ ـ ٥٨٩ ، الوسائل ٩ : ٦٢ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ١١.

(٢) الكافي ٤ : ٥٣٧ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٧٧ ـ ١٣٥٥ ، الوسائل ٩ : ٦١ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٦.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٧٧ ـ ١٣٥٦ ، الوسائل ٩ : ٦٢ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٧٧.

(٥) في الاستبصار زيادة يحسن ذكرها : والرواية التي فيها : إنه يقطع التلبية عند ذي طوى على من جاء من طريق العراق.

٢٩٧

ويرفع صوته بالتلبية إذا حج على طريق المدينة إذا علت راحلته البيداء ، إن كان راجلا فحيث يحرم.

______________________________________________________

يحملها على التخيير حين ظن أنها متنافية ، وعلى ما فسرناه ليست متنافية ، ولو كانت متنافية لكان الوجه الذي ذكره صحيحا (١). هذا كلامه رحمه‌الله.

والحق أن الأخبار مختلفة ظاهرا ، والجمع بينها بكل من الأمرين محتمل ، إلا أن ما ذكره الشيخ أقرب إلى مدلولها ، فيكون المصير إليه أولى.

قوله : ( ويرفع صوته بالتلبية إذا حج على طريق المدينة إذا علت راحلته البيداء ، وإن كان راجلا فحيث يحرم ).

المستند في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن كنت ماشيا فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد ، وإن كانت راكبا فإذا علت راحلتك البيداء » (٢).

وقال الشيخ في التهذيب : وأول المواضع التي يجهر الإنسان فيها بالتلبية إذا أراد الحج على طريق المدينة البيداء حيث الميل ، روى ذلك الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التهيؤ للإحرام فقال : « في مسجد الشجرة فقد صلى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد ترى ناسا يحرمون [ منه ] (٣) فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل ، فتحرمون كما أنتم في محاملكم ، تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك بمتعة بعمرة إلى الحج » (٤).

__________________

(١) الاستبصار ٢ : ١٧٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٨٥ ـ ٢٨١ ، الإستبصار ٢ : ١٧٠ ـ ٥٦٣ ، الوسائل ٩ : ٤٤ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ١.

(٣) أثبتناه من المصدر.

(٤) التهذيب ٥ : ٨٤ ـ ٢٧٧ ، الإستبصار ٢ : ١٦٩ ـ ٥٥٩ ، الوسائل ٩ : ٤٤ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ٣.

٢٩٨

ويستحب التلفظ بما يعزم عليه ،

______________________________________________________

وعنه ، عن صفوان ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش » (١).

وعنه ، عن صفوان ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يلب حتى يأتي البيداء » (٢).

وأقول : إن هذه الروايات لا دلالة لها على حكم الجهر ، وإنما المستفاد منها النهي عن التلبية قبل الوصول إلى البيداء ، وغاية ما يمكن حمله على الكراهة ، جمعا بين الأدلة.

قوله : ( ويستحب التلفظ بما يعزم عليه ).

يدل على ذلك روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج ، كيف أقول؟ قال : « تقول : اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك ، وإن شئت أضمرت الذي تريد » (٣).

والأفضل أن يذكر في تلبية عمرة التمتع الحج والعمرة معا ، على معنى أنه ينوي فعل العمرة أولا ثم الحج بعدها ، باعتبار دخولها في حج التمتع ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي : « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٨٤ ـ ٢٧٨ ، الإستبصار ٢ : ١٧٠ ـ ٥٦٠ ، الوسائل ٩ : ٤٤ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٨٤ ـ ٢٧٩ ، الإستبصار ٢ : ١٧٠ ـ ٥٦١ ، الوسائل ٩ : ٤٤ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٧٩ ـ ٢٦١ ، الإستبصار ٢ : ١٦٧ ـ ٥٥١ ، الوسائل ٩ : ٢٤ أبواب الإحرام ب ١٧ ح ١.

٢٩٩

______________________________________________________

يقول فيها : لبيك بحجة وعمرة معا لبيك » (١).

وفي صحيحة يعقوب بن شعيب ، قلت له : كيف تصنع أنت؟ فقال : « أجمعهما فأقول : لبيك بحجة وعمرة معا » (٢).

ولو أهل المتمتع بالحج جاز ، لدخول عمرة التمتع فيه ، كما تدل عليه صحيحة زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ، كيف أتمتع؟ قال : « تأتي الوقت فتلبي بالحج ، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت ، وصليت ركعتين خلف المقام ، وسعيت بين الصفا والمروة ، وقصّرت ، وأحللت من كل شي‌ء ، وليس لك أن تخرج من مكة حتى تحج » (٣).

قال الشهيد في الدروس بعد أن ذكر أن في بعض الروايات الإهلال بعمرة التمتع ، وفي بعضها الإهلال بالحج ، وفي بعض آخر الإهلال بهما : وليس ببعيد إجزاء الجميع ، إذ الحج المنوي هو الذي دخلت فيه العمرة ، فهو دال عليها بالتضمن ، ونيتهما معا باعتبار دخول الحج فيها (٤). وهو حسن.

قال في المنتهى : ولو اتقى كان الأفضل الإضمار (٥). واستدل عليه بروايات ، منها صحيحة منصور بن حازم ، قال : أمرنا أبو عبد الله عليه‌السلام أن نلبّي ولا نسمّي شيئا ، وقال : « أصحاب الإضمار أحب إليّ » (٦) ولا بأس به.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٨٥ ـ ٢٨٢ ، الإستبصار ٢ : ١٧١ ـ ٥٦٤ ، الوسائل ٩ : ٣٠ أبواب الإحرام ب ٢١ ح ٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٨٨ ـ ٢٩١ ، الإستبصار ٢ : ١٧٣ ـ ٥٧٣ ، الوسائل ٩ : ٢٥ أبواب الإحرام ب ٢١ ح ٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٨٦ ـ ٢٨٤ ، الإستبصار ٢ : ١٧١ ـ ٥٦٦ ، الوسائل ٩ : ٣١ أبواب الإحرام ب ٢٢ ح ٣.

(٤) الدروس : ٩٧.

(٥) المنتهى ٢ : ٦٧٦.

(٦) الكافي ٤ : ٣٣٣ ـ ٨ وفيه عن الحضرمي والشحام وابن حازم ، التهذيب ٥ : ٨٧ ـ ٢٨٧ ، الإستبصار ٢ : ١٧٢ ـ ٥٦٩ ، الوسائل ٩ : ٢٥ أبواب الإحرام ب ١٧ ح ٥.

٣٠٠