مدارك الأحكام - ج ٧

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٧

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

ولو قال : كإحرام فلان ، وكان عالما بما ذا أحرم صحّ. وإن كان جاهلا قيل : يتمتع احتياطا.

______________________________________________________

ومقتضى العبارة أن البطلان إنما يثبت في الصورة الأولى خاصة ، وهو ما إذا وقعت النية المذكورة في أشهر الحج دون الثانية وهو الإحرام بهما في غير أشهر الحج فيصير عمرة مفردة لا غير ، إذ لا يقبل الزمان سواها. والمتجه البطلان هنا أيضا ، لعين ما ذكرناه من الدليل.

قوله : ( ولو قال : كإحرام فلان ، وكان عالما بما ذا أحرم صحّ. وإن كان جاهلا قيل : يتمتع احتياطا ).

أما الصحة مع العلم فلا ريب فيه ، لحصول النية المعتبرة. وإنما الخلاف في الصحة مع الجهل ، والأصح صحته أيضا ، لما صحّ عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام لما قدم من اليمن أحرم كذلك ولم يكن عالما بما أحرم به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١) وعلى هذا فإن انكشف الحال قبل الطواف كما اتفق لعليّ عليه‌السلام فالأمر واضح ، وإن استمر الاشتباه لموت أو غيبة قال الشيخ : يتمتع احتياطا للحج والعمرة ، لأنه إن كان متمتعا فقد وافق ، وإن كان غيره فالعدول منه جائز (٢). وهو غير جيد ، لأن العدول إنما يسوغ في حج الإفراد خاصة إذا لم يكن متعينا عليه.

وحكى الشارح في المسألة قولا بالبطلان. ويمكن القول بالتخيير كما في حالة الإطلاق ونسيان ما أحرم به ، ولعل البطلان أقرب. ومن هنا يظهر أن قول المصنف : وإن كان جاهلا قيل : يتمتع إلخ (٣) ، ليس بجيد ، لأن التمتع على القول به إنما هو مع استمرار الاشتباه لا مطلقا.

قال في التذكرة : ولو بان أن فلانا لم يحرم انعقد مطلقا ، وكان له صرفه إلى أيّ نسك شاء ، وكذا لو لم يعلم هل أحرم فلان أم لا ، لأصالة عدم‌

__________________

(١) إرشاد المفيد : ٩١ ، مستدرك الوسائل ٨ : ٨٤ أبواب أقسام الحج ب ٣ ح ٤.

(٢) المبسوط ١ : ٣١٧ ، الخلاف ١ : ٤٣٢.

(٣) المسالك ١ : ١٠٦.

٢٦١

ولو نسي بما ذا أحرم كان مخيّرا بين الحج والعمرة إذا لم يلزمه أحدهما.

______________________________________________________

إحرامه (١). وهو حسن. ولو طاف قبل التعيين فالظاهر عدم الاعتداد به ، لأنه لم يطف في حج ولا عمرة.

قوله : ( ولو نسي بما ذا أحرم كان مخيرا بين الحج والعمرة إذا لم يلزمه أحدهما ).

مقتضى العبارة أنه مع تعين أحد النسكين عليه ينصرف إحرامه إلى ذلك المعين ، وبه قطع العلاّمة (٢) ومن تأخر عنه (٣) ، لأن الظاهر من حال المكلف أنه إنما يأتي بما هو فرضه. وهو حسن ، خصوصا مع العزم المتقدم على الإتيان بذلك الواجب.

وأما التخيير بين الحج والعمرة إذا لم يلزمه أحدهما فهو اختيار الشيخ في المبسوط (٤) وجمع من الأصحاب ، لأنه لا سبيل إلى الحكم بالخروج من الإحرام بعد الحكم بانعقاده ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر فيتخير بينهما.

وقال الشيخ في الخلاف : يجعله للعمرة ، لأنه إن كان متمتعا فقد وافق وإن كان غيره فالعدول منه إلى غيره جائز قال : وإذا أحرم بالعمرة لا يمكنه أن يجعلها حجة مع القدرة على الإتيان بأفعال العمرة ، فلهذا قلنا يجعله عمرة على كل حال (٥). واستحسنه في المنتهى (٦). ولعل التخيير أجود.

ولو شك المحرم قبل الطواف بما ذا أحرم فكالناسي ، ولو تجدد الشك بعد الطواف فقد جزم العلاّمة بأنه يجعلها عمرة متمتعا بها إلى الحج (٧). وهو حسن إن لم يتعين غيره وإلاّ صرف إليه.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٢٥.

(٢) التذكرة ١ : ٣٢٥ ، والمنتهى ٢ : ٦٧٥.

(٣) كالشهيد الأول في الدروس : ٩٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٦.

(٤) المبسوط ١ : ٣١٧.

(٥) الخلاف ١ : ٤٣٢.

(٦) المنتهى ٢ : ٦٧٦.

(٧) المنتهى ٢ : ٦٧٦ ، والتذكرة ١ : ٣٢٥ ، والتحرير ١ : ٩٥.

٢٦٢

الثاني : التلبيات الأربع ، فلا ينعقد الإحرام لمتمتع ولا لمفرد إلا بها ،

______________________________________________________

قوله : ( الثاني : التلبيات الأربع ، فلا ينعقد الإحرام لمتمتع ولا لمفرد إلا بها ).

أما وجوب التلبيات الأربع وعدم انعقاد الإحرام للمتمتع والمفرد إلاّ بها فقال العلاّمة في التذكرة والمنتهى : إنه قول علمائنا أجمع (١). والأخبار به مستفيضة (٢).

وإنما الكلام في اشتراط مقارنتها للنية ، فنقل عن ابن إدريس أنه اعتبر مقارنتها لها كمقارنة التحريمة لنية الصلاة (٣). وبه قطع الشهيد في اللمعة (٤) ، لكن ظاهر كلامه في الدروس التوقف في ذلك فإنه قال : الثالث : مقارنة النية للتلبيات ، فلو تأخرن عنها أو تقدّمن لم ينعقد ، ويظهر من الرواية والفتوى جواز تأخير التلبية عنها (٥). وكلام باقي الأصحاب خال من الاشتراط ، بل صرّح كثير منهم بعدمه حتى قال الشيخ في التهذيب : وقد رويت رخصة في جواز تقديم التلبية في الموضع الذي يصلّي فيه ، فإن عمل الإنسان بها لم يكن عليه فيه بأس (٦).

وينبغي القطع بجواز تأخير التلبية عن نية الإحرام ، للأخبار الكثيرة الدالة عليه كصحيحة معاوية بن عمار حيث قال في آخرها : « ويجزيك أن تقول هذا مرّة واحدة حين تحرم ثم قم فامش هنيئة فإذا استوت بك الأرض‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٢٧ ، والمنتهى ٢ : ٦٧٦.

(٢) الوسائل ٩ : ٤٧ أبواب الإحرام ب ٣٦.

(٣) السرائر : ١٢١.

(٤) اللمعة : ٦٩.

(٥) الدروس : ٩٧.

(٦) التهذيب ٥ : ٨٤.

٢٦٣

______________________________________________________

ماشيا كنت أو راكبا فلبّ » (١).

وصحيحة حفص بن البختري ومعاوية بن عمار وعبد الرحمن بن الحجاج والحلبي جميعا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا صليّت في مسجد الشجرة فقل وأنت قاعد في دبر الصلاة ما يقول المحرم ، ثم قم فامش هنيئة حتى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء فإذا استوت بك فلبّ ، وإن أهللت من المسجد الحرام للحج فإن شئت لبّيت خلف المقام ، وأفضل ذلك أن تمضي حتى تأتي الرقطاء فتلبّي قبل أن تصير إلى الأبطح » (٢).

وصحيحة حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في من عقد الإحرام في مسجد الشجرة ، ثم وقع على أهله قبل أن يلبّي قال : « ليس عليه شي‌ء » (٣).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه صلّى ركعتين وعقد في مسجد الشجرة ثم خرج فأتي بخبيص فيه زعفران فأكل قبل أن يلبّي منه (٤).

وصحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا صليت عند الشجرة فلا تلبّ حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣١ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٠٦ ـ ٩٣٩ ، التهذيب ٥ : ٧٧ ـ ٢٥٣ ، الوسائل ٩ : ٢٢ أبواب الإحرام ب ١٦ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٣٣ ـ ١١ ، الفقيه ٢ : ٢٠٧ ـ ٩٤٣ ، الوسائل ٩ : ٤٦ أبواب الإحرام ب ٣٥ ح ٣.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٠٨ ـ ٩٤٦ ، الوسائل ٩ : ٢٠ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ١٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٠٨ ـ ٩٤٨ ، التهذيب ٥ : ٨٢ ـ ٢٧٥ ، الإستبصار ٢ : ١٨٨ ـ ٦٣٣ ، الوسائل ٩ : ١٧ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ٣.

(٥) التهذيب ٥ : ٨٤ ـ ٢٧٨ ، الإستبصار ٢ : ١٧٠ ـ ٥٦٠ ، الوسائل ٩ : ٤٤ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ٤.

٢٦٤

______________________________________________________

وصحيحة عبد الله بن سنان قال ، سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يلبّ حتى يأتي البيداء » (١).

وهذه الروايات مع سلامة سندها واستفاضتها صريحة في جواز تأخير التلبية عن موضع عقد الإحرام ، بل ربما ظهر من صحيحة معاوية بن عمار تعيّن ذلك حيث قال فيها : « ثم قم فامش هنيئة فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ » (٢) فإن الأمر حقيقة في الوجوب ، لكن الظاهر أنه هنا للاستحباب كما تدل عليه صحيحة هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن أحرمت من غمرة أو بريد البعث صلّيت وقلت ما يقول المحرم في دبر صلاتك ، وإن شئت لبّيت من موضعك والفضل أن تمشي قليلا ثم تلبّي » (٣).

وصحيحة عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن كنت ماشيا فاجهر بإهلاك وتلبيتك من المسجد ، وإن كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء » (٤) وعلى هذه الرواية اعتمد الشيخ في التهذيب في الجمع بين الأخبار وقال : إن من كان ماشيا يستحب له أن يلبّي من المسجد وإن كان راكبا فلا يلبّي إلا من البيداء (٥). وهو غير واضح.

أما أولا : فلأن حمل الروايات المتضمنة للأمر بتأخير التلبية إلى البيداء من غير تفصيل على الراكب بعيد جدا.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٨٤ ـ ٢٧٩ ، الإستبصار ٢ : ١٧٠ ـ ٥٦١ ، الوسائل ٩ : ٤٤ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ٥.

(٢) المتقدمة في ص ٢٦٣.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠٨ ـ ٩٤٤ ، الوسائل ٩ : ٤٦ أبواب الإحرام ب ٣٥ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٨٥ ـ ٢٨١ ، الإستبصار ٢ : ١٧٠ ـ ٥٦٣ ، الوسائل ٩ : ٤٤ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ١.

(٥) التهذيب ٥ : ٨٥.

٢٦٥

أو بالإشارة للأخرس مع عقد قلبه بها.

والقارن بالخيار ، إن شاء عقد إحرامه بها وإن شاء قلّد أو أشعر على الأظهر.

______________________________________________________

وأما ثانيا : فللتصريح في صحيحة معاوية بن عمار بالأمر بالتلبية للماشي والراكب بعد المشي هنيئة. والذي يقتضيه الجمع بين الروايات التخيير بين التلبية في موضع عقد الإحرام وبعد المشي هنيئة وبعد الوصول إلى البيداء وإن كان الأولى العمل بما تضمنته صحيحة معاوية بن عمار.

قوله : ( أو بالإشارة للأخرس مع عقد قلبه بها ).

المراد أن إحرام الأخرس ينعقد بالإشارة بالإصبع مع عقد قلبه بالتلبية أي تصور معناها الإجمالي. والأولى تحريك اللسان أيضا ، لقول علي عليه‌السلام في رواية السكوني : « تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه » (١).

ونقل عن ابن الجنيد أنه أوجب على الأخرس استنابة غيره في التلبية (٢). وهو ضعيف. ولو تعذر على الأعجمي التلبية فالظاهر وجوب الترجمة ، قال في الدروس : وروي أن غيره يلبّي عنه (٣).

قوله : ( والقارن بالخيار ، إن شاء عقد إحرامه بها ، وإن شاء قلّد أو أشعر ، على الأظهر ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ويدل عليه روايات كثيرة : منها صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية والإشعار والتقليد ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٩٣ ـ ٣٠٥ ، الوسائل ٩ : ٥٢ أبواب الإحرام ب ٣٩ ح ١.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٢٦٦.

(٣) الدروس : ٩٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٣ ـ ١٢٩ ، الوسائل ٨ : ٢٠٢ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ٢٠.

٢٦٦

وبأيهما بدأ كان الآخر مستحبا.

وصورتها أن يقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك. وقيل يضيف إلى ذلك : إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك. وقيل : بل يقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبيك ، والأول أظهر.

______________________________________________________

وصحيحة عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من أشعر بدنته فقد أحرم وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير » (١).

وصحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « تقلّدها نعلا خلقا قد صلّيت فيه ، والإشعار والتقليد بمنزلة التلبية » (٢).

وقال السيد المرتضى (٣) وابن إدريس (٤) : لا ينعقد إحرام الأصناف الثلاثة إلاّ بالتلبية ، لأن انعقاد الإحرام بالتلبية مجمع عليه ولا دليل على انعقاده بهما. وهذا الاستدلال جيد على أصولهما من عدم العمل بأخبار الآحاد ، أما عند من يعمل به فالدليل قائم على انعقاده بهما كما بيّنّاه.

قوله : ( وبأيّهما بدأ كان الآخر مستحبا ).

ذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ المراد أنه إن بدأ بالتلبية كان التقليد أو الإشعار مستحبا وإن بدأ بأحدهما كان التلبية مستحبة (٥). ولم أقف على رواية تتضمن ذلك صريحا ولعل إطلاق الأمر بكل من الثلاثة كاف في ذلك.

قوله : ( وصورتها أن يقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك. وقيل ، يضيف إلى ذلك : إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. وقيل ، بل يقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبيك. والأول أظهر ).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٤ ـ ١٣٠ ، الوسائل ٨ : ٢٠٢ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ٢١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٠٩ ـ ٩٥٦ ، الوسائل ٨ : ٢٠٠ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ١١.

(٣) الانتصار : ١٠٢.

(٤) السرائر : ١٢٥.

(٥) المسالك ١ : ١٠٦.

٢٦٧

______________________________________________________

أجمع العلماء كافة على أن الواجب التلبيات الأربع خاصة وإنما اختلفوا‌ في كيفيتها ، فذهب المصنف ـ رحمه‌الله ـ إلى أن الواجب : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك. وقال المفيد (١) وابنا بابويه (٢) وابن أبي عقيل (٣) وابن الجنيد (٤) وسلاّر (٥) يضيف إلى ذلك : إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.

وقال الشيخ في النهاية والمبسوط : والتلبيات الأربع فريضة وهي لبيك ، اللهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك (٦). وبه قال أبو الصلاح (٧) وابن البراج (٨) وابن حمزة (٩) وابن إدريس (١٠) وأكثر المتأخرين. والأصح ما اختاره المصنف رحمه‌الله.

لنا : ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد فقم وامش هنيئة فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ ، والتلبية أن تقول : « لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، لبيك ذا المعارج لبيك ، لبيك داعيا إلى دار السلام لبيك ، لبيك غفار الذنوب لبيك ، لبيك أهل التلبية لبيك ، لبيك ذا الجلال والإكرام لبيك ، لبيك تبدئ والمعاد إليك لبيك ، لبيك تستغني‌

__________________

(١) المقنعة : ٦٢.

(٢) الصدوق في المقنع : ٦٩ ، والهداية : ٥٥ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٢٦٥.

(٣) نقله عنهما في المختلف : ٢٦٥.

(٤) نقله عنهما في المختلف : ٢٦٥.

(٥) المراسم : ١٠٨.

(٧) الكافي في الفقه : ١٩٣.

(٨) المهذب ١ : ٢١٥.

(٩) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٨٧.

(١٠) السرائر : ١٢٥.

٢٦٨

______________________________________________________

ويفتقر إليك لبيك ، لبيك مرهوبا ومرغوبا إليك لبيك ، لبيك إله الحق لبيك ، لبيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل لبيك ، لبيك كشّاف الكرب العظام لبيك ، لبيك عبدك وابن عبديك لبيك ، لبيك يا كريم لبيك » تقول هذا في دبر كل صلاة مكتوبة أو نافلة ، وحين ينهض بك بعيرك ، وإذا علوت شرفا ، أو هبطت واديا ، أو لقيت راكبا ، أو استيقظت من منامك وبالأسحار ، وأكثر ما استطعت منها ، واجهر بها ، وإن تركت بعض التلبية فلا يضرّك غير أن تمامها أفضل.

واعلم أنه لا بدّ لك من التلبيات الأربع التي كنّ أول الكلام وهي الفريضة وهي التوحيد وبها لبّى المرسلون ، وأكثر من ذي المعارج فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكثر منها ، وأول من لبّى إبراهيم عليه‌السلام قال : إن الله عزّ وجلّ يدعوكم أن تحجوا بيته ، فأجابوه بالتلبية فلم يبق أحد أخذ ميثاقه بالموافاة في ظهر رجل ولا بطن امرأة إلاّ أجاب بالتلبية » (١).

وجه الدلالة قوله عليه‌السلام : « واعلم أنه لا بدّ لك من التلبيات الأربع التي كنّ أول الكلام » فلا يكون قوله : « إن الحمد والنعمة لك » إلى آخره واجبا بل يكون داخلا في التلبيات المستحبة. ويشهد لذلك قوله عليه‌السلام في صحيحة عمر بن يزيد : « إذا أحرمت من مسجد الشجرة فإن كنت ماشيا لبّيت من مكانك من المسجد تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، لبيك ذا المعارج لبيك ، لبيك بحجة تمامها عليك » (٢).

دلت الرواية على عدم وجوب إن الحمد إلى آخره وما عداها ليس بواجب كما دلت عليه الرواية المتقدمة. ولا ريب أن إضافة قوله : إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، إلى التلبيات الأربع أولى وأحوط ، لاحتمال دخولها في الأربع كما يشعر به قوله عليه‌السلام : « وأكثر من ذي‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٥ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٩١ ـ ٣٠٠ ، الوسائل ٩ : ٤٤ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ٢ وذيله في ص ٥٣ ب ٤٠ ح ٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٩٢ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٩ : ٥٣ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٣.

٢٦٩

______________________________________________________

المعارج » إذ ربما لاح منه أن ما قبله متعين ، ولورود هذا اللفظ في كثير من الأخبار الصحيحة المتضمنة لبيان كيفية التلبية كصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لما لبّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، لبيك ذا المعارج لبيك ، وكان عليه‌السلام يكثر من ذي المعارج وكان يلبي كلما لقي راكبا أو علا أكمة أو هبط وأديا ومن آخر الليل وفي أدبار الصلوات » (١).

وصحيحة معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التهيؤ للإحرام فقال : « في مسجد الشجرة ، فقد صلّى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد ترى ناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، لبيك بمتعة بعمرة إلى الحج » (٢).

وقد ظهر بذلك مستند القولين الأولين ، وأما القول الثالث فلم أقف له على مستند مع شهرته بين الأصحاب ، وقد ذكره العلاّمة في المنتهى مجردا عن الدليل ، ثم نقل ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ وقال : وهو الذي دل عليه حديث معاوية بن عمار في الصحيح (٣). وقال في المختلف بعد أن أورد الأقوال في المسألة من غير احتجاج لشي‌ء منها : والأقرب عندي ما رواه معاوية بن عمار في الصحيح ، عن الصادق عليه‌السلام ، ونقل الرواية المتقدمة ثم قال : وهو أصحّ حديث رأينا في هذا الباب (٤).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢١٠ ـ ٩٥٩ ، الوسائل ٩ : ٥٤ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٨٤ ـ ٢٧٧ ، الإستبصار ٢ : ١٦٩ ـ ٥٥٩ ، الوسائل ٩ : ٤٤ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ٣.

(٣) المنتهى ٢ : ٦٧٧.

(٤) المختلف : ٢٦٥.

٢٧٠

______________________________________________________

ومن العجب قول الشهيد في الدروس : الرابع : التلبيات الأربع ، وأتمها : لبيك اللهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك. ويجزي لبيك ، اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، وإن أضاف إلى هذا : إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، كان حسنا (١). فإنّ جعلها أتم الصور يقتضي قوة مستندها بالنظر إلى مستند القولين الآخرين والحال أن ما وصل إلينا من الأخبار الصحيحة والضعيفة خال من ذلك رأسا مع صحة مستند القولين الآخرين واستفاضة الروايات بذلك ، وهم أعلم بما قالوه والله تعالى أعلم بحقائق أحكامه.

تفسير : قال في القاموس : ألبّ أقام كلبّ ، ومنه لبيك أي أنا مقيم على طاعتك إلبابا بعد إلباب وإجابة بعد إجابة. أو معناه اتّجاهي وقصدي لك من داري ، تلبّ داره أي تواجهها. أو معناه محبتي لك من امرأة لبّه محبة لزوجها. أو معناه إخلاصي لك من حسب لباب خالص (٢). انتهى.

وهو منصوب على المصدر كقولك : حمدا وشكرا ، وكان حقه أن يقال : لبّا لك ، وثنّي تأكيدا أي إلبابا لك بعد إلباب. وقد ورد في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة أن التلبية جواب لله عزّ وجلّ قال : وأول من لبّى إبراهيم عليه‌السلام قال : إن الله يدعوكم إلى أن تحجوا بيته ، فأجابوه بالتلبية فلم يبق أحد أخذ ميثاقه بالموافاة في ظهر رجل ولا بطن امرأة إلاّ أجاب بالتلبية.

وروى ابن بابويه في كتاب علل الشرائع والأحكام في الصحيح ، عن عبيد الله بن علي الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته لم جعلت التلبية؟ فقال : « إن الله عزّ وجلّ أوحى إلى إبراهيم عليه‌السلام : ( وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً ) (٣) فنادى فأجيب من كل فجّ‌

__________________

(١) الدروس : ٩٧.

(٢) القاموس المحيط ١ : ١٣١.

(٣) الحج : ٢٧.

٢٧١

ولو عقد نيّة الإحرام ، ولبس ثوبيه ثم لم يلبّ وفعل ما لا يحل للمحرم فعله لم يلزمه بذلك كفارة إذا كان متمتعا أو مفردا. وكذا‌

______________________________________________________

يلبّون » (١).

وروى أيضا في العلل وفي كتاب من لا يحضره الفقيه حديثا طويلا قال في آخره : « قال الله عزّ وجلّ : يا موسى أما علمت أن فضل أمة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جميع الأمم كفضله على جميع خلقي ، فقال موسى : يا ربّ ليتني أراهم ، فأوحى الله جلّ جلاله إليه : يا موسى إنك لن تراهم فليس هذا أوان ظهورهم ولكن سوف تراهم في الجنان ، جنّات عدن والفردوس بحضرة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نعيمها يتقلّبون وفي خيراتها يتبجّحون أفتحبّ أن أسمعك كلامهم؟ فقال : نعم يا إلهي قال عزّ وجلّ : قم بين يدي واشدد مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ، ففعل ذلك موسى ، فنادى ربّنا عزّ وجلّ : يا أمة محمد ، فأجابوه كلهم وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمّهاتهم : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قال : فجعل الله تلك الإجابة شعار الحج » (٢).

فائدة : يجوز كسر الهمزة من : « إن الحمد » وفتحها. وحكى العلاّمة في المنتهى عن بعض أهل العربية أنه قال : من قال : « أن » بفتحها فقد خصّ ومن قال بالكسر فقد عمّ (٣). وهو واضح ، لأن الكسر يقتضي تعميم التلبية وإنشاء الحمد مطلقا ، والفتح يقتضي تخصيص التلبية أي لبيك بسبب أن الحمد لك.

قوله : ( ولو عقد نية الإحرام ولبس ثوبيه ثم لم يلبّ وفعل ما لا يحلّ للمحرم فعله لم يلزمه بذلك كفارة إذا كان متمتعا أو مفردا ، وكذا‌

__________________

(١) علل الشرائع : ٤١٦ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٤٧ أبواب الإحرام ب ٣٦ ح ١.

(٢) علل الشرائع : ٤١٦ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢١١ ـ ٩٦٧ ، الوسائل ٩ : ٥٤ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٥.

(٣) المنتهى ٢ : ٦٨١.

٢٧٢

لو كان قارنا ولم يشعر ولم يقلّد.

______________________________________________________

لو كان قارنا ولم يشعر ولم يقلّد ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، ونقل المرتضى في الانتصار فيه إجماع الفرقة (١). وتدل عليه روايات : منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس أن يصلي الرجل في مسجد الشجرة ويقول الذي يريد أن يقوله ولا يلبّي ثم يخرج فيصيب من الصيد وغيره وليس عليه شي‌ء » (٢).

وفي الصحيح ، عن حفص بن البختري وعبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه صلّى ركعتين في مسجد الشجرة وعقد الإحرام ثم خرج فأتي بخبيص فيه زعفران فأكل منه » (٣).

وفي معنى هاتين الروايتين أخبار كثيرة. وربما ظهر منها أنه لا يجب استئناف نية الإحرام بعد ذلك بل يكفي الإتيان بالتلبية ، وعلى هذا فيكون المنوي عند عقد الإحرام اجتناب ما يجب على المحرم اجتنابه من حين التلبية.

وصرّح المرتضى في الانتصار بوجوب استئناف النية قبل التلبية والحال هذه (٤). ويدل عليه ما رواه الكليني ، عن النضر بن سويد ، عن بعض أصحابه قال : كتبت إلى أبي إبراهيم عليه‌السلام رجل دخل مسجد الشجرة فصلّى وأحرم وخرج من المسجد فبدا له قبل أن يلبي أن ينقض ذلك بمواقعة النساء أله ذلك؟ فكتب : « نعم ولا بأس به » (٥) لكن الرواية ضعيفة‌

__________________

(١) الانتصار : ٩٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٨٢ ـ ٢٧٢ ، الإستبصار ٢ : ١٨٨ ـ ٦٣١ ، الوسائل ٩ : ١٧ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ١.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٠٨ ـ ٩٤٨ وفيه عن عبد الرحمن بن الحجاج فقط ، التهذيب ٥ : ٨٢ ـ ٢٧٥ ، الإستبصار ٢ : ١٨٨ ـ ٦٣٣ ، الوسائل ٩ : ١٧ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ٣.

(٤) الانتصار : ٩٦.

(٥) الكافي ٤ : ٣٣١ ـ ٩ ، الوسائل ٩ : ١٩ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ١٢.

٢٧٣

الثالث : لبس ثوبي الإحرام ، وهما واجبان ، ولا يجوز الإحرام فيما لا يجوز لبسه في الصلاة.

______________________________________________________

بالإرسال ، ولا ريب أن استئناف النية أولى وأحوط.

قوله : ( الثالث : لبس ثوبي الإحرام وهما واجبان ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنه لا يعلم فيه خلافا (١). ويدل عليه مضافا إلى التأسي قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « ثم استك واغتسل والبس ثوبيك » (٢) والأمر للوجوب. والمراد بالثوبين الإزار والرداء ، ويعتبر في الإزار ستر ما بين السّرة والرّكبة ، وفي الرداء كونه مما يستر المنكبين ، ويمكن الرجوع فيه إلى العرف ولا يعتبر في وصفه كيفية مخصوصة.

ولو كان الثوب طويلا فاتّزر ببعضه وارتدى بالباقي فقد جزم الشهيد في الدروس بالاجتزاء به (٣). ويمكن المناقشة فيه بعدم صدق الثوبين المأمور بهما. ولا يجب استدامة اللبس قطعا ، ولو أخلّ باللبس ابتداء فقد ذكر جمع من الأصحاب أنه لا يبطل إحرامه وإن أثم. وهو حسن.

قوله : ( ولا يجوز الإحرام فيما لا يجوز لبسه في الصلاة ).

مقتضى العبارة عدم جواز الإحرام في الحرير للرجل ، وجلد غير المأكول ، وما يحكي العورة ، والثوب المتنجس بنجاسة لا يعفى عنها في الصلاة.

أما المنع من الإحرام في الحرير للرجل وجلد غير المأكول فيدل عليه مضافا إلى العمومات المانعة من لبس الحرير مفهوم قوله عليه‌السلام في‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٨١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٢٦ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٠٠ ـ ٩١٤ ، الوسائل ٩ : ٩ أبواب الإحرام ب ٦ ح ٤.

(٣) الدروس : ٩٦.

٢٧٤

وهل يجوز الإحرام في الحرير للنساء؟ قيل : نعم ، لجواز لبسهن له في الصلاة ، وقيل : لا ، وهو أحوط.

______________________________________________________

صحيحة حريز : « كل ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه » (١) بل يحتمل قويا عدم الاجتزاء بجلد المأكول أيضا ، لعدم صدق اسم الثوب عليه عرفا.

وأما الحاكي فإطلاق عبارات الأصحاب يقتضي عدم جواز الإحرام فيه مطلقا من غير فرق بين الإزار والرداء. وجزم الشهيد في الدروس بالمنع من الإزار الحاكي ، وجعل اعتبار ذلك في الرداء أحوط (٢). ولا يبعد عدم اعتباره فيه ، للأصل ، وجواز الصلاة فيه على هذا الوجه.

وأما اعتبار الطهارة فيدل عليه ـ مضافا إلى مفهوم صحيحة حريز المتقدمة ـ ما رواه الكليني في الحسن ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : وسألته عن المحرم يقارن بين ثيابه وغيرها التي أحرم فيها قال : « لا بأس بذلك إذا كانت طاهرة » (٣).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن معاوية بن عمار أيضا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن المحرم تصيب ثوبه الجنابة قال : « لا يلبسه حتى يغسله ، وإحرامه تام » (٤) ومقتضى الرواية عدم جواز لبس النجس حالة الإحرام مطلقا ، ويمكن حمله على ابتداء اللبس ، إذ من المستبعد وجوب الإزالة عن الثوب دون البدن ، إلاّ أن يقال بوجوب إزالتها عن البدن أيضا للإحرام ، ولم أقف على مصرّح به وإن كان الاحتياط يقتضي ذلك.

قوله : ( وهل يجوز الإحرام في الحرير للنساء؟ قيل : نعم ، لجواز لبسه لهنّ في الصلاة. وقيل : لا ، وهو أحوط ).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٩ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢١٥ ـ ٩٧٦ ، التهذيب ٥ : ٦٦ ـ ٢١٢ ، الوسائل ٩ : ٣٦ أبواب الإحرام ب ٢٧ ح ١.

(٢) الدروس : ٩٦.

(٣) الكافي ٤ : ٣٤٠ ـ ٩ ، الوسائل ٩ : ٣٩ أبواب الإحرام ب ٣٠ ح ٢.

(٤) الفقيه ٢ : ٢١٩ ـ ١٠٠٦ ، الوسائل ٩ : ١١٧ أبواب تروك الإحرام ب ٣٧ ح ١.

٢٧٥

______________________________________________________

القول بالجواز للمفيد ـ رحمه‌الله ـ في كتاب أحكام النساء على ما نقل‌ عنه ابن إدريس (١) وجمع من الأصحاب. ويدل عليه مضافا إلى الأصل ومفهوم صحيحة حريز المتقدمة خصوص صحيحة يعقوب بن شعيب قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المرأة تلبس القميص تزرّه عليها وتلبس الحرير والخزّ والديباج؟ قال : « نعم لا بأس به » (٢) والمراد اللبس حال الإحرام كما هو واضح.

والقول بالمنع للشيخ (٣) ـ رحمه‌الله ـ وجمع من الأصحاب ، ومستنده صحيحة العيص بن القاسم قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفّازين » (٤) ويمكن الجمع بين الروايتين إما بحمل النهي المستفاد من الرواية الثانية على الكراهية كما يشهد به قوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي : « لا بأس أن تحرم المرأة في الذهب والخزّ وليس يكره إلاّ الحرير المحض » (٥) لكن في حمل الكراهة الواقعة في الروايات على المعنى المتعارف نظر تقدم تقريره مرارا.

وأما بحمل الأخبار المبيحة على أن المراد بالحرير غير المحض كما يشهد به رواية داود بن الحصين ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام حيث قال فيها ، قلت : تلبس ـ يعني المحرمة ـ الخزّ؟ قال : « نعم » قلت : فإنّ سداه إبريسم وهو حرير؟ قال : « ما لم يكن حريرا خالصا فلا بأس » (٦) وهذه‌

__________________

(١) السرائر : ١٢٤ ، وهو في أحكام النساء ( رسائل المفيد ) : ١٩.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٤ ـ ٢٤٦ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٩ ـ ١١٠٠ ، الوسائل ٩ : ٤١ أبواب الإحرام ب ٣٣ ح ١.

(٣) النهاية : ٢١٨.

(٤) الكافي ٤ : ٣٤٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٧٣ ـ ٢٤٣ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٨ ـ ١٠٩٩ ، الوسائل ٩ : ٤٣ أبواب الإحرام ب ٣٣ ح ٩.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢٠ ـ ١٠٢٠ ، الوسائل ٩ : ٤٢ أبواب الإحرام ب ٣٣ ح ٤.

(٦) التهذيب ٥ : ٧٥ ـ ٢٤٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٩ ـ ١١٠١ ، الوسائل ٩ : ٤٢ أبواب الإحرام ب ٣٣ ح ٣.

٢٧٦

ويجوز أن يلبس المحرم أكثر من ثوبين ، وأن يبدل ثياب إحرامه ، فإذا أراد الطواف فالأفضل أن يطوف فيهما. وإذا لم يكن مع الإنسان ثوبا الإحرام وكان معه قباء جاز لبسه مقلوبا ويجعل ذيله على كتفيه.

______________________________________________________

الرواية ضعيفة السند ، والمسألة محل تردد ، وإن كان القول بالجواز لا يخلو من رجحان ، ولا ريب أن الاجتناب عنه طريق الاحتياط والله تعالى أعلم.

قوله : ( ويجوز أن يلبس المحرم أكثر من ثوبين ، وأن يبدل ثياب إحرامه ، فإذا أراد الطواف فالأفضل أن يطوف فيهما ).

أما جواز لبس الزائد عن الثوبين لاتقاء الحرّ والبرد فيدل عليه ـ مضافا إلى الأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة ـ ما رواه الكليني في الحسن ، عن الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يتردّى بالثوبين قال : « نعم ، والثلاثة إن شاء يتقي بها الحرّ والبرد » (١).

وأما جواز الإبدال وأفضلية الطواف فيما أحرم فيه فيدل عليه ما رواه الكليني والشيخ في الحسن ، عن معاوية بن عمّار قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا بأس بأن يغيّر المحرم ثيابه ، ولكن إذا دخل مكة لبس ثوبي إحرامه الذين أحرم فيهما وكره أن يبيعهما » (٢).

قوله : ( وإذا لم يكن مع الإنسان ثوبا الإحرام وكان معه قباء جاز لبسه مقلوبا ، ويجعل ذيله على كتفيه ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل ظاهر التذكرة والمنتهى أنه موضع وفاق (٣). ويدل عليه روايات كثيرة كصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا اضطّر المحرم إلى القباء ولم يجد ثوبا غيره‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٤١ ـ ١٠ ، الوسائل ٩ : ٣٩ أبواب الإحرام ب ٣٠ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٤١ ـ ١١ ، التهذيب ٥ : ٧١ ـ ٢٣٣ ، الوسائل ٩ : ٣٩ أبواب الإحرام ب ٣١ ح ١.

(٣) التذكرة ١ : ٣٢٦ ، والمنتهى ٢ : ٦٨٣.

٢٧٧

______________________________________________________

فليلبسه مقلوبا ولا يدخل يديه في يدي القباء » (١).

وصحيحة عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « يلبس المحرم الخفين إذا لم يكن يجد نعلين ، وإن لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه أو قباءه بعد أن ينكسه » (٢).

وحسنة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم إلاّ أن تنكسه » (٣).

ورواية مثنّى الحنّاط ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من اضطرّ إلى ثوب وهو محرم وليس معه إلاّ قباء فلينكّسه وليجعل أعلاه أسفله ويلبسه » (٤).

ويستفاد من هذه الروايات (٥) أن معنى قلب الثوب تنكيسه وجعل الذيل على الكتفين كما ذكره ابن إدريس (٦). وفسره بعضهم بجعل باطن القباء ظاهرا (٧). واجتزأ العلاّمة في المختلف بكل من الأمرين ، أما التنكيس فلما تقدم ، وأما جعل الباطن ظاهرا فلقوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي : « فليلبسه مقلوبا ولا يدخل يديه في يدي القباء » قال : وهذا النهي إنما يتحقق مع القلب بالتفسير الثاني. ولقوله عليه‌السلام في رواية محمد بن مسلم : « ويلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء ويقلب ظاهره لباطنه » (٨) قال : وهو نص في المعنى الثاني (٩).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٧٠ ـ ٢٢٨ ، الوسائل ٩ : ١٢٤ أبواب تروك الإحرام ب ٤٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٠ ـ ٢٢٩ ، الوسائل ٩ : ١٢٤ أبواب تروك الإحرام ب ٤٤ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١٨ ـ ٩٩٨ ، الوسائل ٩ : ١١٥ أبواب تروك الإحرام ب ٣٦ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٤٧ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ١٢٤ أبواب تروك الإحرام ب ٤٤ ح ٣.

(٥) في « م » : الرواية.

(٦) السرائر : ١٢٧.

(٧) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٤٦١.

(٨) الفقيه ٢ : ٢١٨ ـ ٩٩٧ ، الوسائل ٩ : ١٢٤ أبواب تروك الإحرام ب ٤٤ ح ٧.

(٩) المختلف : ٢٦٨.

٢٧٨

وأما أحكامه ، فمسائل :

الأولى : لا يجوز لمن أحرم أن ينشئ إحراما آخر حتى يكمل أفعال ما أحرم له. فلو أحرم متمتعا ودخل مكة وأحرم بالحج قبل التقصير ناسيا لم يكن عليه شي‌ء ، وقيل : عليه دم ، وحمله على لاستحباب أظهر.

______________________________________________________

ويمكن المناقشة في الرواية الأولى بعدم الصراحة في المعنى الثاني ، وفي الرواية الثانية بعدم الصحة ، لأن في طريقها الحكم بن مسكين وهو مجهول. ولا ريب أن التنكيس كاف في تحقق القلب ، والاحتياط يقتضي الجمع بين الأمرين.

وقول المصنف : ويجعل ذيله على كتفيه ، الظاهر أنه تفسير لمعنى القلب ، ويمكن أن يكون مغايرا له ويكون مفاد العبارة اعتبار الجمع بين الأمرين.

واعلم أن قول المصنف : وإذا لم يكن مع الإنسان ثوبا الإحرام وكان معه قباء جاز لبسه مقلوبا ، يشعر بأن واجد أحدهما لا يجوز له لبسه. وأوضح من ذلك عبارة النافع حيث قال فيها : ويجوز لبس القباء مع عدمهما مقلوبا (١). والظاهر جوازه مع فقد الرداء خاصة كما صرّح به الشهيدان (٢) ، ودلت عليه صحيحة عمر بن يزيد. وذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أن المراد بالجواز في قول المصنف ـ رحمه‌الله ـ : جاز لبسه مقلوبا ، معناه الأعم والمراد منه الوجوب ، لأنه بدل عن الواجب ، وعملا بظاهر الأمر في النصوص (٣). وهو أحوط وإن كان للمناقشة في الوجوب مجال.

قوله : ( الأولى : لا يجوز لمن أحرم أن ينشئ إحراما آخر حتى يكمل أفعال ما أحرم له ، فلو أحرم متمتعا ودخل مكة وأحرم بالحج قبل التقصير ناسيا لم يكن عليه شي‌ء ، وقيل : عليه دم ، وحمله على

__________________

(١) المختصر النافع : ٨٣.

(٢) الشهيد الأول في الدروس : ٩٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٧.

(٣) المسالك ١ : ١٠٧.

٢٧٩

______________________________________________________

الاستحباب أظهر ).

أما أنه لا يجوز للمحرم إنشاء إحرام آخر قبل التحلل من الإحرام الأول‌ فظاهر العلاّمة في المنتهى أنه موضع وفاق بين الأصحاب (١) ، ويدل عليه الأخبار الكثيرة الواردة في بيان حج التمتع ، حيث يذكر فيها التقصير والإحلال من إحرام العمرة ثم الإهلال بإحرام الحج ، فيكون الإتيان بالإحرام قبل التقصير تشريعا محرّما.

وأما أن من أحرم بحج التمتع قبل التقصير من إحرام عمرته ناسيا يصح حجه ولا شي‌ء عليه فهو اختيار ابن إدريس (٢) وسلاّر (٣) وأكثر المتأخرين. وقال الشيخ (٤) وعليّ بن بابويه (٥) : يلزمه بذلك دم.

وحكى العلاّمة في المنتهى قولا لبعض أصحابنا ببطلان الإحرام الثاني والبقاء على الإحرام الأول (٦) ، مع أنه قال في المختلف : لو أخلّ بالتقصير ساهيا وأدخل إحرام الحج على العمرة سهوا لم يكن عليه إعادة الإحرام وتمّت عمرته إجماعا وصحّ إحرامه ، ثم نقل الخلاف في وجوب الدم خاصة (٧). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل متمتع نسي أن يقصّر حتى أحرم بالحج قال : « يستغفر الله » (٨) وفي الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٨٥.

(٢) السرائر : ١٣٦.

(٣) المراسم : ١٢٤.

(٤) المبسوط ١ : ٣٦٣ ، والنهاية : ٢٤٦ ، والتهذيب ٥ : ١٥٨.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٢٦٧.

(٦) المنتهى ٢ : ٦٨٦.

(٧) المختلف : ٢٦٧.

(٨) التهذيب ٥ : ٩٠ ـ ٢٩٧ ، الإستبصار ٢ : ١٧٥ ـ ٥٧٧ ، الوسائل ٩ : ٧٢ أبواب الإحرام ب ٥٤ ح ١ ، ورواها في الكافي ٤ : ٤٤٠ ـ ١ ، والفقيه ٢ : ٢٣٧ ـ ١١٢٩.

٢٨٠