مدارك الأحكام - ج ٧

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٧

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

ويستحب أمام التوجه الصدقة ،

______________________________________________________

ويستثنى من عدم بطلان الحج بفوات الركن سهوا ما لو كان الفائت الموقفين معا ، فإن الحج يبطل بذلك وإن كان سهوا ، وسيجي‌ء الكلام في ذلك كلّه مفصلا إن شاء الله تعالى (١).

قوله : ( ويستحب أمام التوجه الصدقة ).

يدل على ذلك روايات كثيرة كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « تصدّق واخرج أيّ يوم شئت » (٢).

وصحيحة حمّاد بن عثمان قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيكره السفر في شي‌ء من الأيام المكروهة مثل الأربعاء وغيره؟ فقال : « افتتح سفرك بالصدقة واخرج إذا بدا لك ، واقرأ آية الكرسي واحتجم إذا بدا لك » (٣).

وصحيحة ابن أبي عمير أنه قال : كنت أنظر في النجوم وأعرفها وأعرف الطالع فيدخلني من ذلك شي‌ء ، فشكوت ذلك إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام فقال : « إذا وقع في نفسك شي‌ء فتصدّق على أول مسكين ، ثم امض فإن الله عزّ وجلّ يدفع عنك » (٤).

ورواية محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « كان‌

__________________

(١) في ص ٤٣٤.

(٢) الكافي ٤ : ٢٨٣ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ١٧٥ ـ ٧٨١ ، التهذيب ٥ : ٤٩ ـ ١٥١ ، المحاسن : ٣٤٨ ـ ٢٣ ، الوسائل ٨ : ٢٧٢ أبواب آداب السفر إلى الحج ب ١٥ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٢٨٣ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ١٧٥ ـ ٧٨٢ ، التهذيب ٥ : ٤٩ ـ ١٥٠ وفيه عن الحلبي ، المحاسن : ٣٤٨ ـ ٢٢ ، الوسائل ٨ : ٢٧٢ أبواب آداب السفر إلى الحج ب ١٥ ح ٢.

(٤) الفقيه ٢ : ١٧٥ ـ ٧٨٣ ، المحاسن : ٣٤٩ ـ ٢٦ وفيه عن سفيان بن عمر ، الوسائل ٨ : ٢٧٣ أبواب آداب السفر إلى الحج ب ١٥ ح ٣.

٢٤١

وصلاة ركعتين ، وأن يقف على باب داره. ويقرأ فاتحة الكتاب أمامه وعن يمينه وعن شماله وآية الكرسي كذلك ،

______________________________________________________

عليّ بن الحسين عليهما‌السلام إذا أراد الخروج إلى بعض أمواله اشترى السلامة من الله عزّ وجلّ بما تيسّر له ، ويكون ذلك إذا وضع رجليه في الركاب » (١).

قوله : ( وصلاة ركعتين ).

يدل على ذلك ما رواه ابن بابويه مرسلا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « ما استخلف رجل على أهله بخلافة أفضل من ركعتين يركعهما إذا أراد الخروج إلى سفر ويقول : « اللهم إني أستودعك نفسي وأهلي ومالي وذريتي ودنياي وآخرتي وأمانتي وخاتمة عملي » فما قال ذلك أحد إلاّ أعطاه الله عزّ وجلّ ما سأل » (٢).

قوله : ( وأن يقف على باب داره ، ويقرأ فاتحة الكتاب أمامه وعن يمينه وعن شماله ، وآية الكرسي كذلك ).

المستند في ذلك ما رواه الكليني في الصحيح ، عن صباح الحذّاء قال : سمعت موسى بن جعفر عليهما‌السلام يقول : « لو كان الرجل منكم إذا أراد السفر قام على باب داره وتلقاء وجهه الذي يتوجه له فقرأ فاتحة الكتاب أمامه وعن يمينه وعن شماله وآية الكرسي أمامه وعن يمينه وعن شماله ثم قال : « اللهم احفظني واحفظ ما معي وسلّمني وسلّم ما معي وبلّغني وبلّغ ما معي ببلاغك الحسن » لحفظه الله وحفظ ما معه وسلّمه وسلّم ما معه وبلّغه وبلّغ ما معه » (٣).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٧٦ ـ ٧٨٥ ، المحاسن : ٣٤٨ ـ ٢٥ بتفاوت يسير ، الوسائل ٨ : ٢٧٣ أبواب آداب السفر إلى الحج ب ١٥ ح ٥.

(٢) الفقيه ٢ : ١٧٧ ـ ٧٨٩ ، الوسائل ٨ : ٢٧٥ أبواب آداب السفر إلى الحج ب ١٨ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٢٨٣ ـ ١ ، الوسائل ٨ : ٢٧٧ أبواب آداب السفر إلى الحج ب ١٩ ح ١.

٢٤٢

وأن يدعو بكلمات الفرج وبالأدعية المأثورة ، وأن يقول إذا جعل رجله في الركاب : بسم الله الرحمن الرحيم ، بسم الله وبالله والله أكبر. فإذا استوى على راحلته دعا بالدعاء المأثور.

______________________________________________________

قوله : ( وأن يدعو بكلمات الفرج وبالأدعية المأثورة ، وأن يقول إذا جعل رجليه في الركاب : بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله والله أكبر ، فإذا استوى على راحلته دعا بالدعاء المأثور ).

المستند في ذلك ما رواه الكليني رضي‌الله‌عنه في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا خرجت من بيتك تريد الحج والعمرة إن شاء الله فادع دعاء الفرج وهو : « لا إله إلاّ الله الحليم الكريم ، لا إله إلاّ الله العليّ العظيم ، سبحان الله ربّ السموات السبع وربّ الأرضين السبع وربّ العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين ».

ثم قل : « اللهم كن لي جارا من كل جبار عنيد ومن كل شيطان رجيم ».

ثم قل : « بسم الله دخلت وبسم الله خرجت وفي سبيل الله ، اللهم إني أقدّم بين يدي نسياني وعجلتي بسم الله وما شاء الله في سفري هذا ذكرته أو نسيته ، اللهم أنت المستعان على الأمور كلها وأنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل.

اللهم هوّن علينا سفرنا واطو لنا الأرض ، وسيّرنا فيها بطاعتك وطاعة رسولك ، اللهم أصلح لنا ظهرنا ، وبارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار.

اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال والولد.

اللهم أنت عضدي وناصري بك أحلّ وبك أسير.

٢٤٣

القول في الإحرام

والنظر في مقدماته ، وكيفيته ، وأحكامه.

والمقدمات كلّها مستحبة وهي : توفير شعر رأسه من أول ذي القعدة‌

______________________________________________________

اللهم إني أسألك في سفري هذا السرور والعمل بما يرضيك عني.

اللهم اقطع عني بعده ومشقته واصحبني فيه واخلفني في أهلي بخير لا حول ولا قوة إلا بالله.

اللهم إني عبدك وهذا حملانك والوجه وجهك والسفر إليك وقد اطلعت على ما لم يطلع عليه أحد ، فاجعل سفري هذا كفارة لما قبله من ذنوبي وكن عونا لي عليه واكفني وعثه ومشقته ولقّنّي من القول والعمل رضاك ، فإنما أنا عبدك وبك ولك ».

فإذا جعلت رجلك في الركاب فقل : « بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله والله أكبر » فإذا استويت على راحلتك واستوى بك محملك فقل : « الحمد لله الذي هدانا للإسلام ومنّ علينا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، سبحان الله سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وإنّا إلى ربنا لمنقلبون والحمد لله ربّ العالمين.

اللهم أنت الحامل على الظهر والمستعان على الأمر ، اللهم بلّغنا بلاغا يبلغ إلى خير ، بلاغا يبلغ إلى مغفرتك ورضوانك ، اللهم لا طير إلاّ طيرك ولا خير إلاّ خيرك ولا حافظ غيرك » (١).

قوله : ( القول في الإحرام والنظر في مقدماته وكيفيته وأحكامه ، والمقدمات كلها مستحبة ، وهي : توفير شعر الرأس من أول ذي القعدة‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٨٤ ـ ٢ ، الوسائل ٨ : ٢٧٨ أبواب آداب السفر إلى الحج ب ١٩ ح ٥.

٢٤٤

إذا أراد التمتع ، ويتأكد عند هلال ذي الحجة ، على الأشبه.

______________________________________________________

إذا أراد التمتع ، ويتأكد عند هلال ذي الحجة ، على الأشبه ).

ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من استحباب توفير شعر الرأس للمتمتع من أول ذي القعدة وتأكده عند هلال ذي الحجة قول الشيخ في الجمل (١) وابن إدريس (٢) وسائر المتأخرين (٣).

وقال الشيخ في النهاية : فإذا أراد الإنسان أن يحجّ متمتعا فعليه أن يوفّر شعر رأسه ولحيته من أول ذي القعدة ولا يمسّ شيئا منها (٤). وهو يعطي الوجوب ، ونحوه قال في الاستبصار (٥).

وقال المفيد في المقنعة : إذا أراد الحج فليوفّر شعر رأسه في مستهلّ ذي القعدة ، فإن حلقه في ذي القعدة كان عليه دم يهريقه (٦).

وقد ورد بالأمر بالتوفير روايات : منها ما رواه الشيخ في الحسن وابن بابويه في الصحيح ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) : شوّال وذو القعدة وذو الحجة ، فمن أراد الحج وفرّ شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة ، ومن أراد العمرة وفرّ شعره شهرا » (٧) وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا تأخذ من شعرك وأنت تريد الحج في ذي القعدة ولا في الشهر الذي تريد فيه الخروج إلى العمرة » (٨) وما رواه الكليني في‌

__________________

(١) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٧. ولكن لم يذكر تأكده عند هلال ذي الحجة.

(٢) السرائر : ١٢٢. وهو كسابقه.

(٣) منهم العلامة في القواعد ١ : ٧٩ ، والشهيد الأول في الدروس : ٩٥ ، واللمعة : ٦٩.

(٤) النهاية : ٢٠٦.

(٥) الاستبصار ٢ : ١٦٠.

(٦) المقنعة : ٦١.

(٧) الفقيه ٢ : ١٩٧ ـ ٨٩٩ ، التهذيب ٥ : ٤٦ ـ ١٣٩ ، الإستبصار ٢ : ١٦٠ ـ ٥٢٠ ، الوسائل ٩ : ٤ أبواب الإحرام ب ٢ ح ٤.

(٨) التهذيب ٥ : ٤٦ ـ ١٣٨ وفيه : عن ابن سنان ، الوسائل ٩ : ٤ أبواب الإحرام ب ٢ ح ١. وفيه : عن ابن سنان ( مسكان ).

٢٤٥

______________________________________________________

الحسن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أعف شعرك للحج إذا رأيت هلال ذي القعدة وللعمرة شهرا » (١).

وبظاهر هذه الروايات أخذ الموجبون ، وأجاب عنها في المختلف (٢) بالقول بالموجب ، فإن المستحب مأمور به كالواجب ، واستدل على الاستحباب بأصالة البراءة ، وبما رواه سماعة ، عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن الحجامة وحلق القفا في أشهر الحج فقال : « لا بأس به والسواك والنورة » (٣). ولا يخفى ما في هذا الجواب والاستدلال من النظر.

أما الأول : فلأنه إن أراد بكون المستحب مأمورا به أنه يستعمل فيه صيغة افعل حقيقة منعناه ، لأن الحقّ أنها حقيقة في الوجوب كما هو مذهبه ـ رحمه‌الله ـ في كتبه الأصولية ، وإن أراد أن المندوب يطلق عليه هذا اللفظ أعني المأمور به سلّمناه ولا ينفعه.

وأما الثاني : فلأن الأصل يخرج عنه بما نقلناه من الأدلة ، ورواية سماعة ضعيفة السند (٤) قاصرة الدلالة. والمسألة محل تردد ، ولا ريب أن الأولى والأحوط التوفير على الوجه المتقدم ، لكن لا دلالة لشي‌ء من الروايات على اختصاص الحكم بمن يريد حج التمتع فالتعميم أولى.

أما ما ذكره المفيد ـ رحمه‌الله ـ من لزوم الدم بالحق في ذي القعدة فاستدل عليه الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في التهذيب بما رواه عن جميل بن دراج قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن متمتع حلق رأسه بمكة قال : « إن كان جاهلا فليس عليه شي‌ء ، وإن تعمد ذلك في أول الشهور للحج بثلاثين‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣١٨ ـ ٥ ، الوسائل ٩ : ٥ أبواب الإحرام ب ٢ ح ٥.

(٢) المختلف : ٢٦٤.

(٣) الفقيه ٢ : ١٩٨ ـ ٩٠٢ ، التهذيب ٥ : ٤٧ ـ ١٤٥ ، الإستبصار ٢ : ١٦٠ ـ ٥٢٢ ، الوسائل ٩ : ٧ أبواب الإحرام ب ٤ ح ٣.

(٤) لوقوع زرعة وسماعة في طريقها وهما واقفيان. راجع رجال الطوسي : ٣٥٠ و ٣٥١.

٢٤٦

وأن ينظف جسده ، ويقصّ أظفاره ، ويأخذ من شاربه ، ويزيل الشعر عن جسده وإبطيه مطليا.

______________________________________________________

يوما فليس عليه شي‌ء ، وإن تعمد بعد الثلاثين التي يوفّر فيها الشعر للحج فإن عليه دما يهريقه » (١).

والجواب عن الرواية أولا : بالطعن في السند باشتماله على عليّ بن حديد ، وقال الشيخ في موضع من التهذيب : إنه ضعيف جدا لا يعوّل على ما ينفرد به (٢).

وثانيا : بالمنع من الدلالة ، فإنها إنما تضمنت لزوم الدم بالحلق بعد الثلاثين التي يوفر فيها الشعر للحج ، وهو خلاف المدعى ، مع أن السؤال إنما وقع عمّن حلق رأسه بمكة ، والجواب مقيد بذلك السؤال ، لعود الضمير الواقع فيه إلى المسئول عنه ، فلا يمكن الاستدلال بها على لزوم الدم بذلك على وجه العموم.

وبالجملة فهذه الرواية ضعيفة السند متهافتة المتن فلا يمكن الاستناد إليها في إثبات حكم مخالف للأصل.

قوله : ( وأن ينظف جسده ، ويقصّ أظفاره ، ويأخذ من شاربه ، ويزيل الشعر عن جسده وإبطيه مطليا ).

يدل على ذلك روايات كثيرة كصحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق أو إلى وقت من هذه المواقيت وأنت تريد الإحرام إن شاء الله فانتف إبطيك وقلّم أظفارك واطل عانتك وخذ من شاربك ، ولا يضرّك بأيّ ذلك بدأت ، ثم استك واغتسل والبس ثوبيك ، وليكن فراغك من ذلك إن شاء الله عند زوال الشمس وإن لم‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٨ ـ ١٤٩ ، الوسائل ٩ : ٨ أبواب الإحرام ب ٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ١٠١.

٢٤٧

ولو كان قد أطلى أجزأه ما لم يمض خمسة عشر يوما.

______________________________________________________

يكن عند زوال الشمس فلا يضرّك » (١).

وصحيحة حريز قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التهيؤ للإحرام فقال : « تقليم الأظفار وأخذ الشارب وحلق العانة » (٢).

وروى حريز في الحسن أيضا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « السنّة في الإحرام : تقليم الأظفار وأخذ الشارب وحلق العانة » (٣).

وصحيحة معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ونحن بالمدينة عن التهيؤ للإحرام فقال : « اطل بالمدينة وتجهّز بكلّما تريد واغتسل إن شئت ، وإن شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي مسجد الشجرة » (٤).

قوله : ( ولو كان قد أطلى أجزأه ما لم يمض خمسة عشر يوما ).

ربما أشعرت العبارة بعدم استحباب إعادة الإطلاء قبل مضي هذه المدة ، وربما كان مستنده ما رواه الشيخ ، عن عليّ بن أبي حمزة قال : سأل أبو بصير أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر فقال : إذا أطليت للإحرام الأول كيف أصنع في الطلية الأخيرة وكم بينهما؟ قال : « إذا كان بينهما جمعتان خمسة عشر يوما فاطل » (٥).

والأولى استحباب إعادة الإطلاء وإن لم تمض هذه المدة كما ذكره العلاّمة (٦) وغيره (٧) ، لأنه زيادة في التنظيف ، ولما رواه الكليني ، عن‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٦ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٠٠ ـ ٩١٤ ، الوسائل ٩ : ٢٢ أبواب الإحرام ب ١٥ ح ٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٦١ ـ ١٩٤ ، الوسائل ٩ : ٨ أبواب الإحرام ب ٦ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٢٦ ـ ٢ ، الوسائل ٩ : ٩ أبواب الإحرام ب ٦ ح ٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٠٠ ـ ٩١٥ ، التهذيب ٥ : ٦٢ ـ ١٩٦ ، الوسائل ٩ : ١٠ أبواب الإحرام ب ٧ ح ١.

(٥) التهذيب ٥ : ٦٢ ـ ١٩٨ ، الوسائل ٩ : ١٠ أبواب الإحرام ب ٧ ح ٤.

(٦) المنتهى ٢ : ٦٧٢ ، والتحرير ١ : ٩٥.

(٧) كالشهيد الأول في الدروس : ٩٦.

٢٤٨

والغسل للإحرام ، وقيل : إن لم يجد ماءا يتيمم له.

______________________________________________________

عبد الله بن أبي يعفور قال : كنّا بالمدينة فلاحاني زرارة في نتف الإبط وحلقه قلت : حلقه أفضل ، وقال زرارة : نتفه أفضل ، فاستأذنّا على أبي عبد الله عليه‌السلام فأذن لنا وهو في الحمام يطلي قد أطلى إبطيه ، فقلت لزرارة : يكفيك؟ قال : لا لعله فعل هذا لما لا يجوز لي أن أفعله فقال : « فيما أنتما؟ » فقلت : إن زرارة لاحاني في نتف الإبط وحلقه ، فقلت : حلقه أفضل وقال زرارة : نتفه أفضل ، فقال : « أصبت السنّة وأخطأها زرارة ، حلقه أفضل من نتفه وطليه أفضل من حلقه » ثم قال لنا : « اطليا » فقلنا : فعلنا منذ ثلاث فقال : « أعيدا فإن الإطلاء طهور » (١).

قوله : ( والغسل للإحرام ).

استحباب هذا الغسل هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنه لا يعرف فيه خلافا (٢). ونقل عن ابن أبي عقيل أنه قال : غسل الإحرام فرض واجب (٣). وهو ضعيف ، وقد تقدم الكلام في ذلك في باب الأغسال المسنونة (٤).

قوله : ( وقيل : إن لم يجد ماءا يتيمّم له ).

القول للشيخ (٥) ـ رحمه‌الله ـ وهو ضعيف جدا ، لأن الأمر إنما تعلّق بالغسل فلا يتناول غيره وإن كان مما يصلح قيامه مقامه على بعض الوجوه ، وقد تقدم الكلام في ذلك مفصّلا في أوائل كتاب الطهارة (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٧ ـ ٦ ، الوسائل ١ : ٤٣٧ أبواب آداب الحمام ب ٨٥ ح ٤.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٧٢.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٢٦٤.

(٤) في ج ٢ ص ١٦٨.

(٥) المبسوط ١ : ٣١٤.

(٦) في ص ٢٤.

٢٤٩

ولو اغتسل وأكل أو لبس ما لا يجوز للمحرم أكله ولا لبسه أعاد الغسل استحبابا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو اغتسل وأكل أو لبس ما لا يجوز للمحرم أكله ولا لبسه أعاد الغسل استحبابا ).

يدل على ذلك روايات : منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا لبست ثوبا لا ينبغي لك لبسه أو أكلت طعاما لا ينبغي لك أكله فأعد الغسل » (١).

وفي الصحيح ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا اغتسلت للإحرام فلا تقنّع ولا تطيّب ولا تأكل طعاما فيه طيب فتعيد الغسل » (٢).

( وفي صحيحة ) (٣) محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا اغتسل الرجل وهو يريد أن يحرم فلبس قميصا قبل أن يلبّي فعليه الغسل » (٤).

واستحب الشهيد في الدروس إعادة الغسل للتطيّب أيضا (٥) ، ويدل عليه صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة. والظاهر عدم استحباب الإعادة بفعل ما عدا ذلك من تروك الإحرام ، لفقد النص.

ولو قلّم أظفاره بعد الغسل لم يعده ويمسحها بالماء ، لما رواه الشيخ في الحسن ، عن جميل بن دراج ، عن بعض أصحابه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في رجل اغتسل للإحرام ثم قلّم أظفاره قال : « يمسحها بالماء‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٧١ ـ ٢٣٢ ، الوسائل ٩ : ١٦ أبواب الإحرام ب ١٣ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٧١ ـ ٢٣١ ، الوسائل ٩ : ١٦ أبواب الإحرام ب ١٣ ح ٢.

(٣) بدل ما بين القوسين في « ض » : وعن.

(٤) الكافي ٤ : ٣٢٩ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ٦٥ ـ ٢١٠ ، الوسائل ٩ : ١٥ أبواب الإحرام ب ١١ ح ٢.

(٥) الدروس : ٩٦.

٢٥٠

ويجوز له تقديمه على الميقات إذا خاف عوز الماء فيه. ولو وجده استحب له الإعادة.

______________________________________________________

ولا يعيد الغسل » (١).

قوله : ( ويجوز له تقديمه على الميقات إذا خاف عوز الماء فيه ، ولو وجده استحب له الإعادة ).

أما جواز التقديم مع خوف عوز الماء فمجمع عليه بين الأصحاب ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن هشام بن سالم قال : « أرسلنا إلى أبي عبد الله عليه‌السلام ونحن جماعة ونحن بالمدينة : إنا نريد أن نودّعك فأرسل إلينا أن : « اغتسلوا بالمدينة فإني أخاف أن يعزّ عليكم الماء بذي الحليفة فاغتسلوا بالمدينة والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ثم تعالوا فرادى أو مثاني » ثم قال في آخر الرواية : فلما أردنا أن نخرج قال : « لا عليكم أن تغتسلوا إن وجدتم ماءا إذا بلغتم ذا الحليفة » (٢).

ولا يبعد جواز التقديم مطلقا ، لصحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يغتسل بالمدينة للإحرام أيجزيه عن غسل ذي الحليفة؟ قال : « نعم » (٣).

وصحيحة معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التهيؤ للإحرام فقال : « اطّل بالمدينة فإنه طهور ، وتجهّز بكلّ ما تريد ، وإن شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي الشجرة فتفيض عليك من الماء وتلبس ثوبيك إن شاء الله » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٦٦ ـ ٢١١ ، الوسائل ٩ : ١٦ أبواب الإحرام ب ١٢ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٣٢٨ ـ ٧ ، وفيه صدر الحديث ، الفقيه ٢ : ٢٠١ ـ ٩١٨ ، التهذيب ٥ : ٦٣ ـ ٢٠٢ و ٣٠٣ ـ ١٠٣٤ ، الاستبصار ٢ : ١٨٢ ـ ٦٠٥ وفيه ذيل الحديث ، الوسائل ٩ : ١١ أبواب الإحرام ب ٨ ح ١ وص ١٢ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٦٣ ـ ٢٠١ ، الوسائل ٩ : ١٢ أبواب الإحرام ب ٨ ح ٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٠٠ ـ ٩١٥ ، التهذيب ٥ : ٦٤ ـ ٢٠٣ ، الوسائل ٩ : ١٠ أبواب الإحرام ب ٧ ح ٣.

٢٥١

ويجزي الغسل في أول النهار ليومه ، وفي أول الليل لليلته ما لم ينم.

______________________________________________________

وأما استحباب الإعادة إذا وجد الماء في الميقات ، فيدل عليه قوله عليه‌السلام في آخر صحيحة هشام المتقدمة : « لا عليكم أن تغتسلوا إن وجدتم ماءا إذا بلغتم ذا الحليفة »(١).

قوله : ( ويجزي الغسل في أول النهار ليومه ، وفي أول الليل لليلته ما لم ينم ).

أما الاجتزاء بالغسل في أول النهار ليومه وفي أول الليل لليلته فيدل عليه روايات : منها صحيحة عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل ، ومن اغتسل ليلا كفاه غسله إلى طلوع الفجر » (٢).

والأظهر الاكتفاء بغسل اليوم لليلته أيضا وغسل الليلة لليوم ، لما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن جميل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « غسل يومك يجزيك لليلتك ، وغسل ليلتك يجزيك ليومك » (٣).

وأما انتقاضه بالنوم فاستدل عليه بما رواه الشيخ في الصحيح ، عن النضر بن سويد ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن رجل يغتسل للإحرام ثم ينام قبل أن يحرم قال : « عليه إعادة الغسل » (٤).

والأصح عدم انتقاض الغسل بذلك وإن استحبت الإعادة ، بل لا يبعد عدم تأكد استحباب الإعادة كما تدل عليه صحيحة العيص بن القاسم قال :

سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة ويلبس‌

__________________

(١) في ص ٢٥١.

(٢) التهذيب ٥ : ٦٤ ـ ٢٠٤ ، الوسائل ٩ : ١٤ أبواب الإحرام ب ٩ ح ٤.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٠٢ ـ ٩٢٣ ، الوسائل ٩ : ١٣ أبواب الإحرام ب ٩ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٢٨ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٦٥ ـ ٢٠٦ ، الإستبصار ٢ : ١٦٤ ـ ٥٣٧ ، الوسائل ٩ : ١٤ أبواب الإحرام ب ١٠ ح ١.

٢٥٢

ولو أحرم بغير غسل أو صلاة ثم ذكر تدارك ما تركه وأعاد الإحرام.

______________________________________________________

ثوبين ثم ينام قبل أن يحرم قال : « ليس عليه غسل » (١) والظاهر أن المراد نفي تأكد الغسل. وحمله الشيخ على أن المراد به نفي الوجوب (٢) ، وهو بعيد ، لأن سوق الخبر يقتضي أن سقوط الإعادة للاعتداد بالغسل المتقدم لا لكونه غير واجب. ونقل عن ابن إدريس أنه نفى استحباب الإعادة بذلك (٣) ، وهو ضعيف.

وألحق الشهيد في الدروس بالنوم غيره من نواقض الوضوء (٤) ، ونفى عنه الشارح البأس ، نظرا إلى أن غيره أقوى (٥). وهو ضعيف ، والأصح عدم الاستحباب لانتفاء الدليل ، وربما كان في صحيحة جميل المتقدمة إشعار بذلك.

قوله : ( ولو أحرم بغير غسل أو صلاة ثم ذكر تدارك ما تركه وأعاد الإحرام ).

هذا الحكم ذكره الشيخ (٦) وجمع من الأصحاب ، وصرّح في المبسوط بأن الإعادة على سبيل الاستحباب ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن الحسين بن سعيد ، عن أخيه الحسن قال : كتبت إلى العبد الصالح أبي الحسن عليه‌السلام : رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما ما عليه في ذلك؟ وكيف ينبغي له أن يصنع؟ فكتب : « يعيد » (٧) وإنما حمل (٨)

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٠٢ ـ ٩٢٥ ، التهذيب ٥ : ٦٥ ـ ٢٠٨ ، الإستبصار ٢ : ١٦٤ ـ ٥٣٩ ، الوسائل ٩ : ١٥ أبواب الإحرام ب ١٠ ح ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٦٥ ، والاستبصار ٢ : ١٦٤.

(٣) السرائر : ١٢٤.

(٤) الدروس : ٩٦.

(٥) المسالك ١ : ١٠٦.

(٦) النهاية : ٢١٣ ، والمبسوط ١ : ٣١٥.

(٧) التهذيب ٥ : ٧٨ ـ ٢٦٠ ، الوسائل ٩ : ٢٨ أبواب الإحرام ب ٢٠ ح ١.

(٨) في « ض » و « ح » : حملنا.

٢٥٣

وأن يحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة غيرها. وإن لم يتفق صلى للإحرام ست ركعات ، وأقله ركعتان.

______________________________________________________

الأمر بالإعادة على الاستحباب ، لأن السؤال إنما وقع عمّا ينبغي أن يصنع لا عمّا يجب. وأنكر ابن إدريس استحباب الإعادة (١). وهو جيد على أصوله.

وقد نصّ الشهيدان على أن المعتبر هو الأول ، إذ لا سبيل إلى إبطال الإحرام بعد انعقاده (٢). وعلى هذا فلا وجه لاستئناف النية ، بل ينبغي أن يكون المعاد بعد الغسل والصلاة التلبية واللبس خاصة.

وربما ظهر من عبارة العلاّمة في المختلف أن المعتبر هو الثاني ، لأنه قال : ولا استبعاد في استحباب إعادة الفرض لأجل النفل ، كما في الصلاة المكتوبة إذا دخل المصلّي متعمدا بغير أذان ولا إقامة ، فإنه يستحب إعادتها (٣).

وأجاب عنه الشارح ـ قدس‌سره ـ بالفرق بين الموضعين ، فإن الصلاة تقبل الإبطال بخلاف الإحرام (٤). وقال في القواعد : وأيّهما المعتبر؟ إشكال ، وتجب الكفارة بالمتخلل بينهما (٥). ومقتضاه أن وجوب الكفارة بالمتخلل بينهما لا إشكال فيه ، وعلى هذا فيكون اعتبار الثاني على تقديره إنما هو في بعض الموارد كاحتساب الشهر بين العمرتين إذا اعتبر من حين الإهلال ، والعدول إلى عمرة التمتع لو وقع الثاني في أشهر الحج.

قوله : ( وأن يحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة غيرها ، فإن لم يتفق صلّى للإحرام ستّ ركعات ، وأقله ركعتان ).

مقتضى العبارة أنه مع صلاة الفريضة لا يحتاج إلى سنّة الإحرام ، وأنها‌

__________________

(١) السرائر : ١٢٥.

(٢) الشهيد الأول في الدروس : ٩٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٦.

(٣) المختلف : ٢٦٤.

(٤) المسالك ١ : ١٠٦.

(٥) القواعد ١ : ٨٠.

٢٥٤

______________________________________________________

إنما تكون إذا لم يتفق وقوع الإحرام عقيب الظهر أو فريضة ، وعلى ذلك دلت الأخبار كصحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « لا يكون إحرام إلاّ في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة ، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم ، وإن كانت نافلة صلّيت ركعتين وأحرمت في دبرها ، فإذا انفتلت من الصلاة فاحمد الله عزّ وجلّ وأثن عليه ، وصلّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتقول : اللهم إني أسألك » (١) الحديث.

وفي رواية أخرى صحيحة لمعاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة فريضة فصلّ ركعتين ثم أحرم في دبرهما » (٢).

ومن هنا يظهر أن ما ذكره الشارح من أن المراد أن السنة أن يصلي سنّة الإحرام أولا ثم يصلي الظهر أو غيرها من الفرائض ثم يحرم في دبرها ، وإن لم يتفق ثمّ فريضة اقتصر على سنة الإحرام (٣) ، غير جيد. ومن العجب قوله ـ رحمه‌الله ـ : وقد اتفق أكثر العبارات على القصور عن تأدية المراد هنا. إذ لا وجه لحمل عبارات الأصحاب على المعنى الذي ذكره ، فإن الأخبار ناطقة بخلافه كما بيّنّاه.

ومقتضى الروايتين أنه إذا لم يتفق وقوع الإحرام عقيب صلاة مكتوبة يصلي ركعتين نافلة ويحرم في دبرهما ، وقد ورد باستحباب الست رواية أخرى رواها عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « تصلي للإحرام ست ركعات تحرم في دبرها » (٤) وهي‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣١ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٠٦ ـ ٩٣٩ ، التهذيب ٥ : ٧٧ ـ ٢٥٣ ، الاستبصار ٢ : ١٦٦ ـ ٥٤٨ وفيه صدر الحديث فقط ، الوسائل ٩ : ٢٢ أبواب الإحرام ب ١٦ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٨ ـ ٢٥٨ ، الاستبصار ٢ : ١٦٦ ـ ٥٤٦ و ١٦٧ ـ ٥٥٠ ، الوسائل ٩ : ٢٦ أبواب الإحرام ب ١٨ ح ٥.

(٣) المسالك ١ : ١٠٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٧٨ ـ ٢٥٧ ، الإستبصار ٢ : ١٦٦ ـ ٥٤٥ ، الوسائل ٩ : ٢٦ أبواب الإحرام ب ١٨ ح ٤.

٢٥٥

يقرأ في الأولى : الحمد وقل يا أيها الكافرون ، وفي الثانية : الحمد وقل هو الله أحد ، وفيه رواية أخرى.

ويوقع نافلة الإحرام تبعا له ولو كان وقت فريضة ، مقدّما للنافلة ما لم يتضيق الحاضرة.

______________________________________________________

ضعيفة السند ، لكن لا بأس بالعمل بمضمونها إن شاء الله.

قوله : ( ويقرأ في الأولى الحمد وقل يا أيها الكافرون ، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد ، وفيه رواية أخرى ).

ما ذكره المصنف من استحباب قراءة الجحد في الأولى والإخلاص في الثانية لم أقف له على مستند ، والذي وقفت عليه في ذلك ما رواه الشيخ في الحسن ، عن معاذ بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا تدع أن تقرأ قل هو الله وقل يا أيها الكافرون في سبعة مواطن : في الركعتين قبل الفجر ، وركعتي الزوال ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين في أول صلاة الليل ، وركعتي الإحرام ، والفجر إذا أصبحت بها ، وركعتي الطواف » (١).

قال الشيخ في التهذيب بعد أن أورد هذه الرواية : وفي رواية أخرى أنه يقرأ في هذا كله بقل هو الله أحد وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون ، إلاّ في الركعتين قبل الفجر فإنه يبدأ بقل يا أيها الكافرون ثم يقرأ في الثانية قل هو الله أحد. هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ ولا ريب أن العمل بالرواية المفصلة أولى.

قوله : ( ويوقع نافلة الإحرام تبعا له ولو كان وقت فريضة ، مقدّما للنافلة ما لم يتضيق الحاضرة ).

ذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أن الضمير المجرور في قوله : تبعا له ، يرجع إلى الإحرام ، والمراد أنه لا يكره ولا يحرم فعل النافلة في وقت الفريضة قبل أن يصلي الفريضة ، كما لا يحرم أو يكره فعل النوافل التابعة‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧٤ ـ ٢٧٣ ، الوسائل ٤ : ٧٥١ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٥ ح ١ ، ورواها في الكافي ٣ : ٣١٦ ـ ٢٢ ، والخصال : ٣٤٧ ـ ٢٠.

٢٥٦

وأما كيفيته ، فتشتمل على واجب ، ومندوب :

فالواجبات ثلاثة :

الأول : النيّة ، وهي أن يقصد بقلبه إلى أمور أربعة : ما يحرم به من حجّ أو عمرة متقربا ، ونوعه من تمتع أو قران أو إفراد ، وصفته من وجوب أو ندب ، وما يحرم له من حجة الإسلام أو غيرها.

______________________________________________________

للفرائض كذلك قال : وقد خرجت هذه بالنص كما خرجت تلك فإن إيقاع الإحرام في وقت الفريضة بعدها وبعد النافلة يقتضي ذلك غالبا (١). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وهو جيد لو ثبت مستنده ، لكن ما وجدناه من الأخبار المعتبرة إنما تضمن الأمر بالنافلة إذا اتفق وقوع الإحرام في غير أوقات الفرائض.

ونقل عن شارح الترددات أنه جعل الضمير في : له ، عائدا إلى الغسل ، أي يوقع النافلة تابعة للغسل لا يتراخى عنه. وهو مع بعده من حيث اللفظ لا دليل عليه ، بل الدليل قائم على خلافه.

قوله : ( الأول ، النية ، وهي أن يقصد بقلبه إلى أمور أربعة : ما يحرم به من حج أو عمرة متقربا ، ونوعه من تمتع أو قران أو إفراد ، وصفته من وجوب أو ندب ، وما يحرم له من حجة الإسلام أو غيرها ).

قد تقدم الكلام في النية مرارا وأن المعتبر فيها قصد المنوي طاعة لله عزّ وجلّ ، وما عدا ذلك فلا دليل على اعتباره وإن كان القصد إلى هذه الأمور الأربعة أولى وأحوط.

واعلم أن العلاّمة في التذكرة والمنتهى اعتبر في نية الإحرام القصد إلى هذه الأمور الأربعة ثم قال : ولو نوى الإحرام مطلقا ولم ينو حجّا ولا عمرة انعقد إحرامه وكان له صرفه إلى أيهما شاء (٢).

__________________

(١) المسالك ١ : ١٠٦.

(٢) التذكرة ١ : ٣٧٥ ، والمنتهى ٢ : ٦٧٤.

٢٥٧

______________________________________________________

ولا يخفى ما بينهما من التدافع وإن كان ما ذكره من انعقاد الإحرام مع الإطلاق متّجها ، تمسكا بمقتضى الأصل ، وفحوى ما صحّ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه لما قدم من اليمن أهلّ إهلالا كإهلال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كن على إحرامك مثلي ، فأنت شريكي في هديي » (١).

وبالجملة فالأمر في النية هيّن كما بيّنّاه غير مرّة ، وأحسن ما وقفت عليه في كيفية عقد الإحرام ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « لا يكون إحرام إلاّ في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة ، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم ، وإن كانت نافلة صليت ركعتين وأحرمت في دبرها ، فإذا انفتلت من صلاتك فاحمد الله وأثن عليه وصلّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقل : اللهم إني أسألك أن تجعلني ممن استحباب لك وآمن بوعدك واتبع أمرك فإني عبدك وفي قبضتك لا أوقى إلا ما وقيت ولا آخذ إلاّ ما أعطيت وقد ذكرت الحج فأسألك أن تعزم لي عليه على كتابك وسنّة نبيك وتقوّيني على ما ضعفت عنه وتسلّم مني مناسكي في يسر منك وعافية واجعلني من وفدك الذي رضيت وارتضيت وسمّيت وكتبت ، اللهم إنى خرجت من شقّة بعيدة وأنفقت مالي ابتغاء مرضاتك اللهم فتمم لي حجتي وعمرتي ، اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن عرض لي شي‌ء يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ ، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخّي وعصبي من النساء والثياب والطيب أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة » قال : « ويجزيك أن تقول هذا مرّة واحدة حين تحرم ، ثم قم فامش هنيئة ، فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ » (٢).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٤٥ ـ ٤ ، الوسائل ٨ : ١٥٠ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤.

(٢) الكافي ٤ : ٣٣١ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٠٦ ـ ٩٣٩ ، التهذيب ٥ : ٧٧ ـ ٢٥٣ ، الاستبصار ٢ : ١٦٦ ـ ٥٤٨ وفيه صدر الحديث فقط ، الوسائل ٩ : ٢٢ أبواب الإحرام ب ١٦ ح ١.

٢٥٨

ولو نوى نوعا ونطق بغيره عمل على نيته. ولو أخلّ بالنيّة عمدا أو سهوا لم يصح إحرامه.

______________________________________________________

وروى الشيخ في الصحيح ، عن حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج كيف أقول؟ قال : « تقول : اللهم إني أريد أن أتمتّع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنّة نبيك ، وإن شئت أضمرت الذي تريد » (١).

وفي الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا أردت الإحرام والتمتع فقل : « اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج فيسّر لي ذلك وتقبّله مني وأعنّي عليه وحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ ، أحرم لك شعري وبشري من النساء والطيب والثياب » وإن شئت فلبّ حين تنهض ، وإن شئت فأخّره حتى تركب بعيرك وتستقيل القبلة فافعل » (٢).

قوله : ( ولو نوى نوعا ونطق بغيره عمل على نيته ).

لا ريب في ذلك ، لأن اللفظ غير النية ، والمعتبر النية لا اللفظ ، ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال ، قلت لأبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام : كيف أصنع إذا أردت أن أتمتّع؟ فقال : « لبّ بالحج وانو المتعة » (٣) لأن المراد أنه يهلّ بحج التمتع وينوي الإتيان بعمرة التمتع قبله كما سنبيّنه إن شاء الله.

قوله : ( ولو أخلّ بالنية عمدا أو سهوا لم يصح إحرامه ).

هذا مما لا خلاف فيه بين علمائنا ، لأن فوات الشرط يقتضي فوات‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٧٩ ـ ٢٦١ ، الإستبصار ٢ : ١٦٧ ـ ٥٥١ ، الوسائل ٩ : ٢٤ أبواب الإحرام ب ١٧ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٩ ـ ٢٦٣ ، الاستبصار ٢ : ١٦٧ ـ ٥٥٣ وفيه صدر الحديث ، الوسائل ٩ : ٢٣ أبواب الإحرام ب ١٦ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٨٦ ـ ٢٨٥ ، الإستبصار ٢ : ١٧٢ ـ ٥٦٧ ، الوسائل ٩ : ٣١ أبواب الإحرام ب ٢٢ ح ٤.

٢٥٩

ولو أحرم بالحج والعمرة وكان في أشهر الحج كان مخيّرا بين الحج والعمرة إذا لم يتعيّن عليه أحدهما. وإن كان في غير أشهر الحج تعين للعمرة. ولو قيل بالبطلان في الأول ولزوم تجديد النيّة كان أشبه.

______________________________________________________

المشروط. وحكى العلاّمة في التذكرة عن بعض العامة قولا بأن الإحرام ينعقد بالتلبية من غير نية (١). ولا ريب في بطلانه. ويستفاد من هذه العبارة وغيرها أن الإحرام أمر آخر غير النية وهو كذلك ، لوجوب مغايرة النية للمنوي فيكون المراد به ترك المحرمات المعهودة ، ولا يخفى أن الحكم ببطلان الإحرام بفوات نيته عمدا أو سهوا لا يقتضي بطلان الحج بفواته ، وقد تقدم الكلام في ذلك مفصّلا.

قوله : ( ولو أحرم بالحج والعمرة وكان في أشهر الحج كان مخيّرا بين الحج والعمرة إذ لم يتعيّن عليه أحدهما ، وإن كان في غير أشهر الحج تعيّن للعمرة ، ولو قيل بالبطلان في الأول ولزوم تجديد النية كان أشبه ).

القول بالتخيير في هذه الصورة منقول عن الشيخ في الخلاف (٢). وهو ضعيف جدا ، لأن المنوي أعني وقوع الإحرام الواحد للحج والعمرة معا لم يثبت جوازه شرعا فيكون التعبد به باطلا ، وغيره لم يتعلق به النية. مع أن العلاّمة في المنتهى نقل عن الشيخ في الخلاف أنه قال : لا يجوز القران بين حج وعمرة بإحرام واحد وادعى على ذلك الإجماع (٣).

وعلى ما ذكره ابن أبي عقيل في تفسير القارن بأنه الذي يسوق الهدي ويجمع بين الحج والعمرة فلا يتحلل منها حتى يتحلل من الحج (٤) ، يتحقق جواز الجمع بين الحج والعمرة بإحرام واحد في الجملة.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٢٥.

(٢) لم نعثر عليه في الخلاف ، وهو موجود في المبسوط ١ : ٣١٦.

(٣) المنتهى ٢ : ٦٨٥.

(٤) نقله عنه في المختلف : ٢٥٩.

٢٦٠