مدارك الأحكام - ج ٧

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٧

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

ولأهل الشام : الجحفة.

ولأهل اليمن : يلملم.

ولأهل الطائف : قرن المنازل.

______________________________________________________

عبد الحميد واقفي ، وبأن من جملة رجالها جعفر بن محمد بن حكيم وهو مجهول. وثانيا بالحمل على الكراهة جمعا بين الأدلة.

قوله : ( ولأهل الشام الجحفة ).

وكذا لأهل مصر وأهل المغرب كما وقع التصريح به في روايتي عليّ بن جعفر (١) ، وأبي أيوب الخزاز (٢).

قوله : ( ولأهل اليمن يلملم ).

قال في القاموس : يلملم وألملم ميقات اليمن ، جبل على مرحلتين من مكة (٣).

قوله : ( ولأهل الطائف قرن المنازل ).

قال في القاموس : قرن المنازل بفتح القاف وسكون الراء : قرية عند الطائف أو اسم الوادي كلّه ، قال : وغلط الجوهري في تحريكه وفي نسبة أويس القرني إليه ، لأنه منسوب إلى قرن بن رومان (٤) بن ناجية بن مراد (٥).

وقد ورد في عدّة أخبار أن قرن المنازل ميقات لأهل الطائف (٦). وروى العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه وقّت قرن المنازل لأهل نجد (٧) ، وهو‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٥٥ ـ ١٦٩ ، الوسائل ٨ : ٢٢٣ أبواب المواقيت ب ١ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ٣١٩ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٥٥ ـ ١٦٨ ، علل الشرائع : ٤٣٤ ـ ٣ ، الوسائل ٨ : ٢٢١ أبواب المواقيت ب ١ ح ١.

(٣) القاموس المحيط ٤ : ١٧٩.

(٤) في المصدر : ردمان.

(٥) القاموس المحيط ٤ : ٢٦٠.

(٦) الوسائل ٨ : أبواب المواقيت ب ١ ح ١ ـ ٤ و ٩ ـ ١٢.

(٧) صحيح البخاري ٢ : ١٦٤ ـ ١٦٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٣٨.

٢٢١

وميقات من منزله أقرب من الميقات منزله.

______________________________________________________

موجود في روايات أصحابنا أيضا ، رواه الشيخ في الصحيح ، عن عمر بن يزيد ، عن الصادق عليه‌السلام (١). لكن مقتضى أكثر الروايات أن ميقات أهل نجد العقيق (٢). وليس بين هذه الروايات تناف ، إذ من الجائز أن يكون لأهل نجد طريقان ، إحداهما يمرّ بالعقيق ، والأخرى بقرن المنازل ، فيجب عليهم الإحرام عند مرورهم بأحد الميقاتين.

قوله : ( وميقات من منزله أقرب من الميقات منزله ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنه قول أهل العلم كافة إلاّ مجاهد (٣). والمستند فيه الأخبار المستفيضة كصحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من كان منزله دون الوقت إلى مكة فليحرم من منزله » (٤).

قال الشيخ في التهذيب بعد نقل هذه الرواية : وقال في حديث آخر : « إذا كان منزله دون الميقات إلى مكة فليحرم من دويرة أهله » (٥).

وصحيحة مسمع ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكة فليحرم من منزله » (٦).

وصحيحة عبد الله بن مسكان قال : حدثني أبو سعيد قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمن كان منزله دون الجحفة إلى مكة قال : « يحرم منه » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٥٦ ـ ١٧٠ ، الوسائل ٨ : ٢٢٣ أبواب المواقيت ب ١ ح ٦.

(٢) الوسائل ٨ : أبواب المواقيت ب ١ ح ١ ، ٣ ، ٧ ، ١٠.

(٣) المنتهى ٢ : ٦٦٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٥٩ ـ ١٨٣ ، الوسائل ٨ : ٢٤٢ أبواب المواقيت ب ١٧ ح ١.

(٥) التهذيب ٥ : ٥٩ ـ ١٨٤ ، الوسائل ٨ : ٢٤٢ أبواب المواقيت ب ١٧ ح ٢.

(٦) التهذيب ٥ : ٥٩ ـ ١٨٥ ، الوسائل ٨ : ٢٤٢ أبواب المواقيت ب ١٧ ح ٣.

(٧) التهذيب ٥ : ٥٩ ـ ١٨٦ ، الوسائل ٨ : ٢٤٢ أبواب المواقيت ب ١٧ ح ٤.

٢٢٢

ولو حج على طريق لا يفضي إلى أحد المواقيت ، قيل : يحرم إذا غلب على ظنّه محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة.

______________________________________________________

ويستفاد من هذه الروايات أن المعتبر القرب إلى مكة. واعتبر المصنف في المعتبر القرب إلى عرفات (١). والأخبار تدفعه.

ثم إن كان المعتبر القرب إلى عرفات فأهل مكة يحرمون من منازلهم ، لأن دويرتهم أقرب من الميقات إليها. وعلى اعتبار مكة فالحكم كذلك ، إلاّ أن الأقربية لا تتم ، لاقتضائها المغايرة بينهما.

قوله : ( ولو حجّ على طريق لا يفضي إلى أحد المواقيت قيل : يحرم إذا غلب على ظنه محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة ).

إذا حج المكلف على طريق لا يفضي إلى أحد المواقيت فقد ذكر جمع من الأصحاب أنه يجب عليه الإحرام إذا غلب على ظنه محاذاة الميقات ، لصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من أقام بالمدينة وهو يريد الحج شهرا أو نحوه ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة فإذا كان حذاء الشجرة مسيرة ستة أميال فليحرم منها » (٢).

ومقتضى العبارة أن المراد بالميقات الذي يجب الإحرام عند محاذاته أقرب المواقيت إلى مكة. واعتبر العلاّمة في المنتهى الميقات الذي هو أقرب إلى طريقه ، وحكم بأنه إذا كان بين ميقاتين (٣) متساويين في القرب إليه تخيّر في الإحرام من أيّهما شاء (٤). وما ذكره المصنف أجود ، اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق.

ولو سلك طريقا لم يؤد إلى محاذاة ميقات قيل : يحرم من مساواة أقرب المواقيت إلى مكة ، أي من محل يكون بينه وبين مكة بقدر ما بين مكة وأقرب‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٨٦.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٠٠ ـ ٩١٣ ، الوسائل ٨ : ٢٣٠ أبواب المواقيت ب ٧ ح ٣.

(٣) في « ض » : طريقين.

(٤) المنتهى ٢ : ٦٧١.

٢٢٣

______________________________________________________

المواقيت إليها وهو مرحلتان تقريبا ، لأن هذه المسافة لا يجوز لأحد قطعها إلاّ محرما من أيّ جهة دخل ، وإنما الاختلاف فيما زاد عليها (١).

واستقرب العلاّمة في القواعد ، وولده في الشرح وجوب الإحرام من أدنى الحل (٢). وهو حسن ، لأصالة البراءة من وجوب الزائد ، وقولهم : إن هذه المسافة لا يجوز لأحد قطعها إلاّ محرما ، في موضع المنع ، لأن ذلك إنما ثبت مع المرور على الميقات لا مطلقا ، بل لو لا ورود الرواية بوجوب الإحرام من محاذاة الميقات لأمكن المناقشة فيه بمثل ما ذكرناه ، ومع ذلك فيتوجه عليه أن الرواية إنما تدل على وجوب الإحرام من محاذاة الشجرة خاصة ، فإلحاق غيره به يحتاج إلى دليل ، وبالجملة فالمسألة قوية الإشكال والاحتياط للدين يقتضي المرور على الميقات والإحرام منه اتباعا للمنقول وتخلصا من هذا الإشكال.

واعلم أن مقتضى عبارة المصنف التوقف في هذا الحكم من أصله حيث لم يذكره بطريق الجزم وإنما حكاه بلفظ : قيل ، وأنه ليس في العبارة دلالة على حكم من لم يحاذ الميقات. ويظهر من كلام الشارح ـ قدس‌سره ـ أنه حمل عبارة المصنف على هذه الصورة حيث قال : ومعنى غلبة الظن بمحاذاة أقرب المواقيت حينئذ بلوغ محل بينه وبين مكة بقدر ما بين مكة وأقرب المواقيت إليها (٣). وهذا المعنى بعيد من اللفظ ، فإن الظاهر من اعتبار محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة أنه مع تعدد المواقيت التي يتحقق محاذاتها في الطريق يجب الإحرام من محاذاة أقربها إلى مكة دون الأبعد ، وما ذكره خلاف معنى المحاذاة فتأمل.

__________________

(١) كما في المسالك ١ : ١٠٤.

(٢) القواعد ١ : ٧٩ ، وإيضاح الفوائد ١ : ٢٨٤.

(٣) المسالك ١ : ١٠٤.

٢٢٤

وكذا من حج في البحر. وكل من حج على ميقات لزمه الإحرام منه.

______________________________________________________

فروع :

الأول : قال في المنتهى : لو لم يعرف حذو الميقات المقارب لطريقة احتاط وأحرم من بعد بحيث يتيقن أنه لم يجاوز الميقات إلاّ محرما (١). ويشكل بأنه كما يمتنع تأخير الإحرام من الميقات كذا يمتنع تقديمه عليه ، وتجديد الإحرام في كل مكان يحتمل المحاذاة مشكل ، لأنه تكليف شاق لا يمكن إيجابه بغير دليل.

الثاني : قال في المنتهى أيضا : إنه لا يلزمه الإحرام حتى يعلم أنه قد حاذاه أو يغلب على ظنه ذلك ، لأن الأصل عدم وجوبه فلا يجب بالشك (٢). وهو جيد ، ولو لا الرواية لأمكن المناقشة في وجوبه مع الظن أيضا ، لأن الأصل الذي ذكره كما ينفي الوجوب مع الشك كذا ينفيه مع الظن أيضا.

الثالث : لو أحرم كذلك بالظن ثم تبينت الموافقة ، أو استمرّ الاشتباه أجزأ. ولو تبين تقدمه قبل تجاوز محل المحاذاة أعاده ، ولو كان بعد التجاوز أو تبين تأخره عن محاذاة الميقات ، ففي الإعادة وجهان : من المخالفة ، ومن تعبده بظنه المقتضي للإجزاء.

قوله : ( وكذا من حجّ في البحر ).

أي : يلزمه الإحرام إذا غلب على ظنه محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة.

وقال ابن إدريس : ميقات أهل مصر ومن صعد البحر جدّة (٣). ولم نقف له على مستند. وقال في المختلف : إنه إنما يصح إذا كانت جدّة تحاذي أحد المواقيت لا لخصوصيتها (٤). وهو حسن.

قوله : ( وكل من حج على ميقات لزمه الإحرام منه ).

المراد أن هذه المواقيت المذكورة لأهلها ولمن يمرّ بها ممن يريد الحج‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٧١.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٧١.

(٣) السرائر : ١٢٤.

(٤) المختلف : ٢٦٣.

٢٢٥

والحج والعمرة يتساويان في ذلك. وتجرّد الصبيان من فخّ.

______________________________________________________

والعمرة ، فإذا حجّ الشامي من المدينة فمرّ بذي الحليفة أحرم منها ، وإن حجّ من اليمن فميقاته يلملم ، وإن حجّ من العراق فميقاته العقيق ، وهذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنه لا يعلم فيه خلافا (١).

ويدل عليه روايات : منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أنه كتب إليه : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقّت المواقيت لأهلها ومن أتى عليها من غير أهلها ، وفيها رخصة لمن كانت به علّة ، فلا يجاوز الميقات إلا من علّة » (٢).

قوله : ( والحج والعمرة يتساويان في ذلك ).

أي في هذه المواقيت ، فمن قدم إلى مكة حاجا أو معتمرا ومرّ بها يجب عليه الإحرام منها ، سواء كانت العمرة عمرة تمتع أو إفراد ، وسواء كان الحج إفرادا أو قرانا.

أما حج التمتع فميقاته مكة كما تقدم (٣).

ولو أراد المفرد والقارن الاعتمار بعد الحج لزمها الخروج إلى أدنى الحلّ فيحرمان منه ثم يعودان إلى مكة للطواف والسعي ، ويدل عليه روايات : منها ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة والحديبية أو ما أشبههما » (٤) وقال العلاّمة في المنتهى : إنه لا خلاف في ذلك كله (٥).

قوله : ( وتجرّد الصبيان من فخّ ).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٦٧.

(٢) الكافي ٤ : ٣٢٣ ـ ٢ ، الوسائل ٨ : ٢٤٠ أبواب المواقيت ب ١٥ ح ١.

(٣) في ص ١٥٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٧٦ ـ ١٣٥٠ ، الوسائل ٨ : ٢٤٧ أبواب المواقيت ب ٢٢ ح ١.

(٥) المنتهى ٢ : ٦٦٨.

٢٢٦

______________________________________________________

المراد بالتجريد الإحرام‌ كما صرّح به المصنف في المعتبر (١) ، والعلاّمة في جملة من كتبه (٢). وفخّ بئر معروف على نحو فرسخ من مكة ، وقد نصّ الشيخ (٣) وغيره (٤) على أن الأفضل الإحرام بالصبيان من الميقات ، لكن رخص في تأخير الإحرام بهم حتى يصيروا إلى فخّ.

أما أن الأفضل الإحرام بهم من الميقات فيدل عليه روايات : منها صحيحة معاوية بن عمار قال ، سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « قدّموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن مرّ ثم يصنع بهم ما يصنع بالمحرم ويطاف بهم ويسعى بهم » (٥) الحديث.

وأما جواز تأخير الإحرام بهم إلى فخّ فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن أيوب بن الحرّ قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصبيان من أين نجرّدهم؟ فقال : « كان أبي يجرّدهم من فخّ » (٦) وفي الصحيح ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام مثل ذلك (٧).

وذكر المحقق الشيخ علي أن المراد بالتجريد التجريد من المخيط خاصة ، فيكون الإحرام من الميقات كغيرهم ، لأن الميقات موضع الإحرام ، فلا يجاوزه أحد إلاّ محرما (٨). وهو ضعيف ، لمنع ما ادّعاه من العموم بحيث يتناول غير المكلف ، وظهور التجريد في المعنى الذي ذكرناه.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٨٠٤.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٦٧ ، والتحرير ١ : ٩٤ ، والتذكرة ١ : ٣٢٠.

(٣) حكاه عنه في المسالك ١ : ١٠٤.

(٤) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٤.

(٥) التهذيب ٥ : ٤٠٩ ـ ١٤٢٣ ، الوسائل ٨ : ٢٠٧ أبواب أقسام الحج ب ١٧ ح ٣.

(٦) التهذيب ٥ : ٤٠٩ ـ ١٤٢١ ، الوسائل ٨ : ٢٠٨ أبواب أقسام الحج ب ١٧ ح ٦.

(٧) التهذيب ٥ : ٤٠٩ ـ ١٤٢٢ ، الوسائل ٨ : ٢٠٨ أبواب أقسام الحج ب ١٧ ح ٦.

(٨) جامع المقاصد ١ : ١٦٢.

٢٢٧

وأما أحكامها ففيه مسائل :

الأولى : من أحرم قبل هذه المواقيت لم ينعقد إحرامه ، إلا لناذر بشرط أن يقع إحرام الحج في أشهره ، أو لمن أراد العمرة المفردة في رجب وخشي تقضّيه.

______________________________________________________

قوله : ( وأما أحكامها ففيه مسائل ، الأولى : من أحرم قبل هذه المواقيت لم ينعقد إحرامه ، إلاّ لناذر ، بشرط أن يقع إحرام الحج في أشهره ، أو لمن أراد العمرة المفردة في رجب وخشي تقضّيه ).

أما عدم انعقاد الإحرام قبل هذه المواقيت في غير هاتين الصورتين فقال في المنتهى : إنه قول علمائنا أجمع (١). والأخبار الواردة بعدم انعقاد الإحرام قبل هذه المواقيت مستفيضة : منها قوله عليه‌السلام في صحيحة عبيد الله الحلبي : « الإحرام من مواقيت خمسة ، وقّتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا ينبغي لحاجّ ولا لمعتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها » (٢).

وفي حسنة ابن أذينة : « من أحرم بالحج في غير أشهر الحج فلا حجّ له ، ومن أحرم دون الوقت فلا إحرام له » (٣).

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عليّ بن عقبة ، عن ميسرة قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وأنا متغير اللون فقال لي : « من أين أحرمت؟ » فقلت : من موضع كذا وكذا فقال : « ربّ طالب خير تزلّ قدمه » ثم قال : « يسرّك أن صلّيت الظهر في السفر أربعا؟ » قلت : لا ، قال : « فهو والله ذاك » (٤).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٦٨.

(٢) الفقيه ٢ : ١٩٨ ـ ٩٠٣ ، التهذيب ٥ : ٥٥ ـ ١٦٧ ، الوسائل ٨ : ٢٢٢ أبواب المواقيت ب ١ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٣٢٢ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٥٢ ـ ١٥٧ ، الإستبصار ٢ : ١٦٢ ـ ٥٢٩ ، الوسائل ٨ : ١٩٦ أبواب أقسام الحج ب ١١ ح ٤.

(٤) لم نعثر عليها في كتب الشيخ ، وهي موجودة في : الكافي ٤ : ٣٢٢ ـ ٦ ، الوسائل ٨ : ٢٣٤ أبواب المواقيت ب ١١ ح ٥.

٢٢٨

______________________________________________________

وقد استثنى الأصحاب من ذلك صورتين ، إحداهما : من أراد الإحرام لعمرة مفردة في رجب وخشي تقضّيه إن أخّر الإحرام حتى يدرك الميقات ، فجوّزوا له الإحرام قبل الميقات لتقع العمرة في رجب ، طلبا لفضلها ، قال في المعتبر : وعليه اتفاق علمائنا (١). والأصل فيه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال ، سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلاّ أن يخاف فوت الشهر في العمرة » (٢).

وفي الصحيح ، عن صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجي‌ء معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق ، أيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب أو يؤخر الإحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال : « يحرم قبل الوقت لرجب ، فإن لرجب فضلا وهو الذي نوى » (٣) ويستفاد من هذه الرواية أن الاعتمار في رجب يحصل بالإهلال فيه وإن وقعت الأفعال في غيره ، والأولى تأخير الإحرام إلى آخر الشهر اقتصارا في تخصيص العمومات على موضع الضرورة.

وثانيهما : من نذر الإحرام من موضع معين قبل أحد هذه المواقيت فذهب الشيخان (٤) وأتباعهما (٥) إلى انعقاد النذر ووجوب الوفاء به بشرط وقوعه في أشهر الحج إن كان الإحرام لحج أو عمرة متمتع بها ، وإن كان لمفردة‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٨٠٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٥٣ ـ ١٦١ ، الإستبصار ٢ : ١٦٣ ـ ٥٣٣ ، الوسائل ٨ : ٢٣٦ أبواب المواقيت ب ١٢ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٢٣ ـ ٩ ، التهذيب ٥ : ٥٣ ـ ١٦٠ ، الإستبصار ٢ : ١٦٢ ـ ٥٣٢ ، الوسائل ٨ : ٢٣٦ أبواب المواقيت ب ١٢ ح ٢.

(٤) لم نعثر عليه في المقنعة ولكن وجدناه في التهذيب ٥ : ٥٣ ، ونقله عنه في المنتهى ٢ : ٦٦٩ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٢٠٩ ، والمبسوط ١ : ٣١١ ، والخلاف ١ : ٤٣٠.

(٥) منهم سلار في المراسم : ١٠٨ ، وابن حمزة في الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٨٧.

٢٢٩

الثانية : إذا أحرم قبل الميقات لم ينعقد ولا يكفي مروره فيه ما لم يجدد الإحرام من رأس.

______________________________________________________

وجب مطلقا. ومنع من ذلك ابن إدريس (١) ، واختاره العلاّمة في المختلف (٢). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشيخ في الإستبصار ، عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد ، عن الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل جعل لله عليه شكرا أن يحرم من الكوفة قال : « فليحرم من الكوفة وليف لله بما قال » (٣) وعن عليّ بن أبي حمزة قال : كتبت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أسأله عن رجل جعل لله عليه أن يحرم من الكوفة قال : « يحرم من الكوفة » (٤) وعن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « لو أن عبدا أنعم الله عليه نعمة أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن يتمّ » (٥).

احتج المانعون بأن نذر التقديم نذر عبادة غير مشروعة فكانت معصية فلا ينعقد نذرها. والجواب أن هذه القاعدة مخصوصة بما نقلناه من الروايات ، ولا استبعاد في أن يقول الشارع : إن الفعل محرّم بدون النذر وواجب معه لمصلحة لا نعلمها ، وبالجملة فقول ابن إدريس متجه لولا ورود رواية الحلبي الصحيحة بالجواز.

قوله : ( الثانية ، إذا أحرم قبل الميقات لم ينعقد ولا يكفي مروره فيه ما لم يجدّد الإحرام من رأس ).

__________________

(١) السرائر : ١٢٣.

(٢) المختلف : ٢٦٣.

(٣) الإستبصار ٢ : ١٦٣ ـ ٥٣٤ ، الوسائل ٨ : ٢٣٦ أبواب المواقيت ب ١٣ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٥٣ ـ ١٦٣ ، الإستبصار ٢ : ١٦٣ ـ ٥٣٥ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ أبواب المواقيت ب ١٣ ح ٢.

(٥) التهذيب ٥ : ٥٤ ـ ١٦٤ ، الإستبصار ٢ : ١٦٣ ـ ٥٣٦ ، الوسائل ٨ : ٢٣٧ أبواب المواقيت ب ١٣ ح ٣.

٢٣٠

ولو أخره عن الميقات لمانع ثم زال المانع عاد إلى الميقات. فإن تعذر جدد الإحرام حيث زال.

______________________________________________________

هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء ، لأن الإحرام قبل الميقات غير‌ منعقد ، فيكون مروره على الميقات جاريا مجرى مرور المحلّ به.

قوله : ( ولو أخره عن الميقات لمانع ثم زال المانع عاد إلى الميقات ، فإن تعذّر جدّد الإحرام حيث زال ).

أما وجوب العود إلى الميقات مع المكنة فلا ريب فيه ، لتوقف الواجب عليه. وأما الاكتفاء بتجديد الإحرام من محل زوال العذر مع تعذر العود إلى الميقات فلأن تأخيره لم يكن محرّما فكان كالناسي ، وسيأتي أن الناسي يحرم من موضع الذكر مع تعذر العود إلى الميقات (١) ، لكن لا يخفى أنه إنما يجب العود إذا لم يكن في طريقه ميقات آخر ، وإلا لم يجب ـ كما مرّ ـ بل يؤخره إلى الميقات.

ولو وجب العود فتعذّر ، ففي وجوب العود إلى ما أمكن من الطريق وجهان : أظهرهما العدم ، للأصل ، ولظاهر الروايات المتضمنة لحكم الناسي.

واعلم أن الشيخ ـ رحمه‌الله ـ ذكر في النهاية أن من عرض له مانع من الإحرام جاز له أن يؤخره عن الميقات ، فإذا زال المنع أحرم من الموضع الذي انتهى إليه (٢). وقال ابن إدريس : مقصوده تأخير كيفية الإحرام الظاهرة من نزع الثياب وكشف الرأس والارتداء والتوشّح والائتزار ، فأما النية والتلبية مع القدرة عليهما فلا يجوز له ذلك إذ لا مانع (٣).

وفصلّ المصنف في المعتبر تفصيلا حسنا فقال : من منعه مانع عند‌

__________________

(١) في ص ٢٣٢.

(٢) النهاية : ٢٠٩.

(٣) السرائر : ١٢٣.

٢٣١

ولو دخل مكة خرج إلى الميقات. فإن تعذر خرج إلى خارج الحرم. ولو تعذر أحرم من مكة. وكذا لو ترك الإحرام ناسيا ،

______________________________________________________

الميقات فإن كان عقله ثابتا عقد الإحرام بقلبه ، ولو زال عقله بإغماء وشبهه سقط عنه الحج ، ولو أحرم عنه رجل جاز ، ولو أخر وزال المانع عاد إلى الميقات إن تمكّن وإلاّ أحرم من موضعه ، ودلّ على جواز الإحرام عنه ما رواه جميل ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما‌السلام : في مريض أغمي عليه فلم يعقل حتى أتى الموقف قال : « يحرم عنه رجل » (١) والذي يقتضيه الأصل أن إحرام الولي جائز ، لكن لا يجزي عن حجة الإسلام ، لسقوط الفرض بزوال عقله ، نعم إذا زال العارض قبل الوقوف أجزأه (٢). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وهو في محله.

وقد بيّنّا فيما سبق أن المراد بالإحرام عن غير المميز والمجنون الإحرام بهما لا كون الولي نائبا عنهما ، وأنه يكفي في سقوط الفرض إدراك اضطراري المشعر عند أكثر الأصحاب.

قوله : ( وكذا لو ترك الإحرام ناسيا ).

أي : يجب عليه العود إلى الميقات مع المكنة ، فإن تعذّر جدّده حيث زال العذر ، وينبغي تقييده بما إذا لم يكن قد دخل الحرم ، وإلاّ وجب عليه الخروج إلى خارجه مع الإمكان وإلاّ أحرم من مكانه. ويدل على هذه الأحكام روايات : منها ما رواه الكليني في الحسن ، عن الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم قال : « قال أبي : يخرج إلى ميقات أهل أرضه ، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه ، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم » (٣).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٥ ـ ٨ بتفاوت يسير ، التهذيب ٥ : ٦٠ ـ ١٩١ ، الوسائل ٨ : ٢٤٥ أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ٤.

(٢) المعتبر ٢ : ٨٠٩.

(٣) الكافي ٤ : ٣٢٣ ـ ١ ، الوسائل ٨ : ٢٣٨ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ١.

٢٣٢

أو لم يرد النسك.

______________________________________________________

وفي الصحيح ، عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل مرّ على الوقت الذي يحرم الناس منه فنسي أو جهل فلم يحرم حتى أتى مكة فخاف إن رجع إلى الوقت أن يفوته الحجّ فقال : « يخرج من الحرم ويحرم ويجزئه ذلك » (١) ويستفاد من هذه الرواية أن الجاهل كالناسي.

وذكر العلاّمة في التذكرة والمنتهى أن من نسي الإحرام يوم التروية بالحج حتى حصل بعرفات فليحرم من هناك (٢) ، واستدل بما رواه علي بن جعفر في الصحيح ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : وسألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكره وهو بعرفات ما حاله؟ قال : « يقول : اللهم على كتابك وسنة نبيك ، فقد تمّ إحرامه » (٣).

وربما ظهر من تخصيص الحكم بعرفات ، ومن قول المصنف فيما سبق : إن الكافر إذا أسلم وضاق عليه الوقت عن العود إلى الميقات أحرم ولو بعرفات ، أنه لا يجوز تجديد الإحرام بالمشعر ، وجزم الشهيدان بالجواز (٤). ويمكن أن يستدل عليه بفحوى صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن رجل كان متمتعا خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده ما حاله؟ قال : « إذا قضى المناسك كلها فقد تمّ حجه » (٥) وإذا تمّ الحج مع قضاء المناسك كلها بغير إحرام فالبعض أولى ، ومع ذلك فالمسألة محل تردد.

قوله : ( أو لم يرد النسك ).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٤ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٥٨ ـ ١٨١ ، الوسائل ٨ : ٢٣٨ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٢.

(٢) التذكرة ١ : ٣٧٠ ، والمنتهى ٢ : ٧١٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٧٦ ـ ١٦٧٨ ، الوسائل ٨ : ٢٤٥ أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ٣.

(٤) الدروس : ١٢٠ ، والمسالك ١ : ٩١.

(٥) التهذيب ٥ : ٤٧٦ ـ ١٦٧٨ ، الوسائل ٨ : ٢٤٥ أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ٢.

٢٣٣

______________________________________________________

سيأتي (١) إن شاء الله أنه لا يجوز لأحد دخول مكة إلاّ محرما بالحج أو‌ العمرة عدا ما استثني من المتكرّر ومن دخلها لقتال ، ومقتضى ذلك أنه لا يجوز لقاصد مكة إذا كان ممن يلزمه الإحرام لدخولها مجاوزة الميقات إلاّ محرما ، لإطلاق النهي عن ذلك لكل حاج ومعتمر. ويندرج في قول المصنف ـ رحمه‌الله ـ : أو لم يرد النسك ، من لا يكون قاصدا دخول مكة عند مروره على الميقات ثم تجدد له قصد ذلك ، وكذا من لا يجب عليه الإحرام لدخولها كالمتكرر ، ومن دخلها لقتال إذا لم يكن مريدا للنسك ثم تجدد له إرادته ، أما من مرّ على ميقات قاصدا دخول مكة وكان ممن يلزمه الإحرام لدخولها لكنه لم يرد النسك فهو في معنى متعمد ترك الإحرام ( من الميقات مع إرادته ) (٢) بل أولى بالمؤاخذة كما لا يخفى.

وقد أجمع العلماء على أن من مرّ على الميقات وهو لا يريد دخول مكة بل يريد حاجة فيما سواها لا يلزمه الإحرام ، للأصل ، ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتى بدرا مرتين ومرّ على ذي الحليفة وهو محلّ (٣).

ولو تجدد له إرادة الدخول إلى مكة ، أو تجدد لمن لا يلزمه الإحرام لدخول مكة إرادة النسك فقد قطع الأصحاب بمساواته للناسي في وجوب العود إلى الميقات مع المكنة فيحرم منه ، ومع التعذر يحرم من موضعه. أما أنه لا يجب عليه العود مع التعذر فلا ريب فيه ، لأن من هذا شأنه أعذر من الناسي وأنسب بالتخفيف. وأما وجوب العود مع الإمكان فاستدل عليه في المعتبر بأنه يتمكن من الإتيان بالنسك على الوجه المأمور به فيكون واجبا (٤) ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم فقال : « يرجع إلى‌

__________________

(١) في ص ٣٨٠.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ض ».

(٣) نقلها في الشرح الكبير لابن قدامة ٣ : ٢٢١.

(٤) المعتبر ٢ : ٨٠٨.

٢٣٤

وكذا المقيم بمكة إذا كان فرضه التمتع. أما لو أخره عامدا لم يصح إحرامه حتى يعود إلى الميقات ، ولو تعذر لم يصحّ إحرامه.

______________________________________________________

ميقات أهل بلده الذي يحرمون منه ، وإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه ، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم » (١).

وحكى العلاّمة في المنتهى عن بعض العامة قولا بأن من هذا شأنه يحرم من موضعه (٢). وهو ضعيف.

وفي حكم من لا يريد النسك غير المكلف به كالصبي والعبد والكافر إذا بلغ بعد مجاوزة الميقات أو أعتق أو أسلم.

قوله : ( أما لو أخّره عامدا لم يصح إحرامه حتى يعود إلى الميقات ، ولو تعذر لم يصح إحرامه ).

المراد أن من ترك الإحرام من الميقات عمدا مع إرادته النسك ( بمعنى وجوبه عليه ) (٣) يجب عليه الرجوع إلى الميقات والإحرام منه مع المكنة ، فإن تعذر العود لخوف أو مرض أو ضيق الوقت لم يصح إحرامه من غيره ، لعدم تحقق الامتثال فيحرم عليه دخول مكة لتوقفه على الإحرام. وظاهر الأصحاب القطع بعدم الاكتفاء بإحرامه من أدنى الحلّ ، واحتمل بعض الأصحاب (٤) الاكتفاء بذلك إذا خشي أن يفوته الحج ، لإطلاق صحيحة الحلبي المتقدمة ، وهو غير بعيد.

قال الشارح : وحيث يتعذر رجوعه مع التعمد يبطل نسكه ويجب عليه قضاؤه ، وإن لم يكن مستطيعا للنسك ، بل كان وجوبه بسبب إرادة دخول الحرم ، فإن ذلك موجب للإحرام ، فإذا لم يأت به وجب قضاؤه‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٥٨ ـ ١٨٠ ، الوسائل ٨ : ٢٣٩ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٧.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٧٠.

(٣) ما بين القوسين ليس في « ض ».

(٤) كالأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٦ : ١٧٤.

٢٣٥

الثالثة : لو نسي الإحرام ولم يذكر حتى أكمل مناسكه ، قيل : يقضي إن كان واجبا ، وقيل : يجزيه ، وهو المروي.

______________________________________________________

كالمنذور (١). وهو غير جيد ، لأن القضاء فرض مستأنف فيتوقف على دليل ، وهو منتف هنا.

والأصح سقوط القضاء كما اختاره في المنتهى ، واستدل عليه بأصالة البراءة من القضاء ، وبأن الإحرام مشروع لتحية البقعة فإذا لم يأت به سقط كتحية المسجد (٢). وهو حسن. قال في التذكرة : ولو تجاوز الميقات ورجع ولم يدخل الحرم فلا قضاء عليه بلا خلاف نعلمه ، سواء أراد النسك أو لم يرده (٣).

ولا يخفى أن من كان منزله دون الميقات فحكمه في مجاوزة منزله إلى ما يلي الحرم حكم المجاوز للميقات في الأحوال السابقة ، لأن منزله ميقاته فهو في حقه كأحد المواقيت الخمسة في حق الآفاقي.

قوله : ( الثالثة ، لو نسي الإحرام ولم يذكر حتى أكمل مناسكه قيل : يقضي إن كان واجبا. وقيل : يجزيه ، وهو المروي ).

القول بالإجزاء للشيخ ـ رحمه‌الله ـ في النهاية والمبسوط (٤). وجمع من الأصحاب ، واستدل عليه في المعتبر (٥) بأنه فات نسيانا فلا يفسد به الحج كما لو نسي الطواف ، وبقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « رفع عن أمتي الخطأ والنسيان » (٦) وبأنه مع استمرار النسيان يكون مأمورا بإيقاع بقية الأركان والأمر يقتضي الإجزاء ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عليّ بن جعفر ، عن‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١٠٥.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٨٩.

(٣) التذكرة ١ : ٣٢٢.

(٤) النهاية : ٢١١ ، والمبسوط ١ : ٣١٤.

(٥) المعتبر ٢ : ٨١٠.

(٦) الفقيه ١ : ٣٦ ـ ١٣٢ ، الخصال : ٤١٧ ـ ٩ ، الوسائل ٥ : ٣٤٥ أبواب الخلل ب ٣٠ ح ٢.

٢٣٦

______________________________________________________

أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن رجل كان متمتعا خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده ما حاله؟ قال : « إذا قضى المناسك كلّها وطاف قد تمّ حجّه » (١).

وفي الحسن ، عن جميل بن دراج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما‌السلام : في رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلها وطاف وسعى قال : « تجزيه نيته ، إذا كان قد نوى ذلك فقد تمّ حجه وإن لم يهلّ » (٢) والظاهر أن المراد بقوله : « إذا كان قد نوى ذلك » أنه نوى الحج بجميع أجزائه جملة لا نوى الإحرام ، لأن نيته من الجاهل به غير معقول وكذا من الناسي أيضا.

وربما ظهر من كلام الشيخ في النهاية حمله على العزم المتقدم عن محل الإحرام فإنه قال : فإن لم يذكر أصلا حتى فرغ من جميع مناسكه فقد تمّ حجه ولا شي‌ء عليه إذا كان قد سبق في عزمه الإحرام (٣).

وفي جميع هذه الأدلة نظر :

أما الأول : فلأن الناسي للإحرام غير آت بالمأمور به على وجهه فيبقى في عهدة التكليف إلى أن يثبت صحة الحج مع الإخلال به بدليل من خارج ، كما في نسيان الطواف.

وأما الثاني : فلأن المرتفع في الخطأ والنسيان المؤاخذة خاصة لا جميع الأحكام.

وأما الثالث : فبعدم تحقق الامتثال بالنسبة إلى ذلك الجزء المنسي ، والكلّ يعدم بعدم جزئه.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٧٦ ـ ١٦٧٨ ، الوسائل ٨ : ٢٤٥ أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٣٢٥ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ٦١ ـ ١٩٢ ، الوسائل ٨ : ٢٤٥ أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ١.

(٣) النهاية : ٢١١.

٢٣٧

______________________________________________________

وأما الرواية الأولى : فبأنها إنما تدل على صحة حج تارك الإحرام مع الجهل وهو خلاف محل النزاع ، وما قيل من أن الناسي أعذر من الجاهل فغير واضح كما بيّنّاه غير مرّة ، مع أنها مخصوصة بإحرام الحج فإلحاق إحرام العمرة به لا يخرج عن القياس.

وأما الرواية الثانية : فواضحة الدلالة لكن إرسالها يمنع من العمل بها.

والقول بفساد الحج بذلك ووجوب الإتيان بالنسك الواجب الذي أخلّ بإحرامه لابن إدريس (١) ، ووجهه معلوم مما قررناه. وحكى المصنف في المعتبر عنه أنه احتجّ على ذلك بقوله عليه‌السلام : « الأعمال بالنيات » (٢) قال : ولست أدري كيف تخيّل هذا الاستدلال ولا كيف يوجّهه؟! فإن كان يقول : إن الإخلال بالإحرام إخلال بالنية في بقية المناسك فنحن نتكلم على تقدير إيقاع نية كل منسك على وجهه ظانا أنه أحرم أو جاهلا بالإحرام فالنية حاصلة مع إيقاع كل منسك فلا وجه لما قاله (٣).

وأجاب عنه شيخنا الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في الشرح بأن مراد ابن إدريس أن فقد نية الإحرام يجعل باقي الأفعال في حكم المعدوم ، لعدم صحة نيتها محلاّ فتبطل ، إذ العمل بغير نية باطل. ولا يخفى ما في هذا الجواب من التكلف.

وقال العلاّمة في المنتهى : الظاهر أن ابن إدريس وهم في هذا الاستدلال ، فإن الشيخ اجتزأ بالنية عن الفعل فتوهّم أنه اجتزأ بالفعل بغير نية (٤). وكأن مراده باجتزاء الشيخ بالنية عن الفعل اجتزاؤه بالعزم المتقدم كما ذكر في النهاية (٥) ، لا النية المقارنة للإحرام ، إذ ليس في كلام الشيخ دلالة‌

__________________

(١) السرائر : ١٢٤.

(٢) التهذيب ٢ : ١٨٦ ـ ٥١٨ ، الوسائل ١ : ٣٤ أبواب مقدمة العبادات ب ٥ ح ٦.

(٣) المعتبر ٢ : ٨١٠.

(٤) المنتهى ٢ : ٦٨٥.

(٥) النهاية : ٢١١.

٢٣٨

______________________________________________________

على اعتبارها بوجه. والمسألة محل تردد وإن كان القول بالإجزاء لا يخلو من رجحان.

واختلفت عبارات الأصحاب في حقيقة الإحرام ، فذكر العلاّمة في المختلف في مسألة تأخير الإحرام عن الميقات أن الإحرام ماهية مركبة من النية والتلبية ولبس الثوبين (١). ومقتضاه أنه ينعدم بانعدام أحد أجزائه.

وحكى الشهيد في الشرح عن ابن إدريس أنه جعل الإحرام عبارة عن النية والتلبية ولا مدخل للتجرد ولبس الثوبين فيه ، وعن ظاهر المبسوط والجمل أنه جعله أمرا واحدا بسيطا وهو النية. ثم قال : وكنت قد ذكرت في رسالة أن الإحرام هو توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة إلى أن يأتي بالمناسك ، والتلبية هي الرابطة لذلك التوطين ، نسبتها إليه كنسبة التحريمة إلى الصلاة. ثم أطال الكلام في ذلك وقال في آخر كلامه : فعلى هذا يتحقق نسيان الإحرام بنسيان النية ونسيان التلبية.

وذكر المحقق الشيخ علي أن المنسي إن كان نية الإحرام لم يجزه وإن كان المنسي التلبيات أجزأ (٢). وكأنّ وجهه حمل النية الواقعة في مرسلة جميل على نية الإحرام ، وهو بعيد ، فإن مقتضى الرواية صحة الحج مع ترك الإحرام جهلا أو نسيانا ، والظاهر من حال الجاهل بوجوب الإحرام والناسي له أنه لم يأت بالنية ولا بالتلبية ولا التجرد ولا لبس الثوبين ، وإذا ثبت صحة الحج مع الإخلال بذلك كله فمع البعض أولى.

__________________

(١) المختلف : ٢٦٣.

(٢) جامع المقاصد ١ : ١٦٣.

٢٣٩

الركن الثاني

في أفعال الحج

والواجب اثنا عشر : الإحرام ، والوقوف بعرفات ، والوقوف بالمشعر ، ونزول منى ، والرمي ، والذبح ، والحلق بها أو التقصير ، والطواف ، وركعتاه ، والسعي ، وطواف النساء ، وركعتاه.

______________________________________________________

قوله : ( الركن الثاني ، في أفعال الحج. والواجب اثنا عشر : الإحرام ، والوقوف بعرفات ، والوقوف بالمشعر ، ونزول منى ، والرمي ، والذبح ، والحلق بها أو التقصير ، والطواف ، وركعتاه ، والسعي ، وطواف النساء ، وركعتاه ).

هذه الواجبات منها ما هو ركن يبطل الحج بتركه عمدا لا سهوا ، ومنها ما هو فعل لا يبطل الحج بتركه مطلقا وإن حصل الإثم.

وذكر المصنف وغيره (١) أن الأركان منها خمسة : الإحرام بالحج ، والوقوف بعرفات ، والوقوف بالمشعر ، وطواف الحج ، وسعيه.

وجعل الشهيد في الدروس الأركان ثمانية بإضافة النية والتلبية والترتيب إلى هذه الخمسة (٢).

ومراده بالنية المذكورة نية الإحرام كما صرّح به بعد ذلك (٣) ، لكن لا وجه لذكرها على الخصوص فإن نية سائر الأركان كذلك.

__________________

(١) يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ١٨٠.

(٢) الدروس : ٩١.

(٣) الدروس : ٩٤.

٢٤٠