مدارك الأحكام - ج ٧

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٧

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

ولو تجدد العذر وقد طافت أربعا صحت متعتها وأتت بالسعي وبقية المناسك ، وقضت بعد طهرها ما بقي من طوافها.

______________________________________________________

في ضعف السند.

وأوضح ما وقفت عليه في ذلك سندا ومتنا ما رواه الكليني ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن أبي عمير ، عن حفص بن البختري ، عن العلاء بن صبيح وعبد الرحمن بن الحجاج وعليّ بن رئاب وعن عبد الله بن صالح كلهم يروونه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت ما بينها وبين التروية فإن طهرت طافت بالبيت وسعت ، وإن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت واحتشت ثم سعت بين الصفا والمروة ثم خرجت إلى منى ، فإذا قضت المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها ، ثم طافت طوافا للحج ، ثم خرجت فسعت فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كل شي‌ء يحلّ منه المحرم إلاّ فراش زوجها ، فإذا طافت أسبوعا آخر حلّ لها فراش زوجها » (١).

والجواب أنه بعد تسليم السند والدلالة يجب الجمع بينها وبين الروايات السابقة المتضمنة للعدول إلى الإفراد بالتخيير بين الأمرين ، ومتى ثبت ذلك كان العدول أولى ، لصحة مستنده ، وصراحة دلالته ، وإجماع الأصحاب عليه كما عرفت ، والله تعالى أعلم.

قوله : ( ولو تجدد العذر وقد طافت أربعا صحت متعتها ، وأتت بالسعي وبقية المناسك ، وقضت بعد طهرها ما بقي من طوافها ).

ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من صحة المتعة إذا تجدد العذر بعد طواف الأربع هو المشهور بين الأصحاب ، ذهب إليه الشيخان (٢)

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤٥ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٤٩٧ أبواب الطواف ب ٨٤ ح ١.

(٢) الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٩ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣٣١ ، والنهاية : ٢٧٥ ، والاقتصاد ٣١١.

١٨١

______________________________________________________

والصدوقان (١) وابن حمزة (٢) وابن البراج (٣) وغيرهم (٤) ، واستدلوا عليه بما رواه الشيخ ، عن أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ قال : حدثني من سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في المرأة المتمتعة : « إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم حاضت فمتعتها تامة ، وتقضي ما فاتها من الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ، وتخرج إلى منى قبل أن تطوف الطواف الأخير » (٥).

وعن ابن مسكان ، عن إبراهيم ، عمن سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت قال : « تتم طوافها ، وليس عليها غيره ، ومتعتها تامة ، ولها أن تطوف بين الصفا والمروة ، وذلك لأنها زادت على النصف ، وقد مضت متعتها ، ولتستأنف بعد الحجّ » (٦) وفي الروايتين قصور من حيث السند بالإرسال وجهالة المرسل.

وقال ابن إدريس : الذي تقتضيه الأدلة أنه إذا جاءها الحيض قبل جميع الطواف فلا متعة لها ، وإنما ورد بما قاله شيخنا أبو جعفر خبران مرسلان فعمل عليهما ، وقد بيّنّا أنه لا يعمل بأخبار الآحاد وإن كانت مسندة فكيف بالمراسيل (٧).

وهذا القول لا يخلو من قوة ، لامتناع إتمام العمرة المقتضي لعدم وقوع التحلل. ويشهد له صحيحة محمد بن إسماعيل المتقدمة حيث قال فيها : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل‌

__________________

(١) الصدوق في المقنع : ٨٤ ، وحكاه عن علي بن بابويه في المختلف : ٣١٦.

(٢) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٩٤.

(٣) المهذب ١ : ٢٣٢.

(٤) كأبي الصلاح في الكافي في الفقه : ١٩٥.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٩٣ ـ ١٣٧٠ ، الإستبصار ٢ : ٣١٣ ـ ١١١١ ، الوسائل ٩ : ٥٠٣ أبواب الطواف ب ٨٦ ح ٢.

(٦) الإستبصار ٢ : ٣١٣ ـ ١١١٢ ، الوسائل ٩ : ٥٠٢ أبواب الطواف ب ٨٦ ح ١.

(٧) السرائر : ١٤٧.

١٨٢

______________________________________________________

أن تحلّ ، متى تذهب متعتها؟ الحديث (١).

ويستفاد من تقييد المصنف صحة المتعة بما إذا حصل العذر بعد إكمال الأربع أنه لو حصل قبله بطلت المتعة ، وإليه ذهب أكثر الأصحاب ، ووجهه معلوم مما سبق.

وللصدوق ـ رحمه‌الله ـ قول بصحة المتعة والحال هذه ، لما رواه في الصحيح ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة طافت ثلاثة أطواف أو أقل من ذلك ثم رأت دما قال : « تحفظ مكانها ، فإذا طهرت طافت بقيته واعتدت بما مضى » (٢) وهذه الرواية لا تدل على مطلوبه صريحا ، لأن اعتدادها بما مضى لا يقتضي صحة التمتع مع عدم الإتيان بالباقي قبل فوات الوقت.

ولو حصل الحيض بعد الطواف وصلاة الركعتين صحت المتعة قطعا ، ووجب عليها الإتيان بالسعي والتقصير ، لعدم توقفهما على الطهارة ، ولما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن امرأة طافت بالبيت ثم حاضت قبل أن تسعى قال : « تسعى » قال : وسألته عن امرأة طافت بين الصفا والمروة فحاضت بينهما قال : « تتم سعيها » (٣).

ولو حاضت بعد الطواف وقبل صلاة الركعتين فقد صرّح العلاّمة (٤) وغيره (٥) بأنها تترك الركعتين وتسعى وتقصّر فإذا فرغت من المناسك قصتهما. واستدل عليه في المنتهى بما رواه الشيخ ، عن أبي الصباح الكناني قال :

__________________

(١) في ص ١٧٩.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٤١ ـ ١١٥٣ ، الوسائل ٩ : ٥٠١ أبواب الطواف ب ٨٥ ح ٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٩٥ ـ ١٣٧٦ ، الإستبصار ٢ : ٣١٥ ـ ١١١٧ ، الوسائل ٩ : ٥٠٥ أبواب الطواف ب ٨٩ ح ١.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٥٧.

(٥) كالشيخ في النهاية : ٢٧٦. والمبسوط ١ : ٣٣١.

١٨٣

وإذا صحّ التمتع سقطت العمرة المفردة.

______________________________________________________

سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة طافت بالبيت في حج أو عمرة ثم حاضت قبل أن تصلي الركعتين قال : « إذا طهرت فلتصلّ ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام وقد قضت طوافها » (١) وفي الدلالة نظر ، وفي الحكم إشكال ، والله تعالى أعلم.

قوله : ( وإذا صحّ التمتع سقطت العمرة المفردة ).

المراد أن عمرة التمتع تجزي عن العمرة المفردة ، بمعنى أنه لا يجب على المكلف الجمع بينهما ، وهذا قول العلماء كافة ، حكاه في المنتهى (٢). ويدل عليه روايات كثيرة ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن يعقوب بن شعيب قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قول الله عزّ وجلّ ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (٣) يكفي الرجل إذا تمتّع بالعمرة إلى الحج مكان تلك العمرة المفردة؟ قال : « كذلك أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه » (٤).

وفي الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا تمتّع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة » (٥).

وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن العمرة أواجبة هي؟ قال : « نعم » قلت : فمن تمتّع يجزي عنه؟ قال : « نعم » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٩٧ ـ ١٣٨١ ، الوسائل ٩ : ٥٠٤ أبواب الطواف ب ٨٨ ح ٢.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٧٦.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٣٣ ـ ١٥٠٤ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٥ ـ ١١٥١ ، الوسائل ١٠ : ٢٤٣ أبواب العمرة ب ٥ ح ٤.

(٥) التهذيب ٥ : ٤٣٣ ـ ١٥٠٣ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٥ ـ ١١٥٠ ، الوسائل ١٠ : ٢٤٢ أبواب العمرة ب ٥ ح ١.

(٦) التهذيب ٥ : ٤٣٤ ـ ١٥٠٦ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٥ ـ ١١٥٣ ، الوسائل ١٠ : ٢٤٢ أبواب العمرة ب ٥ ح ٣.

١٨٤

وصورة الإفراد : أن يحرم من الميقات ، أو من حيث يسوغ له الإحرام بالحج ، ثم يمضي إلى عرفات فيقف بها ، ثم إلى المشعر فيقف به ، ثم إلى منى فيقضي مناسكه بها ، ثم يطوف بالبيت ويصلي ركعتيه ، ويسعى بين الصفا والمروة ، ويطوف طواف النساء ويصلي ركعتيه.

______________________________________________________

قوله : ( وصورة الإفراد أن يحرم من الميقات أو من حيث يسوغ له الإحرام بالحج ).

المراد بالموضع الذي يسوغ منه الإحرام المجعول قسيما للميقات هو دويرة أهل المفرد إن كانت أقرب إلى عرفات من الميقات كما صرّح به المصنف في المعتبر (١) ، لكن سيأتي في كلام المصنف جعل دويرة الأهل أحد المواقيت الستة (٢) ، وهو لا يلائم جعلها قسيما له.

ويمكن أن يريد بالموضع ما يمكن الإحرام منه غير المواقيت الستة ، كما في ناسي الإحرام ونحوه ، فإنه يحرم مع تعذر العود إلى الميقات من حيث أمكن ، كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله تعالى (٣).

قوله : ( ثم يمضي إلى عرفات فيقف بها ، ثم إلى المشعر فيقف به ، ثم إلى منى فيقضي مناسكه بها ، ثم يطوف بالبيت ويصلي ركعتيه ، ويسعى بين الصفا والمروة ، ويطوف طواف النساء ويصلي ركعتيه ).

المستند في ذلك الأخبار المستفيضة ، كصحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام إنه قال : « وأما المفرد للحج فعليه طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ، وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف الزيارة وهو طواف النساء ، وليس عليه هدي ولا أضحية » (٤).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٨٦.

(٢) في ص ١٩١.

(٣) في ص ١٩١.

(٤) الكافي ٤ : ٢٩٨ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٤٤ ـ ١٣١ ، الوسائل ٨ : ١٥٦ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١٣.

١٨٥

وعليه عمرة مفردة بعد الحج والإحلال منه ، يأتي بها من أدنى الحلّ.

______________________________________________________

وصحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يكون القارن قارنا إلاّ بسياق الهدي ، وعليه طوافان بالبيت وسعي بين الصفا والمروة كما يفعل المفرد ، وليس أفضل من المفرد إلاّ بسياق الهدي » (١).

ولم يذكر المصنف في أفعال الحج العود إلى منى لرمي الجمار بناء على ما ذكره سابقا من جواز الإقامة بمنى إلى انقضاء أيام التشريق.

قوله : ( وعليه عمرة مفردة بعد الحج والإحلال منه ).

ربما أشعرت العبارة ونظائرها بلزوم العمرة المفردة لكل حاجّ مفرد ، وليس كذلك ، بل إنما تلزم في حج الإسلام دون الحج المندوب والمنذور إذا لم يتعلق النذر بالعمرة ، كما يدل عليه الأخبار الواردة بكيفية حج الإفراد. وقد صرّح العلاّمة (٢) وغيره (٣) بأن من استطاع الحج مفردا دون العمرة وجب عليه الحج دونها ، ثم يراعي الاستطاعة لها. بل صرّح الشارح ـ قدس‌سره ـ بوجوب العمرة خاصة لو استطاع لها دون الحج (٤).

وذكر جمع من الأصحاب أن من نذر الحج لا يجب عليه العمرة إلاّ أن ينذر حج التمتع فيجب ، لدخولها فيه. وذلك كلّه مؤيّد لما ذكرناه.

قوله : ( يأتي بها من أدنى الحلّ ).

المراد بأدنى الحل أقربه إلى الحرم وألصقه به ، والمعتبر منه ما قارب الحرم عرفا. وخيّر العلاّمة في التذكرة والشهيد في الدروس بين الإحرام من‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٩٥ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٤٢ ـ ١٢٣ ، الوسائل ٨ : ١٥٦ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١٠.

(٢) القواعد ١ : ٩١.

(٣) كالشهيد في الدروس : ٩٤.

(٤) المسالك ١ : ١٤٦.

١٨٦

ويجوز وقوعها في غير أشهر الحج.

______________________________________________________

أدنى الحلّ ومن أحد المواقيت التي وقّتها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١). وهو حسن.

قال في التذكرة : وينبغي أن يحرم من الجعرانة (٢) ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اعتمر منها ، فإن فاتته فمن التنعيم (٣) ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر عائشة بالإحرام منه ، فإن فاته فمن الحديبية (٤) (٥).

وروى ابن بابويه في الصحيح ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبية وما أشبههما » (٦).

والأولى الإحرام من أحد هذه الأماكن المنصوصة. وظاهر المنتهى لأنه لا خلاف في جواز الإحرام من أدنى الحل (٧). وفي إجزاء ما خرج من الحلّ عن حدّ القرب عرفا وعن أحد المواقيت وجهان ، أظهرهما العدم.

قوله : ( ويجوز وقوعها في غير أشهر الحج ).

أي : ويجوز وقوع العمرة المفردة التي يجب الإتيان بها بعد الحج في غير أشهر الحج ، وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل قال في المنتهى : والعمرة المبتولة تجوز في جميع أيام السنة ، ولا نعرف فيه‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٢٠ ، الدروس : ١٤٧.

(٢) موضع بين مكة والطائف وهي على سبعة أميال من مكة وهي بالتخفيف ـ المصباح المنير : ١٠٢.

(٣) موضع قريب من مكة وهو أقرب أطراف الحلّ إلى مكة ويقال بينه وبين مكة أربعة أميال ـ المصباح المنير : ٦١٤.

(٤) بئر بقرب مكة على طريق جدّة دون مرحلة ثم أطلق على الموضع ـ المصباح المنير : ١٢٣.

(٥) التذكرة ١ : ٣٢٠.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٧٦ ـ ١٣٥٠ ، الوسائل ٨ : ٢٤٧ أبواب المواقيت ب ٢٢ ح ١.

(٧) المنتهى ٢ : ٦٦٨.

١٨٧

ولو أحرم بها من دون ذلك ثم خرج إلى أدنى الحل لم يجزئه الإحرام‌

______________________________________________________

خلافا (١). ويدل عليه إطلاق الأمر بالعمرة من الكتاب والسنّة الخالي من التقييد ، لكن سيأتي في كلام المصنف أن وجوب العمرة على الفور ، وهو بإطلاقه يتناول المتمتع بها والمفردة ، ومقتضى ذلك وجوب المبادرة إلى العمرة المفردة بعد الفراغ من الحج.

وجوّز الشهيد في الدروس تأخيرها إلى استقبال المحرّم وقال : إن هذا القدر ليس منافيا للفورية (٢). وهو مشكل بعد ثبوت الفورية ، لأن النصّ الوارد به ضعيف مرسل.

واستشكله الشارح ـ قدس‌سره ـ بوجوب إيقاع الحج والعمرة في عام واحد قال : إلاّ أن يريد بالعام اثني عشر شهرا (٣). ويمكن المناقشة في اعتبار هذا الشرط ، لعدم وضوح دليله.

وبالجملة : فلم نقف في هذه المسألة على رواية معتبرة تقتضي التوقيت ، لكن مقتضى وجوب الفورية التأثيم بالتأخير ، وهو لا ينافي وقوعها في جميع أيام السنة ، كما قطع به الأصحاب.

نعم روى الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المعتبر بعد الحج ، قال : « إذا أمكن الموسى من رأسه فحسن » (٤) وهي لا تدل على التوقيت ، إلاّ أن العمل بمضمونها أولى ، وسيجي‌ء تمام الكلام في ذلك في كتاب العمرة إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ولو أحرم بها من دون ذلك ثم خرج إلى أدنى الحلّ لم‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٦٥.

(٢) الدروس : ٩٣.

(٣) المسالك ١ : ١٤٨.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٣٨ ـ ١٥٢١ ، الوسائل ١٠ : ٢٤٩ أبواب العمرة ب ٨ ح ٢.

١٨٨

الأول ، وافتقر إلى استئنافه.

وهذا القسم أو القران فرض أهل مكة ومن بينه وبينها دون اثني عشر ميلا من كل جانب. فإن عدل هؤلاء إلى التمتع اضطرارا جاز.

وهل يجوز اختيارا؟ قيل نعم ، وقيل : لا ، وهو أكثر.

______________________________________________________

يجزئه الإحرام الأول ، وافتقر إلى استئنافه ).

لا ريب في وجوب استئناف الإحرام من أدنى الحلّ ، لأن الإحرام من الحرم غير منعقد فلا يكون الخروج به إلى الحلّ كافيا ما لم يستأنف الإحرام منه كخروج المحلّ.

قوله : ( وهذا القسم والقران فرض أهل مكة ومن بينه وبينها دون اثني عشر ميلا من كل جانب ).

قد تقدم أن الأظهر اعتبار ثمانية وأربعين ميلا (١). والتقدير من منتهى عمارة مكة إلى منزله.

قوله : ( فإن عدل هؤلاء إلى التمتع اضطرارا جاز ).

تتحقق الضرورة المسوغة للعدول بخوف الحيض المتأخر عن النفر مع عدم إمكان تأخير العمرة إلى أن تطهر ، أو خوف عدوّ بعده ، أو فوت الصحبة (٢) كذلك. وهذا الحكم ـ أعني جواز عدول المكّي إلى التمتع مع الضرورة ـ مذهب الأصحاب ، لا أعلم فيه مخالفا. ويدل عليه مضافا إلى العمومات فحوى ما دلّ على جواز عدول المتمتع إلى الحج الإفراد مع الضرورة ، فإن الضرورة إذا كانت مسوّغة للعدول من الأفضل إلى المفضول كانت مسوّغة للعكس بطريق أولى.

قوله : ( وهل يجوز اختيارا؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو أكثر ).

__________________

(١) راجع ص ١٦٠.

(٢) في « ح » : الصحة.

١٨٩

______________________________________________________

المراد أنه هل يجوز لأهل مكة ومن في حكمهم أن يؤدّوا فرضهم من‌ حج الإسلام بالتمتع أم لا يجزيهم إلاّ الإفراد أو القران؟ وقد اختلف الأصحاب في ذلك ، فذهب الشيخ في أحد قوليه (١) ، وابنا بابويه (٢) ، وابن أبي عقيل (٣) ، وابن إدريس (٤) إلى أن ذلك غير جائز. وبه قطع المصنف في المعتبر (٥). وللشيخ قول آخر بالجواز (٦). وهو ضعيف.

لنا قوله تعالى ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (٧) فإنه يدل بمفهومه على أن الحاضر ليس له ذلك ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عليّ بن جعفر قال ، قلت لأخي موسى بن جعفر عليه‌السلام : لأهل مكة أن يتمتّعوا بالعمرة إلى الحج؟ فقال : « لا يصلح أن يتمتّعوا ، لقول الله عزّ وجلّ ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (٨).

وفي الصحيح ، عن عبيد الله الحلبي وسليمان بن خالد وأبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ليس لأهل مكة ولا لأهل مرّ ولا لأهل سرف متعة ، وذلك لقول الله عزّ وجلّ ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (٩) والأخبار الواردة بذلك كثيرة.

__________________

(١) النهاية : ٢٠٦.

(٢) الصدوق في الهداية : ٥٤ ، وحكاه عنهما في المختلف : ٢٦٠.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٢٦٠.

(٤) السرائر : ١٢١.

(٥) المعتبر ٢ : ٧٨٥.

(٦) المبسوط ١ : ٣٠٦.

(٧) البقرة : ١٩٦.

(٨) التهذيب ٥ : ٣٢ ـ ٩٧ ، الإستبصار ٢ : ١٥٧ ـ ٥١٥ ، الوسائل ٨ : ١٨٦ أبواب أقسام الحج ب ٦ ح ٢.

(٩) التهذيب ٥ : ٣٢ ـ ٩٦ ، الإستبصار ٢ : ١٥٧ ـ ٥١٤ ، الوسائل ٨ : ١٨٦ أبواب أقسام الحج ب ٦ ح ١.

١٩٠

ولو قيل : بالجواز لم يلزمهم هدي.

وشروطه ثلاثة : النيّة ، وأن يقع في أشهر الحج ، وأن يعقد إحرامه من ميقاته ، أو من دويرة أهله إن كان منزله دون الميقات.

______________________________________________________

احتج الشيخ على ما نقل عنه بأن المتمتع أتى بصورة الإفراد وزيادة غير منافية فوجب أن يجزيه (١).

وأجاب عنه في المعتبر بأنا لا نسلّم أنه أتى بصورة الإفراد ، وذلك لأنه أخل بالإحرام للحج من ميقاته وأوقع مكانه العمرة وليس مأمورا بها ، فوجب أن لا يجزيه (٢). وهو حسن.

وقد بيّنّا فيما سبق أن موضع الخلاف حج الإسلام ، أما المتطوع بالحج والناذر له مطلقا فيتخير بين الأنواع الثلاثة ،

قوله : ( ولو قيل بالجواز لم يلزمهم هدي ).

بل الأصح اللزوم ، تمسكا بالعموم ، وبه قطع المصنف في باب الهدي من غير نقل خلاف ، وسيجي‌ء تمام الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى (٣).

قوله : ( وشروطه ثلاثة : النيّة ، وأن يقع في أشهر الحج ، وأن يعقد إحرامه من ميقاته أو من دويرة أهله إن كان منزله دون الميقات ).

الكلام في النية كما سبق في حج التمتع.

وأما اشتراط وقوعه في أشهر الحج فقال في المعتبر : إن عليه اتفاق العلماء (٤). ويدل عليه قوله تعالى ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) (٥) أي وقته.

وأما اشتراط عقد إحرامه من الميقات أو من دويرة أهله إن كان منزله‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٠٦.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٨٦.

(٣) في ج ٨ ص ١٦.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٨٦.

(٥) البقرة : ١٩٧.

١٩١

واما القران وأفعال القارن وشروطه كالمفرد ، غير أنه يتميز عنه بسياق الهدي عند إحرامه.

______________________________________________________

دون الميقات فلا خلاف فيه أيضا.

وذكر المصنف في المعتبر أن المعتبر القرب إلى عرفات (١). والمصرّح به في الأخبار الكثيرة هو القرب إلى مكة كما سيجي‌ء في محلّه.

وعلى ما اعتبره المصنف من مراعاة القرب إلى عرفات فأهل مكة يحرمون من منزلهم ، لأن دويرتهم أقرب من الميقات إليها ، وعلى اعتبار مكة فالحكم كذلك ، إلاّ أن الأقربية لا تتم لاقتضائها المغايرة بينهما ، وظاهر العلاّمة في التذكرة دعوى الإجماع على ذلك ، فإنه قال : أهل مكة يحرمون للحج من مكة وللعمرة من أدنى الحل ، سواء كان مقيما بمكة أو غير مقيم ، لأن كل من أتى على ميقات كان ميقاتا له ، ولا نعلم في ذلك خلافا (٢).

قوله : ( وأفعال القارن وشروطه كالمفرد ، غير أنه يتميز عنه بسياق الهدي عند إحرامه ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب. وقال ابن أبي عقيل : القارن من ساق وجمع بين الحج والعمرة ، فلا يتحلل منها حتى يتحلل بالحج (٣). ونحوه قال الجعفي (٤) وحكى المصنف في المعتبر عن الشيخ في الخلاف أنه قال : إذا أتّم المتمتع أفعال عمرته وقصّر فقد صار محلاّ ، فإن كان ساق هديا لم يجز له التحلل وكان قارنا ، ثم قال : وبه قال ابن أبي عقيل (٥). ومقتضاه أن المتمتع السائق قارن ، والمعتمد ما عليه أكثر الأصحاب.

لنا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٨٦.

(٢) التذكرة ١ : ٣٢٢.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٢٥٩.

(٤) نقله عنه الشهيد في الدروس : ٩١.

(٥) المعتبر ٢ : ٧٩١. الخلاف ١ : ٤٢٨.

١٩٢

______________________________________________________

عليه‌السلام إنه قال في القارن : « لا يكون قران إلاّ بسياق الهدي ، وعليه طواف بالبيت ، وركعتان عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ، وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف بعد الحج وهو طواف النساء » (١).

وفي الصحيح ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يكون القارن قارنا إلاّ بسياق الهدي ، وعليه طوافان بالبيت ، وسعي بين الصفا والمروة كما يفعل المفرد ، وليس أفضل من المفرد إلاّ بسياق الهدي » (٢).

وفي الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إنما نسك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلاّ بسياق الهدي ، وعليه طواف بالبيت ، وصلاة ركعتين خلف المقام ، وسعي واحد بين الصفا والمروة ، وطواف بالبيت بعد الحج » (٣).

وجه الدلالة أنه عليه‌السلام حصر أفعال حج القران فيما ذكره ، فتكون أفعال العمرة خارجة عنه ، وجعل امتياز القران عن الإفراد بسياق الهدي خاصة فلا يكون غيره معتبرا.

وأوضح من ذلك دلالة ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « القارن الذي يسوق الهدي عليه طوافان بالبيت ، وسعي واحد بين الصفا والمروة ، وينبغي به أن يشترط على ربّه إن لم تكن حجة فعمرة » (٤).

احتج ابن أبي عقيل على ما نقل عنه (٥) بما روى أن عليّا عليه‌السلام

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤١ ـ ١٢٢ ، الوسائل ٨ : ١٥٦ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١٢.

(٢) الكافي ٤ : ٢٩٥ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٤٢ ـ ١٢٣ ، الوسائل ٨ : ١٥٦ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١٠.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٢ ـ ١٢٤ ، الوسائل ٨ : ١٥٤ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٣ ـ ١٢٥ ، الوسائل ٨ : ١٥٠ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٣.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٢٥٩.

١٩٣

______________________________________________________

حيث أنكر على عثمان قرن بين الحج والعمرة فقال : « لبيك بحجة وعمرة معا لبيك » (١) وبقوله عليه‌السلام في آخر صحيحة الحلبي المتقدمة : « أيما رجل قرن بين الحج والعمرة فلا يصلح إلاّ أن يسوق الهدي قد أشعره وقلّده (٢) ، والإشعار أن يطعن في سنامها بحديدة حتى يدميها ، وإن لم يسق الهدي فليجعلها متعة ».

وأجاب العلاّمة في المختلف عن الأول بأنه مرويّ من طرق الجمهور فلا يكون حجة علينا. وعن الثاني بما ذكره الشيخ في التهذيب وهو أن قوله عليه‌السلام : « أيما رجل قرن بين الحج والعمرة » يريد به في تلبية الإحرام ، لأنه يحتاج أن يقول : إن لم يكن حجة فعمرة ، ويكون الفرق بينه وبين المتمتع أن المتمتع يقول هذا القول وينوي العمرة قبل الحج ثم يحلّ بعد ذلك ويحرم بالحج فيكون متمتعا ، والسائق يقول هذا القول وينوي الحج ، فإن لم يتمّ له الحج فليجعله عمرة مبتولة (٣). ثم استدل عليه بصحيحة الفضيل المتقدمة ، وهو تأويل بعيد.

وقد يقال : إن أقصى ما تدل عليه هذه الرواية أن من قرن بين الحج والعمرة في النية يلزمه السياق ، ولا يلزم من ذلك وجوب تقديم العمرة على الحج ، ولا عدم التحلل منها إلاّ بالتحلل من الحج ، كما ذكره ابن أبي عقيل ، خصوصا مع التصريح في أول الرواية بعدم تميز القران عن الإفراد إلاّ بالسياق خاصة.

وكيف كان فلا يمكن الخروج عن ظاهر الأخبار المستفيضة بمثل هذه الرواية المجملة ، وأما الرواية السابقة المنقولة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٨٥ ـ ٢٨٢ ، الإستبصار ٢ : ١٧١ ـ ٥٦٤ ، الوسائل ٩ : ٣٠ أبواب الإحرام ب ٢١ ح ٧.

(٢) في « ض » : أو قلّده.

(٣) المختلف : ٢٦٠.

١٩٤

وإذا لبّى استحب له إشعار ما يسوقه من البدن بشق سنامه من الجانب الأيمن ، ويلطّخ صفحته بدمه.

______________________________________________________

فهي موجودة في أخبارنا ، لكن لا دلالة لها على ما ذكره ابن أبي عقيل بوجه ، لأن الجمع بينهما في النية مندوب إليه في عمرة التمتع لدخول العمرة في الحج ، كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله تعالى (١).

قوله : ( وإذا لبّى استحب له إشعار ما يسوقه من البدن بشق سنامه من الجانب الأيمن ، ويلطخ صفحته بدمه ).

سيأتي إن شاء الله تعالى أن الإحرام ينعقد بثلاثة أشياء : التلبية ، والإشعار ، والتقليد ، وأنه متى بدأ بالتلبية كان الإشعار أو التقليد مستحبا. ويدل على الحكم الأول روايات : منها صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية ، والإشعار ، والتقليد ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم » (٢).

وأما استحباب الإشعار أو التقليد بعد التلبية فلم نقف فيه على نص بالخصوص ، ولعل إطلاق الأمر بهما كاف في ذلك.

وذكر الأصحاب أن الإشعار أن يشق سنام البعير من الجانب الأيمن ويلطخ صفحته بدم إشعاره (٣). وفي صحيحة الحلبي : « والإشعار أن يطعن في سنامها بحديدة حتى يدميها » (٤) وفي صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن البدنة كيف نشعرها؟ قال : « تشعرها وهي باركة ، وتنحرها وهي قائمة ، وتشعرها من جانبها الأيمن ، ثم تحرم إذا قلّدت أو أشعرت » (٥).

__________________

(١) في ص ٢٥٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٣ ـ ١٢٩ ، الوسائل ٨ : ٢٠٢ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ٢٠.

(٣) منهم ابن البراج في المهذب ١ : ٢٠٩ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٧٩٢ ، والشهيد الثاني في الروضة البهية ٢ : ٢١١.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٢ ـ ١٢٤ ، الوسائل ٨ : ٢٠١ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ١٦.

(٥) الكافي ٤ : ٢٩٧ ـ ٤ ، الوسائل ٨ : ٢٠١ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ١٨.

١٩٥

وإن كان معه بدن دخل بينها وأشعرها يمينا وشمالا.

والتقليد : أن يعلّق في رقبة المسوق نعلا قد صلى فيه.

والإشعار والتقليد للبدن ، ويختص البقر والغنم بالتقليد.

______________________________________________________

قوله : ( وإن كان معه بدن دخل بينها وأشعرها يمينا وشمالا ).

هذا في قوة الاستثناء مما قبله ، والمراد أنه يشعرها في الأيمن إلاّ أن يكون معه بدن ، فإنه يدخل بينها ويشعر هذه في يمينها وهذه في شمالها ، من غير أن يرتبها ترتيبا يوجب الإشعار في اليمين. والمستند في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن حريز بن عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا كانت بدن كثيرة فأردت أن تشعرها دخل الرجل بين كل بدنتين فيشعر هذه من الشق الأيمن ، ويشعر هذه من الشق الأيسر ، ولا يشعرها أبدا حتى يتهيأ للإحرام ، فإنه إذا أشعرها وقلّدها وجب عليه الإحرام ، وهو بمنزلة التلبية » (١).

قوله : ( والتقليد أن يعلّق في رقبة المسوق نعلا قد صلّى فيه ).

الظاهر أن الفعل وهو صلّى مبنيّ للمعلوم وضميره المستتر يعود إلى السائق ، كما يدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : « تقلّدها نعلا خلقا قد صلّيت فيها ، والإشعار والتقليد بمنزلة التلبية » (٢) ويكفي مسمّى الصلاة ولو نافلة.

قوله : ( والإشعار والتقليد للبدن ، ويختص البقر والغنم بالتقليد ).

لضعفهما من الإشعار ، ولما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « كان الناس يقلّدون الغنم والبقر ، وإنما‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٣ ـ ١٢٨ ، الوسائل ٨ : ٢٠١ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ١٩.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٠٩ ـ ٩٥٦ ، الوسائل ٨ : ٢٠٠ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ١١.

١٩٦

ولو دخل القارن أو المفرد مكة وأراد الطواف جاز ،

______________________________________________________

تركه الناس حديثا ، ويقلّدون بخيط أو سير » (١).

قوله : ( ولو دخل القارن أو المفرد مكة وأراد الطواف جاز ).

الظاهر أن المراد بالطواف هنا الطواف الواجب كما صرّح به في المعتبر (٢) ، والمراد أنه يجوز للمفرد والقارن تقديم طوافهما على المضي إلى عرفات ، ويمكن أن يريد به ما هو أعم من ذلك ليتناول الواجب والمندوب. أما جواز طواف المندوب لهما فلأنه مقتضى الأصل ولا معارض له. وأما أنه يجوز لهما تقديم الطواف الواجب فهو مذهب الأكثر ، وعزاه في المعتبر إلى فتوى الأصحاب (٣) ، ويدل عليه روايات كثيرة : منها صحيحة حمّاد بن عثمان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مفرد الحج ، أيعجل طوافه أو يؤخّره؟ قال : « هو والله سواء ، عجله أو أخره » (٤) وموثقة زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المفرد للحج يدخل مكة ، أيقدّم طوافه أو يؤخره؟ قال : « سواء » (٥).

ونقل عن ابن إدريس أنه منع من التقديم محتجا بإجماع علمائنا على وجوب الترتيب (٦). وأجاب عنه في المنتهى بأن الشيخ ادعى الإجماع على جواز التقديم فكيف يصح له دعوى الإجماع على خلافه؟! قال : والشيخ أعرف بمواضع الوفاق والخلاف (٧).

وربما ظهر من تخصيص الحكم بالقارن والمفرد أن المتمتع لا يجوز له‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٠٩ ـ ٩٥٢ ، الوسائل ٨ : ٢٠٠ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ٩.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٩٣.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٩٣.

(٤) الكافي ٤ : ٤٥٩ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٥ ـ ١٣٥ ، الوسائل ٨ : ٢٠٤ أبواب أقسام الحج ب ١٤ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٤٥٩ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٤٥ ـ ١٣٤ ، الوسائل ٨ : ٢٠٤ أبواب أقسام الحج ب ١٤ ح ٢.

(٦) السرائر : ١٣٥.

(٧) المنتهى ٢ : ٧٠٩.

١٩٧

______________________________________________________

ذلك ، وقد قطع الأصحاب بأنه لا يجوز له تقديم طواف الحج ، وادعوا عليه الإجماع ، واستدلوا عليه بما رواه الشيخ ، عن أبي بصير قال ، قلت : رجل كان متمتعا فأهلّ بالحج ، قال : « لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات ، فإن هو طاف قبل أن يأتي منى من غير علّة فلا يعتدّ بذلك الطواف » (١) وهي مع ضعف سندها باشتماله على عدّة من الضعفاء معارضة بأخبار كثيرة دالة على جواز التقديم مطلقا ، كصحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن (٢) عليه‌السلام عن الرجل المتمتع يهلّ بالحج ثم يطوف ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى منى ، قال : « لا بأس به » (٣).

وصحيحة جميل إنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتمتع يقدّم طوافه وسعيه في الحج فقال : « هما سيّان ، قدّمت أو أخّرت » (٤).

وصحيحة حفص بن البختري ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : في تعجيل الطواف قبل الخروج إلى منى فقال : « هما سواء ، أخّر ذلك أو قدّمه » يعني للمتمتع (٥).

وأجاب الشيخ عن هذه الروايات بالحمل على حالة الضرورة (٦). وهو بعيد ، مع أنه لا ضرورة إلى ارتكابه لانتفاء ما يصلح للمعارضة ، والمتجه جواز التقديم مطلقا إن لم ينعقد الإجماع القطعي على خلافه.

وفي جواز الطواف المندوب للمتمتع قبل الخروج إلى منى قولان (٧) ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٣٠ ـ ٤٢٩ ، الوسائل ٨ : ٢٠٣ أبواب أقسام الحج ب ١٣ ح ٥ ، ورواها في الكافي ٤ : ٤٥٨ ـ ٤.

(٢) في « م » و « ح » زيادة : الرضا.

(٣) التهذيب ٥ : ١٣١ ـ ٤٣٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٩ ـ ٧٩٤ ، الوسائل ٨ : ٢٠٣ أبواب أقسام الحج ب ١٣ ح ٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٤٤ ـ ١١٦٨ ، التهذيب ٥ : ٤٧٧ ـ ١٦٨٥ ، الوسائل ٨ : ٢٠٣ أبواب أقسام الحج ب ١٣ ح ١.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٤٤ ـ ١١٦٨ ، التهذيب ٥ : ٤٧٧ ـ ١٦٨٥ ، الوسائل ٨ : ٢٠٣ أبواب أقسام الحج ب ١٣ ح ١.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٤٤ ـ ١١٦٧ ، الوسائل ٩ : ٤٧٤ أبواب الطواف ب ٦٤ ح ٣.

(٧) التهذيب ٥ : ١٣١ ، والاستبصار ٢ : ٢٣٠.

١٩٨

لكن يجدّدان التلبية عند كل طواف لئلا يحلاّ على قول ، وقيل : إنما يحل المفرد دون السائق. والحقّ أنه لا يحل إلا بالنيّة ، لكن الأولى تجديد التلبية عقيب صلاة الطواف.

______________________________________________________

أشهرهما المنع ، لما رواه الشيخ في الحسن ، عن الحلبي قال : سألته عن الرجل يأتي المسجد الحرام يطوف بالبيت؟ قال : « نعم ، ما لم يحرم » (١) ويمكن حمل النهي على الكراهة.

قوله : ( لكن يجدّدان التلبية عند كل طواف لئلاّ يحلاّ على قول ، وقيل : إنما يحلّ المفرد دون السائق. والحقّ أنه لا يحلّ إلاّ بالنية ، لكن الأولى تجديد التلبية عقيب صلاة الطواف ).

اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فذهب الشيخ في النهاية وموضع من المبسوط إلى أن القارن والمفرد إذا طافا قبل المضي إلى عرفات الطواف الواجب أو غيره جدّدا التلبية عند فراغهما من الطواف ، وبدونها يحلاّن وينقلب حجهما عمرة (٢).

وقال في التهذيب : إن المفرد يحلّ بترك التلبية دون القارن (٣).

وقال المفيد (٤) والمرتضى (٥) : إن التلبية بعد الطواف تلزم القارن لا المفرد. ولم يتعرضا للتحلل بترك التلبية ولا لعدمه.

ونقل عن ابن إدريس أنه أنكر ذلك وقال : إن التحلل إنما يحصل بالنية لا بالطواف والسعي ، وليس تجديد التلبية بواجب ولا تركها مؤثرا في انقلاب‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٦٩ ـ ٥٦٣ ، الوسائل ٩ : ٤٩٦ أبواب الطواف ب ٨٣ ح ٤ ، وفيهما بتفاوت يسير.

(٢) النهاية : ٢٠٨ ، والمبسوط ١ : ٣١١.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٤.

(٤) المقنعة : ٦١.

(٥) جمل العلم والعمل : ١٠٥.

١٩٩

______________________________________________________

الحج عمرة (١). واختاره المصنف في كتبه الثلاثة (٢) والعلاّمة في المختلف (٣).

احتج الشيخ في التهذيب على أن المفرد يحل بالطواف والسعي ما لم يجدّد التلبية بما رواه في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أريد الجواز فكيف أصنع؟ قال : « إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج إلى الجعرانة فأحرم منها بالحج » فقلت له : كيف أصنع إذا دخلت مكة ، أقيم إلى يوم التروية ولا أطوف بالبيت؟ فقال : « تقيم عشرا لا تأتي الكعبة ، إنّ عشرا لكثير ، إن البيت ليس بمهجور ، ولكن إذا دخلت فطف بالبيت واسع بين الصفا والمروة » فقلت : أليس كل من طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ؟ فقال : « إنك تعقد بالتلبية » ثم قال : « كلما طفت طوافا وصلّيت ركعتين فاعقد بالتلبية » (٤).

وفي الموثق ، عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « من طاف بالبيت وبالصفا والمروة أحلّ أحبّ أو كره » (٥).

وفي الحسن ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : وسألته عن المفرد للحج ، هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة؟ قال : « نعم ما شاء ، ويجدد التلبية بعد الركعتين ، والقارن بتلك المنزلة يعقدان ما أحلاّ من الطواف بالتلبية » (٦).

قال الشيخ في التهذيب : قال محمد بن الحسن : وفقه هذا الحديث أنه قد رخّص للقارن والمفرد أن يقدّما طواف الزيارة قبل الوقوف بالموقفين ،

__________________

(١) السرائر : ١٢٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٩٦ ، المختصر النافع : ٨٠.

(٣) المختلف : ٢٦٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٥ ـ ١٣٧ ، الوسائل ٨ : ٢٠٦ أبواب أقسام الحج ب ١٦ ح ١.

(٥) التهذيب ٥ : ٤٤ ـ ١٣٢ ، الوسائل ٨ : ١٨٤ أبواب أقسام الحج ب ٥ ح ٥.

(٦) التهذيب ٥ : ٤٤ ـ ١٣١ ، الوسائل ٨ : ٢٠٦ أبواب أقسام الحج ب ١٦ ح ٢.

٢٠٠