مدارك الأحكام - ج ٧

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٧

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

______________________________________________________

عليه‌السلام قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : قول الله عزّ وجلّ في كتابه : ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) فقال : « يعني أهل مكة ليس عليهم متعة ، كل من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلا ، ذات عرق وعسفان كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية ، وكل من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة » (١).

وذكر في القاموس أن عسفان كعثمان موضع على مرحلتين من مكة (٢). وذات عرق موضع بالبادية ميقات العراقيين.

ويشهد لهذا القول أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبيد الله الحلبي وسليمان بن خالد وأبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ليس لأهل مكة ولا لأهل مرّ ولا لأهل سرف متعة ، وذلك لقول الله عزّ وجلّ ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (٣) قال في المعتبر : ومعلوم أن هذه المواضع أكثر من اثني عشر ميلا (٤). قلت : ذكر في القاموس أن بطن مرّ موضع من مكة على مرحلة (٥). وسرف ككتف موضع قرب التنعيم (٦).

وفي الصحيح ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في حاضري المسجد الحرام قال : « ما دون الأوقات إلى مكة » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣ ـ ٩٨ ، الإستبصار ٢ : ١٥٧ ـ ٥١٦ ، الوسائل ٨ : ١٨٧ أبواب أقسام الحج ب ٦ ح ٣.

(٢) القاموس المحيط ٣ : ١٨١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٢ ـ ٩٦ ، الإستبصار ٢ : ١٥٧ ـ ٥١٤ ، الوسائل ٨ : ١٨٦ أبواب أقسام الحج ب ٦ ح ١.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٨٥.

(٥) القاموس المحيط ٢ : ١٣٨.

(٦) القاموس المحيط ٣ : ١٥٦.

(٧) التهذيب ٥ : ٤٧٦ ـ ١٦٨٣ ، الوسائل ٨ : ١٨٧ أبواب أقسام الحج ب ٦ ح ٥.

١٦١

______________________________________________________

وعن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال في حاضري المسجد الحرام قال : « ما دون المواقيت إلى مكة فهو حاضري المسجد الحرام ، وليس لهم متعة » (١).

وقد ذكر العلاّمة في موضع من التذكرة أن أقرب المواقيت إلى مكة ذات عرق ، وهي مرحلتان من مكة (٢). وقال في موضع آخر : إن قرن المنازل ويلملم والعقيق على مسافة واحدة ، بينها وبين مكة ليلتان قاصدتان (٣).

ولم نقف للشيخ ـ رحمه‌الله ـ في اعتبار الاثنى عشر ميلا على مستند ، وقد اعترف بذلك المصنف في المعتبر والشهيد في الدروس (٤). وقال في المختلف : وكأن الشيخ نظر إلى توزيع الثمانية والأربعين من الأربع جوانب فكان قسط كل جانب ما ذكرناه (٥). وليس بجيد ، لأن دخول ذات عرق وعسفان في حاضري مكة ينافي ذلك.

وبالجملة فرواية زرارة صحيحة السند واضحة الدلالة وليس لها معارض يعتدّ به فيتعين العمل بها ، نعم روى الكليني في الحسن ، عن حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في قول الله عزّ وجلّ ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) قال : « من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها ، وثمانية عشر ميلا خلفها ، وثمانية عشر ميلا عن يمينها ، وثمانية عشر ميلا عن يسارها ، فلا متعة له ، مثل مرّ وأشباهها » (٦).

ويمكن الجمع بينها وبين صحيحة زرارة المتقدمة بالحمل على أن من‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣ ـ ٩٩ ، الإستبصار ٢ : ١٥٨ ـ ٥١٧ ، الوسائل ٨ : ١٨٧ أبواب أقسام الحج ب ٦ ح ٤.

(٢) التذكرة ١ : ٣٢٠.

(٣) التذكرة ١ : ٣٢٢.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٨٤ ، الدروس : ٩١.

(٥) المختلف : ٢٠٦.

(٦) الكافي ٤ : ٣٠٠ ـ ٣ ، الوسائل ٨ : ١٨٨ أبواب أقسام الحج ب ٦ ح ١٠.

١٦٢

فإن عدل هؤلاء إلى القران أو الإفراد في حجة الإسلام اختيارا لم يجز ، ويجوز مع الاضطرار.

______________________________________________________

بعد ثمانية عشر ميلا كان مخيرا بين الإفراد والتمتع ، ومن بعد بالثمانية والأربعين تعين عليه التمتع والله أعلم.

قوله : ( فإن عدل هؤلاء إلى القران أو الإفراد في حجة الإسلام اختيارا لم يجز ، ويجوز مع الاضطرار ).

أما عدم جواز العدول لهؤلاء إلى القران أو الإفراد في حجة الإسلام مع الاختيار فقال المصنف في المعتبر (١) والعلاّمة في جملة من كتبه (٢) : إنه قول علمائنا أجمع. لأن فرضهم التمتع على ما بيّنّاه فيما سبق ، فيجب أن لا يجزيهم غيره لإخلالهم بما فرض عليهم.

وأما جوازه مع الاضطرار كضيق الوقت عن الإتيان بأفعال العمرة قبل الوقوف أو حصول الحيض المانع من ذلك فيدل عليه روايات : منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن صفوان بن يحيى وابن أبي عمير وفضالة ، عن جميل بن دراج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية ، قال : « تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة ثم تقيم حتى تطهر فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة » ثم قال ابن أبي عمير : كما صنعت عائشة (٣).

واعلم أن الشيخ في كتابي الأخبار (٤) ، والمصنف في المعتبر (٥) ،

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٨٣.

(٢) التذكرة ١ : ٣١٧ ، والمنتهى ٢ : ٦٥٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٩٠ ـ ١٣٦٣ ، الوسائل ٨ : ٢١٤ أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ٢ ، وأورد صدر الحديث في الفقيه ٢ : ٢٤٠ ـ ١١٤٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٣١ ، والاستبصار ٢ : ١٥٥.

(٥) المعتبر ٢ : ٧٩٠.

١٦٣

______________________________________________________

والعلاّمة في جملة من كتبه (١) ، والشهيد في الدروس (٢) صرّحوا بأن من أراد التطوع بالحج كان مخيّرا بين الأنواع الثلاثة ، لكن التمتع أفضل. ويدل على ذلك روايات كثيرة : منها صحيحة زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « المتعة والله أفضل ، وبها نزل القرآن وجرت السنّة » (٣).

وصحيحة أبي أيوب إبراهيم بن عيسى ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أيّ أنواع الحج أفضل فقال : « المتعة ، وكيف يكون شيئا أفضل منها ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لو استقبلت من أمري ما استدبرت فعلت كما فعل الناس! » (٤).

وصحيحة عبد الله بن سنان قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني قرنت العام وسقت الهدي فقال : « ولم فعلت ذلك؟! التمتع والله أفضل ، لا تعودن » (٥).

وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام في السنة التي حجّ فيها وذلك سنة اثنتي عشرة ومائتين فقلت : جعلت فداك بأيّ شي‌ء دخلت مكة ، مفردا أو متمتعا؟ فقال : « متمتعا » فقلت : أيما أفضل التمتع بالعمرة إلى الحج أو من أفرد وساق الهدي؟ فقال : « كان أبو جعفر عليه‌السلام يقول : التمتع بالعمرة إلى الحج أفضل من المفرد السائق للهدي ، وكان يقول : ليس يدخل الحاج بشي‌ء أفضل من‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٦٢.

(٢) الدروس : ٩١.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٩ ـ ٨٨ ، الإستبصار ٢ : ١٥٤ ـ ٥٠٦ ، الوسائل ٨ : ١٨٠ أبواب أقسام الحج ب ٤ ح ١٥.

(٤) الكافي ٤ : ٢٩١ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٠٤ ـ ٩٣٥ ، التهذيب ٥ : ٢٩ ـ ٨٩ ، الإستبصار ٢ : ١٥٤ ـ ٥٠٧ ، الوسائل ٨ : ١٨٠ أبواب أقسام الحج ب ٤ ح ١٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٩ ـ ٩٠ ، الإستبصار ٢ : ١٥٤ ـ ٥٠٨ ، الوسائل ٨ : ١٨٠ أبواب أقسام الحج ب ٤ ح ١٧.

١٦٤

وشروطه أربعة : النيّة.

______________________________________________________

المتعة » (١).

وصحيحة معاوية بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ونحن بالمدينة : إني اعتمرت عمرة في رجب وأنا أريد الحج ، فأسوق الهدي أو أفرد أو أتمتع؟ فقال : « في كل فضل وكل حسن » قلت : وأيّ ذلك أفضل؟ فقال : « إن عليّا عليه‌السلام كان يقول : لكل شهر عمرة ، تمتّع فهو والله أفضل » (٢).

ورواية عبد الملك بن عمرو : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن التمتع فقال : « تمتع » قال : فقضي أنه أفرد الحج في ذلك العام أو بعده فقلت : أصلحك الله سألتك فأمرتني بالتمتع وأراك قد أفردت الحج؟! فقال : « أما والله إن الفضل لفي الذي أمرتك به ، ولكني ضعيف فشقّ عليّ طوافان بين الصفا والمروة فلذلك أفردت » (٣) والأخبار الواردة بذلك أكثر من أن تحصى.

قوله : ( وشروطه أربعة : النية ).

صرح المصنف في المعتبر بأن المراد بالنية هنا نية إحرام العمرة (٤). وهو جيد ، إلاّ أنه سيأتي في باب الإحرام التصريح بوجوبها (٥) ، وهو مغن عن ذكرها هنا. وذكر الشارح أن ظاهر الأصحاب المراد بهذه النية نية الحج‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٩٢ ـ ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٠ ـ ٩٢ ، الإستبصار ٢ : ١٥٥ ـ ٥١٠ ، الوسائل ٨ : ١٧٦ أبواب أقسام الحج ب ٤ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٢٩٣ ـ ١٥ ، التهذيب ٥ : ٣١ ـ ٩٤ ، الإستبصار ٢ : ١٥٦ ـ ٥١٢ ، الوسائل ٨ : ١٨٠ أبواب أقسام الحج ب ٤ ح ١٨.

(٣) الكافي ٤ : ٢٩٢ ـ ١٢ ، التهذيب ٥ : ٢٨ ـ ٨٤ ، الإستبصار ٢ : ١٥٣ ـ ٥٠٢ ، الوسائل ٨ : ١٧٩ أبواب أقسام الحج ب ٤ ح ١٠.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٨١.

(٥) في ص ٢٥٧.

١٦٥

ووقوعه في أشهر الحج ، وهي : شوال وذو القعدة وذو الحجة ، وقيل : وعشرة من ذي الحجة ، وقيل : وتسعة من ذي الحجة ، وقيل : إلى طلوع الفجر من يوم النحر. وضابط وقت الإنشاء ما يعلم أنه يدرك المناسك.

______________________________________________________

بجملته (١). ونقل عن سلاّر التصريح بذلك (٢). ومقتضاه أنه يجب الجمع بين هذه النية وبين نية كل فعل من أفعال الحج على حدة ، وهو غير واضح ، والأخبار خالية من ذلك كله ، وقد بيّنّا الوجه في ذلك مرارا.

قوله : ( ووقوعه في أشهر الحج ، وهي : شوّال وذو القعدة وذو الحجة ، وقيل : وعشرة من ذي الحجة ، وقيل : وتسعة من ذي الحجة. وقيل : وإلى طلوع الفجر من يوم النحر. وضابط وقت الإنشاء ما يعلم أنه يدرك المناسك ).

اختلف الأصحاب وغيرهم في أشهر الحج ، فقال الشيخ في النهاية : هي شوّال وذو القعدة وذو الحجة (٣). وبه قال ابن الجنيد (٤). ورواه الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه (٥).

وقال المرتضى (٦) وسلاّر (٧) وابن أبي عقيل (٨) : شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.

__________________

(١) المسالك ١ : ١٠٠.

(٢) الموجود في المسالك ١ : ١٠٠ ، قوله ويظهر من سلار في الرسالة أن المراد بها نية الخروج ، انتهى ، ويمكن أن تكون في النسخة التي عنده من المسالك : الحج ، عوض الخروج ، كما نبه على ذلك في الحدائق ١٤ : ٣٥٢ والجواهر ١٨ : ١١ ، والموجود في المراسم : ١٠٤. قوله : فالفعل النية والدعاء المرسوم عند الخروج من المنزل.

(٣) النهاية : ٢٠٧.

(٤) نقله عنه في المختلف : ٢٦٠.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٧٤ و ٢٧٧.

(٦) نقله عنه في المختلف : ٢٦٠.

(٧) المراسم : ١٠٤.

(٨) نقله عنه في المختلف : ٢٦٠.

١٦٦

______________________________________________________

وقال الشيخ في الجمل (١) وابن البراج (٢) : وتسعة من ذي الحجة (٣).

وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : إلى طلوع الفجر من يوم النحر (٤).

وقال ابن إدريس : وإلى طلوع الشمس من يوم النحر (٥).

قال العلاّمة في المنتهى : وليس يتعلق بهذا الاختلاف حكم (٦).

وقال في المختلف : التحقيق أن هذا نزاع لفظي ، فإنهم إن أرادوا بأشهر الحج ما يفوت الحج بفواته ، فليس كما ذي الحجة من أشهره ، لما يأتي من فوات الحج دونه على ما يأتي تحقيقه ، وإن أرادوا بها ما يقع فيه أفعال الحج فهي ثلاثة كملا ، لأن باقي المناسك يقع في كمال ذي الحجة فقد ظهر أن النزاع لفظي (٧). وهو حسن ، إذ لا خلاف في فوات الإنشاء بعدم التمكن من إدراك المشعر قبل زوال يوم النحر ، كما أنه لا خلاف في وقوع بعض أفعال الحج كالطوافين والسعي والرّمي في ذي الحجة بأسره.

وقد ظهر من ذلك أن هذا الاختلاف لا يترتب عليه حكم ، وأن النزاع في هذه المسألة يرجع إلى تفسير هذا اللفظ وهو أشهر الحج ، والظاهر إطلاقها على مجموع الثلاثة حقيقة ، لأنها أقل الجمع ، ولما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن الله‌

__________________

(١) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٦.

(٢) المهذب ١ : ٢١٣.

(٣) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٤) المبسوط ١ : ٣٠٨ ، والخلاف ١ : ٤١٧.

(٥) السرائر : ١٢٢.

(٦) المنتهى ٢ : ٦٦٤.

(٧) المختلف : ٢٦٠.

١٦٧

وأن يأتي بالحج والعمرة في سنة واحدة.

______________________________________________________

تعالى يقول ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) (١) وهي شوّال وذو القعدة وذو الحجة » (٢) ونحوه روى زرارة في الحسن ، عن الباقر عليه‌السلام (٣).

إذا تقرر ذلك فنقول : إنه يعتبر في الحج وقوع أفعاله في هذه الأشهر إجماعا ، لقوله تعالى ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) وتقديره : وقت الحج أو أشهر الحج ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وإذا كان هذا الزمان وقتا للحج لم يجز تقديمه عليه كما لا يجوز تأخيره عنه ، ويدل عليه روايات : منها رواية زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) : شوّال وذو القعدة وذو الحجة ، ليس لأحد أن يحرم بالحج في سواهنّ » (٤).

قوله : ( وأن يأتي بالحج والعمرة في سنة واحدة ).

هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء ، ويدل عليه التأسّي ، وقوله عليه‌السلام : « دخلت العمرة في الحج » (٥) فكما يعتبر وقوع أفعال الحج كلها في العام الواحد ، فكذا العمرة. ولو بقي على إحرامه بالعمرة من غير إتمام الأفعال إلى القابل لم يجز التمتع بها ، واحتمل في الدروس الإجزاء ثم قال : ولو قلنا إنه صار معتمرا بمفردة بعد خروج أشهر الحج ولما يحل لم يجز (٦). وهو جيد.

__________________

(١) البقرة : ١٩٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٤٥ ـ ١٥٥٠ ، الوسائل ٨ : ١٩٦ أبواب أقسام الحج ب ١١ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٢٨٩ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٥١ ـ ١٥٥ ، الإستبصار ٢ : ١٦١ ـ ٥٢٧ ، الوسائل ٨ : ١٩٦ أبواب أقسام الحج ب ١١ ح ٥.

(٤) الكافي ٤ : ٢٨٩ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٥١ ـ ١٥٥ ، الإستبصار ٢ : ١٦١ ـ ٥٢٧ ، الوسائل ٨ : ١٩٦ أبواب أقسام الحج ب ١١ ح ٥.

(٥) الكافي ٤ : ٢٤٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٥٤ ـ ١٥٨٨ ، الوسائل ٨ : ١٦٨ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤ ، ٢٧ ، ٣٣.

(٦) الدروس : ٩٤.

١٦٨

وأن يحرم بالحج له من بطن مكة ، وأفضلها المسجد وأفضله المقام.

ولو أحرم بالعمرة المتمتّع بها في غير أشهر الحج لم يجز له التمتع بها ، وكذا لو فعل بعضها في أشهر الحج ، ولم يلزمه الهدي.

______________________________________________________

قوله : ( وأن يحرم بالحج له من بطن مكة ، وأفضلها المسجد ، وأفضله المقام ).

المراد ببطن مكة ما دخل عن شي‌ء من بنائها. وقد أجمع العلماء كافة على أن ميقات حج التمتع مكة ، ويدل عليه روايات : منها صحيحة عمرو بن حريث الصيرفي قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : من أين أهلّ بالحج؟ فقال : « إن شئت من رحلك ، وإن شئت من الكعبة ، وإن شئت من الطريق » (١).

وأفضل مكة المسجد اتفاقا ، وأفضل المسجد مقام إبراهيم عليه‌السلام ، أو الحجر ، كما يدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمّار : « إذا كان يوم التروية إن شاء الله فاغتسل ، ثم البس ثوبيك ، وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار ، ثم صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام أو في الحجر ، ثم اقعد حتى تزول الشمس ، فصلّ المكتوبة ، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة ، فأحرم بالحج » (٢).

قوله : ( ولو أحرم بالعمرة المتمتع بها في غير أشهر الحج لم يجز له التمتع بها ، وكذا لو فعل بعضها في أشهر الحج ، ولم يلزمه الهدي ).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٥٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ١٦٦ ـ ٥٥٥ ، الوسائل ٨ : ٢٤٦ أبواب المواقيت ب ٢١ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٤٥٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٦٧ ـ ٥٥٧ ، الوسائل ٨ : ٢٤٦ أبواب المواقيت ب ٢١ ح ١.

١٦٩

______________________________________________________

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، ويدل عليه روايات : منها‌ صحيحة عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام إنه قال : « ليس تكون متعة إلاّ في أشهر الحج » (١).

وردّ المصنف بقوله : وكذا لو فعل بعضها في أشهر الحج ، على العامة حيث ذهب بعضهم إلى الاكتفاء بوقوع التحلل من العمرة في أشهر الحج (٢). وذهب بعض آخر إلى أن من أتى بأكثر أفعال العمرة في أشهر الحج صار متمتعا (٣). ولا ريب في بطلانهما.

ومتى لم يصح التمتع بالعمرة انتفى لزوم الهدي ، لأنه من توابعه (٤).

وربما لاح من العبارة أن من أحرم بالعمرة المتمتع بها في غير أشهر الحج تقع عمرته صحيحة لكن لا يتمتع بها ، وبه جزم العلاّمة في التذكرة والمنتهى من غير نقل خلاف (٥) ، بل صرّح في المنتهى بما هو أبلغ من ذلك فقال : إن من أحرم بالحج في غير أشهر الحج لم ينعقد إحرامه للحج وانعقد للعمرة (٦). واستدل عليه بما رواه ابن بابويه ، عن أبي جعفر الأحول ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل فرض الحج في غير أشهر الحج قال : « يجعلها عمرة » (٧) وهي لا تدل على المطلوب صريحا ، لاحتمال أن يكون المراد منها أن من أراد فرض الحج في غير أشهره لا يقع حجه صحيحا ، بل ينبغي أن يجعل النسك الذي يريد فعله عمرة.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٣٥ ـ ١٥١٣ ، الوسائل ٨ : ٢٠٥ أبواب أقسام الحج ب ١٥ ح ١.

(٢) نقله القرطبي عن مالك في جامع أحكام القرآن ٢ : ٣٩٧ ، وابن رشد في بداية المجتهد ١ : ٣٣٤.

(٣) نقله عن الشافعي في بداية المجتهد ١ : ٣٣٤.

(٤) في « ح » زيادة : فحيث لم يقع لم يلزم.

(٥) التذكرة ١ : ٣١٩ ، والمنتهى ٢ : ٦٦٥.

(٦) المنتهى ٢ : ٦٦٥.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٧٨ ـ ١٣٦١ ، الوسائل ٨ : ١٩٧ أبواب أقسام الحج ب ١١ ح ٧.

١٧٠

والإحرام من الميقات مع الاختيار. ولو أحرم بحج التمتع من غير مكة لم يجزه. ولو دخل مكة بإحرامه على الأشبه ، ووجب استئنافه منها. ولو تعذر ذلك ، قيل : يجزيه ، والوجه أنه يستأنفه حيث أمكن ، ولو بعرفة ، إن لم يتعمد ذلك.

______________________________________________________

والأصح عدم الصحة مطلقا ، أما عن المنوي فلعدم حصول شرطه ، وأما عن غيره فلعدم نيته ، ونية المقيد لا تستلزم نية المطلق كما بيناه مرارا.

قوله : ( والإحرام من الميقات مع الاختيار. ولو أحرم بحج التمتع من غير مكة لم يجزه. ولو دخل مكة بإحرامه على الأشبه ، ووجب استئنافه منها ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، وبه قطع في المعتبر من غير نقل خلاف (١). وأسنده العلاّمة في التذكرة والمنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه (٢).

وربما أشعرت عبارة المصنف بوقوع الخلاف فيه ، ونقل الشارح ـ قدس‌سره ـ عن شارح ترددات الكتاب أنه أنكر ذلك ، ونقل عن شيخه أن المصنف قد يشير في كتابه إلى خلاف الجمهور أو إلى ما يختاره من غير أن يكون خلافه مذهبا لأحد من الأصحاب فيظن أن فيه خلافا (٣).

وكيف كان فالخلاف في هذه المسألة إن تحقق فهو ضعيف جدا ، لأن الإحرام بحج التمتع من غير مكة يقع فاسدا ، فلا يكون المرور على الميقات كافيا ما لم يجدد الإحرام منه ، لأن الإحرام الأول غير منعقد ، فيكون مروره بالميقات جاريا مجرى مرور المحلّ به كما هو ظاهر.

قوله : ( ولو تعذر ذلك قيل : يجزيه ، والوجه أنه يستأنفه حيث أمكن ولو بعرفة إن لم يتعمد ذلك ).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٨١.

(٢) التذكرة ١ : ٣٢٠ ، والمنتهى ٢ : ٦٦٧.

(٣) المسالك ١ : ١٠٠.

١٧١

وهل يسقط الدم والحال هذه؟ فيه تردد.

______________________________________________________

القول بالإجزاء للشيخ‌ في الخلاف (١). وهو ضعيف جدا ، والأصح ما استوجهه المصنف من البطلان مع العمد والاستئناف من حيث أمكن مع الجهل أو النسيان ، أما الأول فلعدم تحقق الامتثال المقتضي لبقاء المكلف تحت العهدة ، وأما الثاني فلصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكره وهو بعرفات ما حاله؟ قال : « يقول : اللهم على كتابك وسنة نبيك ، فقد تمّ إحرامه ، فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده إن كان قضى مناسكه كلها فقد تمّ حجه » (٢).

قوله : ( وهل يسقط الدم والحال هذه؟ فيه تردد ).

المراد بالدم هنا هدي التمتع. وقوله : والحال هذه ، الظاهر تعلقه بمن استأنف الإحرام حيث أمكن للعذر ، إذ لا يمكن تعلقه بأصل المسألة أعني من أحرم بحج التمتع من غير مكة مع الاختيار ، فإن من هذا شأنه يقع إحرامه باطلا ، فلا وجه للتردد في سقوط هدي التمتع عنه ، لأن الحج الفاسد لا يجب فيه هدي. ومع ذلك فلا وجه للتردد في سقوط الهدي عمن أحرم من غير مكة للعذر ، لأن هدي التمتع عندنا نسك كغيره من أفعال الحج لا تعلق له بالإحرام.

نعم ذهب بعض العامة إلى أنه جبران لما فات في إحرام حج التمتع من الإحرام من الميقات (٣). وهو ظاهر اختيار الشيخ في المبسوط (٤). وعلى هذه فيمكن سقوط الدم في المسألة المفروضة إذا اتفق حصول الإحرام من الميقات اضطرارا أو مرّ عليه محرما ، أما سقوطه بمجرد الإحرام من غير مكة‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤٢٠.

(٢) التهذيب ٥ : ١٧٥ ـ ٥٨٦ ، الوسائل ٨ : ٢٣٩ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٨.

(٣) كالفيروزآبادي في المهذب ١ : ٢٠١.

(٤) المبسوط ١ : ٣٠٧.

١٧٢

ولا يجوز للمتمتع الخروج من مكة حتى يأتي بالحج ، لأنه صار مرتبطا به ، إلا على وجه لا يفتقر إلى تجديد عمرة.

______________________________________________________

فلا وجه له أصلا ، لكن لما كان الإحرام من غير مكة شاملا بإطلاقه لما إذا حصل من الميقات أمكن إطلاق التردد فيه بالنظر إلى بعض أفراده.

ولقد أحسن الشهيد في الدروس حيث قال في هذه المسألة : ولا يسقط عنه دم التمتع ولو أحرم من ميقات المتعة (١). فزاد على المسألة المفروضة ذكر موضع النزاع ، ومراده بمن أحرم من ميقات المتعة من أحرم كذلك اضطرارا ، للقطع بأن من أحرم منه اختيارا لا ينعقد إحرامه كما بيّنّاه.

قوله : ( ولا يجوز للمتمتع الخروج من مكة حتى يأتي بالحج ، لأنه صار مرتبطا به ، إلاّ على وجه لا يفتقر إلى تجديد عمرة ).

المراد بالوجه الذي لا يفتقر إلى تجديد عمرة أن يخرج منها محرما أو يرجع قبل شهر كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله ، وما اختاره المصنف من تحريم الخروج المحوج إلى تجديد العمرة على المتمتع هو المشهور بين الأصحاب ، وحكى الشهيد في الدروس عن الشيخ في النهاية وجماعة أنهم أطلقوا المنع من الخروج من مكة للمتمتع ، لارتباط عمرة التمتع بالحج ثم قال : ولعلهم أرادوا الخروج المحوج إلى عمرة أخرى كما قال في المبسوط ، أو الخروج لا بنية العود (٢).

وقال ابن إدريس : لا يحرم ذلك مطلقا بل يكره ، لأنه لا دليل على حظر الخروج من مكة بعد الإحلال من العمرة (٣).

وقال الشيخ في التهذيب : ولا ينبغي للمتمتع بالعمرة إلى الحج أن يخرج من مكة قبل أن يقضي مناسكه كلها إلاّ لضرورة ، فإن اضطرّ إلى‌

__________________

(١) الدروس : ٩٤.

(٢) الدروس : ٩٣.

(٣) السرائر : ١٥٠.

١٧٣

______________________________________________________

الخروج خرج إلى حيث لا يفوته الحج ويخرج محرما بالحج ، فإن أمكنه الرجوع إلى مكة وإلاّ مضى إلى عرفات (١). والظاهر أن مراده ـ رحمه‌الله ـ بقوله : ولا ينبغي ، التحريم ، ومقتضاه عدم جواز الخروج من مكة للمتمتع بعد قضاء عمرته إلاّ محرما بالحج ، وهو المعتمد.

لنا : ما رواه الشيخ في الحسن ، عن حمّاد بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج ، فإن عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق خرج محرما ودخل ملبّيا بالحج فلا يزال على إحرامه ، فإن رجع إلى مكة رجع محرما ولم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس إلى منى » قلت : فإن جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام ثم رجع في إبّان الحج في أشهر الحج يريد الحج ، أيدخلها محرما أو بغير إحرام؟ فقال : « إن رجع في شهره دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر دخل محرما » قلت : فأيّ الإحرامين والمتعتين متعة الأولى أو الأخيرة؟ قال : « الأخيرة هي عمرته ، وهي المحتبس بها التي وصلت بحجته » (٢).

وفي الحسن ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل قضي متعته وعرضت له حاجة وأراد أن يمضي إليها قال ، فقال : « فليغتسل للإحرام وليهلّ بالحج وليمض في حاجته ، فإن لم يقدر على الرجوع إلى مكة مضى إلى عرفات » (٣).

وفي الحسن ، عن الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتمتع بالعمرة إلى الحج يريد الخروج إلى الطائف قال : « يهلّ بالحج من مكة ، وما أحبّ أن يخرج منها إلاّ محرما ، ولا يجاوز الطائف إنها قريبة‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٦٣.

(٢) التهذيب ٥ : ١٦٣ ـ ٥٤٦ ، الوسائل ٨ : ٢١٩ أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٦.

(٣) الكافي ٤ : ٤٤٣ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ١٦٤ ـ ٥٤٨ ، الوسائل ٨ : ٢١٨ أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٤.

١٧٤

ولو جدّد عمرة تمتع بالأخيرة.

ولو دخل بعمرته إلى مكة وخشي ضيق الوقت جاز له نقل النيّة إلى الإفراد ، وكان عليه عمرة مفردة.

______________________________________________________

من مكة » (١).

ويستفاد من إطلاق هذه الروايات أن من أكمل عمرة التمتع المندوبة يجب عليه الحج كما نصّ عليه الشيخ (٢) وجمع من الأصحاب ، ويؤيده قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « دخلت العمرة في الحج هكذا » وشبك بين أصابعه (٣). ويحتمل عدم الوجوب ، لأنهما نسكان متغايران. وهو ضعيف.

قوله : ( ولو جدّد عمرة تمتع بالأخيرة ).

المراد أنه لو خرج على وجه يفتقر إلى تجديد العمرة ، بأن خرج محلاّ وعاد بعد خروج الشهر فجدّد صارت الثانية عمرة التمتع وتصير الأولى مفردة ، ويدل عليه قوله عليه‌السلام في حسنة حمّاد المتقدمة : « الأخيرة هي عمرته ، وهي المحتبس بها التي وصلت بحجته ».

وهل تفتقر الأولى إلى استدراك طواف النساء؟ وجهان : من أن مقتضى إفرادها ذلك ، ومن تحقق الخروج من أفعال العمرة سابقا وحلّ النساء منها بالتقصير فلا يعود التحريم ، ولعل الثاني أرجح.

قوله : ( ولو دخل بعمرته إلى مكة وخشي ضيق الوقت جاز له نقل النية إلى الإفراد ، وكان عليه عمرة مفردة ).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤٣ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٦٤ ـ ٥٤٧ ، الوسائل ٨ : ٢١٩ أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٧.

(٢) المبسوط ١ : ٣٠٤.

(٣) الكافي ٤ : ٢٤٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٥٤ ـ ١٥٨٨ ، الوسائل ٨ : ١٥٠ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤.

١٧٥

______________________________________________________

أما جواز العدول إلى الإفراد مع ضيق الوقت فلا خلاف فيه بين‌ الأصحاب ، وإنما الخلاف في حدّ الضيق ، فقال المفيد ـ رحمه‌الله ـ في المقنعة : من دخل مكة يوم التروية وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة فأدرك ذلك قبل مغيب الشمس أدرك المتعة ، وإذا غابت الشمس قبل أن يفعل ذلك فلا متعة له ، فليقم على إحرامه ويجعلها حجة مفردة (١).

وقال عليّ بن بابويه : تفوت المتعة المرأة إذا لم تطهر حين تزول الشمس من يوم التروية. وهو منقول عن المفيد أيضا (٢).

وقال الشيخ في النهاية : فإن دخل مكة يوم عرفة جاز له أن يتحلل أيضا ما بينه وبين زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فقد فاتته العمرة ، وكانت حجته مفردة (٣). وإلى هذا القول ذهب ابن الجنيد (٤) وابن حمزة (٥) وابن البراج (٦).

وقال ابن إدريس : تبقى المتعة ما لم يفت اضطراري عرفة (٧). واستقرب العلاّمة في المختلف اعتبار اختياري عرفة (٨). وقوّاه في الدروس (٩).

الأصح ما اختاره الشيخ في النهاية من فوات المتعة بزوال الشمس من يوم عرفة.

__________________

(١) المقنعة : ٦٧.

(٢) نقله عن المفيد في السرائر : ١٣٧. وعن علي بن بابويه في المختلف : ٢٩٤. والدروس : ٩٢.

(٣) النهاية : ٢٤٧.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٢٩٤.

(٥) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٩١.

(٦) المهذب ١ : ٢٤٣.

(٧) السرائر : ١٣٧.

(٨) المختلف : ٢٩٥.

(٩) الدروس : ٩٣.

١٧٦

______________________________________________________

لنا : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة ، وله الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر » (١) وهو نص في المطلوب.

وتشهد له حسنة الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أهلّ بالحج والعمرة جميعا ثم قدم مكة والناس بعرفات ، فخشي إن هو طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته الموقف فقال : « يدع العمرة ، فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة ، ولا هدي عليه » (٢).

وقد ورد في بعض الروايات أنه يعتبر في صحة المتعة إدراك الناس بمنى ، كصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « المتمتع يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ما أدرك الناس بمنى » (٣).

وورد في بعض آخر توقيت المتعة بغروب الشمس يوم التروية ، كصحيحة عيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتمتع يقدم مكة يوم التروية صلاة العصر ، تفوته المتعة؟ فقال : « لا ما بينه وبين غروب الشمس » (٤).

وورد في بعض آخر إن آخر وقت المتعة سحر ليلة عرفة ، كصحيحة محمد بن مسلم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إلى متى يكون للحاج‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٧١ ـ ٥٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٧ ـ ٨٦٤ ، الوسائل ٨ : ٢١٣ أبواب أقسام الحج ب ٢٠ ح ١٥.

(٢) التهذيب ٥ : ١٧٤ ـ ٥٨٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٠ ـ ٨٧٩ ، الوسائل ٨ : ٢١٥ أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ٦.

(٣) التهذيب ٥ : ١٧٠ ـ ٥٦٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٦ ـ ٨٦٠ ، الوسائل ٨ : ٢١٢ أبواب أقسام الحج ب ٢٠ ح ٨.

(٤) التهذيب ٥ : ١٧٢ ـ ٥٧٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٨ ـ ٨٦٩ ، الوسائل ٨ : ٢١٢ أبواب أقسام الحج ب ٢٠ ح ١٠.

١٧٧

وكذا الحائض والنفساء إذا منعهما عذرهما عن التحلل وإنشاء الإحرام بالحج لضيق الوقت عن التربص.

______________________________________________________

عمرة؟ قال ، فقال : « إلى السحر من ليلة عرفة » (١).

قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في التهذيب ـ ونعم ما قال ـ : والمتمتع بالعمرة إلى الحج تكون عمرته تامة ما أدرك الموقفين سواء كان ذلك يوم التروية أو ليلة عرفة أو يوم العرفة إلى بعد زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس من يوم عرفة فقد فاتت المتعة ، لأنه لا يمكنه أن يلحق الناس بعرفات والحال كما وصفناه ، إلا أن مراتب الناس تتفاضل في الفضل والثواب فمن أدرك يوم التروية عند زوال الشمس يكون ثوابه أكثر ومتعته أكمل ممن لحق بالليل ، ومن أدرك بالليل يكون ثوابه دون ذلك وفوق من يلحق يوم عرفة إلى بعد الزوال ، والأخبار التي وردت في أن من لم يدرك يوم التروية فقد فاتته المتعة المراد بها فوات الكمال الذي يرجوه بلحوقه يوم التروية ، وما تضمنت من قولهم عليهم‌السلام : « ويجعلها حجة مفردة » فالإنسان بالخيار في ذلك بين أن يمضي المتعة وبين أن يجعلها حجة مفردة إذا لم يخف فوت الموقفين وكانت حجته غير حجة الإسلام التي لا يجوز فيها الإفراد مع الإمكان حسب ما بيّنّاه ، وإنما يتوجه وجوبها والحتم على أن تجعل حجة مفردة لمن غلب على ظنه أنه إن اشتغل بالطواف والسعي والإحلال ثم الإحرام بالحج يفوته الموقفان ، ومهما حملنا هذه الأخبار على ما ذكرناه لم نكن قد دفعنا شيئا منها (٢). وهذا كلامه ـ أعلى الله مقامه ـ وهو في غاية الجودة.

قوله : ( وكذا الحائض والنفساء إذا منعهما عذرهما عن التحلّل وإنشاء الإحرام بالحج لضيق الوقت عن التربص ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل ادعى عليه العلاّمة في المنتهى‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٧٢ ـ ٥٧٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٨ ـ ٨٧٢ ، الوسائل ٨ : ٢١٢ أبواب أقسام الحج ب ٢٠ ح ٩.

(٢) التهذيب ٥ : ١٧٠.

١٧٨

______________________________________________________

الإجماع وهذه عبارته : إذا دخلت المرأة مكة متمتعة طافت وسعت وقصّرت ثم أحرمت بالحج كما يفعل الرجل سواء ، فإن حاضت قبل الطواف لم يكن لها أن تطوف بالبيت إجماعا ، لأن الطواف صلاة ، ولأنها ممنوعة من الدخول إلى المسجد ، وتنتظر إلى وقت الوقوف بالموقفين ، فإن طهرت وتمكنت من الطواف والسعي والتقصير وإنشاء الإحرام بالحج وإدراك عرفة صحّ لها التمتع ، وإن لم تدرك ذلك وضاق عليها الوقت أو استمرّ بها الحيض إلى وقت الوقوف بطلت متعتها وصارت حجتها مفردة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع (١). ونحوه قال في التذكرة (٢). مع أن الشهيد في الدروس حكى عن عليّ بن بابويه وأبي الصلاح الحلبي وابن الجنيد قولا بأنها مع ضيق الوقت تسعى ثم تحرم بالحج وتقضي طواف العمرة مع طواف الحج (٣). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشيخ ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان بن يحيى وابن أبي عمير وفضالة ، عن جميل بن دراج قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية قال : « تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة ، ثم تقيم حتى تطهر وتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة » قال ابن أبي عمير : كما صنعت عائشة (٤).

وعن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل أن تحلّ ، متى تذهب متعتها؟ فقال : « كان جعفر عليه‌السلام يقول : زوال الشمس من يوم التروية ، وكان موسى عليه‌السلام يقول : صلاة الصبح من يوم التروية » فقلت : جعلت فداك عامة مواليك يدخلون يوم التروية ويطوفون ويسعون ثم يحرمون بالحج فقال : « زوال الشمس » فذكرت‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٥٥.

(٢) التذكرة ١ : ٣٩٩.

(٣) الدروس : ١١٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٩٠ ـ ١٣٦٣ ، الوسائل ٨ : ٢١٤ أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ٢.

١٧٩

______________________________________________________

له رواية عجلان أبي صالح فقال : « لا ، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة » فقلت : فهي على إحرامها أو تجدّد إحراما للحج؟ فقال : « لا ، هي على إحرامها » فقلت : فعليها هدي؟ فقال : « لا ، إلاّ أن تحب أن تتطوع » ثم قال : « أما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة » (١).

قال في المنتهى : وهذا الحديث كما يدل على سقوط وجوب الدم يدل على الاجتزاء بالإحرام الأول ، وأما اختلاف الإمامين عليهما‌السلام في فوات المتعة فالضابط فيه ما تقدم من أنه إذا أدركت أحد الموقفين صحّت متعتها إذا كانت قد طافت وسعت ، وإلاّ فلا ، وقد تقدم البحث فيه (٢). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وهو جيد.

ويشهد لهذا القول أيضا ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن المرأة تجي‌ء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتى تخرج إلى عرفات فقال : « تصير حجة مفردة وعليها دم أضحيتها » (٣).

حجة القول الآخر روايات ، منها ما رواه الكليني ، عن عجلان أبي صالح ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة متمتعة قدمت فرأت الدم كيف تصنع؟ قال : « تسعى بين الصفا والمروة وتجلس في بيتها ، فإن طهرت طافت بالبيت ، وإن لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء وأهلّت بالحج وخرجت إلى منى فقضت المناسك كلها ، فإذا قدمت مكة طافت بالبيت طوافين ثم سعت بين الصفا والمروة ، فإذا فعلت ذلك فقد حلّ لها كل شي‌ء ما خلا فراش زوجها » (٤) وفي معناها روايات كثيرة لكنها مشتركة‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٩١ ـ ١٣٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٣١١ ـ ١١٠٧ ، الوسائل ٨ : ٢١٦ أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ١٤.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٥٦.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٤٠ ـ ١١٤٧ ، الوسائل ٨ : ٢١٦ أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ١٣.

(٤) الكافي ٤ : ٤٤٦ ـ ٣ ، الوسائل ٩ : ٤٩٧ أبواب الطواف ب ٨٤ ح ٢.

١٨٠