مدارك الأحكام - ج ٧

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٧

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

______________________________________________________

الذي يريده المستأجر لاختلافها في الكيفية والأحكام ، وأن الأجير متى شرط عليه نوع معيّن وجب عليه الإتيان به ، لأن الإجارة إنما تعلقت بذلك المعين ، فلا يكون الآتي بغيره آتيا بما استؤجر عليه ، سواء كان أفضل مما استؤجر عليه أم لا. ويؤيد ذلك ما رواه الشيخ في الحسن ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي ـ والظاهر أنه ابن رئاب ـ : في رجل أعطى رجلا دراهم يحج بها حجة مفردة ، قال : « ليس له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج ، لا يخالف صاحب الدراهم » (١).

والرواية التي أشار إليها المصنف ـ رحمه‌الله ـ رواها الشيخ ، عن أبي بصير ، عن أحدهما عليه‌السلام : في رجل أعطى رجلا دراهم يحج عنه حجة مفردة ، أيجوز له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال : « نعم ، إنما خالف إلى الفضل (٢) » (٣) وهي ضعيفة السند باشتراك الراوي بين الثقة والضعيف ، وبمضمونها أفتى الشيخ (٤) وجماعة.

ومقتضى التعليل الواقع في الرواية اختصاص الحكم بما إذا كان المستأجر مخيرا بين الأنواع ، كالمتطوع ، وذي المنزلين المتساويين في الإقامة بمكة وناء ، وناذر الحج مطلقا ، لأن التمتع لا يجزي مع تعيّن الإفراد ، فضلا عن أن يكون أفضل منه.

وقال المصنف في المعتبر : إن هذه الرواية محمولة على حج مندوب ، والغرض به تحصيل الأجر ، فتعرف الإذن من قصد المستأجر ، ويكون ذلك‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤١٦ ـ ١٤٤٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٣ ـ ١١٤٦ ، الوسائل ٨ : ١٢٨ أبواب النيابة في الحج ب ١٢ ح ٢.

(٢) في « ض » : الأفضل.

(٣) التهذيب ٥ : ٤١٥ ـ ١٤٤٦ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٣ ـ ١١٤٥ ، الوسائل ٨ : ١٢٨ أبواب النيابة في الحج ب ١٢ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٤١٥ ، والنهاية : ٢٧٨ ، والمبسوط ١ : ٣٢٤.

١٢١

ولو شرط الحج على طريق معين لم يجز العدول إن تعلق بذلك غرض ، وقيل : يجوز مطلقا.

______________________________________________________

كالمنطوق به (١). وما ذكره جيد إن ثبت أن المقصود في هذه العقود يكون كالمنطوق به ولكنه موضع كلام.

أما ما ذكره المصنف ـ رحمه‌الله ـ هنا من حمل الرواية على ما إذا كان الحج مندوبا أو قصد المستأجر الإتيان بالأفضل ( فغير جيد ، لأن مقتضاه أن كلا من ندب الحج أو قصد المستأجر الإتيان بالأفضل ) (٢) مصحح للحكم المذكور ، ولا بد من اعتبارهما معا. ومع ذلك فتخصيص الحج بكونه مندوبا لا يظهر له وجه ، فإن ما ذكرناه من أفراد الحج الواجب مساو للندب في هذا المعنى.

ومتى جاز العدول استحق الأجير تمام الأجرة ، أما مع امتناعه فيقع الفعل عن المنوب عنه ولا يستحق الأجير شيئا ، وقد صرح بذلك جماعة ، منهم المصنف في المعتبر فقال : والذي يناسب مذهبنا أن المستأجر إذا لم يعلم منه التخيير وعلم منه إرادة التعيين يكون الأجير متبرعا بفعل ذلك النوع ، ويكون للمنوب عنه بنية النائب ، ولا يستحق أجرا ، كما لو عمل في ماله عملا بغير إذنه ، أما في الحال التي يعلم أن قصد المستأجر تحصيل الأجر لا حجا معينا فإنه يستحق الأجرة ، لأنه معلوم من قصده ، فكان كالمنطوق به (٣).

قوله : ( ولو شرط الحج على طريق معيّن لم يجز له العدول إن تعلق بذلك غرض ، وقيل : يجوز مطلقا ).

القول بالجواز مطلقا للشيخ في جملة من كتبه (٤) ، والمفيد في‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٦٩.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ض ».

(٣) المعتبر ٢ : ٧٦٩.

(٤) النهاية : ٢٧٨ ، والمبسوط ١ : ٣٢٥.

١٢٢

______________________________________________________

المقنعة (١) ، واستدل في التهذيب بما رواه في الصحيح ، عن حريز بن عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أعطى رجلا حجة يحج عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة فقال : « لا بأس ، إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجة » (٢) وهي لا تدل صريحا على جواز المخالفة ، لاحتمال أن يكون قوله : من الكوفة ، صفة لرجل ، لا صلة ليحج.

والأصح ما ذهب إليه المصنف ـ رحمه‌الله ـ من عدم جواز العدول مع تعلق الغرض بذلك الطريق المعين ، بل الأظهر عدم جواز العدول إلا مع العلم بانتفاء الغرض في ذلك الطريق ، وأنه هو وغيره سواء عند المستأجر ، ومع ذلك فالأولى وجوب الوفاء بالشرط مطلقا.

وقد قطع المصنف وغيره بصحة الحج مع المخالفة وإن تعلق الغرض بالطريق المعين ، لأنه بعض العمل المستأجر عليه وقد امتثل بفعله. ويشكل بأن المستأجر عليه الحج المخصوص ، وهو الواقع عقيب قطع المسافة المعينة ، ولم يحصل الإتيان به. نعم لو تعلق الاستيجار بمجموع الأمرين من غير ارتباط لأحدهما بالآخر اتجه ما ذكروه.

قال في التذكرة بعد أن ذكر نحو ما ذكره المصنف من جواز العدول مع عدم تعلق غرض المستأجر بتعيين الطريق : إذا عرفت هذا فإنه يجب على الأجير رد التفاوت بين الطريقين إن كان ما سلكه أسهل مما استؤجر عليه ، لأن العادة قاضية بنقصان أجرة الأسهل عن أجرة الأصعب ، وقد استؤجر للأصعب ولم يأت به ، فيتعين عليه رد التفاوت ، ولو استؤجر للسلوك بالأسهل وسلك الأصعب لم يكن له شي‌ء ، هذا إذا لم يتعلق غرض المستأجر بتعيين الطريق ، وإن تعلق غرض المستأجر بطريق معين فاستؤجر على أن يسلكه الأجير فسلك غيره فالأقرب فساد المسمى والرجوع إلى أجرة المثل ، ويجزي‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في المقنعة ، وهو موجود في التهذيب ٥ : ٤١٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٤١٥ ـ ١٤٤٥ ، الوسائل ٨ : ١٢٧ أبواب النيابة في الحج ب ١١ ح ١.

١٢٣

______________________________________________________

الحج عن المستأجر ، لأنه استؤجر على فعل وأتى ببعضه. ثم قال : ولو خالف الأجير في سلوك ما شرطه المؤجر من الطريق فأحصر لم يستحق الأجير شيئا في الموضعين (١). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وفيه نظر من وجوه :

الأول : حكمه رحمه‌الله بوجوب رد التفاوت بين الطريقين مع العلم بانتفاء تعلق غرض المستأجر بنفس الطريق غير جيد ، لأنه مع انتفاء الغرض تكون الإجارة على قولهم متناولة لكل من الطريقين ، والإذن متعلقة بهما ، فينبغي استحقاق المسمى بسلوك أيهما كان ، ولو لا ذلك لكان المتجه عدم استحقاق الأجير شيئا بسلوك غير الطريق الذي تعلق به العقد ، لأن ما استؤجر عليه لم يأت به وما أتى به لم تتناوله الإجارة. ونصّ العلامة في المختلف على وجوب رد التفاوت مع تعلق الغرض بالطريق المعين (٢). وهو بعيد جدا ، بل المتجه عدم استحقاق الأجير بسلوك غيره شيئا. وما أبعد ما بين هذا الوجه وبين ما أطلقه في المبسوط من عدم وجوب رد التفاوت بين الطريقين (٣).

الثاني : إن ما استقربه من أنه مع تعلق الغرض بالطريق المعين يصح الحج ويفسد المسمى ويثبت له بما فعله أجرة المثل غير جيد أيضا ، لأن الحج بعض العمل المستأجر عليه ، بل الركن الأعظم منه ، فمتى قلنا بصحته وإجزائه عن المنوب عنه كان اللازم منه استحقاق الأجير بنسبة ما يخصه من المسمى لا أجرة المثل.

الثالث : حكمه بأن الأجير إذا أحصر مع المخالفة لم يستحق شيئا في الموضعين غير جيد ، لأنه بدون الإحصار يستحق بسلوكه المسمى مع رد التفاوت أو أجرة المثل كما ذكره ، والإحصار لا يصلح مقتضيا لإسقاط ذلك ، وإن كان الحكم بعدم الاستحقاق متجها مع تعلق الغرض بالطريق المعين ،

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣١٣.

(٢) المختلف : ٣١٤.

(٣) المبسوط ١ : ٣٢٥.

١٢٤

وإذا استؤجر بحجة لم يجز أن يؤجر نفسه لأخرى حتى يأتي بالأولى. ويمكن أن يقال بالجواز إن كانت لسنة غير الأولى.

______________________________________________________

بل وبدونه أيضا ، لأنه لم يفعل شيئا مما استؤجر عليه.

قوله : ( وإذا استؤجر لحجة لم يجز أن يؤجر نفسه لأخرى حتى يأتي بالأولى ، ويمكن أن يقال بالجواز إن كانت لسنة غير الأولى ).

إذا استؤجر الأجير ليحج عن غيره ، فإما أن يعين له السنة التي يحج فيها أو لا ، فمع التعيين لا يصح له أن يؤجر نفسه ليحج عن آخر تلك السنة قطعا ، لاستحقاق الأول منافعه تلك السنة لأجل الحج ، فلا يجوز صرفها إلى غيره ، ويجوز استيجاره لسنة غيرها ، لعدم المنافاة بين الإجارتين ، لكن يعتبر في صحة الإجارة الثانية إذا تعلقت بسنة متأخرة عن السنة الأولى إما كون الحج غير واجب فوري أو تعذر التعجيل كما هو واضح.

وإن كانت الإجارة الأولى مطلقة فقد أطلق الشيخ المنع من استيجاره ثانيا (١) ، واحتمل المصنف الجواز إن كان الاستيجار لسنة غير الأولى. وهو حسن ، بل يحتمل قويا جواز الاستيجار للسنة الأولى إذا كانت الإجارة الأولى موسعة ، إما مع تنصيص المؤجر على ذلك أو على القول بعدم اقتضاء الإطلاق التعجيل. ونقل عن شيخنا الشهيد في بعض تحقيقاته أنه حكم باقتضاء الإطلاق في كل الإجارات التعجيل ، فيجب المبادرة بالعمل بحسب الإمكان (٢) ومستنده غير واضح ، نعم لو كان الحج المستأجر عليه حج الإسلام أو صرح المستأجر بإرادة الفورية ووقعت الإجارة على هذا الوجه اتجه ما ذكره.

تفريع : لو أخر الأجير في المطلقة عن السنة الأولى اختيارا ثم حج بعد ذلك أجزأ عن المنوب واستحق الأجرة ، لأنه أتى بالعمل المستأجر عليه ، وإن أثم بالتأخير. وقطع في الدروس بعدم استحقاق الأجير شيئا على هذا‌

__________________

(١) النهاية : ٢٧٨ ، والمبسوط ١ : ٣٢٦.

(٢) كما في المسالك ١ : ٩٧.

١٢٥

ولو صدّ قبل الإحرام ودخول الحرم استعيد من الأجرة بنسبة المختلف.

______________________________________________________

التقدير ، مع أنه حكم بأن الأجير المطلق لو أهمل لغير عذر تخير المستأجر بين الفسخ والإمضاء (١) ، وبين الحكمين تدافع.

ولو انعكس الفرض بأن قدم الحج عن السنة المعينة ففي الصحة وجهان ، أقربهما ذلك مع العلم بانتفاء الغرض في التعيين ، وقرب في التذكرة الإجزاء مطلقا (٢).

قوله : ( ولو صد قبل الإحرام ودخول الحرم استعيد من الأجرة بنسبة المتخلف ).

قد بينا فيما سبق أن الاستيجار على العمل المخصوص يقتضي توزيع الأجرة على جميع أجزائه ، وإن من أتى ببعض العمل المستأجر عليه ثم عرض له مانع عن إكماله يستحق من الأجرة بنسبة ما عمل (٣). ومقتضى ذلك أن الإجارة إن تعلقت بالحج خاصة قصد الأجير قبل الإحرام لم يستحق شيئا ، لأنه لم يفعل شيئا منه ، وإن تعلقت بالحج مع الذهاب والعود أو الذهاب خاصة فصدّ بعد الشروع في العمل استحق الأجرة بنسبة ما عمل واستعيد من الأجرة بنسبة المتخلف.

ولا فرق بين أن يقع الصد قبل الإحرام ودخول الحرم أو بعدهما أو بينهما ، وإن أشعرت العبارة بخلاف ذلك ، لأن عدم الاستعادة مع الموت لو وقع بعد الإحرام ودخول الحرم إنما ثبت من دليل من خارج فلا وجه لإلحاق غيره به ، مع أن الحق ثبوت الاستعادة هناك أيضا إن تعلقت الإجارة بخصوصية الأعمال ، وإن حصل الإجزاء ، كما بيناه فيما سبق (٤).

__________________

(١) الدروس : ٨٩.

(٢) التذكرة ١ : ٣١٤.

(٣) راجع ص ١١٩.

(٤) في ص ١١٩.

١٢٦

ولو ضمن الحج في المستقبل لم تلزم إجابته ، وقيل : تلزم.

______________________________________________________

وذكر الشارح أنه يمكن أن تكون فائدة التقييد بقبلية الإحرام ودخول الحرم الاحتراز عما لو كان بعدهما ، فإنه لا تتحقق استعادة الأجرة مطلقا ، بل يبقى على الإحرام إلى أن يأتي ببقية المناسك مع الإمكان ، قال : إلا أن قيد دخول الحرم لا مدخل له في ذلك ، بل مجرد الإحرام كاف فيه (١). وهو غير جيد ، فإنه إن أراد بقوله : مع الإمكان ، إمكان الإتيان ببقية المناسك في ذلك العام فهو آت مع الصد قبل الإحرام ، وإن أراد به ما هو أعم من ذلك لم يكن مستقيما ، فإن المصدود يتحلل بالهدي ، ولو صابر ففاته الحج تحلل بالعمرة ، كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله (٢).

وأطلق المصنف في النافع أنه مع الصد قبل الإكمال يستعاد من الأجرة بنسبة المختلف (٣). وهو أجود.

ولا يخفى أن الاستعانة إنما تثبت مع كون الإجارة مقيدة بتلك السنة ، لانفساخ الإجارة بفوات الزمان الذي تعلقت به ، أما المطلقة فإنها لا تنفسخ بالصد ، ويجب على الأجير الإتيان بالحج بعد ذلك.

ومتى انفسخت الإجارة وجب الاستيجار من موضع الصد مع الإمكان ، إلا أن يكون بين الميقات ومكة فمن الميقات ، لوجوب إنشاء الإحرام منه.

قوله : ( ولو ضمن الحج في المستقبل لم تلزم إجابته ، وقيل : تلزم ).

المراد أن الأجير إذا ضمن للمستأجر الحج في المستقبل ، بأن تعهد له بفعله مع انفساخ الإجارة بالصد لم يلزم المستأجر إجابته إلى ذلك ، لأن العقد تناول إيقاع الحج في زمان معين ولم يتناول غيره ، فلم يجب على المستأجر الإجابة. نعم لو اتفق المستأجر والمؤجر على ذلك جاز ، وتكون إجارة‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٩٧.

(٢) في ح ٨ ص ٢٨٨.

(٣) المختصر النافع : ٧٧.

١٢٧

وإذا استؤجر فقصرت الأجرة لم يلزم الإتمام. وكذا لو فضل عن النفقة لم يرجع عليه بالفاضل.

______________________________________________________

مستأنفة. والقول بلزوم الإجابة للشيخ (١) ـ رحمه‌الله ـ وضعفه معلوم مما قررناه.

قوله : ( وإذا استؤجر فقصرت الأجرة لم يلزم الإتمام ، وكذا لو فضل عن النفقة لم يرجع عليه بالفاضل ).

هذا مما لا خلاف فيه بين الأصحاب ، ويدل عليه مضافا إلى أن ذلك مقتضى صحة الإجارة روايات كثيرة ، كرواية مسمع قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أعطيت رجلا دراهم يحج بها عني ففضل منها شي‌ء فلم يرده عليّ ، فقال : « هو له ، لعله ضيّق على نفسه في النفقة لحاجته إلى النفقة » (٢).

ورواية محمد بن عبد الله القمي ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الرجل يعطى الحجة يحج بها ويوسع على نفسه فيفضل منها ، أيردها عليه؟ قال : « لا هو له » (٣).

وموثقة عمار بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يأخذ الدراهم ليحج بها عن رجل ، هل يجوز له أن ينفق منها في غير الحج؟ قال : « إذا ضمن الحجة فالدراهم له يصنع بها ما أحب وعليه حجة » (٤).

__________________

(١) النهاية : ٢٧٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٤١٤ ـ ١٤٤٢ ، الوسائل ٨ : ١٢٦ أبواب النيابة في الحج ب ١٠ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٣١٣ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٤١٥ ـ ١٤٤٣ ، الوسائل ٨ : ١٢٦ أبواب النيابة في الحج ب ١٠ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٣١٣ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٤١٥ ـ ١٤٤٤ ، الوسائل ٨ : ١٢٧ أبواب النيابة في الحج ب ١٠ ح ٣.

١٢٨

ولا تجوز النيابة في الطواف الواجب للحاضر إلا مع العذر ، كالإغماء والبطن وما شابههما.

______________________________________________________

قوله : ( ولا تجوز النيابة في الطواف الواجب للحاضر ، إلا مع العذر ، كالإغماء والبطن وما شابههما ).

أما أنه لا تجوز النيابة في الطواف الواجب للحاضر المتمكن من الطواف فظاهر ، لأنه عبادة تتعلق بالبدن ، فلا تصح النيابة فيه مع التمكن.

وأما جواز النيابة مع العذر كالإغماء والمرض الذي لا يستمسك معه الطهارة فيدل عليه روايات كثيرة ، كصحيحة حبيب الخثعمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يطاف عن المبطون والكسير (١) » (٢).

وصحيحة حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « المريض المغلوب والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف عنه » (٣).

والظاهر عدم توقف النيابة في الطواف عن المغمى عليه على استنابته كما يدل عليه إطلاق الرواية.

وليس الحيض من الأعذار المسوغة للاستنابة في طواف العمرة ، لما سيأتي إن شاء الله من أن الحائض إذا منعها عذرها عن إتمام أفعال العمرة تعدل إلى حج الإفراد (٤) ، وقد ورد بذلك روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن صفوان بن يحيى وابن أبي عمير وفضالة ، عن جميل بن دراج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت‌

__________________

(١) في « ح » ونسخة في الوسائل : والكبير.

(٢) التهذيب ٥ : ١٢٤ ـ ٤٠٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٦ ـ ٧٨١ ، الوسائل ٩ : ٤٥٩ أبواب الطواف ب ٤٩ ح ٥.

(٣) التهذيب ٥ : ١٢٣ ـ ٤٠٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٦ ـ ٧٧٩ ، الوسائل ٩ : ٤٥٨ أبواب الطواف ب ٤٩ ح ١.

(٤) في ص ١٧٨.

١٢٩

ويجب أن يتولى ذلك بنفسه. ولو حمله حامل فطاف به أمكن أن يحتسب كل منهما طوافه عن نفسه.

______________________________________________________

مكة يوم التروية قال : « تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة ، ثم تقيم حتى تطهر وتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة » قال ابن أبي عمير : كما صنعت عائشة (١).

وقوّى الشارح جواز استنابة الحائض في طواف الحج وطواف النساء مع الضرورة الشديدة اللازمة بانقطاعها عن أهلها في البلاد البعيدة (٢) وهو غير بعيد ، ويقوى الجواز في طواف النساء ، بل مقتضى صحيحة أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزار جواز تركه والحال هذه ، فإنه قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدخل عليه رجل فقال : أصلحك الله إن معنا امرأة حائضا ولم تطف طواف النساء ، ويأبى الجمال أن يقيم عليها ، قال : فأطرق وهو يقول : « لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها ولا يقيم عليها جمالها ـ ثم رفع رأسه إليه فقال ـ : تمضي فقد تم حجها » (٣).

قوله : ( ولو حمله حامل فطاف به أمكن أن يحتسب كل منهما طوافه عن نفسه ).

إنما كان لكل منهما أن يحتسب بذلك طوافا عن نفسه لحصول الطواف من كل منهما ، أما الحامل فظاهر ، وأما المحمول فلأن فرضه الحصول طائفا حول البيت ، وقد امتثل ، ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في المرأة تطوف بالصبي وتسعى ، هل يجوز ذلك عنها وعن الصبي؟ فقال : « نعم » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٩٠ ـ ١٣٦٣ ، الوسائل ٨ : ٢١٤ أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ٢.

(٢) المسالك ١ : ٩٧.

(٣) الكافي ٤ : ٤٥١ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٤٥ ـ ١١٧٦ ، الوسائل ٩ : ٥٠٠ أبواب الطواف ب ٨٤ ح ١٣.

(٤) التهذيب ٥ : ١٢٥ ـ ٤١١ ، الوسائل ٩ : ٤٦٠ أبواب الطواف ب ٥٠ ح ٣ ، ورواها في الكافي ٤ : ٤٢٩ ـ ١٣.

١٣٠

ولو تبرع إنسان بالحج عن غيره بعد موته برئت ذمته.

______________________________________________________

وفي الصحيح عن الهيثم بن عروة التميمي قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : حملت امرأتي ثم طفت بها وكانت مريضة ، وقلت له : إني طفت بها بالبيت في طواف الفريضة وبالصفا والمروة واحتسبت بذلك لنفسي ، فهل يجزي؟ فقال : « نعم » (١).

وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الحمل بين أن يكون تبرعا أو بأجرة ، وحكى في المختلف عن ابن الجنيد أنه قال : والحامل للمريض يجزيه طوافه عن الطواف الواجب عليه إذا لم يكن أجيرا ، واستحسنه ، ثم قال : والتحقيق أنه إن استؤجر للحمل في الطواف أجزأ عنهما ، وإن استؤجر للطواف لم يجز عن الحامل (٢). وهو حسن.

قوله : ( ولو تبرع إنسان بالحج عن غيره بعد موته برئت ذمته ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الميت بين أن يخلف ما يحج به عنه وغيره ، ولا في المتبرع بين كونه وليا أو غيره. وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل قال في التذكرة : إنه لا يعلم فيه خلافا (٣). واستدل عليه في المعتبر بأن الحج مما تصح فيه النيابة ولا تفتقر صحته إلى المسألة ولا إلى العوض فأجزأ المتبرّع (٤). ويدل عليه ما رواه الكليني في الصحيح ، عن رفاعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يموت ولم يحج حجة الإسلام ولم يوص بها ، أتقضى عنه؟ قال : « نعم » (٥).

وفي الصحيح عن عبد الله بن مسكان ، عن عمار بن عمير قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : بلغني عنك أنك قلت لو أن رجلا مات ولم يحج‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٢٥ ـ ٤١٠ ، الوسائل ٩ : ٤٦٠ أبواب الطواف ب ٥٠ ح ٢ ، ورواها في الفقيه ٢ : ٣٠٩ ـ ١٥٣٤.

(٢) المختلف : ٢٨٨.

(٣) التذكرة ١ : ٣١٠.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٧٢.

(٥) الكافي ٤ : ٢٧٧ ـ ١٥ ، الوسائل ٨ : ٥٠ أبواب وجوب الحج ب ٢٨ ح ٦.

١٣١

______________________________________________________

حجة الإسلام فأحج عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه؟ فقال : « أشهد على أبي أنه حدثني عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه أتاه رجل فقال : يا رسول الله إن أبي مات ولم يحج حجة الإسلام ، فقال : حج عنه ، فإن ذلك يجزي عنه » (١).

وربما ظهر من تخصيص الإجزاء بالتبرع عن الميت عدم إجزاء التبرع عن الحي ، وهو مع تمكنه من الإتيان بالحج ظاهر ، أما مع العجز عنه المسوغ للاستنابة فيحتمل الإجزاء كالميت ، لأن الذمة تبرأ بالعوض فكذا بدونه ، ولأن الواجب الحج عنه وقد حصل ، ويحتمل قويا العدم ، لأن براءة ذمة المكلف بفعل غيره يتوقف على الدليل ، وهو منتف هنا.

هذا كله في الحج الواجب ، أما التطوع فيجوز التبرع به عن الحي والميت إجماعا ، ويدل عليه روايات كثيرة ، كصحيحة حماد بن عثمان قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إن الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة وكل عمل صالح ينفع الميت ، حتى أن الميت ليكون في ضيق فيوسع عليه ، ويقال هذا بعمل ابنك فلان ، وبعمل أخيك فلان ، أخوه في الدين » (٢).

وصحيحة معاوية بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن أبي قد حج ووالدتي قد حجت وإن أخويّ قد حجا ، وقد أردت أن أدخلهم في حجتي ، كأني قد أحببت أن يكونوا معي فقال : « اجعلهم معك ، فإن الله عزّ وجلّ جاعل لهم حجا ولك حجا ولك أجرا بصلتك إياهم » (٣).

وموثقة إسحاق بن عمار ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يحج فيجعل حجته وعمرته أو بعض طوافه لبعض أهله وهو عنه‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٧٧ ـ ١٣ وفيه عن عامر بن عميرة ، التهذيب ٥ : ٤٠٤ ـ ١٤٠٧ ، الوسائل ٨ : ٥٤ أبواب وجوب الحج ب ٣١ ح ٢.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٦٨ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ١٥. رواه عن غياث سلطان الورى وهو مخطوط.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٧٩ ـ ١٣٦٩ ، الوسائل ٨ : ١٤٣ أبواب النيابة في الحج ب ٢٨ ح ٦.

١٣٢

وكل ما يلزم النائب من كفارة ففي ماله. ولو أفسده حجّ من قابل. وهل يعاد بالأجرة عليه؟ يبنى على القولين.

______________________________________________________

غائب ببلد آخر : قال : قلت : فينقص ذلك من أجره؟ قال : « لا ، هي له ولصاحبه ، وله أجر سوى ذلك بما وصل » قلت : وهو ميت هل يدخل ذلك عليه؟ قال : « نعم ، حتى يكون مسخوطا عليه فيغفر له ، أو يكون مضيقا عليه فيوسع عليه » قلت : فيعلم هو في مكانه إن عمل ذلك لحقه؟ قال : « نعم » (١).

وصحيحة هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يشرك أباه أو أخاه أو قرابته في حجه فقال : « إذا يكتب لك حجا مثل حجهم ، وتزاد أجزأ بما وصلت » (٢).

وصحيحة محمد بن إسماعيل ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام ، كم أشرك في حجتي؟ قال : « كم شئت » (٣).

قوله : ( وكل ما يلزم النائب من كفارة ففي ماله ).

المراد : كفارات الإحرام ، وإنما كانت في مال النائب لأنها عقوبة على جناية صدرت عنه ، أو ضمان في مقابلة إتلاف وقع منه ، فاختصت بالجاني.

قوله : ( ولو أفسده حج من قابل ، وهل يعاد بالأجرة عليه؟ يبنى على القولين ).

أشار بالقولين إلى القولين المشهورين في أن المفسد للحج إذا قضاه فهل تكون الأولى فرضه وتسميتها فاسدة مجاز والثانية عقوبة ، أو بالعكس؟ فإن قلنا إن الأولى فرضه والثانية عقوبة كما اختاره الشيخ (٤) ودلت عليه حسنة‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣١٥ ـ ٤ ، الوسائل ٨ : ١٣٩ أبواب النيابة في الحج ب ٢٥ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ٣١٦ ـ ٦ ، الوسائل ٨ : ١٤٢ أبواب النيابة في الحج ب ٢٨ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٣١٧ ـ ٩ ، الوسائل ٨ : ١٤٢ أبواب النيابة في الحج ب ٢٨ ح ١.

(٤) النهاية : ٢٣٠.

١٣٣

______________________________________________________

زرارة (١) فقد برئت ذمة المستأجر بإتمامه ، واستحق الأجير الأجرة. وإن قلنا إن الأولى فاسدة والإتمام عقوبة والثانية فرضه كان الجميع لازما للنائب وتستعاد منه الأجرة إن كانت الإجارة متعلقة بزمان معين وقد فات ، وإن كانت مطلقة لم تنفسخ الإجارة وكان على الأجير الحج عن المستأجر بعد ذلك.

ولم يفرق المصنف هنا بين المعينة والمطلقة ، لكن الحكم بإعادة الأجرة إنما يستقيم في المعينة ، كما صرح به في المعتبر (٢).

واختلف الأصحاب في أن قضاء الفاسد في المطلقة على هذا التقدير هل يكون مجزيا عن حج النيابة أو يجب إيقاع حج النيابة بعد القضاء؟ فذهب الشيخ في المبسوط والخلاف إلى الثاني (٣) ، واختاره العلامة في جملة من كتبه (٤) ، وقواه في المنتهى ، واستدل عليه بأن من أتى بالحج الفاسد فقد أوقع الحج على غير وجهه المأذون فيه ، لأنه إنما أذن له في حج صحيح فأتى بفاسد فيقع عن الفاعل ، كما لو أذن له في شراء عين بصفة فاشتراها بغير تلك الصفة فإن الشراء يقع له دون الآمر ، وإذا ثبت أنه ينقلب إليه فنقول إنه قد أفسد حجا قد وقع عنه فلزمه قضاؤه عن نفسه ، وكان عليه الحج عن المستأجر بعد حجة القضاء ، لأنها تجب على الفور (٥). وضعف هذا الاستدلال ظاهر.

واستقرب المصنف في المعتبر والعلامة في المختلف إجزاء القضاء عن المستأجر ، لأنها قضاء عن الحجة الفاسدة ، والقضاء كما يجزي الحاج عن نفسه فكذا عمن حج عنه ، ولأن إتمام الفاسدة إذا كان عقوبة تكون الثانية هي‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٣ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣١٧ ـ ١٠٩٢ ، الوسائل ٩ : ٢٥٧ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٩.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٧٦.

(٣) المبسوط ١ : ٣٢٢ ، والخلاف ١ : ٤٧٥.

(٤) كالقواعد ١ : ٧٨.

(٥) المنتهى ٢ : ٨٦٥.

١٣٤

وإذا أطلق الإجارة اقتضى التعجيل ما لم يشترط الأجل. ولا يصحّ أن ينوب عن اثنين في عام.

______________________________________________________

الفرض ، فلا مقتضي لوجوب حج آخر (١). وهو جيد.

قال في المعتبر : وهذا القول موجود في أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام ، والآخر تخريج غير مستند إلى رواية ، ثم أورد ما رواه الشيخ عن الحسين بن عثمان ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل حج عن رجل فاجترح في حجه شيئا يلزمه فيه الحج من قابل وكفارة ، قال : « هي للأول تامة ، وعلى هذا ما اجترح » (٢).

وعن صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمار قال ، قلت : فإن ابتلى بشي‌ء يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل ، أيجزي عن الأول؟ قال : « نعم » قلت : لأن الأجير ضامن للحج؟ قال : « نعم » (٣).

قوله : ( وإذا أطلق الإجارة اقتضى التعجيل ما لم يشترط الأجل ).

قد تقدم الكلام في اقتضاء الإطلاق التعجيل ، ولا يخفى أن اشتراط الأجل إنما يصح في الواجب الفوري إذا لم يمكن استيجار من يحج قبل ذلك.

قوله : ( ولا يصح أن ينوب عن اثنين في عام ).

لأن الحجة الواحدة لا تقع عن اثنين إجماعا ، حكاه في الخلاف (٤) ، ومتى وقع الحج على هذا الوجه وقع باطلا ، لامتناع وقوعها عنهما ، وليس‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٧٦ ، والمختلف : ٣١٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٦١ ـ ١٦٠٦ ، الوسائل ٨ : ١٣٠ أبواب النيابة في الحج ب ١٥ ح ٢ ، ورواها في الكافي ٤ : ٥٤٤ ـ ٢٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٤١٧ ـ ١٤٥٠ ، الوسائل ٨ : ١٣٠ أبواب النيابة في الحج ب ١٥ ح ١ ، ورواها في الكافي ٤ : ٣٠٦ ـ ٤.

(٤) الخلاف ١ : ٤٧٥.

١٣٥

ولو استأجراه لعام صحّ للأسبق. ولو اقترن العقدان وزمان الإيقاع بطلا. وإذا أحصر تحلل بالهدي ، ولا قضاء عليه.

______________________________________________________

أحدهما أولى بها من صاحبه ، ولا يمكن انقلابها إليه لأنه لم ينوها لنفسه ، فلم يبق إلا البطلان.

هذا في الحج الواجب ، أما المندوب فقد دلت الأخبار على أنه يجوز الاشتراك فيه ، وإذا جاز ذلك جازت الاستنابة فيه على هذا الوجه ، وقد يتفق ذلك في الواجب أيضا بأن ينذر جماعة الاشتراك في حج يستنيبون فيه كذلك.

قوله : ( ولو استأجراه لعام صح الأسبق ، ولو اقترن العقدان وزمان الإيقاع بطلان ).

لا ريب في البطلان مع اقتران العقدين وزمان الإيقاع ، لما تقدم من امتناع النيابة عن اثنين في عام واحد ، واستحالة الترجيح من غير مرجح.

ولو اختلف زمان الإيقاع صح العقدان ، إلا مع فورية وجوب الحج المتأخر وإمكان استنابة من يأتي به في ذلك العام ، فيبطل العقد المتأخر.

ولو اقترن العقدان مع إطلاق زمان الإيقاع احتمل البطلان ، لاقتضاء كل واحد التعجيل ، فيقع التنافي ، كما لو عيّنا الزمان. والأصح الصحة مع تعذر التعجيل ، لأن المبادرة إنما تجب بحسب الإمكان ، وعلى هذا فيحتمل تخيير الأجير في البدأة بأيهما شاء لاستحالة الترجيح من غير مرجح ، والقرعة لأنها لكل أمر مشكل.

قوله : ( وإذا أحصر تحلل بالهدي ، ولا قضاء عليه ).

أما تحلل المحصر بالهدي فلا ريب فيه ، لعموم قوله تعالى ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (١) وأما سقوط القضاء عنه فجيّد مع تعيين الزمان ، لأن العقد يتناول إيقاع الحج في زمان معين ولم يتناول غيره.

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

١٣٦

ومن وجب عليه حجان مختلفان ، كحجة الإسلام والنذر فمنعه عارض جاز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد.

______________________________________________________

أما لو كانت مطلقة فإنه يجب على الأجير الإتيان بالحج المستأجر عليه بعد زوال الحصر قطعا ، لكن مثل ذلك لا يسمى قضاء ، لأن القضاء إنما يتحقق مع تعين زمان الأداء كما بيّناه مرارا.

ومتى تحلل الأجير مع تعيين الزمان استحق من المسمى بنسبة ما عمل كما في حالة الصّد ، ويبقى المستأجر على ما كان عليه من وجوب الحج إن كان واجبا عليه.

ولو لم يتحلل الأجير وأقام على إحرامه حتى فات الحج تحلل بعمرة ، ولا يستحق الأجير بأفعالها أجرة ، لأنه لم يفعلها للمستأجر بل ليتحلل من إحرامه.

قوله : ( ومن وجب عليه حجان مختلفان ، كحجة الإسلام والنذر ومنعه عارض جاز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل ظاهر العلاّمة في التذكرة أنه موضع وفاق بين علمائنا (١). ووجهه واضح ، فإن غاية ما يستفاد من الأخبار وجوب الاستنابة في الحجين المختلفين مع العذر ، لا وجوب تقديم أحدهما على الآخر.

ولا ينافي ذلك وجوب تقديم حج الإسلام على المنوب عنه أو حج النذر على بعض الوجوه ، لأن وجوب التقديم إنما كان لتضيق أحد الواجبين وعدم إمكان الجمع بينهما في عام واحد ، لا لوجوب الترتيب بينهما.

وما قيل من أن الترتيب بين الحجين لا يتحقق إلاّ بتقديم المقدم منهما بكماله لا بعدم تأخره (٢). فجيد لو ثبت وجوب الترتيب ، لكنه غير ثابت ، بل‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣١١.

(٢) كما في المسالك ١ : ٩٧.

١٣٧

ويستحب أن يذكر النائب من ينوب عنه باسمه في المواطن وعند كل فعل من أفعال الحج والعمرة ،

______________________________________________________

منفي بالأصل ، وإنما الواجب عدم تأخير الواجب الفوري عن أول وقت الإمكان ، وهو يتحقق بالإتيان بالحجين في العام الواحد كما هو واضح ، ولا يعتبر في صحة الحجين في العام الواحد سبق إحرام حج الإسلام ، لأن الحجين يقعان في ذلك العام.

ولو صدّ النائب في حج الإسلام أو أحصر في ذلك العام لم يكن مؤثرا في صحة حج النذر ، لأن الدخول فيه وقع بإذن الشارع ، والامتثال يقتضي الإجزاء.

قوله : ( ويستحب أن يذكر النائب المنوب عنه باسمه في المواطن ، وعند كل فعل من أفعال الحج والعمرة ).

هذا مذهب الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنه لا يعلم فيه خلافا (١). والمستند فيه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت له : ما يجب على الذي يحج عن الرجل؟ قال : « يسميه في المواطن والمواقف » (٢) قال الشيخ في التهذيب : وهذا على جهة الأفضل ، لأن من لم يفعل ذلك كانت حجته جائزة ، ثم استدل بما رواه عن مثنى بن عبد السلام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يحج عن الإنسان يذكره في جميع المواطن كلها ، قال : « إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ، الله يعلم أنه حج عنه ، ولكن يذكره عند الأضحيّة إذا ذبحها » (٣).

ويدل عليه أيضا ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن البزنطي ، قال :

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٨٧١.

(٢) التهذيب ٥ : ٤١٨ ـ ١٤٥٣ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٤ ـ ١١٤٨ ، الوسائل ٨ : ١٣١ أبواب النيابة في الحج ب ١٦ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٤١٩ ـ ١٤٥٤ ، الوسائل ٨ : ١٣٢ أبواب النيابة في الحج ب ١٦ ح ٤.

١٣٨

وأن يعيد ما يفضل معه من الأجرة بعد حجه ، وأن يعيد المخالف حجته إذا استبصر ، وإن كانت مجزية.

______________________________________________________

سأل رجل أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يحج عن الرجل يسميه باسمه؟ قال : « الله لا تخفى عليه خافية » (١).

وفي الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : الرجل يحج عن أخيه أو عن أبيه أو عن رجل من الناس ، هل ينبغي له أن يتكلم بشي‌ء؟ قال : « نعم يقول بعد ما يحرم : اللهم ما أصابني في سفري هذا من تعب أو شدة أو بلاء أو شعث فآجر فلانا فيه ، وآجرني في قضائي عنه » (٢).

قوله : ( وأن يعيد ما يفضل معه من الأجرة بعد حجه ).

هذا الحكم مشهور بين الأصحاب ، ولم أقف له على مستند ، واستدل عليه في المعتبر بأنه مع الإعادة يكون قصده بالنيابة القربة لا العوض (٣). ( وكأن مراده أنه مع قصد الإعادة ابتداء يكون قصده بالنيابة القربة لا العوض ) (٤) وهو حسن.

وذكر الأصحاب أنه يستحب للمستأجر أن يتم للأجير لو أعوزته الأجرة ، وهو كذلك ، لما فيه من المساعدة للمؤمن ، والرفق به ، والتعاون على البرّ والتقوى.

قوله : ( وأن يعيد المخالف حجته إذا استبصر وإن كانت مجزية ).

يدل على ذلك روايات كثيرة : منها قوله عليه‌السلام في صحيحة‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٧٩ ـ ١٣٦٧ ، الوسائل ٨ : ١٣٢ أبواب النيابة في الحج ب ١٦ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ٣١٠ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٧٨ ـ ١٣٦٥ ، التهذيب ٥ : ٤١٨ ـ ١٤٥٢ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٤ ـ ١١٤٧ ، الوسائل ٨ : ١٣١ أبواب النيابة في الحج ب ١٦ ح ٢.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٧٣.

(٤) ما بين القوسين ليس في « ض ».

١٣٩

ويكره أن تنوب المرأة إذا كانت صرورة.

مسائل ثمان :

الأولى : إذا أوصى أن يحج عنه ولم يعيّن الأجرة انصرف ذلك إلى أجرة المثل. وتخرج من الأصل إذا كانت واجبة ، ومن الثلث إن كانت ندبا.

______________________________________________________

بريد بن معاوية العجلي في المخالف إذا استبصر بعد الحج : « قد قضى فريضته ، ولو حجّ لكان أحبّ إليّ » (١).

وفي حسنة عمر بن أذينة : « قد قضى فريضة الله ، والحجّ أحبّ إليّ » (٢). وقد تقدم الكلام في هذه المسألة مفصّلا (٣).

قوله : ( ويكره أن تنوب المرأة إذا كانت صرورة ).

لورود النهي عن استنابتها في بعض الأخبار (٤) ، وبمضمونها أفتى الشيخ (٥) وابن البراج (٦) ، وحملت على الكراهة لقصورها من حيث السند عن إثبات التحريم ، وقد تقدم الكلام في ذلك (٧).

قوله : ( الأولى ، إذا أوصى أن يحج عنه ولم يعيّن الأجرة انصرف ذلك إلى أجرة المثل ، وتخرج من الأصل إذا كانت واجبة ، ومن الثلث إذا كانت ندبا ).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٩ ـ ٢٣ ، الإستبصار ٢ : ١٤٥ ـ ٤٧٢ ، الوسائل ٨ : ٤٢ أبواب وجوب الحج ب ٢٣ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٢٧٥ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٦٣ ـ ١٢٨١ ، التهذيب ٥ : ١٠ ـ ٢٥ ، الإستبصار ٢ : ١٤٦ ـ ٤٧٥ ، الوسائل ٨ : ٤٢ أبواب وجوب الحج ب ٢٣ ح ٢.

(٣) في ص ٧٢.

(٤) الوسائل ٨ : ١٢٥ أبواب النيابة في الحج ب ٩.

(٥) المبسوط ١ : ٣٢٦ ، والنهاية : ٢٨٠.

(٦) المهذب ١ : ٢٦٩.

(٧) في ص ١١٧.

١٤٠