مدارك الأحكام - ج ٧

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٧

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٠

______________________________________________________

عن الحج المنذور ، لأن الحج إنما ينصرف إلى النذر بالقصد ، بخلاف حج الإسلام ، فإنه يكفي فيه الإتيان بالحج ، ولا يعتبر فيه ملاحظة كونه حج الإسلام.

احتج الشيخ على هذا القول بما رواه في الصحيح ، عن رفاعة بن موسى ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام فمشى ، هل يجزيه عن حجة الإسلام؟ قال : « نعم » قلت : أرأيت إن حج عن غيره ولم يكن له مال وقد نذر أن يحج ماشيا ، أيجزي عنه ذلك من مشيه؟ قال : « نعم » (١) والظاهر أن المراد بنذر المشي إلى بيت الله نذر الحج ماشيا كما يدل عليه آخر الرواية.

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله فمشى ، أيجزيه عن حجة الإسلام؟ قال : « نعم » (٢).

ويدل على هذا القول أيضا صدق الامتثال بالفعل الواحد على حد ما قيل في تداخل الأغسال ، فإن من أتى بالحج بعد الاستطاعة يصدق عليه أنه امتثل الأوامر الواردة بحج الإسلام ووفّى بنذره.

وأجاب العلامة في المختلف عن هاتين الروايتين بالحمل على ما إذا تعلق النذر بحج الإسلام (٣). وهو بعيد.

وبالجملة فهذا القول لا يخلو من قوة وإن كان التعدد أحوط. ولو عمم الناذر النذر ، بأن نذر الإتيان بأي حج اتفق قوي القول بالاجتزاء بحج الإسلام وبحج النيابة أيضا ، والله أعلم.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٠٦ ـ ١٤١٥ ، الوسائل ٨ : ٤٩ أبواب وجوب الحج ب ٢٧ ح ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٥٩ ـ ١٥٩٥ ، الوسائل ٨ : ٤٨ أبواب وجوب الحج ب ٢٧ ح ١.

(٣) المختلف : ٣٢٢.

١٠١

الثالثة : إذا نذر الحج ماشيا وجب

______________________________________________________

قوله : ( الثالثة ، إذا نذر الحج ماشيا وجب ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل قال في المعتبر : إذا نذر الحج ماشيا وجب مع التمكن ، وعليه اتفاق العلماء (١). ويدل عليه مضافا إلى العمومات المتضمنة لانعقاد نذر العبادات (٢) خصوص صحيحة رفاعة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام ، قال : « فليمش » (٣) وغير ذلك من الأخبار الكثيرة المتضمنة لأحكام نذر المشي في الحج كما ستجي‌ء في تضاعيف هذه المسائل.

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : أنه سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى مكة حافيا فقال : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج حاجا فنظر إلى امرأة تمشي بين الإبل فقال : من هذه؟ فقالوا : أخت عقبة بن عامر ، نذرت أن تمشي إلى مكة حافية ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عقبة انطلق إلى أختك فمرها فلتركب ، فإن الله غني عن مشيها وحفاها ، قال : فركبت » (٤) لأنا نقول أقصى ما تدل عليه هذه الرواية عدم انعقاد نذر المشي مع الحفاء ، وكأنه لما فيه من المشقة الشديدة ، فلا يلزم من ذلك عدم انعقاد نذر المشي مطلقا.

وأجاب المصنف في المعتبر عن هذه الرواية بأنها حكاية حال ، فلعلّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علم منها العجز (٥). وهو مشكل ، لأن إيراد ذلك‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٦٣.

(٢) الوسائل ١٦ : ٢١٩ أبواب النذر والعهد ب ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٠٣ ـ ١٤٠٢ ، الإستبصار ٢ : ١٥٠ ـ ٤٩٢ ، الوسائل ٨ : ٥٩ أبواب وجوب الحج ب ٣٤ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ١٣ ـ ٣٧ ، الإستبصار ٢ : ١٥٠ ـ ٤٩١ ، الوسائل ٨ : ٦٠ أبواب وجوب الحج ب ٣٤ ح ٤.

(٥) المعتبر ٢ : ٧٦٣.

١٠٢

ويقوم في مواضع العبور.

______________________________________________________

في الرواية على سبيل الجواب يقتضي عدم اختصاص الحكم بتلك المرأة.

وقال العلامة في القواعد : لو نذر الحج ماشيا وقلنا المشي أفضل انعقد الوصف ، وإلا فلا (١).

وقال ولده في الإيضاح : إذا نذر الحج ماشيا انعقد أصل النذر إجماعا ، وهل يلزم القيد مع القدرة؟ فيه قولان مبنيان على أن المشي أفضل من الركوب ، أو الركوب أفضل من المشي (٢). وهذا البناء غير سديد ، فإن المنذور وهو الحج على هذا الوجه لا ريب في رجحانه وإن كان غيره أرجح منه ، وذلك كاف في انعقاد نذره ، إذ لا يعتبر في المنذور كونه أفضل من جميع ما عداه.

واختلف الأصحاب في مبدأ المشي ومنتهاه ، والذي يقتضيه الوقوف مع المعنى المستفاد من اللفظ وجوبه من حين الشروع في أفعال الحج ، وانتهاؤه بآخر أفعاله وهو رمي الجمار ، لأن ماشيا وقع حالا من فاعل أحجّ ، فيكون وصفا له ، وإنما يصدق حقيقة بتلبّسه به.

ولو تعلق النذر بالمشي من بلد النذر أو الناذر أو غيرهما أو دل العرف عليه وجب ، ولو اضطرب العرف بالنسبة إلى بلد النذر أو الناذر فالظاهر الاكتفاء بالمشي من أقرب البلدين إلى الميقات ، للشك في وجوب الزائد.

قوله : ( ويقوم في مواضع العبور ).

أي : يقف في السفينة لو اضطر إلى العبور فيها. والمستند في ذلك ما رواه السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه : « إن عليا عليه‌السلام سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى البيت الحرام فمر في المعبر ، قال : فليقم في‌

__________________

(١) القواعد ٢ : ١٤٢.

(٢) إيضاح الفوائد ٤ : ٦٦.

١٠٣

فإن ركب طريقه قضى.

______________________________________________________

المعبر قائما حتى يجوز » (١).

قال في المعتبر : وهل هو على الوجوب؟ فيه وجهان ، أحدهما نعم ، لأن المشي يجمع بين القيام والحركة ، فإذا فات أحدهما تعيّن الآخر ، والأقرب أنه على الاستحباب ، لأن نذر المشي ينصرف إلى ما يصح المشي فيه ، فيكون موضع العبور مستثنى بالعادة (٢). وما قربه رحمه‌الله جيد ، بل يمكن المناقشة في استحباب القيام أيضا لضعف مستنده (٣).

ولو تعارض في النهر العبور على قنطرة أو سفينة قدم ما يحصل معه المشي ، لعدم تحقق الاستثناء بالعادة إلا أن يكون المقصود العبور في السفينة.

ولو أخل بالقيام في موضع وجوبه قيل : كان كمن أخل بالمشي ، فيجي‌ء فيه ما هناك من التفصيل (٤). ولو قلنا إن وجوبه لورود الأمر به لا لدخوله في المنذور اتجه عدم منافاته لصحة الحج ، كما ذكره المحقق الشيخ علي رحمه‌الله (٥).

قوله : ( فإن ركب طريقه قضى ).

المراد بالقضاء هنا الإعادة ، كما صرح به في المعتبر (٦).

ثم إن كانت السنة معينة فالقضاء بمعناه المتعارف ، ويلزمه مع ذلك كفارة خلف النذر. وإن كان النذر مطلقا فالقضاء بمعنى الفعل ثانيا ، ولا‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٥٥ ـ ٦ ، الفقيه ٣ : ٢٣٥ ـ ١١١٣ ، التهذيب ٥ : ٤٧٨ ـ ١٦٩٣ ، الإستبصار ٤ : ٥٠ ـ ١٧١ ، الوسائل ٨ : ٦٤ أبواب وجوب الحج ب ٣٧ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٦٣.

(٤) احتمله ومال إليه في المسالك : ٩٤.

(٥) جامع المقاصد ١ : ١٦٠.

(٦) المعتبر ٢ : ٧٦٤.

١٠٤

وإن ركب بعضا ، قيل : يقضي ويمشي مواضع ركوبه ، وقيل : بل يقضي ماشيا لإخلاله بالصفة المشترطة ، وهو أشبه.

______________________________________________________

كفارة. وإنما وجب عليه إعادة الحج ثانيا لإخلاله بالصفة المشروطة ، وتوقف الامتثال على الإتيان بها.

ويستفاد من الحكم بوجوب إعادة الحج كون الحج المأتي به فاسدا ، وكأن وجهه أنه غير مطابق للمنذور ، فلا يقع عن النذر لعدم المطابقة ، ولا عن غيره لانتفاء النية كما هو المقدر.

واحتمل المصنف في المعتبر الصحة وإجزاءه عن النذر وإن وجبت الكفارة بالإخلال بالمشي ، قال : لأن الإخلال بالمشي ليس مؤثرا في الحج ، ولا هو من صفاته بحيث يبطل بفواته ، بل غايته أنه أخل بالمشي المنذور ، فإن كان مع القدرة وجبت عليه كفارة خلف النذر (١). وهو إنما يتوجه إذا كان المنذور الحج والمشي ، غير مقيد أحدهما بالآخر ، والمفهوم من نذر الحج ماشيا خلاف ذلك.

قوله : ( وإن ركب بعضا قيل : يقضي ويمشي مواضع ركوبه ، وقيل : يقضي ماشيا ، لإخلاله بالصفة المشترطة ، وهو أشبه ).

الأصح ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ لأن ركوب البعض مقتض للإخلال بالصفة المشترطة كركوب الجميع.

والقول بالقضاء ومشي موضع الركوب للشيخ (٢) ـ رحمه‌الله ـ وجمع من الأصحاب ، واحتج عليه في المختلف بأن الواجب عليه قطع المسافة ماشيا ، وقد حصل بالتلفيق ، فيخرج عن العهدة. ثم أجاب عنه بالمنع من حصوله مع التلفيق ، إذ لا يصدق عليه أنه قد حج ماشيا (٣). وهو جيد إن وقع الركوب بعد التلبس بالحج ، إذ لا يصدق على من ركب في جزء من الطريق‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٦٤.

(٢) المبسوط ١ : ٣٠٣.

(٣) المختلف : ٣٢٣.

١٠٥

ولو عجز قيل : يركب ويسوق بدنة ، وقيل : يركب ولا يسوق ، وقيل : إن كان مطلقا توقع المكنة من الصفة ، وإن كان معينا بوقت سقط فرضه لعجزه ، والمروي الأول ، والسياق ندب.

______________________________________________________

بعد التلبس بالحج أنه حج ماشيا ، وهذا بخلاف (١) ما إذا وقع الركوب قبل التلبس بالحج مع تعلق النذر بالمشي من البلد ، لأن الواجب قطع تلك المسافة في حال المشي وإن فعل في أوقات متعددة ، وهو يحصل بالتلفيق ، إلا أن يكون المقصود قطعها كذلك في عام الحج ، فتأمل.

قوله : ( ولو عجز قيل : يركب ويسوق بدنة ، وقيل : يركب ولا يسوق ، وقيل : إن كان مطلقا توقع المكنة من الصفة ، وإن كان معينا بوقت سقط فرضه لعجزه ، والمروي الأول ، والسياق ندب ).

أما جواز الركوب مع العجز فقال المصنف في المعتبر : إنه مجمع عليه بين العلماء ، لأن الوجوب يسقط بالعجز ، لإناطة التكليف بالوسع (٢).

وإنما الخلاف في وجوب السياق وعدمه ، فذهب الشيخ (٣) وجمع من الأصحاب إلى الوجوب ، واستدلوا عليه بصحيحة الحلبي قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام وعجز أن يمشي ، قال : « فليركب وليسق بدنة ، ذلك يجزي عنه إذا عرف الله منه الجهد » (٤).

وصحيحة ذريح المحاربي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل حلف ليحج ماشيا فعجز عن ذلك فلم يطقه ، قال : « فليركب وليسق‌

__________________

(١) في « ض » : الخلاف.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٦٤.

(٣) النهاية : ٢٠٥.

(٤) التهذيب ٥ : ١٣ ـ ٣٦ ، الإستبصار ٢ : ١٤٩ ـ ٤٨٩ ، الوسائل ٨ : ٦٠ أبواب وجوب الحج ب ٣٤ ح ٣.

١٠٦

______________________________________________________

الهدي » (١).

وقال المفيد ـ رحمه‌الله ـ في المقنعة : وإذا جعل الرجل على نفسه المشي إلى بيت الله فعجز عنه فليركب ولا شي‌ء عليه (٢). ومقتضاه عدم وجوب السياق ، وهو اختيار ابن الجنيد على ما نقل عنه (٣) ، وبه قطع المصنف رحمه‌الله. واستدلوا عليه بأصالة البراءة ، وصحيحة رفاعة بن موسى قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله ، قال : « فليمش » قلت : فإنه تعب ، قال : « إذا تعب ركب » (٤).

ورواية عنبسة بن مصعب ، قال : نذرت في ابن لي إن عافاه الله أن أحج ماشيا ، فمشيت حتى بلغت العقبة فاشتكيت فركبت ، ثم وجدت راحة فمشيت ، فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إني أحب إن كنت موسرا أن تذبح بقرة » فقلت : معي نفقة ، ولو شئت أن أذبح لفعلت ، وعليّ دين ، فقال : « إني أحب إن كنت موسرا أن تذبح بقرة » فقلت : شي‌ء واجب أفعله؟ فقال : « لا ، من جعل لله شيئا فبلغ جهده فليس عليه شي‌ء » (٥).

ويتوجه عليه أن الرواية الأولى لا تنافي وجوب السياق ، لأن عدم ذكره لا يعارض ما دل على الوجوب : والرواية الثانية ضعيفة السند ، لأن راويها واقفي ناووسي (٦).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٠٣ ـ ١٤٠٣ ، الإستبصار ٢ : ١٤٩ ـ ٤٩٠ ، الوسائل ٨ : ٦٠ أبواب وجوب الحج ب ٣٤ ح ٢.

(٢) المقنعة : ٦٩.

(٣) كما في المختلف : ٦٥٩.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٠٣ ـ ١٤٠٢ ، الإستبصار ٢ : ١٥٠ ـ ٤٩٢ ، الوسائل ٨ : ٥٩ أبواب وجوب الحج ب ٣٤ ح ١.

(٥) التهذيب ٨ : ٣١٣ ـ ١١٦٣ ، الإستبصار ٤ : ٤٩ ـ ١٧٠ ، الوسائل ١٦ : ٢٣٢ أبواب النذر والعهد ب ٨ ح ٥.

(٦) راجع رجال الكشي ٢ : ٦٥٩ ـ ٦٧٦.

١٠٧

القول في النيابة

وشرائط النائب ثلاثة : الإسلام ، وكمال العقل ، وأن لا يكون عليه حج واجب.

______________________________________________________

وقال ابن إدريس : إن كان النذر مطلقا وجب على الناذر توقع المكنة من الصفة ، وإن كان مقيدا بسنة معينة سقط الفرض لعجزه عنا (١).

قال الشهيد في الشرح : وكأنه نظر إلى أن الحج ماشيا مغاير له راكبا ، وفيه نظر ، لأن الحج راكبا وماشيا واحد وإن اختلفا بصفة واحدة ، فإذا نذر الحج ماشيا استلزم نذر الحج المطلق وأن يكون ماشيا ، فإذا تعذر أحد الجزأين لا يلزم سقوط الآخر. هذا كلامه رحمه‌الله ، وهو غير جيد ، لأن المفهوم من نذر الحج ماشيا إيجاب الحج على هذا الوجه المخصوص ، بمعنى كون المشي شرطا في الحج ، وذلك لا يستلزم نذر مطلق الحج ، كما أن من نذر صلاة في موضع معين لا يكون ناذرا لمطلق الصلاة.

والمعتمد ما ذهب إليه ابن إدريس إن كان العجز قبل التلبس بالإحرام ، وإن كان بعده اتجه القول بوجوب إكماله وسياق البدنة وسقوط الفرض بذلك ، عملا بظاهر النصوص المتقدمة ، والتفاتا إلى إطلاق الأمر بوجوب إكمال الحج والعمرة مع التلبس بهما ، واستلزام إعادتهما المشقة الشديدة.

قوله : ( وشرائط النيابة ثلاثة : الإسلام ، وكمال العقل ، وأن لا يكون عليه حج واجب ).

لا ريب في اعتبار هذه الشرائط ، بل الأصح اعتبار الإيمان أيضا ، لما بيناه من بطلان عبادة المخالف.

وإنما يشترط خلو ذمة النائب من الحج الواجب إذا كان مخاطبا به في ذلك العام على الفور وحصل التمكن منه ، فلو كان موسعا أو واجبا في عام بعده ـ كمن نذره كذلك أو استوجر له ـ صحت نيابته قبله. وكذا لو وجب عليه‌

__________________

(١) السرائر : ٣٥٧.

١٠٨

______________________________________________________

في ذلك العام وعجز عنه ولو مشيا حيث لا يشترط فيه الاستطاعة ـ كالمستقر من حج الإسلام ـ فإنه يجوز له الاستنابة في ذلك العام ، لسقوط الوجوب فيه بالعجز وإن كان ثابتا في الذمة ، لكن يراعى في جواز استنابته ضيق الوقت ، بحيث لا يحتمل تجدد الاستطاعة عادة.

ولم يذكر المصنف من الشرائط عدالة الأجير ، وقد اعتبرها المتأخرون في الحج الواجب ، لا لأن عبادة الفاسق تقع فاسدة ، بل لأن الإتيان بالحج الصحيح إنما يعلم بخبره ، والفاسق لا يقبل إخباره بذلك. واكتفى بعض الأصحاب فيه بكونه ممن يظن صدقه ، ويحصل الوثوق بإخباره ، وهو حسن.

وقال الشهيد في الدروس : والعدالة شرط في الاستنابة عن الميت ، وليست شرطا في صحة النيابة ، فلو حج الفاسق عن غيره أجزأ ، وفي قبول إخباره بذلك تردد ، أظهره القبول ، من ظاهر حال المسلم ، ومن عموم قوله تعالى ( فَتَبَيَّنُوا ) (١) (٢).

ويتوجه عليه أولا أن ما استدل به على القبول من ظاهر حال المسلم لا يعارض الآية الشريفة المتضمنة لوجوب التثبت عند خبر الفاسق.

وثانيا أنه لا وجه للمنع من استنابة الفاسق إلا عدم قبول إخباره ، فمتى حكم بقبول إخباره انتفى المانع من جواز الاستنابة.

ومن الشرائط أيضا قدرة الأجير على العمل وفقهه في الحج. واكتفى الشهيد في الدروس بحجه مع مرشد عدل (٣). وهو جيد حيث يوثق بحصول ذلك.

ومن شرائط النيابة في الواجب موت المنوب أو عجزه ، وهو معلوم مما سبق.

__________________

(١) الحجرات : ٦.

(٢) الدروس : ٨٧.

(٣) الدروس : ٨٧.

١٠٩

فلا تصحّ نيابة الكافر لعجزه عن نيّة القربة ، ولا نيابة المسلم عن الكافر ، ولا عن المسلم المخالف إلا أن يكون أبا النائب ،

______________________________________________________

قوله : ( فلا تصحّ نيابة الكافر ، لعجزه عن نيّة القربة ، ولا نيابة المسلم عن الكافر ).

لا ريب في اعتبار الإسلام النائب والمنوب ، أما النائب فلما ذكره المصنف من أن الكافر عاجز عن نية القربة ما دام كافرا ، فلا يقع منه الفعل المشروط بها.

وأما المنوب فلاستحقاقه في الآخرة الخزي والعقاب لا الأجر والثواب ، وهما من لوازم صحة الفعل ، فيلزم من انتفائهما انتفاء الملزوم ، ويؤيده ظاهر قوله تعالى ( ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى ) (١) وقوله عزّ وجلّ ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى ) (٢) خرج منه القضاء عن المؤمن بالنص والإجماع فيبقى الباقي.

قوله : ( ولا عن المسلم المخالف ، إلا أن يكون أبا للنائب ).

أما أنه لا تصح النيابة عن المسلم المخالف فهو قول الشيخين (٣) وأتباعهما (٤) ، قال في المعتبر : وربما كان التفاتهم إلى تكفير من خالف الحق ، ولا تصح النيابة عمن اتصف بذلك ، ونحن نقول : ليس كل مخالف للحق لا تصح منه العبادة ، ونطالبهم بالدليل عليه ونقول : اتفقوا على أنه لا يعيد عباداته التي فعلها مع استقامته سوى الزكاة ، ثم قرب اختصاص المنع بالناصب خاصة (٥).

__________________

(١) التوبة : ١١٣.

(٢) النجم : ٣٩.

(٣) الشيخ الطوسي في التهذيب ٥ : ٤١٤ ، والمبسوط ١ : ٣٢٦ ، والنهاية : ٢٨٠ ، وحكاه عنهما في المعتبر ٢ : ٧٦٦.

(٤) كابن البراج في المهذب ١ : ٢٦٩.

(٥) المعتبر ٢ : ٧٦٦.

١١٠

______________________________________________________

وعندي أن التعميم أجود ، لظاهر قوله تعالى ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى ) (١) ويعضده الأخبار الكثيرة المتضمنة لعدم انتفاع المخالف بشي‌ء من الأعمال (٢). وقد بينا فيما سبق أن عدم وجوب الإعادة عليه بعد الاستقامة تفضّل من الله تعالى كما تفضّل على الكافر الأصلي بعدم وجوب قضاء ما فاته من العبادات لا لصحتها في نفس الأمر (٣). والعجب أن العلامة ـ رحمه‌الله ـ صرح في كتبه الأصولية بأن المخالف يستحق العقاب الدائم ، ثم ذكر في هذا المقام نحو كلام المصنف (٤).

وأما استثناء الأب فذكره الشيخ (٥) وجمع من الأصحاب أيضا ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن وهب بن عبد ربه قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيحج الرجل عن الناصب؟ قال : « لا » قلت : فإن كان أبي؟ قال : « إن كان أباك فنعم » (٦).

والظاهر أن المراد بالناصب المخالف غير الكافر ، لأن الكافر المستحق للعقاب الدائم لا يعقل انتفاعه بشي‌ء من العبادات.

وأنكر ابن إدريس النيابة عن الأب أيضا ، وادعى عليه الإجماع (٧) قال المصنف رحمه‌الله : ولست أدري الإجماع الذي يدعيه ابن إدريس أين هو ، والتعويل إنما هو على ما نقل عن الأئمة عليهم‌السلام ، والمنقول عنهم خبر واحد لا غير ، مقبول عند الجماعة ، وهو يتضمن الحكمين معا ، فقبول أحدهما‌

__________________

(١) النجم : ٣٩.

(٢) الوسائل ١ : ٩٠ أبواب مقدمة العبادات ب ٢٩.

(٣) في ص ٧٥.

(٤) المختلف : ٣١٢.

(٥) النهاية : ٢٨٠. المبسوط ١ : ٣٢٦.

(٦) التهذيب ٥ : ٤١٤ ـ ١٤٤١ ، الوسائل ٨ : ١٣٥ أبواب النيابة في الحج ب ٢٠ ح ١.

(٧) السرائر : ١٤٩.

١١١

ولا نيابة المجنون لانغمار عقله بالمرض المانع من القصد ، وكذا الصبي غير المميّز.

وهل تصحّ نيابة المميّز؟ قيل : لا ، لاتصافه بما يوجب رفع القلم. وقيل : نعم ، لأنه قادر على الاستقلال بالحج ندبا.

______________________________________________________

ورد الآخر ودعوى الإجماع على مثله تحكمات يرغب عنها (١).

وهذا الكلام لا يخلو من حيف على ابن إدريس ، فإنه لم يستند في المنع في غير الأب إلى الرواية حتى يكون قد عمل ببعض الخبر ورد بعضه ، وإنما استند في ذلك إلى ما ذهب إليه من تكفير من خالف الحق ، وأنه لا ينتفع بشي‌ء من أعماله وغير ذلك من الأدلة ، وبالجملة فقول ابن إدريس جيد على أصله ، بل لو لا صحة الرواية الواردة بالاستثناء لتعين المصير إليه.

قوله : ( ولا نيابة المجنون ، لانغمار عقله بالمرض المانع من القصد ، وكذا الصبي غير المميز ).

هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء ، والمراد بالمجنون : المطبق ، دون ذوي الأدوار ، لصحة عبادته ومعاملته وقت الإفاقة ، ولو لم يحصل الوثوق بتمكنه من العمل المستأجر عليه اتجه القول بعدم جواز نيابته أيضا.

قوله : ( وهل تصحّ نيابة المميّز؟ قيل : لا ، لاتصافه بما يوجب رفع القلم ، وقيل : نعم ، لأنه قادر على الاستقلال بالحج ندبا ).

المعروف من مذهب الأصحاب القول بالمنع ، واختاره المصنف في المعتبر ، نظرا إلى أن حج الصبي إنما هو تمرين ، والحكم بصحته بالنسبة إلى ما يراد من تمرينه لا لأنه يقع مؤثرا في الثواب (٢). وهو غير جيد ، لما بيناه فيما سبق من أن الأظهر أن عبادات الصبي شرعية يستحق عليها الثواب ،

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٦٦.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٦٦.

١١٢

ولا بد من نيّة النيابة وتعيين المنوب عنه بالقصد.

وتصحّ نيابة المملوك بإذن مولاه.

______________________________________________________

لأنها مرادة للشارع وإن لم يكن مكلفا بالواجب والحرام لرفع القلم عنه. ومع ذلك فالظاهر عدم صحة نيابته ، لعدم الوثوق بإخباره ، لعلمه برفع القلم عنه وعدم مؤاخذته بما يصدر منه.

ورجح بعض مشايخنا المعاصرين جواز نيابته مع الوثوق بإخباره (١). وليس ببعيد من الصواب. وكيف كان فينبغي القطع بجواز استنابته في الحج المندوب كما في الفاسق.

قوله : ( ولا بد من نيّة النيابة وتعيين المنوب عنه بالقصد ).

لا يخفى أن (٢) تعيين المنوب عنه بالقصد مغن عن نية النيابة ، فلا وجه للجمع بينهما ، وموضع التعيين الأفعال المفتقرة إلى النية. ولا يعتبر اللفظ ، لخروجه عن حقيقة النية ، ولصحيحة البزنطي ، قال : سأل رجل أبا الحسن الأول عليه‌السلام عن الرجل يحج عن الرجل ، يسميه باسمه؟ قال : « الله لا تخفى عليه خافية » (٣).

قوله : ( وتصح نيابة المملوك بإذن مولاه ).

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا ، لأنه مكلف مسلم قادر على الاستقلال بالحج فجازت نيابته كالحر ، وحكى العلامة في المنتهى عن بعض الجمهور قولا بالمنع ، لأنه لم يسقط فرض الحج عن نفسه فلم يجز له أن ينوب عن غيره ، ثم أجاب عنه بأن الحج غير واجب عليه ، والإسقاط إنما يكون بعد الثبوت (٤). وهو حسن.

__________________

(١) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٦ : ١٢٨.

(٢) في « م » و « ح » زيادة : اعتبار.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٧٩ ـ ١٣٦٧ ، الوسائل ٨ : ١٣٢ أبواب النيابة في الحج ب ١٦ ح ٥.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٦٢.

١١٣

ولا تصحّ نيابة من وجب عليه الحج واستقر ، إلا مع العجز ولو مشيا. وكذا لا يصحّ حجه تطوعا. ولو تطوع ، قيل : يقع عن حجة الإسلام ، وتحكّم. ولو حج عن غيره لم يجز عن أحدهما.

______________________________________________________

قوله : ( ولا تصحّ نيابة من وجب عليه الحج واستقر ، إلا مع العجز عن الحج ولو مشيا ).

قد بينا فيما سبق أن من استقر عليه الحج لا تعتبر في حقه الاستطاعة الشرعية ، بل يكفي تمكنه من الحج ولو مشيا ، فمع العجز عنه بكل وجه تجوز استنابته إذا لم يحتمل تجدد الاستطاعة عادة في ذلك العام. ولو اتفق حصولها على خلاف العادة لم تنفسخ الإجارة ، وكذا لا تنفسخ بتجدد الاستطاعة لحج الإسلام ، بل لا يجب إلا مع بقاء الاستطاعة إلى القابل.

قوله : ( وكذا لا يصحّ حجه تطوعا ، ولو تطوع قيل : يقع عن حجة الإسلام ، وهو تحكّم ).

أما المنع من التطوع لمن في ذمته واجب فقد تقدم الكلام فيه (١) ، ولا يخفى أن الحكم بفساد التطوع إنما يتم إذا ثبت تعلق النهي به نطقا (٢) أو التزاما.

والقول بوقوع التطوع عن حج الإسلام للشيخ في المبسوط (٣). وهو مشكل ، لأن ما فعله قد قصد به خلاف حج الإسلام فكيف ينصرف إليه. ونقل عنه في الخلاف أنه حكم بصحة التطوع وبقاء حج الإسلام في ذمته (٤). وهو جيد إن لم يثبت تعلق النهي به المقتضي للفساد.

__________________

(١) في ص ٨٨.

(٢) في « م » : مطلقا.

(٣) المبسوط ١ : ٣٠٢.

(٤) الخلاف ١ : ٤١٦.

١١٤

ويجوز لمن حج أن يعتمر عن غيره إذا لم تجب عليه العمرة. وكذا لمن اعتمر أن يحج عن غيره إذا لم يجب عليه الحج.

وتصحّ نيابة من لم يستكمل الشرائط وإن كان صرورة.

______________________________________________________

قوله : ( ويجوز لمن حج أن يعتمر عن غيره إذا لم تجب عليه العمرة ، وكذا لمن اعتمر أن يحج عن غيره إذا لم يجب عليه الحج ).

قد تقدم أن وجوب الحج على المكلف إنما يقتضي المنع من استنابته فيه إذا كان فوريا متمكنا منه (١) ، وكذا العمرة. ولا يظهر لتقييد المصنف جواز الاستنابة في أحد النسكين بمن فعل النسك الآخر وجه يعتد به ، فإن ذلك ليس شرطا في صحة النيابة قطعا.

قوله : ( وتصحّ نيابة من لم يستكمل الشرائط وإن كان صرورة ).

أي : لم يستكمل شرائط وجوب الحج عليه مع استكماله لشرائط النيابة.

والصرورة ـ بفتح الصاد ـ الذي لم يحج ، يقال : رجل صرورة وامرأة صرورة.

وقد أجمع الأصحاب على جواز نيابة الصرورة إذا كان ذكرا ، على ما نقله جماعة ، منهم المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر (٢). ويدل عليه مضافا إلى العمومات روايات كثيرة ، كصحيحة معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يموت ولم يحج حجة الإسلام ويترك مالا ، قال : « عليه أن يحج عنه من ماله رجل صرورة لا مال له » (٣).

وصحيحة سعد بن أبي خلف ، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن الرجل الصرورة يحج عن الميت ، قال : « نعم إذا لم يجد‌

__________________

(١) في ص ١٠٨.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٦٧. لعله يستفاد ذلك من إطلاق كلامه حيث قال : وينوب من لم يجب عليه وهو اتفاق ، لكن على الكراهية.

(٣) التهذيب ٥ : ١٥ ـ ٤٢ ، الوسائل ٨ : ٤٩ أبواب وجوب الحج ب ٢٨ ح ١.

١١٥

ويجوز أن تحج المرأة عن الرجل وعن المرأة.

______________________________________________________

الصرورة ما يحج به عن نفسه » (١).

وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليه‌السلام ، قال : « لا بأس أن يحج الصرورة عن الصرورة » (٢).

قوله : ( ويجوز أن تحج المرأة عن الرجل وعن المرأة ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في المرأة بين أن تكون صرورة أو غير صرورة ، وبهذا التعميم صرح في المعتبر (٣) ، وهو قول معظم الأصحاب. ومنع الشيخ في الاستبصار من نيابة المرأة الصرورة عن الرجل (٤) ، وفي النهاية أطلق المنع من نيابة المرأة الصرورة (٥) ، وهو ظاهر اختيار الشيخ في التهذيب (٦) ، والمعتمد الأول.

لنا : أن الحج مما تصح فيه النيابة ولها أهلية الاستقلال بالحج فتكون نيابتها جائزة ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن رفاعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « تحج المرأة عن أختها وعن أخيها » وقال : « تحج المرأة عن أبيها » (٧).

وفي الحسن عن معاوية بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يحج عن المرأة ، والمرأة تحج عن الرجل ، قال :

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٠٥ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٤١٠ ـ ١٤٢٧ ، الإستبصار ٢ : ٣١٩ ـ ١١٣١ ، الوسائل ٨ : ١٢١ أبواب النيابة في الحج ب ٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٤١١ ـ ١٤٢٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٠ ـ ١١٣٣ ، الوسائل ٨ : ١٢٢ أبواب النيابة في الحج ب ٦ ح ١.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٦٧.

(٤) الإستبصار ٢ : ٣٢٢.

(٥) النهاية : ٢٨٠.

(٦) التهذيب ٥ : ٤١٣.

(٧) التهذيب ٥ : ٤١٣ ـ ١٤٣٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٢ ـ ١١٤٠ ، الوسائل ٨ : ١٢٤ أبواب النيابة في الحج ب ٨ ح ٥.

١١٦

ومن استؤجر فمات في الطريق ، فإن أحرم ودخل الحرم فقد أجزأت عمّن حج عنه. ولو مات قبل ذلك لم تجز ، وعليه من الأجرة ما‌

______________________________________________________

« لا بأس » (١).

احتج الشيخ في كتابي الأخبار بما رواه عن زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « يحج الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة ، ولا تحج المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة » (٢).

وعن مصادف ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، أتحج المرأة عن الرجل؟ قال : « نعم إذا كانت فقيهة مسلمة وكانت قد حجت ، ربّ امرأة خير من رجل » (٣).

والجواب عن الروايتين أولا بالطعن في السند باشتمال سند الأولى على المفضل وهو مشترك بين عدة من الضعفاء ، وبأن راوي الثانية وهو مصادف نص العلامة على ضعفه (٤).

وثانيا بالحمل على الكراهة ، كما يشعر به رواية سليمان بن جعفر ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن امرأة صرورة حجت عن امرأة صرورة ، قال : « لا ينبغي » (٥) ولفظ لا ينبغي صريح في الكراهة.

قوله : ( ومن استؤجر ومات في الطريق ، فإن أحرم ودخل الحرم فقد أجزأت عمن حج عنه ، ولو مات قبل ذلك لم تجز ، وعليه أن يعيد‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤١٣ ـ ١٤٣٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٢ ـ ١١٤١ ، الوسائل ٨ : ١٢٤ أبواب النيابة في الحج ب ٨ ح ٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٤١٤ ـ ١٤٣٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٣ ـ ١١٤٣ ، الوسائل ٨ : ١٢٥ أبواب النيابة في الحج ب ٩ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٤١٣ ـ ١٤٣٦ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٢ ـ ١١٤٢ ، الوسائل ٨ : ١٢٥ أبواب النيابة في الحج ب ٨ ح ٧.

(٤) خلاصة العلامة : ٢٦١ ـ ١١.

(٥) التهذيب ٥ : ٤١٤ ـ ١٤٤٠ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٣ ـ ١١٤٤ ، الوسائل ٨ : ١٢٦ أبواب النيابة في الحج ب ٩ ح ٣.

١١٧

قابل المتخلّف من الطريق ذاهبا وعائدا. ومن الفقهاء من اجتزأ بالإحرام ، والأول أظهر.

______________________________________________________

من الأجرة ما قابل المختلف من الطريق ذاهبا وعائدا ، ومن الفقهاء من اجتزأ بالإحرام ، والأول أظهر ).

هنا مسألتان ، إحداهما : أن النائب إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم فقد أجزأت حجته عمن حج عنه ، فإن مات قبل ذلك لم تجزئ. وإلى ذلك ذهب أكثر الأصحاب.

واكتفى الشيخ في الخلاف (١) وابن إدريس (٢) في الإجزاء بموته بعد الإحرام ، ولم يعتبرا دخول الحرم. وهو ضعيف ، لأن مقتضى الدليل بقاء الحج في الذمة ، لأنه فعل لا يتم إلا بإكمال أركانه ، فلا تبرأ الذمة بفعل بعضه ، ترك العمل بمقتضى الدليل بعد الإحرام ودخول الحرم للإجماع المنقول من جماعة منهم العلامة في المنتهى (٣) ، ولروايتي بريد بن معاوية (٤) وضريس (٥) ، فيعمل بمقتضى الأصل فيما عداه.

ولا يقال إن الروايتين مختصتان بمن حج عن نفسه فلا تتناولان حج النائب ، لأنه إذا ثبت ذلك في حق الحاج ثبت في نائبه ، لأن فعله كفعل المنوب.

ويدل على حكم النائب صريحا الإجماع المنقول ، وما رواه الشيخ في الموثق ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤٧٦.

(٢) السرائر : ١٤٨.

(٣) المنتهى ٢ : ٨٦٣.

(٤) الكافي ٤ : ٢٧٦ ـ ١١ ، الفقيه ٢ : ٢٦٩ ـ ١٣١٤ ، التهذيب ٥ : ٤٠٧ ـ ١٤١٦ ، الوسائل ٨ : ٤٧ أبواب وجوب الحج ب ٢٦ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٢٧٦ ـ ١٠ ، الفقيه ٢ : ٢٦٩ ـ ١٣١٣ ، الوسائل ٨ : ٤٧ أبواب وجوب الحج ب ٢٦ ح ١.

١١٨

______________________________________________________

عن الرجل يموت فيوصي بحجة ، فيعطى رجل دراهم ليحج بها عنه ، فيموت قبل أن يحج ، قال : « إن مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فإنه يجزي عن الأول » (١) وهي مخصوصة بما إذا حصل الموت بعد الإحرام ودخول الحرم ، لعدم ثبوت الاكتفاء بما دون ذلك.

الثانية : إن النائب إذا مات قبل الإحرام ودخول الحرم وجب أن يعاد من الأجرة ما قابل المختلف من الطريق ذاهبا وعائدا ، وصرح العلامة (٢) وغيره (٣) بأن النائب إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم استحق جميع الأجرة ، لأنه قد فعل ما أبرأ ذمة المنوب عنه ، فكان كما لو أكمل الحج. وهو الظاهر من عبارة المصنف ، حيث خص الإعادة بما إذا حصل الموت قبل دخول الحرم.

وكلا الحكمين محتاج إلى التقييد ، أما الثاني فلأنه إنما يتم إذا تعلق الاستيجار بالحج المبرئ للذمة ، أما لو تعلق بالأفعال المخصوصة لم يتوجه استحقاقه لجميع الأجرة ، وإن كان ما أتى به مبرئا للذمة ، لعدم الإتيان بالفعل المستأجر عليه.

وأما الأول فلأنه إنما يستقيم إذا تعلق الاستيجار بمجموع الحج مع الذهاب والإياب ، وهو غير متعين ، لأن الحج اسم للمناسك المخصوصة ، والذهاب والعود خارجان عن حقيقته ، وإنما كان الإتيان به موقوفا على الذهاب ، لكن يجوز الاستيجار عليهما وعلى أحدهما ، لأنهما عملان محللان مقصودان.

وكيف كان فمتى أتى الأجير ببعض ما استؤجر عليه استحق من الأجرة بتلك النسبة إلى المجموع ، وعلى هذا فإن تعلق الاستيجار بالحج خاصة لم‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤١٧ ـ ١٤٥٠ ، الوسائل ٨ : ١٣٠ أبواب النيابة في الحج ب ١٥ ح ١.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٦٣.

(٣) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٩٥.

١١٩

ويجب أن يأتي بما شرط عليه من تمتع ، أو قران ، أو إفراد. وروي إذا أمر أن يحج مفردا أو قارنا فحج متمنعا جاز ، لعدوله إلى الأفضل ، وهذا يصحّ إذا كان الحج مندوبا ، أو قصد المستأجر الإتيان بالأفضل ، لا مع تعلق الفرض بالقران أو الإفراد.

______________________________________________________

يستحق الأجير مع موته قبل الإحرام شيئا من الأجرة ، لخروجه عن العمل المستأجر عليه وإن كان من مقدماته ، لأن الأجرة إنما توزع على أجزاء العمل المستأجر عليه ، لا على ما يتوقف عليه من الأفعال الخارجة عنه ، ولو مات بعد الإحرام استحق بنسبة ما فعل إلى الجملة. ولو تعلق الاستيجار بقطع المسافة ذاهبا وعائدا والحج وزعت الأجرة على الجميع ، واستحق الأجير مع الإتيان بالبعض بنسبة ما عمل. ولو استؤجر على قطع المسافة ذاهبا والحج وزعت الأجرة عليهما خاصة ، وذلك كله واضح موافق للقواعد المقررة.

ومتى مات الأجير قبل إكمال العمل المستأجر عليه أو ما يقوم مقامه بطلت الإجارة إن كان المطلوب عمل الأجير بنفسه ، كما هو المتعارف في أجير الحج والصلاة ، ورجع الحال إلى ما كان عليه ، فإن كانت الحجة عن ميت تعلق بماله وكلف بها وصيه أو الحاكم أو بعض ثقات المؤمنين ، وإن كانت عن حي عاجز تعلق الوجوب به. وإن كانت الإجارة مطلقة بأن كان المطلوب تحصيل العمل المستأجر عليه بنفسه أو بغيره لم يبطل بالموت ووجب على وصيه أن يستأجر من ماله من يحج عن المستأجر من موضع الموت خاصة ، إلا أن يكون بعد الإحرام فيجب من الميقات.

قوله : ( ويجب أن يأتي بما شرط عليه من تمتع أو قران أو إفراد ، وروي إذا أمر أن يحج مفردا أو قارنا فحج متمتعا جاز ، لعدوله إلى الأفضل ، وهذا يصحّ إذا كان الحج مندوبا ، أو قصد المستأجر الإتيان بالأفضل ، لا مع تعلق الفرض بالقران أو الإفراد ).

سيأتي إن شاء الله تعالى أن أنواع الحج ثلاثة : تمتع وقران وإفراد ، ومقتضى قواعد الإجارة أنه يعتبر في صحة الإجارة على الحج تعيين النوع‌

١٢٠