مدارك الأحكام - ج ٦

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٦

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

وعليه القضاء. وفي وجوب الكفارة تردد ، والأشبه الوجوب. ولو وجر في حلقه أو أكره إكراها يرتفع معه الاختيار لم يفسد صومه. ولو خوّف فأفطر وجب القضاء على تردد ولا كفارة.

الثالثة : الكفارة في رمضان : عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا ، مخيرا في ذلك. وقيل : بل هي على الترتيب. وقيل : يجب بالإفطار بالمحرّم ثلاث كفارات وبالمحلّل كفارة ، والأول أكثر.

______________________________________________________

صومه وعليه القضاء ، وفي وجوب الكفارة تردد ، والأشبه الوجوب ).

هذا من جملة أفراد جاهل الحكم ، لأن المراد به من لا يعلم حكم ما فعله من المفطر ، سواء جهل حكم نوعه كما لو جهل هنا تحريم الأكل مطلقا ، أو شخصه بأن علم ذلك ولكن جهل تحريم التناول الخاص كالمسألة المفروضة ، فإنه جهل تحريم تناول من أفطر ناسيا وإن علم تحريم أصل الأكل ، وقد تقدم الكلام في حكم جاهل الحكم وأن الأظهر وجوب القضاء عليه دون الكفارة (١).

قوله : ( ولو وجر في حلقه أو أكره إكراها يرتفع معه الاختيار لم يفسد صومه ، ولو خوّف فأفطر وجب القضاء على تردد ولا كفارة ).

قد تقدم الكلام في هذه المسألة أيضا وأن القول بسقوط القضاء في الموضعين لا يخلو من قوة ، أما الكفارة فمنتفية في الموضعين قطعا (٢).

قوله : ( الثالثة ، الكفارة في رمضان : عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا ، مخيرة في ذلك ، وقيل : بل هي على الترتيب ، وقيل : تجب بالإفطار بالمحرم ثلاث كفارات وبالمحلل كفارة ، والأول أكثر ).

__________________

(١) في ص ٦٦.

(٢) في ص ٦٩.

٨١

______________________________________________________

القول بالتخيير بين الأنواع الثلاثة‌ للشيخ ـ رحمه‌الله ـ في جملة من كتبه (١) ، والمرتضى في أحد قوليه (٢) ، وأبي الصلاح (٣) ، وسلار (٤) ، وابن إدريس (٥) ، وغيرهم (٦).

والقول بأنها مرتبة ، العتق ثم الصيام ثم الإطعام لابن أبي عقيل (٧) ، وحكاه المصنف في المعتبر عن المرتضى في أحد قوليه (٨).

والقول بالتفصيل ووجوب الثلاث بالإفطار المحرم كالزنا وأكل مال الغير ، والواحدة على سبيل التخيير بالإفطار بالمحلل لابن بابويه ـ رحمه‌الله ـ فيمن لا يحضره الفقيه (٩) ، والشيخ في كتابي الأخبار (١٠). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر ، قال : « يعتق نسمة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستين مسكينا ، فإن لم يقدر تصدق بما يطيق » (١١) وهي نص في المطلوب.

وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله‌

__________________

(١) النهاية : ١٥٤ ، والمبسوط ١ : ٢٧١ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢١٢.

(٢) الانتصار : ٦٩.

(٣) الكافي في الفقه : ١٨٣.

(٤) المراسم : ١٨٧.

(٥) السرائر : ٩٤.

(٦) كابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٢٥٩ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٢٠.

(٧) حكاه عنه في المختلف : ٢٢٥.

(٨) المعتبر ٢ : ٦٧٢.

(٩) الفقيه ٢ : ٧٢.

(١٠) التهذيب ٤ : ٢٠٥ ، ٢٠٨ ، والاستبصار ٢ : ٩٦ ، ٩٧.

(١١) التهذيب ٤ : ٢٠٥ ـ ٥٩٤ ، الإستبصار ٢ : ٩٥ ـ ٣١٠ ، الوسائل ٧ : ٢٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١.

٨٢

______________________________________________________

عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا قال : « عليه خمسة عشر صاعا ، لكل مسكين مد » (١) دلت الرواية على الاجتزاء بالصدقة مطلقا ، ولو كانت متأخرة عن العتق والصيام لوجب ذكره في مقام البيان.

احتج القائلون بأنها مرتبة (٢) بما رواه ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه ، عن عبد المؤمن بن الهيثم الأنصاري ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : « إن رجلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال هلكت وأهلكت ، فقال وما أهلكك؟ قال : أتيت امرأتي في شهر رمضان وأنا صائم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعتق رقبة ، قال : لا أجد ، فقال : صم شهرين متتابعين ، قال : لا أطيق ، فقال : تصدق على ستين مسكينا ، فقال : لا أجد ، فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعذق في مكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خذها فتصدق بها ، فقال : والذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا ، فقال : خذه فكله أنت وأهلك فإنه كفارة لك » (٣).

والجواب أولا بالطعن في السند بجهالة الراوي فلا يعارض الأخبار السليمة ، وثانيا بأن أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشي‌ء بعد الشي‌ء ليس صريحا في الترتيب ، ولو كان كذلك لوجب تنزيله على الاستحباب ، فنكون جامعين بين العمل بالروايتين ، وليس كذلك لو أوجبنا الترتيب ، بل يلزم منه سقوط خبر التخيير.

احتج المفصلون بما رواه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٠٧ ـ ٥٩٩ ، الإستبصار ٢ : ٩٦ ـ ٣١٢ ، الوسائل ٧ : ٣١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١٠.

(٢) كابن أبي عقيل ، حكاه عنه في المختلف : ٢٢٥ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٦٧٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٧٢ ـ ٣٠٩ ، الوسائل ٧ : ٣٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ٥.

٨٣

______________________________________________________

رضي‌الله‌عنه ، عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيشابوري ، عن علي بن محمد بن قتيبة ، عن حمدان بن سليمان ، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال ، قلت للرضا عليه‌السلام : يا ابن رسول الله قد روي عن آبائك عليهم‌السلام فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفارات ، وروي عنهم أيضا كفارة واحدة فبأي الحديثين نأخذ؟ قال : « بهما جميعا ، فمتى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات : عتق رقبة ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستين مسكينا ، وقضاء ذلك اليوم ، وإن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفارة واحدة » (١).

وحكم العلامة في التحرير بصحة هذه الرواية (٢). وقال في المختلف : إن عبد الواحد بن عبدوس النيشابوري لا يحضرني الآن حاله ، فإن كان ثقة فالرواية صحيحة يتعين العمل بها (٣).

وأقوال إن عبد الواحد بن عبدوس وإن لم يوثق صريحا لكنه من مشايخ الصدوق المعتبرين الذين أخذ عنهم الحديث ، فلا يبعد الاعتماد على روايته ، لكن في طريق هذه الرواية علي بن محمد بن قتيبة ، وهو غير موثق بل ولا ممدوح مدحا يعتد به. وعبد السلام بن صالح الهروي ، وفيه كلام. فيشكل التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل ، لكن قال الصدوق فيمن لا يحضره الفقيه : إنه وجد ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه (٤). والظاهر اتصال ذلك بصاحب الأمر عليه‌السلام ، فيترجح المصير إلى ذلك.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٣٨ ـ ١١٢٨ ، الوسائل ٧ : ٣٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٠ ح ١ ، وأوردها في التهذيب ٤ : ٢٠٩ ـ ٦٠٥ ، والاستبصار ٢ : ٩٧ ـ ٣١٦.

(٢) التحرير ٢ : ١١٠.

(٣) المختلف : ٢٢٦.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٤.

٨٤

الرابعة : إذا أفطر زمانا نذر صومه على التعيين كان عليه القضاء وكفارة كبرى مخيرة ، وقيل : كفارة يمين ، والأول أظهر.

______________________________________________________

وقال في المعتبر بعد أن أورد رواية عبد السلام الهروي : إن هذه الرواية لم يظهر العمل بها بين الأصحاب ظهورا يوجب العمل بها ، وربما حملناها على الاستحباب ليكون آكد في الزجر (١).

قوله : ( الرابعة ، إذا أفطر زمانا نذر صومه على التعيين كان عليه القضاء وكفارة كبرى مخيرة ، وقيل : كفارة اليمين ، والأول أظهر ).

أما وجوب القضاء فمقطوع به في كلام الأصحاب. ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن علي بن مهزيار : أنه كتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام : يا سيدي ، رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي ، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو يوم جمعة أو أيام التشريق أو سفرا أو مرضا ، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب إليه : « قد وضع الله الصيام في هذه الأيام كلها ، ويصوم يوما بدل يوم إن شاء الله » (٢) ويمكن المناقشة في هذه الرواية من حيث المتن باشتمالها على ما أجمع الأصحاب على خلافه من تحريم صوم يوم الجمعة فتضعف بذلك عن أن تكون حجة.

وأما وجوب الكفارة فلا خلاف فيه بين الأصحاب ، وإنما الخلاف في قدرها ، فذهب الأكثر إلى أنها كفارة كبرى مخيرة ، وذهب ابن بابويه (٣) والمصنف في النافع (٤) إلى أنها كفارة يمين ، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٦٨.

(٢) التهذيب ٨ : ٣٠٥ ـ ١١٣٥ ، الإستبصار ٢ : ١٠١ ـ ٣٢٨ ، الوسائل ٧ : ١٣٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ٢.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٣٢.

(٤) المختصر النافع : ٢٠٨.

٨٥

______________________________________________________

مساكين أو كسوتهم ، ومع العجز فصيام ثلاثة أيام (١). وهو المعتمد.

لنا : التمسك بمقتضى الأصل وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يجعل عليه نذرا ولا يسمّيه ، قال : « إن سميت فهو ما سميت ، وإن لم تسم شيئا فليس بشي‌ء ، فإن قلت لله عليّ فكفارة يمين » (٢).

ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن علي بن مهزيار ، قال : كتب بندار مولى إدريس : يا سيدي إني نذرت أن أصوم كل سبت ، وإن لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب وقرأته : « لا تتركه إلا من علة ، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك ، وإن كنت أفطرت فيه من غير علة فتصدق بعدد كل يوم لسبعة مساكين » (٣).

وبمضمون هذه الرواية عبّر الصدوق في المقنع إلا أنه قال بدل سبعة ، عشرة (٤) ، فيكون بعض أفراد كفارة اليمين ، ومن شأنه ـ رحمه‌الله ـ في ذلك الكتاب نقل متون الأخبار وإفتاؤه بمضمونها ، ولعل لفظ السبعة وقع في التهذيب سهوا.

احتج القائلون بأنها كبرى مخيرة بما رواه الشيخ عن عبد الملك بن عمرو ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من جعل لله عليه أن لا يركب محرما فركبه ـ قال ولا أعلمه إلا قال ـ فليعتق رقبة ، أو ليصم شهرين ، أو ليطعم ستين مسكينا » (٥).

__________________

(١) المختصر النافع : ٢٠٨.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٣٠ ـ ١٠٨٧ ، الوسائل ١٦ : ٢٢٢ أبواب النذر والعهد ب ٢ ح ٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٨٦ ـ ٨٦٧ وج ٨ : ٣٠٥ ـ ١١٣٤ ، الاستبصار ٢ : ١٠٢ ـ ٣٣١ و ١٢٥ ـ ٤٠٨ ، الوسائل ٧ : ٢٧٧ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٧ ح ٤.

(٤) المقنع : ١٣٧.

(٥) التهذيب ٨ : ٣١٤ ـ ١١٦٥ ، الإستبصار ٤ : ٥٤ ـ ١٨٨ ، الوسائل ١٥ : ٥٧٥ أبواب الكفارات ب ٢٣ ح ٧.

٨٦

الخامسة : الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة عليهم‌السلام

______________________________________________________

وعن القاسم بن الفضيل : كتبت إليه يا سيدي : رجل نذر أن يصوم يوما لله تعالى فوقع في ذلك اليوم على أهله ما عليه من الكفارة؟ فأجابه : « يصوم يوما بدل يوم وتحرير رقبة مؤمنة » (١).

وعن علي بن مهزيار ، قال : كتبت إليه يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما بعينه فوقع في ذلك اليوم على أهله ما عليه من الكفارة؟ فكتب إليه : « يصوم يوما بدل يوم وتحرير رقبة مؤمنة » (٢).

والجواب أولا بالطعن في السند بأن راوي الأولى غير موثق ، بل ولا ممدوح مدحا يعتد به ، وبأن راوي الثانية وهو القاسم بن الفضيل مجهول ، وبأن الثالثة مضمرة وفي طريقها محمد بن جعفر الرزاز(٣) وهو غير موثق أيضا ، وما هذا شأنه لا يمكن التعلق به في إثبات حكم مخالف للأصل.

وثانيا بأن الروايتين الأخيرتين إنما تضمنتا الأمر بتحرير الرقبة وهو غير متعين إجماعا ، فكما يحتمل التخيير بينه وبين نوعي الكبرى كذا يحتمل التخيير بينه وبين إطعام العشرة مساكين أو كسوتهم كما تضمنته صحيحة الحلبي. وأما الرواية الأولى فيمكن حملها على الاستحباب ، جمعا بين الأدلة.

قوله : ( الخامسة ، الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨٦ ـ ٨٦٥ ، الإستبصار ٢ : ١٢٥ ـ ٤٠٦ ، الوسائل ٧ : ٢٧٧ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٧ ح ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٨٦ ـ ٨٦٦ ، الإستبصار ٢ : ١٢٥ ـ ٤٠٧ ، الوسائل ٧ : ٢٧٧ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٧ ح ١ ، وأوردها في الكافي ٧ : ٤٥٦ ـ ١٢.

(٣) في الأصل وباقي النسخ : علي بن محمد بن جعفر الرزاز. وما أثبتناه كما في المصادر هو الصحيح ، لعدم وجود راو بذلك العنوان ـ راجع معجم رجال الحديث ١٢ : ١٣٢ وج ١٥ : ٣٦٤.

٨٧

حرام على الصائم وغيره ، وإن تأكد في الصائم ، لكن لا يجب به قضاء ولا كفارة على الأشبه.

السادسة : الارتماس حرام على الأظهر ، ولا تجب به كفارة ولا قضاء ، وقيل : يجبان به ، والأول أشبه.

______________________________________________________

حرام على الصائم وغيره ، وإن تأكد على الصائم ، لكن لا يجب به قضاء ولا كفارة على الأشبه ).

قد تقدم أن الأصح أن ذلك غير مفسد للصوم (١). والقول بأنه موجب للقضاء والكفارة للشيخ (٢) وجماعة ، استنادا إلى رواية ضعيفة مشتملة على ما أجمع الأصحاب على بطلانه ، ومع ذلك فلا تدل على لزوم الكفارة صريحا ، لأنه قال فيها : « الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم » (٣) والإفطار يستلزم وجوب القضاء ، أما لزوم الكفارة فلا.

لا يقال : إنه قد ثبت وجوب الكفارة على من أفطر متعمدا ، وهذا الكذب مفطر كما هو المقدر ، فيترتب عليه الكفارة.

لأنا نقول : المتبادر من معنى الإفطار : إفساد الصوم بالأكل والشرب فيكون حقيقة فيه ، واللفظ إنما يحمل على حقيقته لا على مجازه. وبالجملة فهذه الرواية ضعيفة جدا فلا يمكن التعلق بها في إثبات حكم مخالف للأصل.

قوله : ( السادسة ، الارتماس حرام على الأظهر ، ولا تجب به كفارة ولا قضاء ، وقيل : يجبان به ، والأول أشبه ).

الأصح ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من تحريم الارتماس وأنه لا‌

__________________

(١) في ص ٤٦.

(٢) النهاية : ١٥٤ ، والمبسوط ١ : ٢٧٠ ، والخلاف ١ : ٤٠١ ، والاقتصاد : ٢٨٧.

(٣) الكافي ٤ : ٨٩ ـ ١٠ ، التهذيب ٤ : ٢٠٣ ـ ٥٨٥ ، الوسائل ٧ : ٢٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢ ح ٢ ، وفيها : بتفاوت يسير.

٨٨

السابعة : لا بأس بالحقنة بالجامد على الأصحّ ، ويحرم بالمائع ، ويجب به القضاء على الأظهر.

الثامنة : من أجنب ونام ناويا للغسل ، ثم انتبه ثم نام كذلك ، ثم انتبه ونام ثالثة ناويا حتى طلع الفجر ، لزمته الكفارة على قول مشهور ، وفيه تردد.

______________________________________________________

يجب به قضاء ولا كفارة ، وقد تقدم الكلام في ذلك (١).

قوله : ( السابعة ، لا بأس بالحقنة بالجامد على الأصح ، ويحرم بالمائع ، ويجب به القضاء على الأظهر ).

الأصح تحريم الاحتقان مطلقا ، وأنه لا يوجب قضاء ولا كفارة ، وقد تقدم الكلام في ذلك أيضا (٢).

قوله : ( الثامنة ، من أجنب ونام ناويا للغسل ، ثم انتبه ثم نام كذلك ، ثم انتبه ونام ثالثة ناويا حتى طلع الفجر ، لزمته الكفارة على قول مشهور ، وفيه تردد ).

القول للشيخين (٣) وأتباعهما (٤) ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح ، قال : « يعتق رقبة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستين مسكينا » قال ، وقال : « إنه خليق أن لا أراه يدركه أبدا » (٥).

__________________

(١) في ص ٤٨.

(٢) في ص ٦٣.

(٣) المفيد في المقنعة : ٥٥ ، والشيخ في النهاية : ١٥٤ ، والخلاف ١ : ٤٠١.

(٤) كابن البراج في المهذب ١ : ١٩٢ ، وابن حمزة في الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٨٣.

(٥) التهذب ٤ : ٢١٢ ـ ٦١٦ ، الإستبصار ٢ : ٨٧ ـ ٢٧٢ ، الوسائل ٧ : ٤٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٢.

٨٩

______________________________________________________

وعن سليمان بن جعفر المروزي ، عن الفقيه ، قال : « إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ، ولا يدرك فضل يومه » (١).

وعن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن بعض مواليه ، قال : سألته عن احتلام الصائم ، قال ، فقال : « إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فلا ينام حتى يغتسل ، ومن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح فعليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم ويتم صيامه ، ولن يدركه أبدا » (٢) وليس في هذه الروايات مع اشتراكها في ضعف السند دلالة على هذا التفصيل بوجه.

أما الأولى فلأنها إنما تضمنت تعلق الكفارة بمن تعمد ترك الاغتسال لا بمن تكرر نومه على هذا الوجه.

وأما الثانية فلأنها مطلقة وليس حملها على حالة تكرار النوم بأولى من حملها على حالة التعمد.

وأما الرواية الثالثة فلاقتضائها ترتب الكفارة على من أصبح في النومة الأولى ولا قائل به ، مع أنها ضعيفة جدا بجهالة السائل والمسؤول ، ويمكن حملها على من نام مع العزم على ترك الاغتسال فإنه كتعمد البقاء على الجنابة.

والأصح ما اختاره المصنف في المعتبر ، والعلامة في المنتهى (٣) من سقوط الكفارة مع تكرار النوم ناويا للغسل ، تمسكا بأصالة البراءة ، وأن النوم سائغ ولا قصد له في ترك الغسل فلا عقوبة ، إذ الكفارة إنما تترتب على‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١٢ ـ ٦١٧ ، الإستبصار ٢ : ٨٧ ـ ٢٧٣ ، الوسائل ٧ : ٤٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٣ ، وفيها : ولا يغتسل حتى يصبح فعليه. ولعله أسقطه لوضوحه.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١٢ ـ ٦١٨ ، الإستبصار ٢ : ٨٧ ـ ٢٧٤ ، الوسائل ٧ : ٤٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٤.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٧٤ ، والمنتهى ٢ : ٥٧٧.

٩٠

التاسعة : يجب القضاء في الصوم الواجب المتعين بتسعة : فعل المفطر قبل مراعاة الفجر مع القدرة.

______________________________________________________

التفريط والإثم ، وليس أحدهما ثابتا.

قوله : ( التاسعة ، يجب القضاء في الصوم الواجب المعين بتسعة ).

قال المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر : إنما اشترطنا الوجوب والتعيين لأن ما ليس بمتعين وإن فسد صومه فليس الإتيان ببدله قضاء ، لأن القضاء اسم لفعل مثل المقضي بعد خروج وقته ، وإلا فكل صوم صادفه أحد ما نذكره فإنه يفسد ، فإن كان واجبا غير متعين أتى بالبدل ولا يسمى قضاء ، وإن كان متعينا فالبدل قضاء (١). وهو جيد.

وقد ذكر المصنف وغيره أن من أخر صيام الثلاثة الأيام من الشهر استحب له قضاؤها ، وعلى هذا فيستحب قضاؤها إذا صادفها أحد هذه الأمور التسعة ، وقد يجب بالنذر وشبهه لكن الوجوب بالأصالة إنما يثبت في الواجب المعين كما ذكره المصنف رحمه‌الله.

قوله : ( فعل المفطر قبل مراعاة الفجر مع القدرة ).

المراد أن من استصحب بقاء الليل ففعل المفطر ولم يراع الفجر مع القدرة على المراعاة فصادف فعله النهار وجب عليه القضاء دون الكفارة ، أما سقوط الكفارة فللأصل وإباحة الفعل ، إذ لا خلاف في جواز فعل المفطر مع الظن الحاصل من استصحاب بقاء الليل ، بل مع الشك في طلوع الفجر فينتفي المقتضي للتكفير.

وأما وجوب القضاء فتدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه سئل عن رجل‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٧٥.

٩١

______________________________________________________

تسحّر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبين فقال : « يتم صومه ذلك ثم ليقضيه ، وإن تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر » ثم قال : « إن أبي كان ليلة يصلي وأنا آكل فانصرف فقال : أما جعفر فقد أكل وشرب بعد الفجر ، فأمرني فأفطرت ذلك اليوم في غير شهر رمضان » (١).

وفي الموثق عن سماعة بن مهران ، قال : سألته عن رجل أكل أو شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان فقال : « إن كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثم عاد فرأى الفجر فليتم صومه ولا إعادة عليه ، وان كان قام فأكل وشرب ثم نظر إلى الفجر فرأى أنه قد طلع فليتم صومه ويقضي يوما آخر ، لأنه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الإعادة » (٢).

ويستفاد من قول المصنف : فعل المفطر قبل مراعاة الفجر ، انتفاء القضاء إذا تناول المفطر بعد المراعاة ، أي بعد ظن بقاء الليل المستند إلى المراعاة ، ويدل عليه مضافا إلى الأصل وموثقة سماعة المتقدمة ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : آمر الجارية أن تنظر طلع الفجر أم لا فتقول : لم يطلع ، فآكل ثم أنظر فأجده قد طلع حين نظرت ، قال : « تتم يومه وتقضيه ، وأما أنك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك قضاؤه » (٣).

ويستفاد من اعتبار قيد القدرة أن من ترك المراعاة مع العجز عنها فتناول فصادف النهار لا يجب عليه القضاء. وهو كذلك ، للأصل ، واختصاص‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٦٩ ـ ٨١٢ ، الإستبصار ٢ : ١١٦ ـ ٣٧٩ ، الوسائل ٧ : ٨٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٥ ح ١ ، وأورد صدر الحديث في ص ٨١ ب ٤٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٦٩ ـ ٨١١ ، الإستبصار ٢ : ١١٦ ـ ٣٧٨ ، الوسائل ٧ : ٨٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٤ ح ٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٦٩ ـ ٨١٣ ، الوسائل ٧ : ٨٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٦ ح ١.

وفيهما : يومك بدل يومه.

٩٢

والإفطار إخلادا إلى من أخبر أن الفجر لم يطلع ، مع القدرة على عرفانه ويكون طالعا. وترك العمل بقول المخبر بطلوعه والإفطار لظنّه كذبه.

______________________________________________________

الروايات المتضمنة لوجوب القضاء بالقادر على المراعاة ، فيبقى ما عداه على حكم الأصل.

واعلم أن مقتضى رواية الحلبي أن من تناول المفطر في غير شهر رمضان بعد طلوع الفجر فسد صومه سواء كان الصوم واجبا أو مندوبا ، وسواء كان التناول مع المراعاة أو بدونها (١) ، وبذلك صرح العلامة وغيره. وينبغي تقييده بغير الواجب المعين ، أما المعين فالأظهر مساواته لصوم رمضان في الحكم.

قوله : ( والإفطار إخلادا إلى من أخبر أن الفجر لم يطلع مع القدرة على عرفانه ويكون طالعا ).

المراد أنه لو أخبره غيره بأن الفجر لم يطلع فأخلد إليه ، أي ركن إليه مع القدرة على المراعاة وتركها ، ثم فعل المفطر وتبين طلوعه وقت التناول وجب عليه القضاء دون الكفارة ، ومستند الحكمين معلوم مما سبق.

وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في المخبر بين الواحد والمتعدد ، واستقرب المحقق الشيخ علي سقوط القضاء لو كان المخبر عدلين لأنهما حجة شرعية (٢). ونفى عنه الشارح البأس ، قال : والخبر لا ينافيه ، لأنه فرض فيه كون المخبر واحدا (٣). وهو كذلك.

قوله : ( وترك العمل بقول المخبر بطلوعه والإفطار لظنه كذبه ).

الإفطار معطوف على قوله : وترك العمل ، والمراد بظن كذبه ظن المفطر أن المخبر كاذب في إخباره ، وقد قطع الأصحاب بوجوب القضاء على‌

__________________

(١) راجع ص ٩١.

(٢) جامع المقاصد ١ : ١٥٣.

(٣) المسالك ١ : ٧٢.

٩٣

وكذا الإفطار تقليدا أن الليل دخل ثم تبين فساد الخبر.

______________________________________________________

من هذا شأنه دون الكفارة ، أما انتفاء التكفير فلما سبق ، وأما وجوب القضاء فلما رواه الشيخ في الصحيح ، عن العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل خرج في رمضان وأصحابه يتسحرون في بيت فنظر إلى الفجر فناداهم ، فكف بعضهم ، وظن بعض أنه يسخر فأكل ، قال : « يتم صومه ويقضي » (١) ومورد الرواية إخبار الواحد.

ومن ثم استقرب العلامة في المنتهى (٢) والشهيدان (٣) وجوب القضاء والكفارة لو كان المخبر عدلين ، للحكم بقولهما (٤) شرعا ، فيكون كتعمد الإفطار مع تيقن الطلوع.

قوله : ( وكذا الإفطار تقليدا أن الليل دخل ثم تبين فساد الخبر ).

هذا الإطلاق مشكل ، لأن المفطر إن كان ممن لا يسوغ له التقليد فينبغي أن يكون عليه القضاء والكفارة ، وإن كان ممن يسوغ له ذلك اتجه الحكم بسقوطهما ، لاستناد فعله إلى إذن الشارع على هذا التقدير ، إلا أن يقال إن ذلك لا يقتضي سقوط القضاء كما في تناول المفطر قبل مراعاة الفجر. وهو جيد لو ثبت دليل الوجوب هنا كما ثبت هناك.

وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في المخبر بين المتحد والمتعدد ، ولا بين العدل والفاسق.

وجزم المحقق الشيخ علي بأنه لو شهد بالغروب عدلان ثم بان كذبهما فلا شي‌ء على المفطر ، وإن كان ممن لا يجوز له التقليد ، لأن شهادتهما حجة شرعية (٥).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٧٠ ـ ٨١٤ ، الوسائل ٧ : ٨٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٧ ح ١.

(٢) المنتهى ٢ : ٥٧٨.

(٣) الشهيد الأول في الدروس : ٧٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٢.

(٤) في « ض » : بقبولهما.

(٥) جامع المقاصد ١ : ١٥٣.

٩٤

والإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل ، فلو غلب على ظنّه لم يفطر.

______________________________________________________

ويشكل بانتفاء ما يدل على جواز التعويل على البينة على وجه العموم ، خصوصا في موضع يجب فيه تحصيل اليقين.

قوله : ( والإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل ، فلو غلب على ظنه لم يفطر ).

الكلام في هذه المسألة يتوقف على بيان مقدمة ، وهي أنه لا خلاف بين علمائنا ظاهرا في جواز الإفطار عند ظن الغروب إذا لم يكن للظان طريق إلى العلم ، وإنما اختلفوا في وجوب القضاء وعدمه إذا انكشف فساد الظن ، فذهب الشيخ في جملة من كتبه (١) ، وابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه (٢) ، وجمع من الأصحاب إلى أنه غير واجب. وقال المفيد (٣) وأبو الصلاح (٤) بالوجوب. واختاره المصنف في المعتبر (٥). والمعتمد الأول.

لنا : التمسك بمقتضى الأصل والأخبار المستفيضة ، كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال لرجل ظن أن الشمس قد غابت فأفطر ثم أبصر الشمس بعد ذلك فقال : « ليس عليه قضاء » (٦).

وفي رواية أخرى صحيحة لزرارة قال ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : « وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك ، وتكف عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٧٠ ، والاستبصار ٢ : ١١٦ ، والنهاية : ١٥٥.

(٢) الفقيه ٢ : ٧٥.

(٣) المقنعة : ٥٧.

(٤) الكافي في الفقه : ١٨٣.

(٥) المعتبر ٢ : ٦٧٨.

(٦) التهذيب ٤ : ٣١٨ ـ ٩٦٨ ، الوسائل ٧ : ٨٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ٢.

(٧) الفقيه ٢ : ٧٥ ـ ٣٢٧ ، التهذيب ٤ : ٢٧١ ـ ٨١٨ ، الإستبصار ٢ : ١١٥ ـ ٣٧٦ ، الوسائل ٧ : ٨٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ١.

٩٥

______________________________________________________

ورواية أبي الصباح الكناني ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صام ثم ظن أن الشمس قد غابت وفي السماء علة فأفطر ثم أن السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب ، فقال : « قد تم صومه ولا يقضيه » (١).

ورواية زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل صام ثم ظن أن الليل قد دخل وأن الشمس قد غابت وكان في السماء سحاب فأفطر ، ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب ، فقال : « تم صومه ولا يقضيه » (٢).

احتج القائلون بالوجوب (٣) بأنه تناول ما ينافي الصوم عمدا فلزمه القضاء ، وتسقط الكفارة ، لعدم العلم ولحصول الشبهة. وما رواه الشيخ ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي بصير وسماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فرأوا أنه الليل فقال : « على الذي أفطر صيام ذلك اليوم ، إن الله عزّ وجلّ يقول ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه ، لأنه أكل متعمدا » (٤).

والجواب عن الأول بالمنع من الملازمة ، فإن القضاء فرض مستأنف فلا يثبت إلا مع قيام الدليل عليه ، فكيف مع قيام الدليل على خلافه.

وأما الرواية فضعيفة السند باشتماله على محمد بن عيسى عن يونس ،

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٥ ـ ٣٢٦ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ ـ ٨١٦ ، الإستبصار ٢ : ١١٥ ـ ٣٧٤ ، الوسائل ٧ : ٨٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ٣ ، وفيها : غيم بدل علة.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٧١ ـ ٨١٧ ، الإستبصار ٢ : ١١٥ ـ ٣٧٥ ، الوسائل ٧ : ٨٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ٤.

(٣) كالشيخ في التهذيب ٤ : ٢٧٠ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٦٧٨.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٧٠ ـ ٨١٥ وفيه : محمد بن عيسى عن عبيد عن يونس. ، الإستبصار ٢ : ١١٥ ـ ٣٧٧ ، الوسائل ٧ : ٨٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥٠ ح ١ وفيهما : محمد بن عيسى بن عبيد.

٩٦

______________________________________________________

وباشتراك أبي بصير بين الثقة والضعيف ، ونصّ الشيخ على أن سماعة كان واقفيا (١). ومع ذلك فيمكن حملها على الاستحباب توفيقا بين الأدلة.

وقال الشيخ في الإستبصار : الوجه في هذه الرواية أنه متى شك في دخول الليل عند العارض وتساوت ظنونه ولم يكن لأحدهما مزية على الآخر لم يجز له أن يفطر حتى يتيقن دخول الليل أو يغلب على ظنه ، ومتى أفطر والأمر على ما وصفناه وجب عليه القضاء حسب ما تضمنه هذا الخبر ، فأما من غلب على ظنه دخول الليل فأفطر ثم يتبين بعد ذلك أنه لم يكن قد دخل فليكف عن الطعام وليس عليه قضاء حسب ما تضمنته الأخبار الأولة (٢).

إذا تقرر ذلك فنقول يمكن أن يريد المصنف بالوهم في قوله : والإفطار للظلمة الموهمة ، معناه المتعارف وهو الطرف المرجوح المقابل للظن ، وإيجاب القضاء على هذا التقدير واضح ، لكن الحكم بعدم وجوب الكفارة مشكل على إطلاقه ، بل ينبغي القطع بالوجوب لو انكشف فساد الوهم وبقاء النهار ، كما أن الظاهر سقوطها وسقوط القضاء أيضا لو تبين دخول الليل وقت الإفطار ، وإنما الإشكال مع استمرار الاشتباه فيمكن القول بالوجوب لأصالة بقاء النهار ، وعدمه للشك في الموجب ، وهو الإفطار في نهار رمضان ، وهو خيرة المنتهى (٣) ، وعلى هذه الصورة يمكن حمل ( العبارة ) (٤).

ويمكن أن يكون المراد بالوهم في عبارة المصنف : الظن ، فإنه أحد معانيه ، لكن يشكل الحكم بوجوب القضاء معه وسقوطه مع غلبة الظن ، لانتفاء ما يدل على هذا التفصيل من النص ، ولأن مراتب الظن غير منضبطة ، إذ ما من ظن إلا وفوقه ما هو أقوى منه ودونه أدنى ، لاختلاف الأمارات‌

__________________

(١) رجال الطوسي ٣٥١ ـ ٤.

(٢) الاستبصار ٢ : ١١٦.

(٣) المنتهى ٢ : ٥٧٩.

(٤) في « ض » ، « م » ، « ح » : عبارة المصنف.

٩٧

وتعمد القي‌ء ، ولو ذرعه لم يفطر.

______________________________________________________

الموجبة له ، فالوقوف على أول جزء من مراتبه لا يكاد يتحقق ، بل ولا على ما فوقه.

وفرق الشهيد في بعض تحقيقاته على هذا المحل بين الوهم والظن ، بأن المراد من الوهم ترجيح أحد الطرفين لا لأمارة شرعية ، ومن الظن الترجيح لأمارة شرعية. وهو مع غرابته غير مستقيم ، لأن الظن المجوز للإفطار لا يفرق فيه بين الأسباب المثيرة (١) له ، بل مورد النصوص سقوط القضاء مع حصول الظن الذي سمّاه الشهيد وهما. وكيف كان فالأمر في العبارة هيّن إذا كان الحكم واضح المأخذ.

قوله : ( وتعمد القي‌ء ، ولو ذرعه لم يفطر ).

اختلف الأصحاب في حكم تعمد القي‌ء للصائم بعد اتفاقهم على أنه لو ذرعه ـ أي سبقه بغير اختياره ـ لم يفطر ، فذهب الشيخ وأكثر الأصحاب إلى أنه موجب للقضاء خاصة (٢). وقال ابن إدريس : إنه محرم ولا يجب به قضاء ولا كفارة (٣). وحكى السيد المرتضى عن بعض علمائنا قولا بأنه موجب للقضاء والكفارة ، وعن بعضهم أنه ينقض الصوم ولا يبطله ، قال : وهو الأشبه (٤). والمعتمد الأول.

لنا : على انتفاء الكفارة التمسك بمقتضى الأصل ، وعلى وجوب القضاء ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا تقيأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم ، وإن ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم صومه » (٥).

__________________

(١) في « ض » : المميزة.

(٢) النهاية : ١٥٥ ، والمبسوط ١ : ٢٧٢.

(٣) السرائر : ٨٨.

(٤) جمل العلم والعمل : ٩٠.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٦٤ ـ ٧٩٠ ، الوسائل ٧ : ٦١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٩ ح ٣.

٩٨

والحقنة بالمائع.

______________________________________________________

وفي الصحيح عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا تقيأ الصائم فقد أفطر ، وإن ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم صومه » (١).

وربما أمكن الاستدلال بهذه الرواية على وجوب الكفارة أيضا ، لاقتضائها كون القي‌ء مفطرا ، ومن تعمد الإفطار لزمته الكفارة كما دلّت عليه الأخبار الكثيرة.

ويتوجه عليه ما سبق من أن المتبادر من الإفطار إفساد الصوم بالأكل والشرب فيجب الحمل عليه خاصة ، لأن اللفظ إنما يحمل على حقيقته.

احتج ابن إدريس والمرتضى بأصالة البراءة من وجوب القضاء ، وبأن الصوم إمساك عما يصل إلى الجوف لا عما ينفصل عنها (٢). ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن ميمون ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ثلاثة لا يفطرن الصائم : القي‌ء والاحتلام والحجامة » (٣).

والجواب عن الأول بأن الأصل يرتفع بما ذكرناه من الأدلة. وعن الثاني بأنه اجتهاد في مقابلة النص فلا يكون مسموعا. وعن الرواية بالحمل على غير العامد ، جمعا بين الأدلة.

قوله : ( والحقنة بالمائع ).

قد تقدم الكلام في ذلك ، وأن الأظهر أنها لا توجب قضاء ولا كفارة وإن كانت محرمة (٤).

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٠٨ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٦٤ ـ ٧٩١ ، الوسائل ٧ : ٦٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٩ ح ١.

(٢) السرائر : ٨٨.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٦٠ ـ ٧٧٥ ، الإستبصار ٢ : ٩٠ ـ ٢٨٨ ، الوسائل ٧ : ٥٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٦ ح ١١.

(٤) راجع ص ٦٣.

٩٩

ودخول الماء الحلق للتبرد دون التمضمض به للطهارة.

______________________________________________________

قوله : ( ودخول الماء للحلق للتبرد ، دون المضمضة به للطهارة ).

المراد أن من أدخل فمه الماء فابتلعه سهوا ، فإن كان متبردا فعليه القضاء ، وإن كان للمضمضة به للطهارة فلا شي‌ء عليه. قال في المنتهى : وهذا مذهب علمائنا (١) ، واستدل عليه بما رواه الشيخ عن سماعة ، قال : وسألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه ، قال : « عليه القضاء ، وإن كان في وضوء فلا بأس » (٢).

وعن يونس قال : الصائم في شهر رمضان يستاك متى شاء (٣) ، وإن تمضمض في غير وقت فريضة فدخل الماء حلقه فعليه الإعادة (٤).

وفي الروايتين ضعف من حيث السند (٥) ، مع أن الشيخ ـ رحمه‌الله ـ روى في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الصائم يتوضأ للصلاة فيدخل الماء حلقه فقال : « إن كان وضوءه لصلاة فريضة فليس عليه شي‌ء ، وإن كان وضوءه لصلاة نافلة فعليه القضاء » (٦) دلت الرواية على وجوب القضاء إذا دخل الماء للحق من وضوء النافلة. ويستفاد منه وجوب القضاء إذا دخل من مضمضة التبرد أو العبث بطريق أولى. أما الكفارة فلا تثبت إلا مع تعمّد الازدراد قطعا.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٥٧٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٢٢ ـ ٩٩١ ، الوسائل ٧ : ٥٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ٤.

(٣) في المصدر وهامش « م » زيادة : وإن تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء حلقه فلا شي‌ء عليه وقد تم صومه.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٠٥ ـ ٥٩٣ ، الإستبصار ٢ : ٩٤ ـ ٣٠٤ ، الوسائل ٧ : ٤٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ٣.

(٥) أما الأولى فلأن راويها واقفي ، والثانية فلأن في طريقها سهل بن زياد وهو ضعيف ، وهذا من كلام الراوي نفسه.

(٦) التهذيب ٤ : ٣٢٤ ـ ٩٩٩ ، الوسائل ٧ : ٤٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ١.

١٠٠