مدارك الأحكام - ج ٦

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٦

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

ولو استمنى أو لمس امرأة فأمنى فسد صومه.

______________________________________________________

على الغسل وإمكان الانتباه أو اعتياده ، فإذا نام بالشرط ثم انتبه ليلا حرم عليه النوم ثانيا وإن عزم على الغسل واعتاد الانتباه ، لكن لو خالف فنام وأصبح نائما وجب عليه القضاء خاصة (١). هذا كلامه رحمه‌الله.

ويمكن المناقشة في تحريم النومة الثانية ، لعدم وضوح مأخذه ، وربما استدل عليه بقوله عليه‌السلام : « فليقض ذلك اليوم عقوبة » والعقوبة إنما تثبت على فعل المحرم ، وهو استدلال ضعيف ، فإن ترتب هذه العقوبة على فعل لا يقتضي تحريمه. والأصح إباحة النومة الثانية ، بل والثالثة أيضا وإن ترتب عليهما القضاء ، كما اختاره العلامة في المنتهى ، تمسكا بمقتضى الأصل السليم من المعارض (٢).

قوله : ( ولو استمنى أو لمس امرأة فأمنى فسد صومه ).

المراد بالاستمناء : طلب الإمناء بغير الجماع مع حصوله ، لا مطلق طلبه وإن كان محرما أيضا ، إلا أنه لا يترتب عليه حكم سوى الإثم. وقد أجمع العلماء كافة على أن الاستمناء مفسد للصوم.

وأما الإمناء الواقع عقيب اللمس فقد أطلق المصنف هنا وفي المعتبر كونه كذلك (٣). وهو مشكل ، خصوصا إذا كانت الملموسة محللة ولم يقصد بذلك الإمناء ولا كان من عادته ذلك. ويدل على ذلك فساد الصوم بالاستمناء مضافا إلى الإجماع ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني ، قال : « عليه الكفارة مثل ما على الذي يجامع » (٤).

__________________

(١) المسالك ١ : ٧١.

(٢) المنتهى ٢ : ٥٧٧.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٧٠.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٠٦ ـ ٥٩٧ ، الإستبصار ٢ : ٨١ ـ ٢٤٧ ، الوسائل ٧ : ٢٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤ ح ١.

٦١

ولو احتلم بعد نية الصوم نهارا لم يفسد صومه.

______________________________________________________

وأما فساده بالإمناء عقيب الملامسة فاستدل عليه بما رواه الشيخ ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وضع يده على شي‌ء من جسد امرأته فأدفق فقال : « كفارته أن يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستين مسكينا ، أو يعتق رقبة » (١).

وعن حفص بن سوقة ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل فقال : « عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان » (٢) وفي الروايتين ضعف من حيث السند. والأصح أن ذلك إنما يفسد الصوم إذا تعمد الإنزال بذلك.

قوله : ( ولو احتلم بعد نية الصوم نهارا لم يفسد صومه ).

هذا قول علمائنا أجمع ، قاله في التذكرة (٤). وقال في المنتهى : لو احتلم نهارا في رمضان نائما أو من غير قصد لم يفسد صومه ويجوز له تأخير الغسل ولا نعلم فيه خلافا (٥).

وروى الشيخ في التهذيب ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن بعض مواليه ، قال : سألته عن احتلام الصائم فقال : « إذا احتلم في شهر رمضان نهارا فليس له أن ينام حتى يغتسل ، ومن أجنب ليلا في شهر رمضان فلا ينام إلى ساعة حتى يغتسل » (٦) وهذه الرواية ضعيفة بالإرسال ، ولا بأس بحملها على الكراهة.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٢٠ ـ ٩٨١ ، الوسائل ٧ : ٢٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ١٠٣ ـ ٧ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ ـ ٩٨٣ ، الوسائل ٧ : ٢٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤ ح ٢.

(٣) لأن راوي الأولى مشترك بين الضعيف والثقة ، والثانية بالإرسال.

(٤) التذكرة ١ : ٢٥٧.

(٥) المنتهى ٢ : ٥٦٧.

(٦) التهذيب ٤ : ٢١٢ ـ ٦١٨ ، الوسائل ٧ : ٤٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٤.

٦٢

وكذا لو نظر إلى امرأة فأمنى على الأظهر ، أو استمع فأمنى. والحقنة بالجامد جائزة ، وبالمائع محرمة ، ويفسد بها الصوم على تردد.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا لو نظر إلى امرأة فأمنى على الأظهر ، أو استمع فأمنى ).

أي : وكذا لا يفسد صومه. وهذا أحد الأقوال في المسألة. وقال الشيخ في المبسوط : من نظر إلى ما لا يحل له بشهوة فأمنى فعليه القضاء ، وإن كان نظره إلى من يحل فأمنى لم يكن عليه شي‌ء (١). وقال أبو الصلاح : لو أصغى إلى حديث أو ضم أو قبّل فأمنى فعليه القضاء (٢).

والأصح أن ذلك غير مفسد إلا إذا كان من عادته الإمناء بذلك وفعله عامدا قاصدا به إلى حصول الإمناء ، وكذا القول في التخيل لو ترتب عليه الإنزال.

قوله : ( والحقنة بالجامد جائزة ، وبالمائع محرمة ، ويفسد بها الصوم على تردد ).

اختلف الأصحاب في حكم الحقنة في الصوم ، فقال المفيد إنها تفسد الصوم ، وأطلق (٣). وقال علي بن بابويه : ولا يجوز للصائم أن يحتقن (٤). وقال ابن الجنيد : يستحب للصائم الامتناع من الحقنة ، لأنها تصل إلى الجوف (٥). واستقرب العلامة في المختلف أنها مفطرة مطلقا ويجب بها القضاء خاصة (٦). وقال الشيخ في جملة من كتبه (٧) وابن إدريس (٨) : تحرم‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٧٢.

(٢) الكافي في الفقه : ١٨٣.

(٣) المقنعة : ٥٤.

(٤) حكاه عنهما في المختلف : ٢٢١.

(٥) حكاه عنهما في المختلف : ٢٢١.

(٦) المختلف : ٢٢١.

(٧) الاستبصار ٢ : ٨٤ ، والنهاية : ١٥٦.

(٨) السرائر : ٨٨.

٦٣

______________________________________________________

الحقنة بالمائع خاصة ولا يجب بها قضاء ولا كفارة. واستوجه المصنف في المعتبر تحريم الحقنة بالمائع والجامد دون الإفساد (١). وهو المعتمد.

لنا على التحريم : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : إنه سأله عن الرجل يحتقن تكون به العلة في شهر رمضان فقال : « الصائم لا يجوز له أن يحتقن » (٢).

ولنا على أنه غير مفسد : أن الصوم عبادة شرعية انعقدت بمقتضى الشرع فلا يفسد إلا بموجب شرعي ، عملا بالأصل السليم من المعارض.

قال في المعتبر : والنهي عن الاحتقان لا يقتضي فساد الصوم ، لاحتمال أن يكون حراما ، لا لكون الصوم يفسد به ، بل لحكمة شرعية لا يلزمنا إبداؤها كما قلنا في الارتماس (٣).

احتج القائلون بجواز الحقنة بالجامد بما رواه الشيخ ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحسن ، عن أبيه ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام : ما تقول في اللطف يستدخله الإنسان وهو صائم ، فكتب : « لا بأس بالجامد » (٤).

والجواب بالطعن في السند بأن علي بن الحسن وأباه فطحيان فلا يمكن التعويل على روايتهما. نعم يمكن ترجيح هذا القول بأن المتبادر من الاحتقان ما كان بالمائع فيجب الحمل عليه ، ويبقى الاحتقان بالجامد على الإباحة.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٥٩ ، ٦٧٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٤ ـ ٥٨٩ ، الإستبصار ٢ : ٨٣ ـ ٢٥٦ ، الوسائل ٧ : ٢٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥ ح ٤.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٧٩.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٠٤ ـ ٥٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٨٣ ـ ٢٥٧ ، وفيهما : التلطف بدل اللطف ، والتلطف هو إدخال الشي‌ء في الفرج ـ مجمع البيان ٥ : ١٢١ ، الوسائل ٧ : ٢٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥ ح ٢.

٦٤

مسألتان :

الأولى : كل ما ذكرنا أنه يفسد الصيام إنما يفسده إذا وقع عمدا ،

______________________________________________________

احتج العلامة في المختلف على أن ذلك مفسد للصوم بأنه قد أوصل إلى جوفه المفطر فأشبه ما لو ابتلعه ، لاشتراكهما في الاغتذاء ، وبقوله عليه‌السلام : « الصائم لا يجوز له أن يحتقن » قال : وتعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلية ، فيكون بين الصوم والاحتقان الذي هو نقيض المعلول منافاة ، وثبوت أحد المتنافيين يوجب عدم الآخر ، وذلك يوجب عدم الصوم عند ثبوت الاحتقان فوجب القضاء (١). وهو احتجاج ضعيف.

أما الأول فلأنه قياس مع الفارق ، فإن الحقنة لا تصل إلى المعدة ، ولا إلى موضع الاغتذاء ، كما ذكره في المعتبر (٢).

وأما الثاني فلأن نقيض المعلول إنما هو جواز الاحتقان لا نفس الاحتقان ، واللازم من ذلك انتفاء الصوم عند جواز الاحتقان لا عند حصوله وإن كان محرما كما هو واضح.

ولا يلحق بالحقنة في التحريم أو الإفساد إيصال الدواء إلى الجوف من جرح ونحوه ، ولا تقطير الدهن ونحوه في الأذن ، للأصل ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصائم يشتكي أذنه يصب فيها الدواء؟ قال : « لا بأس به » (٣).

وقيل : إن ذلك مفسد الصوم (٤). وهو ضعيف.

قوله : ( وهنا مسألتان ، الأولى : كل ما ذكرنا أنه يفسد الصيام‌

__________________

(١) المختلف : ٢٢١.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٧٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٥٨ ـ ٧٦٤ ، الوسائل ٧ : ٥٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٤ ح ١.

(٤) قال به أبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٨٣.

٦٥

سواء كان عالما أو جاهلا.

______________________________________________________

إنما يفسده إذا وقع عمدا ، سواء كان عالما أو جاهلا على تردد في الجاهل ).

المراد بالعمد هنا القصد ، واحترز به عما يحصل من غير قصد كالذباب الذي يطير إلى الحلق ، والغبار الذي يدخل من غير قصد ، ونحو ذلك. ويحتمل أن يكون المراد به : الذكر لكونه صائما ، مقابل السهو ، فإن المراد به نسيان الصيام.

وقول المصنف : سواء كان عالما أو جاهلا ، يريد به العالم بالحكم والجاهل به. أما العامد العالم فلا ريب في فساد صومه بذلك ، وإنما الخلاف في الجاهل ، فذهب الأكثر إلى فساد صومه كالعالم. وقال ابن إدريس : لو جامع أو أفطر جاهلا بالتحريم فلا يجب عليه شي‌ء (١). ونحوه قال الشيخ في موضع من التهذيب (٢). وإطلاق كلامهما يقتضي سقوط القضاء والكفارة ، واحتمله في المنتهى إلحاقا للجاهل بالناسي (٣).

وقال المصنف في المعتبر : والذي يقوّى عندي فساد صومه ووجوب القضاء دون الكفارة (٤). وإلى هذا القول ذهب أكثر المتأخرين. وهو المعتمد.

لنا على الحكم الأول : إطلاق الأمر بالقضاء عند عروض أحد الأسباب المقتضية لفساد الأداء ، فإنه يتناول العالم والجاهل.

ولنا على سقوط الكفارة : التمسك بمقتضى الأصل وما رواه الشيخ ، عن زرارة وأبي بصير ، قالا : سألنا أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل أتى أهله في‌

__________________

(١) السرائر : ٨٨.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٨.

(٣) المنتهى ٢ : ٥٦٩.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٦٢.

٦٦

______________________________________________________

شهر رمضان ، أو أتى أهله وهو محرم وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال له ، قال : « ليس عليه شي‌ء » (١).

لا يقال : الأصل يرتفع بالروايات المتضمنة لترتب الكفارة على الإفطار (٢) ، المتناولة بإطلاقها للعالم والجاهل كما اعترفتم به في وجوب القضاء ، والرواية قاصرة من حيث السند فلا تنهض حجة في إثبات هذا الحكم.

لأنا نقول : لا دلالة في شي‌ء من الروايات التي وصلت إلينا في هذا الباب على تعلق الكفارة بالجاهل ، إذ الحكم وقع فيها معلقا على تعمد الإفطار ، وهو إنما يتحقق مع العلم بكون ذلك الفعل مفسدا للصوم ، فإن من أتى بالمفطر جاهلا كونه كذلك لا يصدق عليه أنه تعمد الإفطار وإن صدق عليه أنه متعمد لذلك الفعل ، بل رواية ابن سنان (٣) التي هي الأصل في هذا الباب إنما تضمنت تعلق الكفارة بمن أفطر في شهر رمضان متعمدا من غير عذر ، والجهل بالحكم من أقوى الأعذار ، كما تدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتضمنة لحكم تزويج المرأة في عدتها (٤) حيث قال فيها قلت : فأي الجهالتين أعذر ، جهالة أن ذلك محرم عليه أم جهالته أنها في عدة؟ فقال : « إحدى الجهالتين أهون من الأخرى ، الجهالة بأن الله حرم ذلك عليه ، وذلك أنه لا يقدر على الاحتياط معها » فقلت : فهو في الأخرى معذور؟ قال : « نعم » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٠٨ ـ ٦٠٣ ، الوسائل ٧ : ٣٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٩ ح ١٢.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤ وص ٢٨ ب ٨ وص ٣٥ ب ١٠.

(٣) الكافي ٤ : ١٠١ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٧٢ ـ ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٠٥ ـ ٥٩٤ ، الإستبصار ٢ : ٩٥ ـ ٣١٠ ، الوسائل ٧ : ٢٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١.

(٤) في « ض » و « م » زيادة : إن جاهل الحكم أعذر من جاهل الأصل.

(٥) الكافي ٥ : ٤٢٧ ـ ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٠٦ ـ ١٢٧٤ ، الإستبصار ٣ : ١٨٦ ـ ٦٧٦ ، الوسائل ١٤ : ٣٤٥ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ب ١٧ ح ٤.

٦٧

ولو كان سهوا لم يفسد ، سواء كان الصوم واجبا أو ندبا.

______________________________________________________

وأما الرواية فهي وإن كانت لا تبلغ مرتبة الصحيح لكنها معتبرة الإسناد ، إذ ليس في طريقها من قد يتوقف في شأنه سوى علي بن الحسن بن فضال ، وقال النجاشي : إنه كان فقيه أصحابنا بالكوفة ، ووجههم ، وثقتهم ، وعارفهم بالحديث ، والمسموع قوله فيه ، سمع منه شيئا كثيرا ولم يعثر له على زلة فيه ولا ما يشينه ، وقل ما يروي عن ضعيف (١).

ويمكن أن يستدل على هذا القول أيضا بقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة عبد الصمد بن بشير الواردة فيمن لبس قميصا في حال الإحرام : « أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي‌ء عليه » (٢) وغير ذلك من العمومات المتضمنة لعذر الجاهل.

قوله : ( ولو كان سهوا لم يفسد ، سواء كان الصوم واجبا أو ندبا ).

المراد بالسهو هنا نسيان الصيام ، قال في المنتهى : ولا خلاف بين علمائنا في أن الناسي لا يفسد صومه ولا يجب عليه قضاء ولا كفارة بفعل المفطر ناسيا (٣).

ويدل عليه روايات ، منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه سئل عن رجل نسي‌ء فأكل أو شرب ثم ذكر ، قال : « لا يفطر ، إنما هو شي‌ء رزقه الله عزّ وجلّ فليتم صومه » (٤).

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : من صام فنسي‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٥٧ ـ ٦٧٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٢ ـ ٢٣٩ ، الوسائل ٩ : ١٢٥ أبواب تروك الإحرام ب ٤٥ ح ٣.

(٣) المنتهى ٢ : ٥٧٧.

(٤) الكافي ٤ : ١٠١ ـ ١ ، الوسائل ٧ : ٣٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٩ ح ١.

٦٨

وكذا لو أكره على الإفطار أو وجر في حلقه.

______________________________________________________

فأكل وشرب فلا يفطر من أجل أنه نسي ، فإنما هو رزق رزقه الله فليتم صومه » (١).

وما رواه ابن بابويه في الموثق ، عن عمار بن موسى : إنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل نسي وهو صائم فجامع أهله ، قال : « يغتسل ولا شي‌ء عليه » (٢).

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الصوم بين الواجب والمندوب ، ولا في الواجب بين المعين وغيره. وهو كذلك.

قوله : ( وكذا لو أكره على الإفطار أو وجر في حلقه ).

المراد بالإكراه على الإفطار : التوعد على تركه بما يكون مضرا به في نفسه أو من يجري مجراه بحسب حاله مع قدرة المتوعد على فعل ما توعد به وشهادة القرائن بأنه يفعله به لو لم يفعل ، وبوجور المفطر في حلقه : وضعه فيه بغير اختياره. ولا خلاف في أن من وجر في حلقه المفطر لا يفطر به ، وفي معناه من بلغ به الإكراه حدا رفع قصده. وإنما الخلاف فيمن لم يبلغ إكراهه ذلك ، كمن خوف حتى أكل باختياره ، فذهب الأكثر إلى أنه لا يفطر بذلك ، للأصل ، وقوله عليه‌السلام : « رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » (٣) ، ولأن المكره لا خيرة له فلا يتوجه إليه النهي فيكون تناوله سائغا كالناسي.

قال في المعتبر : لا يقال ، المكره دفع عن نفسه الضرر بتناوله فيلزمه القضاء كالمريض ، لأنا نقول ، مقتضى الدليل سقوط القضاء في الموضعين ،

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٦٨ ـ ٨٠٩ ، الوسائل ٧ : ٣٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٩ ح ٩.

(٢) الفقيه ٢ : ٧٤ ـ ٣١٩ ، الوسائل ٧ : ٣٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٩ ح ٢.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٦٥٩ ـ ٢٠٤٥.

٦٩

______________________________________________________

ترك العمل بالمقتضي في المرض عملا بالدليل فيعمل بالمقتضي فيما عداه (١).

وقال الشيخ في المبسوط : يفسد صومه ، لأنه مع التوعّد يختار الفعل فيصدق عليه أنه فعل المفطر اختيارا فوجب عليه القضاء (٢). وهو احتجاج ضعيف ( إذ ليس لمضطر اختيار )(٣).

نعم يمكن الاستدلال على هذا القول بعموم ما دل على كون الإتيان بتلك الأمور المخصوصة مفسدا للصيام. لكن في إثبات العموم على وجه يتناول المكره نظر.

وفي معنى الإكراه الإفطار في يوم يجب صومه للتقية ، أو التناول قبل الغروب لأجل ذلك. ويكفي في الجواز ظن الضرر بالترك.

وربما ظهر من عبارة الدروس أن ذلك إنما يسوغ عند خوف التلف (٤).

ويدفعه إطلاق الأخبار المسوغة للتقية مع الضرر ، كقوله عليه‌السلام في حسنة زرارة : « التقية في كل ضرورة ، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به » (٥) وفي حسنة الفضلاء : « التقية في كل شي‌ء مضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله » (٦).

قال الشارح قدس‌سره : وحيث ساغ الإفطار للإكراه والتقية يجب الاقتصار على ما تندفع به الحاجة ، فلو زاد عليه كفّر ، ومثله ما لو تأدّت‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٦٢.

(٢) المبسوط ١ : ٢٧٣.

(٣) بدل ما بين القوسين في « ض » ، « م » ، « ح » : لأنا نمنع كون الفعل الصادر عن الاختيار على هذا الوجه مفسد للصوم بل ذلك محل النزاع فكيف يجعل دليلا.

(٤) الدروس : ٧٢.

(٥) الكافي ٢ : ٢١٩ ـ ١٣ ، الوسائل ١١ : ٤٦٨ أبواب الأمر والنهي ب ٢٥ ح ١.

(٦) الكافي ٢ : ٢٢٠ ـ ١٨ ، المحاسن : ٢٥٩ ـ ٣٠٨ ، الوسائل ١١ : ٤٦٨ أبواب الأمر والنهي ب ٢٥ ح ٢ ، وفيها وفي جميع النسخ : يضطر بدل مضطر.

٧٠

الثانية : لا بأس بمصّ الخاتم ، ومضغ الطعام للصبي ، وزقّ الطائر ، وذوق المرق ،

______________________________________________________

بالأكل فشرب معه أو بالعكس (١).

ولا ريب في وجوب الاقتصار على ما تتأدى به الضرورة. نعم يمكن المناقشة في وجوب الكفارة بالزائد بناء على ما ذهب إليه الشارح من كون التناول على وجه الإكراه مفسدا للصوم (٢) ، لأن الكفارة تختص بما يحصل به الفطر ويفسد به الصوم ، وما حصل به الفطر هنا كان مباحا فلا تتعلق به الكفارة ، وما زاد عليه لم يستند إليه الفساد فلا تتعلق به الكفارة وإن كان محرما. وسيجي‌ء تمام الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى (٣).

قوله : ( الثانية ، لا بأس بمص الخاتم ، ومضغ الطعام للصبي ، وزقّ الطائر ، وذوق المرق ).

يدل على ذلك مضافا إلى الأصل وقوله عليه‌السلام : « لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس » (٤) روايات منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه سئل عن المرأة الصائمة تطبخ القدر فتذوق المرق تنظر إليه فقال : « لا بأس » قال : وسئل عن المرأة يكون لها الصبي وهي صائمة فتمضغ الخبز وتطعمه ، قال : « لا بأس ، والطير إن كان لها » (٥).

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) المسالك ١ : ٧١.

(٢) المسالك ١ : ٧١.

(٣) في ص ٨١.

(٤) الفقيه ٢ : ٦٧ ـ ٢٧٦ ، التهذيب ٤ : ٣١٨ ـ ٩٧١ ، الإستبصار ٢ : ٨٠ ـ ٢٤٤ ، الوسائل ٧ : ١٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١ ح ١.

(٥) التهذيب ٤ : ٣١٢ ـ ٩٤٢ ، الإستبصار ٢ : ٩٥ ـ ٣٠٨ ، الوسائل ٧ : ٧٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٧ ح ١ وص ٧٦ ب ٣٨ ح ١.

٧١

______________________________________________________

في الرجل يعطش في شهر رمضان ، قال : « لا بأس بأن يمص الخاتم » (١).

وفي الصحيح عن حماد بن عثمان ، قال : سأل عبد الله بن أبي يعفور أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا أسمع عن الرجل يصب الدواء في أذنه ، قال : « نعم ويذوق المرق ويزق الفرخ » (٢).

قال الشيخ في التهذيب : ولا ينافي هذه الأخبار ما رواه الحسين بن سعيد ، عن علي بن النعمان ، عن سعيد الأعرج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يذوق الشي‌ء ولا يبلعه فقال : « لا » ، لأن هذه الرواية محمولة على من لا يكون به حاجة إلى ذلك ، والرخصة إنما وردت في ذلك لصاحبة الصبي ، أو الطبّاخ الذي يخاف فساد طعامه ، أو من عنده طائر إن لم يزقه هلك ، فأما من هو مستغن عن جميع ذلك فلا يجوز له أن يذوق الطعام (٣).

ولا يخفى ما في هذا الجمع من البعد ، والأجود حمل النهي على الكراهة ، إذ لا دلالة في الأخبار المتقدمة على ما اعتبره من التقييد.

ولو مضغ الصائم شيئا فسبق منه شي‌ء إلى الحلق بغير اختياره فالأصح أن صومه لا يفسد بذلك ، للإذن فيه وعدم تعمد الازدراد. وقال في المنتهى : لو أدخل في فمه شيئا وابتلعه سهوا ، فإن كان لغرض صحيح فلا قضاء عليه ، وإلا وجب القضاء (٤). وفي وجوب القضاء على هذا التقدير نظر.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٥ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٣٢٤ ـ ١٠٠١ ، الوسائل ٧ : ٧٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٣١١ ـ ٩٤١ ، الإستبصار ٢ : ٩٥ ـ ٣٠٧ ، الوسائل ٧ : ٧٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٧ ح ٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٣١٢ ـ ٩٤٣ ، والرواية في الوسائل ٧ : ٧٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٧ ح ٢.

(٤) المنتهى ٢ : ٥٦٨.

٧٢

والاستنقاع في الماء للرجال. ويستحب السواك للصلاة بالرطب واليابس

______________________________________________________

قوله : ( والاستنقاع في الماء للرجال ).

المراد أنه ليس بمكروه. ويدل على ذلك مضافا إلى الأصل ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسن بن راشد قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الحائض تقضي الصلاة؟ قال : « لا » قلت : تقضي الصوم؟ قال : « نعم » قلت : من أين جاء هذا؟ قال : « أول من قاس إبليس » قلت : فالصائم يستنقع في الماء؟ قال : « نعم » قلت : فيبل ثوبا على جسده؟ قال : « لا » قلت : من أين جاء هذا؟ قال : « من ذاك » (١).

وعن حنان بن سدير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصائم يستنقع في الماء ، قال : « لا بأس ، ولكن لا يغمس رأسه ، والمرأة لا تستنقع في الماء لأنها تحمله بقبلها » (٢).

قوله : ( ويستحب السواك للصائم باليابس والرطب ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنه قول علمائنا أجمع ، إلا ابن أبي عقيل ، فإنه كرهه بالرطب (٣). ويدل على الاستحباب مضافا إلى العمومات ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يستاك الصائم أي ساعة من النهار أحب » (٤).

وفي الصحيح عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ،

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٦٧ ـ ٨٠٧ ، الإستبصار ٢ : ٩٣ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٧ : ٢٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ١٠٦ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٧١ ـ ٣٢ ، التهذيب ٤ : ٢٦٣ ـ ٧٨٩ ، علل الشرائع : ٣٨٨ ـ ١ ، الوسائل ٧ : ٢٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٦.

(٣) المنتهى ٢ : ٥٦٨.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٦١ ـ ٧٨٠ ، الوسائل ٧ : ٥٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٨ ح ١.

٧٣

المقصد الثاني : فيما يترتب على ذلك ، وفيه مسائل :

الأولى : تجب مع القضاء الكفّارة بسبعة أشياء : الأكل والشرب‌

______________________________________________________

أيستاك الصائم بالماء والعود الرطب يجد طعمه؟ فقال : « لا بأس به » (١).

احتج ابن أبي عقيل (٢) بما رواه الكليني في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصائم يستاك ، قال : « لا بأس به ، وقال : لا يستاك بسواك رطب » (٣).

وفي الحسن عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه كره للصائم أن يستاك بسواك رطب ، وقال : « لا يضر أن يبل سواكه بالماء ثم ينفضه حتى لا يبقى فيه شي‌ء » (٤).

وفي الموثق عن عمار بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الصائم ينزع ضرسه ، قال : « لا ، ولا يدمي فاه ، ولا يستاك بعود رطب » (٥).

ولا بأس بالمصير إلى ما تضمنته هذه الروايات ، لأن رواية ابن سنان مطلقة ، ورواية الحلبي غير صريحة في انتفاء كراهة السواك بالرطب ، لأن نفي البأس لا ينافي الكراهة.

وقال الشيخ في التهذيب : إن الكراهة في هذه الأخبار إنما توجهت إلى من لا يضبط نفسه فيبصق ما يحصل في فيه من رطوبة العود ، فأما من يتمكن من حفظ نفسه فلا بأس باستعماله على كل حال (٦).

قوله : ( الأولى ، تجب مع القضاء الكفارة بسبعة أشياء : الأكل‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٦٢ ـ ٧٨٢ ، الإستبصار ٢ : ٩١ ـ ٢٩١ ، الوسائل ٧ : ٥٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٨ ح ٣.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٢٢٣.

(٣) الكافي ٤ : ١١٢ ـ ٢ ، الوسائل ٧ : ٥٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٨ ح ١٠.

(٤) الكافي ٤ : ١١٢ ـ ٣ ، الوسائل ٧ : ٥٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٨ ح ١١.

(٥) الكافي ٤ : ١١٢ ـ ٤ ، الوسائل ٧ : ٥٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٨ ح ١٢.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٦٣.

٧٤

المعتاد وغيره. والجماع حتى تغيب الحشفة في قبل المرأة أو دبرها. وتعمد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر.

______________________________________________________

والشرب ، المعتاد وغيره ).

أما وجوب القضاء والكفارة بأكل المعتاد وشربه فموضع وفاق بين المسلمين ، وإنما الخلاف في غير المعتاد ، فذهب الأكثر إلى أنه كذلك. وقيل : إنه لا يفسد الصوم (١). وقيل : إنه موجب للقضاء خاصة (٢).

والأصح وجوب القضاء والكفارة بمطلق الأكل والشرب للمعتاد وغيره ، أما ما لا يصدق عليه ذلك فالأصح أنه غير موجب للكفارة ، بل لا يبعد كونه غير مفسد للصوم كما بيناه فيما سبق (٣).

قوله : ( والجماع حتى تغيب الحشفة في قبل المرأة ودبرها ).

لا خلاف بين علماء الإسلام في وجوب القضاء والكفارة بالوطء في القبل ، وإنما الخلاف في الدبر ، والأصح مساواته للقبل ، لتناول الجماع لكل منهما ، وهو مناط الوجوب.

ولم يذكر المصنف فيما يوجب القضاء والكفارة وطء الغلام والدابة ، لأن الظاهر من كلامه فيما سبق أنه غير مفسد للصوم ، حيث جعل الفساد تابعا لوجوب الغسل ، ورجح في باب الغسل عدم وجوبه.

قوله : ( وتعمّد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب. والمستند فيه ما رواه الشيخ ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح ، قال : « يعتق رقبة ، أو يصوم‌

__________________

(١) قال به المرتضى في الجمل : ٩٠.

(٢) نقله المرتضى عن قوم في جمل العلم والعمل : ٩٠.

(٣) في ص ٤٣.

٧٥

وكذا لو نام غير ناو للغسل حتى يطلع الفجر.

______________________________________________________

شهرين متتابعين ، أو يطعم ستين مسكينا » قال ، وقال : « إنه خليق أن لا أراه يدركه أبدا » (١).

وعن سليمان بن جعفر المروزي ، عن الفقيه ، قال : « إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ، ولا يدرك فضل يومه » (٢).

وعن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن بعض مواليه ، قال : سألته عن احتلام الصائم قال ، فقال : « إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فليس له أن ينام حتى يغتسل ، وإن احتلم ليلا في شهر رمضان فليس له أن ينام إلى ساعة حتى يغتسل ، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح فعليه عتق رقبة ، أو إطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم ويتم صيامه ولن يدركه أبدا » (٣).

وهذه الروايات كلها ضعيفة السند (٤) فيشكل التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل. ومن هنا يظهر رجحان ما ذهب إليه ابن أبي عقيل (٥) والمرتضى ـ رضي‌الله‌عنه (٦) ـ من أن الواجب بذلك القضاء دون الكفارة.

أما الحائض والمستحاضة والنفساء فينبغي القطع بعدم ترتب الكفارة عليهن مع الإخلال بالغسل ، تمسكا بمقتضى الأصل السليم من المعارض.

قوله : ( وكذا لو نام غير ناو للغسل ).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١٢ ـ ٦١٦ ، الإستبصار ٢ : ٨٧ ـ ٢٧٢ ، الوسائل ٧ : ٤٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١٢ ـ ٦١٧ ، الإستبصار ٢ : ٨٧ ـ ٢٧٣ ، الوسائل ٧ : ٤٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٣. وفيها : ولا يغتسل حتى يصبح فعليه. ولعله أسقطه لوضوحه.

(٣) التهذيب ٤ : ٢١٢ ـ ٦١٨ ، الإستبصار ٢ : ٨٧ ـ ٢٧٤ ، الوسائل ٧ : ٤٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٤.

(٤) الأولى باشتراك راويها بين الضعيف والثقة ، والثانية بجهالة راويها ، والثالثة بالإرسال.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٢٢٠.

(٦) الانتصار : ٦٣ ، وجمل العلم والعمل : ٩١.

٧٦

والاستمناء. وإيصال الغبار إلى الحلق.

______________________________________________________

أي : يجب عليه القضاء والكفارة. واستدل عليه في المعتبر بأنه مع العزم‌ على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم ويعود كالمتعمد للبقاء على الجنابة (١).

ويشكل بأنه لا يلزم من انتفاء نية الغسل تحقق العزم على ترك الاغتسال ، لجواز الذهول عن كل منهما ، وينبغي القطع بسقوط الكفارة على هذا التقدير.

قوله : ( والاستمناء ).

المراد به طلب الإمناء بغير الجماع مع حصوله ، ولا خلاف في أن ذلك موجب للقضاء والكفارة ، وتدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني ، قال : « عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع » (٢).

قوله : ( وإيصال الغبار إلى الحلق ).

ما اختاره المصنف من وجوب القضاء والكفارة بذلك أحد الأقوال في المسألة ، لرواية سليمان بن جعفر المروزي قال ، سمعته يقول : « إذا تمضمض الصائم في رمضان ، أو استنشق متعمدا ، أو شم رائحة غليظة ، أو كنس بيتا فدخل أنفه وحلقه غبار فعليه القضاء صوم شهرين متتابعين ، فإن ذلك فطر له مثل الأكل والشرب والنكاح » (٣) وهذه الرواية ضعيفة السند بجهالة الراوي والقائل ، متروكة الظاهر من حيث اقتضائها ترتب الكفارة على مجرد المضمضة والاستنشاق وشم الرائحة الغليظة ولا قائل به.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٧٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٦ ـ ٥٩٧ ، الإستبصار ٢ : ٨١ ـ ٢٤٧ ، الوسائل ٧ : ٢٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٢١٤ ـ ٦٢١ ، الإستبصار ٢ : ٩٤ ـ ٣٠٥ ، الوسائل ٧ : ٤٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٢ ح ١.

٧٧

الثانية : لا تجب الكفارة إلا في صوم رمضان ، وقضائه بعد الزوال ، والنذر المعين ، وفي صوم الاعتكاف إذا وجب.

______________________________________________________

وحكى الشيخ في المبسوط عن بعض أصحابنا قولا بأن ذلك لا يوجب الكفارة ، وإنما يوجب القضاء خاصة (١). واختاره ابن إدريس ، قال : لأن الأصل براءة الذمة من الكفارة ، وبين أصحابنا في ذلك خلاف ، والقضاء مجمع عليه (٢). وهو جيد لو انعقد الإجماع على الوجوب لكنه غير ثابت ، وقد تقدم الكلام في ذلك.

قوله : ( الثانية ، لا تجب الكفارة إلا في صوم شهر رمضان ، وقضائه بعد الزوال ، والنذر المعين ، وفي صوم الاعتكاف إذا وجب ).

أما وجوب الكفارة في صوم شهر رمضان والنذر المعين وما في معناه وصوم الاعتكاف الواجب فلا خلاف فيه بين الأصحاب ، وإنما الخلاف في وجوبها في قضاء رمضان ، فذهب الأكثر إلى الوجوب.

وقال ابن أبي عقيل : من جامع أو أكل أو شرب في قضاء شهر رمضان أو صوم كفارة أو نذر فقد أثم وعليه القضاء ولا كفارة عليه ، وأطلق (٣).

احتج الموجبون بما رواه الشيخ ، عن بريد العجلي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان ، قال : « إن كان أتى أهله قبل الزوال فلا شي‌ء عليه إلا يوما مكان يوم ، وإن كان أتى أهله بعد الزوال فإن عليه أن يتصدق على عشرة مساكين » (٤).

وفي الصحيح عن هشام بن سالم قال ، قلت لأبي عبد الله‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٧١.

(٢) السرائر : ٨٥.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٢٢٨.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٧٨ ـ ٨٤٤ ، الإستبصار ٢ : ١٢٠ ـ ٣٩١ ، الوسائل ٧ : ٢٥٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ١.

٧٨

______________________________________________________

عليه‌السلام : رجل وقع على أهله وهو يقضي شهر رمضان فقال : « إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي‌ء عليه يصوم يوما بدله ، وإن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين ، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة لذلك » (١).

ويمكن المناقشة في الرواية الأولى من حيث السند باشتماله على الحارث بن محمد ، وهو مجهول. وفي الرواية الثانية من حيث المتن باقتضائها تعلق الكفارة بالمواقعة بعد العصر وسقوطها قبل ذلك ، وهو خلاف المدعى.

وقال الشيخ في الاستبصار : إنه لا تنافي بين الخبرين ، لأنه إذا كان وقت الصلاتين عند زوال الشمس إلا أن الظهر قبل العصر على ما بيناه فيما تقدم جاز أن يعبر عما قبل الزوال بأنه قبل العصر لقرب ما بين الوقتين ، ويعبر عما بعد الزوال بأنه بعد العصر لمثل ذلك (٢). وهو حمل بعيد. ولو جمع بين الروايتين بحمل ما تضمن الكفارة قبل صلاة العصر على الاستحباب أمكن. والمسألة محل إشكال.

احتج ابن أبي عقيل (٣) بأصالة البراءة ، وما رواه عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان ويريد أن يقضيها متى يريد أن ينوي الصيام قال : « هو بالخيار إلى أن تزول الشمس ، فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم وإن كان نوى الإفطار فليفطر » سئل : فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال : « لا » سئل : فإن نوى الصوم ثم أفطر بعد‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٧٩ ـ ٨٤٥ ، الإستبصار ٢ : ١٢٠ ـ ٣٩٢ ، الوسائل ٧ : ٢٥٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٢.

(٢) الاستبصار ٢ : ١٢١.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٢٤٧.

٧٩

وما عداه لا تجب فيه الكفارة ، مثل صوم الكفارات ، والنذر غير المعين ، والمندوب ، وإن فسد الصوم.

تفريع : من أكل ناسيا فظن فساد صومه فأفطر عامدا فسد صومه‌

______________________________________________________

ما زالت الشمس قال : « قد أساء وليس عليه شي‌ء إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه (١). وهذه الرواية ضعيفة السند باشتماله على جماعة من الفطحية.

وأجاب عنها الشيخ في الاستبصار بأن الوجه في قوله عليه‌السلام : « ليس عليه شي‌ء » أن نحمله على أنّه ليس عليه شي‌ء من العقاب ، لأن من أفطر في هذا اليوم لا يستحق العقاب وإن أفطر بعد الزوال وإن لزمته الكفارة بحسب ما قدمناه (٢). وفي هذا الجواب اعتراف بجواز الإفطار بعد الزوال فيبعد مجامعته لوجوب الكفارة.

قوله : ( وما عداه لا تجب فيه الكفارة ، مثل صوم الكفارات ، والنذر غير المعين ، والمندوب ، ولو فسد الصوم ).

هذا موضع وفاق بين الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنه قول العلماء كافة (٣). وقد نص العلامة (٤) وغيره (٥) على جواز الإفطار في هذا النوع قبل الزوال وبعده. وربما قيل بتحريم قطع كل واجب ، لعموم النهي عن إبطال العمل (٦). وهو ضعيف.

قوله : ( تفريع ، من أكل ناسيا فظن فساد صومه فأفطر عامدا فسد‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨٠ ـ ٨٤٧ ، الإستبصار ٢ : ١٢١ ـ ٣٩٤ ، الوسائل ٧ : ٦ أبواب وجوب الصوم ب ٢ ج ١٠ ، وأورد بقية الحديث في ص ٢٥٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٤.

(٢) الاستبصار ٢ : ١٢٢.

(٣) المنتهى ٢ : ٥٧٦.

(٤) المنتهى ٢ : ٦٢٠ ، والتذكرة ١ : ٢٨٠.

(٥) كالشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١١٩.

(٦) قال به ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٣ : ٩٤ ، ١١٥.

٨٠