مدارك الأحكام - ج ٦

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٦

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

الثالث : نيّة الصبي المميز صحيحة وصومه شرعي.

______________________________________________________

يتبعض (١).

وفي الأدلة من الجانبين نظر. والحق أن مرجع الخلاف في هذه المسألة إلى أن استمرار النية في زمان الصوم هل هو شرط أم لا؟ وقد قطع الشيخ (٢) والمرتضى (٣) والمصنف في المعتبر (٤) بعدم اشتراطه كما في الإحرام. ولا بأس به ، لأنه الأصل وليس له معارض يعتد به ، فالمسألة محل تردّد.

واعلم أن قول المصنف : لو عقد نية الصوم ثم نوى الإفطار ولم يفطر ثم جدد النية كان صحيحا ، يقتضي بظاهره أن تجديد نية الصوم بعد نية المفطر له مدخل في الصحة ، وبذلك صرح العلامة في المنتهى فقال : قد بيّنا أنه لو نوى الإفطار بعد انعقاد الصوم لم يفطر لأنه انعقد شرعا فلا يخرج عنه إلا بدليل شرعي ، هذا إذا عاد ونوى الصوم أما لو لم ينو بعد ذلك الصوم فالوجه وجوب القضاء (٥). هذا كلامه رحمه‌الله وهو غير جيد ، لأن المقتضي للفساد عند القائل به العزم على فعل المفطر ، فإن ثبت ذلك وجب الحكم بالبطلان مطلقا ، وإلا وجب القول بالصحة كذلك ، كما أطلقه في المعتبر. والله أعلم.

قوله : ( الثالث ، نية الصبي المميز صحيحة وصومه شرعي ).

اختلف الأصحاب في أن عبادة الصبي هل هي شرعية بمعنى أنها مستندة إلى أمر الشارع فيستحق عليها الثواب أو تمرينية؟ فذهب الشيخ (٦).

__________________

(١) المختلف : ٢١٥. وفيه منتفيا بدل مشقا.

(٢) الخلاف ١ : ٤٠١.

(٣) رسائل السيد المرتضى ٢ : ٣٥٦.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٥٢.

(٥) المنتهى ٢ : ٥٦٩.

(٦) المبسوط ١ : ٢٧٨.

٤١

______________________________________________________

وجماعة منهم المصنف (١) إلى الأول ، لإطلاق الأمر ، ولأن الأمر بالأمر بالشي‌ء أمر بذلك الشي‌ء ، بمعنى أن الظاهر من حال الآمر كونه مريدا لذلك الشي‌ء.

واستقرب العلامة في المختلف أنها تمرينية ، لأن التكليف مشروط بالبلوغ ، ومع انتفائه ينتفي المشروط (٢).

ويمكن المناقشة في اعتبار هذا الشرط على إطلاقه ، فإن العقل لا يأبى توجه الخطاب إلى الصبي المميز ، والشرع إنما اقتضى توقف التكليف بالواجب والمحرم على البلوغ لحديث رفع القلم ونحوه ، أما التكليف بالمندوب وما في معناه فلا مانع عنه عقلا ولا شرعا.

وبالجملة فالخطاب بإطلاقه متناول له ، والفهم الذي هو شرط التكليف حاصل كما هو المقدّر ، ومن ادعى اشتراط ما زاد على ذلك طولب بدليله.

ويتفرع على ذلك وصف العبادة الصادرة منه بالصحة وعدمه ، فإن قلنا إنها شرعية جاز وصفها بالصحة ، لأنها عبارة عن موافقة الأمر ، وإن قلنا إنها تمرينية لم توصف بصحة ولا بفساد.

وذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أنه لا إشكال في صحة صومه ، لأن الصحة من باب خطاب الوضع ، وهو غير متوقف على التكليف وإن كان صومه تمرينيا (٣). وهو غير جيد ، لأن الصحة والبطلان اللذين هما موافقة الأمر ومخالفته لا يحتاج إلى توقيف من الشارع ، بل يعرف بمجرد العقل ، ككونه (٤) مؤديا للصلاة وتاركا لها فلا يكون من حكم الشرع في شي‌ء ، بل هو عقلي مجرد كما صرح به ابن الحاجب وغيره.

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٨٨.

(٢) المختلف : ٢١٦.

(٣) المسالك ١ : ٧٠.

(٤) في « ض » : لكونه.

٤٢

الثّاني : ما يمسك عنه الصائم

وفيه مقاصد :

الأول : يجب الإمساك عن كل مأكول ، معتادا كان كالخبز والفواكه ، أو غير معتاد كالحصى والبرد ، وعن كل مشروب ولو لم يكن معتادا ، كمياه الأنوار وعصارة الأشجار ،

______________________________________________________

قوله : ( الأول ، يجب الإمساك عن كل مأكول ، معتادا كان كالخبز والفواكه ، أو غير معتاد كالحصى والبرد ، وعن كل مشروب ولو لم يكن معتادا ، كمياه الأنوار وعصارة الأشجار ).

أما تحريم المعتاد من كل مأكول ومشروب فعليه إجماع العلماء ، ويدل عليه قوله تعالى ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (١).

وأما غير المعتاد فالمعروف من مذهب الأصحاب تحريمه أيضا ، لأن تحريم الأكل والشرب يتناول المعتاد وغيره ، ولأن الصوم إمساك عما يصل إلى الجوف ، وتناول هذه الأشياء ينافي الإمساك.

ونقل عن السيد المرتضى أنه قال في بعض كتبه : إن ابتلاع غير المعتاد كالحصاة ونحوها لا يفسد الصوم (٢). وحكاه في المختلف عن ابن الجنيد أيضا (٣) ، واستدل لهما بأن تحريم الأكل والشرب إنما ينصرف إلى المعتاد لأنه المتعارف ، فيبقى الباقي على أصل الإباحة. ثم أجاب عنه بالمنع من تناوله المعتاد خاصة ، بل يتناول المعتاد وغيره. ولا بأس به إذا صدق على تناوله اسم الأكل والشرب.

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) جمل العلم والعمل : ٩٠.

(٣) المختلف : ٢١٦.

٤٣

وعن الجماع في القبل إجماعا ، وفي دبر المرأة على الأظهر ، ويفسد صوم المرأة.

______________________________________________________

قوله : ( وعن الجماع في القبل إجماعا ، وفي دبر المرأة على الأظهر ، ويفسد صوم المرأة ).

أما تحريم الجماع على الصائم في القبل وكونه مفسدا للصوم فموضع وفاق بين المسلمين ، ويدل عليه قوله تعالى ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) (١) وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال : الطعام ، والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء » (٢).

وأما الوطء في الدبر ، فإن كان مع الإنزال فلا خلاف بين العلماء كافة في أنه مفسد للصوم ، وإن كان بدون الإنزال فالمعروف من مذهب الأصحاب أنه كذلك ، لإطلاق النهي عن المباشرة في الآية الكريمة ، خرج من ذلك ما عدا الوطء في القبل والدبر فيبقى الباقي مندرجا في الإطلاق ، ومتى ثبت التحريم كان مفسدا للصوم بالإجماع المركب.

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ ، عن علي بن الحكم ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا أتى الرجل المرأة في الدبر وهي صائمة لم ينقض صومها وليس عليهما غسل » (٣) لأنا نجيب عنه بالطعن في السند بالإرسال. وقال الشيخ في التهذيب : هذا خبر غير معمول عليه وهو مقطوع الإسناد (٤).

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٢ ـ ٥٨٤ و ٣١٨ ـ ٩٧١ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ ـ ٢٤٤ و ٨٤ ـ ٢٦١ ، الوسائل ٧ : ١٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١ ح ١ ، وفيها : ثلاث خصال بدل أربع خصال.

(٣) التهذيب ٤ : ٣١٩ ـ ٩٧٧ ، الوسائل ١ : ٤٨١ أبواب الجنابة ب ١٢ ح ٣ ، وفيها : عليها بدل عليهما.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٢٠.

٤٤

وفي فساد الصوم بوطء الغلام والدابة تردد وإن حرم ، وكذا القول في فساد صوم الموطوء ، والأشبه أنه يتبع وجوب الغسل ،

______________________________________________________

واعلم أنه (١) لم يتقدم من المصنف ـ رحمه‌الله ـ ما يدل على فساد صوم الواطئ حتى يتبعه بفساد صوم المرأة ، وإنما تقدم وجوب الإمساك عن الجماع ، وهو لا يستلزم كونه مفسدا للصوم ، فكان الأولى ذكر فساد صوم الواطئ أولا ، أو تأخير حكم فساد صوم المرأة إلى المطلب (٢) الثاني.

قوله : ( وفي فساد الصوم بوطء الغلام والدابة تردد وإن حرم ، وكذا القول في فساد صوم الموطوء ، والأشبه أنه يتبع وجوب الغسل ).

اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فقال الشيخ في المبسوط : إن وطء الغلام والدابة مفسد للصوم ويجب به القضاء والكفارة (٣).

وقال في الخلاف : إذا أدخل ذكره في دبر امرأة أو غلام كان عليه القضاء والكفارة. وادعى عليه الإجماع ثم قال : وإذا أتى بهيمة فأمنى كان عليه القضاء والكفارة ، فإن أولج ولم ينزل فليس لأصحابنا فيه نص ، لكن مقتضى المذهب أن عليه القضاء ، لأنه لا خلاف فيه ، فأما الكفارة فلا تلزمه ، لأن الأصل براءة الذمة (٤).

قال ابن إدريس : لما وقفت على كلامه كثر تعجبي منه ، والذي دفع به الكفارة يدفع القضاء مع قوله لا نص لأصحابنا فيه ، وإذا لم يكن فيه نص مع قولهم : « اسكتوا عما سكت الله عنه » فقد كلفه القضاء بغير دليل ، وأي مذهب لنا يقتضي وجوب القضاء ، بل أصول المذهب تقتضي نفيه ، وهي براءة الذمة والخبر المجمع عليه (٥).

__________________

(١) في « ض » زيادة : لو.

(٢) في « ض » ، « م » ، « ح » : المقصد.

(٣) المبسوط ١ : ٢٧٠.

(٤) الخلاف ١ : ٣٨٧.

(٥) السرائر : ٨٦.

٤٥

وعن الكذب على الله وعلى رسوله والأئمة عليهم‌السلام ، وهل يفسد الصوم بذلك؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه ،

______________________________________________________

وقد يقال إن مراد الشيخ ـ رحمه‌الله ـ بالنص الذي نفاه أولا النص الصادر من المعصوم ، وانتفاؤه لا ينافي ثبوت الحكم بدليل آخر ، وهو الإجماع الذي ادعاه.

واستقرب المصنف (١) والعلامة في جملة من كتبه (٢) أن فساد الصوم بكل من هذين الأمرين تابع لوجوب الغسل ، واستدل عليه في المختلف بأن الغسل معلول للجنابة وهي علة للأحكام المذكورة ، فإذا حصل المعلول دل على وجود العلة ، فيلزم وجود المعلول الآخر. وهو جيد لو ثبت أن الجنابة علة في فساد الصوم وليس في الأخبار ما يدل على ذلك صريحا ، لكن يلوح من بعضها ذلك. والمسألة محل إشكال ، وإن كان المصير إلى ما ذكره المصنف لا يخلو من قرب.

قوله : ( وعن الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة عليهم‌السلام ، وهل يفسد الصوم بذلك؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه ).

اختلف الأصحاب في فساد الصوم بالكذب على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى الأئمة عليهم‌السلام ، بعد اتفاقهم على أن غيره من أنواع الكذب لا يفسد الصوم وإن كان محرما ، فقال الشيخان (٣) والسيد المرتضى في الانتصار (٤) : إنه مفسد للصوم ، ويجب به القضاء والكفارة. وقال السيد المرتضى في الجمل (٥) وابن إدريس (٦) : لا يفسد. وهو المعتمد.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٥٤.

(٢) المختلف : ٢١٦.

(٣) المفيد في المقنعة : ٥٤ ، والشيخ في النهاية : ١٥٣ ، والخلاف ١ : ٤٠١ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢١٢ ، والمبسوط ١ : ٢٧٠.

(٤) الانتصار : ٦٢.

(٥) جمل العلم والعمل : ٩٠.

(٦) السرائر : ٨٥.

٤٦

______________________________________________________

لنا : التمسك بمقتضى الأصل والحصر المستفاد من صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (١).

احتج الأولون بإجماع الفرقة وما رواه الشيخ ، عن منصور بن يونس ، عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم » قال قلت له هلكنا قال : « ليس حيث تذهب ، إنما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى الأئمة عليهم‌السلام » (٢).

وعن سماعة ، قال : سألته عن رجل كذب في شهر رمضان فقال : « قد أفطر وعليه قضاؤه وهو صائم يقضي صومه ووضوءه إذا تعمد » (٣).

والجواب أما عن الإجماع فبأنه مكابرة كما ذكره المصنف في المعتبر ، وأما عن الروايتين فأولا بالطعن في السند ، باشتمال سند الأولى على منصور بن يونس بزرج ، وقال الشيخ : إنه كان واقفيا (٤). وروى الكشي حديثا معتبر الإسناد متضمنا لأنه جحد النص على الرضا عليه‌السلام لأموال كانت في يده (٥). وبأن راويها وهو أبو بصير مشترك بين الثقة والضعيف.

وبضعف الرواية الثانية بالإضمار وباشتمال سندها على عدة من الواقفية.

وثانيا بأن الروايتين متضمنتان لما أجمع العلماء على خلافه ، وهو نقض الوضوء بذلك ، وهذا مما يضعف الخبر.

وقال الشيخ في التهذيب : إن المراد بنقض الوضوء نقض كمال الوضوء‌

__________________

(١) في ص ٤٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٣ ـ ٥٨٥ ، الوسائل ٧ : ٢٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢ ح ٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٠٣ ـ ٥٨٦ ، الوسائل ٧ : ٢٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢ ح ٣.

(٤) رجال الطوسي : ٣٦٠ ـ ٢١.

(٥) رجال الكشي ٢ : ٧٦٨ ـ ٨٩٣.

٤٧

وعن الارتماس ، وقيل : لا يحرم بل يكره ، والأول أظهر ، وهل يفسد بفعله؟ الأشبه لا ،

______________________________________________________

وثوابه ووجهه الذي يستحق به الثواب (١). وهو تأويل بعيد.

قوله : ( وعن الارتماس ، وقيل : لا يحرم بل يكره ، والأول أشبه ).

اختلف الأصحاب في حكم الارتماس في الصوم ، فذهب الأكثر ومنهم الشيخان في المقنعة والنهاية والمبسوط إلى أنه مفسد للصوم (٢). وبه قطع المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ في الانتصار وادعى عليه إجماع الفرقة (٣). وقال ابن إدريس : إنه مكروه (٤). وحكاه في المعتبر عن المرتضى أيضا في مسائل الخلاف (٥). وقال الشيخ في الاستبصار : إنه محرم ولا يوجب قضاء ولا كفارة (٦). وهو المعتمد.

لنا : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الصائم يستنقع في الماء ولا يرمس رأسه » (٧).

وفي الصحيح عن حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يرمس الصائم ولا المحرم رأسه في الماء » (٨).

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ،

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٠٣.

(٢) المقنعة : ٥٤ ، والنهاية : ١٥٤ ، والمبسوط ١ : ٢٧٠.

(٣) الانتصار : ٦٢.

(٤) السرائر : ٨٥ ، ٨٨.

(٥) المعتبر ٢ : ٦٥٧.

(٦) الاستبصار ٢ : ٨٥.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٠٣ ـ ٥٨٧ ، الإستبصار ٢ : ٨٤ ـ ٢٥٨ ، الوسائل ٧ : ٢٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٧.

(٨) التهذيب ٤ : ٢٠٣ ـ ٥٨٨ ، الإستبصار ٢ : ٨٤ ـ ٢٥٩ ، الوسائل ٧ : ٢٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٨.

٤٨

______________________________________________________

قال : « الصائم يستنقع في الماء ويصب على رأسه ويتبرد بالثوب وينضح المروحة وينضح البوريا تحته ولا يغمس رأسه في الماء » (١).

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال : الطعام ، والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء » (٢) وهذه الروايات مع كثرتها سليمة عن المعارض ، ومقتضاها التحريم لأنه حقيقة النهي.

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كره للصائم أن يرتمس في الماء » (٣) لأنا نجيب عنه أولا بالطعن في السند باشتماله على عدة من الضعفاء ، وثانيا بأن الكراهة كثيرا ما تستعمل بمعنى التحريم ، بل ربما ظهر من بعض الروايات كونها حقيقة فيه ، فلا يتحقق التنافي.

وإنما قلنا إنه غير مفسد (٤) ، لأن النهي هنا عن أمر خارج عن العبادة. ويؤيده ما رواه الشيخ ، عن إسحاق بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل صائم ارتمس في الماء متعمدا أعليه قضاء ذلك اليوم؟ قال : ليس عليه قضاء ولا يعودن » (٥).

قال الشيخ في الاستبصار : ولست أعرف حديثا في إيجاب القضاء.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٠٦ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٠٤ ـ ٥٩١ ، الإستبصار ٢ : ٨٤ ـ ٢٦٠ ، الوسائل ٧ : ٢٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٦٧ ـ ٢٧٦ ، التهذيب ٤ : ٢٠٢ ـ ٥٨٤ ، الإستبصار ٢ : ٨٠ ـ ٢٤٤ ، الوسائل ٧ : ١٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٠٩ ـ ٦٠٦ ، الإستبصار ٢ : ٨٤ ـ ٢٦٢ ، الوسائل ٧ : ٢٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٩.

(٤) في « م » زيادة : للصوم.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٠٩ ـ ٦٠٧ ، الإستبصار ٢ : ٨٤ ـ ٢٦٣ ، الوسائل ٧ : ٢٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٦ ح ١.

٤٩

______________________________________________________

والكفارة ، أو إيجاب أحدهما على من ارتمس في الماء (١). وهو كذلك ، نعم ربما كان في رواية ابن مسلم إشعار بمساواته للأكل والشرب والنساء لكنها غير صريحة في ذلك.

وقال المصنف في المعتبر : ويمكن أن يكون الوجه في التحريم الاحتياط في الصوم ، فإن المرتمس في الأغلب لا ينفك أن يصل الماء إلى جوفه فيحرم وإن لم يجب منه قضاء ولا كفارة إلا مع اليقين بابتلاعه ما يوجب المفطر (٢). وهو حسن.

وهنا مباحث :

الأول : المراد بالارتماس غمس الرأس في الماء دفعة عرفية وإن كان البدن خارج الماء ، كما دلت عليه الأخبار المتقدمة ، ولو غمسه على التعاقب لم يتعلق به التحريم ، لعدم صدق الارتماس مع احتماله. والمراد بالرأس هنا ما فوق الرقبة ، ولا يبعد تعلق التحريم بغمس المنافذ كلها دفعة وإن كانت منابت الشعر خارجة من الماء.

الثاني : إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي أنه لا فرق في هذا الحكم بين صوم الفريضة والنافلة ، ثم إن قلنا أنه مفسد جاز فعله في صوم النافلة كغيره من المفطرات ، وإن قلنا بالتحريم خاصة كما هو الظاهر احتمل التحريم في صوم النافلة ـ كالتكفير في الصلاة المندوبة ـ والإباحة ، إما لقصور الأخبار المانعة عن إفادة العموم ، أو لأنه إذا جاز تناول المفطر جاز فعل ما هو مظنة له بطريق أولى.

الثالث : ذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أن فائدة التحريم تظهر فيما لو ارتمس في غسل مشروع ، فإنه يقع فاسدا للنهي عن بعض أجزائه المقتضي‌

__________________

(١) الإستبصار ٢ : ٨٥.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٥٧.

٥٠

وفي إيصال الغبار إلى الحلق خلاف ، والأظهر التحريم وفساد الصوم ،

______________________________________________________

للفساد في العبادة (١). وهو جيد إن وقع الغسل في حال الأخذ في الارتماس أو الاستقرار في الماء ، لاستحالة اجتماع الواجب والحرام في الشي‌ء الواحد ، أما لو وقع في حال الأخذ في رفع الرأس من الماء فإنه يجب الحكم بصحته ، لأن ذلك واجب محض لم يتعلق به نهي أصلا ، فينتفي المقتضي للفساد.

الرابع : ذكر الشارح أيضا أن المرتمس ناسيا يرتفع حدثه لعدم توجه النهي إليه ، وأن الجاهل عامد (٢). وما ذكره في حكم الناسي جيد ، لكن الأظهر مساواة الجاهل له في ذلك ، لاشتراكهما في عدم توجه النهي إليهما وإن أثم الجاهل بتقصيره في التعلم على بعض الوجوه كما بيناه مرارا.

قوله : ( وفي إيصال الغبار إلى الحلق خلاف ، والأظهر التحريم وفساد الصوم ).

هذا قول معظم الأصحاب ، قال في المنتهى : وعلى قول السيد المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ ينبغي عدم الفساد بذلك (٣).

احتج القائلون (٤) بالفساد بأنه أوصل إلى جوفه ما ينافي الصوم فكان مفسدا له ، وبما رواه الشيخ عن سليمان المروزي قال : سمعته يقول : « إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان ، أو استنشق متعمدا ، أو شم رائحة غليظة ، أو كنس بيتا فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإن ذلك له فطر مثل الأكل والشرب والنكاح » (٥).

__________________

(١) المسالك ١ : ٧١.

(٢) المسالك ١ : ٧١.

(٣) المنتهى ٢ : ٥٦٥ وقول السيد هو ما تقدم عنه في ص ٤٣ من أن ابتلاع غير المعتاد كالحصاة ونحوها لا يفسد الصوم.

(٤) كالعلامة في المنتهى ٢ : ٥٦٥.

(٥) التهذيب ٤ : ٢١٤ ـ ٦٢١ ، الإستبصار ٢ : ٩٤ ـ ٣٠٥ ، الوسائل ٧ : ٤٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٢ ح ١.

٥١

______________________________________________________

ويتوجه على الأول المنع من كون مطلق الإيصال مفسدا ، بل المفسد الأكل والشرب وما في معناهما.

وعلى الرواية أولا الطعن في السند باشتماله على عدة من المجاهيل مع جهالة القائل.

وثانيا باشتمالها على ما أجمع الأصحاب على خلافه من ترتب الكفارة على مجرد المضمضة والاستنشاق وشم الرائحة الغليظة.

وثالثا بأنها معارضة بما رواه الشيخ في الموثق ، عن عمرو بن سعيد عن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن الصائم يدخن بعود أو بغير ذلك فيدخل (١) الدخنة في حلقه ، قال : « لا بأس » وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه ، قال : « لا بأس » (٢).

ويظهر من المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر التوقف في هذا الحكم ، حيث قال بعد أن أورد رواية سليمان المروزي : وهذه الرواية فيها ضعف ، لأنا لا نعلم القائل ، وليس الغبار كالأكل والشرب ، ولا كابتلاع الحصى والبرد (٣). وهو في محله.

واعلم أن المصنف لم يقيد الغبار في هذا الكتاب بكونه غليظا ، وقد صرح الأكثر ومنهم المصنف في المعتبر باعتباره (٤). ولا بأس به قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق إن تم ، إلا أن الاعتبار يقتضي عدم الفرق بين الغليظ وغيره ، لأن الغبار نوع من المتناولات ، فإن كان مفسدا للصوم أفسد قليله وكثيره ، وإلا لم يفسد كذلك.

وألحق المتأخرون بالغبار الدخان الغليظ الذي يحصل منه أجزاء‌

__________________

(١) في « ض » و « ح » : فتدخل.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٢٤ ـ ١٠٠٣ ، الوسائل ٧ : ٤٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٢ ح ٢.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٥٥.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٥٤.

٥٢

وعن البقاء على الجنابة عامدا حتى يطلع الفجر من غير ضرورة على الأشهر‌

______________________________________________________

ويتعدى إلى الحلق ، وبخار القدر ونحوهما. وهو بعيد.

قوله : ( وعن البقاء على الجنابة عامدا حتى يطلع الفجر ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل قيل إنه إجماع (١). وقال ابن بابويه في كتابه المقنع : سأل حماد بن عثمان أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل فأخر الغسل إلى أن يطلع الفجر فقال له : « قد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجامع نساءه من أول الليل ويؤخر الغسل حتى يطلع الفجر » (٢) ومن طريقته ـ رحمه‌الله ـ في ذلك الكتاب نقل متون الأخبار وإفتاؤه بمضمونها. والمعتمد ما عليه أكثر الأصحاب.

لنا : الأخبار المستفيضة ، كصحيحة معاوية بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجنب من أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان ، قال : « ليس عليه شي‌ء » قلت : فإنه استيقظ ثم نام حتى أصبح ، قال : « فليقض ذلك اليوم عقوبة » (٣).

وصحيحة ابن أبي يعفور قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجنب في شهر رمضان حتى (٤) يستيقظ ثم ينام حتى يصبح ، قال : « يتم يومه ويقضي يوما آخر ، وإن لم يستيقظ حتى أصبح أتم يومه وجاز له » (٥).

وصحيحة أحمد بن محمد ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان ، أو أصابته جنابة ثم ينام حتى‌

__________________

(١) كما في الانتصار : ٦٣ ، والمعتبر ٢ : ٦٥٥.

(٢) المقنع : ٦٠ ، الوسائل ٧ : ٣٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٢١٢ ـ ٦١٥ ، الإستبصار ٢ : ٨٧ ـ ٢٧١ ، الوسائل ٧ : ٤١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ١.

(٤) كذا ، وفي المصدر : ثم.

(٥) الفقيه ٢ : ٧٥ ـ ٣٢٣ ، التهذيب ٤ : ٢١١ ـ ٦١٢ ، الإستبصار ٢ : ٨٦ ـ ٢٦٩ ، الوسائل ٧ : ٤١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٢.

٥٣

______________________________________________________

يصبح متعمدا ، قال : « يتم ذلك اليوم وعليه قضاؤه » (١).

وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ثم ينام قبل أن يغتسل ، قال : سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ثم ينام قبل أن يغتسل ، قال : « يتم صومه ويقضي ذلك اليوم إلا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر ، فإن انتظر ماءا يسخّن له أو يستقى فطلع الفجر فلا يقضي يومه » (٢) والأخبار الواردة بذلك كثيرة جدا (٣).

حجة القول الثاني قوله تعالى ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) (٤) وقوله ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ) ـ إلى قوله ـ ( حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) (٥). فإن وجوب تقديم الغسل على طلوع الفجر يقتضي تحريم الرفث والمباشرة في الجزء الأخير من الليل ، وهو خلاف ما دل عليه إطلاق الآية.

وصحيحة عيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان في أول الليل فأخر الغسل حتى يطلع الفجر قال يتم صومه ولا قضاء عليه » (٦).

وصحيحة حبيب الخثعمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي صلاة الليل في شهر رمضان ثم‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١١ ـ ٦١٤ ، الإستبصار ٢ : ٨٦ ـ ٢٦٨ ، الوسائل ٧ : ٤٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٤.

(٢) الكافي ٤ : ١٠٥ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٢١١ ـ ٦١٣ ، الإستبصار ٢ : ٨٦ ـ ٢٧٠ ، الوسائل ٧ : ٤١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥. ح ١٣‌

(٣) الوسائل ٧ : ٤١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥.

(٤) البقرة : ١٨٧.

(٥) البقرة : ١٨٧.

(٦) التهذيب ٤ : ٢١٠ ـ ٦٠٨ ، الإستبصار ٢ : ٨٥ ـ ٢٦٤ ، الوسائل ٧ : ٣٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ٤.

٥٤

______________________________________________________

يجنب ثم يؤخر الغسل متعمدا حتى يطلع الفجر » (١).

ورواية إسماعيل بن عيسى ، قال سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمدا حتى أصبح ، أي شي‌ء عليه؟ قال : « لا يضره هذا ولا يفطر ولا يبالي ، فإن أبي عليه‌السلام قال ، قالت عائشة : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصبح جنبا من جماع من غير احتلام » (٢).

والجواب أما عن إطلاق الآية فبأنه مقيد بما أوردناه من الروايات. وأما عن الرواية الأولى فبعدم الصراحة في أن التأخير وقع على وجه العمد. وأما عن الروايتين الأخيرتين فبالحمل على التقية كما تشعر به الرواية الأخيرة ، حيث أسند النقل فيها إلى عائشة ولم يسنده إلى آبائه عليهم‌السلام.

وهنا مباحث :

الأول : قال المصنف في المعتبر بعد أن أورد الروايات المتضمنة لفساد صوم شهر رمضان بتعمد البقاء على الجنابة : ولقائل أن يخص هذا الحكم برمضان دون غيره من الصيام (٣).

وقال العلامة ـ رحمه‌الله ـ في المنتهى : هل يختص هذا الحكم برمضان؟ فيه تردد ، ينشأ من تنصيص الأحاديث على رمضان من غير تعميم ولا قياس يدل عليه ، ومن تعميم الأصحاب وإدراجه في المفطرات مطلقا (٤).

وأقول : إنه لا يخفى ضعف الوجه الثاني من وجهي التردد ، فإن تعميم‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١٣ ـ ٦٢٠ ، الإستبصار ٢ : ٨٨ ـ ٢٧٦ ، الوسائل ٧ : ٤٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١٠ ـ ٦١٠ ، الإستبصار ٢ : ٨٥ ـ ٢٦٦ ، الوسائل ٧ : ٣٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ٦.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٥٦.

(٤) المنتهى ٢ : ٥٦٦.

٥٥

______________________________________________________

الأصحاب لا يعارض أصالة البراءة.

والحق أن قضاء رمضان ملحق بأدائه ، بل الظاهر عدم وقوعه من الجنب في حال الاختيار مطلقا لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقضي رمضان فيجنب من أول الليل ولا يغتسل حتى آخر الليل وهو يرى أن الفجر قد طلع ، قال : « لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره » (١).

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان أيضا ، قال : كتبت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام ـ وكان يقضي شهر رمضان ـ وقال : إني أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة فلم اغتسل حتى طلع الفجر ، فأجابه : « لا تصم هذا اليوم وصم غدا » (٢).

وينبغي القطع بعدم توقف الصوم المندوب على الغسل مطلقا ، تمسكا بمقتضى الأصل وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن حبيب الخثعمي قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخبرني عن التطوع وعن هذه الثلاثة الأيام إذا أجنبت من أول الليل فاعلم إني أجنبت وأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر ، أصوم أو لا أصوم؟ قال : « صم » (٣).

ويبقى الإشكال فيما عدا قضاء رمضان من الصوم الواجب. والمطابق لمقتضى الأصل عدم اعتبار هذا الشرط ، والواجب المصير إليه إلى أن يثبت المخرج عنه.

الثاني : قال في المنتهى : لم أجد لأصحابنا نصا صريحا في حكم الحيض في ذلك ، يعني أنها إذا انقطع دمها قبل الفجر هل يجب عليها‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٧٧ ـ ٨٣٧ ، الوسائل ٧ : ٤٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٩ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ١٠٥ ـ ٤ ، الوسائل ٧ : ٤٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٩ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٤٩ ـ ٢١٢ ، الوسائل ٧ : ٤٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٠ ح ١.

٥٦

______________________________________________________

الاغتسال ويبطل الصوم لو أخلت به حتى يطلع الفجر؟ والأقرب ذلك ، لأن حدث الحيض يمنع الصوم فكان أقوى من الجنابة (١).

ويتوجه عليه أن هذا الاستدلال إنما يتم مع ظهور التعليل في الأصل كما بيناه غير مرة ، نعم يمكن الاستدلال على الوجوب بما رواه الشيخ ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن طهرت بليل من حيضها ثم توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت عليه قضاء ذلك اليوم » (٢) لكن الرواية ضعيفة السند باشتماله على جماعة من الفطحية ، واشتراك أبي بصير بين الثقة والضعيف. ومن ثم تردد في ذلك المصنف في المعتبر (٣). وجزم العلامة في النهاية بعدم الوجوب (٤). ولا يخلو من قوة.

الثالث : أطلق المصنف في كتاب الطهارة من هذا الكتاب وجمع من الأصحاب توقف صوم المستحاضة على الإتيان بما يلزمها من الأغسال ، وقيدها المتأخرون بالأغسال النهارية ، وحكموا بعدم توقف صوم اليوم الماضي على غسل الليلة المستقبلة ، وترددوا في توقف صوم اليوم الآتي على غسل الليلة الماضية.

ويظهر من المصنف في المعتبر التوقف في ذلك كله حيث قال في أحكام المستحاضة : ولو صامت والحال هذه روى أصحابنا أن عليها القضاء (٥).

ولعله أشار بالرواية إلى ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن علي بن مهزيار قال ، كتبت إليه : امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أول‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٥٦٦.

(٢) التهذيب ١ : ٣٩٣ ـ ١٢١٣ ، الوسائل ٧ : ٤٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢١ ح ١.

(٣) المعتبر ١ : ٢٢٦.

(٤) نهاية الأحكام ١ : ١١٩.

(٥) المعتبر ١ : ٢٤٨.

٥٧

______________________________________________________

يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلت وصامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين ، هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فكتب عليه‌السلام : « تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأمر فاطمة عليها‌السلام والمؤمنات من نسائه بذلك » (١) وهذه الرواية ضعيفة بجهالة المكتوب إليه ، واشتمالها على ما أجمع الأصحاب على خلافه من وجوب قضاء الصوم دون الصلاة ، ومع ذلك فإنما تدل على وجوب القضاء بترك جميع الأغسال ، فإثبات ما زاد على ذلك يحتاج إلى دليل.

الرابع : هل يجب التيمم على الجنب وذات الدم مع تعذر الغسل؟ الأصح عدم الوجوب لاختصاص الأمر بالغسل فيسقط بتعذره وينتفي التيمم بالأصل.

وقيل : يجب ، لعموم ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) ولأن حدث الجنابة والحيض مانع من الصوم فيستصحب إلى أن يثبت المزيل وهو الغسل أو ما يقوم مقامه في الإباحة (٢). وضعف الدليلين ظاهر.

ثم إن قلنا بالوجوب فهل يجب البقاء عليه إلى أن يطلع الفجر؟ قيل : نعم ، لانتفاء فائدة التيمم لو جاز نقضه قبل الفجر ، ولأن النوم ناقض للتيمم كنقض الجنابة للغسل فكما لا يجوز تعمد البقاء على الجنابة إلى أن يطلع الفجر فكذا لا يجوز نقض التيمم والعود إلى حكم الجنابة قبله إلا أن يتحقق الانتباه قبل الفجر بحيث يتيمم ثانيا (٣). وقيل : لا يجب ، لأن انتقاض التيمم بالنوم لا يحصل إلا بعد تحققه وبعده يسقط التكليف لاستحالة تكليف الغافل (٤). ولا يخلو من قوة.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣١٠ ـ ٩٣٧ ، الوسائل ٧ : ٤٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٨ ح ١.

(٢) قال به الكركي في جامع المقاصد ١ : ٤.

(٣) قال به الكركي في جامع المقاصد ١ : ٤.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ٤٨.

٥٨

ولو أجنب فنام غير ناو للغسل فطلع الفجر فسد الصوم.

______________________________________________________

قوله : ( ولو (١) أجنب فنام غير ناو للغسل وطلع الفجر فسد صومه ).

الفرق بين هذه المسألة وبين تعمد البقاء على الجنابة فرق ما بين العام والخاص ، فإن تعمد البقاء عزم على عدم الغسل ، وعدم نية الغسل أعم من العزم على عدمه لتحققه مع الذهول عن الغسل.

وقد قطع المصنف وغيره بأن من نام حتى أصبح على هذا الوجه لزمه القضاء. واستدل عليه في المعتبر بأن مع العزم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم ويعود كالمعتمد للبقاء على الجنابة (٢). وهو غير جيد ، لأن عدم نية الغسل أعم من العزم على ترك الاغتسال. نعم يمكن الاستدلال عليه بإطلاق بعض الروايات المتضمنة لفساد الصوم مع تعمد النوم كصحيحة أحمد بن محمد ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان ، أو أصابته جنابة ثم ينام حتى يصبح متعمدا قال : « يتم ذلك اليوم وعليه قضاؤه » (٣).

وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال في رجل احتلم أول الليل وأصاب من أهله ثم نام متعمدا في شهر رمضان حتى أصبح ، قال : « يتم صومه ويقضيه إذا أفطر في شهر رمضان ويستغفر ربه » (٤).

__________________

(١) في « ض » : فلو.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٧٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٢١١ ـ ٦١٤ ، الإستبصار ٢ : ٨٦ ـ ٢٦٨ ، الوسائل ٧ : ٤٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٤.

(٤) الكافي ٤ : ١٠٥ ـ ١ ، الوسائل ٧ : ٤٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ١.

٥٩

ولو كان نوى الغسل صحّ صومه. ولو انتبه ثم نام ناويا فأصبح نائما فسد صومه وعليه قضاؤه.

______________________________________________________

ويتوجه عليه أن الظاهر من المعنى تعمد النوم العزم على البقاء على الجنابة فتنتفي الدلالة على وجوب القضاء في حال الذهول. وبالجملة فوجوب القضاء في هذه الصورة غير واضح لكنها نادرة.

واعلم أن الشارح ـ قدس‌سره ـ نص على أن النومة الأولى بعد الجنابة إنما تصح مع نية الغسل ، قال : ولا بد مع ذلك من احتماله الانتباه ، وإلا كان كمتعمد البقاء ، وشرط بعض الأصحاب مع ذلك اعتياد الانتباه وإلا كان كمتعمد البقاء على الجنابة ، ولا بأس به (١) هذا كلامه رحمه‌الله. وهو مشكل جدا ، خصوصا على القول بأن غسل الجنابة إنما يجب لغيره ، مع أنه لا معنى لتحريم النوم لسقوط التكليف معه ، ولعل المراد تعلق الحرمة بالتوجه إليه والأخذ في مقدماته. وكيف كان فلا ريب في تحريم العزم على ترك الاغتسال ، وأما تعلق الحرمة بالنوم فغير واضح ، خصوصا مع اعتياد الانتباه قبل طلوع الفجر.

قوله : ( ولو كان نوى الغسل صح صومه ، ولو انتبه ثم نام ناويا فأصبح نائما فسد صومه وعليه قضاؤه ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا وتدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجنب من أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان ، قال : « ليس عليه شي‌ء » قلت : فإنه استيقظ ثم نام حتى أصبح ، قال : « فليقض ذلك اليوم عقوبة » (٢).

قال الشارح قدس‌سره : وقد تقدم أن النومة الأولى إنما تصح مع العزم‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٧١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١٢ ـ ٦١٥ ، الإستبصار ٢ : ٨٧ ـ ٢٧١ ، الوسائل ٧ : ٤١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ١.

٦٠