مدارك الأحكام - ج ٦

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٦

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

______________________________________________________

ولو قلنا إن اشتراط الخروج إنما يسوغ عند العارض وفسرناه بالأمر الضروري جاز اشتراطه في المنذور المعين أيضا.

الثالث : في كيفيته وقد اختلفت عبارات الأصحاب في ذلك ، فأطلق المصنف أنه يجوز للمعتكف اشتراط الرجوع إذا شاء (١) ، وبه قطع في الدروس وصرح بأنه يجوز للمعتكف والحال هذه الرجوع متى شاء ولا يتقيد بالعارض (٢).

وقال العلامة في التذكرة : يستحب للمعتكف أن يشترط على ربه في الاعتكاف أنه إن عرض له عارض أن يخرج من الاعتكاف بإجماع العلماء (٣). ونحوه قال في المنتهى (٤).

وقال المصنف في المعتبر : يستحب أن يشترط في اعتكافه كما يشترط في إحرامه (٥). ومقتضى ذلك تقيده بالعارض كما في حال الإحرام ، ونحوه قال في النافع (٦) ، وبه قطع الشارح قدس‌سره (٧) ، وهو جيد ، لأنه المستفاد من تشبيه هذا الشرط بشرط المحرم في روايتي عمر بن يزيد وأبي بصير المتقدمتين (٨) ، لكن ينبغي أن يراد بالعارض ما هو أعم من العذر كما تدل عليه صحيحة أبي ولاد عن الصادق عليه‌السلام : وقد سأله عن امرأة معتكفة بإذن زوجها وهو غائب ، فلما‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٣٩ ، والمختصر النافع : ٧٤.

(٢) الدروس : ٨١.

(٣) التذكرة ١ : ٢٩٣.

(٤) المنتهى ٢ : ٦٣٨.

(٥) المعتبر ٢ : ٧٣٨.

(٦) المختصر النافع : ٧٤.

(٧) المسالك ١ : ٨٥.

(٨) في ص ٣٤٠.

٣٤١

______________________________________________________

بلغها قدومه خرجت من المسجد وتهيأت له حتى واقعها فقال : « إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضي ثلاثة أيام ولم تكن اشترطت ، فإن عليها ما على المظاهر » (١) دلت الرواية بظاهرها على سقوط الكفارة عن المرأة والحال هذه مع الاشتراط ، مع أن حضور الزوج ليس من الأعذار المسوغة للخروج من الاعتكاف ، نعم هو من جملة العوارض.

ويدل عليه أيضا قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن مسلم : « إذا اعتكف يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ الاعتكاف ، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى يمضي ثلاثة أيام » (٢) فإنه يدل بظاهره على أن للمعتكف فسخ الاعتكاف بعد اليومين مع الاشتراط لا بدونه ، والفرق إنما يظهر إذا لم يكن المقتضي للخروج أمرا ضروريا مسوغا للخروج بنفسه ، وإلا جاز مع الشرط وبدونه كما هو واضح.

الرابع : في فائدة هذا الشرط ، وفائدته جواز الرجوع عند العارض ، أو متى شاء ـ على ما هو ظاهر اختيار المصنف ـ وإن مضى اليومان ، أو كان واجبا بالنذر وشبهه.

ولو خصصنا اشتراط الرجوع بالعارض وفسرناه بالعذر الطاري بغير اختياره كالمرض والخوف انتفت هذه الفائدة ، لجواز الرجوع والحال هذه مع الشرط وبدونه.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٧ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٢١ ـ ٥٢٤ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ ـ ٨٧٧ ، الإستبصار ٢ : ١٣٠ ـ ٤٢٢ ، الوسائل ٧ : ٤٠٧ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٦ ح ٦.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٧ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ١٢١ ـ ٥٢٦ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ ـ ٨٧٩ ، الإستبصار ٢ : ١٢٩ ـ ٤٢١ ، الوسائل ٧ : ٤٠٤ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٤ ح ١.

٣٤٢

وأما أحكامه ، فقسمان :

الأول : إنما يحرم على المعتكف : النساء لمسا وتقبيلا وجماعا ،

______________________________________________________

وذكر المصنف (١) وغيره (٢) أن فائدة الشرط سقوط القضاء مع الرجوع في الواجب المعين. وهو جيد ، لمطابقته لمقتضى الأصل ، وإن أمكن المناقشة فيه لو قلنا بوجوب القضاء بدون الشرط.

أما الواجب المطلق ـ أعني الذي لم يتعين زمانه ـ فالأظهر وجوب الإتيان به بعد ذلك كما اختاره المصنف في المعتبر والشهيد في الدروس (٣) والشارح قدس‌سره (٤).

وربما ظهر من قول المصنف : ولا قضاء ، سقوط القضاء هنا أيضا ، فإنهم يطلقون القضاء على ما يتناول ذلك وإن كان حقيقته الإتيان بالواجب بعد خروج وقته.

وقول المصنف : ولو لم يشترط وجب استئناف ما نذره إذا قطعه ، إنما يتم في المطلق المشروط فيه التتابع ، أما المعين والمطلق الذي لم يشترط فيه التتابع فقد تقدم ما فيه من التفصيل.

قوله : ( وأما أحكامه فقسمان : الأول : إنما يحرم على المعتكف النساء لمسا وتقبيلا وجماعا ).

المراد من اللمس والتقبيل ما كان بشهوة ، أما ما لم يكن كذلك فليس بمحرم. وقد قطع الأصحاب بتحريم كل من الثلاثة ، لإطلاق‌ قوله تعالى ( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ ) (٥) فإنه يتناول الجميع. نعم استقرب‌

__________________

(١) المختصر النافع : ٧٤.

(٢) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٨٥.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٤٠ ، والدروس : ٨١.

(٤) المسالك ١ : ٨٥.

(٥) البقرة : ١٨٧.

٣٤٣

وشم الطيب على الأظهر ، واستدعاء المنيّ ، والبيع والشراء ،

______________________________________________________

العلامة في المختلف عدم فساد الاعتكاف بالتقبيل واللمس وإن كانا محرمين (١). ولا بأس به.

قوله : ( وشم الطيب على الأظهر ).

خالف في ذلك الشيخ في المبسوط ، فحكم بعدم تحريمه (٢). والأصح ما اختاره الأكثر من تحريم شم الطيب والرياحين ، لما رواه الكليني في الصحيح ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « المعتكف لا يشم الطيب ، ولا يتلذذ بالريحان ، ولا يماري ، ولا يشتري ، ولا يبيع » (٣).

قوله : ( واستدعاء المني ).

لم أقف في ذلك على نص بالخصوص ، وربما كان وجهه أنه أشد منافاة للاعتكاف من التقبيل واللمس المحرمين ، فيكون تحريمه أولى.

قوله : ( والبيع والشرائع ).

هذا قول علمائنا وأكثر العامة ، لورود النهي عنه في صحيحة أبي عبيدة المتقدمة.

وقال في المنتهى : كلما يقتضي الاشتغال بالأمور الدنيوية من أصناف المعايش ينبغي القول بالمنع منه ، عملا بمفهوم النهي عن البيع والشراء (٤). وهو غير جيد ، لأن النهي عن البيع والشراء لا يقتضي‌

__________________

(١) المختلف : ٢٥٣.

(٢) المبسوط ١ : ٢٩٣.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٧ ـ ٤ ، الوسائل ٧ : ٤١١ أبواب كتاب الاعتكاف ب ١٠ ح ١.

(٤) المنتهى ٢ : ٦٣٩.

٣٤٤

والمماراة.

______________________________________________________

النهي عما ذكره بمنطوق ولا مفهوم. نعم ربما دلت عليه بالعلة المستنبطة وهي غير معتبرة عندنا.

ثم قال : الوجه تحريم الصنائع المشغلة عن العبادة ، كالخياطة وشبهها ، إلا ما لا بد منه. والكلام فيه كالذي قبله.

ويستثنى من تحريم البيع والشراء ما تدعو الحاجة إليه كشراء ما يضطر إليه من المأكول والملبوس ، وبيع ما يشتري به ذلك. وشرط الشهيد في الدروس تعذر المعاطاة (١). وهو مبني على أنها ليست بيعا ، وهو غير واضح ، نعم لو اعتبر في ذلك عدم تمكنه من التوكيل كان وجها قويا.

قوله : ( والمماراة ).

لورود النهي عنها في صحيحة أبي عبيدة المتقدمة (٢). والمماراة لغة المجادلة (٣) ، قال الشارح قدس‌سره : والمراد به هنا المجادلة على أمر دنيوي أو ديني لمجرد إثبات الغلبة أو الفضيلة ، كما يتفق لكثير من المتسمين بالعلم ، وهذا النوع محرم في غير الاعتكاف أيضا.

ثم قال : ولو كان الغرض من الجدال في المسألة العلمية مجرد إظهار الحق ورد الخصم عن الخطأ كان من أفضل الطاعات ، والمائز بين ما يحرم منه وما يجب أو يستحب النية ، فليتحرز المكلف من تحويل الشي‌ء من كونه واجبا إلى جعله من كبار القبائح (٤).

__________________

(١) الدروس : ٨٠.

(٢) في ص ٣٤٥.

(٣) راجع القاموس المحيط ٤ : ٣٩٢.

(٤) المسالك ١ : ٨٥.

٣٤٥

وقيل : يحرم عليه ما يحرم على المحرم ، ولم يثبت. فلا يحرم عليه لبس المخيط ، ولا إزالة الشعر ، ولا أكل الصيد ، ولا عقد النكاح.

ويجوز له النظر في معاشه ، والخوض في المباح.

______________________________________________________

قوله : ( وقيل ، يحرم عليه ما يحرم على المحرم ولم يثبت ، فلا يحرم عليه لبس المخيط ، ولا إزالة الشعر ، ولا أكل الصيد ، ولا عقد النكاح ).

هذا القول منقول عن الشيخ في الجمل وهذه عبارته : ويجب عليه تجنّب كلما يجب على المحرم تجنبه من النساء والتطيب والمماراة والجدال ، ويزيد عليه تسعة أشياء : البيع ، والشراء (١). وهذه العبارة كما ترى غير صريحة في تحريم الجميع وإن كانت لا تخلو من قصور في تأدية المراد.

وقال العلامة في التذكرة : إن الشيخ لا يريد بذلك العموم ، لأنه لا يحرم على المعتكف لبس المخيط إجماعا ، ولا إزالة الشعر ، ولا أكل الصيد ، ولا عقد النكاح (٢). وهو جيد.

وكيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول ، لانتفاء الدليل عليه رأسا ، ولأنه لم ينقل من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام والصحابة والتابعين ، ولو كان ثابتا لنقل كما نقل غيره من الأحكام المتعلقة بذلك.

قوله : ( ويجوز النظر في معاشه والخوض في المباح ).

لا ريب في جواز النظر في أمور معاشه والتكلم بالمباح ، لكن الأولى الاقتصار من ذلك على ما يضطر إليه ، والاشتغال بما هو وظيفة‌

__________________

(١) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٢.

(٢) التذكرة ١ : ٢٨٦.

٣٤٦

وكل ما ذكرناه من المحرمات عليه نهارا يحرم عليه ليلا عدا الإفطار.

ومن مات قبل انقضاء اعتكافه الواجب ، قيل : يجب على الولي القيام به ، وقيل : يستأجر من يقوم به ، والأول أشبه.

______________________________________________________

المعتكف من العبادات ، كالصلاة ، والذكر ، وقراءة القرآن.

قال في المنتهى : ويستحب له دراسة العلم والمناظرة فيه وتعليمه وتعلمه في الاعتكاف ، بل هو أفضل من الصلاة المندوبة (١). وهو كذلك.

قوله : ( وكل ما ذكرناه من المحرمات عليه نهارا يحرم عليه ليلا عدا الإفطار ).

المراد أن كل ما يحرم على المعتكف من حيث إنه معتكف فإن تحريمه يتناول الليل والنهار ، لدخول الليالي في الاعتكاف كالأيام ، أما ما وجب الإمساك عنه باعتبار الصوم فإنه يمسك عنه نهارا ، لأنه زمان الصوم.

وهل تختص هذه المحرمات بالاعتكاف الواجب أو تتناول المندوب أيضا؟ إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي الثاني ، وقد تقدم نظيره في التكفير في صلاة النافلة ، والارتماس في الصوم المندوب.

قوله : ( ومن مات قبل انقضاء الواجب قيل : يجب على الولي القيام به ، وقيل : يستأجر من يقوم به ، والأول أشبه ).

هذان القولان حكاهما الشيخ في المبسوط (٢) ، واستدل لهما بما روي أن من مات وعليه صوم واجب وجب على وليه أن يقضي عنه أو‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٣٩.

(٢) المبسوط ١ : ٢٩٣.

٣٤٧

القسم الثاني : فيما يفسده ، وفيه مسائل :

الأولى : كل ما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف ، كالجماع والأكل والشرب والاستمناء ، فمتى أفطر في اليوم الأول والثاني لم يجب به كفارة إلا أن يكون واجبا. وإن أفطر في الثالث وجبت الكفارة. ومنهم من خصّ الكفارة بالجماع حسب ، واقتصر في غيره من المفطرات على القضاء وهو الأشبه.

______________________________________________________

يتصدق عنه (١). قال في المعتبر : وما ذكره ـ رحمه‌الله ـ إنما يدل على وجوب قضاء الصوم ، أما الاعتكاف فلا (٢). وهو جيد ، وقد بينا فيما سبق أن الصوم لا يجب لأجل الاعتكاف ، لجواز إيقاعه في صوم مستحق كرمضان فلا يكون وجوب الاعتكاف مقتضيا لوجوب الصوم ليجب على الولي القيام به كما هو واضح.

قوله : ( الأولى ، كل ما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف ، كالجماع والأكل والشرب والاستمناء ، فمن أفطر في اليوم الأول أو الثاني لم يجب به كفارة إلا أن يكون واجبا ، وإن أفطر في الثالث وجبت الكفارة ، ومنهم من خص الكفارة بالجماع حسب واقتصر في غيره من المفطرات على القضاء ، وهو الأشبه ).

أما فساد الاعتكاف بكل ما يفسد الصوم فلا ريب فيه ، لأنه لا يصح إلا بصوم ، فيفسد بفساد شرطه.

وأما وجوب الكفارة بفعل المفطر في الاعتكاف الواجب فهو اختيار المفيد (٣) والمرتضى (٤) ، قال في المعتبر : ولا أعرف مستندهما (٥).

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٤٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٤٤.

(٣) المقنعة : ٥٨.

(٤) نقله عنه في المعتبر ٢ : ٧٤٢.

(٥) المعتبر ٢ : ٧٤٢.

٣٤٨

______________________________________________________

والأصح ما اختاره الشيخ (١) والمصنف وأكثر المتأخرين من اختصاص الكفارة بالجماع دون ما عداه من المفطرات ، وإن كان يفسد به الصوم ، ويجب به القضاء فيما قطع به الأصحاب.

أما وجوب الكفارة بالجماع فتدل عليه روايات ، منها ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المعتكف يجامع فقال : « إذا فعل ذلك فعليه ما على المظاهر » (٢).

وأما انتفاء الكفارة في غيره فللأصل السليم من المعارض.

واعلم أن إطلاق الروايات المتضمنة لوجوب الكفارة بالجماع يقتضي بظاهره عدم الفرق في الاعتكاف بين الواجب والمندوب ، ولا في الواجب بين المطلق والمعين ، وبمضمونها أفتى الشيخان (٣).

قال في المعتبر : ولو خصا ذلك باليوم الثالث أو بالاعتكاف اللازم كان أليق بمذهبهما ، لأنا بينا أن الشيخ ذكر في النهاية والخلاف أن للمعتكف الرجوع في اليومين الأولين من اعتكافه ، وأنه إذا اعتكفهما وجب الثالث ، وإذا كان له الرجوع لم يكن لإيجاب الكفارة مع جواز الرجوع وجه ، لكن يصح هذا على قول الشيخ في المبسوط ، فإنه يرى وجوب الاعتكاف بالدخول فيه (٤). وما ذكره غير بعيد ، لأن المطلق لا‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٩٤ ، والنهاية : ١٧٢.

(٢) الفقيه ٢ : ١٢٢ ـ ٥٣٢ ، الوسائل ٧ : ٤٠٦ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٦ ح ١.

(٣) المفيد في المقنعة : ٥٨ ، والشيخ في النهاية : ١٧٢ ، والخلاف ١ : ٤٠٨ ، والمبسوط ١ : ٢٩٤.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٤٣.

٣٤٩

وتجب كفارة واحدة إن جامع ليلا. وكذا إن جامع نهارا في غير رمضان. ولو كان فيه لزمه كفارتان.

______________________________________________________

عموم له ، فيكفي في العمل به إجراؤه في الواجب.

والأصح أن كفارة الاعتكاف كفارة ظهار ، لصحيحة زرارة المتقدمة (١) ، وذهب الأكثر إلى أنها مخيرة ، لموثقة سماعة بن مهران ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن معتكف واقع أهله فقال : « هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان » (٢).

قال في المختلف : والرواية الأولى أصح طريقا ، والثانية أوضح عند الأصحاب (٣).

قوله : ( وتجب كفارة واحدة إن جامع ليلا ، وكذا إن جامع نهارا في غير رمضان ، ولو كان فيه لزمه كفارتان ).

أما وجوب الكفارتين إذا جامع نهارا في شهر رمضان ، إحداهما للاعتكاف ، والأخرى لصوم رمضان ، فهو مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، ويدل عليه مضافا إلى ما تكرر في كلام الأصحاب من أن اختلاف الأسباب يقتضي اختلاف المسببات ، ما رواه ابن بابويه ، عن محمد بن سنان ، عن عبد الأعلى بن أعين ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وطئ امرأته وهو معتكف ليلا في شهر رمضان ، قال : « عليه الكفارة » قال ، قلت : وإن وطئها نهارا ، قال : « عليه كفارتان » (٤).

__________________

(١) في ص ٣٥٠.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٩ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٣ ـ ٥٣٤ ، التهذيب ٤ : ٢٩١ ـ ٨٨٦ ، الإستبصار ٢ : ١٣٠ ـ ٤٢٣ ، الوسائل ٧ : ٤٠٦ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٦ ح ٢.

(٣) المختلف : ٢٥٤.

(٤) الفقيه ٢ : ١٢٢ ـ ٥٣٣ ، الوسائل ٧ : ٤٠٧ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٦ ح ٤.

٣٥٠

الثانية : الارتداد موجب للخروج من المسجد ، ويبطل الاعتكاف وقيل : لا يبطل ، وإن عاد بنى ، والأول أشبه.

______________________________________________________

وينبغي تقييده بما إذا كان الاعتكاف واجبا كالمنذور والثوالث ، بناء على أن الكفارة إنما تثبت في الاعتكاف الواجب.

وفي معنى صوم رمضان الصوم المنذور إذا تعلق بزمان معين ، وقضاء رمضان ، فيجب فيهما كفارتان ، إحداهما للاعتكاف ، والأخرى للقضاء أو النذر.

وأما وجوب الكفارة الواحدة للاعتكاف إذا جامع ليلا في شهر رمضان ، أو نهارا في غير رمضان وما في معناه فظاهر ، لأن إفساد الاعتكاف إنما يوجب كفارة واحدة ولا مقتضي للزائد.

ونقل عن السيد المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ أنه أطلق وجوب الكفارتين على المعتكف إذا جامع نهارا ، والواحدة إذا جامع ليلا (١) ، قال في التذكرة : والظاهر أن مراده رمضان (٢). واستقرب الشهيد في الدروس هذا الإطلاق ، قال : لأن في النهار صوما واعتكافا (٣). وهو ضعيف ، لأن مطلق الصوم لا يترتب على إفساده الكفارة كما هو واضح.

قوله : ( الثانية ، الارتداد موجب للخروج من المسجد ، ويبطل الاعتكاف ، وقيل : لا يبطل ، وهو الأشبه ).

القولان للشيخ رحمه‌الله ، أولهما في الخلاف ، وثانيهما في المبسوط (٤) ، والأصح الأول ، لأن المرتد يقتل إن كان عن فطرة ،

__________________

(١) الانتصار : ٧٣.

(٢) التذكرة ١ : ٢٩٤.

(٣) الدروس : ٨١.

(٤) الخلاف ١ : ٤٠٧ ، والمبسوط ١ : ٢٩٤.

٣٥١

الثالثة : قيل ، إذا أكره امرأته على الجماع وهما معتكفان نهارا في شهر رمضان لزمه أربع كفارات. وقيل : يلزمه كفارتان ، وهو الأشبه.

الرابعة : إذا طلّقت المعتكفة رجعية خرجت إلى منزلها ، ثم قضت‌

______________________________________________________

ويجب خروجه من المسجد إن لم يكن عن فطرة ، وعلى التقديرين فجلوسه في المسجد منهي عنه ، فلا يكون منعقدا (١) به ، ويلزم من ذلك فساد الاعتكاف ، لعدم حصول التوالي المعتبر فيه.

قوله : ( الثالثة ، قيل : إذا أكره امرأته على الجماع وهما معتكفان نهارا في شهر رمضان لزمه أربع كفارات ، وقيل : يلزمه كفارتان ، وهو الأشبه ).

القول بلزوم الأربع للشيخ (٢) والمرتضى (٣) وجماعة (٤) ، قال في المعتبر : وهذا ليس بصواب ، إذ لا مستند له ، وجعله كالإكراه في صوم رمضان قياس (٥). والأصح ما اختاره المصنف من وجوب الكفارتين خاصة ، إحداهما للاعتكاف ، والأخرى لصوم شهر رمضان ، لكن اختيار المصنف لذلك مناف لما جزم به في الصوم من تعدد الكفارة عليه في صوم شهر رمضان ، إذ مقتضاه أنه يجب على المعتكف هنا ثلاث كفارات ، اثنتان عنه ، وواحدة عن المرأة ، ولعله رجوع عن الفتوى لضعف مستند التعدد كما بيناه فيما سبق.

قوله : ( الرابعة ، إذا طلقت المعتكفة رجعية خرجت إلى منزلها ،

__________________

(١) في « ض » و « م » : متعبدا.

(٢) المبسوط ١ : ٢٩٤.

(٣) الانتصار : ٧٣.

(٤) منهم ابن حمزة في الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٨٦ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣ ، والقاضي ابن البراج في المهذب ١ : ٢٠٤.

(٥) المعتبر ٢ : ٧٤٢.

٣٥٢

واجبا إن كان واجبا أو مضى يومان ، وإلا ندبا.

الخامسة : إذا باع أو اشترى ، قيل : يبطل اعتكافه ، وقيل : يأثم ولا يبطل ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

قضت واجبا إن كان واجبا أو مضى يومان ، وإلا ندبا ).

أما وجوب خروجها إلى منزلها للاعتداد فقال في التذكرة : إنه مذهب علمائنا أجمع (١) ، واستدل عليه بقوله تعالى ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ ) (٢) وبأن الاعتداد في بيتها واجب ، فيلزمها الخروج إليه كالجمعة في حق الرجل.

وإطلاق العبارة وغيرها يقتضي عدم الفرق في الاعتكاف بين الواجب المعين وغيره ، ولا بين أن يشترط المعتكف الخروج عند العارض وعدمه.

وقال الشارح قدس‌سره : إن ذلك إنما يتم مع كون الاعتكاف مندوبا ، أو واجبا غير معين ، أو مع اشتراطها الحل عند العارض ، ولو كان معينا من غير شرط فالأقوى اعتدادها في المسجد زمن الاعتكاف ، فإن دين الله أحق أن يقضى (٣). وهو حسن.

وأما وجوب القضاء فإنما يتم مع عدم الاشتراط أيضا ، لما تقدم من سقوطه بالشرط ، إلا أن يكون واجبا مطلقا.

قوله : ( الخامسة ، إذا باع أو اشترى قيل : بطل اعتكافه ، وقيل : يأثم ولا يبطل ، وهو الأشبه ).

الأصح عدم البطلان تمسكا بمقتضى الأصل السلام من‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٩٢.

(٢) الطلاق : ١.

(٣) المسالك ١ : ٨٦.

٣٥٣

السادسة : إذا اعتكف ثلاثة متفرقة ، قيل : يصحّ ، لأن التتابع لا يجب إلا بالاشتراط ، وقيل : لا ، وهو الأصحّ.

______________________________________________________

المعارض. والقول ببطلان الاعتكاف بذلك لابن إدريس بل مقتضى كلامه أنه يبطل بفعل جميع المباحات التي لا حاجة له إليها ، واستدل بأن الاعتكاف هو اللبث للعبادة ، فإذا فعل قبائح ومباحات لا حاجة إليها خرج عن حقيقة المعتكف (١). وهو ضعيف ، فإن كون العبادة غاية للبث لا يقتضي اعتبار حصولها في جميع أحواله.

قال في المختلف : ونحن نطالبه بوجه ما قاله ، واحتجاجه أضعف من أن يكون شبهة ، فضلا عن كونه حجة ، فإن الاعتكاف لو اشترط فيه إدامة العبادة بطل حالة النوم والسكون وإهمال العبادة ، وليس كذلك بالإجماع (٢).

قوله : ( السادسة ، إذا اعتكف ثلاثة متفرقة قيل : يصح ، لأن التتابع لا يجب إلا بالاشتراط ، وقيل : لا ، وهو الأصح ).

المراد بتفريق الأيام الثلاثة : اعتكاف النهار دون الليل ، وقد تقدم أن الشيخ يجيزه مع الإطلاق ، وأن الأصح خلافه (٣). وأما تفريق الأيام الثلاثة بمعنى عدم تتابع النهار فقيل إنه غير جائز إجماعا.

واحتمل الشارح ـ قدس‌سره ـ بأن يكون المراد بالتفريق اعتكاف يوم عن النذر ويوم عن العهد ثم الثالث عن النذر وهكذا (٤). وفي حمل العبارة عليه بعد ، وإن كان الأظهر جوازه ، لانتفاء المانع منه والله الموفق.

__________________

(١) السرائر : ٩٨.

(٢) المختلف : ٢٥٥.

(٣) تقدم في ص ٣٢١.

(٤) المسالك ١ : ٨٦.

٣٥٤

فهرس

الجزء السادس

كتاب الصوم

تعريف الصوم................................................................ ٥

فضيلة الصوم................................................................. ٧

فضل صيام رمضان............................................................ ٩

الصوم لله تبارك وتعالى......................................................... ٩

علة فرض الصيام............................................................ ١١

آداب الصائم............................................................... ١٢

وجوب صوم رمضان........................................................ ١٤

معنى رمضان................................................................ ١٥

نية الصوم.................................................................. ١٦

محل النية.................................................................... ٢٠

إجزاء نية واحدة لصيام رمضان............................................... ٢٨

حكم من نوى غير صوم رمضان فيه........................................... ٣٠

عدم جواز الترديد في النية.................................................... ٣٢

نية صوم يوم الشك.......................................................... ٣٣

٣٥٥

حكم من أصبح بنية الافطار فبان رمضان...................................... ٣٨

حكم نية الصبي............................................................. ٤١

ما يمسك عنه الصائم

الامساك عن المأكول والمشروب............................................... ٤٣

الامساك عن الجماع......................................................... ٤٤

الامساك عن الكذب على الله ................................................ ٤٦

الامساك عن الارتماس........................................................ ٤٨

حكم إيصال الغبار إلى الحلق.................................................. ٥١

حرمة البقاء على الجنابة...................................................... ٥٣

حكم إخلال الحائض بالغسل................................................. ٥٦

حكم المستحاضة............................................................ ٥٧

حكم الجنب إذا نام ولم ينو الغسل............................................. ٥٩

فساد الصوم بالاستمناء...................................................... ٦١

حكم الاحتلام نهارا.......................................................... ٦٢

حكم الحقنة للصائم.......................................................... ٦٣

حكم الافطار سهوا.......................................................... ٦٥

حكم المكره على الافطار..................................................... ٦٩

جواز مضغ الطعام للصبي وأمثاله.............................................. ٧١

جواز الاستنقاع للرجل....................................................... ٧٣

استحباب السواك للصائم..................................................... ٧٣

ما يوجب القضاء والكفارة................................................... ٧٤

الصوم الذي فيه الكفارة...................................................... ٧٨

حكم إفطار جاهل الحكم..................................................... ٨٠

كفارة الافطار في رمضان..................................................... ٨١

كفارة الصوم المنذور......................................................... ٨٥

٣٥٦

حكم الكذب على الله والرسول والأئمة........................................ ٨٧

حكم الارتماس للصائم....................................................... ٨٨

ما يجب بالاحتقان........................................................... ٨٩

ما يجب بتكرار النوم حتى الفجر............................................... ٨٩

ما يوجب القضاء فقط....................................................... ٩١

حكم صب الدواء في الإحليل............................................... ١٠٤

حكم ابتلاع النخامة....................................................... ١٠٥

حكم العلك للصائم........................................................ ١٠٧

حكم المنفرد برؤية الهلال................................................... ١٠٨

حكم الجماع ليلا " للصائم................................................. ١٠٩

تكرر الكفارة بتكرر الموجب................................................ ١١٠

حكم من أفطر ثم سافر..................................................... ١١٤

تعزير المفطر............................................................... ١١٦

حكم من أكره امرأة على الجماع............................................ ١١٧

حكم من عجز عن صوم شهرين............................................. ١١٩

جواز تبرع التكفير عن المفطر............................................... ١٢٢

ما يكره للصائم

كراهة النساء للصائم....................................................... ١٢٤

كراهة الاكتحال للصائم................................................... ١٢٥

كراهة اخراج الدم المضعف................................................. ١٢٦

كراهة دخول الحمام للصائم................................................ ١٢٧

كراهة السعوط للصائم..................................................... ١٢٨

كراهة شم الرياحين للصائم................................................. ١٢٩

كراهة بل الثوب للصائم.................................................... ١٣١

كراهة جلول الصائمة في الماء................................................ ١٣٢

٣٥٧

ظرف الصوم

تعين النهار للصوم......................................................... ١٣٤

عدم صحة صوم العيدين.................................................... ١٣٥

عدم صحة صوم أيام التشريق............................................... ١٣٧

من يصح منه الصوم

عدم صحة صوم الكافر والمجنون............................................. ١٣٨

صحة صوم المغمى عليه..................................................... ١٣٩

صحة صوم الصبي.......................................................... ١٤٠

عدم صحة صوم الحائض.................................................... ١٤٣

صحة صوم المستحاضة..................................................... ١٤٤

عدم صحة صوم المسافر.................................................... ١٤٥

حكم الصوم المندوب في السفر.............................................. ١٥٠

صحة الصوم لمن له حكم المقيم.............................................. ١٥٣

عدم صحة صوم الجنب..................................................... ١٥٣

حكم صوم المريض......................................................... ١٥٦

معنى البلوغ............................................................... ١٥٨

تمرين الصبي............................................................... ١٦٠

أقسام الصوم.............................................................. ١٦٣

القول في شهر رمضان...................................................... ١٦٤

علامة شهر رمضان

حكم الرؤية في بلد آخر.................................................... ١٧١

حكم شهادة الواحد بالرؤية................................................. ١٧٤

حكم شهادة النساء بالرؤية................................................. ١٧٥

٣٥٨

حكم بعض العلائم المدعاة.................................................. ١٧٥

حكم صوم يوم الشك...................................................... ١٨٣

حكم تبين يوم الشك من رمضان............................................ ١٨٥

حكم اشتباه الشهر......................................................... ١٨٦

حكم ما لو غمت السنة كلها............................................... ١٨٦

حكم السجين............................................................. ١٨٧

وقت الامساك والافطار.................................................... ١٩٠

شروط صوم رمضان

شروط وجوب صوم رمضان................................................ ١٩٢

حكم الصوم في السفر...................................................... ١٩٧

حكم من حضر في رمضان.................................................. ١٩٨

حكم كثرة السفر.......................................................... ١٩٩

اشتراط الخلو من الحيض والنفاس............................................ ٢٠٠

قضاء الصوم

شروط وجوب القضاء..................................................... ٢٠٠

حكم من أسلم أثناء النهار.................................................. ٢٠٣

وجوب القضاء على المرتد.................................................. ٢٠٤

وجوب القضاء على الحائض والنفساء........................................ ٢٠٥

وجوب القضاء على تارك الصوم............................................ ٢٠٦

استحباب الموالاة في القضاء................................................. ٢٠٧

قضاء الصوم على التراخي.................................................. ٢٠٨

عدم وجوب الترتيب في القضاء............................................. ٢٠٩

حكم التطوع لمن عليه صوم واجب.......................................... ٢١٠

حكم المريض في القضاء.................................................... ٢١١

٣٥٩

بعض احكام الكفارة على المريض............................................ ٢١٦

قضاء الولي عن الميت....................................................... ٢٢٠

حكم الافطار في صوم القضاء............................................... ٢٣٠

حكم ناسي الغسل طول الشهر.............................................. ٢٣٥

حكم الصائم إذا تثبت الرؤية............................................... ٢٣٧

صوم الكفارات

كفارة قتل العمد........................................................... ٢٣٩

كفارة قتل الخطأ........................................................... ٢٤٠

كفارة الظهار.............................................................. ٢٤١

كفارة اليمين.............................................................. ٢٤١

كفارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب....................................... ٢٤١

كفارة جزاء الصيد......................................................... ٢٤٢

كفارة شق الثوب.......................................................... ٢٤٢

كفارة العهد............................................................... ٢٤٣

كفارة الاعتكاف.......................................................... ٢٤٤

كفارة حلق المحرم رأسه..................................................... ٢٤٤

كفارة جز المرأة رأسها..................................................... ٢٤٤

كفارة وطء الأمة المحرمة.................................................... ٢٤٥

ما لا يجب فيه التتابع في الصوم.............................................. ٢٤٥

حكم التفريق فيما اعتبر فيه التتابع........................................... ٢٤٧

الصوم المندوب

ما لا يختص وقتا " من المندوب.............................................. ٢٥٧

ما يختص وقتا من الصوم المندوب............................................ ٢٥٨

الأماكن التي يستحب فيها الامساك............................................ ٢٧٢

٣٦٠