مدارك الأحكام - ج ٦

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٦

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

الرابع : المكان ، فلا يصحّ إلا في مسجد جامع ، وقيل : لا يصحّ إلا في المساجد الأربعة : مسجد مكة ، ومسجد النبي عليه‌السلام ، ومسجد الجامع بالكوفة ، ومسجد البصرة ، وقائل جعل موضعه مسجد المدائن.

وضابطه : مسجد جمع فيه نبي أو وصيّ جماعة ، ومنهم من قال جمعة ،

______________________________________________________

لو نذر اعتكاف شهر رجب مثلا ، فإن الإتيان بالمنذور لا يتحقق إلا مع التتابع ، لأن الشهر اسم مركب من الأيام المعدودة ، فإذا أخل ببعضه لم يتحقق الامتثال.

ولا ريب في وجوب التتابع إذا اشترطه لفظا أو معنى ، وإن انتفى الأمران أجزأ التتابع والتفريق ، لتحقق الامتثال بكل منهما ، لكن ليس له أن ينقص عن ثلاثة ، لأنها أقل مدة الاعتكاف.

واستقرب العلامة في التذكرة والمنتهى عدم تعين ذلك أيضا ، وجوز له اعتكاف يوم عن النذر وضم يومين مندوبين إليه ، أو واجبين من غير النذر ، كما لو نذر أن يعتكف يوما وسكت عن الزائد (١). وهو حسن.

قوله : ( الرابع ، المكان : فلا يصح إلا في مسجد جامع ، وقيل : لا يصح إلا في المساجد الأربعة : مسجد مكة ، ومسجد النبي عليه‌السلام ، ومسجد الجامع بالكوفة ، ومسجد البصرة ، وقائل : جعل موضعه مسجد المدائن ، وضابطه : مسجد جمع فيه نبي أو وصي جماعة ، ومنهم من قال جمعة ).

أجمع العلماء كافة على أن الاعتكاف لا يقع إلا في مسجد ،

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٨٩ ، والمنتهى ٢ : ٦٣٠.

٣٢١

______________________________________________________

وإنما اختلفوا في تعيينه ، فقال الشيخ (١) والمرتضى (٢) : لا يصح إلا في المساجد الأربعة : مسجد مكة والمدينة والجامع بالكوفة والبصرة. وبه قال ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه (٣) ، وأبو الصلاح (٤) ، وابن إدريس (٥) ، واختاره العلامة في المختلف (٦).

وأبدل علي بن بابويه ـ رضي‌الله‌عنه ـ مسجد البصرة بمسجد المدائن (٧) ، وقال ابنه في المقنع : لا يصح الاعتكاف إلا في خمسة مساجد. وضم مسجد المدائن إلى المساجد الأربعة (٨). والضابط عند هؤلاء أن يكون مسجدا قد جمع فيه نبي أو وصي.

وصرح الشيخ في المبسوط والمرتضى في الانتصار بأن المعتبر من ذلك صلاة الجمعة ، وأنه لا يكفي مطلق الجماعة (٩).

وظاهر ابني بابويه الاكتفاء بمطلق الجماعة (١٠). قال العلامة في المختلف : ولا أرى لهذا الخلاف فائدة ، إلا أن تثبت زيادة مسجد صلى فيه بعض الأئمة عليهم‌السلام جماعة لا جمعة (١١).

__________________

(١) النهاية : ١٧١ ، والمبسوط ١ : ٢٨٩ ، والخلاف ١ : ٤٠٣.

(٢) الانتصار : ٧٢.

(٣) الفقيه ٢ : ١٢٠.

(٤) الكافي في الفقه : ١٨٦.

(٥) السرائر : ٩٧.

(٦) المختلف : ٢٥١.

(٧) حكاه عنه في المختلف : ٢٥١.

(٨) المقنع : ٦٦.

(٩) المبسوط ١ : ٢٨٩ ، والانتصار ٧٢.

(١٠) الصدوق في الفقيه ٢ : ١٢٠ ، ونقله عن والد الصدوق في المختلف : ٢٥١.

(١١) المختلف : ٢٥١.

٣٢٢

______________________________________________________

وقال ولده في الشرح : إن فائدة الخلاف تظهر في مسجد المدائن ، فإن المروي أن الحسن عليه‌السلام صلى فيه جماعة لا جمعة (١).

ولم يعتبر المفيد ـ رحمه‌الله ـ ذلك كله ، بل جوز الاعتكاف في كل مسجد أعظم (٢). والظاهر أن مراده به المسجد الجامع كما نقله عنه المصنف (٣) وغيره (٤) ، وإلى هذا القول ذهب ابن أبي عقيل (٥) والمصنف وغيرهم من الأصحاب ، وهو المعتمد.

لنا : أن ذلك أقرب إلى إطلاق القرآن ، وأبعد من تخصيصه ، فكان المصير إليه أولى. ولنا أيضا : ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا اعتكاف إلا بصوم في مسجد الجامع » (٦).

وما رواه الكليني في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سئل عن الاعتكاف فقال « لا يصلح الاعتكاف إلا في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو مسجد الكوفة ، أو مسجد جماعة ، وتصوم ما دمت معتكفا » (٧).

وعن داود بن سرحان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن عليا عليه‌السلام كان يقول : لا أرى الاعتكاف إلا في المسجد الحرام ،

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٢٥٦.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٢٥١.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٣١.

(٤) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع ١ : ٤٠١.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٢٥١.

(٦) الفقيه ٢ : ١١٩ ـ ٥١٦ ، الوسائل ٧ : ٤٠٠ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٣ ح ١.

(٧) الكافي ٤ : ١٧٦ ـ ٣ ، الوسائل ٧ : ٤٠١ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٣ ح ٧.

٣٢٣

______________________________________________________

أو مسجد الرسول ، أو مسجد جامع » (١).

وما رواه الشيخ ، عن علي بن عمران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام ، قال : « المعتكف يعتكف في المسجد الجامع » (٢).

وعن يحيى بن أبي العلاء الرازي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يكون الاعتكاف إلا في مسجد جماعة » (٣).

وفي الموثق عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إن عليا عليه‌السلام كان يقول : لا أرى الاعتكاف إلا في المسجد الحرام ، أو في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو في مسجد جامع » (٤).

وروى المصنف في المعتبر ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في جامعه ، عن داود بن الحصين ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا اعتكاف إلا بصوم وفي مسجد المصر الذي تلبث فيه » (٥).

وبالجملة فالأخبار الواردة بذلك مستفيضة جدا (٦) ، ومع ذلك فهي‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٦ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٠ ـ ٥٢١ ، التهذيب ٤ : ٢٩٠ ـ ٨٨٤ ، والاستبصار ٢ : ١٢٦ ـ ٤١١ ، الوسائل ٧ : ٤٠٢ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٣ ح ١٠.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٩٠ ـ ٨٨٠ ، الاستبصار ٢ : ١٢٧ ـ ٤١٣ وفيه : ابن غراب بدل ابن عمران ، الوسائل ٧ : ٤٠١ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٣ ح ٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٩٠ ـ ٨٨١ ، الإستبصار ٢ : ١٢٧ ـ ٤١٤ ، الوسائل ٧ : ٤٠١ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٣ ح ٦.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٩١ ـ ٨٨٥ ، الإستبصار ٢ : ١٢٧ ـ ٤١٢ ، الوسائل ٧ : ٤٠١ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٣ ح ٥.

(٥) المعتبر ٢ : ٧٣٣ ، الوسائل ٧ : ٤٠٢ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٣ ح ١١.

(٦) الوسائل ٧ : ٤٠٠ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٣.

٣٢٤

______________________________________________________

مطابقة لظاهر التنزيل ، وسالمة عما يصلح للمعارضة فيتعين العمل بها.

احتج الشيخ (١) والمرتضى (٢) على اختصاص الحكم بالمساجد الأربعة بإجماع الفرقة ، وبأن الاعتكاف عبادة شرعية يقف العمل فيها على مواضع الوفاق. واستدل العلامة في المختلف على هذا القول أيضا (٣) بما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عمر بن يزيد قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟ قال : « لا يعتكف إلا في مسجد جماعة قد صلى فيه إمام عدل جماعة ، ولا بأس بأن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكة » (٤).

والجواب عن الإجماع بالمنع منه في موضع النزاع ، قال في المعتبر : واحتجاج الشيخ بإجماع الفرقة لا نعرفه ، ويلزم ذلك من عرف إجماعهم عليه ، وكيف يكون إجماعا والأخبار على خلافه ، والأعيان من فضلاء الأصحاب قائلون بضده (٥).

وعن الثاني بأن الاقتصار على المتفق عليه إنما يلزم إذا لم توجد الدلالة على ما زاد عليه ، والدلالة موجودة وهي ما قدمناه.

وعن الرواية بأنها غير دالة على المطلوب ، بل ربما دلت على نقيضه ، فإن الإمام العدل لا يختص بالمعصوم كالشاهد العدل ، ولو كان‌

__________________

(١) الخلاف : ٤٠٣.

(٢) الانتصار : ٧٢.

(٣) المختلف : ٢٥١.

(٤) الفقيه ٢ : ١٢٠ ـ ٥١٩ ، ورواها في : الكافي ٤ : ١٧٦ ـ ١ ، والتهذيب ٤ : ٢٩٠ ـ ٨٨٢ ، والاستبصار ٢ : ١٢٦ ـ ٤٠٩ ، والوسائل ٧ : ٤٠١ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٣ ح ٨.

(٥) كالمفيد وابن أبي عقيل كما نقله عنهما في المختلف : ٢٥١.

٣٢٥

ويستوي في ذلك الرجل والمرأة.

الخامس : إذن من له ولاية ، كالمولى لعبده والزوج لزوجته.

______________________________________________________

المراد بها ذلك لأمكن حمل النهي الواقع فيها على ضرب من الكراهة ، توفيقا بين الأدلة.

قوله : ( ويستوي في ذلك الرجل والمرأة ).

هذا قول علمائنا أجمع ، ووافقنا عليه أكثر العامة ، ويدل عليه‌ قوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي بعد أن ذكر أن المعتكف لا يخرج من المسجد إلا لحاجة : « واعتكاف المرأة مثل ذلك » (١).

وقال بعض العامة ، يجوز أن تعتكف المرأة في مسجد بيتها ، وهو الموضع الذي جعلته لصلاتها من بيتها (٢). ولا ريب في بطلانه.

قوله : ( الخامس ، إذن من له الولاية ، كالمولى لعبده والزوج لزوجته ).

لا إشكال في اعتبار الإذن في هذين ، لمنافاة الاعتكاف للخدمة المستحقة على العبد ، والاستمتاع المستحق على الزوجة. وإنما الكلام فيما عداهما ، كالولد بالنسبة إلى الوالد ، والضيف بالنسبة إلى المضيف ، والأصح عدم اعتبار إذنهما في ذلك ، للأصل ، وبطلان القياس. نعم لو وقع في صوم مندوب جاء في اعتبار إذنهما فيه ما سبق من الخلاف.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٨ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ ـ ٥٢٩ ، التهذيب ٤ : ٢٨٨ ـ ٨٧١ ، الوسائل ٧ : ٤٠٨ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٧ ح ٢.

(٢) منهم القرطبي في بداية المجتهد ١ : ٣٢٥ ، وذكره الكاساني في بدائع الصنائع ٢ : ١١٣.

٣٢٦

وإذا أذن من له ولاية كان له المنع قبل الشروع وبعده ما لم يمض يومان ، أو يكون واجبا بنذر وشبهه.

فرعان :

الأول : المملوك إذا هاياه مولاه جاز له الاعتكاف في أيامه وإن لم يأذن له مولاه.

الثاني : إذا أعتق في أثناء الاعتكاف لم يلزمه المضيّ فيه ، إلا أن يكون شرع بإذن المولى.

______________________________________________________

قوله : ( وإذا أذن من له الولاية كان له المنع قبل الشروع وبعده ما لم يمض يومان ، وكذا لو كان واجبا بنذر وشبهه ).

لا ريب في جواز المنع قبل تلبس المأذون له بالاعتكاف الواجب ، والوجوب إنما يتحقق عند المصنف بالنذر وشبهه ، أو بمضي اليومين ، وعلى قول الشيخ يتجه عدم جواز المنع بعد الشروع مطلقا (١).

قوله : ( الأول ، المملوك إذا هاياه مولاه جاز له الاعتكاف في أيامه وإن لم يأذن له مولاه ).

إنما يجوز ذلك إذا كانت المهاياة تفي بأقل مدة الاعتكاف ولم يضعفه عن الخدمة في نوبة المولى ، ولم يكن الاعتكاف في صوم مندوب إن منعنا المبعض من الصوم بغير إذن المولى ، وإلا لم يجز إلا بالإذن كما هو واضح.

قوله : ( الثاني ، إذا أعتق في أثناء الاعتكاف لم يلزمه المضي فيه إلا أن يكون شرع فيه بإذن المولى ).

مقتضى العبارة أنه لو شرع فيه بإذن المولى يلزمه المضي فيه ،

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٩٠.

٣٢٧

السادس : استدامة اللبث في المسجد ، فلو خرج لغير الأسباب المبيحة بطل اعتكافه ، طوعا خرج أو كرها. فإن لم تمض ثلاثة بطل الاعتكاف ، وإن مضت فهي صحيحة إلى حين خروجه.

______________________________________________________

وهو إنما يتم عند المصنف مع وجوب الاعتكاف بنذر أو شبهه ، أو مضي يومين.

قوله : ( السادس ، استدامة اللبث في المسجد ، فلو خرج لغير الأسباب المبيحة بطل اعتكافه ، طوعا خرج أو كرها ).

أجمع العلماء كافة على أنه لا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد الذي وقع فيه الاعتكاف لغير الأسباب المبيحة ، حكاه في التذكرة (١). وقال المصنف في المعتبر : لا يجوز للمعتكف الخروج من الموضع الذي اعتكف فيه إلا لما لا بد منه ، وعليه اتفاق الفقهاء (٢). ويدل عليه روايات ، منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ليس على المعتكف أن يخرج من المسجد إلا الجمعة ، أو جنازة ، أو غائط » (٣).

وما رواه الكليني في الحسن ، وابن بابويه في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها ، ثم لا يجلس حتى يرجع ، ولا يخرج في شي‌ء إلا لجنازة ، أو يعود مريضا ، ولا يجلس حتى يرجع » قال : « واعتكاف المرأة مثل ذلك » (٤).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٩٠.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٣٣.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٨ ـ ١ ، الوسائل ٧ : ٤٠٩ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٧ ح ٦.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٨ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ ـ ٥٢٩ ، الوسائل ٧ : ٤٠٨ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٧ ح ٢.

٣٢٨

______________________________________________________

وعن داود بن سرحان ، قال : كنت بالمدينة في شهر رمضان فقلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أريد أن اعتكف ، فما ذا أقول؟ وماذا أفرض على نفسي؟ فقال : « لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها ، ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك » (١).

وقد قطع المصنف ببطلان الاعتكاف بالخروج المحرم ، سواء كان طوعا أو كرها ، واستدل عليه في المعتبر بأن الاعتكاف لبث في المسجد ، فيكون الخروج منافيا له (٢).

وفصّل العلامة في التذكرة فقال : « إن الاعتكاف إنما يبطل بمطلق الخروج المحرم إذا وقع اختيارا ، أما إذا أخرج كرها فإنه لا يبطل إلا مع طول الزمان ، بحيث يخرج عن كونه معتكفا (٣). ولا بأس به تمسكا بمقتضى الأصل ، وحديث رفع ، والتفاتا إلى عدم توجه النهي إلى هذا الفعل.

وإنما يتحقق الخروج من المسجد بخروجه بجميع بدنه ، فلو أخرج رأسه أو يده أو رجله لم يبطل اعتكافه ، وبه قطع المصنف في المعتبر من غير نقل خلاف ، قال : لأن المنافي للاعتكاف خروجه لا خروج بعضه (٤) وقد روى الجمهور عن عائشة أنها قالت : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يدني إليّ رأسه لا رجله (٥).

وجزم الشارح ـ قدس‌سره ـ بتحقق الخروج من المسجد بخروج‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٨ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ ـ ٥٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٨٧ ـ ٨٧٠ ، الوسائل ٧ : ٤٠٨ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٧ ح ٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٣٣.

(٣) التذكرة ١ : ٢٩٠ ـ ٢٩٢.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٣٤.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ٦٣.

٣٢٩

ولو نذر اعتكاف أيام معيّنة ثم خرج قبل إكمالها بطل الجميع إن شرط التتابع ، ويستأنف.

______________________________________________________

جزء من بدن المعتكف عنه (١). وهو ضعيف جدا.

وهل يتحقق الصعود إلى سطح المسجد من داخله ، قيل : نعم ، وبه قطع يتحقق بالصعود إلى سطح المسجد من داخله ، قيل : نعم ، وبه قطع في الدروس لعدم دخوله في مسمّاه (٢) ، وقيل : لا ، وبه قطع في المنتهى من غير نقل خلاف ، ونقله عن الفقهاء الأربعة ، قال : لأنه من جملة المسجد ويجوز له أن يبيت فيه (٣). وهو حسن.

قوله : ( ولو نذر اعتكاف أيام معينة ثم خرج قبل إكمالها بطل الجميع إن شرط التتابع ، ويستأنف ).

المراد بتعيين الأيام حصرها في زمان معين ، كالعشر الأواخر من شهر رمضان ، وقد عرفت أن مثل ذلك يقتضي التتابع معنى ، فقوله إن شرط التتابع يريد به اشتراطه لفظا مع كونه متتابعا معنى.

وهذا الحكم أعني بطلان الجميع والحال هذه ووجوب الاستئناف ذكره الشيخ في المبسوط (٤). واستدل له في المختلف بفوات المتابعة المشترطة ، ثم قال : ولقائل أن يقول : لا يجب الاستئناف وإن وجب عليه الإتمام متتابعا وكفارة خلف النذر ، لأن الأيام التي اعتكفها متتابعة وقعت على الوجه المأمور به ، فيخرج بها عن العهدة ، ولا يجب عليه استينافها ، لأن غيرها لم يتناوله النذر ، بخلاف ما إذا أطلق النذر وشرط التتابع فإنه هنا يجب الاستيناف ، لأنه أخل بصفة النذر فوجب عليه استئنافه من رأس ، بخلاف صورة النزاع ، والفرق بينهما تعين الزمان‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٨٤.

(٢) الدروس : ٨٠.

(٣) المنتهى ٢ : ٦٣٥.

(٤) المبسوط ١ : ٢٩١.

٣٣٠

ويجوز الخروج للأمور الضرورية. كقضاء الحاجة ،

______________________________________________________

هناك وإطلاقه هنا ، فكل صوم متتابع في أي زمان كان مع الإطلاق يصح أن يجعله المنذور ، أما مع التعيين فلا يمكنه البدلية (١). انتهى كلامه رحمه‌الله ، وهو جيد ، ولا يخفى أن عدم الاستئناف إنما يتجه إذا كان ما أتى به ثلاثة فصاعدا كما هو واضح.

قوله : ( ويجوز الخروج للأمور الضرورية ).

هذا قول العلماء كافة ، وقد تقدم من الأخبار ما يدل عليه (٢) ، ويندرج في الأمور الضرورية تحصيل المأكول والمشروب إذا لم يكن له من يأتيه بهما ، وجوز العلامة في التذكرة (٣) والشارح (٤) الخروج للأكل أيضا إذا كان في فعله في المسجد غضاضة عليه ، بخلاف الشرب ، إذ لا غضاضة فيه ، ولا يعد تركه من المروة. وهو غير بعيد ، لكن لو اندفعت الغضاضة بالسترة في المسجد امتنع الخروج قطعا.

قوله : ( كقضاء الحاجة ).

الظاهر أن المراد بالحاجة هنا التخلي كما يشعر به عطف الاغتسال عليه وجعله مثالا للأمور الضرورية. ولا ريب في جواز الخروج إلى ذلك ، لكن يجب تحرّي أقرب الطرق إلى المواضع التي تصلح لقضاء الحاجة بحسب حاله.

وقال في المنتهى : لو كان إلى جانب المسجد سقاية خرج إليها ، إلا أن يجد غضاضة بأن يكون من أهل الاحتشام فيجد المشقة بدخولها لأجل الناس ، فعندي هاهنا يجوز أن يعدل عنها إلى منزله وإن كان‌

__________________

(١) المختلف : ٢٥٣.

(٢) الوسائل ٧ : ٤٠٨ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٧.

(٣) التذكرة ١ : ٢٩٠.

(٤) المسالك ١ : ٨٤.

٣٣١

______________________________________________________

أبعد. ثم قال : ولو بذل له صديق منزله وهو قريب من المسجد لقضاء حاجته لم تلزمه الإجابة ، لما فيه من المشقة بالاحتشام ، بل يمضي إلى منزله (١). وما ذكره رحمه‌الله غير بعيد مع المشقة اللازمة من ذلك ، وإن كان الاقتصار في الخروج على ما تندفع به الضرورة طريق الاحتياط.

واحتمل الشارح ـ قدس‌سره ـ أن يكون المراد بالحاجة في كلام المصنف مطلق الحاجة ، ويكون ذكر الاغتسال من باب عطف الخاص على العام ، ثم قال : ولا فرق في الحاجة بالمعنى الثاني بين أن تكون له أو لغيره من المؤمنين (٢). وبالجواز قطع العلامة في المنتهى من غير نقل خلاف (٣) ، واستدل عليه بأنه طاعة فلا يمنع منها الاعتكاف ، قال : ويؤيده ما رواه ابن بابويه عن ميمون بن مهران ، قال : كنت جالسا عند الحسن بن علي عليهما‌السلام ، فأتاه رجل فقال : يا بن رسول الله إن فلانا له عليّ مال ويريد أن يحبسني ، فقال : « والله ما عندي مال فأقضي عنك » قال : فكلمه فلبس عليه‌السلام نعله فقلت له : يا بن رسول الله أنسيت اعتكافك؟ فقال : « لم أنس ، ولكني سمعت أبي عليه‌السلام يحدث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنما عبد الله عزّ وجلّ تسعة آلاف سنة صائما نهاره قائما ليله » (٤) وهذه الرواية صريحة في المطلوب ، لكنها قاصرة من حيث السند (٥) ، فلا تصلح لتخصيص الأخبار المتضمنة لإطلاق‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٣٤.

(٢) المسالك ١ : ٨٤.

(٣) المنتهى ٢ : ٦٣٥.

(٤) الفقيه ٢ : ١٢٣ ـ ٥٣٨ ، الوسائل ٧ : ٤٠٩ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٧ ح ٤.

(٥) بالإرسال وجهالة الراوي وضعف الطريق ـ راجع معجم رجال الحديث ١٩ : ١١٤ ـ ١٢٩٤٤.

٣٣٢

والاغتسال ، وشهادة الجنازة ، وعود المرضى ، وتشييع المؤمن ،

______________________________________________________

المنع من الخروج.

قوله : ( والاغتسال ).

قيده في التذكرة بكونه للاحتلام ، فلا يجوز الخروج للغسل المندوب (١) ، وهو حسن. وفي معنى غسل الجنابة غسل المرأة للاستحاضة ، ولو أمكن الغسل في المسجد على وجه لا تتعدى إليه النجاسة فقد أطلق جماعة المنع من ذلك ، لما فيه من الاستهانة المنافية (٢) لاحترام المسجد ، ويحتمل الجواز كما في الوضوء والغسل المندوب.

قوله : ( وشهادة الجنازة ).

لورود الإذن في ذلك في صحيحتي الحلبي وابن سنان المتقدمتين (٣) ، ولا فرق في ذلك بين من يتعين عليه حضور الجنازة وغيره ، لإطلاق النص.

قوله : ( وعود المرضى وتشييع المؤمن ).

أما جواز الخروج لعيادة المرضى فقال في التذكرة : إنه قول علمائنا أجمع (٤). وهو مروي في صحيحة الحلبي المتقدمة عن الصادق عليه‌السلام (٥). وأما جواز الخروج لتشييع المؤمن فذكره المصنف (٦) والعلامة (٧) ، ولم أقف على رواية تدل عليه ، فالأولى تركه.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٩٠.

(٢) في الأصل وباقي النسخ والحجري : الاستهان المنافي ، ولم نجد هذا المصدر في معاجم اللغة التي بين أيدينا.

(٣) في ص ٣٢٩.

(٤) التذكرة ١ : ٢٩١.

(٥) راجع ص ٣٢٩.

(٦) الشرائع ١ : ٢١٧.

(٧) القواعد ١ : ٧١. المنتهى ٢ : ٦٣٤.

٣٣٣

وإقامة الشهادة.

وإذا خرج لشي‌ء من ذلك لم يجز له الجلوس ، ولا المشي تحت الظلال ،

______________________________________________________

قوله : ( وإقامة الشهادة ).

إنما يجوز الخروج لإقامة الشهادة إذا تعينت عليه ولم يمكن أداؤها بدون الخروج. وفي معنى الإقامة التحمل الواجب.

قوله : ( وإذا خرج لشي‌ء من ذلك لم يجز له الجلوس ، ولا المشي تحت الظلال ).

أما تحريم الجلوس فلا ريب فيه ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي : « لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها ، ثم لا يجلس حتى يرجع » (١) وفي رواية داود بن سرحان : « ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك » (٢).

وأما تحريم المشي تحت الظلال فذكره الشيخ في الجمل (٣) ، واعترف المصنف (٤) ومن تأخر عنه (٥) بعدم الوقوف على مستنده ، وقال الشيخ في المبسوط : ليس المحرم إلا القعود تحت الظل وغيره (٦). واختاره المصنف في المعتبر (٧) وأكثر المتأخرين ، وهو المعتمد ،

__________________

(١) المتقدمة في ص ٣٢٩.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٨ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ ـ ٥٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٨٧ ـ ٨٧٠ ، الوسائل ٧ : ٤٠٨ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٧ ح ٣.

(٣) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٢.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٣٥.

(٥) كالعلامة في المختلف : ٢٥٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٨٤.

(٦) المبسوط ١ : ٢٩٣.

(٧) المعتبر ٢ : ٧٣٥.

٣٣٤

ولا الصلاة خارج المسجد إلا بمكة ، فإنه يصلي بها أين شاء.

______________________________________________________

تمسكا بمقتضى الأصل فيما لم يقم دليل على تحريمه.

قوله : ( ولا الصلاة خارج المسجد إلا بمكة ، فإنه يصلي بها أين شاء ).

المراد أن المعتكف إذا خرج في مكة من المسجد الذي اعتكف فيه لضرورة ثم حضر وقت الصلاة وهو في بيت من بيوتها جاز له الصلاة فيه ، بخلاف ما عدا مكة ، فإن المعتكف إذا خرج لضرورة فحضر وقت الصلاة لم يجز له الصلاة حتى يرجع إلى المسجد الذي اعتكف فيه ، إلا مع ضيق الوقت فيصلي حيث شاء.

أما أنه لا يجوز له الصلاة خارج المسجد الذي اعتكف فيه في غير مكة مع عدم تضيق الوقت فظاهر ، لأن الخروج من المسجد إنما يجوز للضرورة فيتقدر بقدرها.

وأما جواز الصلاة في مكة في أي بيوتها شاء فيدل عليه روايات ، منها ما رواه الكليني وابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « المعتكف بمكة يصلي في أي بيوتها شاء ، وسواء عليه صلى في المسجد أو في بيوتها » (١).

وما رواه الشيخ والكليني في الصحيح ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « المعتكف بمكة يصلي في أي بيوتها شاء ، والمعتكف في غيرها لا يصلي إلا في المسجد الذي سمّاه » (٢).

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٧ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ١٢١ ـ ٥٢٢ ، الوسائل ٧ : ٤١٠ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٨ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٧ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٩٣ ـ ٨٩٢ ، الإستبصار ٢ : ١٢٨ ـ ٤١٧ ، الوسائل ٧ : ٤١٠ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٨ ح ٢.

٣٣٥

ولو خرج من المسجد ساهيا لم يبطل اعتكافه.

فروع :

[ الأول ] : إذا نذر اعتكاف شهر معين ولم يشرط التتابع فاعتكف بعضه وأخلّ بالباقي صحّ ما فعل وقضى ما أهمل ، ولو تلفظ فيه بالتتابع استأنف.

______________________________________________________

ويستثنى من المنع من الصلاة خارج المسجد في غير مكة صلاة الجمعة ، فإنه يخرج لأدائها إذا أقيمت في غير المسجد الذي اعتكف فيه ، لأنه خروج لا بد منه شرعا ، ولقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان : « ليس على المعتكف أن يخرج من المسجد إلا إلى الصلاة الجمعة أو جنازة أو غائط » (١).

وألحق الشيخ في المبسوط بصلاة الجمعة صلاة العيد (٢) ، وهو مبني على جواز صومه للقاتل في الأشهر الحرم.

قوله : ( ولو خرج من المسجد ساهيا لم يبطل اعتكافه ).

هكذا أطلق الأكثر ، واستدلوا عليه بالأصل ، وحديث رفع ، وعدم توجه النهي إلى الساهي. وقيده الشارح بما إذا لم يطل زمان الخروج بحيث يخرج عن كونه معتكفا ، وإلا بطل وإن انتفى الإثم (٣) ، ولا بأس به ، وحيث لا يبطل فيجب عليه العود حين الذكر ، فلو أخر اختيارا بطل.

قوله : ( فروع : الأول : إذا نذر اعتكاف شهر معين ولم يشترط التتابع فاعتكف بعضه وأخل بالباقي صح ما فعل وقضى ما أهمل ، ولو تلفظ فيه بالتتابع استأنف ).

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٨ ـ ١ ، الوسائل ٧ : ٤٠٩ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٧ ح ٦.

(٢) المبسوط ١ : ٢٩٢.

(٣) المسالك ١ : ٨٤.

٣٣٦

الثاني : إذا نذر اعتكاف شهر معين ولم يعلم به حتى خرج ـ كالمحبوس أو الناسي ـ قضاه.

الثالث : إذا نذر اعتكاف أربعة أيام فأخلّ بيوم قضاه ، لكن يفتقر أن يضمّ إليه آخرين ، ليصح الإتيان به.

______________________________________________________

بل الأصح عدم بطلان ما فعل إذا كان ثلاثة فصاعدا مع التلفظ‌ بالتتابع وبدونه ، إذ المفروض تعيين الزمان ، وقد عرفت أن التلفظ بالتتابع لا يفيد مع تعيين الزمان إلا مجرد التأكيد ، لإفادة التعيين التتابع المعنوي ، وقد بينا ذلك فيما سبق.

قوله : ( الثاني ، إذا نذر اعتكاف شهر معين ولم يعلم به حتى خرج ـ كالمحبوس والناسي ـ قضاه ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدل عليه في المنتهى بأنه نذر في طاعة أخل به فوجب عليه قضاؤه (١). وهو إعادة للمدعى ، وينبغي التوقف في ذلك إلى أن يقوم على وجوب القضاء دليل يعتد به ، أما الكفارة فلا ريب في سقوطها للعذر.

قال في الدروس : ولو اشتبه الشهر فالظاهر التخيير ، وكذا لو غمت الشهور عليه (٢). ويمكن المناقشة في هذا الحكم أيضا بأن الأصل عدم وجوب المنذور المعين إلا إذا علم دخول وقته ، وإلحاقه بصوم رمضان يحتاج إلى دليل ، وإن كان ما ذكره أحوط.

قوله : ( الثالث ، إذا نذر اعتكاف أربعة أيام فأخل بيوم قضاه ، لكن يفتقر أن يضم إليه آخرين ، ليصح الإتيان به ).

المراد بقضاء ذلك اليوم : الإتيان به ليتناول المنذور المطلق‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٣١.

(٢) الدروس : ٨١.

٣٣٧

الرابع : إذا نذر اعتكاف يوم لا أزيد لم ينعقد ، ولو نذر اعتكاف ثاني قدوم زيد صحّ ، ويضيف إليه آخرين.

وأما أقسامه : فإنه ينقسم إلى واجب وندب. فالواجب ما وجب بنذر وشبهه ، والمندوب ما تبرع به. فالأول : يجب بالشروع. والثاني.لا يجب المضيّ فيه حتى يمضي يومان فيجب الثالث. وقيل : لا يجب ، والأول أظهر.

______________________________________________________

والمعين. ولو كان المنذور خمسة وجب أن يضم إليها سادسا ، سواء أفرد اليومين أم ضمهما إلى الثلاثة ، لما بيناه فيما سبق من أن الأظهر وجوب كل ثالث (١).

قوله : ( الرابع ، إذا نذر اعتكاف يوم لا أزيد لم ينعقد ، ولو نذر اعتكاف ثاني قدوم زيد صح ، ويضيف إليه آخرين ).

المراد بنفي الزائد في الصورة الأولى جعله مقيدا في اعتكاف اليوم ، أي نذر اعتكاف يوم مع نفي الزائد ، ووجه عدم الانعقاد على هذا التقدير ظاهر ، لعدم ثبوت التعبد باعتكاف اليوم الواحد خاصة ، أما لو نذر يوما وسكت عن الزائد فإنه ينعقد نذره ويضم إليه آخرين ، وقد نبه عليه بقوله : ولو نذر اعتكاف ثاني قدوم زيد صح ويضيف إليه آخرين.

قوله : ( وأما أقسامه ، فإنه ينقسم إلى واجب وندب ، فالواجب ما وجب بنذر وشبهه ، والمندوب ما تبرع به ، والأول يجب بالشروع ، والثاني لا يجب المضي فيه حتى يمضي يومان فيجب الثالث ، وقيل : لا يجب ، والأول أظهر ).

البحث في هذه الجملة معلوم مما سبق ، لكن الظاهر من قول المصنف : إن الأول وهو ما وجب بنذر وشبهه يجب بالشروع ، إنه يجب‌

__________________

(١) راجع ص ٣١٤.

٣٣٨

ولو شرط في حال نذره الرجوع إذا شاء كان له ذلك أيّ وقت شاء ، ولا قضاء. ولو لم يشترط وجب استئناف ما نذره إذا قطعه.

______________________________________________________

المضي فيه بمجرد الشروع ، وهو جيد مع تعين الزمان ، أما مع إطلاقه فمشكل ، ولو قيل بمساواته للمندوب في عدم وجوب المضي فيه قبل مضي اليومين لم يكن بعيدا.

قوله : ( ولو شرط في حال نذره الرجوع إذا شاء كان له ذلك أي وقت شاء ، ولا قضاء ، ولو لم يشترط وجب استئناف ما نذره إذا قطعه ).

البحث في هذه المسألة يقع في مواضع :

الأول : في مشروعية هذا الشرط ، وهو مقطوع به في كلام الأصحاب وغيرهم ، قال في المنتهى : ويستحب للمعتكف أن يشترط على ربه في الاعتكاف أنه إن عرض له عارض أن يخرج من الاعتكاف ، ولا نعرف فيه مخالفا إلا ما حكي عن مالك أنه قال : لا يصح الاشتراط (١).

والأصل في ذلك من طريق الأصحاب ما رواه الشيخ ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا اعتكف العبد فليصم » وقال : « لا يكون اعتكاف أقل من ثلاثة أيام ، واشترط على ربك في اعتكافك كما تشترط عند إحرامك ، أن ذلك في اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علة تنزل بك من أمر الله » (٢).

وما رواه الكليني في الصحيح ، عن أبي أيوب ، عن أبي بصير ،

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٣٨.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٨٩ ـ ٨٧٨ ، الإستبصار ٢ : ١٢٩ ـ ٤١٩ ، الوسائل ٧ : ٣٩٩ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٢ ح ٩.

٣٣٩

______________________________________________________

عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام ، ومن اعتكف صام ، وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم » (١).

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إذا اعتكف يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ الاعتكاف ، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى يمضي ثلاثة أيام » (٢). والأخبار الواردة بذلك كثيرة.

الثاني : في محله ، وهو في المتبرّع به عند نيته والدخول فيه ، وأما المنذور فقد صرح المصنف (٣) وغيره (٤) بأن محل اشتراط ذلك في عقد النذر.

قال في المعتبر : أما إذا أطلقه من الاشتراط على ربه فلا يصح له الاشتراط عند إيقاع الاعتكاف ، وإنما يصح فيما يبتدئ به من الاعتكاف لا غير (٥). ولم أقف على رواية تدل على ما ذكروه من شرعية اشتراط ذلك في عقد النذر ، وإنما المستفاد من النصوص أن محل ذلك نية الاعتكاف مطلقا ، ولو قيل بجواز اشتراطه في نية الاعتكاف المنذور إذا كان مطلقا لم يكن بعيدا ، خصوصا على ما أشرنا إليه سابقا من مساواته للمندوب في عدم وجوب المضي فيه إلا بمضي اليومين.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٧ ـ ٢ ، الوسائل ٧ : ٤٠٤ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٤ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٧ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ١٢١ ـ ٥٢٦ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ ـ ٨٧٩ ، الإستبصار ٢ : ١٢٩ ـ ٤٢١ ، الوسائل ٧ : ٤٠٤ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٤ ح ١.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٣٩.

(٤) كالعلامة في المنتهى ٢ : ٦٣٨.

(٥) المعتبر ٢ : ٧٤٠.

٣٤٠