مدارك الأحكام - ج ٦

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٦

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

فات محلّها ، واجبا كان الصوم أو ندبا. وقيل : يمتد وقتها إلى الغروب لصوم النافلة ، والأول أشهر.

______________________________________________________

الشمس ، فلو زالت الشمس فات محلها ، واجبا كان الصوم أو ندبا ، وقيل : يمتد وقتها إلى الغروب لصوم النافلة ، والأول أشهر ).

المراد بحضور النية عند أول جزء من الصوم وقوعها في آخر جزء من الليل ، وتبييتها وقوعها قبل ذلك في أثناء الليل. وإنما وجب ذلك لأن الإخلال بكلا الأمرين عمدا يقتضي مضي جزء من الصوم بغير نية فيفسد لانتفاء شرطه والصوم لا يتبعض.

ونقل عن ظاهر ابن أبي عقيل أنه حتم تبييت النية. وربما كان لتعذر المقارنة ، فإن الطلوع يعلم إلا بعد الوقوع فتقع النية بعده (١).

وعن ظاهر ابن الجنيد جواز تجديد النية في القرض وغيره بعد الزوال مع الذكر والنسيان (٢). والظاهر أن مراده بالفرض غير المعين.

وعن المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ أنه أطلق أن وقت النية في الصيام الواجب من قبل طلوع الفجر إلى قبل زوال الشمس (٣). والظاهر أن مراده ما يتناول وقت الاختيار والاضطرار ، وإن كان مراده الإطلاق فلا ريب في ضعفه.

وأما جواز تجديد النية إلى الزوال مع النسيان بمعنى أن وقتها يمتد إليه لكن تجب المبادرة بها بعد الذكر على الفور فظاهر المصنف في المعتبر والعلامة في التذكرة والمنتهى أنه موضع وفاق بين الأصحاب (٤). واستدلوا عليه بما روي أن ليلة الشك أصبح الناس فجاء أعرابي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشهد برؤية الهلال ، فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مناديا ينادي : من‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٢١٢.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٢١٢.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٢١٢.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٤٥ ، والتذكرة ١ : ٢٥٦ ، والمنتهى ٢ : ٥٥٨.

٢١

______________________________________________________

لم يأكل فليصم ، ومن أكل فليمسك (١).

قال في المنتهى : وإذا جاز مع العذر وهو الجهل بالهلال جاز مع النسيان (٢).

ويمكن أن يستدل عليه بفحوى ما دل على انعقاد الصوم من المريض والمسافر إذا زال عذرهما قبل الزوال ، وأصالة عدم اعتبار تبييت النية مع النسيان.

ونقل عن ظاهر ابن أبي عقيل أنه ساوى بين الناسي والعامد في بطلان الصوم مع الإخلال بالنية من الليل (٣). وهو نادر.

ولم يذكر المصنف هنا حكم الواجب الذي ليس بمعين كالقضاء والنذر المطلق صريحا ، وقد قطع الأصحاب بأن وقت النية فيه يستمر من الليل إلى الزوال إذا لم يفعل المنافي نهارا. وتدل عليه روايات كثيرة ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : في الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان وإن لم يكن نوى ذلك من الليل ، قال : « نعم ليصمه وليعتد به إذا لم يكن أحدث شيئا » (٤).

وفي الصحيح عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « قال علي عليه‌السلام : إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياما ثم ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب شرابا ولم يفطر فهو بالخيار إن شاء صام‌

__________________

(١) لم نعثر في مصادر العامة والخاصة على هذه الرواية ، ولكنها موجودة في المعتبر ٢ : ٦٤٦.

(٢) المنتهى ٢ : ٥٥٨.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٢١٢.

(٤) التهذيب ٤ : ١٨٦ ـ ٥٢٢ ، الوسائل ٧ : ٤ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٢ ح ٢ ، والرواية في التهذيب غير مسندة إلى الإمام وبتفاوت ، ولكنها مسندة ومطابقة في الكافي ٤ : ١٢٢ ـ ٤.

٢٢

______________________________________________________

وإن شاء أفطر » (١).

وفي الحسن عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : إن رجلا أراد أن يصوم ارتفاع النهار قال : « نعم » (٢).

وفي الصحيح عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يدخل إلى أهله فيقول : عندكم شي‌ء وإلا صمت ، فإن كان عندهم شي‌ء أتوه به وإلا صام » (٣).

قال المصنف في المعتبر (٤) : وإنما قدرناه بنصف النهار ، لأن الصوم الواجب يجب أن يأتي به من أول النهار أو بنية تقوم مقام الإتيان به من أوله ، وقد روي أن من صام قبل الزوال حسب له يومه ، روى ذلك هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : الرجل يصبح لا ينوي الصوم فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم فقال : « إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه ، وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى فيه » (٥) ، وأيد ذلك ما رواه عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان يريد أن يقضيها متى ينوي الصيام؟ قال : « هو بالخيار إلى زوال الشمس ، فإذا زالت فإن كان قد نوى الصوم فليصم ، وإن كان نوى الإفطار فليفطر » سئل : فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال : « لا » (٦).

وقال ابن الجنيد : ويستحب للصائم فرضا وغير فرض أن يبيّت الصيام‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٧ ـ ٥٢٥ ، الوسائل ٧ : ٥ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٢ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ١٢١ ـ ١ ، الوسائل ٧ : ٤ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٢ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ١٨٨ ـ ٥٣١ ، الوسائل ٧ : ٦ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٢ ح ٧.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٤٧.

(٥) التهذيب ٤ : ١٨٨ ـ ٥٢٨ ، الوسائل ٧ : ٦ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٢ ح ٨.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٨٠ ـ ٨٤٧ ، الإستبصار ٢ : ١٢١ ـ ٣٩٤ ، الوسائل ٧ : ٦ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٢ ح ١٠.

٢٣

______________________________________________________

من الليل لما يريده به ، وجائز أن يبتدئ بالنية وقد بقي بعض النهار ويحتسب به من واجب إذا لم يكن أحدث ما ينقض الصيام ، ولو جعله تطوعا كان أحوط (١). وإطلاق كلامه يقتضي جواز تجديد النية بعد الزوال أيضا ، وله شواهد من الأخبار كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن الرجل يصبح ولم يطعم ولم يشرب ولم ينو صوما وكان عليه يوم من شهر رمضان ، أله أن يصوم ذلك اليوم وقد ذهب عامة النهار؟ قال : « نعم له أن يصومه ويعتد به من شهر رمضان » (٢).

ومرسلة أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان ويصبح فلا يأكل إلى العصر ، أيجوز له أن يجعله قضاء من شهر رمضان؟ قال : « نعم » (٣).

وأجاب العلامة في المختلف عن الرواية الأولى باحتمال أن يكون قد نوى قبل الزوال ، ويصدق عليه أنه ذهب عامة النهار على سبيل المجاز.

وعن الرواية الثانية بالطعن في السند بالإرسال ، وباحتمال أن يكون قد نوى صوما مطلقا مع نسيان القضاء فجاز صرفه إليه (٤).

ويمكن المناقشة في الأول بأن المتبادر من ذهاب عامة النهار ذهاب أكثره ، وهو لا يتحقق بما قبل الزوال.

وفي الثاني بأنه ليس في شي‌ء من الروايات دلالة على الاحتمال الذي ذكره فلا يمكن المصير إليه.

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٢١٢.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٧ ـ ٥٢٦ و ١٨٨ ـ ٥٣٠ ، الوسائل ٧ : ٥ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٢ ح ٦.

(٣) التهذيب ٤ : ١٨٨ ـ ٥٢٩ و ٣١٥ ـ ٩٥٦ ، الاستبصار ٢ : ١١٨ ـ ٣٨٥ ، الوسائل ٧ : ٦ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٢ ح ٩.

(٤) المختلف : ٢١٢.

٢٤

______________________________________________________

وكيف كان فالمذهب ما عليه أكثر الأصحاب.

وقد ظهر من ذلك وجه امتداد وقت النية في صوم النافلة إلى الزوال كما هو مذهب الأكثر ، والقول بامتداده إلى الغروب للشيخ في المبسوط (١) والمرتضى (٢) وجماعة.

وقال الشيخ رحمه‌الله : وتحقيق ذلك أن يبقى بعد النية من الزمان ما يمكن صومه ، لا أن يكون انتهاء النية مع انتهاء النهار. ويدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة هشام بن سالم المتقدمة : « وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى فيه » (٣).

ورواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة ، قال : « هو بالخيار ما بينه وبين العصر ، وإن مكث حتى العصر ثم بدا له أن يصوم ولم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء الله » (٤).

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي الاكتفاء بوقوع النية في أي وقت كان من الليل ، وقال بعض العامة : إنما تصح النية في النصف الثاني دون الأول (٥). ولا ريب في بطلانه. ونقل عن ابن الجنيد أنه جوّز تقديم النية وقد بقي بعض النهار وإن كان الصوم واجبا (٦). وهو ضعيف.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٧٨.

(٢) الانتصار : ٦٠.

(٣) في ص ٢٣.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٢ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٥٥ ـ ٢٤٢ ، المقنع : ٦٣ ، الوسائل ٧ : ٧ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٣ ح ١.

(٥) منهم الفيروزآبادي في المهذب ١ : ١٨٠ ، والبكري في حاشية إعانة الطالبين ٢ : ٢٢٢.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ٢١٢.

٢٥

______________________________________________________

الثاني : لا تبطل النية بفعل ما ينافي الصوم بعدها قبل طلوع الفجر سواء في ذلك الجماع وغيره. وجزم الشهيد في البيان بعدم بطلانها بالتناول ثم قال : وفي الجماع وما يبطل الغسل تردد ، من أنه مؤثر في صيرورة المكلف غير قابل للصوم فيزيل حكم النية ، ومن حصول شرط الصحة وزوال المانع بالغسل (١). ولا يخفى ضعف الوجه الأول من وجهي التردد فإنه مجرد دعوى خالية من الدليل.

الثالث : لو أخل بالنية ليلا في المعين عمدا فسد صومه ، لفوات الشرط ووجب القضاء ، وهل تجب الكفارة؟ قيل : نعم ، وحكاه في البيان عن بعض مشايخه ، نظرا إلى أن فوات الشرط والركن أشد من فوات متعلق الإمساك (٢). وقيل : لا ، وبه قطع في المنتهى ، لأصالة البراءة السالمة من المعارض (٣). وهو قوي.

الرابع : لو نوى من الليل صوما غير معيّن ثم نوى الإفطار ولم يفطر كان له تجديد النية بعد ذلك بناء على أن ذلك مفسد للصوم ، كما لو أصبح بنية الإفطار ثم جدد النية بعد ذلك. ويحتمل العدم ، لفساد الصوم بذلك كما هو المفروض. ولا ريب في ضعفه.

الخامس : لو جدد النية في أثناء النهار فهل يحكم له بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية أو من ابتداء النهار أو يفرق بين ما إذا وقعت النية بعد الزوال أو قبله؟ أوجه ، أجودها الأخير ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة هشام بن سالم المتقدمة : « إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه ، وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى فيه » (٤).

__________________

(١) البيان : ٢٢٧.

(٢) البيان : ٢٢٥.

(٣) المنتهى ٢ : ٥٥٨.

(٤) في ص ٢٣.

٢٦

وقيل : يختص رمضان بجواز تقديم نيته عليه ، ولو سها عند دخوله فصام كانت النيّة الأولى كافية.

______________________________________________________

قوله : ( وقيل يختص رمضان بجواز تقديم نيته عليه ، ولو سها عند دخوله فصام كانت النية الأولى كافية ).

القائل بذلك الشيخ في الخلاف والنهاية والمبسوط (١) ، ونقله في الخلاف عن الأصحاب ، وصرح بجواز تقديمها بيوم وأيام.

قال المصنف في المعتبر بعد أن عزى ذلك إلى الشيخ ، وذكر أنه لم يذكر مستندا : ولعل ذلك لكون المقارنة غير مشروطة ، وكما جاز أن يتقدم من أول ليلة الصوم وإن يعقبها النوم والأكل والشرب والجماع جاز أن يتقدم على تلك الليلة بالزمان المقارب ، كاليومين والثلاثة ، لكن هذه الحجة ضعيفة ، لأن تقديمه في أول ليلة الصوم مستفاد من قوله عليه‌السلام : « من لم يبيت نية الصوم من الليل فلا صيام له » (٢) ولأن إيقاعها قبل الفجر بحيث يكون طلوعه عند إكمال النية عسر فينتفي ، وليس كذلك التقدم بالأيام ، ولأن الليلة متصلة باليوم اتصال أجزاء النهار بخلاف الأيام (٣) ، وهو جيد.

والأصح عدم الاكتفاء بالعزم المتقدم ، لأن من شرط النية المقارنة للمنوي ، خرج من ذلك تقديم نية الصوم من الليل بالنص والإجماع فيبقى الباقي.

واعلم أن الشيخ ـ رحمه‌الله ـ صرح في النهاية والمبسوط بأن العزم السابق إنما يجزي مع السهو عن تجديد النية عند دخول الشهر (٤). بل قال‌ :

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٧٦ ، والنهاية : ١٥١ ، والمبسوط ١ : ٢٧٦.

(٢) سنن البيهقي ٤ : ٢١٣ بتفاوت يسير.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٤٩. وفيه : آخر ، بدل : أجزاء.

(٤) النهاية : ١٥١ ، والمبسوط ١ : ٢٧٦.

٢٧

وكذا قيل : تجزي نيّة واحدة لصيام الشهر كلّه.

______________________________________________________

الشهيد في البيان : ولو ذكر عند دخول الشهر لم يجز العزم السابق قولا واحدا (١).

وهذا التفصيل من مضعفات هذا القول ، فإن المقارنة إن لم تكن معتبرة وجب الاكتفاء بالعزم السابق مطلقا ، وإن كانت معتبرة لم يكن معتدا به كذلك ، فالتفصيل لا وجه له.

قوله : ( وكذا قيل : تجزي نية واحدة لصيام الشهر كله ).

القائل بذلك الشيخ (٢) ، والمرتضى (٣) ، وأبو الصلاح (٤) ، وسلار (٥) ، وابن إدريس (٦) ، وغيرهم ، قال المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ في المسائل الرسية : تغني النية الواحدة في ابتداء شهر رمضان عن تجديدها في كل ليلة ، وهو المذهب الصحيح الذي عليه إجماع الإمامية ، ولا خلاف بينهم فيه ، ولا رووا خلافه.

ثم اعترض نفسه بأنه كيف تجزي النية في جميع الشهر وهي متقدمة في أول ليلة منه.

وأجاب بأنها تؤثر في الشهر كله كما تؤثر في اليوم كله وإن وقعت في ابتدائه ، ولو اشترط في تروك الأفعال في زمان الصوم مقارنة النية لها لوجب تجديد النية في كل حال من زمان كل يوم من شهر رمضان ، لأنه في هذه الأحوال كلها تارك لما يوجب كونه مفطرا ، وقد علمنا أن استمرار النية طول النهار غير واجب ، وأن النية قبل طلوع الفجر كافية مؤثرة في كون تروكه‌

__________________

(١) البيان : ٢٢٧.

(٢) النهاية : ١٥١ ، والمبسوط ١ : ٢٧٦ ، والاقتصاد : ٢٨٧.

(٣) الانتصار : ٦١.

(٤) الكافي في الفقه : ١٨١.

(٥) المراسم : ٩٦.

(٦) السرائر : ٨٤.

٢٨

______________________________________________________

المستمرة طول النهار صوما ، فكذا نقول في النية الواحدة إذا فرضنا أنها لجميع شهر رمضان أنها مؤثرة شرعا في صيام جميع أيامه وإن تقدمت (١). انتهى كلامه رحمه‌الله.

ورده المصنف في المعتبر بأنه قياس محض فلا يتمشى على أصولنا ، قال : لكن علم الهدى ادعى على ذلك الإجماع ، وكذلك الشيخ أبو جعفر ، والأولى تجديد النية لكل يوم في ليلته ، لأنا لا نعلم ما ادعياه من الإجماع (٢). ولا ريب في أولوية ذلك ، لأن كل يوم عبادة منفردة عن الأخرى لا يفسد بفساد ما قبله ولا بما بعده ، فيفتقر إلى نية متصلة به حقيقة أو حكما كغيره من العبادات.

تنبيهات :

الأول : قال في المنتهى : لو قلنا بالاكتفاء بالنية الواحدة فإن الأولى تجديدها بلا خلاف (٣). واستشكله الشارح ـ قدس‌سره ـ من حيث إنّ القائل بالاكتفاء بالنية الواحدة للشهر يجعله عبادة واحدة ، ومن شأن العبادة الواحدة أن لا يجوز تفريق النية على أجزائها (٤). وهو مدفوع بانتفاء ما يدل على امتناع تفريق النية على أجزاء العبادة ، خصوصا مع انفصال بعضها من بعض كموضع النزاع.

الثاني : قال في المنتهى أيضا : لو فاتته النية من أول الشهر لعذر وغيره هل يكتفى بالنية في ثاني ليلة أو ثالث ليلة للباقي من الشهر؟ فيه تردد ، أما إن قلنا بعدم الاكتفاء في الأول قلنا به ها هنا ، وإن قلنا بالاكتفاء هناك فالأولى الاكتفاء هنا ، لأن النية الواحدة قد كانت مجزية عن الجميع فعن البعض‌

__________________

(١) رسائل المرتضى : ٣٥٥.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٤٩.

(٣) المنتهى ٢ : ٥٦٠.

(٤) المسالك ١ : ٧٠.

٢٩

ولا يقع في رمضان صوم غيره.

______________________________________________________

أولى (١). وهو جيد.

واستوجه الشهيد في البيان عدم الاكتفاء بذلك ، لأن شهر رمضان إما عبادة واحدة أو ثلاثون عبادة ، فلا يجوز أن يجعل قسما آخرا (٢). وضعفه ظاهر ، إذ المفروض كونه عبادة واحدة فلا وجه لتفريق النية ، لكن العبادة الواحدة لا يمتنع الإتيان ببعضها لفوات البعض الآخر ، ومتى وجب الإتيان به تعين اعتبار النية فيه على هذا الوجه.

الثالث : قال في المنتهى أيضا : لو نذر شهرا معينا أو أياما معينة متتابعة لم يكتف فيها بالنية الواحدة ، أما عندنا فلعدم النص ، وأما عندهم فللفرق بين صوم لا يقع فيه غيره وبين صوم يجوز أن يقع فيه سواه (٣). هذا كلامه رحمه‌الله ، وكأن مراده جواز الوقوع لو لا النذر ، إذ لا ريب في امتناعه بعده. وأما تعليله أولا بعدم النص فهو مشترك بين صوم شهر رمضان وغيره. وكيف كان فالأجود عدم الإكتفاء بالنية (٤) هنا ، بل قال في الدروس إنه إجماع (٥).

قوله : ( ولا يقع في رمضان صوم غيره ).

المراد أنه لا يقع في شهر رمضان صوم غير الصوم الواجب فيه بالأصالة ، وعلى هذا فلو أراد المسافر صومه ندبا ـ إن سوغنا له الصوم المندوب ـ أو واجبا بالنذر المقيد بالحضر والسفر لم يكن له ذلك ، ولا ريب في ذلك ، لأن العبادة وظيفة متلقاة من الشارع فيتوقف على النقل ، ولم يثبت التعبد في شهر رمضان بصوم سوى الصوم الواجب فيه بالأصالة ، فيكون فعله بدعة محرمة.

ويؤيده ما رواه الشيخ عن الحسن بن بسام الجمال ، عن رجل قال :

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٥٦٠.

(٢) البيان : ٢٢٧.

(٣) المنتهى ٢ : ٥٦٠.

(٤) في « م » زيادة : الواحدة.

(٥) الدروس : ٧٠.

٣٠

ولو نوى غيره واجبا كان أو ندبا أجزأ عن رمضان دون ما نواه.

______________________________________________________

كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام فيما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم ثم رأينا هلال شهر رمضان فأفطر ، فقلت له : جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت صائم ، واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر؟! فقال : « إن ذلك تطوع ولنا أن نفعل ما شئنا ، وهذا فرض وليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا » (١).

ونقل عن الشيخ في المبسوط أنه جوّز التطوع بالصوم من المسافر في شهر رمضان (٢). وهو ضعيف جدا ، أما أولا فلما ذكرناه من انتفاء التوقيف.

وأما ثانيا فلأن الرواية التي اعتمد عليها في جواز صيام النافلة في السفر متضمنة لعدم وقوعه في شهر رمضان كما عرفت ، فتبقى الأخبار المانعة من وقوع الصيام في السفر (٣) سليمة عن المعارض.

قوله : ( ولو نوى غيره واجبا كان أو ندبا أجزأ عن رمضان دون ما نواه ).

المراد أن الحاضر إذا نوى في شهر رمضان غيره من الصيام وقع عن رمضان دون ما نواه. وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الجاهل بالشهر والعالم به ، وبهذا التعميم قطع في المعتبر (٤).

أما الوقوع عن رمضان مع الجهالة بالشهر فالظاهر أنه موضع وفاق كما اعترف به الأصحاب في صيام يوم الشك بنية الندب ، وسيجي‌ء الكلام فيه.

وأما مع العلم فهو اختيار الشيخ (٥) والمرتضى (٦) والمصنف هنا ظاهرا ،

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٦ ـ ٦٩٣ ، الإستبصار ٢ : ١٠٣ ـ ٣٣٥ ، الوسائل ٧ : ١٤٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٢ ح ٥.

(٢) المبسوط ١ : ٢٧٧.

(٣) الوسائل ٧ : ١٢٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ١.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٤٥.

(٥) المبسوط ١ : ٢٧٦.

(٦) جمل العلم والعمل : ٨٩.

٣١

ولا يجوز أن يردد نيّته بين الواجب والندب ، بل لا بد من قصد أحدهما تعيينا.

______________________________________________________

وفي المعتبر صريحا ، واستدل عليه بأن النية المشترطة حاصلة ، وهي نية القربة ، وما زاد لغو لا عبرة به ، فكان الصوم حاصلا بشرطه فيجزي عنه (١).

ويشكل بأن من هذا شأنه لم ينو المطلق لينصرف إلى رمضان ، وإنما نوى صوما معينا ، فما نواه لم يقع ، وغيره ليس بمنوي فيفسد لانتفاء شرطه.

ومن ثم ذهب ابن إدريس إلى عدم الإجزاء مع العلم (٢). ورجحه في المختلف ، للتنافي بين نية صوم رمضان ونية غيره ، ولأنه منهي عن نية غيره والنهي مفسد ، ولأن مطابقة النية للمنوي واجبة (٣). وهو جيد.

ولا يتوجه مثل ذلك مع الجهل لخروجه بالإجماع وحديث رفع الخطأ والروايات المتضمنة لإجزاء صيام يوم الشك بنية الندب عن صيام شهر رمضان (٤) ، وفي بعضها تلويح بأن العلة في ذلك العذر فيتعدى إلى غيره كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله.

قوله : ( ولا يجوز أن يردد نيته بين الوجوب والندب ، بل لا بد من قصد أحدهما تعيينا ).

لا يخفى أن الحكم بوجوب قصد أحدهما تعيينا مناف لما سبق من أنه يكفي في رمضان أن ينوي أنه يصوم متقربا إلى الله ، فإنه يدل بظاهره على عدم اعتبار ملاحظة نية الوجه ، ولعل المراد أنه مع التعرض للوجه يتعين قصد أحدهما. واحتمل الشارح ـ قدس‌سره ـ كون المراد بالقربة ما يتناول الطاعة‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٤٥.

(٢) السرائر : ٨٤.

(٣) المختلف : ٢١٤.

(٤) الوسائل ٧ : ١٢ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥.

٣٢

ولو نوى الوجوب آخر يوم من شعبان مع الشك لم يجز عن أحدهما.

______________________________________________________

بالفعل والوجه الذي يقع عليه إما الوجوب أو الندب (١). وهو بعيد.

ثم إن عدم إجزاء الترديد بين الوجوب والندب ظاهر على اعتبار الوجه لما بينهما من التنافي ، أما على الاكتفاء بالقربة فمشكل ، لأن هذه الضميمة غير منافية للتقرب فلا تكون مبطلة. ولو قلنا بصحة العبادة وإن اشتملت على الوجه الذي لا يكون مطابقا للواقع ـ كما ذكره المصنف في بعض رسائله ـ كان الحكم بالصحة هنا أولى.

قوله : ( ولو نوى الوجوب آخر يوم من شعبان مع الشك لم يجز عن أحدهما ).

المراد أنه لو نوى الوجوب المعهود ـ وهو وجوب شهر رمضان ـ كان الصوم فاسدا ، ولا يجزئ عن رمضان لو ظهر أنه منه ، ولا يحكم بكونه مندوبا لو لم يظهر أنه كذلك ، وإلى هذا القول ذهب المعظم كالشيخ في النهاية وكتابي الأخبار (٢) ، والمرتضى (٣) ، وابني بابويه (٤) ، وأبي الصلاح (٥) ، وسلار (٦) ، وابن البراج (٧) ، وابن إدريس (٨) ، وابن حمزة (٩). وقال ابن أبي عقيل (١٠) وابن الجنيد (١١) أنه يجزئه. واختاره الشيخ في الخلاف (١٢). والمعتمد الأول.

__________________

(١) المسالك ١ : ٦٩.

(٢) النهاية : ١٥١ ، والتهذيب ٤ : ١٨٢ ، والاستبصار ٢ : ٧٩ ، ٨٠.

(٣) رسائل الشريف المرتضى ( المجموعة الثانية ) : ٣٥٤.

(٤) الصدوق في الفقيه ٢ : ٧٩ ، وحكاه عنهما في المختلف : ٢١٤.

(٥) الكافي في الفقه : ١٨١.

(٦) المراسم : ٩٦.

(٧) المهذب ١ : ١٨٩ ، وجواهر الفقه : ٤٧٨ ، وشرح الجمل : ١٩٨.

(٨) السرائر : ٨٧.

(٩) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٨٣.

(١٠) حكاه عنهما في المختلف : ٢١٤.

(١١) حكاه عنهما في المختلف : ٢١٤.

(١٢) الخلاف ١ : ٣٨٣.

٣٣

______________________________________________________

لنا أن إيقاع المكلف الصوم في الزمان المحكوم بكونه من شعبان على أنه من شهر رمضان يتضمن إدخال ما ليس من الشرع فيه فيكون حراما لا محالة ، كالصلاة بغير طهارة ، فلا يتحقق به الامتثال. ويدل عليه روايات منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان فقال عليه‌السلام : « عليه قضاؤه وإن كان كذلك » (١).

وعن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « إنما يصام يوم الشك من شعبان ، ولا تصومه من شهر رمضان » (٢).

وعن محمد بن شهاب الزهري ، قال : سمعت علي بن الحسين عليهما‌السلام يقول : « يوم الشك أمرنا به ونهينا عنه ، أمرنا أن نصومه على أنه من شعبان ، ونهينا أن نصومه على أنه من شهر رمضان » (٣).

احتج الشيخ في الخلاف بإجماع الفرقة وأخبارهم على أن من صام يوم الشك أجزأه عن شهر رمضان ولم يفرقوا (٤) ـ وهو احتجاج ضعيف ، لأن الفرق في النص وكلام الأصحاب متحقق كما بيناه.

ولا يخفى أن نية الوجوب مع الشك إنما تتصور من الجاهل الذي يعتقد الوجوب لشبهته ، أما العالم بانتفائه شرعا فلا يتصور منه ملاحظة الوجوب إلا على سبيل التصور وهو غير النية ، فإنها إنما تتحقق مع الاعتقاد كما هو واضح.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٢ ـ ٥٠٧ ، الإستبصار ٢ : ٧٨ ـ ٢٣٩ ، الوسائل ٧ : ١٥ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٦ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٢ ـ ٥٠٨ ، الإستبصار ٢ : ٧٩ ـ ٢٤٠ ، الوسائل ٧ : ١٣ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥ ح ٤.

(٣) التهذيب ٤ : ١٦٤ ـ ٤٦٣ ، الإستبصار ٢ : ٨٠ ـ ٢٤٣ ، الوسائل ٧ : ١٦ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٦ ح ٤ ، بتفاوت يسير.

(٤) الخلاف ١ : ٣٨٣.

٣٤

ولو نواه مندوبا أجزأ عن رمضان إذا انكشف أنه منه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو نواه مندوبا أجزأ عن رمضان إذا انكشف أنه منه ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، بل ظاهر المصنف في المعتبر (١) والعلامة في جملة من كتبه (٢) أنه لا خلاف فيه بين المسلمين. واستدل عليه في المعتبر بأن نية القربة كافية في الزمان المتعين للصوم ، وهي متحققة.

ويدل عليه روايات منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن سعيد الأعرج قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني صمت اليوم الذي يشك فيه وكان من شهر رمضان أفأقضيه؟ فقال : « لا هو يوم وقفت له » (٣).

وفي الحسن عن معاوية بن وهب قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان فيكون كذلك فقال : « هو شي‌ء وفق له » (٤).

وفي الموثق عن سماعة قال : سألته عليه‌السلام عن اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان ، لا يدري أهو من شعبان أو من شهر رمضان فصامه فكان من شهر رمضان فقال : « هو يوم وفق له ولا قضاء عليه » (٥).

وفي رواية أخرى لسماعة عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « إنما يصام يوم الشك من شعبان ولا يصومه من شهر رمضان ، لأنه قد نهي أن ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشك ، وإنما ينوي من الليلة أن يصوم من شعبان ،

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٥١.

(٢) التذكرة ١ : ٢٥٧ ، والمنتهى ٢ : ٥٦١ ، والقواعد ١ : ٦٣.

(٣) الكافي ٤ : ٨٢ ـ ٤ ، الوسائل ٧ : ١٢ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٨٢ ـ ٣ ، الوسائل ٧ : ١٣ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥ ح ٥.

(٥) الكافي ٤ : ٨١ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ١٨١ ـ ٥٠٣ ، الإستبصار ٢ : ٧٨ ـ ٢٣٥ ، الوسائل ٧ : ١٣ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥ ح ٦.

٣٥

______________________________________________________

فإن كان من شهر رمضان أجزأه عنه بتفضل الله عزّ وجلّ » (١).

وعن محمد بن حكيم ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن اليوم الذي يشك فيه ، فإن الناس يزعمون أنه من صامه بمنزلة من أفطر في شهر رمضان فقال : « كذبوا ، إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفق له ، وإن كان من غيره فهو بمنزلة ما مضى من الأيام » (٢).

وبالجملة فهذا الحكم لا إشكال فيه ، لأنه موضع نص ووفاق. وألحق الشهيدان بذلك كل واجب معين فعل بنية الندب مع عدم علمه (٣). ولا بأس به.

قال الشهيد في الدروس بعد أن حكم بتأدي رمضان بنية النفل مع عدم علمه : ويتأدى رمضان وكل معين بنية الفرض ، وغيره بطريق أولى (٤). وما ذكره ـ رحمه‌الله ـ غير بعيد وإن أمكن المناقشة في الأولوية كما بيناه مرارا. ويحتمل إجزاؤه عما نواه ، لأنه كان مأمورا بإيقاعه على ذلك الوجه والامتثال يقتضي الإجزاء.

واعلم أن المصنف ـ رحمه‌الله ـ صرح في المعتبر بأن من صام يوم الشك ندبا يجب عليه تجديد نية الوجوب إذا بان أنه من رمضان في أثناء النهار (٥). وهو إنما يتم إذا اعتبرنا ذلك في صوم رمضان. نعم لا بأس باعتبار التعيين هنا وإن لم يفتقر إليه صوم رمضان ، لتعلق النية بغيره فلا ينصرف إليه بغير نية.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٨٢ ـ ٦ ، التهذيب ٤ : ١٨٢ ـ ٥٠٨ ، الإستبصار ٢ : ٧٩ ـ ٢٤٠ ، الوسائل ٧ : ١٣ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥ ح ٤.

(٢) الكافي ٤ : ٨٣ ـ ٨٨ ، التهذيب ٤ : ١٨١ ـ ٥٠٢ ، الإستبصار ٢ : ٧٧ ـ ٢٣٤ ، المقنعة : ٤٨ ، الوسائل ٧ : ١٣ أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥ ح ٧.

(٣) الشهيد الأول في الدروس : ٧٠ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٣٩.

(٤) الدروس : ٧٠.

(٥) المعتبر ٢ : ٦٥١.

٣٦

ولو صام على أنه إن كان من رمضان كان واجبا وإلا كان مندوبا ، قيل : يجزي ، وقيل : لا يجزي وعليه الإعادة ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو صام على أنه كان من شهر رمضان كان واجبا وإلا كان مندوبا ، قيل : يجزي ، وقيل : لا يجزي وعليه الإعادة ، وهو الأشبه ).

القولان للشيخ رحمه‌الله ، أولهما في المبسوط والخلاف (١) ، والثاني في باقي كتبه ، واختاره ابن إدريس والمصنف وأكثر المتأخرين ، وهو المعتمد.

لنا : أن صوم يوم الشك إنما يقع على وجه الندب ، ففعله على خلاف ذلك يكون تشريعا ، فلا يتحقق به الامتثال.

احتج القائلون بالإجزاء بأنه نوى الواقع فوجب أن يجزيه. وبأنه نوى العبادة على وجهها فوجب أن يخرج من العهدة ، أما المقدمة الأولى فلأن الصوم إن كان من شهر رمضان كان واجبا وإن كان من شعبان كان نفلا ، وأما الثانية فظاهرة. وبأن نية القربة كافية وقد نوى القربة.

والجواب عن الأول والثاني بالمنع من كون النية مطابقة للواقع وكون العبادة واقعة على وجهها ، فإن الوجه المعتبر هنا هو الندب خاصة وإن فرض كون ذلك اليوم في الواقع من شهر رمضان ، فإن الوجوب إنما يتحقق إذا ثبت دخول الشهر لا بدونه ، والوجوب في نفس الأمر لا معنى له.

وعن الثالث بأنه لا يلزم من الاكتفاء في صوم شهر رمضان بنية القربة الصّحّة مع إيقاعه على خلاف الوجه المأمور به ، بل على الوجه المنهي عنه.

وأجاب عنه في المعتبر أيضا بأن نية التعيين تسقط فيما علم أنه من شهر‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٧٧ ، والخلاف ١ : ٣٨٣.

٣٧

ولو أصبح بنيّة الإفطار ثم بان أنه من الشهر جدّد النيّة واجتزأ كان ذلك بعد الزوال أمسك وعليه القضاء.

______________________________________________________

رمضان لا فيما لم يعلم (١). وهو حسن.

ولا يخفى أن موضوع هذه المسألة أخص من موضوع المسألة السابقة ـ أعني قوله : ولا يجوز أن يردد في نيته بين الواجب والندب ـ لاختصاص هذه بصوم يوم الشك وإطلاق تلك ، فما ذكره بعض الشراح من اتحاد المسألتين وأنها مكررة (٢) ، ليس بجيد.

قوله : ( ولو أصبح بنية الإفطار ثم بان أنه من الشهر جدّد النية واجتزأ به ، فإن كان ذلك بعد الزوال أمسك وعليه القضاء ).

أما وجوب تجديد النية والاجتزاء به إذا بان أنه من الشهر قبل الزوال ولم يكن أفسد صومه فظاهر المصنف في المعتبر (٣) والعلامة في جملة من كتبه (٤) أنه موضع وفاق بين العلماء. واستدل عليه في المعتبر بما روي أن ليلة الشك أصبح الناس فجاء أعرابي فشهد برؤية الهلال فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مناديا ينادي : من لم يأكل فليصم ، ومن أكل فليمسك (٥) ، وبأنه صوم لم يثبت في الذمة فجاز أن ينويه قبل الزوال كالنفل (٦).

ويمكن أن يستدل عليه بفحوى ما دل على انعقاد الصوم من المريض والمسافر إذا زال عذرهما قبل الزوال ، لأن من هذا شأنه ربما كان أعذر منهما ، وتعضده أصالة عدم اعتبار تقديم النية على هذا الوجه ، وأصالة عدم وجوب قضاء هذا اليوم.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٥٢.

(٢) المسالك ١ : ٧٠ ، قال : وربما قيل باتحادهما.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٥٢.

(٤) التذكرة ١ : ٢٥٦ ، والمنتهى ٢ : ٥٦١.

(٥) راجع ص ٢٢.

(٦) المعتبر ٢ : ٦٤٦.

٣٨

فروع ثلاثة :

الأول : لو نوى الإفطار في يوم من رمضان ثم جدّد قبل الزوال ، قيل : لا ينعقد وعليه القضاء ، ولو قيل : بانعقاده كان أشبه.

الثاني : لو عقد نيّة الصوم ثم نوى الإفطار ولم يفطر ثم جدد النيّة‌

______________________________________________________

وأما وجوب الإمساك والقضاء إذا كان ذلك بعد الزوال فهو قول الأكثر.

ونقل عن ابن الجنيد أنه ساوى بين ما قبل الزوال وما بعده في وجوب تجديد النية والاجتزاء به إذا بقي جزء من النهار (١). وهو ضعيف.

قوله : ( الأول ، لو نوى الإفطار في يوم من رمضان ثم جدد قبل الزوال قيل : لا ينعقد وعليه القضاء ، ولو قيل بانعقاده كان أشبه ).

القول بعدم الانعقاد ووجوب القضاء هو المعروف من مذهب الأصحاب حتى أن العلامة ـ رحمه‌الله ـ في المنتهى لم ينقل فيه خلافا ، لأن الإخلال بالنية في جزء من الصوم يقتضي فساد ذلك الجزء لفوات شرطه ويلزم منه فساد الكل ، لأن الصوم لا يتبعض فيجب قضاؤه (٢). وفي وجوب الكفارة بذلك قولان تقدم الكلام فيهما (٣).

وذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أن قول المصنف : ولو قيل بالانعقاد كان أشبه ، إنما يتجه على القول بالاجتزاء بالنية الواحدة للشهر كله مع تقدمها ، أو على القول بجواز تأخير النية إلى قبل الزوال اختيارا (٤). وهو غير جيد ، لأن القول الثاني غير متحقق ، واللازم على الأول عدم اعتبار تجديد النية مطلقا للاكتفاء بالنية السابقة. وكيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول.

قوله : ( الثّاني ، لو عقد نية الصوم ثم نوى الإفطار ولم يفطر ثم‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٢١٢ ، ٢١٤.

(٢) المنتهى ٢ : ٥٦٢.

(٣) في ص ٢٦.

(٤) المسالك ١ : ٧٠.

٣٩

كان صحيحا.

______________________________________________________

جدد النية كان صحيحا ).

ما اختاره المصنف من عدم بطلان الصوم بنية الإفطار هو المشهور بين الأصحاب ، ذهب إليه الشيخ (١) والمرتضى وأتباعهما ، واستدلوا عليه بأن النواقض محصورة وليست هذه النية من جملتها فمن ادعى كونها ناقضة فعليه الدليل.

وبأن نية الإفطار إنما تنافي نية الصوم لا حكمها الثابت بالانعقاد الذي لا ينافيه النوم والعزوب إجماعا.

وبأن النية لا يجب تجديدها في كل أزمنة الصوم إجماعا فلا تتحقق المنافاة.

ونقل عن أبي الصلاح أنه جزم بفساد الصوم بذلك وجعله موجبا للقضاء والكفارة (٢).

واستقرب العلامة في المختلف فساد الصوم بذلك وأنه موجب للقضاء دون الكفارة ، واستدل على انتفاء الكفارة بالأصل السليم من المعارض.

وعلى أنه مفسد للصوم بأنه عبادة مشروطة بالنية وقد فات شرطها فتبطل.

وبأن الأصل اعتبار النية في جميع أجزاء العبادة لكن لما كان ذلك مشقا اعتبر حكمها ، وهو أن لا يأتي بنية تخالفها ولا ينوي قطعها ، فإذا نوى القطع زالت النية حقيقة وحكما فكان الصوم باطلا لفوات شرطه.

وبأنه عمل خلا من النية حقيقة وحكما فلا يكون معتبرا في نظر الشرع ، وإذا فسد صوم جزء من النهار فسد صوم ذلك اليوم بأجمعه ، لأن الصوم لا‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٧٨.

(٢) الكافي في الفقه : ١٨٢.

٤٠