مدارك الأحكام - ج ٦

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٦

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

التاسعة : من يسوغ له الإفطار في شهر رمضان يكره له التملّي من الطعام والشراب ، وكذا الجماع ، وقيل : يحرم ، والأول أشبه.

______________________________________________________

أوجبوا القضاء على المغمى عليه إذا لم تسبق منه النية. وبقوله : سواء عولج بما يفطر أو لم يعالج ، على الشيخ في المبسوط ، حيث أوجب القضاء على المغمى عليه إذا طرح في حلقه شي‌ء على وجه المداواة (١) ، وهما ضعيفان.

قوله : ( التاسعة ، من يسوغ له الإفطار يكره له التملّي من الطعام والشراب ).

يندرج فيمن يسوغ له الإفطار : المريض ، والمسافر ، والحائض ، والشيخ ، والشيخة ، وغيرهم. وقد قطع الأصحاب بكراهة التملّي من الطعام والشراب للجميع ، واستدلوا عليه بأن فيه تشبيها بالصائمين ، وامتناعا من الملاذ طاعة لله تعالى. ويدل على كراهة التملّي للمسافر صريحا قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان : « إني إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل إلا القوت ، وما أشرب كل الري » (٢).

قوله : ( وكذا الجماع ، وقيل : يحرم ، والأول أشبه ).

أي : وكذا يكره لمن يسوغ له الإفطار في شهر رمضان الجماع نهارا ، وإلى ذلك ذهب الأكثر ، والقول بالتحريم للشيخ رحمه‌الله (٣) ، والمعتمد الأول.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٦٦.

(٢) الكافي ٤ : ١٣٤ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٣ ـ ٤١٦ وفيه : كل ، بدل إلا ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ ـ ٧٠٥ ، الاستبصار ٢ : ١٠٥ ـ ٣٤٢ وفيه كما في الفقيه ، الوسائل ٧ : ١٤٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٣ ح ٥.

(٣) النهاية : ١٦٢ ، والمبسوط ١ : ٢٨٥.

٣٠١

______________________________________________________

لنا : أن فيه جمعا بين ما تضمن المنع من ذلك ، كصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا سافر الرجل في رمضان فلا يقرب النساء بالنهار في رمضان ، فإن ذلك محرم عليه » (١) وصحيحة ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال « إن الله عزّ وجلّ رخص للمسافر في الإفطار والتقصير رحمة وتخفيفا ، لموضع التعب والنصب ووعث السفر ، ولم يرخص له في مجامعة النساء في السفر بالنهار في شهر رمضان » (٢).

وبين ما تضمن الإذن في ذلك ، كصحيحة عمر بن يزيد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يسافر في شهر رمضان ، إله أن يصيب من النساء؟ قال : « نعم » (٣) وصحيحة عبد الملك بن عتبة الهاشمي ، قال : سألت أبا الحسن ـ يعني موسى عليه‌السلام ـ عن الرجل يجامع أهله في السفر وهو في شهر رمضان ، قال : « لا بأس به » (٤).

وأجاب الشيخ في كتابي الأخبار عن هاتين الروايتين بالحمل على من غلبته الشهوة ، أو على كون الجماع ليلا لا نهارا (٥). وهو بعيد.

واعلم أن المصنف ـ رحمه‌الله ـ لم يذكر في هذا الكتاب حكم‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٤٠ ـ ٧٠٤ ، الاستبصار ٢ : ١٠٥ ـ ٣٤١ ، علل الشرائع : ٣٨٦ ـ ١ ، الوسائل ٧ : ١٤٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٣ ح ٨.

(٢) الكافي ٤ : ١٣٤ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٣ ـ ٤١٦ ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ ـ ٧٠٥ ، الإستبصار ٢ : ١٠٥ ـ ٣٤٢ ، الوسائل ٧ : ١٤٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٣ ح ٥.

(٣) الكافي ٤ : ١٣٣ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤١ ـ ٧٠٨ ، الإستبصار ٢ : ١٠٦ ـ ٣٤٥ ، الوسائل ٧ : ١٤٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٣ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ١٣٤ ـ ٣ ، الوسائل ٧ : ١٤٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٣ ح ٣.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٤٢ ، والاستبصار ٢ : ١٠٦.

٣٠٢

______________________________________________________

السفر في شهر رمضان صريحا ، وقد اختلف فيه كلام الأصحاب ، فذهب الأكثر إلى جوازه على كراهية إلى أن يمضي من الشهر ثلاثة وعشرون يوما فتزول الكراهة. ونقل عن أبي الصلاح أنه قال : إذا دخل الشهر على حاضر لم يحل له السفر مختارا (١). والمعتمد الجواز مطلقا وإن كانت الإقامة أفضل.

لنا على الجواز : التمسك بمقتضى الأصل وظاهر قوله تعالى : ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٢).

وقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة عمار بن مروان : « من سافر قصر وأفطر » (٣).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : إنه سئل عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان وهو مقيم وقد مضى منه أيام فقال : « لا بأس بأن يسافر ويفطر ولا يصوم » (٤) قال ابن بابويه رحمه‌الله : وقد روى ذلك أبان بن عثمان [ عن ] (٥) الصادق عليه‌السلام (٦).

وروى أيضا في الصحيح ، عن الوشاء ، عن حماد بن عثمان قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل من أصحابي جاءني خبره‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٨٢.

(٢) البقرة : ١٨٤.

(٣) الكافي ٤ : ١٢٩ ـ ٣ وفيه : محمد بن مروان ، الفقيه ٢ : ٩٢ ـ ٤٠٩ ، التهذيب ٤ : ٢١٩ ـ ٦٤٠ ، الوسائل ٥ : ٥٠٩ أبواب صلاة المسافر ب ٨ ح ٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٩٠ ـ ٤٠٠ ، الوسائل ٧ : ١٢٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٣ ح ٢.

(٥) ساقطة من نسخة الأصل.

(٦) الفقيه ٢ : ٩٠.

٣٠٣

______________________________________________________

من الأعواض (١) ، وذلك في شهر رمضان ، أتلقاه وأفطر؟ قال : « نعم » قلت : أتلقاه وأفطر ، أو أقيم وأصوم؟ قال : « تلقاه وأفطر » (٢).

وروى أيضا مرسلا عن الصادق عليه‌السلام : إنه سئل عن الرجل يخرج يشيع أخاه مسيرة يومين أو ثلاثة فقال : « إن كان في شهر رمضان فليفطر » قيل أيهما أفضل ، يصوم أو يشيعه؟ قال : « يشيعه إن الله عزّ وجلّ وضع الصوم عنه إذا شيعه » (٣).

ولنا على أن الإقامة أفضل : ما رواه الكليني في الحسن ، وابن بابويه في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يدخل شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحا ، ثم يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر ، فسكت ، فسألته غير مرة ، فقال : « يقيم أفضل ، إلا أن يكون له حاجة لا بد من الخروج فيها ، أو يتخوف على ماله » (٤).

وما رواه الشيخ عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : جعلت فداك يدخل عليّ شهر رمضان فأصوم بعضه ، فتحضرني نية في زيارة قبر أبي عبد الله عليه‌السلام ، فأزوره وأفطر ذاهبا وجائيا ، أو أقيم حتى أفطر وأزوره بعد ما أفطر بيوم أو يومين؟ فقال : « أقم حتى تفطر » قلت له : جعلت فداك فهو أفضل؟ قال : « نعم ، أما‌

__________________

(١)كذا في نسخة الأصل وباقي النسخ ، وفي المصدر : والأعوص موضع قرب المدينة ـ راجع معجم البلدان ١ : ٢٢٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٩٠ ـ ٤٠٢ ، الوسائل ٥ : ٥١٣ أبواب صلاة المسافر ب ١٠ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٩٠ ـ ٤٠١ ، الوسائل ٥ : ٥١٣ أبواب صلاة المسافر ب ١٠ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٦ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٨٩ ـ ٣٩٩ ، الوسائل ٧ : ١٢٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ٣ ح ١.

٣٠٤

______________________________________________________

تقرأ في كتاب الله تعالى ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) » (١).

وأما انتفاء الكراهة بعد مضي ثلاثة وعشرون يوما من الشهر فاستدل عليه بما رواه الشيخ ، عن علي بن أسباط ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا دخل شهر رمضان فلله تعالى فيه شرط ، قال الله تعالى ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن يخرج إلا في حج أو عمرة ، أو مال يخاف تلفه ، أو أخ يخاف هلاكه ، وليس له أن يخرج في إتلاف مال غيره ، فإذا مضت ليلة ثلاث وعشرين فليخرج حيث يشاء » (٢) ومقتضى الرواية انتفاء الكراهة في اليوم الثالث والعشرين أيضا ، لكنها ضعيفة السند جدا.

ولم نقف لأبي الصلاح على حجة يعتد بها ، وربما كان مستنده ما رواه الشيخ ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخروج في شهر رمضان ، قال : « لا ، إلا فيما أخبرك به : خروج إلى مكة ، أو غزو في سبيل الله ، أو مال تخاف هلاكه ، أو أخ تريد وداعه » (٣) وهي ضعيفة السند ، قاصرة الدلالة على المنع ، ومع ذلك فحملها على الكراهة متعين ، جمعا بين الأدلة ، والله تعالى أعلم.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣١٦ ـ ٩٦١ ، الوسائل ٧ : ١٣٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ٣ ح ٧.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١٦ ـ ٦٢٦ ، الوسائل ٧ : ١٢٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٣ ح ٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٢٧ ـ ١٠١٨ ، الوسائل ٧ : ١٢٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٣ ح ٣ ، وفيهما : أو أخا تخاف هلاكه بدل أو أخ تريد وداعه.

٣٠٥
٣٠٦

كتاب الاعتكاف

والكلام فيه وفي أقسامه وأحكامه.

الاعتكاف : هو اللبث المتطاول للعبادة ،

______________________________________________________

كتاب الاعتكاف‌

قوله : ( والكلام في أقسامه وأحكامه ، الاعتكاف : هو اللبث المتطاول للعبادة ).

الاعتكاف لغة : الاحتباس ، قال الجوهري : عكفه أي حبسه ووقفه ، يعكفه ويعكفه عكفا ، ومنه قوله تعالى ( وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً ) (١) ومنه الاعتكاف في المسجد ، وهو الاحتباس ، وعكف على الشي‌ء يعكف ويعكف عكوفا ، أي أقبل عليه مواظبا ، قال الله تعالى : ( يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ ) (٢) وعكفوا حول الشي‌ء : استداروا (٣).

__________________

(١) الفتح : ٢٥.

(٢) الأعراف : ١٣٨.

(٣) الصحاح ٤ : ١٤٠٦.

٣٠٧

______________________________________________________

ونحوه قال في القاموس (١).

وقال ابن الأثير في نهايته : الاعتكاف والعكوف هو الإقامة على الشي‌ء بالمكان (٢).

وهو منقول في الشرع إلى معنى أخص من ذلك. وعرفه المصنف بأنه اللبث المتطاول للعبادة ، ولا يتوجه عليه أن ذلك أعم من المعرّف ، لأن ذلك لا يقدح في التعاريف اللفظية التي هي مراد الفقهاء كما بيناه مرارا.

وعرفه الشهيد في الدروس بأنه لبث في مسجد جامع ثلاثة أيام فصاعدا صائما للعبادة (٣). وهو أعم من المعرّف أيضا.

والأجود في تعريفه أنه لبث في مسجد جامع مشروط بالصوم ابتداء.

ويدل على مشروعية الاعتكاف الكتاب والسنة والإجماع ، أما الكتاب فقوله تعالى ( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ ) (٤) وقوله عزّ وجلّ ( أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) (٥).

وأما السنة فمستفيضة جدا ، منها ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كان العشر الآخر اعتكف في المسجد ، وضربت له قبة من شعر ، وشمّر المئزر ، وطوى فراشه » وقال بعضهم : واعتزل‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ : ١٨٣.

(٢) النهاية لابن الأثير ٣ : ٢٨٤.

(٣) الدروس : ٨٠.

(٤) البقرة : ١٨٧.

(٥) البقرة : ١٢٥.

٣٠٨

______________________________________________________

النساء ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « أما اعتزال النساء فلا » (١).

قال ابن بابويه رحمه‌الله : قال مصنف هذا الكتاب أما اعتزال النساء فلا ، هو أنه لم يمنعهن من خدمته والجلوس معه ، فأما المجامعة فإنه امتنع منها كما منع. ومعلوم من معنى قوله : « وطوى فراشه » ترك المجامعة (٢).

وما رواه الكليني في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كانت بدر في شهر رمضان فلم يعتكف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما أن كان من قابل اعتكف عشرين ، عشرا لعامه وعشرا قضاء لما فاته » (٣).

وعن أبي العباس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « اعتكف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شهر رمضان في العشر الأول ، ثم اعتكف في الثانية في العشر الوسطى ، ثم اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر ، ثم لم يزل يعتكف في العشر الأواخر » (٤).

ويستفاد من ذلك أن أفضل أوقات الاعتكاف العشر الأواخر من رمضان.

قال ابن بابويه رحمه‌الله : وفي رواية السكوني بإسناده قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجتين وعمرتين » (٥).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٢٠ ـ ٥١٧ ، الوسائل ٧ : ٣٩٧ أبواب كتاب الاعتكاف ب ١ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ١٢٠.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٥ ـ ٢ ، الوسائل ٧ : ٣٩٧ أبواب كتاب الاعتكاف ب ١ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٥ ـ ٣ ، الوسائل ٧ : ٣٩٧ أبواب كتاب الاعتكاف ب ١ ح ٤.

(٥) الفقيه ٢ : ١٢٢ ـ ٥٣١ ، الوسائل ٧ : ٣٩٧ أبواب كتاب الاعتكاف ب ١ ح ٣.

٣٠٩

ولا يصحّ إلا من مكلّف مسلم.

وشرائطه ستة :

الأول : النية ، وتجب فيه نيّة القربة ، ثم إن كان منذورا نواه واجبا ، وإن كان مندوبا نوى الندب. وإذا مضى له يومان وجب الثالث على الأظهر وجدّد نيّة الوجوب.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يصح إلا من مكلف مسلم ).

أما أنه لا يصح من غير المسلم فلا ريب فيه ، بل الظاهر أنه لا يصح من غير المؤمن كما بيناه مرارا.

وأما أنه لا يصح من غير المكلف فمبني على أن عبادة الصبي تمرينية لا شرعية ، وقد تقدم في كلام المصنف أن صومه صحيح شرعي ، فيكون اعتكافه كذلك.

قوله : ( وشرائطه ستة ، الأول : النية ، وتجب فيه نية القربة ، ثم إن كان منذورا نواه واجبا ، وإن كان مندوبا نوى الندب ، فإن مضى يومان وجب الثالث على الأظهر ، وجدد نية الوجوب ).

الكلام في اعتبار النية وما يجب اشتمالها عليه كما تقدم في غيره من العبادات (١) ، ثم إن قلنا بالاكتفاء بالقربة كما هو الظاهر فالأمر واضح ، وإن قلنا باعتبار التعرض للوجه ، أو أراد المعتكف التعرض له فإن كان منذورا نوى الوجوب ، وإن كان مندوبا وقلنا إن المندوب لا يجب بالدخول [ فيه ] (٢) ولو مضى اليومان نوى الندب ، وإن قلنا إنه يجب بالشروع أو بمضي اليومين نواه على هذا الوجه ، بمعنى أن يكون‌

__________________

(١) أثبتناه من « ض » ، « م » ، « ح ».

(٢) المسالك ١ : ٨٢.

٣١٠

______________________________________________________

الجزء الأول منه أو اليومان الأولان على وجه الندب والباقي على وجه الوجوب.

ولا يتوجه عليه ما ذكره الشارح من تقدم النية على محلها ، لأن محلها أول الفعل ، غاية الأمر أنه يقع على وجهين مختلفين فتجب نيتهما كذلك.

ولو اقتصر على نية اليومين الأولين ندبا ثم جدد نية الثالث على وجه الوجوب كما هو ظاهر عبارة المصنف رحمه‌الله كان جيدا.

ولا يرد عليه ما ذكره بعضهم من أن الثالثة أقل ما تتحقق به هذه العبادة ، وهي متصلة شرعا ، ومن شأن العبادة المتصلة أن لا تفرق النية على أجزائها ، بل تقع بنية واحدة.

لأنا نقول إنه لا دليل على امتناع التفريق ، بل قد اعترف الأصحاب بجوازه في الوضوء ونحوه فليكن هنا كذلك.

وأما ما قيل من أن الاعتكاف لما كان الأصل فيه الندب ، والوجوب لا يتعلق به إلا بأمر عارض جاز أن ينوى فيه أجمع ما هو مقتضى الأصل ، وهو الندب ، فضعيف جدا ، إذ لا معنى لإيقاع الفعل الواجب على وجه الندب كما هو واضح.

قال جدي ـ قدس‌سره ـ في فوائده على القواعد : ولو لم يعتبر الوجه كما هو الوجه استرحنا من هذا الإشكال ، واكتفى بنية ما يشاء من الأيام ، وكان معنى وجوب الثالث على القول به ترتب الثواب على فعله والعقاب على تركه بخلاف غيره. ولا ريب في قوة هذا الوجه.

إذا تقرر ذلك فنقول : اختلف الأصحاب في وجوب الاعتكاف‌

٣١١

______________________________________________________

المندوب بالدخول فيه ، فقال السيد المرتضى (١) وابن إدريس (٢) : لا يجب أصلا ، بل له الرجوع فيه متى شاء. واختاره العلامة في جملة من كتبه (٣) ، وقال المصنف في المعتبر : إنه الأشبه بالمذهب (٤). وقال الشيخ في المبسوط (٥) وأبو الصلاح الحلبي (٦) : يجب بالدخول فيه كالحج.

وقال ابن الجنيد (٧) وابن البراج (٨) : لا يجب إلا أن يمضي يومان فيجب الثالث. وهو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية (٩) ، واختاره المصنف في هذا الكتاب (١٠) ، وجمع من المتأخرين ، وهو المعتمد.

لنا : ما رواه الكليني رضي‌الله‌عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « إذا اعتكف يوما ولم يكن اشترط فليس له أن يخرج ويفسخ الاعتكاف ، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى يمضي ثلاثة أيام » (١١).

وعن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن‌

__________________

(١) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٧.

(٢) السرائر : ٩٧.

(٣) المنتهى ٢ : ٦٣٧ ، والمختلف : ٢٥٢ ، والقواعد ١ : ٧٠.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٣٧.

(٥) المبسوط ١ : ٢٨٩.

(٦) الكافي في الفقه : ١٨٦.

(٧) حكاه عنه في المختلف : ٢٥١.

(٨) المهذب ١ : ٢٠٤.

(٩) النهاية : ١٧١.

(١٠) الشرائع ١ : ٢١٥.

(١١) الكافي ٤ : ١٧٧ ـ ٣ ، الوسائل ٧ : ٤٠٤ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٤ ح ١.

٣١٢

______________________________________________________

أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « ومن اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر ، وإن شاء خرج من المسجد ، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أخر » (١).

ومقتضى هذه الرواية وجوب السادس أيضا ، ويلزم من ذلك وجوب كل ثالث ، إذ لا قائل بالفصل ، وربما كان في الرواية إشعار بذلك.

وأجاب العلامة في المنتهى عن هاتين الروايتين بأن في طريقهما علي بن فضال وحاله معلوم (٢). وهو غير جيد ، فإن ذلك إنما وقع في كتابي الشيخ (٣) ، أما طريق الكليني فلا ريب في صحته كما نقلناه.

واحتج المرتضى (٤) ومن قال بمقالته بأن الاعتكاف عبادة مندوبة فلا تجب بالشروع كالصلاة المندوبة ، قال : ولا ينتقض بالحج والعمرة ، لخروجهما بدليل.

وجوابه أن الدليل كما وجد في الحج والعمرة ، كذا وجد في الاعتكاف ، وهو ما أوردناه من الروايتين الصحيحتي السند الواضحتي الدلالة (٥).

أما القائلون بوجوبه بالدخول فيه فلم نقف لهم على مستند ، قال‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٧ ـ ٤ ، الوسائل ٧ : ٤٠٤ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٤ ح ٣.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٣٧ ، ٦٣٨.

(٣) رواية محمد بن مسلم في : التهذيب ٤ : ٢٨٩ ـ ٨٧٩ ، والاستبصار ٢ : ١٢٩ ـ ٤٢١ ، ورواية أبي عبيدة في التهذيب ٤ : ٢٨٨ ـ ٨٧٢ ، والاستبصار ٢ : ١٢٩ ـ ٤٢٠.

(٤) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٧.

(٥) كالعلامة في المختلف : ٢٥٢.

٣١٣

الثاني : الصوم ، فلا يصحّ إلا في زمان يصحّ فيه الصوم ممن يصحّ منه ، فإن اعتكف في العيدين لم يصحّ ، وكذا لو اعتكفت الحائض أو النفساء.

______________________________________________________

في المعتبر : ويمكن أن يستدل الشيخ على وجوبه بالشروع بإطلاق وجوب الكفارة على المعتكف ، وقد روي ذلك من طرق ، ثم قال : والجواب عنه أن هذه مطلقة فلا عموم لها ، ويصدق بالجزء والكل ، فيكفي في العمل بها تحققها في بعض الصور ، فلا يكون حجة في الوجوب (١). وهو جيد ، مع أنا لو سلمنا عمومها لم يلزم من ذلك الوجوب ، لاختصاصها بجماع المعتكف كما ستقف عليه ، ولا امتناع في وجوب الكفارة بذلك في الاعتكاف المستحب.

قوله : ( الثاني ، الصوم : فلا يصح إلا في زمان يصح فيه الصوم ممن يصح منه الصوم ، فإن اعتكف في العيدين لم يصح ، وكذا لو اعتكفت الحائض والنفساء ).

هذا الشرط مجمع عليه بين الأصحاب ، ويدل عليه روايات ، منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن محمد بن مسلم قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا اعتكاف إلا بصوم » (٢).

وفي الحسن عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : لا اعتكاف إلا بصوم في مسجد الجامع » (٣).

وعن أبي العباس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا اعتكاف إلا بصوم » (٤).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٣٧.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٦ ـ ٢ ، الوسائل ٧ : ٣٩٩ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٢ ح ٦.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٦ ـ ٣ ، الوسائل ٧ : ٤٠٠ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٣ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٦ ـ ١ ، الوسائل ٧ : ٣٩٩ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٢ ح ٥.

٣١٤

______________________________________________________

وقد صرح المصنف في المعتبر (١) وغيره (٢) بأنه لا يعتبر إيقاع الصوم لأجل الاعتكاف ، بل يكفي وقوعه في أي صوم اتفق ، واجبا كان أو ندبا ، رمضان كان أو غيره ، قال في المعتبر : وعليه فتوى علمائنا. ويدل عليه تنكير لفظ الصوم الواقع في الروايات المتقدمة.

قال في التذكرة بعد أن ذكر نحو ذلك : فلو نذر اعتكاف ثلاثة أيام مثلا وجب الصوم بالنذر ، لأن ما لا يتم الواجب إلا به يكون واجبا (٣). وهو مشكل على إطلاقه ، لأن المنذور المطلق يصح إيقاعه في صوم شهر رمضان أو واجب غيره فلا يكون نذر الاعتكاف مقتضيا لوجوب الصوم ، كما أن من نذر الصلاة فاتفق كونه متطهرا في الوقت الذي تعلق به النذر لم يفتقر إلى طهارة مستأنفة ، نعم لو كان الوقت معينا ولم يكن صومه واجبا اتجه وجوب صومه ، لكن لا يتعين صومه للنذر أيضا ، فلو نذر المعتكف صياما وصام تلك الأيام عن النذر أجزأ.

ثم قال في التذكرة : وكذا لو نذر اعتكافا وأطلق فاعتكف في أيام أراد صومها مستحبا جاز (٤). وهذا الكلام بظاهره مناف لما ذكره أولا من أن نذر الاعتكاف يقتضي وجوب الصوم.

وجزم الشارح ـ قدس‌سره ـ بالمنع من جعل صوم الاعتكاف المنذور مندوبا ، للتنافي بين وجوب المضي على الاعتكاف الواجب وجواز قطع الصوم المندوب (٥). وهو جيد إن ثبت وجوب المضي في مطلق الاعتكاف الواجب وإن كان مطلقا ، لكنه غير واضح كما ستقف‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٢٦.

(٢) كالشيخ في الخلاف ١ : ٤٠٣.

(٣) التذكرة ١ : ٢٨٥.

(٤) التذكرة ١ : ٢٨٥.

(٥) المسالك ١ : ٨٢.

٣١٥

الثالث : لا يصحّ الاعتكاف إلا ثلاثة ، فمن نذر اعتكافا مطلقا ، وجب عليه أن يأتي بثلاثة.

______________________________________________________

عليه ، أما بدون ذلك فيتجه جواز إيقاع المنذور المطلق في الصوم المستحب. أما المعين فلا ريب في امتناع وقوعه كذلك ، لما ذكره الشارح من التنافي بين وجوب المضي فيه وجواز قطع الصوم.

قوله : ( الثالث ، لا يصح الاعتكاف إلا ثلاثة ، فمن نذر اعتكافا مطلقا وجب عليه أن يأتي بثلاثة ).

هذا قول علمائنا أجمع ، قاله في التذكرة (١) ، وقال في المعتبر : وقد أجمع علمائنا على أنه لا يجوز أقل من ثلاثة أيام بليلتين ، وأطبق الجمهور على خلاف ذلك (٢). ويدل عليه أن الاعتكاف عبادة متلقاة من الشارع فيتوقف على النقل ، ولم ينقل اعتكاف ما دون الثلاثة ، ويدل على هذا التحديد صريحا ما رواه الكليني ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام » (٣).

وعن داود بن سرحان قال : بدأني أبو عبد الله عليه‌السلام من غير أن أسأله فقال : « الاعتكاف ثلاثة أيام ، يعني السنة إن شاء الله » (٤).

وما رواه الشيخ ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا اعتكف العبد فليصم » وقال : « لا يكون اعتكاف أقل من ثلاثة أيام » (٥).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٨٧.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٢٨.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٧ ـ ٢ ، الوسائل ٧ : ٤٠٤ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٤ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٨ ـ ٥ ، الوسائل ٧ : ٤٠٥ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٤ ح ٤.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٨٩ ـ ٨٧٨ ، الإستبصار ٢ : ١٢٩ ـ ٤١٩ ، الوسائل ٧ : ٣٩٩ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٢ ح ٩.

٣١٦

______________________________________________________

والظاهر أن المراد من الأيام النهار خاصة ، لأنه حقيقة اللفظ وإن دخلت الليلتان الأخيرتان بدليل من خارج ، وبه قطع المصنف في المعتبر ، قال : لأن دخول الليالي في الأيام لا يستفاد من مجرد اللفظ ، بل بالقرائن ، وإلا فاليوم حقيقة ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، والليلة ما عدا ذلك ، واستعمال أحدهما في مسمّاه منضمّا لا يعلم بمجرد اللفظ (١).

وحكى الشارح في المسألة قولا بدخول الليالي في الأيام ، وأسنده إلى العلامة وجعله أولى ، واستدل عليه باستعماله شرعا فيهما في بعض الموارد ، وبدخول الليل في اليومين الأخيرين (٢). وهو استدلال ضعيف ، فإن الاستعمال أعم من الحقيقة ، ودخول الليل في اليومين الأخيرين إنما استفيد من دليل من خارج كما ستقف عليه ، لا لدخولهما في مسمّى اليوم. فعلى الأول مبدأ الثلاثة طلوع الفجر ، فتكون النية مقارنة له أو متقدمة عليه ، وعلى الثاني غروب الشمس.

واحتمل بعض الأصحاب دخول الليلة المستقبلة في مسمّى اليوم (٣). وعلى هذا فلا تنتهي الأيام الثلاثة إلا بانتهاء الليلة الرابعة ، وهو بعيد جدا ، بل مقطوع بفساده.

إذا تقرر ذلك فنقول : إن من نذر اعتكافا مطلقا انصرف إلى ثلاثة أيام ، لأنها أقل ما يمكن جعله اعتكافا ، ومبدؤها طلوع الفجر أو غروب الشمس على الخلاف المتقدم. ويعتبر كونها تامة ، فلا يجزي الملفق من الأول والرابع ، لأن نصف اليومين لا يصدق عليهما أنه يوم ،

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٣٠.

(٢) المسالك ١ : ٨٢.

(٣) منهم الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٥٥ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٥ : ٣٥٨.

٣١٧

وكذا إذا وجب عليه قضاء يوم من اعتكاف اعتكف ثلاثة ليصحّ ذلك اليوم.

______________________________________________________

واستقرب العلامة في المختلف الجواز إن صدق عليه أنه اعتكف ثلاثة أيام ، وإلا فلا (١). وهو جيد ، لكن الظاهر عدم صدق الثلاثة بذلك.

ولو نذر شهرا معينا كرمضان دخلت الليلة الأولى وإن لم نقل بدخولها ، ثم لأن الشهر اسم مركب من جميع الزمان المعين الشامل لليل والنهار ، بخلاف اليوم.

ولو نذر اعتكاف العشر الأخير من رمضان ففي دخول الليلة الأولى الوجهان.

ولو نذر اعتكاف عشرة أيام ولم يعينها لم يجب التتابع ولا تدخل الليالي ، بل ليلتان من كل ثلاث ، وذلك كله واضح.

قوله : ( وكذا إذا وجب عليه قضاء يوم من اعتكاف اعتكف ثلاثة ليصح ذلك اليوم.

هذا مما يتفرع على أن أقل زمان الاعتكاف ثلاثة أيام ، ولا يختص هذا الحكم بالقضاء ، بل لو نذر اعتكاف أربعة أيام فاعتكف ثلاثة ، أو نذر اعتكاف يوم ولم يقيده بعدم الزائد فكذلك. ويتخير بين تقديم الزائد وتأخيره وتوسيطه ، لكن ذكر جمع من المتأخرين أن الزائد على الواجب أصالة إن تأخر عن الواجب لم يقع إلا واجبا ، وإن تقدم جاز أن ينوي به الوجوب من باب مقدمة الواجب ، والندب لعدم تعين الزمان له.

وقد يشكل إذا كان الواجب يوما واحدا فإن اعتكاف اليومين بنية الندب يوجب الثالث فلا يكون مجزيا عما في ذمته ، وأيضا فإن‌

__________________

(١) المختلف : ٢٥٢.

٣١٨

ومن ابتدأ اعتكافا مندوبا كان بالخيار في المضي فيه وفي الرجوع ، فإن اعتكف يومين وجب الثالث. وكذا لو اعتكف ثلاثة ثم اعتكف يومين بعدها وجب السادس.

ولو دخل في الاعتكاف قبل العيد بيوم أو يومين لم يصحّ.

ولو نذر اعتكاف ثلاثة من دون لياليها ، قيل : يصحّ ، وقيل : لا ،

______________________________________________________

لاعتكاف يتضمن الصوم ، وهو لا يقع مندوبا ممن في ذمته واجب.

ويمكن الجواب عن الأول بأن غاية ما يستفاد من الأدلة الشرعية أن من اعتكف يومين يتعين عليه اعتكاف الثالث ، وهو لا ينافي وجوبه من جهة أخرى.

وعن الثاني بأن الممتنع إنما هو وقوع النافلة ممن في ذمته قضاء رمضان ، لا مطلق الواجب كما بيناه فيما سبق.

قوله : ( ومن ابتدأ اعتكافا مندوبا كان بالخيار في المضي فيه وفي الرجوع ، فإن اعتكف يومين وجب الثالث ، وكذا لو اعتكف ثلاثة ثم اعتكف يومين بعدها وجب السادس ).

قد تقدم الكلام في ذلك (١) وأن الأصح وجوب كل ثالث ، لدلالة خبر أبي عبيدة على وجوب السادس صريحا وعدم القائل بالفصل.

قوله : ( ولو دخل في الاعتكاف قبل العيد بيوم أو يومين لم يصح ).

الوجه في ذلك معلوم مما سبق ، فإن أقل مدة الاعتكاف ثلاثة أيام ، وهو مشروط بالصوم فتعتبر صلاحية الزمان له.

قوله : ( ولو نذر اعتكاف ثلاثة من دون لياليها قيل : يصح ،

__________________

(١) في ص ٣١٢.

٣١٩

لأنه بخروجه عن قيد الاعتكاف يبطل اعتكاف ذلك اليوم.

ولا يجب التوالي فيما نذره من الزيادة على الثلاثة ، بل لا بد أن يعتكف ثلاثة ثلاثة فما زاد ، إلا أن يشترط التتابع لفظا أو معنى.

______________________________________________________

وقيل : لا ، لأنه بخروجه عن قيد الاعتكاف يبطل اعتكاف ذلك اليوم ).

القول بالصحة للشيخ ـ رحمه‌الله ـ في موضع من الخلاف (١) ، وهو مبني على أن الليلتين الأخيرتين لا تدخلان في الاعتكاف كالليلة الأولى ، مع أنه قال في موضع آخر منه : إن أقل مدة الاعتكاف ثلاثة أيام بليلتين (٢). وهو الأصح ، لأنه المتبادر من قوله عليه‌السلام : « لا يكون اعتكاف أقل من ثلاثة أيام » (٣) ولما أشار إليه المصنف من أن الليالي إذا لم تدخل في الاعتكاف يتحقق الخروج منه بدخول الليل فيجوز له فعل ما ينافي فينقطع اعتكاف ذلك اليوم عن غيره ويصير منفردا ، فلو صح ذلك لصح اعتكاف أقل من ثلاثة وهو معلوم البطلان. وإذا ثبت دخولهما في الاعتكاف لم يصح الاعتكاف مع الخروج فيهما ، ولو نذر ذلك لم يصح النذر كما هو واضح.

قوله : ( ولا يجب التوالي فيما نذره من الزيادة على الثلاثة ، بل لا بد أن يعتكف ثلاثة ثلاثة فما زاد ، إلا أن يشترط التتابع لفظا أو معنى ).

المراد باشتراط التتابع اللفظي : التصريح في النذر بقيد التتابع أو مرادفه ، وبالمعنوي : أن لا يكون مدلولا عليه باللفظ بل بالالتزام ، كما‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤٠٩.

(٢) الخلاف ١ : ٤٠٥.

(٣) الكافي ٤ : ١٧٧ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢١ ـ ٥٢٥ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ ـ ٨٧٦ ، الإستبصار ٢ : ١٢٨ ـ ٤١٨ ، الوسائل ٧ : ٤٠٤ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٤ ح ٢.

٣٢٠