مدارك الأحكام - ج ٦

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٦

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

وصوم يوم الثلاثين من شعبان بنيّة الفرض. وصوم نذر المعصية ،

______________________________________________________

وذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أنه يمكن أن يعود إلى ما دل عليه إطلاق تحريم صوم هذه الأيام لمن كان بمنى ، فيكون إشارة إلى خلاف من خص التحريم بالناسك (١).

وروى الشيخ في الصحيح ، عن زياد بن أبي الحلال قال ، قال لنا أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا صيام بعد الأضحى ثلاثة أيام ، ولا بعد الفطر ثلاثة أيام ، لأنها أيام أكل وشرب » (٢) وأقل مراتب ذلك الكراهة ، ومن ذلك يظهر أن ما ذكره الشيخ (٣) وأتباعه (٤) من استحباب صوم ستة أيام بعد الفطر تعويلا على رواية ضعيفة وردت بذلك من طريق الجمهور ، غير جيد.

قوله : ( وصوم يوم الثلاثين من شعبان بنية الفرض ).

أي الفرض المعهود ، وهو صوم رمضان ، وإنما كان محرما لورود النهي عنه ، ولأن صومه على هذا الوجه تشريع محرم.

قوله : ( وصوم نذر المعصية ).

وهو أن ينذر الصوم إن تمكن من المعصية الفلانية ، ويقصد الشكر على تيسيرها ، لا الزجر عنها. ولا ريب في عدم انعقاد هذا النذر ، وتحريم الصوم على هذا الوجه ، لأن الصوم يفتقر إلى القربة ، وهذا مما لا يمكن التقرب به.

__________________

(١) المسالك ١ : ٨١.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٣٠ ـ ١٠٣١ ، الوسائل ٧ : ٣٨٧ أبواب الصوم المحرم والمكروه ب ٣ ح ١.

(٣) النهاية : ١٦٩.

(٤) كسلار في المراسم : ٩٥.

٢٨١

وصوم الصمت .. وصوم الوصال ، وهو أن ينوي صوم يوم وليلة إلى السحر ، وقيل : هو أن يصوم يومين مع ليلة بينهما.

______________________________________________________

قوله : ( وصوم الصمت ).

وهو أن ينوي الصوم ساكتا ، وقد أجمع الأصحاب على تحريمه ، لأنه غير مشروع في ملة الإسلام فيكون بدعة ، ولقول علي بن الحسين عليهما‌السلام في رواية الزهري : « وصوم الوصال حرام ، وصوم الصمت حرام » (١) وظاهر الأصحاب أن الصوم على هذا الوجه يقع فاسدا لمكان (٢) النهي ، ويحتمل الصحة ، لصدق الامتثال بالإمساك عن المفطرات مع النية ، وتوجه النهي إلى الصمت المنوي ونيته ، وهو خارج عن حقيقة العبادة.

قوله : ( وصوم الوصال ، وهو أن ينوي صوم يوم وليلة إلى السحر ، وقيل : هو أن يصوم يومين مع ليلة بينهما ).

أجمع الأصحاب على تحريم صوم الوصال ، لأنه تشريع محرم ، وللنهي عنه في رواية الزهري المتقدمة.

واختلفت الرواية عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حقيقته ، فروى الكليني في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الوصال في الصيام أن يجعل عشاءه سحوره » (٣).

وفي الصحيح عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٤٦ ـ ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ ـ ٨٩٥ ، الوسائل ٧ : ٣٨٢ أبواب الصوم المحرم والمكروه ب ١ ح ١.

(٢) في « م » : بإمكان.

(٣) الكافي ٤ : ٩٥ ـ ٢ ، الوسائل ٧ : ٣٨٨ أبواب الصوم المحرم والمكروه ب ٤ ح ٧.

٢٨٢

وأن تصوم المرأة ندبا بغير إذن زوجها أو مع نهيه لها.

______________________________________________________

عليه‌السلام ، قال : « المواصل في الصيام يصوم يوما وليلة ويفطر في السحر » (١) وبمضمون هاتين الروايتين أفتى الشيخ في النهاية (٢) وأكثر الأصحاب.

وفي رواية محمد بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنه قال : « وإنما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا وصال في صيام ، يعني لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار » (٣) وبمضمونها أفتى الشيخ في الاقتصاد (٤) وابن إدريس (٥). قال في المعتبر : ولعل هذا أولى (٦). وكأن وجهه الاقتصار فيما خالف الأصل على موضع الوفاق ، لكن الرواية بذلك ضعيفة جدا ، فكان المصير إلى الأول متعينا ، لصحة مستنده.

وإنما يحرم تأخير العشاء إلى السحر إذا نوى كونه جزءا من الصوم ، أما لو أخره الصائم بغير نية فإنه لا يحرم فيما قطع به الأصحاب ، والاحتياط يقتضي اجتناب ذلك ، إذ المستفاد من الرواية تحقق الوصال بجعل العشاء سحورا مطلقا. والكلام في بطلان الصوم هنا كما سبق في صوم الصمت.

قوله : ( وأن تصوم المرأة ندبا بغير إذن زوجها أو مع نهيه ).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٩٦ ـ ٣ ، الوسائل ٧ : ٣٨٩ أبواب الصوم المحرم والمكروه ب ٤ ح ٩.

(٢) النهاية : ١٧٠.

(٣) الكافي ٤ : ٩٢ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٠٧ ـ ٩٢٧ ، الإستبصار ٢ : ١٣٨ ـ ٤٥٢ ، الوسائل ٧ : ٣٦٨ أبواب الصوم المندوب ب ٢٩ ح ٣.

(٤) الاقتصاد : ٢٩٣.

(٥) السرائر : ٩٧.

(٦) المعتبر ٢ : ٧١٤.

٢٨٣

وكذا المملوك. وصوم الواجب سفرا ، عدا ما استثني.

النظر الثالث : في اللواحق ، وفيه مسائل :

الأولى : المرض الذي يجب معه الإفطار ما يخاف به الزيادة‌

______________________________________________________

هذا موضع وفاق بين العلماء ، قاله في المعتبر (١) ، وتدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس للمرأة أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها » (٢).

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الزوجة بين الدائم والمستمتع بها ، ولا في الزوج بين الحاضر والغائب ، واشترط الشافعي حضوره ، وإطلاق النصوص يدفعه.

قوله : ( وكذا المملوك ).

أي : لا يصح صومه ندبا بغير إذن مولاه. وهذا الحكم إجماعي ، منصوص في عدة روايات (٣). ولا فرق في ذلك بين أن يكون المولى حاضرا أو غائبا ، ولا بين أن يضعف المملوك عن حق مولاه وعدمه.

قوله : ( وصوم الواجب سفرا عدا ما استثني ).

المستثنى ثلاثة : المنذور سفرا وحضرا ، والثلاثة في بدل الهدي ، والثمانية عشر في بدل البدنة.

قوله : ( الأولى ، المرض الذي يجب معه الإفطار ما يخاف به‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧١٢.

(٢) لم نعثر عليها في كتب الشيخ ، وهي موجودة في : الكافي ٤ : ١٥٢ ـ ٤ ، والوسائل ٧ : ٣٩٣ أبواب الصوم المحرم والمكروه ب ٨ ح ١.

(٣) الوسائل ٧ : ٣٩٥ أبواب الصوم المحرم والمكروه ب ١٠.

٢٨٤

بالصوم. ويبني في ذلك على ما يعلمه من نفسه أو يظنّه لأمارة ، كقول عارف ، ولو صام مع تحقق الضرر متكلّفا قضاه.

الثانية : المسافر إذا اجتمعت فيه شرائط القصر وجب ، ولو صام عالما بوجوبه قضاه ، وإن كان جاهلا لم يقض.

الثالثة : الشرائط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في قصر الصوم ،

______________________________________________________

الزيادة بالصوم ، ويبني في ذلك على ما يعلمه من نفسه أو يظنه لأمارة ، كقول عارف ).

تتحقق الزيادة بزيادة المرض ، أو زيادة مدته ، أو زيادة مشقته ، والمرجع في ذلك كله إلى الظن المستند إلى أمارة ، أو تجربة. أو قول من يفيد قوله الظن ، وإن كان فاسقا أو كافرا. والوجه في ذلك كله إطلاق الآية الشريفة والأخبار الكثيرة ، وقد تقدم الكلام في ذلك.

قوله : ( ولو صام مع تحقق الضرر متكلفا قضاه ).

المراد أنه لو صام مع حصول (١) الضرر ولو ظنا كان صومه فاسدا ووجب عليه قضاؤه ، لقوله تعالى ( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٢) ولا فرق في ذلك بين العالم والجاهل.

قوله : ( الثانية ، المسافر إذا اجتمعت فيه شرائط القصر وجب ، ولو صام عالما بوجوبه قضاه ، وإن كان جاهلا لم يقض ).

هذان الحكمان إجماعيان منصوصان في عدة روايات ، وقد تقدم الكلام فيهما مستوفى.

قوله : ( الثالثة ، الشرائط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في قصر‌

__________________

(١) في « ض » : تحقق.

(٢) البقرة : ١٨٤.

٢٨٥

ويزيد على ذلك تبييت النيّة ، وقيل : لا يعتبر ، بل يكفي خروجه قبل الزوال ، وقيل : لا يعتبر أيضا ، بل يجب القصر ولو خرج قبل الغروب ، والأول أشبه.

______________________________________________________

الصوم ، ويزيد على ذلك تبييت النية ، وقيل : لا يعتبر ، بل يكفي خروجه قبل الزوال ، وقيل : لا يعتبر أيضا ، بل يجب القصر ولو خرج قبل الغروب ، والأول أشبه ).

اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فذهب السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه (١) ، وعلي بن بابويه (٢) ، والحسن بن أبي عقيل (٣) ، وابن إدريس (٤) إلى أن شرائط قصر الصلاة والصوم واحدة ، فمن سافر في جزء من أجزاء النهار أفطر وإن خرج قبل الغروب.

وقال المفيد رحمه‌الله : المسافر إن خرج من منزله قبل الزوال وجب عليه الإفطار والقصر في الصلاة ، وإن خرج بعد الزوال وجب عليه التمام في الصيام والقصر في الصلاة (٥). وهو اختيار ابن الجنيد (٦) وأبي الصلاح ، إلا أن أبا الصلاح أوجب الإمساك مع الخروج بعد الزوال والقضاء (٧).

وقال الشيخ في النهاية : إذا خرج الرجل إلى السفر بعد طلوع الفجر أيّ وقت كان من النهار وكان قد بيّت نيته من الليل للسفر وجب عليه الإفطار ، وإن لم يكن قد بيت نيته من الليل ثم خرج بعد طلوع‌

__________________

(١) جمل العلم والعمل : ٩١.

(٢) حكاه عنهما في المختلف : ٢٣٠.

(٣) حكاه عنهما في المختلف : ٢٣٠.

(٤) السرائر : ٨٩.

(٥) حكاه عنه في السرائر : ٨٩ ، والمختلف : ٢٣٠.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ٢٣٠.

(٧) الكافي في الفقه : ١٨٢.

٢٨٦

______________________________________________________

الفجر كان عليه إتمام ذلك اليوم ، وليس عليه قضاؤه. ثم قال : ومتى بيّت نيته للسفر من الليل ولم يتفق له الخروج إلا بعد الزوال كان عليه أن يمسك بقية النهار وعليه القضاء (١). وهذا يدل على اعتبار تبييت النية والخروج قبل الزوال في جواز الإفطار.

وقال في كتابي الأخبار : إنه إذا بيّت النية وخرج قبل الزوال وجب عليه الإفطار ، وإن خرج بعد الزوال استحب له إتمام الصوم وجاز له الإفطار ، وإن لم يكن قد نوى السفر من الليل فلا يجوز له الإفطار على وجه (٢). والمعتمد ما اختاره المفيد رحمه‌الله.

لنا : ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، والشيخ في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه سئل عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر وهو صائم قال ، فقال : « إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتم يومه » (٣) وهي نص في المطلوب.

وفي الصحيح عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به من شهر رمضان » (٤) وهي دالة بمنطوقها على وجوب الصوم مع السفر بعد الزوال ، وبمفهومها على انتفاء الحكم قبله.

__________________

(١) النهاية : ١٦١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٢٩ ، والاستبصار ٢ : ٩٩ ـ ١٠٠.

(٣) الفقيه ٢ : ٩٢ ـ ٤١٢ ، التهذيب ٤ : ٢٢٨ ـ ٦٧١ ، الإستبصار ٢ : ٩٩ ـ ٣٢١ ، الوسائل ٧ : ١٣١ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٢.

(٤) الفقيه ٢ : ٩٢ ـ ٤١٣ ، التهذيب ٤ : ٢٢٩ ـ ٦٧٢ ، الإستبصار ٢ : ٩٩ ـ ٣٢٢ ، الوسائل ٧ :

١٣١ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١.

٢٨٧

______________________________________________________

وما رواه الكليني في الحسن ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يسافر في شهر رمضان ، يصوم أو يفطر؟ قال : « إن خرج قبل الزوال فليفطر ، وإن خرج بعد الزوال فليصم » (١).

وفي الموثق عن عبيد بن زرارة أيضا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا خرج الرجل في شهر رمضان بعد الزوال أتم الصيام ، فإذا خرج قبل الزوال أفطر » (٢).

احتج القائلون بوجوب التقصير مطلقا بعموم قوله تعالى ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٣) وهو يصدق على من خرج قبل الغروب بشي‌ء يسير فيجب عليه الإفطار ، وما رواه الشيخ ، عن عبد الأعلى مولى آل سام : في الرجل يريد السفر في شهر رمضان ، قال : « يفطر وإن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل » (٤).

والجواب أما عن الآية الشريفة فبأنها مطلقة وأخبارنا مفصلة ، فكان العمل بها أولى ، مع أن بعض المفسرين ذكر أن في العدول من‌ قوله : « مسافرين ، إلى قوله : على سفر ، إيماء إلى أن من سافر في بعض اليوم لم يفطر ، لأن لفظ على يدل على الاستعلاء والاستيلاء ، فيكون المراد إن كنتم على سفر يعتد به ويعد سفرا.

وأما الرواية فضعيفة السند جدا كما اعترف به الشيخ في‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٣١ ـ ٣ ، الوسائل ٧ : ١٣٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ١٣١ ـ ٢ ، الوسائل ٧ : ١٣٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٤.

(٣) البقرة : ١٨٤.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٢٩ ـ ٦٧٤ ، الإستبصار ٢ : ٩٩ ـ ٣٢٤ ، الوسائل ٧ : ١٣٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١٤.

٢٨٨

______________________________________________________

التهذيب (١) ، ثم حملها على من خرج بعد تبييت النية ، وسيأتي ما فيه.

احتج الشيخ ـ رحمه‌الله ـ على اعتبار تبييت النية بما رواه عن سليمان بن جعفر المروزي ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الرجل ينوي السفر في شهر رمضان فيخرج من أهله بعد ما يصبح ، قال : « إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم إلا أن يدلج دلجة (٢) » (٣).

وعن علي بن يقطين ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام : في الرجل يسافر في شهر رمضان ، أيفطر في منزله؟ قال : « إذا حدث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله ، وإن لم يحدث نفسه من الليلة ثم بدا له في السفر من يومه أتم صومه » (٤).

وعن صفوان بن يحيى ، عمن رواه ، عن أبي بصير ، قال : « إذا خرجت بعد طلوع الفجر ولم تنو السفر من الليل فأتم الصوم واعتد به من رمضان » (٥).

والجواب أن هذه الروايات كلها ضعيفة السند (٦) فلا تعارض‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٢٩. قال : فأول ما فيه أنه موقوف غير مسند إلى أحد من الأئمة عليهم‌السلام. ونضيف أن راويها مجهول ، وفي طريقها بعض الفطحية.

(٢) الدلجة : السير من آخر الليل ـ الصحاح ١ : ٣١٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٢٧ ـ ٦٦٧ ، الإستبصار ٢ : ٩٨ ـ ٣١٧ ، الوسائل ٧ : ١٣٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٦ ، وفيها : سليمان بن جعفر الجعفري.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٢٨ ـ ٦٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٩٨ ـ ٣١٩ ، الوسائل ٧ : ١٣٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١٠.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٢٨ ـ ٦٧٠ ، الإستبصار ٢ : ٩٨ ـ ٣٢٠ ، الوسائل ٧ : ١٣٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١٢.

(٦) أما الأولى فبجهالة راويها ووقوع علي بن أحمد بن أشيم في طريقها وهو مجهول أيضا. وأما‌

٢٨٩

______________________________________________________

الأخبار الصحيحة ، مع إمكان تأويلها بما يوافق الأخبار المتقدمة.

واستدل المصنف في المعتبر على هذا القول أيضا بأن من عزم على السفر من الليل لم ينو الصوم فلا يكون صومه تاما ، قال : ولو قيل يلزم على ذلك لو لم يخرج أن يقضيه التزمنا ذلك فإنه صام من غير نية ، إلا أن يجدد ذلك قبل الزوال (١). وهو استدلال ضعيف ، فإنا نمنع منافاة العزم على السفر لنية الصوم ، كما لا ينافيه احتمال طروء المسقط من الحيض ونحوه ، إذا الذي ينوي الواجب من الصوم وغيره فإنما ينويه مع بقائه على شرائط التكليف ، وقبل تحقق السفر الموجب للقصر يجب الصوم قطعا ، إذ من الممكن عدم السفر ، وإن حصل العزم عليه فتجب نيته على هذا الوجه كما هو واضح.

واعلم أن العلامة ـ رحمه‌الله ـ قال في المختلف في آخر كلامه : وأعلم أنه ليس بعيدا من الصواب تخيّر المسافر بين القصر والإتمام إذا خرج بعد الزوال ، لرواية رفاعة بن موسى الصحيحة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يريد السفر في شهر رمضان ، قال : « إذا أصبح في بلدة ثم خرج فإن شاء صام وإن شاء أفطر » (٢) وإنما قيدنا ذلك بالخروج بعد الزوال جمعا بين الأخبار (٣).

وأقول : إن هذا الحمل بعيد جدا ، نعم لو قيل بالتخيير مطلقا كما هو ظاهر الرواية لم يكن بعيدا ، وبذلك يحصل الجمع بين الأخبار.

__________________

الثانية فلأن في طريقها علي بن الحسن بن فضال وهو فطحي. وأما الثالثة فبالإرسال واشتراك راويها بين الضعيف والثقة.

(١) المعتبر ٢ : ٧١٦.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٢٧ ـ ١٠١٩ ، الوسائل ٧ : ١٣٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٧.

(٣) المختلف : ٢٣٢.

٢٩٠

وكل سفر يجب قصر الصلاة فيه يجب قصر الصوم ، وبالعكس ، إلا لصيد التجارة على قول.

______________________________________________________

قوله : ( وكل سفر يجب قصر الصلاة فيه يجب قصر الصوم ، وبالعكس ، إلا لصيد التجارة على قول ).

القول للشيخ في النهاية والمبسوط ، فإنه ذهب فيهما إلى أن من سافر طلبا للصيد للتجارة يقصر صومه ويتم صلاته (١). قال في المعتبر : ونحن نطالبه بدلالة الفرق ، ونقول : إن كان مباحا قصّر فيهما ، وإلا أتم فيهما (٢). ويدل على التلازم بين قصر الصوم والصلاة صريحا قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن وهب : « هما واحد ، إذا قصرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصرت » (٣).

قال الشارح قدس‌سره : ويستثنى من الكلية الثانية السفر في مواضع التخيير الأربعة ، فإن قصر الصلاة فيها غير متعين بخلاف الصوم ، ويمكن تكلف العناء عن الاستثناء بالتزام كون قصر الصلاة في هذه الأربعة واجبا تخييريا بينه وبين التمام ، لأن الواجب وهو الصلاة لا يتأدى إلا بأحدهما ، فيكون كل واحد منهما موصوفا بالوجوب ، كالجهر والإخفات في بسملة القراءة الواجبة الإخفاتية. قال : ولا يجوز أن يحمل العكس المذكور على الاصطلاحي ، وهو العكس المستوي لتكون القضية فيه جزئية ، لأن المعكوس موجبة كلية فلا ينافيه خروج بعض الأفراد ، لأن الاستثناء الذي بعده يدل على كلية العكس ، لأنه استثناء‌

__________________

(١) النهاية : ١٢٢ ، والمبسوط ١ : ١٣٦.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٧١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨٠ ـ ١٢٧٠ ، التهذيب ٣ : ٢٢٠ ـ ٥٥١ ، الوسائل ٧ : ١٣٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ٤ ح ١.

٢٩١

الرابعة : الذين يلزمهم إتمام الصلاة سفرا يلزمهم الصوم ، وهم الذين سفرهم أكثر من حضرهم ، ما لم يحصل لأحدهم إقامة عشرة أيام في بلده أو غيره ، وقيل : يلزمهم الإتمام مطلقا عدا المكاري.

الخامسة : لا يفطر المسافر حتى يتوارى عنه جدران بلده أو يخفى عليه أذان ، فلو أفطر قبل ذلك كان عليه مع القضاء الكفارة.

______________________________________________________

منه ، والاستثناء إخراج ما لولاه لدخل ، فتعين إرادة العكس اللغوي (١). انتهى كلامه رحمه‌الله قال : وهو جيد.

قوله : ( الرابعة ، الذين يلزمهم إتمام الصلاة سفرا يلزمهم الصوم ، وهم الذين سفرهم أكثر من حضرهم ، ما لم يحصل لأحدهم إقامة عشرة أيام في بلده أو غيره ، وقيل : يلزمهم الإتمام مطلقا عدا المكاري ).

هذا القول لم نظفر بقائله ، قال بعض شراح النافع : ولعل المصنف سمعه من معاصر له في غير كتاب مصنف (٢). والأقرب تساوي الجميع في الحكم ، وقد تقدم الكلام في ذلك في كتاب الصلاة مستوفى.

قوله : ( الخامسة ، لا يفطر المسافر حتى تتوارى عنه جدران بلده أو يخفى عليه أذانه ، فلو أفطر قبل ذلك كان عليه مع القضاء الكفارة ).

لا إشكال في ثبوت الكفارة مع العلم بتحريم الإفطار قبل الخفاء ، لإفساده صوما واجبا من شهر رمضان ، وإنما الكلام في سقوطها بعد الخفاء ، ووجوب الإفطار ، وقد تقدم أن الأقوى عدم السقوط ، خصوصا إذا كان السفر اختياريا. ولو كان جاهلا بالحكم فالأصح أنه لا شي‌ء عليه‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٨١.

(٢) كابن فهد في المهذب البارع : ٤٨٨.

٢٩٢

السادسة : الهمّ والكبيرة وذو العطاش يفطرون في رمضان ، ويتصدقون عن كل يوم بمدّ من طعام. ثم إن أمكن القضاء وجب وإلا سقط. وقيل : إن عجز الشيخ والشيخة سقط التكفير كما يسقط الصوم. وإن أطاقا بمشقّة كفّرا ، والأول أظهر.

______________________________________________________

سوى القضاء ، وقد تقدم الكلام في ذلك أيضا.

قوله : ( السادسة ، الهمّ والكبيرة وذو العطاش يفطرون في رمضان ويتصدقون عن كل يوم بمد من طعام ، ثم إن أمكن القضاء وجب وإلا سقط ، وقيل : إن عجز يوم بمد من طعام ، ثم إن أمكن القضاء وجب وإلا سقط ، وقيل : إن عجز الشيخ والشيخة سقط التكفير كما يسقط الصوم ، وإن أطاقا بمشقة كفّرا ، والأول أظهر ).

تضمّنت هذه العبارة مسألتين ، إحداهما : إن الهم ـ والمراد به الشيخ الكبير كما هو مورد النص ـ والعجوز الكبيرة إذا عجزا عن الصوم أو أطاقاه بمشقة شديدة يفطران ويتصدقان عن كل يوم بمد من طعام ، وإلى ذلك ذهب الشيخ (١) وجماعة (٢) ، لكنه أوجب في النهاية التصدق بمدين ، فإن لم يمكن فبمد (٣).

وقال المفيد (٤) والمرتضى (٥) : إن عجزا عن الصوم سقطت عنهما الكفارة أيضا كما يسقط الصيام ، وإن أطاقاه بمشقة شديدة وجبت. واختاره العلامة في المختلف (٦) ، والشارح قدس‌سره (٧). والمعتمد الأول.

__________________

(١) الإستبصار ٢ : ١٠٤.

(٢) منهم الصدوق في المقنع : ٦١ ، والعلامة في المنتهى ٢ : ٦١٨.

(٣) النهاية : ١٥٩.

(٤) المقنعة : ٥٦.

(٥) الانتصار : ٦٧ ، وجمل العلم والعمل : ٩٢.

(٦) المختلف : ٢٤٥.

(٧) المسالك ١ : ٨١.

٢٩٣

______________________________________________________

لنا : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ويتصدق كل واحد في كل يوم بمد من طعام ، ولا قضاء عليهما ، فإن لم يقدرا فلا شي‌ء عليهما » (١).

وفي الصحيح عن عبد الملك بن عتبة لهاشمي ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان ، قال : « يتصدق عن كل يوم بمد من حنطة » (٢).

وفي الصحيح عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان فقال : « يتصدق بما يجزي عنه ، طعام مسكين لكل يوم » (٣). ومقتضى هذه الروايات إجزاء التصدق بالمد.

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ ، عن محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ، وذكر الحديث إلا أنه قال : « ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمدين من طعام » (٤) لأنا نجيب عنه بالحمل على الاستحباب كما ذكره الشيخ في الاستبصار (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٦ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٣٨ ـ ٦٩٧ ، الإستبصار ٢ : ١٠٤ ـ ٣٣٨ ، الوسائل ٧ : ١٤٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٨٥ ـ ٣٧٩ ، التهذيب ٤ : ٢٣٨ ـ ٦٩٦ ، الإستبصار ٢ : ١٠٣ ـ ٣٣٧ ، الوسائل ٧ : ١٥٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٣٧ ـ ٦٩٤ ، الإستبصار ٢ : ١٠٣ ـ ٣٣٦ ، الوسائل ٧ : ١٥١ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٩.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٣٨ ـ ٦٩٨ ، الإستبصار ٢ : ١٠٤ ـ ٣٣٩ ، الوسائل ٧ : ١٥٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٢.

(٥) الاستبصار ٢ : ١٠٤.

٢٩٤

______________________________________________________

وقال الشيخ في التهذيب : إن هذا الخبر ليس بمضاد للأحاديث التي تضمنت مدا من طعام أو إطعام مسكين ، لأن هذا الحكم يختلف بحسب اختلاف أحوال المكلفين ، فمن أطاق إطعام مدين يلزمه ذلك ، ومن لم يطق إلا إطعام مد فعليه ذلك ، ومن لم يقدر على شي‌ء منه فليس عليه شي‌ء حسب ما قدمناه (١). وما ذكره ـ رحمه‌الله ـ نوع من الجمع ، إلا أن الأول أقرب.

ولم نقف للمفيد وأتباعه على رواية تدل على ما ذكروه من التفصيل ، وقد اعترف بذلك الشيخ في التهذيب ، فقال بعد أن أورد عبارة المفيد : هذا الذي فصّل به بين من يطيق الصيام بمشقة وبين من لم يطقه أصلا لم أجد به حديثا مفصلا ، والأحاديث كلها على أنه متى عجزا كفرا عنه ، والذي حمله على هذا التفصيل هو أنه ذهب إلى أن الكفارة فرع على وجوب الصوم ، ومن ضعف عن الصيام ضعفا لا يقدر عليه جملة فإنه يسقط عنه وجوبه جملة ، لأنه لا يحسن تكليفه بالصيام وحاله هذه ، وقد قال الله تعالى ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها ) (٢).

قال : وهذا ليس بصحيح ، لأن وجوب الكفارة ليس بمبني على وجوب الصوم ، إذ لا يمتنع أن يقول الله تعالى : متى لم تطيقوا الصوم صارت مصلحتكم في الكفارة ، وسقط وجوب الصوم عنكم ، وليس لأحدهما تعلق بالآخر (٣). هذا كلامه رحمه‌الله وهو جيد ، لكن ما وجه به كلام المفيد لا وجه له ، فإن التكليف بالصيام كما يسقط مع العجز عنه لإناطة التكليف بالوسع ، كذا يسقط مع المشقة الشديدة لأن العسير غير‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٨.

(٢) البقرة : ٢٨٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٣٧.

٢٩٥

______________________________________________________

مراد لله تعالى ، وأيضا فإنه لا خلاف في جواز الإفطار مع المشقة الشديدة ، وإنما الكلام في وجوب التكفير معه كما هو واضح.

واستدل العلامة في المختلف على هذا التفصيل بقوله تعالى : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ) (١) قال : فإنه يدل بمفهومه على سقوط الفدية عن الذين لا يطيقونه ، وبأصالة البراءة من وجوب التكفير مع العجز ، ومنع دلالة الروايات على الوجوب ، أما رواية ابن مسلم فلاقتضائها نفي الحرج عليهما عن الإفطار ، ونفي الحرج يفهم منه ثبوت التكليف ، وإنما يتم مع القدرة ، وأما روايتا الحلبي وعبد الملك الهاشمي فلأن موردهما من ضعف عن الصوم ، والضعف لا يستلزم العجز (٢).

ويتوجه عليه أن الآية الشريفة غير محمولة على ظاهرها ، بل إما منسوخة كما هو قول بعض المفسرين (٣) ، أو محمولة على أن المراد : وعلى الذين كانوا يطيقونه ثم عجزوا عنه ، كما هو مروي في أخبارنا (٤).

وأما الروايات فهي بإطلاقها متناولة للحالين ، فإن الضعف عن الصوم يتحقق بالعجز عنه وبالمشقة اللازمة منه ، وكذا نفي الحرج يتحقق مع الوصفين. وبالجملة فالأحاديث مطلقة فيجب حملها على إطلاقها.

ومقتضى العبارة وجوب القضاء عليهما مع التمكن كما في ذي‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٤.

(٢) المختلف : ٢٤٤.

(٣) منهم الشيخ في التبيان ٢ : ١١٨ ، والرازي في التفسير الكبير ٥ : ٨٦.

(٤) الوسائل ٧ : ١٤٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥.

٢٩٦

______________________________________________________

العطاش ، وهو مشكل ، لإطلاق الرواية المتضمنة للسقوط.

الثانية : إن ذي العطاش ـ وهو بالضم داء لا يروى صاحبه ـ يجوز له الإفطار إذا شق عليه الصوم ، ويجب عليه التكفير عن كل يوم بمد والقضاء مع البرء.

أما جواز الإفطار فلأن التكليف منوط بالوسع ، فيسقط مع العجز ، وكذا مع المشقة الشديدة ، لأن العسر غير مراد الله تعالى.

وأما وجوب التكفير فلقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن مسلم : « ويتصدق كل واحد ـ يعني الشيخ الكبير والذي به العطاش ـ عن كل يوم بمد من طعام » (١).

وأما وجوب القضاء بعد البرء فاستدل عليه بأنه أفطر للمرض فيجب عليه القضاء ، لقوله تعالى ( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) ويشكل بأن مقتضى الرواية سقوط القضاء مطلقا ، حيث قال فيها : « ولا قضاء عليهما ».

وفي المسألة قولان آخران ، أحدهما : إن العطاش إذا كان مرجو الزوال يجب على صاحبه القضاء بعد البرء ولا كفارة ، اختاره العلامة في جملة من كتبه ، لأنه مريض فلا تجب عليه الكفارة مع القضاء كغيره (٢).

وثانيهما : إن العطاش إذا كان غير مرجو الزوال لم تجب الكفارة ولا القضاء لو برأ على خلاف الغالب ، اختاره المحقق الشيخ علي رحمه‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٨ ـ ٦٩٧ ، الإستبصار ٢ : ١٠٤ ـ ٣٣٨ ، الوسائل ٧ : ١٤٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ١.

(٢) المنتهى ٢ : ٦١٩ ، والمختلف : ٢٤٥.

٢٩٧

السابعة : الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن يجوز لهما الإفطار في رمضان ، وتقضيان مع الصدقة عن كل يوم بمدّ من طعام.

______________________________________________________

الله (١) ، وقبله سلار من المتقدمين (٢) ، وهما مدفوعان بالرواية المتضمنة لوجوب التكفير مطلقا.

وهل يجب على ذي العطاش الاقتصار من الشرب على ما تندفع به الضرورة أم يجوز له التملي من الشراب وغيره؟ قيل بالأول (٣) لرواية عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يصيبه العطش حتى يخاف على نفسه ، قال : « يشرب بقدر ما يمسك به رمقه ، ولا يشرب حتى يروى » (٤).

وقيل بالثاني ، وهو خيرة الأكثر ، لإطلاق قوله عليه‌السلام : « الشيخ الكبير والذي به العطاش يفطران » (٥) ولا ريب أن الأول أحوط.

قوله : ( السابعة ، الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن يجوز لهما الإفطار في رمضان ، وتقضيان مع الصدقة عن كل يوم بمد من طعام ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين أن تخاف الحامل والمرضع على أنفسهما وعلى الولد ، وبهذا التعميم صرح المصنف في المعتبر (٦) ، واستدل بما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح ، عن‌

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ١٥٤.

(٢) المراسم : ٩٧.

(٣) كما في جامع المقاصد ١ : ١٥٤ ، والمسالك ١ : ٨١.

(٤) الكافي ٤ : ١١٧ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٨٤ ـ ٣٧٦ ، التهذيب ٤ : ٢٤٠ ـ ٧٠٢ و ٣٢٦ ـ ١٠١١ ، الوسائل ٧ : ١٥٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٦ ح ١.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٣٨ ـ ٦٩٧ ، الإستبصار ٢ : ١٠٤ ـ ٣٣٨ ، الوسائل ٧ : ١٤٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ١.

(٦) المعتبر ٢ : ٧١٨.

٢٩٨

______________________________________________________

محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « الحامل المقرب ، والمرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان ، لأنهما لا تطيقان الصوم ، وعليهما أن تتصدق كل واحدة منهما في كل يوم تفطران فيه بمد من طعام ، وعليهما قضاء كل يوم أفطرا فيه ، تقضيانه بعد » (١).

ثم نقل عن الشافعي قولا بأنهما إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضتا ولا كفارة ، ثم قال رحمه‌الله : وما ذكره لا وجه له مع وجود الأحاديث المطلقة (٢). وهو كذلك.

ومن العجب أن الشارح ـ قدس‌سره ـ جعل هذا التفصيل هو المشهور (٣) ، مع أنا لم نقف على مصرح به سوى المحقق الشيخ فخر الدين (٤) وبعض من تأخر عنه (٥) ، لكن عبارة التذكرة والمنتهى توهم ذلك ، فإنه قال في التذكرة في أول كلامه : الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وعليهما القضاء بلا خلاف بين علماء الإسلام ، ولا كفارة عليهما. لكنه قال في آخر كلامه : إذا عرفت هذا فالصدقة بما تضمنته الرواية واجبة (٦). وأشار بذلك إلى رواية ابن مسلم المتقدمة ، ونحوه قال في المنتهى (٧).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٨٤ ـ ٣٧٨ ، التهذيب ٤ : ٢٣٩ ـ ٧٠١ ، الوسائل ٧ : ١٥٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٧ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٧١٩.

(٣) المسالك ١ : ٨٢.

(٤) إيضاح الفوائد ١ : ٢٣٥.

(٥) كالكركي في جامع المقاصد ١ : ١٥٤.

(٦) التذكرة ١ : ٢٨١.

(٧) المنتهى ٢ : ٦١٩.

٢٩٩

الثامنة : من نام في رمضان واستمر نومه ، فإن كان نوى الصوم فلا قضاء عليه ، وإن لم ينو فعليه القضاء ، والمجنون والمغمى عليه لا يجب على أحدهما القضاء ، سواء عرض ذلك أياما أو بعض يوم ، وسواء سبقت منهما نية أو لم تسبق ، وسواء عولج بما يفطر أو لم يعالج ، على الأشبه.

______________________________________________________

وكيف كان فلا ريب في ضعف هذا التفصيل ، لإطلاق الرواية ، بل ربما كان الظاهر من قوله : « لأنهما لا تطيقان الصوم » تحقق الخوف على النفس.

واعلم أن إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في المرضع بين الأم وغيرها ، ولا بين المتبرعة والمستأجرة ، إذا لم يقم غيرها مقامها ، أما لو قام غيرها مقامها بحيث لا يحصل على الطفل ضرر فالأجود عدم جواز الإفطار ، لانتفاء الضرورة المسوغة له.

والفدية من مال المرأة وإن كان لها زوج.

والمراد بالطعام في جميع هذه المسائل : ما هو الواجب في الكفارات ، ومصرفه مصرفها ، نعم لا يجب فيه التعدد.

قوله : ( الثامنة ، من نام في رمضان واستمر نومه ، فإن كان نوى الصوم فلا قضاء عليه ، وإن ينوه فعليه القضاء ، والمجنون والمغمى عليه لا يجب على أحدهما القضاء ، سواء عرض ذلك أياما أو بعض يوم ، وسواء سبقت منهما نية أو لم تسبق ، وسواء عولج بما يفطر أو لم يعالج ، على الأشبه ).

قد تقدم الكلام في هذه المسائل مفصلا. ورد المصنف بقوله : وسواء سبقت منه النية أو لم تسبق ، على المفيد (١) وأتباعه (٢) ، حيث‌

__________________

(١) المقنعة : ٥٦.

(٢) كالقاضي بن البراج في المهذب ١ : ١٩٦.

٣٠٠