مدارك الأحكام - ج ٦

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٦

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

ويجوز تأخيرها اختيارا من الصيف إلى الشتاء.

______________________________________________________

قضاء على المسافر؟ قال : « لا » (١) وإذا سقط القضاء عن المسافر سقط عن المريض بطريق أولى ، لأنه أعذر منه.

وروى الكليني أيضا ، عن عذافر قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أصوم هذه الثلاثة الأيام في الشهر ، فربما سافرت ، وربما أصابتني علة ، فيجب عليّ قضاؤها؟ قال ، فقال لي : « إنما يجب الفرض ، فأما غير الفرض فأنت فيه بالخيار » قلت : بالخيار في السفر والمرض؟ قال ، فقال : « المرض قد وضعه الله عزّ وجلّ عنك ، والسفر إن شئت فاقضه ، وإن لم تقضه فلا جناح عليك » (٢) وهذه الرواية ضعيفة السند بجهالة الراوي ، وبأن في طريقها أحمد بن هلال ، وقال العلامة في الخلاصة : إنه غال ورد فيه ذم كثير من سيدنا أبي محمد العسكري عليه‌السلام (٣).

قوله : ( ويجوز تأخيرها اختيارا من الصيف إلى الشتاء ).

المراد إن من أخرها من الصيف إلى الشتاء وأتى بها فيه يكون مؤديا للسنة ، وقد ورد بذلك روايات ، منها ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن الحسن بن محبوب ، عن الحسن بن أبي حمزة قال ، قلت لأبي جعفر ، أو لأبي عبد الله عليهما‌السلام : إني قد اشتد عليّ صيام ثلاثة أيام في كل شهر ، أؤخره في الصيف إلى الشتاء ، فإني أجده أهون عليّ؟ قال : « نعم فاحفظها » (٤).

وما رواه الكليني ، عن الحسن بن راشد قال ، قلت لأبي عبد الله‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٣٠ ـ ٣ ، الوسائل ٧ : ١٥٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢١ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ١٣٠ ـ ٢ ، الوسائل ٧ : ١٥٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢١ ح ٥.

(٣) خلاصة العلامة : ٢٠٢.

(٤) الفقيه ٢ : ٥١ ـ ٢١٩ ، الوسائل ٧ : ٣١٤ أبواب الصوم المندوب ب ٩ ح ١.

٢٦١

وإن عجز استحب له أن يتصدق عن كل يوم بدرهم أو مدّ. وصوم أيام البيض ، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.

______________________________________________________

عليه‌السلام أو لأبي الحسن عليه‌السلام : الرجل يتعمد الشهر في الأيام القصار يصومه لسنة ، قال : « لا بأس » (١).

قوله : ( وإن عجز استحب له أن يتصدق عن كل يوم بدرهم أو مد ).

يدل على ذلك ما رواه الكليني في الصحيح ، عن عيص بن القاسم ، قال : سألته عمن لم يصم الثلاثة الأيام من كل شهر وهو يشتد عليه الصيام ، هل فيه فداء؟ قال : « مد من طعام » (٢) وعن عقبة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك إني قد كبرت وضعفت عن الصيام ، فكيف أصنع بهذه الثلاثة الأيام في كل شهر؟ فقال : « يا عقبة تصدق بدرهم عن كل يوم » قال ، قلت : درهم واحد!؟ قال : « لعلها كبرت عندك وأنت تستقل الدرهم؟ » قال ، قلت : إن نعم الله عزّ وجلّ عليّ لسابغة فقال : « يا عقبة لإطعام مسلم خير من صيام شهر » (٣).

قوله : ( وصوم أيام البيض ، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ).

استحباب صوم هذه الأيام مذهب العلماء كافة ، قاله في المنتهى (٤) ، ولم أقف فيه على رواية من طرق الأصحاب سوى ما رواه ابن بابويه في كتاب علل الشرائع والأحكام بإسناده إلى ابن مسعود ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٤٥ ـ ١ ، الوسائل ٧ : ٣١٤ أبواب الصوم المندوب ب ٩ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ١٤٤ ـ ٤ ، الوسائل ٧ : ٣١٧ أبواب الصوم المندوب ب ١١ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ١٤٤ ـ ٧ ، الوسائل ٧ : ٣١٨ أبواب الصوم المندوب ب ١١ ح ٤.

(٤) المنتهى ٢ : ٦٠٩.

٢٦٢

______________________________________________________

قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « إن آدم لما عصى ربه عزّ وجلّ ناداه مناد من لدن العرش : يا آدم اخرج من جواري فإنه لا يجاورني أحد عصاني ، فبكى وبكت الملائكة ، فبعث الله عزّ وجلّ جبرئيل فأهبطه إلى الأرض مسودا ، فلما رأته الملائكة ضجّت وبكت وانتحبت وقالت : يا رب خلقا خلقته ، ونفخت فيه من روحك ، وأسجدت له ملائكتك ، بذنب واحد حولت بياضه سوادا ، فنادى مناد من السماء : صم لربك ، فصام فوافق يوم ثلاثة عشر من الشهر فذهب ثلث السواد ، ثم نودي يوم الرابع عشر أن صم لربك اليوم ، فصام فذهب ثلثا السواد ، ثم نودي يوم خمسة عشر بالصيام ، فصام فأصبح وقد ذهب السواد كله ، فسميت أيام البيض للذي رد الله عزّ وجلّ فيه على آدم من بياضه ثم نادى مناد من السماء : يا آدم هذه الثلاثة أيام جعلها لك ولولدك من صامها في كل شهر فكأنما صام الدهر » (١).

قال الصدوق ـ رحمه‌الله ـ بعد أن أورد هذه الرواية : قال مصنف هذا الكتاب هذا الخبر صحيح ولكن الله تبارك وتعالى فوّض إلى نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر دينه فقال عزّ وجلّ ( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٢) فسنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكان أيام البيض خميسا في أول الشهر ، وأربعاء في وسط الشهر ، وخميسا في آخر الشهر ، وذلك صوم السنة ، من صامها كان كمن صام الدهر ، لقول الله عزّ وجلّ ( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ) (٣) وإنما ذكرت الحديث لما فيه من ذكر العلة ، وليعلم السبب في ذلك ،

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٧٩ ـ ١ ، الوسائل ٧ : ٣١٩ أبواب الصوم المندوب ب ١٢ ح ١.

(٢) الحشر : ٧.

(٣) الأنعام : ١٦٠.

٢٦٣

وصوم يوم الغدير. ويوم مولد النبي عليه‌السلام. ويوم مبعثه.

______________________________________________________

لأن الناس أكثرهم يقولون إن أيام البيض إنما سميت بيضا لأن لياليها مقمرة من أولها إلى آخرها (١). انتهى كلامه رحمه‌الله.

ومقتضاه أن صوم هذه الأيام منسوخ بصوم الخميسين والأربعاء ، وربما كان في بعض الروايات المتضمنة لاستحباب صومها إشعار بذلك.

قوله : ( وصوم يوم الغدير ).

هو الثامن عشر من ذي الحجة ، وقد روى الحسن بن راشد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن صومه يعدل صوم ستين شهرا (٢). وفي الطريق ضعف.

قوله : ( ويوم مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومبعثه ).

المشهور بين الأصحاب أن يوم المولد السابع عشر من ربيع الأول ، وقال الكليني رضي‌الله‌عنه : إنه يوم الثاني عشر منه (٣). وهو الذي صححه الجمهور (٤) ، ومال إليه جدي ـ قدس‌سره ـ في حواشي القواعد ، وليس في الباب رواية تصلح لإثبات أحد القولين.

ويدل على استحباب صوم يوم السابع عشر من ربيع الأول والسابع والعشرين من رجب ما رواه الشيخ بسند مشتمل على عدة من الضعفاء‌

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٨٠ ، الوسائل ٧ : ٣١٨ أبواب الصوم المندوب ب ١٢ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ١٤٨ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٥٤ ـ ٢٤٠ ، التهذيب ٤ : ٣٠٥ ـ ٩٢١ ، مصباح المتهجد : ٦٨٠ ، الوسائل ٧ : ٣٢٣ أبواب الصوم المندوب ب ١٤ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ١ : ٤٣٩.

(٤) منهم ابن هشام في السيرة النبوية ١ : ١٦٧ ، وابن كثير في السيرة النبوية ١ : ١٩٩.

٢٦٤

ويوم دحو الأرض.

______________________________________________________

والمجاهيل ، عن [ أبي ] (١) إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي ، عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام أنه قال له : « يا أبا إسحاق جئت تسألني عن الأيام التي يصام فيهن ، وهي الأربعة : أولهن يوم السابع والعشرين من رجب يوم بعث الله تعالى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى خلقه رحمة للعالمين ، ويوم مولده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول ، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة فيه دحيت الكعبة ، ويوم الغدير فيه أقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخاه عليا عليه‌السلام علما للناس وإماما من بعده » (٢).

قوله : ( ويوم دحو الأرض ).

وهو يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة ، ومعنى دحو الأرض : بسطها ، والمراد هنا بسطها من تحت الكعبة ، وقد ورد باستحباب صوم هذا اليوم روايات أوضحها سندا ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن الحسن بن علي الوشاء ، قال : كنت مع أبي وأنا غلام فتعشينا عند الرضا عليه‌السلام ليلة خمسة وعشرين من ذي القعدة فقال له : « ليلة خمسة وعشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم عليه‌السلام ، وولد فيها عيسى بن مريم عليه‌السلام ، وفيها دحيت الأرض من تحت الكعبة ، فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستين شهرا » (٣) ومقتضى ذلك عد الشهور قبل الدحو.

واستشكله جدي ـ قدس‌سره ـ في فوائد القواعد بما علم من أنه تعالى خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، وأن المراد من‌

__________________

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٠٥ ـ ٩٢٢ ، الوسائل ٧ : ٣٢٤ أبواب الصوم المندوب ب ١٤ ح ٣.

(٣) الفقيه ٢ : ٥٤ ـ ٢٣٨ ، الوسائل ٧ : ٣٣١ أبواب الصوم المندوب ب ١٦ ح ١.

٢٦٥

وصوم عرفة لمن لم يضعفه عن الدعاء وتحقق الهلال.

______________________________________________________

اليوم دوران الشمس في فلكها دورة واحدة ، وهو يقتضي عدم خلق السماوات قبل ذلك ، فلا يتم عد الأشهر في تلك المدة.

ويمكن دفعه بأن الكتاب العزيز ناطق بتأخر الدحو عن خلق السماء والأرض والليل والنهار ، حيث قال عزّ وجلّ ( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها. رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها. وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ) (١) وعلى هذا فيمكن تحقق الأهلة وعد الأيام قبل ذلك.

قوله : ( وصوم يوم عرفة لمن لم يضعفه عن الدعاء وتحقق الهلال ).

يريد بذلك أن استحباب صوم هذا اليوم مشروط بشرطين ، أحدهما : أن لا يضعفه عن الدعاء ، أي عما هو عازم عليه منه في الكمية والكيفية ، ويستفاد من ذلك أن الدعاء في ذلك اليوم أفضل من الصوم.

والثاني : أن يتحقق الهلال ، بمعنى أن يرى في أول الشهر رؤية لا يحصل فيها التباس واحتمال كونه لليلة الماضية ، حذرا من صوم العيد وينبغي قراءة « وتحقق » بفتح القافين ، ليكون فعلا ماضيا ، والضمير المستكن فيه عائدا إلى الموصول.

ويدل على استحباب صومه لمن لم يضعفه عن الدعاء ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن صوم يوم عرفة ، قال : « من قوي عليه‌

__________________

(١) النازعات : ٢٧ ـ ٣٠.

٢٦٦

وصوم عاشوراء على وجه الحزن.

______________________________________________________

فحسن ، إن لم يمنعك من الدعاء ـ فإنه يوم دعاء ومسألة ـ فصمه ، وإن خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه » (١) ومقتضى الرواية كراهة صومه إذا خيف الضعف.

ويدل على كراهة صومه مع الشك في الهلال ما رواه ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، قال : سألته عن صوم يوم عرفة فقلت : جعلت فداك إنهم يزعمون أنه يعدل صوم سنة ، قال : « كان أبي عليه‌السلام لا يصومه » قلت : ولم جعلت فداك؟ قال : يوم عرفة يوم دعاء ومسألة فأتخوف أن يضعفني عن الدعاء ، وأكره أن أصومه أتخوف أن يكون يوم عرفة يوم الأضحى وليس بيوم صوم » (٢).

قوله : ( وصوم عاشوراء على وجه الحزن ).

اختلفت الروايات في صوم يوم عاشوراء ، فورد في بعضها الأمر بصومه وأنه كفارة سنة (٣) ، وورد في بعض آخر النهي عنه ، وأن من صامه كان حظه من ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد ، وهو النار (٤).

وجمع الشيخ في الإستبصار بينها بأن من صام يوم عاشوراء على طريق الحزن بمصاب آل محمد عليهم‌السلام والجزع لما حل بعترته فقد أصاب ، ومن صامه على ما يعتقد فيه مخالفونا من الفضل في صومه والتبرك به والاعتقاد لبركته وسعادته فقد أثم وأخطأ. ونقل هذا الجمع عن شيخه المفيد رحمه‌الله (٥). وهو جيد ، ومن ذلك يعلم معنى قول‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٩٩ ـ ٩٠٤ ، الوسائل ٧ : ٣٤٣ أبواب الصوم المندوب ب ٢٣ ح ٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٥٣ ـ ٢٣٥ ، الوسائل ٧ : ٣٤٤ أبواب الصوم المندوب ب ٢٣ ح ٦.

(٣) الوسائل ٧ : ٣٣٧ أبواب الصوم المندوب ب ٢٠.

(٤) الوسائل ٧ : ٣٣٩ أبواب الصوم المندوب ب ٢١.

(٥) الاستبصار ٢ : ١٣٥.

٢٦٧

______________________________________________________

المصنف رحمه‌الله : وصوم عاشوراء على وجه الحزن.

وهنا فوائد :

الأولى : روى الشيخ في المصباح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام في يوم عاشوراء فألفيته كاسف اللون ، ظاهر الحزن ، ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط ، قلت : يا بن رسول الله مم بكاؤك؟ لا أبكى الله عينيك ، فقال لي : « أو في غفلة أنت؟ أما علمت أن الحسين بن علي عليه‌السلام أصيب في مثل هذا اليوم؟ » فقلت : يا سيدي فما قولك في صومه؟ فقال : « صمه من غير تبييت ، وأفطره من غير تشميت ، ولا تجعله يوم صوم كملا ، وليكن إفطارك بعد العصر بساعة على شربة من ماء ، فإنه في ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلت الهيجاء عن [ آل ] (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانكشفت الملحمة عنهم » (٢) وينبغي العمل بمضمون هذه الرواية لاعتبار سندها ، إلا أن الإمساك على هذا الوجه لا يسمى صوما.

وذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أن معنى الصوم على وجه الحزن الصوم إلى العصر بغير نية الصوم كما تضمنته الرواية (٣). وهو مع بعده في نفسه مخالف لما نص عليه المصنف في المعتبر (٤) وغيره (٥).

الثانية : قال في المنتهى يوم عاشوراء هو العاشر من المحرم ، وبه‌

__________________

(١) أثبتناه من « ح » والمصدر.

(٢) مصباح المتهجد : ٧٢٤ ، الوسائل ٧ : ٣٣٨ أبواب الصوم المندوب ب ٢٠ ح ٧.

(٣) المسالك ١ : ٨٠.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٠٩.

(٥) كابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣.

٢٦٨

ويوم المباهلة.

______________________________________________________

قال سعيد بن المسيب والحسن البصري ، وروي عن ابن عباس أنه قال : التاسع من المحرم ، وليس بمعتمد ، لما تقدم في أحاديثنا إنه يوم قتل الحسين عليه‌السلام ، ويوم قتل الحسين عليه‌السلام هو العاشر بلا خلاف (١).

الثالثة : اختلف في صوم عاشوراء ، هل كان واجبا أم لا؟ والمروي في أخبارنا أنه كان واجبا قبل نزول صوم شهر رمضان ، وممن روى ذلك زرارة ومحمد بن مسلم ، قال : سألنا أبا جعفر عليه‌السلام عن صوم يوم عاشوراء فقال : « كان صومه قبل شهر رمضان ، فلما نزل شهر رمضان ترك » (٢).

قوله : ( ويوم المباهلة ).

هو الرابع والعشرون من ذي الحجة ، فيه بأهل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصارى نجران بأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام. وقيل : إنه في هذا اليوم تصدق أمير المؤمنين عليه‌السلام بخاتمه في ركوعه ونزل فيه ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (٣) (٤).

ولم أقف في استحباب صوم هذا اليوم على نص بالخصوص ، وعلله في المنتهى بأنه يوم شريف ، وقد أظهر الله فيه نبينا عليه‌السلام على خصمه ، وحصل فيه من التنبيه على قرب علي عليه‌السلام من‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦١١.

(٢) الفقيه ٢ : ٥١ ـ ٢٢٤ ، الوسائل ٧ : ٣٣٩ أبواب الصوم المندوب ب ٢١ ح ١.

(٣) المائدة : ٥٥.

(٤) قال به العلامة في المنتهى ٢ : ٦١١ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٨٠.

٢٦٩

وصوم كل خميس. وكل جمعة. وأول ذي الحجة.

______________________________________________________

ربه ، واختصاصه ، وعظم منزلته ، وثبوت ولايته ، واستجابة الدعاء به ، ما لم يحصل لغيره ، وذلك من أعظم الكرامات الموجبة لإخبار الله تعالى أن نفسه نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيستحب صومه شكرا لهذه النعمة الجسيمة (١).

قوله : ( وكل خميس وكل جمعة ).

وذلك لأن الصوم فيه طاعة في نفسه ، وهذان اليومان شريفان تضاعف فيهما الحسنات ، فاستحب فعله فيهما ، وتشهد له رواية أسامة بن زيد : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصوم الاثنين والخميس ، فسئل عن ذلك فقال : « إن أعمال الناس تعرض يوم الاثنين والخميس » (٢).

ورواية ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : رأيته صائما يوم الجمعة ، فقلت : جعلت فداك إن الناس يزعمون أنه يوم عيد ، فقال : « كلا إنه يوم خفض ودعة » (٣).

قوله : ( وأول ذي الحجة ).

يدل على ذلك ما رواه الكليني ، عن عدة من أصحابه ، عن سهل بن زياد ، عن بعض أصحابه ، عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام أنه قال : « في أول يوم من ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن ، فمن صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهرا » (٤).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦١١.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ٣٢٥ ـ ٢٤٣٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٣١٦ ـ ٩٥٩ ، الوسائل ٧ : ٣٠١ أبواب الصوم المندوب ب ٥ ح ٥.

(٤) الكافي ٤ : ١٤٩ ـ ٢ ، الوسائل ٧ : ٣٣٣ أبواب الصوم المندوب ب ١٨ ح ١.

٢٧٠

وصوم رجب. وصوم شعبان.

______________________________________________________

وما رواه ابن بابويه مرسلا ، عن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، قال : « من صام أول يوم من ذي الحجة كتب الله له صوم ثمانين شهرا ، فإن صام التسع كتب الله عزّ وجلّ له صوم الدهر » (١).

قوله : ( وصوم رجب وصوم شعبان ).

ويدل على ذلك روايات ، منها ما رواه المفيد مرسلا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « من صام رجب كله كتب الله له رضاه ، ومن كتب له رضاه لم يعذبه » (٢).

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام إنه كان يصومه ويقول : « رجب شهري ، وشعبان شهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٣).

وما رواه ابن بابويه ، عن أبان بن عثمان ، عن كثير النواء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : إن نوحا ركب السفينة أول يوم من رجب وأمر من معه أن يصوموا ذلك اليوم وقال : « من صامه تباعدت عنه النيران مسيرة سنة ، ومن صام سبعة أيام غلقت عنه أبواب النيران السبعة ، ومن صام ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنان الثمانية ، ومن صام خمسة عشر يوما أعطي مسألته ، ومن صام خمسة وعشرين قيل له استأنف العمل فقد غفر الله لك ، ومن زاد زاده الله عزّ وجلّ » (٤).

وما رواه الشيخ ، عن أبي الصباح الكناني ، قال : سمعت أبا‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٥٢ ـ ٢٣٠ ، الوسائل ٧ : ٣٣٤ أبواب الصوم المندوب ب ١٨ ح ٣.

(٢) المقنعة : ٥٩ ، الوسائل ٧ : ٣٥٦ أبواب الصوم المندوب ب ٢٦ ح ١٥.

(٣) المقنعة : ٥٩ ، مصباح المتهجد : ٧٣٤ ، الوسائل ٧ : ٣٥٦ أبواب الصوم المندوب ب ٢٦ ح ١٦.

(٤) الفقيه ٢ : ٥٥ ـ ٢٤٣ ، الوسائل ٧ : ٣٤٨ أبواب الصوم المندوب ب ٢٦ ح ١.

٢٧١

ويستحب الإمساك تأديبا وإن لم يكن صوما في سبعة مواطن : المسافر إذا قدم أهله أو بلدا يعزم فيه الإقامة عشرة فما زاد بعد الزوال أو‌

______________________________________________________

عبد الله عليه‌السلام يقول : « صوم شعبان وشهر رمضان متتابعين توبة من الله » (١).

وعن أبي حمزة ، عن أبي جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام ، قال :« قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من صام شعبان كان له طهارة من كل زلة ووصمة وبادرة » قال أبو حمزة ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما الوصمة؟ قال : « اليمين في المعصية » فقلت : ما البادرة؟ قال : « اليمين عند الغضب ، والتوبة منها الندم » (٢).

قال الشيخ في التهذيب بعد أن أورد طرفا من الأخبار المتضمنة للترغيب في صوم شعبان : فأما الأخبار التي رويت في النهي عن صوم شعبان ، وأنه ما صامه أحد من الأئمة عليهم‌السلام ، فالمراد بها أنه لم يصمه أحد من الأئمة عليهم‌السلام على أن صومه يجري مجرى شهر رمضان في الفرض والوجوب ، لأن قوما قالوا إن صومه فريضة ، وكان أبو الخطاب ـ لعنه الله ـ وأصحابه يذهبون إليه ، ويقولون إن من أفطر فيه لزمه من الكفارة ما يلزم من أفطر يوما من شهر رمضان ، فورد عنهم عليهم‌السلام الإنكار لذلك ، وأنه لم يصمه أحد منهم على هذا الوجه (٣).

قوله : ( ويستحب الإمساك تأديبا وإن لم يكن صوما في سبعة مواطن : المسافر إذا قدم أهله أو بلدا يعزم فيه الإقامة عشرة فما زاد بعد‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٠٧ ـ ٩٢٥ ، الوسائل ٧ : ٣٦٨ أبواب الصوم المندوب ب ٢٩ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٠٧ ـ ٩٢٨ ، الوسائل ٧ : ٣٦٢ أبواب الصوم المندوب ب ٢٨ ح ٧.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٠٩.

٢٧٢

قبله وقد أفطر ، وكذا المريض إذا بري‌ء ، وتمسك الحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار. والكافر إذا أسلم. والصبي إذا بلغ ، والمجنون إذا أفاق. وكذا المغمى عليه.

ولا يجب صوم النافلة بالدخول فيه ، وله الإفطار أيّ وقت شاء. ويكره بعد الزوال.

______________________________________________________

الزوال وقبله وقد أفطر ، وكذا المريض إذا بري‌ء ، وتمسك الحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار ، والكافر إذا أسلم ، والصبي إذا بلغ ، والمجنون إذا أفاق ، وكذا المغمى عليه ).

هذا القسم هو المسمى بصوم التأديب ، وهو عبارة عن الإمساك عن المفطرات في بعض النهار استحبابا ، تشبّها بالصائمين. وثبوته في هذه المواطن السبعة موضع وفاق ، وقد تقدم المستند في بعض الصور ، ويدل عليه أيضا رواية الزهري الطويلة عن زين العابدين عليه‌السلام المتضمنة لأن الصوم على أربعين وجها ، حيث قال فيها : « فإما صوم التأديب فأن يؤخذ الصبي إذا راهق بالصوم تأديبا وليس بفرض ، وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم قوي بقية يومه أمر بالإمساك عن الطعام بقية يومه تأديبا وليس بفرض ، وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله أمر بالإمساك بقية يومه وليس بفرض ، وكذلك الحائض إذا طهرت أمسكت بقية يومها » (١).

قوله : ( ولا يجب صوم النافلة بالدخول فيه ، وله الإفطار في أيّ وقت شاء ، ويكره بعد الزوال ).

أما إنه لا يجب بالشروع فيه فيدل عليه مضافا إلى الأصل‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٨٣ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ ـ ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ ـ ٨٩٥ ، الوسائل ٧ : ١٦٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٩ ح ٤.

٢٧٣

______________________________________________________

والإجماع ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه قال في الذي يقضي شهر رمضان : « إنه بالخيار إلى زوال الشمس ، وإن كان تطوعا فإنه إلى الليل بالخيار » (١).

وعن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى شئت ، وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر » (٢).

وأما كراهة الإفطار فيه بعد الزوال فيدل عليه ما رواه الشيخ ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام : « إن عليا عليه‌السلام قال : الصائم تطوعا بالخيار ما بينه وبين نصف النهار ، فإن انتصف النهار فقد وجب الصوم » (٣).

قال الشيخ في التهذيب : المراد به أن الأولى إذا كان بعد الزوال أن يصومه ، وقد يطلق على ما الأولى فعله أنه واجب ، وقد بيناه في غير موضع فيما تقدم ، كما تقول : غسل الجمعة واجب ، وصلاة الليل واجبة ، ولم ترد به الفرض الذي يستحق بتركه العقاب ، وإنما المراد به الأولى ، فليس ينبغي تركه إلا لعذر (٤).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨٠ ـ ٨٤٩ ، الإستبصار ٢ : ١٢٢ ـ ٣٩٦ ، الوسائل ٧ : ٩ أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٧٨ ـ ٨٤١ ، الإستبصار ٢ : ١٢٠ ـ ٣٨٩ ، الوسائل ٧ : ١٠ أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٨١ ـ ٨٥٠ ، الإستبصار ٢ : ١٢٢ ـ ٣٩٧ ، الوسائل ٧ : ١١ أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ١١.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٨١.

٢٧٤

والمكروه أربعة : صوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء ومع الشك في الهلال.

وصوم النافلة في السفر ، عدا ثلاثة أيام بالمدينة للحاجة.

______________________________________________________

قوله : ( والمكروه أربعة : صوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء ومع الشك في الهلال ).

أما كراهته مع خوف الضعف عن الدعاء فيدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة : « وإن خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه » (١) والنهي هنا للكراهة ، كما أن الأمر بالصوم مع انتفاء خوف الضعف للاستحباب.

وأما الكراهة مع الشك في الهلال فيدل عليه قوله عليه‌السلام في رواية سدير : « وأكره أن صومه ـ يعني يوم عرفة ـ أتخوف أن يكون يوم عرفة يوم الأضحى ، وليس بيوم صوم » (٢) ومقتضى الرواية تحقق الكراهة بمجرد حصول الغيم ليلة الثلاثين من ذي القعدة وإن لم يتحدث الناس بتقدمه ، لكن في السند ضعف (٣).

قوله : ( وصوم النافلة في السفر ، عدا ثلاثة أيام بالمدينة للحاجة ).

بل الأصح تحريم صيام النافلة في السفر عدا هذه الثلاثة الأيام كما بيناه فيما سبق (٤).

__________________

(١) المتقدمتان في ص ٢٦٦ ، ٢٦٧.

(٢) المتقدمتان في ص ٢٦٦ ، ٢٦٧.

(٣) لأن في طريقها حنان بن سدير ، وقال الشيخ أنه واقفي ـ رجال الطوسي : ٣٤٦.

(٤) في ص ١٥٠.

٢٧٥

وصوم الضيف نافلة من غير إذن مضيفه ، والأظهر أنه لا ينعقد مع النهي.

______________________________________________________

قوله : ( وصوم الضيف نافلة من دون إذن مضيفه ، والأظهر أنه لا ينعقد مع النهي ).

اختلف الأصحاب في صوم الضيف نافلة من دون إذن مضيفه ، فقال المصنف في هذا الكتاب : إنه مكروه إلا مع النهي فيفسد. وقال في النافع والمعتبر : أنه غير صحيح (١). وأطلق العلامة وجماعة الكراهة (٢). وهو المعتمد.

لنا : ما رواه ابن بابويه ، عن نشيط بن صالح ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه ، ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه وأمره ، ومن صلاح العبد وطاعته ونصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه ، ومن بر الولد بأبويه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن أبويه وأمرهما ، وإلا كان الضيف جاهلا ، وكانت المرأة عاصية ، وكان العبد فاسقا ، وكان الولد عاقا » (٣).

وعن الفضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم ، ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلا بإذنهم ، لئلا يعلموا شيئا فيفسد ، ولا ينبغي لهم أن يصوموا إلا بإذن‌

__________________

(١) المختصر النافع : ٧١ ، والمعتبر ٢ : ٧١٢.

(٢) القواعد ١ : ٦٨ ، والتحرير ١ : ٧٥.

(٣) الفقيه ٢ : ٩٩ ـ ٤٤٥ ، علل الشرائع : ٣٨٥ ـ ٤ ، الوسائل ٧ : ٣٩٦ أبواب الصوم المحرم والمكروه ب ١٠ ح ٢.

٢٧٦

وكذا يكره صوم الولد من غير إذن والده ،

______________________________________________________

الضيف ، لئلا يحتشم ويشتهي ويتركه لهم » (١).

والروايتان مع تسليم سندهما لا تدلان على أزيد من الكراهة ، أما الأولى فلأن الجهل يتحقق بفعل المكروه ، فلا يدل على التحريم ، وأما الثانية فلأن لفظ لا ينبغي ظاهر في الكراهة.

ولم نقف للمانعين على حجة يعتد بها. واستدل عليه في المعتبر (٢) بما رواه الزهري ، عن علي بن الحسين عليهما‌السلام أنه قال : « وأما صوم الإذن : فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها ، والعبد لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه ، والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه ، قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من نزل على قوم فلا يصوم تطوعا إلا بإذنهم » (٣) وهذه الرواية ضعيفة السند جدا (٤) فلا تنهض حجة في إثبات التحريم.

قوله : ( وكذا يكره صوم الولد من غير إذن والده ).

القول بالكراهة مذهب الأكثر ، وقال المصنف في النافع : إنه غير صحيح (٥). وفي الأخبار المتقدمة دلالة عليه ، بل مقتضى رواية‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٩٩ ـ ٤٤٤ ، علل الشرائع : ٣٨٤ ـ ٣ ، الوسائل ٧ : ٣٩٤ أبواب الصوم المحرم والمكروه ب ٩ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٧١٢.

(٣) الكافي ٤ : ٨٣ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ ـ ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ ـ ٨٩٥ ، الوسائل ٧ : ٢٦٨ أبواب بقية الصوم الواجب ب ١ ح ١.

(٤) لاشتمال سندها على مجموعة من الضعفاء كالزهري وسفيان بن عيينة وسليمان بن داود والقاسم بن محمد الجوهري ـ راجع رجال الكشي ٢ : ٦٨٩ ، ورجال النجاشي : ١٨٤ ، ورجال الطوسي : ١٠١ ، ٣٥٨.

(٥) المختصر النافع : ٧١.

٢٧٧

والصوم ندبا لمن دعي إلى طعام.

______________________________________________________

هشام بن الحكم توقفه على إذن الأبوين (١) ، لكنها قاصرة من حيث السند عن إثبات ذلك.

قوله : ( والصوم ندبا لمن دعي إلى طعام ).

إطلاق العبارة وغيرها يقتضي عدم الفرق في ذلك بين كون الطعام معمولا لأجله وعدمه ، ولا في الداعي بين من يشق عليه ترك الإجابة وغيره ، ولا في الدعوة بين أن تقع أول النهار أو آخره ، ولم نقف على رواية تتضمن النهي عن الصوم والحال هذه ، وإنما المستفاد من الروايات أن الإجابة إلى الإفطار أفضل من الصوم ، فمن ذلك ما رواه الكليني في الصحيح ، عن جميل بن دراج قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « من دخل على أخيه وهو صائم فأفطر عنده ولم يعلمه بصومه فيمنّ عليه ، كتب الله له صوم سنة » (٢).

وعن صالح بن عقبة ، قال : دخلت على جميل بن دراج وبين يديه خوان عليه غسانية يأكل منها فقال : ادن فكل ، فقلت : إني صائم ، فتركني حتى إذا أكلها فلم يبق منها إلا اليسير عزم علي إلاّ أفطرت فقلت له : ألا كان هذا قبل الساعة؟ فقال : « أردت بذلك أدبك ، ثم قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام : « يقول أيما رجل مؤمن دخل على أخيه وهو صائم فسأله الأكل فلم يخبره بصيامه ليمنّ عليه بإفطاره كتب الله جلّ ثناؤه له بذلك اليوم صيام سنة » (٣).

وعن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :

__________________

(١) المتقدمة في ٢٧٦.

(٢) الكافي ٤ : ١٥٠ ـ ٣ ، الوسائل ٧ : ١٠٩ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ٤.

(٣) الكافي ٤ : ١٥٠ ـ ٤ ، الوسائل ٧ : ١١٠ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ٥.

٢٧٨

والمحظور تسعة : صوم العيدين. وأيام التشريق لمن كان بمنى على الأشهر.

______________________________________________________

« إفطارك لأخيك المؤمن أفضل‌ من صيامك تطوعا » (١).

وعن علي بن حديد قال ، قلت لأبي الحسن الماضي عليه‌السلام : أدخل على القوم وهم يأكلون وقد صليت العصر وأنا صائم فيقولون : أفطر ، فقال : « أفطر فإنه أفضل » (٢).

قوله : ( والمحظور تسعة : صوم العيدين ، وأيام التشريق لمن كان بمنى على الأشهر ).

أما تحريم صوم يومي العيدين فقال المصنف في المعتبر : إن عليه اتفاق فقهاء الإسلام (٣). والنصوص به مستفيضة (٤).

وأما تحريم صوم أيام التشريق فقال في المعتبر : إنه إجماع علمائنا ، واستدل عليه بما رواه الشيخ عن قتيبة الأعشى ، قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن صوم ستة أيام : العيدين ، وأيام التشريق ، واليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان » (٥). ثم قال الشيخ : إنما يحرم على من كان بمنى ، وعليه أكثر الأصحاب ، ودل عليه ما رواه معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صيام أيام التشريق فقال : « أما بالأمصار فلا‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٥٠ ـ ١ ، الوسائل ٧ : ١٠٩ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ١٥١ ـ ٥ ، الوسائل ٧ : ١١٠ أبواب آداب الصائم ب ٨ ح ٧ وفيه : علي بن حديد عن عبد الله بن جندب.

(٣) المعتبر ٢ : ٧١٢.

(٤) الوسائل ٧ : ٣٨٢ أبواب الصوم المحرم والمكروه ب ١.

(٥) التهذيب ٤ : ١٨٣ ـ ٥٠٩ ، الإستبصار ٢ : ٧٩ ـ ٢٤١ ، الوسائل ٧ : ٣٨٣ أبواب الصوم المحرم والمكروه ب ١ ح ٧.

٢٧٩

______________________________________________________

بأس به ، وأما بمنى فلا » (١) والعمل بهذه أولى من الأخبار المطلقة ، لأنها ليست على حد اليقين ، فيؤخذ بما وقع الاتفاق عليه ، وتمسكا فيما عداه بالأصل (٢). هذا كلامه رحمه‌الله وهو جيد ، لأن الرواية المفصلة صحيحة السند ، والمفصّل يحكّم على المطلق.

وخص العلامة في القواعد التحريم بمن كان بمنى ناسكا (٣). وإطلاق الرواية يدفعه.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن قول المصنف : على الأشهر ، يمكن تعلقه بمن كان بمنى ، ويكون في مقابل الأشهر : تحريم صومها مطلقا. وربما كان في كلام المعتبر إشعار به ، حيث عزى اعتبار ذلك إلى الشيخ وأكثر الأصحاب.

ويمكن أن يكون إشارة إلى ما ذكره الشيخ ـ رحمه‌الله ـ من أن القاتل في الأشهر الحرم يجب عليه صوم شهرين (٤) من أشهر الحرم وإن دخل فيهما العيد وأيام التشريق (٥). وربما ظهر ذلك من عبارة النافع حيث قال بعد أن حكم بتحريم صوم هذه الأيام : وقيل القاتل في أشهر الحرم يصوم شهرين منها وإن دخل فيهما العيد وأيام التشريق ، لرواية زرارة (٦) ، والمشهور عموم المنع (٧).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٩٧ ـ ٨٩٧ ، الإستبصار ٢ : ١٣٢ ـ ٤٢٩ ، الوسائل ٧ : ٣٨٥ أبواب الصوم المحرم والمكروه ب ٢ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٧١٣.

(٣) القواعد ١ : ٦٨.

(٤) في « م » و « ح » زيادة : متتابعين ، وهو الموافق للمصدر.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٩٧.

(٦) الكافي ٤ : ١٣٩ ـ ٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٧ ـ ٨٩٦ ، الوسائل ٧ : ٢٧٨ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٨ ح ١.

(٧) ذكره في المختصر النافع : ٧١.

٢٨٠