مدارك الأحكام - ج ٦

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٦

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

والظّهار ، والإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال ، وكفّارة اليمين ، والإفاضة من عرفات عامدا قبل الغروب ،

______________________________________________________

قوله : ( والظهار ).

هذه الكفارة منصوصة في القرآن أيضا ، قال الله عزّ وجلّ : ( وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) إلى‌ قوله ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ) (١) وهي نص في الترتيب.

قوله : ( والإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال ).

قد تقدم الكلام في هذه الكفارة مستوفى (٢).

قوله : ( والكفارة في اليمين ).

هذه الكفارة منصوصة في القرآن أيضا قال الله عزّ وجلّ ( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ ) (٣).

قوله : ( والإفاضة من عرفات عامدا قبل الغروب ).

سيأتي إن شاء الله تعالى أن الواجب في هذه الكفارة بدنة ، ومع العجز صيام ثمانية عشر يوما ، والمستند ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن ضريس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عمن أفاض من‌

__________________

(١) المجادلة : ٣ ، ٤.

(٢) راجع ٢ ص ٨٣.

(٣) المائدة : ٨٩.

٢٤١

وفي كفارة جزاء الصيد تردد ، وتنزيلها على الترتيب أظهر. وألحق بهذه كفارة شق الرجل ثوبه على زوجته أو ولده ، وكفارة خدش المرأة وجهها ونتفها شعر رأسها.

______________________________________________________

عرفات قبل أن تغيب الشمس ، قال : « عليه بدنة ينحرها يوم النحر ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما » (١).

قوله : ( وفي كفارة جزاء الصيد تردد ، وتنزيلها على الترتيب أظهر ).

المراد بالصيد هنا : النعامة والبقرة الوحشية والظبي وما ألحق بها ، لا مطلق الصيد ، لأن في كفارته ما هو مرتب قطعا. ومنشأ التردد في هذه المسألة من دلالة قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ )(٢) الآية ، على التخيير ، لأن لفظ « أو » صريح في ذلك ، ومن دلالة الأخبار الكثيرة على الترتيب ، ولا ريب أن اعتبار الترتيب أحوط وإن كان القول بالتخيير لا يخلو من رجحان ، عملا بظاهر الآية ، وتحمل الروايات على الأفضلية.

قوله : ( وألحق بهذا الكفارة شق الرجل ثوبه على زوجته أو ولده ، وكفارة خدش المرأة وجهها ونتفها شعر رأسها ).

هاتان الكفارتان كفارة يمين ، ومستندهما رواية خالد بن سدير ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « وإذا شقّ زوج على امرأته ، أو والد على ولده فكفارته كفارة حنث يمين ، ولا صلاة لهما حتى يكفرا أو يتوبا‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٨٦ ـ ٦٢٠ ، الوسائل ١٠ : ٣٠ أبواب إحرام الحج ب ٢٣ ح ٣.

(٢) المائدة : ٩٥. وتكملتها : هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ.

٢٤٢

الثالث : ما يكون الصوم مخيرا فيه بينه وبين غيره ، وهو خمسة : صوم كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان عامدا ، وكفارة خلف النذر والعهد ، والاعتكاف الواجب ، وكفارة حلق الرأس ،

______________________________________________________

من ذلك ، وإذا خدشت المرأة وجهها أو جزت شعرها أو نتفته ففي جزء الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا ، وفي خدش الوجه إذا أدمت ، وفي النتف كفارة حنث يمين » (١) وهي ضعيفة جدا ، فإن راويها وهو خالد بن سدير غير موثق ، وقال الصدوق : إن كتابه موضوع (٢). ومن ثم جعل المصنف هاتين الكفارتين إلحاقا. وقال ابن إدريس : أنهما مستحبتان (٣). ولا بأس به ، اقتصارا فيما خالف الأصل على وضع الوفاق.

والمراد : خدش المرأة وجهها ونتفها شعرها في المصاب لا في مطلق الأحوال. وينبغي تقييد الخدش بكونه مدميا كما تضمنته الرواية ، وإنما أجمل المصنف الكلام في ذلك اعتمادا على ما سيجي‌ء من التفصيل في باب الكفارات ، وإنما الغرض هنا مجرد ذكر الصوم.

قوله : ( الثالث ، ما يكون الصوم مخيرا فيه بينه وبين غيره ، وهو خمسة : كفارة من أفطر يوما في شهر رمضان عامدا ، وكفارة خلف النذر والعهد ، والاعتكاف الواجب ، وكفارة حلق الرأس في حال الإحرام ).

قد تقدم الكلام في كفارة رمضان وكفارة النذر.

وأما كفارة العهد فالمشهور بين الأصحاب أنها مخيرة ، وقيل إنها‌

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٣٢٥ ـ ١٢٠٧ ، الوسائل ١٥ : ٥٨٣ أبواب الكفارات ب ٣١ ح ١.

(٢) حكاه عنه في الفهرست : ٦٦ ـ ٢٥٩.

(٣) السرائر : ٣٦٢.

٢٤٣

وألحق بهذا كفارة جزّ المرأة رأسها في المصاب.

______________________________________________________

مرتبة (١) ، وقيل : إنها كفارة يمين (٢) ، وهو غير بعيد ، خصوصا على ما اخترناه من أن كفارة النذر كفارة يمين.

وأما كفارة الاعتكاف الواجب فذهب الأكثر إلى أنها مخيرة ، تعويلا على رواية سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن معتكف واقع أهله ، قال : « عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا : عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا » (٣).

وقال ابن بابويه : إنها مرتبة ، لما رواه في الصحيح ، عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المعتكف يجامع ، قال : « إذا فعل ذلك فعليه ما على المظاهر » (٤) وهو جيد لصحة مستنده.

وأما كفارة حلق الرأس في حال الإحرام فهي منصوصة في القرآن بقوله تعالى ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٥) ولفظ « أو » صريح في التخيير.

قوله : ( وألحق بهذا كفارة جز المرأة رأسها في المصاب ).

أي : وألحق بهذا القسم ، وهو ما يكون الصوم مخيرا فيه بينه‌

__________________

(١) قال به المفيد في المقنعة : ٨٨.

(٢) قال به العلامة في التحرير ٢ : ١٠٨.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٩٢ ـ ٨٨٨ ، الإستبصار ٢ : ١٣٠ ـ ٤٢٥ ، الوسائل ٧ : ٤٠٧ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٦ ح ٥.

(٤) الفقيه ٢ : ١٢٢ ـ ٥٣٢ ، ورواها في التهذيب ٤ : ٢٩١ ـ ٨٨٧ ، والاستبصار ٢ : ١٣٠ ـ ٤٢٤ ، والوسائل ٧ : ٤٠٦ أبواب كتاب الاعتكاف ب ٦ ح ١.

(٥) البقرة : ١٩٦.

٢٤٤

الرابع : ما يجب مرتّبا على غيره مخيرا بينه وبين غيره ، وهو كفارة الواطئ أمته المحرمة بإذنه.

وكل الصوم يلزم فيه التتابع إلا أربعة : صوم النذر المجرد عن التتابع وما في معناه من يمين أو عهد ، وصوم القضاء ، وصوم جزاء الصيد ، والسبعة في بدل الهدي.

______________________________________________________

وبين غيره ، كفارة جز المرأة شعر رأسها في المصاب ، فإنها عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا عند أكثر الأصحاب ، لرواية خالد بن سدير المتقدمة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) ، وقد عرفت أنها ضعيفة السند. وقال ابن إدريس إنها مرتبة ، وأسنده إلى ما رواه بعض الأصحاب (٢). وهو مستند واه ، والأصح أنها تأثم ولا كفارة ، استضعافا للرواية ، وتمسكا بالأصل.

قوله : ( الرابع ، ما يجب مرتبا على غيره مخيرا بينه وبين غيره : وهو كفارة الواطئ أمته المحرمة بإذنه ).

سيأتي إن شاء الله أن هذه الكفارة بدنة أو بقرة أو شاة ، فإن عجز عن الأولين فشاة أو صيام ثلاثة أيام ، فالصيام فيها مترتب على غيره وهو البدنة والبقرة ، مخير بينه وبين غيره وهو الشاة ، وإنما أجمل المصنف الكلام في هذه المسائل لأن غرضه هنا استيفاء أقسام الصوم ، وسيجي‌ء تمام الكلام فيها في أبوابها إن شاء الله.

قوله : ( وكل الصوم يلزم فيه التتابع إلا أربعة : صوم النذر المجرد عن التتابع وما في معناه من يمين أو عهد ، وصوم القضاء ، وصوم جزاء الصيد ، والسبعة في بدل الهدي ).

__________________

(١) راجع ص ٢٤٣.

(٢) السرائر : ٣٦٢.

٢٤٥

______________________________________________________

يندرج في هذه الكلية صوم رمضان ، والاعتكاف ، وكفارة رمضان‌ وقضائه ، وكفارة خلف النذر وما في معناه ، وكفارة الظهار والقتل ، وكفارة حلق الرأس في حال الإحرام ، وصوم الثلاثة الأيام في بدل الهدي ، وصوم الثمانية عشر في بدل البدنة وبدل الشهرين عند العجز عنهما.

ويمكن المناقشة في وجوب المتابعة في صيام كفارة قضاء رمضان ، وحلق الرأس ، وصوم الثمانية عشر في الموضعين ، لإطلاق الأمر بالصوم في جميع هذه الموارد ، فيحصل الامتثال مع التتابع وبدونه.

وأما استثناء صوم النذر المجرد عن التتابع وما في معناه من العهد واليمين ، وصوم القضاء ، ويندرج فيه قضاء رمضان والنذر المعين ، وصوم جزاء الصيد مطلقا ، والسبعة في بدل الهدي فهو قول أكثر الأصحاب ، تمسكا بإطلاق الأمر.

وحكى الشهيد في الدروس عن ظاهر كلام الشاميين وجوب المتابعة في النذر المطلق ، وعن المفيد والمرتضى وسلار أنهم أوجبوا المتابعة في صيام الستين يوما في بدل النعامة ، وعن أبي الصلاح وابن أبي عقيل أنهما أوجبا المتابعة في صيام السبعة بدل الهدي ، واستقرب وجوب المتابعة في قضاء النذر المعين المشروط فيه المتابعة (١).

والأصح عدم وجوب المتابعة في جميع ذلك ، عملا بالإطلاق وسيجي‌ء الكلام في كفارات الإحرام والصوم الواجب في بدل البدنة في كتاب الحج مفصلا إن شاء الله.

__________________

(١) الدروس : ٧٩.

٢٤٦

وكل ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه لعذر بنى عند زواله.

______________________________________________________

قوله : ( وكل ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه لعذر يبني عند زواله ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين صوم الشهرين والثمانية عشر والثلاثة ، وجزم جماعة منهم العلامة في القواعد ، والشهيد في الدروس (١) ، والشارح ـ قدس‌سره (٢) ـ بوجوب الاستئناف مع الإخلال بالمتابعة في كل ثلاثة يجب تتابعها ، سواء كان لعذر أو لا ، إلا ثلاثة الهدي لمن صام يومين وكان الثالث العيد ، فإنه يبني على اليومين الأولين بعد انقضاء أيام التشريق. وهو جيد ، بل الأجود اختصاص البناء مع الإخلال بالتتابع للعذر بصيام الشهرين المتتابعين والاستئناف في غيره ، أما الاستئناف فيما عدا صيام الشهرين فلأن الإخلال بالمتابعة يقتضي عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، فيبقى المكلف تحت العهدة إلى أن يتحقق الامتثال.

وأما البناء في صيام الشهرين فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن ، رفاعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهرا ومرض ، قال : « يبني عليه ، الله حسبه » قلت : امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت وأفطرت أيام حيضها ، قال : « تقضيها » قلت : فإنها قضتها ثم يئست من المحيض ، قال : « لا تعيدها ، أجزأها » (٣) وفي الصحيح عن محمد بن‌

__________________

(١) القواعد ١ : ٦٩ ، والدروس : ٧٩.

(٢) المسالك ١ : ٧٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٨٤ ـ ٨٥٩ ، الإستبصار ٢ : ١٢٤ ـ ٤٠٢ ، الوسائل ٧ : ٢٧٤ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣ ح ١٠.

٢٤٧

______________________________________________________

مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام نحو ذلك (١).

وعن سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فصام خمسة عشر يوما ثم مرض ، فإذا برأ أيبني على صومه أم يعيد صومه كله؟ فقال : « يبني على ما كان صام » ثم قال : « هذا مما غلب الله عليه ، وليس على ما غلب الله عزّ وجلّ عليه شي‌ء » (٢).

ويستفاد من التعليل المستفاد من قوله عليه‌السلام : « الله حبسه » وقوله : « هذا مما غلب الله عليه » عدم الفرق بين أن يكون العذر مرضا أو سفرا ضروريا أو حيضا أو إغماء أو غير ذلك.

لا يقال : قد روى الشيخ في الصحيح ، عن جميل ومحمد بن حمران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يلزمه صوم شهرين متتابعين في ظهار فيصوم شهرا ثم يمرض ، قال : « يستقبل ، فإن زاد على الشهر الآخر يوما أو يومين بنى على ما بقي » (٣).

وعن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن كان على الرجل صيام شهرين متتابعين فأفطر أو مرض في الشهر الأول فإن عليه أن يعيد الصيام ، وإن صام الشهر الأول وصام من الشهر الثاني شيئا‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨٤ ـ ٨٦٠ ، الإستبصار ٢ : ١٢٤ ـ ٤٠٣ ، الوسائل ٧ : ٢٧٤ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣ ح ١١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٨٤ ـ ٨٥٨ ، الإستبصار ٢ : ١٢٤ ـ ٤٠١ ، الوسائل ٧ : ٢٧٤ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣ ح ١٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٨٤ ـ ٨٦١ ، الإستبصار ٢ : ١٢٤ ـ ٤٠٤ ، الوسائل ٧ : ٢٧٢ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣ ح ٣.

٢٤٨

وإن أفطر لغير عذر استأنف ، إلا ثلاثة مواضع :

من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فصام شهرا ومن الثاني ولو يوما بنى ، ولو كان قبل ذلك استأنف.

______________________________________________________

فإنما عليه أن يقضي » (١).

لأنا نجيب عنهما بالحمل على الاستحباب جمعا بين الأدلة ، وتأولهما الشيخ في الاستبصار أيضا بالحمل على المرض الذي لا يكون مانعا من الصوم (٢) ، وهو بعيد.

ومتى جاز البناء للعذر فالأصح وجوب المبادرة إلى الصوم بعد زواله ، لأنه بتعمد الإفطار بعده يصير مخلا بالتتابع اختيارا ، وقطع الشهيد في الدروس بعدم الوجوب (٣) ، وهو ضعيف.

ولو نسي النية في بعض أيام الشهر حتى فات محلها فسد صوم ذلك اليوم ، وهل ينقطع التتابع بذلك؟ قيل : نعم ، لأن فساد الصوم يقتضي عدم تحقق التتابع ، وقيل : لا ، لحديث رفع ، وظاهر التعليل المستفاد من قوله عليه‌السلام : « الله حبسه » وقوله عليه‌السلام : « وليس على ما غلب الله عزّ وجلّ عليه شي‌ء » (٤) ، وبه قطع الشارح قدس‌سره (٥) ، ولا يخلو من قوة.

قوله : ( وإن أفطر لغير عذر استأنف ، إلا في ثلاثة مواضع ، الأول : من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فصام شهرا ومن الثاني يوما ).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨٥ ـ ٨٦٢ ، الإستبصار ٢ : ١٢٥ ـ ٤٠٥ ، الوسائل ٧ : ٢٧٢ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣ ح ٦.

(٢) الاستبصار ٢ : ١٢٥.

(٣) الدروس : ٧٣.

(٤) المتقدمان في ص ٢٤٧.

(٥) المسالك ٢ : ٩٧.

٢٤٩

______________________________________________________

أما وجوب الاستئناف إذا أفطر في أثناء الشهر الأول أو بعد إكماله‌ قبل أن يصوم من الشهر الثاني شيئا لغير عذر فقال في المنتهى : إنه قول علماء الإسلام ، لأنه لم يأت بالمأمور به ، إذ هو صوم شهرين متتابعين ولم يفعله فلا يخرج عن العهدة (١).

وأما وجوب البناء إذا كان قد صام من الشهر الثاني يوما فصاعدا فقال العلامة في التذكرة والمنتهى وولده في الشرح : إنه قول علمائنا أجمع (٢). ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « صيام كفارة اليمين في الظهار شهران متتابعان ، والتتابع أن يصوم شهرا ويصوم من الآخر أياما أو شيئا منه ، فإن عرض له شي‌ء يفطر منه أفطر ثم قضى ما بقي عليه ، وإن صام شهرا ثم عرض له شي‌ء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئا فلم يتابع ، فليعد الصوم كله » (٣).

وفي الصحيح عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه قال في رجل صام في ظهار شعبان ثم أدركه شهر رمضان ، قال : « يصوم شهر رمضان ويستأنف الصوم ، فإن صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته » (٤).

وعن سماعة بن مهران ، قال : سألته عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين ، أيفرق بين الأيام؟ فقال : « إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس ، وإن كان أقل من شهر أو شهرا‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٢١.

(٢) التذكرة ١ : ٢٨٢ ، والمنتهى ٢ : ٦٢١ ، وإيضاح الفوائد ٤ : ١٠٠.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٨٣ ـ ٨٥٦ ، الوسائل ٧ : ٢٧٣ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣ ح ٩.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٨٣ ـ ٨٥٧ ، الوسائل ٧ : ٢٧٥ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٤ ح ١.

٢٥٠

______________________________________________________

فعليه أن يعيد الصيام » (١).

واختلف الأصحاب في جواز التفريق اختيارا بعد الإتيان بما يتحقق به التتابع ، فذهب الأكثر إلى الجواز ، للأصل ، وظاهر قوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي المتقدمة : « والتتابع أن يصوم شهرا ويصوم من الآخر أياما أو شيئا منه » وفي صحيحة منصور بن حازم : « فإن صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته ».

وقال المفيد رحمه‌الله : لو تعمد الإفطار بعد أن صام من الشهر الثاني شيئا فقد أخطأ وإن جاز له الإتمام (٢). واختاره ابن إدريس محتجا بأن التتابع أن يصوم الشهرين (٣).

قال في المنتهى : ونحن نمنع ذلك لما ثبت في حديث الحلبي الصحيح عن الصادق عليه‌السلام : « إن حد التتابع أن يصوم شهرا ويصوم من الآخر أياما أو شيئا منه » وحينئذ لا يتوجه الخطاب إلى المكلف ، وقول الصادق عليه‌السلام أولى بالاتباع من قول ابن إدريس.

ثم قال رحمه‌الله : إن التفريق وإن كان جائزا على ما بيناه فالأولى تركه ، وأن يتابع الشهرين معا ، خلاصا من الخلاف ، ولما فيه من المسارعة إلى فعل الطاعات والمغفرة من الله تعالى (٤). ولا ريب في الأولوية وإن كان الظاهر ما اختاره الأكثر من جواز التفريق ، لتحقق‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨٢ ـ ٨٥٥ ، الوسائل ٧ : ٢٧٢ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣ ح ٥.

(٢) المقنعة : ٥٧.

(٣) السرائر : ٩٤.

(٤) المنتهى ٢ : ٦٢١.

٢٥١

ومن وجب عليه صوم شهر متتابع بنذر فصام خمسة عشر يوما ثم أفطر لم يبطل صومه وبنى عليه ، ولو كان قبل ذلك استأنف.

وفي صوم ثلاثة أيام عن الهدي ، إن صام يوم التروية وعرفة ثم أفطر يوم النحر جاز أن يبني بعد انقضاء أيام التشريق. ولو كان أقل من ذلك‌

______________________________________________________

التتابع الشرعي بصيام اليوم مع الشهر ، وإلا لم يجز البناء ، وهو باطل إجماعا.

قوله : ( ومن وجب عليه صوم شهر متتابع بنذر فصام خمسة عشر يوما ثم أفطر لم يبطل صومه وبنى عليه ، ولو كان قبل ذلك استأنف ).

المستند في هذا التفصيل ما رواه الشيخ ، عن موسى بن بكر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل جعل عليه صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر فقال : « إن كان صام خمسة عشر يوما فله أن يقضي ما بقي ، وإن كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجز حتى يصوم شهرا تاما » (١).

وعن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال في رجل جعل على نفسه صوم شهر فصام خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر فقال : « جاز له أن يقضي ما بقي عليه ، وإن كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجز له حتى يصوم شهرا تاما » (٢) وضعف الروايتين من حيث السند يمنع من العمل بهما.

قوله : ( وفي صوم الثلاثة الأيام عن الهدي لمن صام يوم التروية وعرفة ثم أفطر يوم النحر جاز أن يبني بعد انقضاء أيام التشريق ، ولو كان‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨٥ ـ ٨٦٣ ، الوسائل ٧ : ٢٧٦ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٨٥ ـ ٨٦٤ ، الوسائل ٧ : ٢٧٦ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٥ ح ١.

٢٥٢

استأنف. وكذا لو فصل بين اليومين والثالث بإفطار غير العيد استأنف أيضا.

وألحق به من وجب عليه شهر في كفارة قتل الخطأ أو الظهار لكونه مملوكا ، وفيه تردد.

______________________________________________________

أقل من ذلك استأنف ، وكذا لو فصل بين اليومين والثالث بإفطار غير العيد استأنف أيضا ).

أما وجوب التتابع في صيام هذه الثلاثة الأيام في غير هذه الصورة ـ وهي ما إذا كان الثالث العيد ـ فموضع نص ووفاق ، وإنما الكلام في استثناء هذه الصورة ، فإن الروايات الواردة بذلك ضعيفة الإسناد ، وفي مقابلها أخبار أخر صحيحة السند دالة على خلاف ما تضمنته ، وسيجي‌ء تحقيق ذلك في كتاب الحج إن شاء الله.

قوله : ( وألحق به من وجب عليه شهر في كفارة قتل الخطأ أو الظهار لكونه مملوكا ، وفيه تردد ).

الضمير المجرور في « به » يعود إلى ما ذكره سابقا ، وهو من وجب عليه صوم شهر متتابع بالنذر. والملحق هو الشيخ في المبسوط والجمل (١).

ومنشأ التردد من اختصاص النص الوارد بذلك بالنذر وما في معناه ، حيث وقع السؤال فيه عن رجل جعل عليه صوم شهر ، ومن المشاركة في المعنى. ولا يخفى ضعف الوجه الثاني من وجهي التردد ، فإنه قياس محض.

وحاول العلامة في المختلف إدراج الجميع في النص فقال : إن‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٨٠ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢١٧.

٢٥٣

وكل من وجب عليه صوم متتابع لا يجوز أن يبتدئ زمانا لا يسلم فيه.

فمن وجب عليه شهران متتابعان لا يصوم شعبان إلا أن يصوم قبله ولو يوما ، ولا شوالا مع يوم من ذي القعدة ويقتصر ، وكذا الحكم في ذي الحجّة مع يوم من آخر.

______________________________________________________

الجعل يتحقق في الظهار وقتل الخطأ باعتبار فعل السبب (١). وهو بعيد جدا.

قوله : ( وكل من وجب عليه صوم متتابع لا يجوز أن يبتدئ زمانا لا يسلم فيه ، فمن وجب عليه شهران متتابعا لا يصوم شعبان إلا أن يصوم قبله ولو يوما ، ولا شوالا مع يوم من ذي القعدة ويقتصر ، وكذا الحكم في ذي الحجة مع يوم من آخر ).

يستفاد من قول المصنف رحمه‌الله : لا يصوم شعبان إلا أن يصوم قبله ولو يوما. أن البدأة بالصوم في أثناء الشهر لا توجب كونه ثلاثين متصلة ، وإلا لم يتم الحكم إلا بتقدير كون شعبان تاما ليسلم له أحد وثلاثون يوما.

ولا يخفى أن قول المصنف : ولا شوالا إلا مع يوم من ذي القعدة ويقتصر. غير جيد ، لأنه لا يتفرع على الحكم المتقدم.

ويدل على هذا الحكم ، أعني عدم جواز الابتداء بزمان لا يسلم فيه الصوم المتتابع مضافا إلى ما سبق ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه قال في رجل صام في ظهار شعبان ثم أدركه شهر رمضان ، قال : « يصوم شهر رمضان‌

__________________

(١) المختلف : ٢٤٨.

٢٥٤

وقيل : القاتل في أشهر الحرم يصوم شهرين منها ولو دخل فيهما العيد وأيام التشريق ، والأول أشبه.

______________________________________________________

ويستأنف الصوم ، فإن صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته » (١).

قوله : ( وقيل ، القاتل في أشهر الحرم يصوم شهرين منها وإن دخل فيهما العيد وأيام التشريق ، والأول أظهر ).

القول للشيخ ـ رحمه‌الله ـ في التهذيب (٢) ، واستدل عليه بما رواه عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل قتل رجلا خطأ في الشهر الحرام ، قال : « تغلظ عليه العقوبة ، وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم » قلت : فإنه يدخل في هذا شي‌ء ، قال : « وما هو؟ » قلت : يوم العيد وأيام التشريق ، قال : « يصوم فإنه حق لزمه » (٣).

قال المصنف في المعتبر : والرواية المذكورة مخالفة لعموم الأحاديث المجمع عليها ومخصصة لها ، ولا يقوى الخبر الشاذ على تخصيص العموم المعلوم ، على أنه ليس بصريح في صوم العيد. والأمر المطلق بالصوم في الأشهر الحرم ليس بصريح في صوم عيدها (٤). وهو حسن ، مع أن في طريق هذه الرواية سهل بن زياد وهو ضعيف.

نعم روى الكليني بعد هذه الرواية رواية أخرى عن زرارة في‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨٣ ـ ٨٥٧ ، الوسائل ٧ : ٢٧٥ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٩٧.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٩٧ ـ ٨٩٦ ، الوسائل ٧ : ٢٧٨ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٨ ح ١.

(٤) المعتبر ٢ : ٧١٣.

٢٥٥

______________________________________________________

الحسن قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل قتل رجلا في الحرم ، قال : « عليه دية وثلث ، ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم ، ويعتق رقبة ، ويطعم ستين مسكينا » قال : قلت : يدخل في هذا شي‌ء ، قال : « وما يدخل » قلت : العيدان وأيام التشريق ، قال : « يصوم ، فإنه حق لزمه » (١) وهذه الرواية وإن كانت معتبرة الإسناد إلا أن الخروج بها عن مقتضى الأخبار الصحيحة المتضمنة لتحريم صوم هذه الأيام مشكل (٢). وكيف كان فالمعتمد التحريم مطلقا.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٤٠ ـ ٩ ، الوسائل ٧ : ٢٧٨ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٨ ح ٢.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٨٢ أبواب الصوم المحرم والمكروه ب ١.

٢٥٦

الصوم المستحبّ‌

والندب من الصوم : قد لا يختص وقتا :

كصيام أيام السنة ، فإنه جنّة من النار.

______________________________________________________

قوله : ( والندب من الصوم قد لا يختص وقتا ، كصيام أيام السنة ، فإنه جنة من النار ).

هذا لفظ الحديث النبوي ، والجنة : السترة ، قاله الجوهري (١).

والمراد أنه موجب للعفو عن الذنوب الموجبة للنار زيادة على غيره من العبادات.

وإلا فكل واجب يقي من العذاب المستحق بتركه ، ويرجى بفعله تكفير الصغائر الموجبة له ، كما يستفاد من قوله عزّ وجلّ ( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) (٢).

ولا يخفى أنه يجب أن يستثنى من أيام السنة ما وجب صومه منها وما حرم.

أما المكروه بالمعنى المتعارف عند أهل الشرع فلا يخرج عن الواجب والندب ، والعبادة لا توصف بالإباحة ، لأن الصحيح منها لا يكون إلا راجحا : إما واجبة أو مندوبة.

__________________

(١) الصحاح ٥ : ٢٠٩٤.

(٢) هود : ١١٤.

٢٥٧

وقد يختص وقتا :

والمؤكد منه أربعة عشر قسما : صوم ثلاثة أيام من كل شهر ، أول خميس منه ، وآخر خميس ، وأول أربعاء في العشر الثاني.

______________________________________________________

قوله : ( وقد يختص وقتا ، والمؤكد منه أربعة عشر قسما : صوم ثلاثة أيام من كل شهر ، أول خميس منه ، وآخر خميس منه ، وأول أربعاء في العشر الثاني ).

لا ريب في تأكد استحباب صيام هذه الأيام الثلاثة ، لكثرة الحث عليها في السنّة المطهرة.

فمن ذلك ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى قيل : ما يفطر ، ثم أفطر حتى قيل : ما يصوم ، ثم صام صوم داود عليه‌السلام يوما ويوما ، ثم قبض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على صيام ثلاثة أيام في الشهر وقال : يعدلن صوم الدهر ، ويذهبن بوحر الصدر » قال حماد : الوحر الوسوسة ، قال حماد ، فقلت : وأي الأيام هي؟ قال : « أول خميس في الشهر ، وأول أربعاء بعد العشر منه ، وآخر خميس منه » فقلت : وكيف صارت هذه الأيام التي تصام؟ فقال :« من قبلنا من الأمم ، كان إذا نزل على أحدهما العذاب نزل في هذه الأيام المخوفة » (١).

وفي الصحيح عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن محمد بن مروان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصوم حتى يقال : لا يفطر ، ويفطر‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٤٩ ـ ٢١٠ ، الوسائل ٧ : ٣٠٣ أبواب الصوم المندوب ب ٧ ح ١.

٢٥٨

______________________________________________________

حتى يقال : لا يصوم ، ثم صام يوما وأفطر يوما ، ثم صام الاثنين والخمسين ، ثم آل من ذلك إلى صيام ثلاثة أيام في الشهر : الخميس في أول الشهر ، وأربعاء في وسط الشهر ، وخميس في آخر الشهر ، وكان عليه‌السلام يقول : ذلك صوم الدهر. وقد كان أبي عليه‌السلام يقول : ما من أحد أبغض على الله عزّ وجلّ من رجل يقال له : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفعل كذا وكذا ، فيقول لا يعذبني الله على أن اجتهد في الصلاة والصيام ، كأنه يرى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك شيئا من الفضل عجزا عنه » (١).

والظاهر أن المراد بالأربعاء في وسط الشهر أول أربعاء منه كما تدل عليه الرواية المفصلة. وفي الموثق عن زرارة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : بما جرت السنة من الصوم؟ فقال : « ثلاثة أيام من كل شهر : الخميس في العشر الأول ، والأربعاء في العشر الأوسط ، والخميس في العشر الآخر » قال ، قلت : هذا جميع ما جرت به السنة في الصوم؟ قال : « نعم » (٢).

وهنا فوائد :

الأولى : روى ابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن حبيب الخثعمي قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخبرني عن التطوع وعن هذه الثلاثة الأيام إذا أجنبت من أول الليل فأعلم أني أجنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر ، أصوم أو لا أصوم؟ قال :« صم » (٣).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٤٨ ـ ٢٠٩ ، الوسائل ٧ : ٣٠٥ أبواب الصوم المندوب ب ٧ ح ٥.

(٢) الفقيه ٢ : ٥١ ـ ٢٢٠ ، الوسائل ٧ : ٣٠٥ أبواب الصوم المندوب ب ٧ ح ٦.

(٣) الفقيه ٢ : ٤٩ ـ ٢١٢ ، الوسائل ٧ : ٤٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٠ ح ١.

٢٥٩

ومن أخّرها استحب له القضاء ،

______________________________________________________

الثانية : روى ابن بابويه أيضا ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا صام أحدكم الثلاثة الأيام من الشهر فلا يجادلن أحدا ، ولا يجهل ، ولا يسرع إلى الحلف والأيمان بالله ، وإن جهل عليه أحد فليحتمل » (١).

الثالثة : قال علي بن بابويه ـ رضي‌الله‌عنه ـ في رسالته إلى ولده : إذا أردت سفرا وأردت أن تقدم من صوم السنّة شيئا فصم ثلاثة أيام للشهر الذي تريد الخروج فيه (٢). ولم نقف له في ذلك على مستند ، بل قد روى الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ ما ينافيه ، فإنه روى عن المرزبان بن عمران قال ، قلت للرضا عليه‌السلام : أريد السفر فأصوم لشهري الذي أسافر فيه؟ قال : « لا » قلت : فإذا قدمت أقضيه؟ قال : « لا ، كما لا تصوم كذلك لا تقضي » (٣).

قوله : ( ومن أخرها استحب له القضاء ).

يدل على ذلك ما رواه الكليني ، عن عدة من أصحابه ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « ولا يقضي شيئا من صوم التطوع إلا الثلاثة الأيام التي كان يصومها من كل شهر » (٤).

ولو كان الفوات لمرض أو سفر لم يستحب قضاؤها ، لما رواه الكليني في الصحيح ، عن سعد بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن صوم ثلاثة أيام في الشهر ، هل فيه‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٤٩ ـ ٢١١ ، الوسائل ٧ : ١٢٠ أبواب آداب الصائم ب ١٢ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٥١.

(٣) الكافي ٤ : ١٣٠ ـ ٤ ، الوسائل ٧ : ١٥٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢١ ح ٤.

(٤) الكافي ٤ : ١٤٢ ـ ٨ ، الوسائل ٧ : ١٥٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢١ ح ٢.

٢٦٠