مدارك الأحكام - ج ٦

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٦

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

______________________________________________________

يندرج في غير المرض السفر وغيره من الأعذار وتعمد الترك ، والأصل في وجوب القضاء ما رواه الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ في الصحيح ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام ، قال : « يقضي عنه أولى الناس بميراثه » قلت : فإن كان أولى الناس به امرأة؟ قال : « لا ، إلا الرجال » (١).

وعن حماد بن عثمان ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يموت وعليه من شهر رمضان ، من يقضي عنه؟ قال : « أولى الناس به » قلت : وإن كان أولى الناس به امرأة؟ قال : « لا ، إلا الرجال » (٢).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن محمد بن الحسن الصفار : إنه كتب إلى أبي محمد الحسن بن علي عليهما‌السلام في رجل مات وعليه قضاء [ عشرة أيام ] من شهر رمضان ، وله وليان ، هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين ، وخمسة أيام الآخر ، فوقع عليه‌السلام : « يقضي عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء إن شاء الله تعالى » (٣).

قال الصدوق ـ رحمه‌الله ـ فيمن لا يحضره الفقيه : قال مصنف هذا الكتاب : وهذا التوقيع عندي مع توقيعاته إلى محمد بن الحسن الصفار بخطه عليه‌السلام.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٣ ـ ١ ، الوسائل ٧ : ٢٤١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ١٢٤ ـ ٤ ، الوسائل ٧ : ٢٤١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٦.

(٣) الفقيه ٢ : ٩٨ ـ ٤٤١ ، الوسائل ٧ : ٢٤٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٣. وما بين المعقوفين من « م » ، « ح » والمصادر.

٢٢١

ولا يقضي الولي إلا ما تمكن الميت من قضائه وأهمله ، إلا ما يفوت بالسفر ، فإنه يقضي ولو مات مسافرا على رواية.

______________________________________________________

وإطلاق هذه الروايات وما في معناها يقتضي عدم الفرق بين أن يكون الفوات لعذر أو غيره (١).

وحكى الشهيد في الذكرى عن المصنف ـ رحمه‌الله ـ أنه قال في مسائله البغدادية المنسوبة إلى سؤال جمال الدين بن حاتم المشغري رحمه‌الله : الذي ظهر لي أن الولد يلزمه قضاء ما فات الميت من صيام وصلاة لعذر كالمرض والسفر والحيض ، لا ما تركه عمدا مع قدرته عليه ، ثم قال الشهيد رحمه‌الله : وقد كان شيخنا عميد الدين ـ قدس الله لطيفه ـ ينصر هذا القول ، ولا بأس به فإن الروايات تحمل على الغالب من الترك ، وهو إنما يكون على هذا الوجه (٢). وهو اعتبار حسن.

قوله : ( ولا يقضي الولي إلا ما تمكن الميت من قضائه ، إلا ما يفوت بالسفر ، فإنه يقضي ولو مات مسافرا على رواية ).

هذا التفصيل ورد في عدة روايات ، منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان ، أو طمثت ، أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان ، هل يقضي عنها؟ قال : « أما الطمث والمرض فلا ، وأما السفر فنعم » (٣).

وما رواه الشيخ في الموثق ، عن محمد وهو ابن مسلم ، عن أبي‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٩٩.

(٢) الذكرى : ١٣٨.

(٣) الكافي ٤ : ١٣٧ ـ ٩ ، الوسائل ٧ : ٢٤١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٤.

٢٢٢

______________________________________________________

عبد الله عليه‌السلام : في امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل أن يخرج رمضان ، هل يقضى عنها؟ قال : « أما الطمث والمرض فلا ، وأما السفر فنعم » (١).

وعن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يسافر في شهر رمضان فيموت ، قال : « يقضى عنه ، وإن امرأة حاضت في رمضان فماتت لم يقض عنها ، والمريض في رمضان لم يصح حتى مات لا يقضى عنه » (٢).

وعلى هذه الرواية اقتصر الشارح ـ قدس‌سره ـ ثم قوّى اعتبار التمكن من القضاء في المسافر ولو بالإقامة في أثناء السفر كغيره ، وأجاب عن الرواية بضعف السند وإمكان حملها على الاستحباب ، أو على الوجوب لكون السفر معصية (٣). وهو غير جيد ، فإنا قد بينا أن هذا المعنى مستفاد من عدة روايات ، وفيها ما هو صحيح السند ، ولا معارض له ، فيتعين العمل بها.

ويستفاد من إطلاق الأمر بالقضاء عدم الفرق بين من ترك ما يمكن التصدق به عما عليه من الصيام وغيره ، ونقل عن المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ أنه اعتبر في وجوب القضاء على الولي أن لا يخلف الميت ما يتصدق به عنه عن كل يوم بمد (٤). ويدل على ما ذكره صريحا ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي مريم الأنصاري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا صام الرجل شيئا‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٤٩ ـ ٧٤١ ، الوسائل ٧ : ٢٤٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٦.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٤٩ ـ ٧٤٠ ، الوسائل ٧ : ٢٤٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٥.

(٣) المسالك ١ : ٧٨.

(٤) الانتصار : ٧٠.

٢٢٣

والولي هو أكبر أولاده الذكور ، ولو كان الأكبر أنثى لم يجب عليها القضاء.

______________________________________________________

من شهر رمضان ثم لم يزل مريضا حتى مات فليس عليه قضاء ، وإن صح ثم مات وكان له مال تصدق عنه ، مكان كل يوم بمد ، فإن لم يكن له مال صام عنه وليه » (١) وقد روى هذه الرواية كذلك الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ بطريق فيه ضعف (٢) ، ورواها الشيخ في التهذيب بطريق صحيح ، إلا أن متنها مغاير لما في الكتابين ، فإنه قال فيها : « وإن صح ثم مرض حتى يموت وكان له مال تصدق عنه ، فإن لم يكن له مال تصدق عنه وليه » (٣) وبمضمون هذه الرواية أفتى ابن أبي عقيل ، وادعى فيه تواتر الأخبار (٤).

والمسألة قوية الإشكال لاختلاف متن الرواية وإن كان الظاهر ترجيح ما في الكافي ومن لا يحضره الفقيه كما يعلمه من يقف على حقيقة هذه الكتب.

قال في المعتبر : وأنكر بعض المتأخرين الصدقة عن الميت ، ورغم أنه لم يذهب إلى القول بها محقق ، وليس ما قاله صوابا مع وجود الرواية الصريحة المشتهرة ، وفتوى الفضلاء من الأصحاب ، ودعوى علم الهدى الإجماع على ما ذكره ، فلا أقل من أن يكون قولا ظاهرا بينهم ، فدعوى المتأخر أن محققا لم يذهب إليه تهجم (٥).

قوله : ( والولي هو أكبر أولاده الذكور ، ولو كان الأكبر أنثى لم يجب عليها القضاء ).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٩٨ ـ ٤٣٩ ، الوسائل ٧ : ٢٤١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٧.

(٢) الكافي ٤ : ١٢٣ ـ ٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٤٨ ـ ٧٣٥.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٢٤١.

(٥) المعتبر ٢ : ٧٠٢.

٢٢٤

______________________________________________________

ذكر الشارح (١) وغيره (٢) أن المراد بالولد الأكبر من ليس هناك أكبر‌ منه ، فلو لم يخلف الميت إلا ولدا واحدا تعلق به الوجوب.

والقول باختصاص الوجوب بالولد الذكر الأكبر للشيخ (٣) وجماعة ، واستدل عليه في المعتبر بأصالة براءة ذمة الوارث إلا ما حصل الاتفاق عليه ، وهو ما ذهب إليه الشيخ من اختصاص القضاء بالولد الذكر الأكبر (٤).

وقال المفيد رحمه‌الله : لو لم يكن له ولد من الرجال قضى عنه أكبر أوليائه من أهله وأولاهم به وإن لم يكن إلا من النساء (٥).

قال في الدروس بعد أن حكى ذلك عن المفيد : وهو ظاهر القدماء والأخبار والمختار (٦). وهو غير جيد فإن صحيحة حفص بن البختري ومرسلة حماد بن عثمان المتقدمتين (٧) صريحتان في اختصاص الوجوب بالرجال ، نعم مقتضاهما عدم اختصاص الوجوب بالولد الأكبر ، بل تعلقه بالأولى بالميراث من الذكور مطلقا. وبمضمونهما أفتى ابن الجنيد (٨) ، وابنا بابويه (٩) ، وجماعة ، ولا بأس به.

وهل يشترط في تعلق الوجوب بالولي بلوغه حين موت مورثه ، أم‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٧٨.

(٢) كالعلامة في المنتهى ٢ : ٦٠٤

(٣) النهاية : ١٥٧ ، والمبسوط ١ : ٢٨٦.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٠٢.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٢٤٢.

(٦) الدروس : ٧٧.

(٧) في ص ٢٢١.

(٨) حكاه عنه في المختلف : ٢٤٢.

(٩) الصدوق في المقنع : ٦٣ ، وحكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٢٤٢.

٢٢٥

ولو كان له وليّان أو أولياء متساوون في السّن تساووا في القضاء ، وفيه تردد.

______________________________________________________

يراعى الوجوب ببلوغه فيتعلق به حينئذ لو كان غير مكلف؟ قولان.

قوله : ( ولو كان له وليان أو أولياء متساوون في السن تساووا في القضاء ، وفيه تردد ).

هذا قول الشيخ (١) وجماعة ، ويدل عليه عموم الأمر بالقضاء عن الميت ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة حفص بن البختري : « يقضي عنه أولى الناس بميراثه » (٢) فإن ذلك كما يتناول المتحد يتناول المتعدد ، وإذا وجب القضاء عليهما تساويا فيه ، لامتناع الترجيح من غير مرجح ، وقال ابن البراج يقرع بينهما (٣).

وقال ابن إدريس : لا قضاء ، لأن التكليف بذلك يتعلق بالولد الأكبر وليس هنا ولد أكبر (٤). وهو غير جيد ، فإن اختصاص الوجوب بالأكبر إنما هو مع وجوده لا مطلقا.

وأجاب عنه في المختلف بأن كل واحد من المتساويين في السن يصدق عليه أنه أكبر (٥). وهو غير واضح.

والأصح وجوب التوزيع ، ولو انكسر منه يوم فكفرض الكفاية ، بمعنى أن الجميع مخاطبون بفعله ويسقط الخطاب بفعل البعض ، والظاهر عدم تحقق السقوط إلا بتمام فعله ، فلو صامه الوليان كان فعلهما موصوفا بالوجوب كما في صلاة المأموم على الميت بعد تلبس الإمام. ولو كان اليوم من قضاء رمضان وأفطرا فيه بعد الزوال احتمل وجوب‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٨٦.

(٢) المتقدمة في ص ٢٢١.

(٣) المهذب ١ : ١٩٦.

(٤) السرائر : ٩١.

(٥) المختلف : ٢٤٣.

٢٢٦

ولو تبرّع بالقضاء بعض سقط ،

______________________________________________________

الكفارة عليهما ، إذ يصدق على صوم كل منهما أنه قضاء عن رمضان فيتعلق به حكمه ، واتحاد الأصل لا ينافي التعدد باعتبار المقدمة.

واحتمل الشهيد في الدروس وجوب كفارة واحدة عليهما بالسوية ، أو كونها فرض كفاية كأصل الصوم ، ثم استقرب سقوط الكفارة عنهما (١). واستوجهه الشارح قدس‌سره (٢) ، وهو غير بعيد ، لانتفاء ما يدل على وجوب الكفارة في القضاء على وجه يتناول ذلك.

قال في الدروس : ولو أفطر أحدهما فلا شي‌ء عليه إذا ظن بقاء الآخر ، وإلا أثم لا غير (٣). ومقتضى كلامه جواز الإفطار بعد الزوال مع ظن بقاء الآخر ، ويمكن المناقشة فيه بأن صوم كل منهما يصدق عليه أنه صوم واجب من قضاء رمضان فلا يجوز الإفطار فيه بعد الزوال ، اللهم إلا أن يناقش في العموم المتناول لذلك كما في الكفارة.

قوله : ( ولو تبرع بالقضاء بعض سقط ).

الظاهر أن المراد أنه لو تبرع بعض الأولياء المتساوين في السن بقضاء الصيام عن البعض الآخر سقط الفرض بفعل ذلك المتبرع. ويمكن أن يكون المراد منه ما يعم تبرع الأجنبي عن الولي أيضا.

قال الشارح قدس‌سره : ووجه السقوط حصول المقتضي وهو براءة ذمة الميت من الصوم (٤).

ويتوجه عليه أن الوجوب تعلق بالولي وسقوطه بفعل غيره يحتاج‌

__________________

(١) الدروس : ٧٧.

(٢) المسالك ١ : ٧٨.

(٣) الدروس : ٧٧.

(٤) المسالك ١ : ٧٨.

٢٢٧

وهل يقضى عن المرأة ما فاتها؟ فيه تردد.

الثالثة : إذا لم يكن له ولي أو كان الأكبر أنثى سقط القضاء ، وقيل : يتصدق عنه عن كل يوم بمدّ من تركته.

______________________________________________________

إلى دليل. ومن ثم ذهب ابن إدريس (١) والعلامة في المنتهى (٢) إلى عدم الاجتزاء بفعل المتبرع وإن وقع بإذن من تعلق به الوجوب ، لأصالة عدم سقوط الفرض عن المكلف بفعل غيره. وقوته ظاهره.

قوله : ( وهل يقضى عن المرأة ما فاتها؟ فيه تردد ).

الأصح وجوب القضاء عن المرأة كالرجل ، لأن الغالب اشتراكهما في الأحكام ، ويدل عليه صريحا ما رواه الكليني في الصحيح ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان ، هل يقضى عنها؟ فقال : « أما الطمث والمرض فلا ، وأما السفر فنعم » (٣) ونحوه روى الشيخ في الموثق ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤).

وقال ابن إدريس : لا قضاء عن المرأة ، لأن الإجماع إنما انعقد على وجوب القضاء عن الرجل خاصة ، وإلحاق المرأة به يحتاج إلى دليل (٥). وجواب معلوم مما قررناه.

قوله : ( الثالثة ، إذا لم يكن له ولي أو كان الأكبر أنثى سقط القضاء ، وقيل : يتصدق عنه عن كل يوم بمد من تركته ).

__________________

(١) السرائر : ٩٣.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٠٤.

(٣) الكافي ٤ : ١٣٧ ـ ٩ ، الوسائل ٧ : ٢٤١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٤.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٤٩ ـ ٧٤١ ، الوسائل ٧ : ٢٤٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٦.

(٥) السرائر : ٩١.

٢٢٨

ولو كان عليه شهران متتابعان صام الولي شهرا ، وتصدّق من مال الميت عن شهر.

______________________________________________________

أما سقوط القضاء مع انتفاء الولي فظاهر ، لفوات متعلقة ، وأما‌ سقوطه إذا كان الأكبر أنثى فإنما يستقيم إذا لم يكن له (١) إلا إناث ، أو لم يكن له غيرها ، أما إذا كان له ذكر دون الأنثى في السن تعلق به الوجوب مع بلوغه ، وإلا فعند بلوغه كما سبق.

والقول بوجوب التصدق عنه عن كل يوم بمد من تركته للشيخ (٢) وجماعة ، واستدل عليه برواية أبي مريم (٣) ، ومقتضاها على ما في الكافي ومن لا يحضره الفقيه : عدم وجوب الصوم على الولي إلا إذا لم يخلف الميت ما يتصدق به عنه ، وعلى ما في التهذيب وجوب التصدق على الولي أيضا ، وقد تقدم الكلام في ذلك (٤).

قوله : ( ولو كان عليه شهران متتابعان صام الولي شهرا وتصدق من مال الميت عن شهر ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الشهرين بين كونهما واجبين عينا أو تخييرا ، والمستند في ذلك ما رواه الشيخ ، عن الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال ، سمعته يقول : « إذا مات الرجل وعليه صيام شهرين متتابعين من علة فعليه أن يتصدق عن الشهر الأول ويقضى الثاني » (٥).

__________________

(١) في « ض » زيادة : وارث.

(٢) المبسوط ١ : ٢٨٦.

(٣) المتقدمة في ص ٢٢٣.

(٤) راجع ص ٢٢٣.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٤٩ ـ ٧٤٢ ، الوسائل ٧ : ٢٤٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٤ ح ١.

٢٢٩

الرابعة : القاضي لشهر رمضان لا يحرم عليه الإفطار قبل الزوال ، لعذر وغيره. ويحرم بعده ،

______________________________________________________

قال في المنتهى : وفي طريق هذه الرواية سهل بن زياد ، وهو ضعيف ، غير أن العمل بمضمونها حسن ، لما فيه من التخفيف عن الولي (١). وهو مشكل ، لأن ذلك لا يصلح معارضا لإطلاق ما دل على وجوب القضاء.

وأوجب ابن إدريس قضاء الشهرين إلا أن يكونا من كفارة مخيرة فيتخير بينه وبين العتق أو الإطعام من مال الميت (٢). واختاره العلامة في المختلف (٣) وجماعة ، وهو متجه.

قوله : ( الرابعة ، القاضي لشهر رمضان لا يحرم عليه الإفطار قبل الزوال لعذر وغيره ، ويحرم بعده ).

أما تحريم الإفطار بعد الزوال فهو مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا. وأما الجواز قبله فمذهب الأكثر ، بل لم ينقل المصنف في المعتبر والعلامة في المنتهى فيه خلافا (٤). وحكى في المختلف عن أبي الصلاح أن كلامه يشعر بتحريمه (٥).

وقال ابن أبي عقيل : من أصبح صائما لقضاء كان عليه من رمضان وقد نوى الصوم من الليل فأراد أن يفطر في بعض النهار لم يكن له ذلك (٦).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٠٥.

(٢) السرائر : ٩١.

(٣) المختلف : ٢٤٤.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٠٤ ، والمنتهى ٢ : ٦٠٥.

(٥) المختلف : ٢٤٧.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ٢٤٧.

٢٣٠

______________________________________________________

ومقتضى ذلك المنع من الإفطار قبل الزوال وبعده إذا كان قد نوى ذلك من الليل ، والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن أبي عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من أصبح وهو يريد الصيام ثم بدا له أن يفطر فله أن يفطر ما بينه وبين نصف النهار ، ثم يقضي ذلك اليوم » (١).

وروى الشيخ أيضا بطريق آخر ـ وصفه العلامة في المختلف بالصحة (٢) ، وهو غير بعيد (٣) ـ عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى شئت ، وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر » (٤).

وفي الصحيح عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه قال في الذي يقضي شهر رمضان : « إنه بالخيار إلى زوال الشمس ، وإن كان تطوعا فإنه بالخيار إلى الليل » (٥).

وفي الموثق عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ،

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٧ ـ ٥٢٤ ، الوسائل ٧ : ١٠ أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ٧.

(٢) المختلف : ٢٤٧.

(٣) في الطريق عبيد بن الحسين ، وهو غير مذكور في كتب الرجال ، وإنما الموجود فيها عبيد بن الحسن ، وهو ثقة ، ولعله هو ( منه رحمه‌الله ).

(٤) التهذيب ٤ : ٢٧٨ ـ ٨٤١ ، الإستبصار ٢ : ١٢٠ ـ ٣٨٩ ، الوسائل ٧ : ١٠ أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ٩.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٨٠ ـ ٨٤٩ ، الإستبصار ٢ : ١٢٢ ـ ٣٩٦ ، الوسائل ٧ : ٩ أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ٤.

٢٣١

______________________________________________________

قال : « الذي يقضي رمضان هو بالخيار في الإفطار ما بينه وبين أن تزول الشمس ، وفي التطوع ما بينه وبين أن تغيب الشمس » (١). وعن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الإفطار فقال : « لا ينبغي أن يكرهها بعد الزوال » (٢) والأخبار الواردة بذلك كثيرة.

وربما استند المانعون إلى ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألته عن الرجل يقضي رمضان ، أله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ قال : « إذا كان نوى ذلك من الليل وكان من قضاء رمضان فلا يفطر وليتم صومه » (٣).

وعن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل يقضي من رمضان فأتى النساء ، قال : « عليه من الكفارة مثل ما على الذي أصاب في رمضان ، لأن ذلك اليوم عند الله من أيام رمضان » (٤).

والجواب عن الرواية الأولى بالحمل على الكراهة ، جمعا بين الأدلة ، وعن الرواية الثانية أولا بالطعن في السند باشتماله على علي بن الحسن بن فضال وهو فطحي ، وثانيا بالحمل على ما بعد الزوال كما يدل عليه قول أبي جعفر عليه‌السلام في رواية بريد العجلي في رجل‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨٠ ـ ٨٤٨ ، الإستبصار ٢ : ١٢٢ ـ ٣٩٥ ، الوسائل ٧ : ١٠ أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ١٠.

(٢) الكافي ٤ : ١٢٢ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٩٦ ـ ٤٣٢ ، التهذيب ٤ : ٢٧٨ ـ ٨٤٢ ، الإستبصار ٢ : ١٢٠ ـ ٣٩٠ ، الوسائل ٧ : ٨ أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ٢.

(٣) التهذيب ٤ : ١٨٦ ـ ٥٢٢ ، الوسائل ٧ : ٩ أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ٦.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٧٩ ـ ٨٤٦ ، الإستبصار ٢ : ١٢١ ـ ٣٩٣ ، الوسائل ٧ : ٢٥٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٣.

٢٣٢

وتجب معه الكفارة ، وهي إطعام عشرة مساكين ، لكل مسكين مدّ من طعام. فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام.

______________________________________________________

أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان : « إن كان أتى أهله قبل الزوال فلا شي‌ء عليه إلا يوما مكان يوم ، وإن كان أتى أهله بعد الزوال فعليه أن يتصدق على عشرة مساكين » (١).

هذا كله مع اتساع وقت القضاء ، أما مع تضيقه فيحرم الإفطار فيه قبل الزوال أيضا ، لكن لا تجب به الكفارة.

ولا يلحق بقضاء رمضان غيره من الواجبات الموسعة كالنذر المطلق وصوم الكفارة ، بل يجوز الإفطار فيه قبل الزوال وبعده ، عملا بمقتضى الأصل السليم من المعارض ، وحكى الشارح عن أبي الصلاح أنه أوجب المضي في كل صوم واجب شرع فيه ، وحرّم قطعه مطلقا (٢). ولا ريب أنه أحوط.

قوله : ( وتجب معه الكفارة ، وهي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من طعام ، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام ).

اختلف الأصحاب في كفارة قضاء رمضان فذهب الأكثر إلى أنها إطعام عشرة مساكين ، لكل مسكين مد ، ومع العجز فصيام ثلاثة أيام ، ومستنده قول أبي جعفر عليه‌السلام في رواية بريد العجلي : « وإن كان أتى أهله بعد الزوال فعليه أن يتصدق على عشرة مساكين ».

وصحيحة هشام بن سالم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٢ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٦ ـ ٤٣٠ ، التهذيب ٤ : ٢٧٨ ـ ٨٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١٢٠ ـ ٣٩١ ، المقنع : ٦٣ ، الوسائل ٧ : ٨ أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ١.

(٢) المسالك ١ : ٧٩.

٢٣٣

______________________________________________________

رجل وقع على أهله وهو يقضي شهر رمضان فقال : « إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي‌ء عليه يصوم يوما بدل يوم ، وإن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين ، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة لذلك » (١).

ويمكن المناقشة في الرواية الأولى من حيث السند باشتماله على الحارث بن محمد ، وهو مجهول ، وفي الرواية الثانية من حيث المتن بأنها مخالفة لما عليه الأصحاب من ترتب الكفارة على فعل المفطر بعد الزوال.

وقال ابن البراج : كفارة قضاء رمضان كفارة يمين (٢). وقال أبو الصلاح : إنها صيام ثلاثة أيام أو إطعام عشرة مساكين (٣). ولم نقف لهذين القولين على مستند.

وقال ابنا بابويه : إنها كفارة رمضان (٤). وربما كان مستندهما ما رواه الشيخ في الموثق ، عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء ، قال : « عليه من الكفارة مثل ما على الذي أصاب في رمضان ، لأن ذلك اليوم عند الله من أيام رمضان » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٧٩ ـ ٨٤٥ ، الإستبصار ٢ : ١٢٠ ـ ٣٩٢ ، الوسائل ٧ : ٢٥٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٢.

(٢) المهذب ١ : ٢٠٣.

(٣) الكافي في الفقه : ١٨٤.

(٤) الصدوق في المقنع : ٦٣ ، ونقله عن والد الصدوق في المختلف : ٢٤٦.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٧٩ ـ ٨٤٦ ، الإستبصار ٢ : ١٢١ ـ ٣٩٣ ، الوسائل ٧ : ٢٥٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٣.

٢٣٤

الخامسة : إذا نسي غسل الجنابة ومرّ عليه أيام أو الشهر كله ، قيل : يقضي الصلاة والصوم ، وقيل : يقضي الصلاة حسب ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

وأجاب عنها الشيخ في كتابي الأخبار بالحمل على من أفطر تهاونا (١). قال في المعتبر : وليس حسنا ، والأقرب أن تحمل على الاستحباب جمعا بين الروايات (٢). وهو كذلك.

قوله : ( الخامسة ، إذا نسي غسل الجنابة ومر عليه أيام أو الشهر كله ، قيل : يقضي الصلاة والصوم ، وقيل : يقضي الصلاة حسب ، وهو الأشبه ).

أما وجوب قضاء الصلاة فلا ريب فيه لمكان الحدث ، وهو إجماع ، وإنما الخلاف في قضاء الصوم ، فذهب الأكثر إلى وجوبه ، ويدل عليه صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج رمضان ، قال : « عليه أن يقضي الصلاة والصيام » (٣).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن علي بن رئاب ، عن إبراهيم بن ميمون ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثم ينسى أن يغتسل حتى يمضي لذلك جمعة أو يخرج شهر رمضان فقال : « يقضي الصلاة والصيام » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٧٩ ، والاستبصار ٢ : ١٢١.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٠٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٢٢ ـ ٩٩٠ ، الوسائل ٧ : ١٧١ أبواب من يصح منه الصوم ب ٣٠ ح ٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٤ ـ ٣٢٠ ، الوسائل ٧ : ١٧٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ٣٠ ح ١.

٢٣٥

______________________________________________________

قال ابن بابويه رحمه‌الله : وفي خبر آخر أن من جامع في أول شهر رمضان ثم نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان أن عليه أن يغتسل ويقضي صلاته وصومه ، إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة ، فإنه يقضي صلاته وصيامه إلى ذلك اليوم ، ولا يقضي ما بعد ذلك (١).

وقال ابن إدريس : لا يجب قضاء الصوم ، لأن الأصل براءة الذمة ، ولأن الصوم ليس من شرطه الطهارة في الرجال إلا إذا تركها الإنسان متعمدا من غير اضطرار ، وهذا لم يتعمد تركها (٢). وهو جيد على أصوله ، ووافقه المصنف هنا وفي النافع (٣).

وقال في المعتبر بعد أن أورد رواية الحلبي : وربما خطر التسليم لما تضمنت من قضاء الصلاة ، لأن الطهارة شرط لا تصح الصلاة مع تركها عمدا وسهوا ، أما الصوم فلا يفسده إلا ما يتعمد ، لا ما يقع نسيانا ، ويمكن أن يقال فتوى الأصحاب على أن المجنب إذا نام مع القدرة على الغسل ثم انتبه ثم نام وجب عليه القضاء ، سواء ذكر الاحتلام بعد ذكره الأول أو نسيه ، وإذا كان التفريط السابق مؤثرا في إيجاب القضاء فقد حصل هاهنا تكرار النوم مع ذكر الجنابة أول مرة ، فيكون القضاء لازما كما كان هناك لازما ، خصوصا وقد وردت الرواية الصحيحة الصريحة المشهورة بذلك ، فإن قيل : إنما وجب عليه القضاء في تكرار النوم مع نية الاغتسال فيكون ذاكرا للغسل ومفرطا فيه في كل نومة ، قلنا : الذي ذكر نية الغسل بعض المصنفين ولا عبرة بقوله مع ورود النصوص مطلقة ، ولو قيل : إنما يلزم ذلك إذا تكرر النوم في الليلة‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٤ ـ ٣٢١ ، الوسائل ٧ : ١٧٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ٣٠ ح ٢.

(٢) السرائر : ٩٣.

(٣) المختصر النافع : ٧٠.

٢٣٦

السادسة : إذا أصبح يوم الثلاثين من شهر رمضان صائما ، وثبتت الرؤية في الماضية أفطر وصلى العيد. وإن كان بعد الزوال فقد فاتت الصلاة.

______________________________________________________

الواحدة ، قلنا : كما عمل بتلك الأخبار في الليلة الواحدة وإن كان لم يتعمد البقاء على الجنابة جاز أن يعمل بهذا الخبر في تكرر النوم في الليالي المتعددة ، ولا استبعاد في هذا إلا أن يستبعد ذلك ، ولا يقال فتلزم الكفارة ، لأنا نقول : إنا بينا أن إيجاب الكفارة مع تكرر النوم لم يثبت ، واقتصرنا على القضاء لا غير في الموضعين (١). انتهى كلامه رحمه‌الله.

وأقول إنه لا حاجة إلى ما ذكره المصنف من التكلف بعد ثبوت الحكم بالنصوص المعتبرة المطابقة لفتوى الأصحاب ، لكن ينبغي تقييد ذلك بما إذا عرض النسيان في الليلة الأولى وانتبه قبل طلوع الفجر على وجه يمكنه الاغتسال لو كان ذاكرا ، أو أصبح في النومة الثانية ، أما إذا حصل بعد طلوع الفجر من اليوم الأول وكان قد أصبح في النومة الأولى فينبغي القطع بسقوط قضاء ذلك اليوم ، للأخبار الصحيحة المستفيضة المتضمنة لأن الجنب إذا أصبح في النومة الأولى فلا قضاء عليه (٢) ، أما ما عدا اليوم الأول فلا ريب في وجوب قضائه عملا بالنص الصحيح السالم من المعارض.

قوله : ( إذا أصبح يوم الثلاثين من شهر رمضان صائما وثبتت الرؤية في الماضية أفطر وصلى العيد ، وإن كان بعد الزوال فقد فاتت الصلاة ).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٠٥.

(٢) الوسائل ٧ : ٣٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣.

٢٣٧

______________________________________________________

أما وجوب الإفطار والصلاة إذا ثبتت الرؤية قبل زوال الشمس‌ فظاهر ، لإطلاق الأمر وبقاء الوقت ، وأما فوات الصلاة إذا لم تثبت الرؤية إلا بعد الزوال فلانتهاء وقت الأداء بزوال الشمس ، وتوقف القضاء على أمر مستأنف. وقال ابن الجنيد : إن تحققت الرؤية بعد الزوال أفطروا وغدوا إلى العيد (١). وهو ظاهر اختيار الكليني رضي‌الله‌عنه ، وله شواهد من الأخبار (٢) ، وقد تقدم الكلام في هذه المسألة مستوفى في كتاب الصلاة.

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ١١٤.

(٢) الكافي ٤ : ١٦٩ ـ ١ ، ٢ ، الوسائل ٧ : ١٩٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٦ ح ١ ، ٢.

٢٣٨

القول في صوم الكفارات

وهو اثنا عشر ، وينقسم على أربعة أقسام :

الأول : ما يجب فيه الصوم مع غيره ، وهو كفارة القتل العمد ، فإن خصالها الثلاث تجب جميعا.

______________________________________________________

قوله : ( القول في صوم الكفارات ، وهو اثنا عشر ).

الكفارة اسم للتكفير ، وأصلها الستر ، لأنها تستر الذنب ، ومنه الكافر ، لأنه يستر الحق. ويقال لليل كافر ، لأنه يستر من يفعل فيه شيئا.

وعرّفها بعضهم في الشرع : بأنها طاعة مخصوصة مسقطة للذنب أو مخففة غالبا. وقيد بالأغلبية لتدخل كفارة قتل الخطأ فإنه لا يعدّ ذنبا ، والأمر في هذه التعاريف هيّن.

قوله : ( وينقسم أربعة أقسام ، الأول : ما يجب الصوم فيه مع غيره ، وهي كفارة قتل العمد ، فإن خصالها الثلاث تجب جميعا ).

المستند في ذلك بعد الإجماع الأخبار المستفيضة كصحيحة ابن سنان وبكير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سئل ، المؤمن يقتل المؤمن متعمدا ، أله توبة؟ فقال : « إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له ، وإن كان قتله لغضب أو لسبب من أمر الدنيا فإن توبته أن يقاد منه ، وإن‌

__________________

(١) كذا في الأصل وباقي النسخ والتهذيب ، وفي باقي المصادر و « ح » : ابن بكير ، وهو الصحيح ـ راجع معجم رجال الحديث ٢٢ : ١٦٣.

٢٣٩

وألحق بذلك من أفطر على محرّم في شهر رمضان عامدا على رواية.

الثاني : ما يجب الصوم فيه بعد العجز عن غيره ، وهو ستة : صوم كفارة قتل الخطأ ،

______________________________________________________

لم يكن علم به أحد انطلق إلى أولياء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبهم ، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية ، وأعتق نسمة ، وصام شهرين متتابعين ، وأطعم ستين مسكينا » (١).

قوله : ( وألحق بذلك من أفطر على محرّم في شهر رمضان عامدا على رواية ).

قد تقدم الكلام في ذلك ، وأن العمل بالرواية لا يخلو من قوة (٢).

قوله : ( الثاني ، ما يجب الصوم فيه بعد العجز عن غيره ، وهو ستة : صوم كفارة قتل الخطأ ).

هذه الكفارة منصوصة في القرآن ، قال الله عزّ وجلّ ( وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) إلى قوله ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ ) (٣) وهي صريحة في الترتيب ، وفي معناها أخبار كثيرة ، وعلى ذلك عمل الأصحاب إلا من شذ ، ونقل عن ظاهر المفيد (٤) وسلار (٥) أن هذه الكفارة مخيرة. وهو ضعيف.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٧٦ ـ ٢ ، الفقيه ٤ : ٦٩ ـ ٢٠٨ ، التهذيب ١٠ : ١٦٣ ـ ٦٥١ ، الوسائل ١٩ : ١٩ أبواب القصاص في النفس ب ٩ ح ١.

(٢) راجع ص ٨١.

(٣) النساء : ٩٢.

(٤) المقنعة : ٥٧.

(٥) المراسم : ١٨٧.

٢٤٠