مدارك الأحكام - ج ٦

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٦

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

وجب عليه ، لكن لا يجب القضاء إلا ما أدرك فجره مسلما.

______________________________________________________

عليه ، لكن لا يجب القضاء إلا ما أدرك فجره مسلما ).

لا خلاف في سقوط القضاء عن الصبي والمجنون والكافر ، بعد البلوغ والإقامة والإسلام ، ويدل عليه مضافا إلى الأصل قوله عليه‌السلام : « رفع القلم عن ثلاثة ، عن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يفيق » (١) وقوله عليه‌السلام : « الإسلام يجبّ ما قبله » (٢).

ويدل على سقوط القضاء عن الكافر أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه سئل عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان ، ما عليه من صيامه؟ قال : « ليس عليه إلا ما أسلم فيه » (٣).

وفي الصحيح عن عيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام ، هل عليهم أن يقضوا ما مضى منه؟ أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ قال : « ليس عليهم قضاء ، ولا يومهم الذي أسلموا فيه ، إلا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر » (٤).

والمراد بالكافر : الأصلي ، أما غيره كالمرتد ومن انتحل الإسلام‌

__________________

(١) الخصال : ٩٣ ـ ٤٠ ، غوالي اللئالي ١ : ٢٠٩ ـ ٤٨ ، الوسائل ١ : ٣٢ أبواب مقدمة العبادات ب ٤ ح ١١.

(٢) غوالي اللآلي ٢ : ٢٢٤ ـ ٣٨ ، مسند أحمد ٤ : ١٩٩ ، ٢٠٤ ، ٢٠٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٤٥ ـ ٧٢٧ ، الإستبصار ٢ : ١٠٧ ـ ٣٤٨ ، الوسائل ٧ : ٢٣٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٢ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٥ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٨٠ ـ ٣٥٧ ، التهذيب ٤ : ٢٤٥ ـ ٧٢٨ ، الإستبصار ٢ : ١٠٧ ـ ٣٤٩ ، الوسائل ٧ : ٢٣٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٢ ح ١.

٢٠١

______________________________________________________

من الفرق المحكوم بكفرها ، كالخوارج والغلاة فيجب عليهم القضاء قطعا.

ولو استبصر المخالف وجب عليه قضاء ما فاته من العبادات دون ما أتى به ، سوى الزكاة ، أما قضاء الفائت فلعموم الروايات المتضمنة لذلك المتناولة للمخالف وغيره ، وأما أنه لا يجب عليه قضاء ما أتى به صحيحا عنده سوى الزكاة فيدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم وبريد والفضيل وزرارة ، عنهما عليهما‌السلام : في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء كالحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ثم يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه ، أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه إعادة شي‌ء؟ قال : « ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة ، فإنه لا بد أن يؤديها ، لأنه وضع الزكاة في غير موضعها ، وإنما موضعها أهل الولاية » (١).

واعلم أن سقوط القضاء عن المخالف بعد استبصاره إنما هو تفضّل من الله سبحانه ، كما تفضل على الكافر الأصلي بسقوط القضاء ، لا لصحة عبادته ، فإن الحق أنه لا ينتفع بشي‌ء من أعماله إذا مات على خلافه ، وإن فرض استجماعها لشرائط الصحة عدا الإيمان ، للأخبار المستفيضة الدالة على ذلك ، كصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وهي طويلة قال في آخرها : « وكذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله ظاهر عادل أصبح ضالا تائها ، وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق ، وأعلم يا محمد أن أئمة‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٥٤ ـ ١٤٣ ، الوسائل ٦ : ١٤٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣ ح ٢.

٢٠٢

ولو أسلم في أثناء اليوم أمسك استحبابا. ويصوم ما يستقبله وجوبا ، وقيل : يصوم إذا أسلم قبل الزوال ، وإن ترك قضى ، والأول أشبه.

______________________________________________________

الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله ، قد ضلوا وأضلوا ، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شي‌ء ذلك هو الضلال البعيد » (١).

وصحيحة أبي حمزة الثمالي قال ، قال لنا علي بن الحسين صلوات الله عليه : « أي البقاع أفضل؟ » قلت : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : « إن أفضل البقاع ما بين الركن والمقام ، ولو أن رجلا عمر ما عمر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان ثم لقي الله بغير ولايتنا لم ينتفع بذلك شيئا » (٢) وغير ذلك من الأخبار الكثيرة.

قوله : ( ولو أسلم في أثناء النهار أمسك استحبابا ، ويصوم ما يستقبله ، وقيل : يصوم إذا أسلم قبل الزوال ، وإن ترك قضى ، والأول أشبه ).

ما اختاره المصنف قول معظم الأصحاب ، واستدلوا عليه بقوله عليه‌السلام في صحيحة العيص المتقدمة : « ليس عليهم قضاء ، ولا يومهم الذي أسلموا فيه ، إلا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر » (٣).

والقول بوجوب الأداء إذا أسلم قبل الزوال ومع الإخلال به فالقضاء‌

__________________

(١) الكافي ١ : ١٨٣ ـ ٨ ، الوسائل ١ : ٩٠ أبواب مقدمة العبادات ب ٢٩ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ١٥٩ ـ ٦٨٦ ، عقاب الأعمال : ٢٤٤ ـ ٢ ، مجالس الطوسي : ١٣١ ، الوسائل ١ : ٩٣ أبواب مقدمة العبادات ب ٢٩ ح ١٢.

(٣) الكافي ٤ : ١٢٥ ـ ٣ ، الفقيه ٣ ، ٢ : ٨٠ ـ ٣٥٧ ، التهذيب ٤ : ٢٤٥ ـ ٧٢٨ ، الإستبصار ٢ : ١٠٧ ـ ٣٤٩ ، الوسائل ٧ : ٢٣٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٢ ح ١.

٢٠٣

الثالث : ما يلحقه من الأحكام

من فاته شهر رمضان ، أو شي‌ء منه ، لصغر أو جنون أو كفر أصلي فلا قضاء عليه. وكذا إن فاته لإغماء ، وقيل : يقضي ما لم ينو قبل إغمائه ، والأول أظهر.

ويجب القضاء على المرتد ، سواء كان عن فطرة أو عن كفر.

______________________________________________________

للشيخ في المبسوط (١) ، وقواه في المعتبر ، لإطلاق الأمر بالصوم ، وبقاء وقت النية على وجه يسري حكمها إلى أول النهار ، كالمريض والمسافر (٢). وهو جيد لو لا ورود الرواية بعدم الوجوب.

قوله : ( الثالث ، ما يلحقه من الأحكام : من فاته شهر رمضان أو شي‌ء منه لصغر أو جنون أو كفر أصلي فلا قضاء عليه ، وكذا إذا فاته لإغماء ، وقيل : يقضي ما لم ينو قبل إغمائه ، والأول أظهر ).

قد تقدم الكلام في ذلك وأن الأصح سقوط القضاء عن الجميع (٣).

قوله : ( ولا يجب القضاء على المرتد ، سواء كان عن فطرة أو عن كفر ).

إنما وجب القضاء على المرتد بنوعيه لعموم الأدلة الدالة على وجوب قضاء ما فات من الصيام ، المتناولة للمرتد وغيره ، السليمة من المعارض. وقد يحصل التوقف في وجوب القضاء على المرتد عن فطرة إن قلنا بعدم قبول توبته باطنا ، لامتناع ذلك منه ، فيستحيل التكليف به ، بل يتوجه على ذلك سقوط التكاليف كلها عنه ، وهو مشكل جدا ،

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٨٦.

(٢) المعتبر ٢ : ٧١١.

(٣) راجع ص ٢٠١.

٢٠٤

والحائض ، والنفساء ،

______________________________________________________

والأصح قبول توبته باطنا كما سيجي‌ء بيانه.

قال في المعتبر : ولو عقد الصوم مسلما ثم ارتد ثم عاد لم يفسد صومه ، وقال الشافعي : يفسد في أحد قوليه ، لقوله تعالى ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) (١) وقلنا : شرط الإحباط أن يموت على الشرك (٢). هذا كلامه رحمه‌الله ، وما ذكره من عدم بطلان الصوم بالارتداد مذهب الشيخ (٣) وابن إدريس (٤) وجماعة.

وقطع العلامة في جملة من كتبه (٥) ، والشهيد في الدروس بأن ذلك مفسد للصوم (٦) ، لأن الإسلام شرط وقد فات فيفوت مشروطه ، ويلزم من فساد الجزء فساد الكل ، لأن الصوم عبادة واحدة لا تقبل التجزي ، ولا يخلو من قوة.

قوله : ( والحائض والنفساء ).

هذا موضع وفاق بين العلماء ، ويدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ في الحسن ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « الحائض ليس عليها أن تقضي الصلاة ، وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان » (٧).

__________________

(١) الزمر : ٦٥.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٩٧.

(٣) المبسوط ١ : ٢٦٦.

(٤) السرائر : ٨٢.

(٥) المنتهى ٢ : ٥٨٠ ، والمختلف : ٢٢٩.

(٦) الدروس : ٧١.

(٧) التهذيب ١ : ١٦٠ ـ ٤٥٩ ، الوسائل ٢ : ٥٨٩ أبواب الحيض ب ٤١ ح ٢.

٢٠٥

وكل تارك له بعد وجوبه عليه إذا لم يقم مقامه غيره.

______________________________________________________

وفي الحسن عن الحسن بن راشد قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الحائض تقضي الصلاة؟ قال : « لا » قلت : تقضي الصوم؟ قال : « نعم » قلت : من أين جاء هذا؟ قال : « إن أول من قاس إبليس » (١).

قوله : ( وكل تارك له بعد وجوبه عليه إذا لم يقم مقامه غيره ).

أراد بذلك إخراج نحو الشيخ والشيخة وذي العطاش ومن استمر به المرض إلى رمضان آخر ، فإن الفدية تقوم مقام القضاء.

ولا يخفى أنه يخرج من هذه الكلية النائم والساهي ، فإنهما غير مخاطبين بالأداء إذا حصل عذرهما في مجموع النهار مع وجوب القضاء عليهما قطعا ، فلو قال : وكل تارك له بعد بلوغه وعقله ، لكان أشمل.

ويدل على وجوب القضاء على الجميع مضافا إلى ما سبق في تضاعيف هذا الكتاب ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا كان على الرجل شي‌ء من صوم شهر رمضان فليقضه في أي الشهور شاء » (٢).

وفي الصحيح عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « من أفطر شيئا من رمضان في عذر فإن قضاه متتابعا فهو أفضل ، وإن قضاه متفرقا فحسن » (٣).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٠٤ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٦٧ ـ ٨٠٧ ، الإستبصار ٢ : ٩٣ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٢ : ٥٨٩ أبواب الحيض ب ٤١ ح ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٧٤ ـ ٨٢٨ الإستبصار ٢ : ١١٧ ـ ٣٨٠ الوسائل ٧ : ٢٤٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٦ ح ٥.

(٣) الكافي ٤ : ١٢٠ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٧٤ ـ ٨٢٩ ، الإستبصار ٢ : ١١٧ ـ ٣٨١ ، الوسائل ٧ : ٢٤٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٦ ح ٤.

٢٠٦

وتستحب الموالاة في القضاء احتياطا للبراءة ، وقيل : بل يستحب التفريق للفرق ، وقيل : يتابع في ستة ويفرّق الباقي للرواية ، والأول أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( وتستحب الموالاة في القضاء احتياطا للبراءة ، وقيل : بل يستحب التفريق للفرق ، وقيل : يتابع في ستة ويفرّق الباقي للرواية ، والأول أحوط ).

ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من استحباب الموالاة في القضاء قول أكثر الأصحاب ، ويدل عليه مضافا إلى ما أشار إليه المصنف من الاحتياط للبراءة العمومات المتضمنة لرجحان المسابقة إلى الخيرات ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا كان على الرجل شي‌ء من صوم شهر رمضان فليقضه في أي الشهور شاء ، أياما متتابعة ، فإن لم يستطع فليقضه كيف شاء وليحص الأيام ، فإن فرّق فحسن ، وإن تابع فحسن » قال ، قلت : أرأيت إن بقي عليه شي‌ء من صوم رمضان ، أيقضيه في ذي الحجة؟ قال : « نعم » (١).

وفي الصحيح عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر فإن قضاه متتابعا فهو أفضل ، وإن قضاه متفرقا فحسن » (٢) وهما نص في المطلوب.

والقول باستحباب التفريق حكاه ابن إدريس في سرائره عن بعض الأصحاب (٣) ، وربما ظهر من كلام المفيد في المقنعة الميل إليه ، فإنه قال بعد أن حكم بالتخيير بين التتابع والتفريق : وقد روي عن الصادق عليه‌السلام إذا كان عليه يومان فصل بينهما بيوم ، وكذا إن كان عليه‌

__________________

(١) المتقدمتان في ص ٢٠٦.

(٢) المتقدمتان في ص ٢٠٦.

(٣) السرائر : ٩٣.

٢٠٧

______________________________________________________

خمسة أيام وما زاد ، فإن كان عليه عشرة أو أكثر تابع بين الثمانية إن شاء ثم فرّق الباقي ، والوجه في ذلك أنه إن تابع بين الصيام في القضاء لم يكن فرق بين الشهر في صومه وبين القضاء ، فأوجبت السنة الفصل بين الأيام ليقع الفرق بين الأمرين (١). انتهى كلامه رحمه‌الله.

وما ذكره من ورود السنة بالفصل بين الأيام ليقع الفرق بين الأداء والقضاء لم نقف عليه في شي‌ء من الأصول ، وهو أعلم بما قال.

والقول بالتتابع في السنة والتفريق في البواقي حكاه ابن إدريس أيضا عن بعض الأصحاب (٢) ، وذكر المصنف أنه مروي (٣) ، ولعله أشار بذلك إلى ما رواه الشيخ ، عن عمار بن موسى الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان كيف يقضيها؟ قال : « إن كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما ، وإن كان عليه خمسة أيام فليفطر بينها أياما ، وليس له أن يصوم أكثر من ستة أيام متوالية ، وإن كان عليه ثمانية أيام أو عشرة أفطر بينها يوما » (٤) وهذه الرواية ضعيفة السند باشتماله على جماعة من الفطحية فلا تصلح لمعارضة الأخبار السليمة المطابقة لظاهر القرآن.

وهنا مباحث :

الأول : المعروف من مذهب الأصحاب أن وجوب قضاء الصوم على التراخي لا على الفور. وربما ظهر من عبارة أبي الصلاح وجوبه‌

__________________

(١) المقنعة : ٥٧.

(٢) السرائر : ٩٣.

(٣) الشرائع ١ : ٢٠٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٧٥ ـ ٨٣١ ، الإستبصار ٢ : ١١٨ ـ ٣٨٣ ، الوسائل ٧ : ٢٤٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٦ ح ٦.

٢٠٨

______________________________________________________

على الفور فإنه قال : يلزم من يتعين عليه فرض القضاء لشي‌ء من شهر رمضان أن يبادر به في أول أحوال الإمكان (١). ويدفعه صريحا صحيحتا الحلبي وابن سنان المتقدمتان (٢) وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كنّ نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كان عليهن صيام أخّرن ذلك إلى شعبان ، كراهة أن يمنعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا كان شعبان صمن ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : شعبان شهري » (٣).

الثاني : ذكر العلامة ـ رحمه‌الله ـ في التذكرة وغيره أنه لا يجب الترتيب في قضاء الصوم ، فلو قدم آخره جاز (٤). وهو كذلك ، تمسكا بمقتضى الأصل السليم من المعارض.

نعم ذكر الشارح أن الأفضل تقديم الأول فالأول (٥). واستشكله الشهيد في الدروس فقال : وهل يستحب نية الأول فالأول؟ إشكال (٦). وربما كان منشأ الإشكال من تساوي الأيام في التعلق بالذمة مع انتفاء النص على تقديم بعضها على بعض ، ومن سبق الأول في الذمة فكان أولى بالمبادرة. ولا يخفى ضعف الوجه الثاني من وجهي الإشكال ، إلا أن الأمر في ذلك هين.

وكما لا يعتبر الترتيب بين الأيام في الواجب المعين ، فكذا لا‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٨٤.

(٢) في ص ٢٠٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٣١٦ ـ ٩٦٠ ، الوسائل ٧ : ٣٦٠ أبواب الصوم المندوب ب ٢٨ ح ٢.

(٤) التذكرة ١ : ٢٧٦.

(٥) المسالك ١ : ٧٧.

(٦) الدروس : ٧٣.

٢٠٩

______________________________________________________

يعتبر بين أفراد الواجب كالقضاء والكفارة. وقال ابن أبي عقيل : لا يجوز صوم عن نذر أو كفارة لمن عليه قضاء من شهر رمضان حتى يقضيه (١). ولم نقف على مأخذه.

الثالث : اختلف الأصحاب في جواز التطوع بالصوم ممن في ذمته واجب ، فمنعه الأكثر ، واختاره المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه (٢) ـ وجماعة منهم العلامة في القواعد (٣). وربما ظهر من كلام الكليني اختصاص المنع بما إذا كان الواجب من قضاء رمضان (٤). وهو المعتمد.

لنا على الجواز في غيره التمسك بمقتضى الأصل ، وعلى المنع فيه ما رواه الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ في الحسن ، عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة ، أيتطوع؟ قال : « لا حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان » (٥).

وعن أبي الصباح الكناني ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل عليه من شهر رمضان أيام ، أيتطوع؟ قال : « لا حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان » (٦).

والظاهر أن المنع من التطوع مع اشتغال الذمة بالصوم الواجب عند من قال به إنما يتحقق حيث يمكن فعله ، فلو كان بحيث لا يمكن صوم‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٢٤٧.

(٢) رسائل الشريف المرتضى ٢ : ٣٦٦.

(٣) القواعد ١ : ٦٨.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٣ ـ ٢ ، الوسائل ٧ : ٢٥٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٨ ح ٥.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٣ ـ ٢ ، الوسائل ٧ : ٢٥٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٨ ح ٥.

(٦) الكافي ٤ : ١٢٣ ـ ١ ، الوسائل ٧ : ٢٥٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٨ ح ٦.

٢١٠

وفي هذا الباب مسائل :

الأولى : من فاته شهر رمضان أو بعضه لمرض ، فإن مات في مرضه لم يقض عنه وجوبا ، واستحب.

______________________________________________________

شعبان ندبا لمن عليه كفارة كبيرة جاز صومه ، كما نبه عليه في الدروس (١).

قوله : ( الأولى ، من فاته شهر رمضان أو بعضه لمرض ، فإن مات في مرضه لم يقض عنه وجوبا ، واستحب ).

أما أن من هذا شأنه لا يجب القضاء عنه فقال العلامة في المنتهى : إنه قول العلماء كافة (٢). ويدل عليه روايات كثيرة ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن رجل أدركه رمضان وهو مريض فتوفي قبل أن يبرأ ، قال : ليس عليه شي‌ء ، ولكن يقضى عن الذي يبرأ ثم يموت قبل أن يقضي » (٣).

وعن منصور بن حازم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المريض في شهر رمضان فلا يصح حتى يموت ، قال : « لا يقضى عنه » والحائض تموت في شهر رمضان ، قال : « لا يقضى عنها » (٤).

وفي الموثق عن سماعة بن مهران ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل دخل عليه شهر رمضان وهو مريض لا يقدر على‌

__________________

(١) الدروس : ٧٥.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٠٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٤٨ ـ ٧٣٨ ، الإستبصار ٢ : ١١٠ ـ ٣٥٩ ، الوسائل ٧ : ٢٤٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٤٧ ـ ٧٣٤ ، الإستبصار ٢ : ١٠٨ ـ ٣٥٣ ، الوسائل ٧ : ٢٤٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٩.

٢١١

______________________________________________________

الصيام فمات في شهر رمضان أو في شهر رمضان ولم تقدر على الصوم فماتت في شهر رمضان أو في شوال فقال : « لا صيام عليه ولا قضاء عنه » قلت : فامرأة نفساء دخل شهر رمضان ولم تقدر على الصوم فماتت في شهر رمضان أو في شوال؟ فقال : « لا يقضى عنها » (١).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن أبي مريم الأنصاري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ثم لم يزل مريضا حتى مات فليس عليه قضاء ، وإن صح ثم مات وكان له مال تصدق عنه مكان كل يوم بمد ، فإن لم يكون له مال صام عنه وليه » (٢).

وأما استحباب القضاء عنه فأسنده في المنتهى إلى الأصحاب ، واستحسنه ، واستدل عليه بأنه طاعة فعلت عن الميت فوصل إليه ثوابها (٣). وهو استدلال ضعيف ، إذ ليس الكلام في جواز التطوع بالصوم وإهداء ثوابه إلى الميت ، بل في قضاء الفائت عنه ، والحكم بشرعيته يتوقف على الدليل ، لأن الوظائف الشرعية إنما تستفاد من النقل ، ولم يرد التعبد بذلك ، بل مقتضى الأخبار المتقدمة عدم مشروعية القضاء.

وأوضح من ذلك دلالة ما رواه الكليني ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٤٧ ـ ٧٣٣ ، الإستبصار ٢ : ١٠٨ ـ ٣٥٢ ، الوسائل ٧ : ٢٤٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٠.

(٢) الفقيه ٢ : ٩٨ ـ ٤٣٩ وفيه : وإن صح ثم مرض ثم مات. ، الوسائل ٧ : ٢٤١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٧.

(٣) المنتهى ٢ : ٦٠٣.

٢١٢

وإن استمر به المرض إلى رمضان آخر سقط قضاؤه على الأظهر ، وكفّر عن كل يوم من السالف بمدّ من طعام.

______________________________________________________

وماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها ، قال : « هل برئت من مرضها؟ » قلت : لا ، ماتت فيه ، قال : « لا تقض عنها ، فإنّ الله لم يجعله عليها » قلت : فإني اشتهي أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك ، قال : « فكيف تقضي شيئا لم يجعله الله عليها ، فإن اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم » (١).

قوله : ( وإن استمر به المرض إلى رمضان آخر سقط قضاؤه على الأظهر ، وكفّر عن كل يوم من السالف بمد من طعام ).

ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من سقوط القضاء ووجوب التكفير مع استمرار المرض إلى الرمضان الثاني قول أكثر الأصحاب ، وعليه دلت الأخبار الكثيرة كصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان ويخرج عنه وهو مريض فلا يصح حتى دركه شهر رمضان آخر ، قال : « يتصدق عن الأول ويصوم الثاني ، وإن كان صح فيما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا وتصدق عن الأول » (٢).

وحسنة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، قال : سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر فقالا : « إن كان قد برأ ثم توانى قبل أن يدركه رمضان الآخر صام الذي أدركه وتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٣٧ ـ ٨ ، الوسائل ٧ : ٢٤٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٢.

(٢) الكافي ٤ : ١١٩ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٩٥ ـ ٤٢٩ ، التهذيب ٤ : ٢٥٠ ـ ٧٤٤ ، الإستبصار ٢ : ١١١ ـ ٣٦٢ ، الوسائل ٧ : ٢٤٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٢.

٢١٣

______________________________________________________

وعليه صيامه ، وإن كان لم يزل مريضا حتى أدركه رمضان آخر صام الذي أدركه وتصدق عن الأول لكل يوم مدا على مسكين ، وليس عليه قضاء » (١) ونحوه روى أبو الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) ، وعلي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٣).

قال في المعتبر : ومع ظهور هذه الأخبار واشتهارها وسلامتها من المعارض يجب العمل بها (٤).

وحكى المصنف في المعتبر والعلامة في المنتهى عن أبي جعفر بن بابويه أنه أوجب في هذه الصورة القضاء دون الصدقة (٥). وحكاه في المختلف عن غيره من الأصحاب أيضا ، واستدل له بعموم الآية الشريفة (٦). وقواه في المنتهى محتجا بأن الأحاديث التي استدل بها على سقوط القضاء المروية من طريق الآحاد لا تعارض الآية. وهو مخالف لما قرره في الأصول من أن عموم الكتاب يخص بخبر الواحد ، ثم قال رحمه‌الله : وقولهم أن وقت القضاء بين الرمضانين ممنوع ، ووجوب القضاء فيه لا يستلزم تعينه له ، ولهذا لو فرط وجب قضاؤه بعد الرمضان الثاني (٧). وهو جيد لو لا ورود الأخبار المستفيضة بسقوط القضاء (٨).

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٩ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥٠ ـ ٧٤٣ ، الإستبصار ٢ : ١١٠ ـ ٣٦١ ، الوسائل ٧ : ٢٤٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ١٢٠ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٥١ ـ ٧٤٥ ، الإستبصار ٢ : ١١١ ـ ٣٦٣ ، الوسائل ٧ : ٢٤٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٣. بتفاوت بين المصادر.

(٣) قرب الإسناد : ١٠٣ ، الوسائل ٧ : ٢٤٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٩.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٠٠.

(٥) المعتبر ٢ : ٦٩٩ ، والمنتهى ٢ : ٦٠٣.

(٦) المختلف : ٢٤٠.

(٧) المنتهى ٢ : ٦٠٣.

(٨) الوسائل ٧ : ٢٤٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥.

٢١٤

______________________________________________________

وحكى الشهيد في الدروس عن ابن الجنيد أنه احتاط بالجمع بين القضاء والصدقة ، قال : وهو مروي (١). ولعله أشار بذلك إلى ما رواه الشيخ ، عن سماعة ، قال : سألته عن رجل أدركه رمضان وعليه رمضان قبل ذلك لم يصمه فقال : « يتصدق بدل كل يوم من الرمضان الذي عليه بمد من طعام ، وليصم هذا الذي أدرك ، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه ، فإني كنت مريضا فمر عليّ ثلاث رمضانات لم أصح فيهن ثم أدركت رمضانا فتصدقت بدل كل يوم مما مضى بمد من طعام ، ثم عافاني الله وصمتهن » (٢).

والجواب أولا بالطعن في السند ، وثانيا بالحمل على الاستحباب توفيقا بين الأدلة ، ويدل عليه صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثم أدركه رمضان آخر وهو مريض فليتصدق بمد لكل يوم ، وأما أنا فإني صمت وتصدقت » (٣).

واعلم أن العلامة ـ رحمه‌الله ـ في التحرير قال بعد أن قوّى ما ذهب إليه ابن بابويه من وجوب القضاء دون التكفير ، ونقل عن الشيخين القول بوجوب التكفير دون القضاء : وعلى قول الشيخين لو صام ولم يكفر فالوجه الإجزاء (٤). ومقتضى ذلك كون الثابت عندهما التخيير بين‌

__________________

(١) الدروس : ٧٧.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٥١ ـ ٧٤٧ ، الإستبصار ٢ : ١١٢ ـ ٣٦٦ ، الوسائل ٧ : ٢٤٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٥٢ ـ ٧٤٨ ، الإستبصار ٢ : ١١٢ ـ ٣٦٧ ، الوسائل ٧ : ٢٤٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٤.

(٤) التحرير ١ : ٨٣.

٢١٥

______________________________________________________

والقضاء والتكفير لا تعين التكفير ، وهو خلاف ما صرحوا به ودلت عليه أدلتهم.

وهنا مباحث :

الأول : اختلف القائلون بوجوب الصدقة فيما يجب التصدق به ، فذهب الأكثر إلى أنه مد لكل يوم ، وهو الأصح ، لروايتي ابن سنان وابن مسلم المتقدمتين (١).

وقال الشيخ في النهاية : يتصدق عن كل يوم بمدين من طعام ، فإن لم يمكنه فبمد (٢). واستدل له في المختلف بأن نصف الصاع بدل عن اليوم في كفارة جزاء الصيد ، فيكون كذلك هنا ، بل هذا آكد ، فإن صوم شهر رمضان آكد من غيره ، وإذا كان نصف الصاع بدلا عن الأول امتنع في الحكمة أن يكون المد الذي هو ربع الصاع بدلا عن الآكد ، ثم رده بأنه اجتهاد في مقابلة النص فلا يكون مسموعا (٣) ، وهو كذلك.

الثاني : هل يتعدى هذا الحكم ـ أعني سقوط القضاء ولزوم الكفارة ـ إلى من فاته الصوم بغير المرض ثم حصل له المرض المستمر أم لا؟ قيل : نعم ، وهو ظاهر اختيار الشيخ في الخلاف (٤) ، وربما كان مستنده قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان المتقدمة : « من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثم أدركه رمضان آخر وهو مريض فليتصدق بمد لكل يوم » (٥) فإن العذر يتناول المرض وغيره.

__________________

(١) في ص ٢١٣.

(٢) النهاية : ١٥٨.

(٣) المختلف : ٢٤٠.

(٤) الخلاف ١ : ٣٩٥.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٥٢ ـ ٧٤٨ ، الإستبصار ٢ : ١١٢ ـ ٣٦٧ ، الوسائل ٧ : ٢٤٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٤.

٢١٦

______________________________________________________

وقيل : لا ، وبه قطع العلامة في المختلف ، تمسكا بعموم ما دل على وجوب القضاء السالم من معارضة النصوص المسقطة ، لاختصاصها بالمرض. وأجاب عن رواية ابن سنان بأنها لا تنهض حجة في معارضة عموم ( الآية الدال ) (١) على وجوب القضاء ، لأن قوله عليه‌السلام : « من أفطر شيئا من رمضان في عذر » وإن كان مطلقا إلا أن قوله عليه‌السلام : « ثم أدركه رمضان آخر وهو مريض » يشعر بأن هذا هو العذر (٢). وما ذكره رحمه‌الله لا يخلو من وجه ، وإن كان القول بالتسوية أوجه.

الثالث : لو كان الفوات بالمرض والمانع من القضاء غيره كالسفر الضروري فهل يتعدى إليه هذا الحكم أم لا؟ الأصح العدم ، لاختصاص النقل بما إذا كان المانع من القضاء استمرار المرض ، وأولى بوجوب القضاء ما لو كان الفوات بغير المرض.

الرابع : لا تتكرر الفدية بتكرر السنين ، لأصالة البراءة السالمة من المعارض ، وهو خيرة المنتهى بعد التردد (٣). وجزم في التذكرة بالتكرر (٤) ، وهو ضعيف.

الخامس : لا فرق بين فوات رمضان واحد أو أكثر ، كما نص عليه الشيخ (٥) وغيره (٦) ، قال في الدروس : وقد يظهر من ابن بابويه ـ رحمه‌

__________________

(١) في « ح » : الأدلة الدالة.

(٢) المختلف : ٢٤١.

(٣) المنتهى ٢ : ٦٠٣.

(٤) التذكرة ١ : ٢٧٥.

(٥) الخلاف ١ : ٣٩٦ ، والمبسوط ١ : ٢٨٦.

(٦) كالعلامة في التحرير ١ : ٨٣.

٢١٧

وإن برأ بينهما وأخّره عازما على القضاء قضاه ولا كفارة. وإن تركه تهاونا قضاه وكفّر عن كل يوم من السالف بمدّ من طعام.

______________________________________________________

الله ـ أن الرمضان الثاني يقضى بعد الثالث وإن استمر المرض ، ولا وجه له (١).

السادس : ذكر الشهيد في الدروس (٢) ومن تأخر عنه (٣) أن مستحق هذه الصدقة مستحق الزكاة لحاجته. والأجود اختصاصها بالمساكين ، كما تضمنته رواية ابن مسلم (٤) ، وقد بينا فيما سبق أن المسكين أسوأ حالا من الفقير ، وأن ما ذكره الشارح وغيره من دخول أحدهما تحت الآخر حيث ذكر منفردا غير واضح.

قوله : ( وإن برأ بينهما وأخّره عازما على القضاء قضاه ولا كفارة ، وإن تركه تهاونا قضاه وكفّر عن كل يوم من السالف بمد من طعام ).

يلوح من العبارة أن المراد بالمتهاون غير العازم على القضاء فيكون غير المتهاون العازم على القضاء وإن أخره لغير عذر ، والعرف يأباه ، والأخبار لا تساعد عليه. والأصح ما أطلقه الصدوقان (٥) واختاره المصنف في المعتبر (٦) والشهيدان (٧) من وجوب القضاء والفدية على من برأ من مرضه وأخر القضاء توانيا من غير عذر حتى دخل رمضان الثاني ،

__________________

(١) الدروس : ٧٧.

(٢) الدروس : ٧٧.

(٣) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٨.

(٤) الكافي ٤ : ١١٩ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥٠ ـ ٧٤٣ ، الإستبصار ٢ : ١١٠ ـ ٣٦١ ، الوسائل ٧ : ٢٤٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ١.

(٥) الصدوق في المقنع : ٦٤ ، وحكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٢٤٠.

(٦) المعتبر ٢ : ٦٩٨.

(٧) الشهيد الأول في الدروس : ٧٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٨ ، والروضة ٢ : ١٢٢.

٢١٨

______________________________________________________

سواء عزم على القضاء أم لا ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة المتقدمة : « وإن كان صح فيما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا وتصدق عن الأول » (١).

وفي رواية أبي الصباح الكناني : « إن كان صح فيما بين ذلك ثم لم يقضه حتى أدركه رمضان قابل فإن عليه أن يصوم وأن يطعم لكل يوم مسكينا » (٢).

وفي حسنة محمد بن مسلم : « إن كان برأ ثم توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه وتصدق عن الأول ، عن كل يوم بمد من طعام على مسكين ، وعليه قضاؤه » (٣).

وبهذه الرواية استدل العلامة في المختلف على القول بالفرق بين العازم على القضاء وغيره (٤) ، وهي لا تدل على ذلك بوجه ، بل مقتضى جعل دوام المرض فيها قسيما للتواني أن المراد بالمتواني التارك للقضاء مع القدرة عليه كما دل عليه إطلاق صحيحة زرارة وغيرها.

ونقل عن ابن إدريس أنه خالف في هذا الحكم فأوجب القضاء دون الكفارة وإن توانى (٥) ، وهو جيد على مذهبه ، فإن وجوب التكفير إنما ورد من طريق الآحاد ، وهو غير حجة عنده. وبالغ المصنف في‌

__________________

(١) في ص ٢١٣.

(٢) الكافي ٤ : ١٢٠ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٥١ ـ ٧٤٥ ، الإستبصار ٢ : ١١١ ـ ٣٦٣ ، الوسائل ٧ : ٢٤٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ١١٩ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥٠ ـ ٧٤٣ ، الإستبصار ٢ : ١١٠ ـ ٣٦١ ، الوسائل ٧ : ٢٤٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ١.

(٤) المختلف : ٢٤٠.

(٥) السرائر : ٩٠.

٢١٩

الثانية : يجب على الولي أن يقضي ما فات الميت من صيام واجب ، رمضان كان أو غيره ، سواء فات لمرض أو غيره.

______________________________________________________

المعتبر في إنكاره فقال : ولا عبرة بخلاف بعض المتأخرين في إيجاب الكفارة هنا ، فإنه ارتكب ما لم يذهب إليه أحد من فقهاء الإمامية فيما علمت. ثم نقل ما أوردناه من الروايات عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي الصباح الكناني ، وقال : إن هؤلاء فضلاء السلف من الإمامية ، وليس لروايتهم معارض إلا ما يحتمل رده إلى ما ذكرناه ، فالراد لذلك متكلف ما لا ضرورة إليه (١).

واعلم أن ما وصل إلينا من الروايات في هذا الباب مختص بما إذا كان الفوات بالمرض ، وبمضمونها أفتى أكثر الأصحاب ، لكن العلامة في المختلف فصل في ذلك وحكم بتعدي الحكم المذكور إلى غير المرض إذا كان تأخير القضاء توانيا ، والاكتفاء بالقضاء إذا كان التأخير بغير توان ، واستدل على الثاني بعموم ما دل على وجوب القضاء السالم من المعارض ، وعلى الأول بأن الكفارة وجبت في أعظم الأعذار وهو المرض ، ففي الأدون أولى ، قال : وليس ذلك من باب القياس في شي‌ء كما توهمه بعضهم ، بل هو من دلالة التنبيه (٢). واستجود الشارح ـ قدس‌سره ـ ذلك (٣) ، وهو غير بعيد وإن أمكن المناقشة في هذا الاستدلال بعدم ثبوت تعليل الأصل كما بيناه مرارا.

قوله : ( الثانية ، يجب على الولي أن يقضي ما فات الميت من صيام واجب ، رمضان كان أو غيره ، سواء فات بمرض أو غيره ).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٩٩.

(٢) المختلف : ٢٤١.

(٣) المسالك ١ : ٧٨.

٢٢٠