مدارك الأحكام - ج ٦

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٦

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

ولا بتطوقه

______________________________________________________

إحدى وثلاثين هلال شوال وجب صومه إن كان هذا الفرض ممكنا ، أو حصلت علة ، لأن الاحتياط للصوم متعين فلا يجوز الإقدام على الإفطار بناء على مثل هذه الروايات (١). هذا كلامه رحمه‌الله ، وفيه اعتراف بعدم اعتبار ذلك مطلقا ، وأن الصوم إنما هو لمجرد الاحتياط. والمسألة قوية الإشكال ، فإن الروايتين المتضمنتين لاعتبار ذلك معتبرتا الإسناد ، بل الأولى لا تقصر عن مرتبة الصحيح ، لأن دخولها في مرتبة الحسن بإبراهيم بن هاشم. ومن ثم تردد في ذلك المصنف في النافع (٢) والمعتبر (٣) ، وهو في محله.

قوله : ( ولا بتطوقه ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا. نعم روى الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مرازم ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا تطوق الهلال فهو لليلتين ، وإذا رأيت ظل رأسك فيه فهو لثلاث ليالي » (٤).

وقال في كتابي الأخبار بعد أن أوردها وأورد رواية إسماعيل بن الحر : إن الوجه في هذين الخبرين وما يجري مجراهما مما هو في معناهما أن ذلك إنما يكون إمارة على اعتبار دخول الشهر إذا كان في السماء علة من غيم وما يجري مجراها ، فجاز حينئذ اعتباره في الليلة المستقبلة بتطوق الهلال وغيبوبته قبل الشفق أو بعد الشفق ، فأما مع زوال العلة وكون السماء مصحية فلا تعتبر هذه الأشياء (٥).

__________________

(١) المختلف : ٢٣٥.

(٢) المختصر النافع : ٦٩.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٨٩.

(٤) التهذيب ٤ : ١٧٨ ـ ٤٩٥ ، الإستبصار ٢ : ٧٥ ـ ٢٢٩ ، الوسائل ٧ : ٢٠٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٩ ح ٢.

(٥) التهذيب ٤ : ١٧٨ ، والاستبصار ٢ : ٧٥.

١٨١

ولا بعد خمسة أيام من أول الهلال في الماضية.

______________________________________________________

وهذا التفصيل مشكل ، لأن التطوق ونحوه إن كان مقتضيا للحكم بكون الهلال لليلتين وجب اطراده ، وإلا فلا.

والأصح عدم اعتبار ذلك مطلقا ، لأن هذه الرواية لا تنهض حجة في معارضة الأصل والإطلاقات المتضمنة لانحصار الطريق في الرؤية أو مضي الثلاثين.

قوله : ( ولا بعد خمسة أيام من أول الهلال في الماضية ).

أي : ولا اعتبار بعد خمسة أيام من أول شهر رمضان من السنة الماضية ، بمعنى أنه لا يتعين صيام يوم الخامس من ذلك الشهر ، وقد ورد باعتبار الخامس رواية رواها الشيخ عن عمران الزعفراني قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة ، فأي يوم نصوم؟ قال : « انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية ، وصم يوم الخامس » (١).

وروى أيضا عن عمران الزعفراني قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنما نمكث في الشتاء اليوم واليومين لا نرى شمسا ولا نجما ، فأي يوم نصوم؟ قال : « أنظر إلى اليوم الذي صمت من السنة الماضية وعدّ خمسة أيام وصم اليوم الخامس » (٢).

ونزلهما في التهذيب على أن السماء إذا كانت مغيمة فعلى الإنسان أن يصوم يوم الخامس احتياطا ، فإن اتفق أنه يكون في شهر رمضان فقد أجزأ عنه ، وإن كان من شعبان كتب له من النوافل. قال : وليس في الخبر أنه‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٧٩ ـ ٤٩٦ ، الإستبصار ٢ : ٧٦ ـ ٢٣٠ ، الوسائل ٧ : ٢٠٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٠ ح ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ١٧٩ ـ ٤٩٧ ، الإستبصار ٢ : ٧٦ ـ ٢٣١ ، الوسائل ٧ : ٢٠٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٠ هامش ٣.

١٨٢

ويستحب صوم الثلاثين من شعبان بنيّة الندب ، فإن انكشف من الشهر أجزأ.

______________________________________________________

يصوم يوم الخامس على أنه من شهر رمضان ، وإذا لم يكن هذا في ظاهره واحتمل ما قلناه سقطت المعارضة به ، ولم يناف ما ذكرناه من العمل على الأهلة (١).

ونحوه قال في الاستبصار ، وقال إن راوي هاتين الروايتين عمرا الزعفراني وهو مجهول ، وأسناد (٢) الحديثين قوم ضعفاء لا يعمل بما يختصون بروايته (٣).

وذكر جمع من الأصحاب أن اعتبار الخامس إنما يتم في غير السنة الكبيسة ، أما فيها فإنه يكون يوم السادس ، وهو مروي في بعض الأخبار أيضا (٤). والكل ضعيف.

قوله : ( ويستحب صوم يوم الثلاثين من شعبان بنية الندب ، فإن انكشف من الشهر أجزأ ).

أما استحباب صوم يوم الثلاثين من شعبان بنية الندب فهو قول معظم الأصحاب ، ويدل عليه مضافا إلى ما دل على رجحان مطلق الصوم روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن سعيد الأعرج قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني صمت اليوم الذي يشك فيه وكان من شهر رمضان ، أفأقضيه؟ قال : « لا ، هو يوم وفقت له » (٥).

__________________

(١) راجع ص ١٨٢.

(٢) في المصدر : وفي إسناد.

(٣) الاستبصار ٢ : ٧٦ ـ ٧٧.

(٤) الكافي ٤ : ٨١ ـ ٣ ، الوسائل ٧ : ٢٠٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٠ ح ٢.

(٥) التهذيب ٤ : ١٨٢ ـ ٥٠٦ ، الإستبصار ٢ : ٧٨ ـ ٢٣٨ ، الوسائل ٧ : ١٢ أبواب وجوب الصوم ب ٥ ح ٢.

١٨٣

______________________________________________________

وعن بشير النبال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن صيام يوم الشك فقال : « صمه ، فإن يك من شعبان كان تطوعا ، وإن يك من شهر رمضان فيوم وفقت له » (١).

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن قتيبة الأعشى قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن صوم ستة أيام : العيدين ، وأيام التشريق ، واليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان » (٢).

وعن عبد الكريم بن عمرو قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم فقال : « لا تصم في السفر ، ولا العيدين ، ولا أيام التشريق ، ولا اليوم الذي يشك فيه » (٣).

لأنا نجيب عنهما بالحمل على صومه بنية أنه من شهر رمضان ليرتفع التنافي بين الأخبار ، ويدل على هذا التأويل ما رواه الشيخ ، عن محمد بن شهاب الزهري قال : سمعت علي بن الحسين عليه‌السلام يقول : « يوم الشك أمرنا بصيامه ونهينا عنه ، أمرنا أن يصومه الإنسان على أنه من شعبان ، ونهينا عن أن يصومه على أنه من شهر رمضان » (٤).

وحكى المصنف في المعتبر عن المفيد ـ رحمه‌الله ـ أنه قال : إنما يستحب صومه مع الشك في الهلال ، لا مع الصحو وارتفاع الموانع ، ويكره‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨١ ـ ٥٠٤ ، الإستبصار ٢ : ٧٨ ـ ٢٣٦ ، الوسائل ٧ : ١٢ أبواب وجوب الصوم ب ٥ ح ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٣ ـ ٥٠٩ ، الإستبصار ٢ : ٧٩ ـ ٢٤١ ، الوسائل ٧ : ١٦ أبواب وجوب الصوم ب ٦ ح ٢.

(٣) التهذيب ٤ : ١٨٣ ـ ٥١٠ ، الإستبصار ٢ : ٧٩ ـ ٢٤٢ ، الوسائل ٧ : ١٦ أبواب وجوب الصوم ب ٦ ح ٣.

(٤) التهذيب ٤ : ١٨٣ ـ ٥١١ ، الإستبصار ٢ : ٨٠ ـ ٢٤٣ ، الوسائل ٧ : ١٦ أبواب وجوب الصوم ب ٦ ح ٤.

١٨٤

ولو صامه بنيّة رمضان لأمارة ، قيل : يجزيه ، وقيل : لا ، وهو الأشبه. وان أفطر فأهلّ شوال ليلة التاسع والعشرين من هلال رمضان قضاه وكذا لو قامت بيّنة برؤيته ليلة الثلاثين من شعبان.

______________________________________________________

لا مع ذلك إلا لمن كان صائما قبله (١). ولم نقف له في هذا التفصيل على مستند.

وأما الإجزاء إذا وقع صومه على وجه الندب ثم انكشف كونه من شهر رمضان فهو موضع نص ووفاق ، وقد تقدم الكلام فيه مستوفى (٢).

قوله : ( ولو صامه بنية رمضان لأمارة قيل : يجزيه ، وقيل : لا ، وهو الأشبه ).

الأصح ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من عدم الإجزاء ، لأن صوم يوم الشك بنية رمضان غير مشروع فلا يقع على وجه الطاعة. وقد تقدم الكلام في ذلك أيضا (٣).

قوله : ( وإن أفطر فأهلّ شوال ليلة التاسع والعشرين من هلال رمضان قضاه ، وكذا لو قامت بينة برؤيته ليلة الثلاثين من شعبان ).

لا خلاف في وجوب قضائه في هاتين الصورتين ، ويدل عليه في الصورة الأولى ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن حماد بن عيسى ، عن عبد الله بن سنان ، عن رجل نسي حماد بن عيسى اسمه ، قال : صام علي عليه‌السلام بالكوفة ثمانية وعشرين يوما شهر رمضان فرأوا الهلال ، فأمر مناديا ينادي : اقضوا يوما ، فإن الشهر تسعة وعشرون يوما (٤).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٥٠.

(٢) في ص ٣٥.

(٣) في ص ٣٣.

(٤) التهذيب ٤ : ١٥٨ ـ ٤٤٤ ، الوسائل ٧ : ٢١٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٤ ح ١.

١٨٥

وكل شهر تشتبه رؤيته يعدّ مما قبله ثلاثين.

ولو غمّت شهور السنة عدّ كل شهر منها ثلاثين ، وقيل : ينقص منها لقضاء العادة بالنقيصة ، وقيل : يعمل في ذلك برواية الخمسة ، والأول أشبه.

______________________________________________________

وعلى الوجوب في الثانية روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه قال فيمن صام تسعة وعشرين يوما : « إن كان له بينة عادلة على أهل مصر أنهم صاموا ثلاثين على رؤية قضى يوما » (١).

قوله : ( وكل شهر تشتبه رؤيته يعدّ ما قبله ثلاثين ).

يدل على ذلك مضافا إلى امتناع الحكم بدخول الشهر بمجرد الاحتمال روايات ، منها قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة محمد بن قيس : « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقول : وإن غمّ عليكم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا » (٢) وقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم : « وإذا كانت علة فأتم شعبان ثلاثين » (٣).

قوله : ( ولو غمت شهور السنة عدّ كل شهر منها ثلاثين ، وقيل : ينقص منها لقضاء العادة بالنقيصة ، وقيل : يعمل في ذلك برواية الخمسة ، والأول أشبه ).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٥٨ ـ ٤٤٣ ، الوسائل ٧ : ١٩٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٥ ح ١٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٧٧ ـ ٣٣٧ ، التهذيب ٤ : ١٥٨ ـ ٤٤٠ ، الإستبصار ٢ : ٦٤ ـ ٢٠٧ ، الوسائل ٧ : ٢٠١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ١٥٦ ـ ٤٣٣ ، الإستبصار ٢ : ٦٣ ـ ٢٠٣ ، الوسائل ٧ : ١٩٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٥ ح ٥.

١٨٦

ومن كان بحيث لا يعلم الشهر كالأسير والمحبوس صام شهرا تغليبا ، فإن استمر الاشتباه فهو بري‌ء. وإن اتفق في شهر رمضان أو بعده أجزأه ، وإن كان قبله قضاه.

______________________________________________________

القول بعدّ الثلاثين في كل شهر‌ للشيخ في المبسوط (١) وجماعة ، وهو مشكل ، لما ذكره المصنف من قضاء العادة بالنقيصة ، والقول باحتساب بعضها ناقصة مجهول القائل ، مع جهالة قدر النقص أيضا. والقول بالعمل في ذلك برواية الخمسة للشيخ في المبسوط أيضا (٢) ، واختاره العلامة في جملة من كتبه (٣) ، وذكر في المختلف أنه إنما اعتمد في ذلك على العادة لا على الرواية (٤). وهو مشكل أيضا ، لعدم اطراد العادة بالنقيصة على هذا الوجه.

وموضع الخلاف ما إذا غمّت شهور السنة كلها أو أكثرها ، أما الشهران والثلاثة فينبغي القطع بعدّها ثلاثين ، لما ذكرناه من امتناع الحكم بدخول الشهر بمجرد الاحتمال (٥). والله تعالى أعلم.

قوله : ( ومن كان بحيث لا يعلم الشهر كالأسير والمحبوس صام شهرا تغليبا ، فإن استمر الاشتباه فهو بري‌ء ، وإن اتفق في شهر رمضان أو بعده أجزأه ، وإن كان قبله قضاه ).

أراد بالتغليب تحرّي شهر يغلب على ظنه أنه شهر رمضان ، فيجب عليه صومه ، ويجزيه مع استمرار الاشتباه أو ظهور الموافقة أو التأخر ، وإن ظهر التقدم لم يجزيه.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٦٨.

(٢) المبسوط ١ : ٢٦٨.

(٣) التذكرة ١ : ٢٧١ ، والمنتهى ٢ : ٥٩٣ ، والتحرير ١ : ٨٢.

(٤) المختلف : ٢٣٦.

(٥) راجع ص ١٨٦.

١٨٧

______________________________________________________

وهذه الأحكام كلها إجماعية على ما نقله العلامة في التذكرة والمنتهى (١) ، والأصل في ذلك ما رواه الشيخ ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : رجل أسرته الروم ولم يصم شهر رمضان ، ولم يدر أي شهر هو ، قال :« يصوم شهرا يتوخاه ويحسب ، فإن كان الشهر الذي صامه قبل رمضان لم يجزه ، وإن كان بعد رمضان أجزأه » (٢).

وفي طريق هذه الرواية عبيس بن هشام وهو مجهول ، لكن الصدوق فيمن لا يحضره الفقيه رواها بطريق صحيح ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي العلاء (٣) والظاهر أنه تحريف وأن الصواب عبد الرحمن بن أبي عبد الله فتكون الرواية صحيحة ، ومقتضاها وجوب التوخي ، وهو التحري ، وصيام الشهر الذي يظن كونه شهر رمضان ، والاجتزاء به لو ظهر كونه بعد شهر رمضان دون ما إذا ظهر التقدم.

والظاهر أن المراد بالبعدية والقبلية بالنسبة إلى شهر رمضان تلك السنة ، فشهر شعبان من سنة إحدى وتسعين مثلا متأخر عن شهر رمضان الذي هو من سنة تسعين ، كما أن شهر شوال من سنة تسعين متقدم على شهر رمضان من سنة إحدى وتسعين.

ومع ظهور التأخر تعتبر المطابقة بين ما صامه وبين شهر رمضان ،

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٧٢ ، والمنتهى ٢ : ٥٩٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٣١٠ ـ ٩٣٥ وفيه : ويحتسب به بدل ويحسب ، الوسائل ٧ : ٢٠٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٧ ح ١.

(٣) الفقيه ٢ : ٧٨ ـ ٣٤٦.

١٨٨

______________________________________________________

فلو اتفق صوم شهر شوال وجب قضاء يوم إن كانا تامين أو ناقصين ، ولو كان شوال ناقصا ورمضان تاما وجب قضاء يومين ، ولو انعكس الفرض لم يجب عليه شي‌ء.

وذكر الشارح (١) وغيره أن الشهر المظنون يتعلق به حكم شهر رمضان من وجوب الكفارة بإفطار يوم منه ووجوب متابعته وإكماله ثلاثين لو لم ير الهلال ، وأحكام العيد بعده من الصلاة والفطرة (٢). وللمناقشة في ذلك مجال ، لأصالة البراءة من جميع ذلك ، واختصاص النص بالصوم.

ولو لم يغلب على ظن الأسير شهرا فقد قطع الأصحاب بأنه يتخير في كل سنة شهرا ويصومه ، وقال بعض العامة : لا يلزمه الصوم ، لأنه لم يعلم دخول شهر رمضان ولا ظنه (٣). وهو محتمل.

وعلى القول بالوجوب فتجب المطابقة بين ما صامه وبين شهر رمضان كما سبق.

ولو صام الأسير تطوعا فوافق شهر رمضان فالأقرب أنه يجزيه كما اختاره في المنتهى (٤) ، لظاهر قوله عليه‌السلام في صيام يوم الشك بنية الندب : « هو يوم وفقت له » (٥).

__________________

(١) المسالك ١ : ٧٧.

(٢) كالعلامة في المنتهى ٢ : ٥٩٤.

(٣) كابن حزم في المحلّى ٦ : ٢٦٢.

(٤) المنتهى ٢ : ٥٩٤.

(٥) الكافي ٤ : ٨٢ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ١٨٢ ـ ٥٠٦ ، الإستبصار ٢ : ٧٨ ـ ٢٣٨ ، الوسائل ٧ : ١٢ أبواب وجوب الصوم ب ٥ ح ٢.

١٨٩

ووقت الإمساك طلوع الفجر الثاني.

ووقت الإفطار غروب الشمس ، وحدّه ذهاب الحمرة من المشرق.

ويستحب تأخير الإفطار حتى يصلي المغرب ، إلا أن تنازعه نفسه ، أو يكون من يتوقعه للإفطار.

______________________________________________________

قوله : ( ووقت الإمساك طلوع الفجر الثاني ).

هذا قول علماء الإسلام كافة ، ويدل عليه قوله تعالى ( كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) (١) ويستثنى من ذلك الجماع ، فيجب الإمساك عنه قبل طلوع الفجر إذا لم يتسع الزمان له وللاغتسال ، لبطلان الصوم بتعمد البقاء على الجنابة.

قوله : ( ووقت الإفطار غروب الشمس ، وحدّه ذهاب الحمرة من الشرق ).

هذا أحد القولين في المسألة ، وقال الشيخ في الاستبصار (٢) ، وابن بابويه في كتاب علل الشرائع والأحكام (٣) : إن وقته استتار القرص. ولا يخلو من قوة ، وقد تقدم الكلام في ذلك.

قوله : ( ويستحب تأخير الإفطار حتى يصلي المغرب ، إلا أن تنازعه نفسه ، أو يكون من يتوقعه للإفطار ).

أما استحباب تأخير الإفطار حتى يصلي المغرب إذا لم يكن هناك‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) الاستبصار ١ : ٢٧٠.

(٣) علل الشرائع : ٣٥٠.

١٩٠

______________________________________________________

من يتوقعه للإفطار وإلا استحب تقديم الإفطار فتدل عليه روايات ، منها ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه سئل عن الإفطار ، قبل الصلاة أو بعدها؟ قال : « إن كان معه قوم يخاف أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم ، وإن كان غير ذلك فليصل ثم ليفطر » (١).

وفي الصحيح عن زرارة والفضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : أنه قال : « الغسل في شهر رمضان عند وجوب الشمس قبيله ، ثم يصلي ويفطر » (٢).

وما رواه الشيخ في الموثق ، عن زرارة وفضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : « في رمضان تصلي ثم تفطر ، إلا أن تكون مع قوم ينتظرون الإفطار ، فإن كنت معهم فلا تخالف عليهم وأفطر ثم صل ، وإلا فابدأ بالصلاة » فإن كنت معهم فلا تخالف عليهم وأفطر ثم صل ، وإلا فابدأ بالصلاة » قلت : ولم ذاك؟ قال : « لأنه قد حضرك فرضان : الإفطار والصلاة ، فابدأ بأفضلهما ، وأفضلهما الصلاة » ثم قال : « تصلي وأنت صائم فتكتب صلاتك تلك وتختم بالصوم أحب إليّ » (٣).

وربما ظهر من العبارة استحباب تأخير الإفطار إذا نازعته نفسه في تقديم الصلاة ، ولم أقف على رواية تدل عليه ، وربما كان وجهه‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٨١ ـ ٣٦٠ ، الوسائل ٧ : ١٠٧ أبواب آداب الصائم ب ٧ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ١٠٠ ـ ٤٤٨ ، الوسائل ٢ : ٩٥٢ أبواب الأغسال المسنونة ب ١٣ ح ٢. ووجوب الشمس : غروبها ـ الصحاح ١ : ٢٣٢.

(٣) التهذيب ٤ : ١٩٨ ـ ٥٧٠ ، الوسائل ٧ : ١٠٨ أبواب آداب الصائم ب ٧ ح ٢.

١٩١

الثاني : في الشروط ، وهي قسمان :

الأول : ما باعتباره يجب الصوم ، وهو سبعة :

البلوغ ، وكمال العقل : فلا يجب على الصبي ، ولا على المجنون ، إلا أن يكملا قبل طلوع الفجر ، ولو كملا بعد طلوعه لم يجب على الأظهر.

______________________________________________________

استلزام تقديم الصلاة على هذا الوجه فوات الخشوع والإقبال المطلوب في العبادة ، وعندي أن الأولى تقديم الصلاة في هذه الصورة ، لإطلاق النصوص المتقدمة ، ومخالفة النفس في الميل إلا خلافه ، فإن الخير عادة.

قوله : ( الأول ، ما باعتباره يجب الصوم ، وهو سبعة : البلوغ ، وكمال العقل : فلا يجب على الصبي ، ولا على المجنون إلا أن يكملا قبل طلوع الفجر ، ولو كملا بعد طلوعه لم يجب على الأظهر ).

أما وجوب الصوم عليهم إذا كملا قبل طلوع الفجر فلا ريب فيه ، لتوجه الخطاب إليهما بذلك كغيرهما من المكلفين. وأما أنه لا يجب عليهما إذا كملا بعد طلوع الفجر فهو قول أكثر الأصحاب ، واستدل عليه في المعتبر بأن الصبي والمجنون ليسا من أهل الخطاب ، وإذا لم يصح خطابه في أول النهار لم يصح خطابه في باقيه ، لأن صوم بعض اليوم لا يصح (١). وتؤيده الروايات المتضمنة لسقوط الصوم عن الكافر والحائض إذا زالت أعذارهما في أثناء النهار (٢).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٩٣.

(٢) الوسائل ٧ : ١٦٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٥ وص ٢٣٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٢.

١٩٢

وكذا المغمى عليه ، وقيل : إن نوى الصوم قبل الإغماء وإلا كان عليه القضاء ، والأول أشبه.

______________________________________________________

وحكى المصنف في المعتبر عن الشيخ قولا بأن الصبي والكافر إذا زال عذرهما قبل الزوال ولم يتناولا يجددان نية الصوم ولا يجب عليهما القضاء ثم قال : وهو قوي ، لأن الصوم ممكن في حقهما ووقت النية باق ، لا يقال : لم يكن الصبي مخاطبا ، لأنا نقول : لكنه صار الآن مخاطبا ، ولو قيل : لا يجب صوم بعض اليوم ، قلنا : متى؟ إذا تمكن من نية يسري حكمها إلى أول النهار ، أو إذا لم يتمكن؟ وهنا هو متمكن من نية تسري إلى أوله (١) ، وكذا البحث في المغمى عليه (٢). انتهى كلامه رحمه‌الله وقوته ظاهرة.

قوله : ( وكذا المغمى عليه ، وقيل : إن نوى الصوم قبل الإغماء وإلا كان عليه القضاء ، والأول أشبه ).

لا ريب في سقوط الصوم عن المغمى عليه ، لخروجه بذلك عن أهلية التكليف ، وإنما الخلاف في صحة صومه مع سبق النية ، وقد تقدم الكلام في ذلك (٣).

واختلف الأصحاب في وجوب القضاء على المغمى عليه بعد الإفاقة ، فقال : الشيخ في الخلاف (٤) والمفيد (٥) والمرتضى (٦) : لا يقضي‌

__________________

(١) في الأصل : آخره. وصححناها كما في باقي النسخ والمصدر.

(٢) المعتبر ٢ : ٧١١.

(٣) راجع ص ١٣٩.

(٤) الخلاف ١ : ٣٩١.

(٥) المقنعة : ٥٦.

(٦) جمل العلم والعمل : ٩٣.

١٩٣

______________________________________________________

إن سبقت منه النية ، ويقتضي إن لم ينو.

وقال في النهاية والمبسوط : لا قضاء عليه مطلقا (١). وبه قطع ابن إدريس (٢) وعامة المتأخرين ، وهو المعتمد ، للأخبار الكثيرة الدالة عليه كصحيحة أيوب بن نوح ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام أسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب : لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة » (٣).

وصحيحة علي بن مهزيار ، قال : سألته عن المغمى عليه يوما أو أكثر ، هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب : « لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة » (٤).

ولم نقف للقائلين بالوجوب على حجة يعتد بها.

واحتج له في المختلف بأنه مريض فيلزمه القضاء ، تمسكا بعموم الآية وبأخبار وردت بقضاء الصلاة ، وقال : إنه لا قائل بالفرق (٥).

والجواب عن الأول المنع من تسمية المغمى عليه مريضا ، سلمنا‌

__________________

(١) النهاية : ١٦٥ ، والمبسوط ١ : ٢٨٥.

(٢) السرائر : ٩٤.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣٧ ـ ١٠٤١ ، التهذيب ٤ : ٢٤٣ ـ ٧١١ ، الإستبصار ١ : ٤٥٨ ـ ١٧٧٥ ، الوسائل ٧ : ١٦١ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٤ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٧ ـ ١٠٤٢ بتفاوت يسير ، الوسائل ٧ : ١٦٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٤ ح ٦.

(٥) المختلف : ٢٢٨.

١٩٤

والصحة من المرض : فإن برء قبل الزوال ولم يتناول وجب الصوم. وإن كان تناول أو كان برؤه بعد الزوال أمسك استحبابا ولزمه القضاء.

______________________________________________________

ذلك لكن لا نسلم وجوب القضاء على كل مريض ، والسند ما تلوناه من الأخبار.

وعن الروايات المتضمنة لقضاء الصلاة بأنها محمولة على الاستحباب ، توفيقا بينها وبين ما تضمن سقوط القضاء صريحا فيسقط الاحتجاج بها ، ثم لو كانت للوجوب لم يلزم منه وجوب قضاء الصوم ما لم ينعقد الإجماع على التسوية بينهما ، وعدم العلم بالقائل لا يقتضي العلم بالعدم كما بيناه مرارا.

ولا يخفى أن نقل المصنف القول بوجوب القضاء مع عدم سبق النية في هذه المسألة وقع في غير محله ، وإنما محله القسم الثاني ، وهو ما باعتباره يجب القضاء ، وأيضا فإن جعل القول المحكي مقابلا للمختار لا يخلو من شي‌ء ، إذ الظاهر أنه لا خلاف في سقوط وجوب الأداء عن المغمى عليه ، وإن قيل بأن صومه لا يفسد بذلك مع سبق النية كما في النائم.

قوله : ( والصحة من المرض ، فإن برأ قبل الزوال ولم يتناول وجب الصوم ، وإن كان تناول أو كان برؤه بعد الزوال أمسك استحبابا ).

هذا قول علمائنا أجمع ، أما وجوب الصوم إذا حصل البرء قبل الزوال فاستدل عليه المصنف في المعتبر والعلامة في التذكرة والمنتهى بأنه قبل الزوال يتمكن من أداء الواجب على وجه تؤثر النية في ابتدائه‌

١٩٥

والإقامة أو حكمها : فلا يجب على المسافر ، ولا يصح منه ، بل يلزمه القضاء.

______________________________________________________

فوجب (١) ، ويدل عليه فحوى ما دل على ثبوت ذلك في المسافر ، فإن المريض أعذر منه.

وأما أنه لا يجب إذا حصل البرء بعد التناول أو بعد الزوال فظاهر ، لفساد الصوم بالتناول ، أو فوات وقت النية التي هي شرط صحة الصوم.

وأما استحباب الإمساك في هاتين الصورتين فعلله في المنتهى بما فيه من التشبه بالصائمين ، وأمنه من تهمة من يراه (٢). ويدل عليه أيضا مع التناول قبل البرء قول علي بن الحسين عليهما‌السلام في رواية الزهري : « وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم قوي بقية يومه أمر بالإمساك عن الطعام بقية يومه تأديبا وليس بفرض » (٣).

قوله : ( والإقامة أو حكمها ، فلا يجب على المسافر ولا يصح منه ، بل يلزمه القضاء ).

هذا قول علمائنا أجمع ، ويدل عليه قوله تعالى ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٤) والتفصيل يقطع الشركة ، فكما يلزم الحاضر الصوم فرضا مضيقا يلزم المسافر القضاء كذلك ، وإذا لزم القضاء مطلقا سقط الصوم ، والأخبار الواردة بذلك كثيرة جدا (٥) ، وقد أوردنا طرفا منها فيما‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٩٤ ، والتذكرة ١ : ٢٧٤ ، والمنتهى ٢ : ٦٠٠.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٠٠.

(٣) الكافي ٤ : ٨٣ ـ ١ بتفاوت يسير ، الفقيه ٢ : ٤٦ ـ ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ ـ ٨٩٥ ، الوسائل ٧ : ١٣٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٧ ح ٣.

(٤) البقرة : ١٨٥.

(٥) الوسائل ٧ : ١٢٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ١.

١٩٦

ولو صام لم يجزئه مع العلم ، ويجزيه مع الجهل.

______________________________________________________

سبق (١).

قوله : ( ولو صام لم يجزيه مع العلم ويجزيه مع الجهل ).

المراد أن من صام شهر رمضان أو غيره في السفر مع العلم بوجوب التقصير لم يجزيه ، ويجزيه مع الجهل بذلك ، والمستند في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن ابن أبي شعبة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل صام في السفر فقال : « إن كان بلغه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن ذلك فعليه القضاء ، وإن لم يكن بلغه فلا شي‌ء عليه » (٢).

وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر فقال : « إن كان لم يبلغه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن ذلك فليس عليه القضاء ، وقد أجزأ عنه الصوم » (٣).

وفي الحسن عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : رجل صام في السفر فقال : « إن كان بلغه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن ذلك فعليه القضاء ، وإن لم يكن بلغه فلا شي‌ء عليه » (٤).

ولو علم المسافر بالحكم في أثناء النهار وجب عليه الإفطار والقضاء قطعا.

__________________

(١) راجع ص ١٤٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٢١ ـ ٦٤٤ ، الوسائل ٧ : ١٢٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ ح ٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٢١ ـ ٦٤٦ ، الوسائل ٧ : ١٢٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ١٢٨ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٩٣ ـ ٤١٧ ، التهذيب ٤ : ٢٢٠ ـ ٦٤٣ ، الوسائل ٧ : ١٢٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ ح ٣.

١٩٧

ولو حضر بلده أو بلدا يعزم فيه الإقامة عشرة كان حكمه حكم المريض في الوجوب وعدمه.

______________________________________________________

وهل يلحق بجاهل الحكم ناسية؟ قيل : نعم ، لاشتراكهما في العذر (١). وقيل : لا (٢). وهو الأصح ، قصرا لما خالف الأصل على مورد النص.

ولو صام المريض وجب عليه الإعادة مع العلم والجهل ، لأنه أتى بخلاف ما هو فرضه ، وإلحاقه بالمسافر قياس لا نقول به.

قوله : ( ولو حضر بلده أو بلدا يعزم فيه الإقامة كان حكمه حكم المريض في الوجوب وعدمه ).

بمعنى أن نية الإقامة إن حصلت قبل الزوال ولم يتناول وجب الصوم وأجزأه ، وإلا أمسك استحبابا ولزمه القضاء.

أما الوجوب إذا قدم قبل الزوال ولم يكن قد تناول فيدل عليه مضافا إلى ما سبق ما رواه الشيخ ، عن أحمد بن محمد ، قال :سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل قدم من سفر في شهر رمضان ولم يطعم شيئا قبل الزوال قال : « يصوم » (٣).

وعن أبي بصير ، قال : سألته عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان فقال : « إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به » (٤).

__________________

(١) كما في المسالك ١ : ٧٧.

(٢) كما في اللمعة : ٥٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٥٥ ـ ٧٥٥ ، الوسائل ٧ : ١٣٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ٦ ح ٤.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٥٥ ـ ٧٥٤ ، الوسائل ٧ : ١٣٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٦ ح ٦.

١٩٨

وفي حكم الإقامة كثرة السفر ، كالمكاري والملاّح وشبههما ،

______________________________________________________

ولو عرف المسافر أنه يصل إلى موضع إقامته قبل الزوال كان مخيرا في الإمساك والإفطار ، والأفضل الإمساك ليدرك صوم يومه ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان فيدخل أهله حين يصبح أو ارتفاع النهار فقال : « إذا طلع الفجر وهو خارج لم يدخل أهله فهو بالخيار ، إن شاء صام وإن شاء أفطر » (١).

وفي الحسن عن رفاعة بن موسى ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقبل في شهر رمضان من سفر حتى يرى أنه سيدخل ضحوة أو ارتفاع النهار ، قال : « إذا طلع الفجر وهو خارج لم يدخل فهو بالخيار ، إن شاء صام وإن شاء أفطر » (٢).

وربما ظهر من إطلاق الروايتين تخيير المسافر بعد الدخول أيضا إذا طلع الفجر عليه وهو خارج البلد. وأظهر منهما في الدلالة على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم ، ويعتد به من شهر رمضان ، فإذا دخل أرضا قبل طلوع الفجر وهو يريد الإقامة بها فعليه صوم ذلك اليوم ، وإن دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه ، وإن شاء صام » (٣) والمسألة محل إشكال. وكيف كان فالمعتمد ما عليه الأصحاب.

قوله : ( وفي حكم الإقامة كثرة السفر ، كالمكاري والملاح‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥٦ ـ ٧٥٧ ، الوسائل ٧ : ١٣٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ٦ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ١٣٢ ـ ٧٥٦ ، الفقيه ٢ : ٩٣ ـ ٤١٤ ، التهذيب ٤ : ٢٥٥ ـ ٧٥٦ ، الاستبصار ٢ : ٩٨ ـ ٣١٨ ذيل الحديث ، الوسائل ٧ : ١٣٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ٦ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ١٣١ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ٩٢ ـ ٤١٣ ، التهذيب ٤ : ٢٢٩ ـ ٦٧٢ ، الإستبصار ٢ : ٩٩ ـ ٣٢٢ ، الوسائل ٧ : ١٣٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ٦ ح ١.

١٩٩

ما لم يحصل لهم الإقامة عشرة أيام.

والخلو من الحيض والنفاس : فلا يجب عليهما ، ولا يصحّ منهما ، وعليهما القضاء.

الثاني : ما باعتباره يجب القضاء ، وهو ثلاثة شروط :

البلوغ ، وكمال العقل ، والإسلام. فلا يجب على الصبي القضاء ، إلا اليوم الذي بلغ فيه قبل طلوع فجره ، وكذا المجنون ، والكافر وإن‌

______________________________________________________

وشبههما ، ما لم يحصل لهم الإقامة عشرة ).

المراد بشبههما : من كان السفر عمله كالتاجر والجمّال ، وبإقامة العشرة : الإقامة القاطعة لكثرة السفر ، وقد تقدم الكلام في ذلك مستوفى في كتاب الصلاة.

قوله : ( والخلو من الحيض والنفاس ، فلا يجب عليهما ، ولا يصح منهما ، وعليهما القضاء ).

هذه الأحكام كلها إجماعية ، والنصوص بها مستفيضة (١) ، وحكى العلامة في المنتهى عن شاذ من العامة قولا بوجوب الصوم على الحائض والنفساء وإن وجب عليهما الإفطار ، لوجوب الصوم على الحائض والنفساء وإن وجب عليهما الإفطار ، لوجوب القضاء عليهما ، قال : وهو خطأ ، لأن وجوب الصوم مع وجوب الإفطار مما يتنافيان ، ووجوب القضاء بأمر جديد لا بالأمر السابق (٢).

قوله : ( الثاني ، ما باعتباره يجب القضاء ، وهو ثلاثة شروط : البلوغ ، وكمال العقل ، والإسلام ، فلا يجب على الصبي القضاء إلا اليوم الذي بلغ فيه قبل طلوع فجره ، وكذا المجنون ، والكافر وإن وجب‌

__________________

(١) الوسائل ٧ : ١٦٢ أبواب من يصح من الصوم ب ٢٥.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٠٠.

٢٠٠