مدارك الأحكام - ج ٦

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٦

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

______________________________________________________

بما أطاقوا من صيام اليوم وإن كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقل ، فإذا غلبهم العطش والغرث أفطروا حتى يتعودوا الصوم ويطيقوه ، فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين بما أطاقوا من صيام ، فإذا غلبهم العطش أفطروا » (١).

وما رواه ابن بابويه مرسلا ، عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « الصبي يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه ، فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام إلى ذلك الوقت ، فإذا غلب عليه الجوع والعطش أفطر » (٢).

ولا ينافي ذلك ما رواه الكليني في الصحيح ، عن معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ فقال : « ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة ، فإن هو صام قبل ذلك فدعه ، ولقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته » (٣) لأن أخذ الصبي بالصوم بين الأربع عشرة والخمس عشرة لا ينافي استحباب أمره قبل ذلك.

وذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أن مقتضى هذه الرواية عدم تحديد مبدأ وقت التمرين (٤). وهو غير جيد ، إذ لو كان كذلك لم يبق لقوله : « فإن هو صام قبل ذلك فدعه » معنى ، وكذا قوله : « ولقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته ».

ولم نقف لما ذكره المصنف من استحباب أمره قبل السبع والتشديد عليه للسبع على مستند.

أما ما ذهب إليه المفيد ـ رحمه‌الله ـ فربما كان مستنده ما رواه الكليني‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٤ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٨٢ ـ ٨٥٣ ، الإستبصار ٢ : ١٢٣ ـ ٤٠٠ ، الوسائل ٧ : ١٦٧ أبواب ما يصح منه الصوم ب ٢٩ ح ٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٧٦ ـ ٣٢٩ ، الوسائل ٧ : ١٦٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٩ ح ١١.

(٣) الكافي ٤ : ١٢٥ ـ ٢ ، الوسائل ٧ : ١٦٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٩ ص ١.

(٤) المسالك ١ : ٧٦.

١٦١

______________________________________________________

رضي‌الله‌عنه ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا أطاق الغلام صوم ثلاثة أيام متتابعة فقد وجب عليه صيام شهر رمضان » (١) وهي ضعيفة السند (٢) ، ولو صح سندها لأمكن الجمع بينها وبين رواية الحلبي المتقدمة بالحكم باستحباب التمرين بعد بلوغ التسع أو القدرة على صيام الثلاثة الأيام.

واعلم أن ما وقفت عليه من الروايات في هذه المسألة مختص بصوم الصبي ، وقد قطع الأصحاب باستحباب تمرين الصبية قبل البلوغ والتشديد عليها للسبع ، ولا ريب في استحباب التمرين ، إلا أن تعيين مبدأه يتوقف على ورود النقل.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٥ ـ ٤ ، الوسائل ٧ : ١٦٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٩ ح ٥.

(٢) لأن راويها عامي ـ راجع عدة الأصول : ٣٨٠.

١٦٢

النظر الثاني

في أقسامه

وهي أربعة : واجب ، وندب ، ومكروه ، ومحظور.

الأوّل : والواجب ستة : صوم شهر رمضان ، والكفارات ، ودم المتعة ، والنذر وما في معناه ، والاعتكاف على وجه ، وقضاء الواجب.

القول في شهر رمضان

والكلام في : علامته ، وشروطه ، وأحكامه.

______________________________________________________

قوله : ( النظر الثاني ، في أقسامه ، وهي أربعة : واجب ، وندب ، ومكروه ، ومحظور ).

لا يخفى أن المنقسم إلى الأقسام الأربعة مطلق الصوم المتناول للصحيح والفاسد ، لأن الصحيح لا يكون إلا راجحا ، إما واجبا أو مندوبا ، والمكروه في هذا الباب لا يخرج عنهما كما بيناه مرارا (١).

قوله : ( والواجب ستة : صوم شهر رمضان ، والكفارات ، ودم المتعة ، والنذر وما في معناه ، والاعتكاف على وجه ، وقضاء الواجب ).

__________________

(١) راجع ج ١ ص ١١٧.

١٦٣

أما الأول : فيعلم الشهر برؤية الهلال. فمن رآه وجب عليه الصوم ولو انفرد ، وكذا لو شهد فردّت شهادته. وكذا يفطر لو انفرد بهلال شوّال.

______________________________________________________

هذا الحصر استقرائي مستفاد من تتبع الأدلة الشرعية ، وقد أجمع‌ الأصحاب على وجوب هذه الأنواع الستة خاصة. والمراد بالوجه الذي يتحقق فيه وجوب الاعتكاف : ما لو اعتكف يومين ندبا فإنه يجب الثالث. ويمكن تناوله للمنذور وشبهه.

قوله : ( أما الأول ، فيعلم الشهر برؤية الهلال ، فمن رآه وجب عليه الصوم ولو انفرد ، وكذا لو شهد فردت شهادته ، وكذا يفطر لو انفرد بهلال شوال ).

هذا قول علمائنا وأكثر العامة ، وقال بعضهم : لا يصوم المنفرد برؤية الهلال ، ولا يفطر إلا في جماعة الناس (١). ولا ريب في بطلانه. ويدل على الوجوب مضافا إلى الإجماع قوله تعالى ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٢).

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن أبي الصباح والحلبي جميعا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سئل عن الأهلة فقال : « هي أهلة الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصم ، وإذا رأيته فأفطر » (٣).

وفي الصحيح عن المفضل وعن زيد الشحام جميعا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سئل عن الأهلّة فقال : « هي أهلة الشهور ، فإذا رأيت الهلال‌

__________________

(١) حكاه في بدائع الصنائع ٢ : ٨١.

(٢) البقرة : ١٨٥.

(٣) التهذيب ٤ : ١٥٦ ـ ٤٣٤ ، الإستبصار ٢ : ٦٣ ـ ٢٠٤ ، الوسائل ٧ : ١٨٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٣ ح ٧.

١٦٤

ومن لم يره لا يجب عليه الصوم ، إلا أن يمضي من شعبان ثلاثون يوما ، أو يرى رؤية شائعة.

______________________________________________________

فصم ، وإذا رأيته فأفطر » (١).

ويدل عليه صريحا ما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح ، عن علي بن جعفر : إنه سأل أخاه موسى عليه‌السلام عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وحده لا يبصره غيره ، أله أن يصوم؟ قال : « إذا لم يشك فيه فليصم ، وإلا فليصم مع الناس » (٢).

قوله : ( ومن لم يره لا يجب عليه الصوم ، إلا أن يمضي من شعبان ثلاثون يوما ، أو يرى رؤية شائعة ).

أما وجوب الصوم مع مضي ثلاثين يوما من شعبان فمجمع عليه بين المسلمين ، بل الظاهر أنه من ضروريات الدين.

وأما الوجوب إذا رئي رؤية شائعة فقال المصنف في المعتبر والعلامة في المنتهى : إنه لا خلاف فيه بين العلماء (٣). واستدل عليه في المنتهى بأنه نوع تواتر يفيد العلم ، ونحوه قال في التذكرة ثم قال : ولو لم يحصل العلم بل حصل ظن غالب بالرؤية فالأقوى التعويل عليه ، كالشاهدين فإن الظن الحاصل بشهادتهما حاصل مع الشياع (٤). ونحوه ذكر الشارح (٥) وغيره (٦) ، واحتمل في موضع من الشرح اعتبار زيادة الظن على ما يحصل بقول العدلين‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٥٥ ـ ٤٣٠ ، الإستبصار ٢ : ٦٢ ـ ٢٠٠ ، الوسائل ٧ : ١٨٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٣ ح ٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٧٧ ـ ٣٤١ ، التهذيب ٤ : ٣١٧ ـ ٩٦٤ ، الوسائل ٧ : ١٨٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٤ ح ١.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٨٦ ، والمنتهى ٢ : ٥٩٠.

(٤) التذكرة ١ : ٢٧١.

(٥) المسالك ١ : ٧٦.

(٦) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ٥ : ٢٨٧.

١٦٥

فإن لم يتفق ذلك وشهد شاهدان ، قيل : لا تقبل ، وقيل : تقبل مع العلّة ، وقيل : تقبل مطلقا ، وهو الأظهر ، سواء كانا من البلد أو خارجه.

______________________________________________________

لتتحقق الأولوية المعتبرة في مفهوم الموافقة (١).

ويشكل بأن ذلك يتوقف على كون الحكم بقبول شهادة العدلين معللا بإفادتهما الظن ليتعدى إلى ما يحصل به ذلك وتتحقق الأولوية المذكورة ، وليس في النص ما يدل على هذا التعليل ، وإنما هو مستنبط فلا عبرة به ، مع أن اللازم من اعتباره الاكتفاء بالظن الحاصل من القرائن إذا ساوى الظن الحاصل من شهادة العدلين ، أو كان أقوى ، وهو باطل إجماعا.

والأصح اعتبار العلم كما اختاره العلامة في المنتهى (٢) ، وصرح به المصنف ـ رحمه‌الله ـ في كتاب الشهادات من هذا الكتاب (٣) ، لانتفاء ما يدل على اعتبار الشياع بدون ذلك. وعلى هذا فينبغي القطع بجريانه في جميع الموارد وحيث كان المعتبر ما أفاد العلم فلا ينحصر المخبرون في عدد ، ولا يفرق في ذلك بين خبر المسلم والكافر ، والصغير والكبير ، والأنثى والذكر كما قرر في حكم التواتر.

قوله : ( وإن لم يتفق ذلك وشهد شاهدان قيل : لا تقبل ، وقيل : تقبل مع العلة ، وقيل : تقبل مطلقا ، وهو الأظهر ، سواء كان من البلد أو خارجه ).

اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فذهب المفيد (٤) والمرتضى (٥)

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤١٠.

(٢) المنتهى ٢ : ٥٩٠.

(٣) الشرائع ٤ : ١٣٢.

(٤) المقنعة : ٤٨.

(٥) جمل العلم والعمل : ٨٩.

١٦٦

______________________________________________________

وابن إدريس (١) والمصنف وأكثر الأصحاب إلى أنه يثبت بشاهدين عدلين ذكرين ، من خارج البلد وداخله ، صحوا وغيما.

وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : لا يقبل مع الصحو إلا خمسون نفسا أو شاهدان من خارج البلد (٢). وقال في النهاية : لا يقبل مع الصحو إلا خمسون رجلا من خارج البلد ، ومع العلة يعتبر الخمسون من البلد ، ويكفي الاثنان من غيره (٣). والمعتمد الأول.

لنا : الأخبار المستفيضة كصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إن عليا عليه‌السلام كان يقول : لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين » (٤).

وصحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « صم لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته ، فإن شهد عندك شاهدان مرضيا بأنهما رأياه فاقضه » (٥).

وصحيحة زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سئل عن الأهلة فقال : « هي أهلة الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصم ، وإذا رأيته فأفطر » فقلت : أرأيت إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما أقضي ذلك اليوم؟ فقال : « لا ، إلا أن تشهد لك بينة عدول ، فإن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم » (٦).

__________________

(١) السرائر : ٨٦.

(٢) المبسوط ١ : ٢٦٧ ، والخلاف ١ : ٣٧٩.

(٣) النهاية : ١٥٠.

(٤) الكافي ٤ : ٧٦ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٧٧ ـ ٣٣٨ ، الوسائل ٧ : ٢٠٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ١.

(٥) التهذيب ٤ : ١٥٧ ـ ٤٣٦ ، الإستبصار ٢ : ٦٣ ـ ٢٠٥ ، الوسائل ٧ : ٢٠٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ٤.

(٦) التهذيب ٤ : ١٥٥ ـ ٤٣٠ ، الإستبصار ٢ : ٦٢ ـ ٢٠٠ ، الوسائل ٧ : ١٩٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٥ ح ٤.

١٦٧

______________________________________________________

وصحيحة عبيد الله بن علي الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قال علي عليه‌السلام : لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين » (١) وفي معنى هذه الروايات روايات كثيرة (٢).

احتج الشيخ ـ رحمه‌الله ـ بما رواه عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : كم يجزي في رؤية الهلال؟ فقال : « إن شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤده بالتظني ، وليس رؤية الهلال أن تقوم عدة فيقول واحد : قد رأيته ، ويقول الآخرون : لم نره ، إذا رآه واحد رآه مائة ، وإذا رآه مائة رآه ألف ، ولا يجوز في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقل من شهادة خمسين وإذا كانت في السماء علة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر » (٣).

وعن حبيب الجماعي قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد قسامة ، وإنما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر وكان بالمصر علة فأخبرا أنهما رأياه وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية » (٤).

وأجاب المصنف في المعتبر عن هاتين الروايتين بأن اشتراط الخمسين لم يوجد في حكم سوى قسامة الدم ، ثم لا يفيد اليقين بل قوة الظن ، وهي تحصل بشهادة العدلين ، ثم قال : وبالجملة فإنه مخالف لما عليه عمل المسلمين كافة فكان ساقطا (٥).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٧ ـ ٣٤٠ ، التهذيب ٤ : ١٨٠ ـ ٤٩٨ ، الوسائل ٧ : ٢٠٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ٧.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٠٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١.

(٣) التهذيب ٤ : ١٦٠ ـ ٤٥١ ، الوسائل ٧ : ٢٠٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ١٠.

(٤) التهذيب ٤ : ١٥٩ ـ ٤٤٨ ، الإستبصار ٢ : ٧٤ ـ ٢٢٧ ، الوسائل ٧ : ٢١٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ١٣ ، وفيها وفي « ض » ، « م » ، « ح » : القسامة بدل قسامة.

(٥) المعتبر ٢ : ٦٨٨.

١٦٨

______________________________________________________

وأجاب عنهما في المنتهى بالمنع من صحة السند (١) ، وكأن وجهه جهالة حبيب الجماعي راوي الثانية ، وأن في طريق الأولى العباس بن موسى ، وهو غير معلوم الحال ، وإن كان الظاهر أنه الوراق الثقة الذي هو من أصحاب يونس ، بقرينة روايته هنا عنه ، وفي يونس كلام.

وأجاب عنهما في المختلف بالحمل على عدم عدالة الشهود ، وحصول التهمة في إخبارهم (٢). وهو غير بعيد. وكيف كان فالمعتمد ما دلت عليه الأخبار الصحيحة المستفيضة من الاكتفاء بالشاهدين العدلين مطلقا (٣).

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : صرح العلامة (٤) وغيره بأنه لا يعتبر في ثبوت الهلال بالشاهدين في الصوم والفطر حكم الحاكم ، فلو رآه اثنان ولم يشهدا عند الحاكم وجب على من سمع شهادتهما وعرف عدالتهما الصوم أو الفطر (٥). وهو كذلك ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة منصور بن حازم : « فإن شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه » (٦) وفي صحيحة الحلبي وقد قال له : أرأيت إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما أقضي ذلك اليوم؟ قال : « لا إلا أن تشهد بذلك بيّنة عدول ، فإن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم » (٧).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٥٨٩.

(٢) المختلف : ٢٣٥.

(٣) الوسائل ٧ : ٢٠٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١.

(٤) المنتهى ٢ : ٥٩٠ ، والتحرير ١ : ٨٢.

(٥) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٦.

(٦) التهذيب ٤ : ١٥٧ ـ ٤٣٦ ، الإستبصار ٢ : ٦٣ ـ ٢٠٥ ، المقنعة : ٤٨ ، الوسائل ٧ : ٢٠٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ٤.

(٧) التهذيب ٤ : ١٥٦ ـ ٤٣٤ ، الإستبصار ٢ : ٦٣ ـ ٢٠٤ ، الوسائل ٧ : ١٩١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٥ ح ٩.

١٦٩

______________________________________________________

الثاني : لو اختلف الشاهدان في صفة الهلال بالاستقامة والانحراف بطلت شهادتهما ، ولا كذلك لو اختلفا في زمان الرؤية مع اتحاد الليلة ، ولو شهد أحدهما برؤية شعبان الاثنين وشهد الآخر برؤية رمضان الأربعاء احتمل القبول ، لاتفاقهما في المعنى ، وعدمه ، لأن كل واحد يخالف الآخر في شهادته ولم تثبت إحداهما.

الثالث : لا يكفي قول الشاهد اليوم الصوم أو الفطر ، بل يجب على السامع الاستفصال ، لاختلاف الأقوال في المسألة ، فيجوز استناد الشاهد إلى سبب لا يوافق مذهب السامع. نعم لو علمت الموافقة أجزأ الإطلاق كما في الجرح والتعديل.

الرابع : هل يثبت الهلال بالشهادة على الشهادة؟ قيل : لا ، وبه قطع في التذكرة ، وأسنده إلى علمائنا ، واستدل عليه بأصالة البراءة ، واختصاص ورود القبول بالأموال وبحقوق الآدميين (١).

وقيل : نعم ، وبه جزم الشارح من غير نقل خلاف ، أخذا بالعموم وانتفاء ما يصلح للتخصيص ، والتفاتا إلى أن الشهادة حق لازم الأداء ، فتجوز الشهادة عليه كسائر الحقوق (٢). ولا بأس به.

ولو استند الشاهدان إلى الشياع المفيد للعلم وجب القبول قطعا.

الخامس : لا يخفى أن شهادة الخمسين حيث تعتبر إنما هو مع عدم حصول الشياع بدونها ، أما معه فلا ريب في الاجتزاء بالأقل.

السادس : هل يكفي قول الحاكم الشرعي وحده في ثبوت الهلال؟ فيه وجهان ، أحدهما : نعم ، وهو خيرة الدروس (٣) ، لعموم ما دل على أن‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٧٠.

(٢) المسالك ٢ : ٤١٥.

(٣) الدروس : ٧٧.

١٧٠

وإذا رئي في البلاد المتقاربة كالكوفة وبغداد وجب الصوم على ساكنيها أجمع ، دون المتباعدة كالعراق وخراسان ، بل يلزم حيث رئي.

______________________________________________________

للحاكم أن يحكم بعلمه ، ولأنه لو قامت عنده البينة فحكم بذلك وجب الرجوع إلى حكمه كغيره من الأحكام والعلم أقوى من البينة ، ولأن المرجع في الاكتفاء بشهادة العدلين وما تتحقق به العدالة إلى قوله فيكون مقبولا في جميع الموارد. ويحتمل العدم ، لإطلاق قوله عليه‌السلام : « لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين » (١).

قوله : ( وإذا رئي في البلاد المتقاربة كالكوفة وبغداد وجب الصوم على ساكنها أجمع ، دون المتباعدة كالعراق وخراسان ، بل يلزم حيث رئي ).

المراد أنه إذا رؤي الهلال في إحدى البلاد المتقاربة ـ وهي التي لم تختلف مطالعها ـ ولم ير في الباقي وجب الصوم على جميع من في تلك البلاد ، بخلاف المتباعدة ، وهي ما علم اختلاف مطالعها فإن الصوم يلزم من رأى دون من لم ير.

وحكى العلامة في التذكرة قولا عن بعض علمائنا بأن حكم البلاد كلها واحد ، فمتى رئي الهلال في بلد وحكم بأنه أول الشهر كان ذلك الحكم ماضيا في جميع أقطار الأرض ، سواء تباعدت البلاد أو تقاربت ، اختلفت مطالعها أو لا (٢). وإلى هذا القول ذهب العلامة في المنتهى في أول كلامه ، فإنه قال : إذا رأى الهلال أهل بلد وجب الصوم على جميع الناس ، سواء تباعدت البلاد أو تقاربت ، واستدل عليه بأنه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد بالرؤية ، وفي الباقي بالشهادة ، فيجب صومه ، وبأن البينة العادلة‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٧٦ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٧٧ ـ ٣٣٨ ، الوسائل ٧ : ٢٠٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ١.

(٢) التذكرة ١ : ٢٦٩.

١٧١

______________________________________________________

شهدت بالهلال فيجب الصوم كما لو تقاربت البلاد ، وبأنه شهد برؤيته من يقبل قوله فيجب القضاء لو فات للأخبار الكثيرة الدالة عليه ، كقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة منصور : « فإن شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه » (١).

وفي صحيحة هشام بن الحكم : فيمن صام تسعة وعشرين يوما : « إن كانت له بينة عادلة على أهل مصر أنهم صاموا ثلاثين على رؤية قضى يوما » (٢) علق عليه‌السلام قضاء اليوم على الشهادة على أهل مصر ، وهو نكرة شائعة تتناول الجميع على البدل ، فلا يخص ببعض الأمصار إلا بدليل.

ثم قال في آخر كلامه : ولو قالوا إن البلاد المتباعدة تختلف عروضها فجاز أن يرى الهلال في بعضها دون بعض لكرية الأرض ، قلنا : إن المعمور منها قدر يسير وهو الربع ، ولا اعتداد به عند السماء ، وبالجملة إن علم طلوعه في بعض الأصقاع وعدم طلوعه في بعضها المتباعد عنه لكرية الأرض لم يتساو حكماهما ، أو بدون ذلك فالتساوي هو الحق (٣). هذا كلامه رحمه‌الله وهو جيد.

ولا ينافي ذلك الروايات المتضمنة لوجوب القضاء لو فات وقامت البينة بالرؤية ، لأنها غير صريحة في التعميم على وجه يتناول البلاد المختلفة المطالع.

قال المحقق الشيخ فخر الدين في شرح القواعد : ومبنى هذه المسألة على أن الأرض هل هي كرية أو مسطحة ، والأقرب الأول ، لأن الكواكب تطلع في المساكن الشرقية قبل طلوعها في المساكن الغربية ، وكذا في‌

__________________

(١) المتقدمة في ص ١٦٩.

(٢) التهذيب ٤ : ١٥٨ ـ ٤٤٣ ، الوسائل ٧ : ١٩٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٥ ح ١٣.

(٣) المنتهى ٢ : ٥٩٢ وفيه وفي « ح » : لكروية بدل لكرية ومعناهما واحد.

١٧٢

________________________________________________________

الغروب ، وكل (١) بلد غربي بعد عن الشرقي بألف ميل يتأخر غروبه عن غروب الشرقي ساعة واحدة ، وإنما عرفنا ذلك بإرصاد الكسوفات القمرية ، حيث ابتدأت في ساعات أقل من ساعات بلدنا في المساكن الغربية ، وأكثر من ساعات بلدنا في المساكن الشرقية ، فعرفنا أن غروب الشمس في المساكن الشرقية قبل غروبها في بلدنا ، وغروبها في المساكن الغربية بعد غروبها في بلدنا ، ولو كانت الأرض مسطحة لكان الطلوع والغروب في جميع المواضع في وقت واحد ، ولأن السائر على خط من خطوط نصف النهار على الجانب الشمالي يزداد عليه ارتفاع (٢) الشمالي وانخفاض الجنوبي وبالعكس (٣). انتهى.

ويتفرع على اختلاف الحكم مع التباعد أن المكلف بالصوم لو رأى الهلال في بلد وسافر إلى آخر يخالفه في حكمه انتقل حكمه إليه ، فلو رأى الهلال في بلد ليلة الجمعة مثلا ثم سافر إلى بلد بعيدة شرقية قد رئي فيها ليلة السبت ، أو بالعكس ، صام في الأول إحدى وثلاثين ، ويفطر في الثاني على ثمانية وعشرين.

ولو أصبح معيّدا ثم انتقل ليومه ووصل قبل الزوال أمسك بالنية وأجزأه ، ولو وصل بعد الزوال أمسك مع القضاء.

ولو أصبح صائما للرؤية ثم انتقل احتمل جواز الإفطار لانتقال الحكم ، وعدمه لتحقق الرؤية ، وسبق التكليف بالصوم.

قال في الدروس : ولو روعي الاحتياط في هذه الفروض كان أولى (٤). ولا ريب في ذلك ، لأن المسألة قوية الإشكال.

__________________

(١) في المصدر : فكل.

(٢) في المصدر زيادة : القطب.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٢٥٢.

(٤) الدروس : ٧٦.

١٧٣

ولا يثبت بشهادة الواحد على الأصحّ.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يثبت بشهادة الواحد على الأصح ).

خالف في ذلك سلار رحمه‌الله ، فاجتزأ في هلال شهر رمضان بشهادة الواحد (١). واستدل له في المختلف بما رواه الشيخ ، عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إذا رأيتم الهلال فأفطروا ، أو شهد عليه عدل من المسلمين ، وإن لم تروا الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصيام إلى الليل ، وإن غمّ عليكم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا » (٢).

وأجاب عنها بالطعن في السند باشتراك محمد بن قيس بين جماعة منهم الضعيف (٣). وهو غير جيد ، لأن الظاهر كون الراوي هنا وهو البجلي الكوفي الثقة صاحب كتاب القضايا المعروف ، الذي يرويه عنه عاصم بن حميد ويوسف بن عقيل ، بقرينة كون الراوي عنه في هذه الرواية يوسف بن عقيل (٤).

وأجاب عنها في التذكرة بالقول بالموجب وعدم الدلالة على المطلوب ، لأن لفظة العدل يصح إطلاقها على الواحد فما زاد ، لأنه مصدر يصدق على القليل والكثير ، تقول رجل عدل ورجلان عدل ورجال عدل (٥).

وأقول : إن الشيخ ـ رحمه‌الله ـ قد روى هذه الرواية في الاستبصار بطريقين أحدهما كما نقله في المختلف ، والثاني هكذا : « إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو تشهد عليه بينة عدل من المسلمين » (٦) ورواها في التهذيب‌

__________________

(١) المراسم : ٩٦.

(٢) التهذيب ٤ : ١٥٨ ـ ٤٤٠ ، الإستبصار ٢ : ٧٣ ـ ٢٢٢ ، الوسائل ٧ : ١٩١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٥ ح ١١.

(٣) المختلف : ٢٣٤.

(٤) راجع رجال النجاشي : ٣٢٣ ـ ٨٨١.

(٥) التذكرة ١ : ٢٧٠.

(٦) الاستبصار ٢ : ٦٤ ـ ٢٠٧ وفيه عدول بدل عدل.

١٧٤

ولا بشهادة النساء. ولا اعتبار بالجدول.

______________________________________________________

بطريقين ، أحدهما كالأول ، وصورة الثاني : « إذا رأيتم الهلال فأفطروا وأشهدوا عليه عدولا من المسلمين » (١) واضطراب متن الخبر على هذا الوجه مما يضعف الاحتجاج به ، خصوصا مع مصادمته للأخبار المستفيضة المتضمنة لعدم الاكتفاء بما دون العدلين (٢) ، ومع ذلك فمورد الرواية هلال شوال وهو خلاف المدعى. وكيف كان فلا ريب في ضعف هذا القول.

قوله : ( ولا بشهادة النساء ).

أي : ولا يثبت هلال شهر رمضان بشهادة النساء منفردات ولا منضمات إلى الرجال ، وهذا الحكم إجماعي منصوص في عدة روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إن عليا عليه‌السلام كان يقول : لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين » (٣).

وما رواه ابن بابويه مرسلا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : « لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين » (٤).

ولو حصل بإخبار النساء الشياع المفيد للعلم وجب التعويل عليه قطعا ، لكنه ليس من باب الشهادة.

قوله : ( ولا اعتبار بالجدول ).

هو حساب مخصوص مأخوذ من [ سير ] القمر واجتماعه بالشمس ، ولا ريب في عدم اعتباره ، لاستفاضة الروايات بأن الطريق إلى ثبوت دخول الشهر أحد أمرين ، إما رؤية الهلال ، أو مضي ثلاثين يوما من الشهر المتقدم (٥) ،

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٧٧ ـ ٤٩١.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٠٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١.

(٣) التهذيب ٤ : ١٨٠ ـ ٤٩٩ ، الوسائل ٧ : ٢٠٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ٨.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٧ ـ ٣٤٠ ، الوسائل ٧ : ٢٠٧ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١١ ح ٣.

(٥) الوسائل ٧ : ١٨٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٣.

١٧٥

ولا بالعدد.

______________________________________________________

ولو كان الرجوع إلى المنجم حجة لأرشدوا إليه ، وأيضا فإن أكثر أحكام التنجيم مبني على قواعد ظنية مستفادة من الحدس الذي يخطئ أكثر مما يصيب ، وأيضا فإن أهل التقويم لا يثبتون أول الشهر بمعنى جواز الرؤية ، بل بمعنى تأخر القمر عن محاذاة الشمس ليرتبوا عليه مطالبهم من حركات الكواكب وغيرها ، ويعترفون بأنه قد لا تمكن رؤيته ، والشارع إنما علق الأحكام على رؤية الهلال لا على التأخر المذكور.

وحكى الشيخ في الخلاف عن شاذ منّا العمل بالجدول (١). ونقله في المنتهى عن بعض الجمهور ، تمسكا بقوله تعالى ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (٢) وبأن الكواكب والمنازل يرجع إليها في القبلة والأوقات ، وهي أمور شرعية ، فكذا هنا (٣).

والجواب [ عن الأول ] (٤) أن الاهتداء بالنجم يتحقق بمعرفة الطرق ومسالك البلدان وتعريف الأوقات.

وعن الثاني بأن الذي يرجع إليه في الوقت والقبلة مشاهدة النجم ، لا ظنون أهل التنجيم الكاذبة في أكثر الأوقات.

قال في التذكرة (٥) : وقد شدد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النهي عن سماع كلام المنجم حتى قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من صدّق كاهنا أو منجما فهو كافر بما أنزل على محمد » (٦).

قوله : ( ولا بالعدد ).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٧٨.

(٢) النحل : ١٦.

(٣) المنتهى ٢ : ٥٩٠.

(٤) أثبتناه من « ح ».

(٥) التذكرة ١ : ٢٧١.

(٦) غوالي اللآلي ٣ : ١٤٠ ـ ٣٠ ، الوسائل ٧ : ٢١٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٥ ح ٢.

١٧٦

______________________________________________________

المراد بالعدد هنا : عد شعبان ناقصا أبدا ، وشهر رمضان تاما أبدا ، وقد صرح بذلك المصنف في المعتبر فقال : ولا بالعدد ، فإن قوما من الحشوية يزعمون أن شهور السنة قسمان : ثلاثون يوما ، وتسعة وعشرون يوما ، فرمضان لا ينقص أبدا ، وشعبان لا يتم أبدا ، محتجين بأخبار منسوبة إلى أهل البيت عليهم‌السلام ، يصادمها عمل المسلمين في الأقطار بالرؤية ، وروايات صريحة لا يتطرق إليها الاحتمال فلا ضرورة إلى ذكرها (١). هذا كلامه رحمه‌الله.

وأشار بالروايات الصريحة إلى ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال في شهر رمضان : « هو شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان » (٢).

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « وإذا كانت علة فأتم شعبان ثلاثين » (٣).

وفي الصحيح عن عبيد الله الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : أرأيت إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما ، أقضي ذلك اليوم؟ فقال : « لا ، إلا أن تشهد لك بينة عدول ، فإن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك اليوم فاقض ذلك اليوم » (٤) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة (٥).

والقول باعتبار العدد منقول عن شيخنا المفيد في بعض كتبه ، وإليه ذهب ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه (٦) ، فإنه روى عن محمد بن سنان ،

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٨٨.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦٠ ـ ٤٥٢ ، الوسائل ٧ : ١٩٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٥ ح ٣.

(٣) التهذيب ٤ : ١٥٦ ـ ٤٣٣ ، الإستبصار ٢ : ٦٣ ـ ٢٠٣ ، الوسائل ٧ : ١٩٠ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٥ ح ١٧.

(٤) التهذيب ٤ : ١٦١ ـ ٤٥٥ ، الوسائل ٧ : ١٩٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٥ ح ١٧.

(٥) الوسائل ٧ : ١٨٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٥.

(٦) الفقيه ٢ : ١١١.

١٧٧

ولا بغيبوبة الهلال بعد الشفق.

______________________________________________________

عن حذيفة بن منصور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص أبدا » (١).

وعن حذيفة بن منصور أيضا بطريق فيه محمد بن سنان ، عن معاذ بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص والله أبدا » (٢).

ثم قال ـ بعد أن أورد هاتين الروايتين وما في معناهما ـ : قال مصنف هذا الكتاب من خالف هذه الأخبار ، وذهب إلى الأخبار الموافقة للعامة في ضدها اتقي كما تتقي العامة ، ولا يكلم إلا بالتقية كائنا من كان ، إلا أن يكون مسترشدا فيرشد ويبين له ، فإن البدعة إذا تمات وتبطل بترك ذكرها ، ولا قوة إلا بالله.

وأقول إن ما أورده ـ رحمه‌الله ـ في هذا الباب من الروايات كلها ضعيفة السند ، وقد ضعفها الشيخ في كتابي الأخبار ، وتأولها بوجوه من التأويل وعارضها بأخبار كثيرة صريحة في خلاف ما تضمنته (٣) ، وقد أوردنا من ذلك ما فيه كفاية.

قوله : ( ولا بغيبوبة الهلال بعد الشفق ).

خالف في ذلك ابن بابويه رحمه‌الله ، فقال في المقنع : واعلم أن الهلال إذا غاب قبل الشفق فهو ليلة ، وإن غاب بعد الشفق فهو لليلتين ، وإن رئي فيه ظل الرأس فهو لثلاث ليالي (٤).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١١٠ ـ ٤٧٠ ، الوسائل ٧ : ١٩٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٥ ح ٢٦.

(٢) الفقيه ٢ : ١١٠ ـ ٤٧١ ، الوسائل ٧ : ١٩٥ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٥ ح ٢٧.

(٣) التهذيب ٤ : ١٦٩.

(٤) المقنع : ٥٨.

١٧٨

ولا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال.

______________________________________________________

وربما كان مستنده ما رواه فيمن لا يحضره الفقيه عن حماد بن عيسى ، عن إسماعيل بن الحر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو ليلة ، وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين » (١).

وعن محمد بن مرازم ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا تطوق الهلال فهو لليلتين ، وإذا رأيت ظل رأسك فيه فهو لثلاث ليالي » (٢).

والرواية الأولى ضعيفة بجهالة الراوي ، والثانية وإن كانت معتبرة الإسناد إلا أنها لا تنهض حجة في معارضة الأصل والإطلاقات المعلومة.

قوله : ( ولا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال ).

هذا قول معظم الأصحاب ، ونقل عن المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ أنه قال في بعض مسائله : إذا رئي الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية (٣). وقال العلامة في المختلف : إن الأقرب اعتبار ذلك في الصوم دون الفطر (٤). والمعتمد الأول ، تمسكا بمقتضى الأصل ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن قيس المتقدمة : « فإن لم تروا الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصيام إلى الليل » (٥).

ويؤيده ما رواه الشيخ عن جراح المدائني قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « من رأى هلال شوال نهارا في رمضان فليتم صيامه » (٦).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٨ ـ ٣٤٣ ، الوسائل ٧ : ٢٠٤ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٩ ح ٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٧٨ ـ ٣٤٢ ، الوسائل ٧ : ٢٠٣ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٩ ح ٢.

(٣) المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٦.

(٤) المختلف : ٢٣٥.

(٥) الفقيه ٢ : ٧٧ ـ ٣٣٧ ، التهذيب ٤ : ١٥٨ ـ ٤٤٠ ، الإستبصار ٢ : ٦٤ ـ ٢٠٧ ، الوسائل ٧ : ٢٠١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ١.

(٦) التهذيب ٤ : ١٧٨ ـ ٤٩٢ ، الإستبصار ٢ : ٧٣ ـ ٢٢٣ ، الوسائل ٧ : ٢٠١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ٢.

١٧٩

______________________________________________________

وعن محمد بن عيسى ، قال : كتبت إليه عليه‌السلام : جعلت فداك ربما غمّ علينا هلال شهر رمضان فيرى من الغد الهلال قبل الزوال ، وربما رأيناه بعد الزوال ، فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ وكيف تأمر في ذلك؟ فكتب عليه‌السلام : « تتم إلى الليل ، فإنه إذا كان تاما رئي قبل الزوال » (١).

حجة القول الثاني قوله عليه‌السلام : « إذا رأيت الهلال فصم ، وإذا رأيته فأفطر » (٢) فإن ذلك شامل لما قبل الزوال ، وقد تقدم أن وقت النية يستمر للمعذور إلى الزوال ، فيجب الصوم لرؤية الهلال وبقاء الوقت.

وما رواه الشيخ في الحسن ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية ، وإذا رأوه بعد الزوال فهو للّيلة المستقبلة » (٣).

وفي الموثق عن عبيد بن زرارة ، وعبد الله بن بكير قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا رئي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوال ، وإذا رئي بعد الزوال فهو من شهر رمضان » (٤).

وبهذه الروايات استدل العلامة في المختلف على اعتبار ذلك في الصوم ثم قال : لا يقال : الأحاديث التي ذكرتموها تقتضي المساواة في الصوم والفطر ، لأنا نقول : الفرق إنما هو الاحتياط للصوم ، وهو إنما يتم بما فصلناه نحن ، إذا عرفت هذا فنقول : لو رئي في أول الشهر قبل الزوال ولم ير ليلة‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٧٧ ـ ٤٩٠ ، الإستبصار ٢ : ٧٣ ـ ٢٢١ ، الوسائل ٧ : ٢٠١ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ٤.

(٢) المقنعة : ٤٨ ، الوسائل ٧ : ١٨٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٣ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ١٧٦ ـ ٤٨٨ ، الإستبصار ٢ : ٧٣ ـ ٢٢٥ ، الوسائل ٧ : ٢٠٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ٦.

(٤) التهذيب ٤ : ١٧٦ ـ ٤٨٩ ، الإستبصار ٢ : ٧٤ ـ ٢٢٦ ، الوسائل ٧ : ٢٠٢ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ٥.

١٨٠