مدارك الأحكام - ج ٦

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٦

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

______________________________________________________

قسم الصائمين فقد تقدم الكلام فيه (١) ، وأن ذلك إنما يتم على القول بأن عبادته شرعية ، وأن ما ذكره الشارح من أن الصحة لا تستلزم كون صومه شرعيا ، لأنها من باب خطاب الوضع ، وهو لا يتوقف على التكليف (٢) ، غير جيد.

وأما صحة صوم النائم إذا سبقت منه النية وإن استمر نومه في مجموع النهار فعليه اتفاق العلماء ، لتحقق الصوم الذي هو عبارة عن الإمساك عن تعمد فعل المفطر مع النية.

ويدل على أن النوم غير مناف للصوم مضافا إلى الإجماع القطعي روايات كثيرة ، منها قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الصائم في عبادة وإن كان نائما على فراشه ما لم يغتب مسلما » (٣) وقول الصادق عليه‌السلام : « نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبيح ، وعمله متقبل ، ودعاؤه مستجاب » (٤) وقول الكاظم عليه‌السلام : « قيلوا فإن الله تبارك وتعالى يطعم الصائم ويسقيه في منامه » (٥) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

وقال ابن إدريس : النائم غير مكلف بالصوم وليس صومه شرعيا (٦). ومراده أن الإمساك في حال النوم لا يوصف بوجوب ولا ندب فلا يوصف بالصحة ، لكنه بحكم الصحيح في استحقاق الثواب عليه ، للإجماع القطعي على أن النوم لا يبطل الصوم.

__________________

(١) راجع ص ٤١.

(٢) المسالك ١ : ٧٠.

(٣) الكافي ٤ : ٦٤ ـ ٩ ، الفقيه ٢ : ٤٤ ـ ١٩٧ ، التهذيب ٤ : ١٩٠ ـ ٥٣٨ ، المقنعة : ٤٩ ، الوسائل ٧ : ٩٨ أبواب آداب الصائم ب ٢ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ٦٤ ـ ١٢ أورد صدر الحديث ، الفقيه ٢ : ٤٦ ـ ٢٠٧ ، التهذيب ٤ : ١٩٠ ـ ٥٤٠.

أورد صدر الحديث ، الوسائل ٧ : ٢٩٢ أبواب الصوم المندوب ب ١ ح ١٧.

(٥) الكافي ٤ : ٦٥ ـ ١٤ ، الفقيه ٢ : ٤٦ ـ ٢٠٦ ، الوسائل ٧ : ٩٨ أبواب آداب الصائم ب ٢ ح ١.

(٦) السرائر : ٨٢.

١٤١

______________________________________________________

وغلّطه العلامة في المختلف في ذلك قائلا : إنه بحكم الصائم وإنه لا يسقط عنه التكليف بنومه لزوال عذره سريعا (١).

وذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ نحو ذلك ثم قال : إن تكليف النائم والغافل وغيرهما ممن يفقد شروط التكليف قد ينظر فيه من حيث الابتداء به ، بمعنى توجه الخطاب إلى المكلف بالفعل وأمره بإيقاعه على الوجه المأمور به بعد الخطاب ، وقد ينظر فيه من حيث الاستدامة بمعنى أنه لو شرع في الفعل قبل النوم والغفلة وغيرهما ثم عرض له ذلك في الأثناء ، والقسم الأول لا إشكال في امتناع التكليف به عند المانع من تكليف ما لا يطاق من غير فرق بين أنواع الغفلة ، وهذا هو المعنى الذي أطلق الأكثر من الأصوليين وغيرهم امتناعه ، كما يرشد إلى ذلك دليلهم عليه وإن أطلقوا الكلام فيه ، لأنهم احتجوا عليه بأن الإتيان بالفعل المعين لغرض امتثال الأمر يقتضي العلم به المستلزم للعلم بتوجه الأمر نحوه ، فإن هذا الدليل غير قائم في أثناء العبادة في كثير من الموارد إجماعا ، إذ لا تتوقف صحتها على توجه الذهن إليها فضلا عن إيقاعها على الوجه المطلوب كما سنبينه ، وأما الثاني فالعارض قد يكون مخرجا عن أهلية الخطاب والتهيؤ له أصلا كالجنون والإغماء على أصح القولين ، وهذا يمنع استدامة التكليف كما يمنع ابتداءه ، وقد لا يخرج عن ذلك كالنوم والسهو والنسيان مع بقاء التعقل ، وهذه المعاني وإن منعت من ابتداء التكليف بالفعل لكن لا تمنع استدامته إذا وقع على وجهه (٢) ، هذا كلامه رحمه‌الله وهو غير جيد ، فإن كلام الأصوليين مطلق في امتناع تكليف الغافل ، وكذا الدليل الذي عوّلت عليه الإمامية في امتناع ذلك من كونه قبيحا عقلا لجريانه مجرى تكليف البهائم والجمادات صريح في سقوط التكاليف كلها عنه ، وكذا حديث رفع القلم.

__________________

(١) المختلف : ٢٢٨.

(٢) المسالك ١ : ٧٥.

١٤٢

ولو لم يعقد صومه بالنيّة مع وجوبه ثم طلع الفجر عليه نائما واستمر حتى زالت الشمس فعليه القضاء.

ولا يصحّ صوم الحائض ولا النفساء ، سواء حصل العذر قبل الغروب أو انقطع بعد الفجر.

______________________________________________________

وبالجملة فالمستفاد من الأدلة العقلية والنقلية عدم تكليف الغافل بوجه. وأنه لا فرق بين المجنون والمغمى عليه والنائم في ذلك ، لاشتراك الجميع في تحقق الغفلة المقتضية لقبح التكليف معها ، سواء في ذلك الابتداء والاستدامة ، على أن اللازم من كون النائم مكلفا بالاستدامة كونه آثما بالإخلال بها وهو باطل ضرورة.

وكيف كان فلا ضرورة إلى ما ارتكبه الشارح ـ قدس‌سره ـ من التكلف في هذا المقام بعد ثبوت عدم منافاة النوم للصوم بالنص والإجماع (١).

قوله : ( ولو لم ينعقد صومه بالنية مع وجوبه ثم طلع الفجر عليه نائما واستمر حتى زالت الشمس فعليه القضاء ).

لا ريب في وجوب القضاء ، لفساد الأداء بفوات النية التي هي شرط فيه ، ولا تجب الكفارة بذلك ، بل الأصح عدم وجوب الكفارة بتعمد الترك أيضا ، وإن أثم بذلك ووجب القضاء كما بيناه فيما سبق.

قوله : ( ولا يصح صوم الحائض والنفساء ، سواء حصل العذر قبل الغروب أو انقطع بعد الفجر ).

هذا موضع وفاق بين العلماء ، قاله في المعتبر (٢) ، وتدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عيص بن القاسم البجلي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن امرأة طمثت في شهر رمضان‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٧٤.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٨٣.

١٤٣

ويصحّ من المستحاضة إذا فعلت ما يجب عليها من الأغسال أو الغسل.

______________________________________________________

قبل أن تغيب الشمس قال : « تفطر حين تطمث » (١).

وفي الحسن عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو كان العشاء حاضت ، أتفطر؟ قال : « نعم ، وإن كان قبل المغرب فلتفطر » وسألته عن امرأة رأت الطهر أول النهار في شهر رمضان فتغتسل ولم تطعم كيف تصنع في ذلك اليوم؟ قال :« تفطر ذلك اليوم ، قال : « تطر ذلك اليوم ، فإنما إفطارها من الدم » (٢). وما رواه ابن بابويه عن أبي الصباح عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو كان العشاء حاضت أفطر؟ قال : « نعم ، وإن كان قبل المغرب فلتفطر » وعن امرأة ترى الطهر في أول النهار في شهر رمضان ولم تغتسل ولم تطعم كيف تصنع بذلك اليوم؟ قال : « إنما فطرها من الدم » (٣).

وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج : إنه سأل أبا الحسن عليه‌السلام عن المرأة تلد بعد العصر ، أتتم ذلك اليوم أم تفطر؟ فقال : « تفطر ثم تقضي ذلك اليوم » (٤).

قوله : ( ويصح من المستحاضة إذا فعلت ما يجب عليها من الأغسال أو الغسل ).

لا ريب في صحة صومها مع إتيانها بما يجب عليها من الأغسال في‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٩٣ ـ ١٢١٥ ، الإستبصار ١ : ١٤٥ ـ ٤٩٨ ، الوسائل ٧ : ١٦٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ١٣٥ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٣١١ ـ ٩٣٩ ، الوسائل ٧ : ١٦٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٥ ح ١.

(٣) الفقيه ٢ : ٩٤ ـ ٤١٨ ، الوسائل ٧ : ١٦٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٥ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ١٣٥ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ٩٤ ـ ٤٢١ ، الوسائل ٧ : ١٦٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٦ ح ١.

١٤٤

ولا يصحّ الصوم الواجب من مسافر يلزمه التقصير ، إلا ثلاثة أيام في بدل الهدي ، والثمانية عشر يوما في بدل البدنة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا ، والنذر المشترط سفرا وحضرا على قول مشهور.

______________________________________________________

الكثيرة ، أو الغسل الواحد لصلاة الصبح في المتوسطة ، وإنما الكلام في بطلان صومها إذا أخلت بذلك ، وقد تقدم الكلام فيه مفصلا (١).

قوله : ( ولا يصح الصوم الواجب من مسافر يلزمه التقصير ، إلا ثلاثة أيام في بدل الهدي ، والثمانية عشر في بدل البدنة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا ، والنذر المشروط سفرا وحضرا ، على قول مشهور ).

ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من عدم صحة الصوم الواجب من المسافر الذي يلزمه التقصير إلا في بدل الهدي والبدنة والنذر المقيد بالسفر والحضر مذهب أكثر الأصحاب.

وحكى المصنف في المعتبر عن المفيد قولا بجواز صوم ما عدا شهر رمضان من الواجبات في السفر (٢). وكأنه في غير المقنعة ، فإن مذهبه فيها موافق للمشهور (٣). والمعتمد الأول.

لنا : الأخبار المستفيضة كصحيحة صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : إنه سئل عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم فقال : « ليس من البر الصيام في السفر » (٤) والعبرة بعموم الجواب لا بخصوص السؤال.

وصحيحة عمار بن مروان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، سمعته‌

__________________

(١) راجع ج ٢ ص ٣٨.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٨٥.

(٣) المقنعة : ٥٥.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١٧ ـ ٦٣٢ ، الوسائل ٧ : ١٢٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ١ ح ١٠.

١٤٥

______________________________________________________

يقول : « من سافر قصر وأفطر إلا أن يكون رجلا سفره إلى صيد ، أو في معصية الله ، أو رسولا لمن يعصي الله عزّ وجلّ ، أو طلب عدو وشحناء وسعاية ، أو ضرر على قوم مسلمين » (١).

ورواية أبان بن تغلب ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خيار أمتي الذين إذا سافروا أفطروا وقصّروا ، وإذا أحسنوا استبشروا ، وإذا أساؤا استغفروا » (٢).

وموثقة محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال فيمن ظاهر في شعبان ولم يجد ما يعتق : « ينتظر حتى يصوم رمضان ثم يصوم شهرين متتابعين ، وإن ظاهر وهو مسافر أفطر حتى يقدم » (٣).

وموثقة زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إن أمي كانت جعلت عليها نذرا إن ردّ الله عليها بعض ولدها من شي‌ء كانت تخافه عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت ، فخرجت معنا مسافرة إلى مكة فأشكل علينا لمكان النذر ، أتصوم أم تفطر؟ فقال : « لا تصوم وضع الله عزّ وجلّ عنها حقه ، وتصوم هي ما جعلت على نفسها » قلت : فما ترى إذا هي رجعت إلى المنزل أتقضيه؟ قال : « لا » قلت : أفتترك ذلك؟ قال : « لا ، إني أخاف أن ترى في الذي نذرت فيه ما تكره » (٤).

وموثقة كرام قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم فقال : « صم ولا تصم في السفر ، ولا‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٩ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ١١٩ ـ ٦٤٠ ، الوسائل ٥ : ٥٠٩ أبواب صلاة المسافر ب ٨ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ١٢٧ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ٩١ ـ ٤٠٨ ، الوسائل ٧ : ١٢٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ١ ح ٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٣٢ ـ ٦٨١ ، الوسائل ٧ : ١٣٨ أبواب من يصح منه الصوم ب ٩ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ١٤٣ ـ ١٠ ، التهذيب ٤ : ٢٣٤ ـ ٦٨٧ ، الإستبصار ٢ : ١٠١ ـ ٣٢٩ ، الوسائل ٧ : ١٣٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ٣.

١٤٦

______________________________________________________

العيدين ، ولا أيام التشريق ، ولا اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان » (١).

وموثقة عمار الساباطي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقول : لله عليّ أن أصوم شهرا أو أكثر من ذلك أو أقل فيعرض له أمر لا بد أن يسافر ، يصوم وهو مسافر؟ قال : « إذا سافر فليفطر ، لأنه لا يحل له الصوم في السفر ، فريضة كان أو غيره ، والصوم في السفر معصية » (٢).

ورواية عقبة بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل مرض في شهر رمضان فلما برأ أراد الحج فكيف يصنع بقضاء الصوم؟ فقال : « إذا رجع فليقضه » (٣).

ورواية سماعة ، قال : سألته عن الصيام في السفر ، قال : « لا صيام في السفر ، قد صام أناس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسماهم العصاة ، فلا صيام في السفر إلا الثلاثة الأيام التي قال عزّ وجلّ في الحج » (٤).

ورواية محمد بن حكيم ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « لو أن رجلا مات صائما في السفر ما صليت عليه » (٥).

وهذه الأخبار مع كثرتها سليمة من المعارض موافقة لفتوى الأصحاب فيتعين العمل بها.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٤١ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٣٣ ـ ٦٨٣ ، الإستبصار ٢ : ١٠٠ ـ ٣٢٥ ، الوسائل ٧ : ١٤١ أبواب من يصح منه الصوم ب ١ ح ٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٢٨ ـ ١٠٢٢ ، الوسائل ٧ : ١٤١ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ٨.

(٣) الكافي ٤ : ١٢١ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٩٥ ـ ٤٢٥ ، التهذيب ٤ : ٢٧٦ ـ ٨٣٤ ، الإستبصار ٢ : ١٢٠ ـ ٣٨٨ ، الوسائل ٧ : ١٣٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٨ ح ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٣٠ ـ ٦٧٧ ، الوسائل ٧ : ١٤٢ أبواب من يصح منه الصوم ب ١١ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٨ ـ ٧ ، الفقيه ٢ : ٩١ ـ ٤٠٥ ، التهذيب ٤ : ٢١٧ ـ ٦٢٩ ، الوسائل ٧ : ١٢٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ١ ح ٩.

١٤٧

______________________________________________________

وقد استثنى الأصحاب من المنع من صوم الواجب سفرا مواضع :

أحدها : صوم ثلاثة أيام في بدل الهدي ، لإطلاق قوله عزّ وجلّ :

( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ ) (١) وخصوص صحيحة رفاعة بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام الواردة في صوم هذه الأيام حيث قال فيها ، قلت : يصوم وهو مسافر؟ قال : « نعم ، أليس هو يوم عرفة مسافرا؟ إنا أهل بيت نقول ذلك لقول الله عزّ وجلّ ( فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ ) » (٢).

وثانيها : صوم ثمانية عشر يوما لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا عالما وعجز عن الفداء وهو بدنة ، لما رواه الكليني في الصحيح ، عن ضريس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أفاض من عرفات من قبل أن تغيب الشمس ، قال : « عليه بدنة ينحرها يوم النحر ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة ، أو في الطريق ، أو في أهله » (٣).

وثالثها : من نذر يوما معينا وشرط في نذره أن يصومه سفرا أو حضرا ، ذهب إليه الشيخان (٤) وأتباعهما (٥) ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يجعل لله عليه صوم يوم مسمى ، قال : « يصومه أبدا في السفر والحضر » (٦) فإنه حمل هذه الرواية على من نذر يوما وشرط على نفسه أن‌

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) الكافي ٤ : ٥٠٦ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٨ ـ ١١٤ ، الوسائل ١٠ : ١٥٥ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٤٦٧ ـ ٤ ، الوسائل ١٠ : ٣٠ أبواب إحرام الحج ب ٢٣ ح ٣.

(٤) المفيد في المقنعة : ٥٥ ، والشيخ في النهاية : ١٦٣.

(٥) منهم ابن البراج في المهذب ١ : ١٩٤ ، وابن حمزة في الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٨٥ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٢.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٣٥ ـ ٦٨٨ ، الوسائل ٧ : ١٤١ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ٧.

١٤٨

______________________________________________________

يصومه في السفر والحضر. واستدل على هذا التأويل بما رواه عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد وعبد الله بن محمد ، عن علي بن مهزيار ، قال : كتب إليه بندار مولى إدريس : يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت ، وإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب وقرأته : « لا تتركه إلا من علة ، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك ، وإن كنت أفطرت من غير علة فتصدق بقدر كل يوم لسبعة مساكين ، نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى » (١).

قال المصنف في المعتبر : ولمكان ضعف هذه الرواية جعلناه قولا مشهورا (٢). وكأن وجه ضعفها الإضمار واشتمالها على ما لم يقل به أحد من وجوب الصوم في المرض إذا نوى ذلك ، وإلا فهي صحيحة السند ولا تضر جهالة الكاتب ، لأن مقتضى الرواية أخبار علي بن مهزيار بقراءة المكتوب. والمسألة محل إشكال ، والاحتياط يقتضي عدم التعرض لإيقاع هذا النذر.

ونقل عن المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ أنه استثنى من المنع من صوم الواجب سفرا مطلق الصوم المنذور إذا علق بوقت معين فحضر وهو مسافر(٣). وتدل على ما ذكره رواية إبراهيم بن عبد الحميد المتقدمة ، لكنها ضعيفة جدا (٤) ، ومعارضة بغيرها مما هو أجود منها سندا وأوضح دلالة ، والله أعلم.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٥ ـ ٦٨٩ ، الإستبصار ٢ : ١٠٢ ـ ٣٣١ ، الوسائل ٧ : ١٣٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٨٤.

(٣)جمل العلم والعمل : ٩٢ قال : والصوم الواجب مع السفر صوم ثلاثة أيام لدم المتعة من جملة العشرة وصوم النذر إذا علق بسفر وحضر.

(٤) لوقوع محمد بن أبي الصباح الكناني وعلي بن الحسن بن فضال في طريقها والأول مجهول والثاني فطحي.

١٤٩

وهل يصوم مندوبا؟ قيل لا ، وقيل : نعم ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

قوله : ( وهل يصوم مندوبا؟ قيل : لا ، وقيل : نعم ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه ).

اختلف الأصحاب في صيام التطوع في السفر ، فقال المفيد رحمه‌الله : لا يجوز ذلك إلا ثلاثة أيام للحاجة عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو في مشهد من مشاهد الأئمة عليهم‌السلام (١).

وقال الشيخ في النهاية : ويكره صيام النوافل في السفر على كل حال ، وقد وردت رواية في جواز ذلك فمن عمل بها لم يكن مأثوما ، إلا أن الأحوط ما قدمناه (٢).

وقال ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه : فأما صوم التطوع في السفر فقد قال الصادق عليه‌السلام : « ليس من البر الصوم في السفر » (٣).

وقال في المقنع : لا يصوم في السفر تطوعا ولا فرضا ، واستثنيا من التطوع صوم ثلاثة أيام للحاجة في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصوم الاعتكاف في المساجد الأربعة (٤).

وقال سلار : لا يصوم المسافر تطوعا ولا فرضا إلا ثلاثة أيام بدل المتعة ، وصوم يوم النذر إذا علقه بوقت حضر في السفر ، وصوم الثلاثة الأيام للحاجة (٥).

والأصح المنع من التطوع مطلقا إلا ثلاثة أيام للحاجة عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصة.

__________________

(١) المقنعة : ٥٥.

(٢) النهاية : ١٦٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٩٢ ـ ٤١١ ، الوسائل ٧ : ١٢٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ١ ح ١١.

(٤) المقنع : ٦٣.

(٥) المراسم : ٩٧ وفيه : لدم بدل كلمة بدل.

١٥٠

______________________________________________________

لنا : الأخبار المستفيضة ، كقول أبي الحسن عليه‌السلام في صحيحة صفوان بن يحيى : « ليس من البر الصيام في السفر » (١) وقول أبي عبد الله عليه‌السلام في صحيحة عمار بن مروان : « من سافر قصر وأفطر » (٢) وهما متناولتان بإطلاقهما لصوم الفريضة والنافلة.

وصحيحة زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصوم في السفر في شهر رمضان ولا غيره » (٣).

وصحيحة أحمد بن محمد ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصيام بمكة والمدينة ونحن سفر (٤) قال : « فريضة؟ » فقلت : لا ، ولكنه تطوع كما يتطوع بالصلاة فقال : « تقول اليوم وغدا؟ » قلت : نعم فقال : « لا تصم » (٥).

قال الشيخ في التهذيب بعد أن أورد هذه الروايات : ولو خلينا وظاهر هذه الأخبار لقلنا إن صوم التطوع في السفر محظور كما أن صوم الفريضة محظور ، غير أنه قد ورد فيه من الرخصة ما نقلنا عن الحظر إلى الكراهة (٦).

ثم أورد في ذلك روايتين ، روى إحداهما بطريق فيه عدة من الضعفاء والمجاهيل عن إسماعيل بن سهل ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : خرج أبو عبد الله عليه‌السلام من المدينة في أيام بقين‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١٧ ـ ٦٣٢ ، الوسائل ٧ : ١٢٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ١ ح ١٠.

(٢) الفقيه ٢ : ٩٢ ـ ٤٠٩ ، التهذيب ٤ : ٢١٩ ـ ٦٤٠ ، الوسائل ٥ : ٥٠٩ أبواب صلاة المسافر ب ٨ ح ٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٣٥ ـ ٦٩١ ، الإستبصار ٢ : ١٠٢ ـ ٣٣٣ ، الوسائل ٧ : ١٤٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ١١ ح ٤.

(٤) في « ح » والمصدر : في سفر ، وقال في القاموس ٢ : ٥٠ وقوم سفر ، ضد الحضر.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٣٥ ـ ٦٩٠ ، الإستبصار ٢ : ١٠٢ ـ ٣٣٢ ، الوسائل ٧ : ١٤٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٢ ح ٢.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٣٦.

١٥١

______________________________________________________

من شعبان فكان يصوم ثم دخل عليه شهر رمضان وهو في السفر فأفطر ، فقيل له أتصوم شعبان وتفطر شهر رمضان؟! فقال : « نعم ، شعبان إليّ إن شئت صمته وإن شئت لا ، وشهر رمضان عزم من الله عزّ وجلّ على الإفطار » (١).

والثانية رواها بطريق ضعيف جدا عن الحسن بن بسام الجمال ، عن رجل قال : كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام فيما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم ، ثم رأينا هلال شهر رمضان فأفطر ، فقلت له : جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت صائم ، واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر؟! فقال : « إن ذلك تطوع ولنا أن نفعل ما شئنا ، وهذا فرض وليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا » (٢).

ولا يخفى أن الخروج عن مقتضى الأخبار الصحيحة المستفيضة بهاتين الروايتين الضعيفتين غير جيد.

ويدل على استثناء صوم الثلاثة الأيام للحاجة بالمدينة ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء ، وتصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة ، وهي أسطوانة التوبة التي كان ربط فيها نفسه حتى نزل عذره من السماء ، وتقعد عندها يوم الأربعاء ، ثم تأتي ليلة الخميس التي تليها مما يلي مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلتك ويومك وتصوم يوم الخميس ، ثم تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومصلاه ليلة الجمعة فتصلي عندها ليلتك ويومك وتصوم يوم الجمعة ، وإن استطعت أن لا تتكلم بشي‌ء في هذه الأيام إلا ما لا بد لك منه ، ولا تخرج من المسجد إلا لحاجة ، ولا تنام في ليل ولا نهار فافعل ، فإن ذلك مما يعد فيه الفضل ، ثم احمد الله في يوم الجمعة وأثن عليه وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٦ ـ ٦٩٢ ، الوسائل ٧ : ١٤٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٢ ح ٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٣٦ ـ ٦٩٣ ، الوسائل ٧ : ١٤٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٢ ح ٥.

١٥٢

ويصحّ كل ذلك ممن له حكم المقيم.

ولا يصحّ من الجنب إذا ترك الغسل عامدا مع القدرة حتى يطلع الفجر. ولو استيقظ جنبا لم ينعقد صومه قضاء عن رمضان ،

______________________________________________________

وسل حاجتك ، وليكن فيما تقول : اللهم ما كانت لي إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها والتماسها أو لم أشرع ، سألتكها أو لم أسألكها ، فإني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قضاء حوائجي صغيرها وكبيرها ، فإنك أحرى أن تقضى حاجتك إن شاء الله » (١).

قوله : ( ويصح ممن له حكم المقيم ).

يندرج في ذلك : كثير السفر ، والعاصي به ، ومن نوى إقامة عشرة في غير بلده ، أو مضى عليه ثلاثون يوما مترددا في الإقامة. ولا ريب في صحة الصوم من الجميع كما يجب عليهم إتمام الصلاة ، وفي صحيحة معاوية بن وهب عن الصادق عليه‌السلام : « هما ـ يعني التقصير والإفطار ـ واحد ، إذا قصّرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصرت » (٢) وقد تقدم الكلام في ذلك مفصلا في كتاب الصلاة.

قوله : ( ولا يصح من الجنب إذا ترك الغسل عامدا مع القدرة حتى يطلع الفجر ، ولو استيقظ جنبا لم ينعقد صومه قضاء عن شهر رمضان ).

قد تقدم الكلام في حكم الصوم مع تعمد البقاء على الجنابة (٣).

وأما إن من استيقظ جنبا لم ينعقد صومه قضاء عن شهر رمضان فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : كتب أبي‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٢ ـ ٦٨٢ ، الوسائل ٧ : ١٤٣ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٢ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٠ ـ ١٢٧٠ ، الوسائل ٧ : ١٣٠ أبواب من يصح منه الصوم ب ٤ ح ١.

(٣) راجع ص ٥٣.

١٥٣

وقيل : ولا ندبا.

______________________________________________________

إلى أبي عبد الله عليه‌السلام وكان يقضي شهر رمضان ، وقال : إني أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة فلم اغتسل حتى طلع الفجر ، فأجابه : « لا تصم هذا اليوم وصم غدا » (١).

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في ذلك بين من أصبح في النومة الأولى أو الثانية ، ولا في القضاء بين الموسع والمضيق. واحتمل الشارح ـ قدس‌سره ـ جواز القضاء مع التضيق لمن لم يعلم الجنابة حتى أصبح (٢). ويحتمل مساواته لصوم رمضان فيصح إذا أصبح في النومة الأولى خاصة.

قال الشارح قدس‌سره : وفي حكم القضاء النذر المطلق والكفارة قبل التلبس بها ، ولو كان في الأثناء حيث يشترط التتابع ، أو في أثناء صوم يشترط تتابعه فوجهان ، أجودهما عدم صحة الصوم ولا يقطع التتابع لعدم التقصير (٣).

ويمكن المناقشة في إلحاق النذر المطلق وصوم الكفارة بالقضاء لعدم وضوح مستنده ، وكذا في عدم انقطاع التتابع مع فساد الصوم ، لأن عدم التقصير إنما يقتضي انتفاء الإثم ، لا تحقق الامتثال مع عدم الإتيان المأمور به على وجهه.

قوله : ( وقيل ولا ندبا ).

نسبته إلى القول ساكتا عليه يشعر بتوقفه فيه ، ويظهر من كلامه في المعتبر التوقف فيما عدا صوم رمضان ، لاختصاص النص به (٤) ، كما بيناه‌

__________________

(١) لم نعثر عليها في كتب الشيخ ، وهي موجودة في الكافي ٤ : ١٠٥ ـ ٤ ، الوسائل ٧ : ٤٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٩ ح ٢.

(٢) المسالك ١ : ٧٥.

(٣) المسالك ١ : ٧٥.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٥٦.

١٥٤

______________________________________________________

فيما سبق (١).

قال الشارح قدس‌سره : ووجه عدم الجواز أنه غير معين ، فلم يصح صومه كقضاء رمضان ، وأن الجنب غير قابل للصوم في تلك الحال والصوم لا يتبعض ، ومستند الجواز رواية عبد الله بن بكير ، عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح ، أيصوم ذلك اليوم تطوعا؟ فقال :« أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار » (٢) وفي رواية كليب إطلاق الصحة إذا اغتسل (٣) ، وحملها الشهيد ـ رحمه‌الله ـ على المعين أو الندب ، وهو يشعر بتجويزه ذلك ، ويؤيده أيضا جواز تجديد الندب للعازم على الإفطار خصوصا بعد الزوال وهو أيضا مناف للصوم ، وعدم قابلية الصوم للجنب إنما يمنع منه حال الجنابة أما بعد الغسل فلا ، ويمنع عدم تبعّض الصوم مطلقا ، كيف وقد تقدم النص الصحيح بأن الناوي بعد الزوال إنما له من الصوم ما بعد النية ، وهذه الأدلة وإن ضعف بعضها إلا أنها لا تقصر عن أدلة جواز صوم النافلة سفرا ، وقد عمل بها المصنف والجماعة تساهلا بأدلة السنن وخبر من بلغه شي‌ء من أعمال الخير يشملهما (٤). انتهى كلامه رحمه‌الله.

ولا يخفى أن ما استدل به أولا على عدم الجواز قياس محض مع الفارق ، والدليل الثاني مجرد دعوى عارية من الدليل. وأما أدلة الجواز فكلها ضعيفة ، وكان الأولى الاستدلال بأصالة الجواز فإنها سليمة من المعارض ، لاختصاص الروايات المتضمنة لاعتبار الغسل في الصوم بأداء رمضان وقضائه كما بيناه فيما سبق (٥).

__________________

(١) في ص ٥٥.

(٢) الكافي ٤ : ١٠٥ ـ ٣ ، الوسائل ٧ : ٤٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢ ح ٢.

(٣) لم نعثر عليها.

(٤) المسالك ١ : ٧٥ ، ٧٦.

(٥) في ص ٥٦.

١٥٥

فإن كان في رمضان فصومه صحيح ، وكذا في النذر المعيّن. ويصحّ من المريض ما لم يستضر به.

______________________________________________________

ويدل على الجواز أيضا ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن حبيب الخثعمي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخبرني عن التطوع وعن هذه الثلاثة الأيام إذا أجنبت من أول الليل فأعلم أني أجنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر ، أصوم أو لا أصوم؟ قال : « صم » (١) وهذه الرواية مع صحة سندها صريحة في المطلوب ، ولم يستدل بها أحد من الأصحاب فيما أعلم.

قوله : ( ويصح من المريض ما لم يستضر به ).

يتحقق الضرر المجوّز للإفطار بخوف زيادة المرض بسبب الصوم ، أو بطء برئه ، أو بحصول مشقة لا يتحمل مثلها عادة ، أو بحدوث مرض آخر ، والمرجع في ذلك كله إلى الظن ، سواء استند إلى أمارة أو تجربة أو قول عارف وإن كان فاسقا.

ويدل على وجوب الإفطار في جميع هذه الصور قوله تعالى ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٢) وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر » (٣) وقال عليه‌السلام : « كلما أضرّ به الصوم فالإفطار له واجب » (٤).

وفي الصحيح عن بكر بن محمد الأزدي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سأله أبي وأنا أسمع عن حد المرض الذي يترك الإنسان‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٤٩ ـ ٢١٢ ، الوسائل ٧ : ٤٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٠ ح ١.

(٢) البقرة : ١٨٥.

(٣) الفقيه ٢ : ٨٤ ـ ٣٧٣ ، الوسائل ٧ : ١٥٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٩ ح ١.

(٤) الفقيه ٢ : ٨٤ ـ ٣٧٤ ، الوسائل ٧ : ١٥٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٠ ح ٢.

١٥٦

______________________________________________________

فيه الصوم ، قال : « إذا لم يستطع أن يتسحر » (١).

وفي الموثق عن ابن بكير ، عن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : ما حد المرض الذي يفطر فيه الرجل ويدع الصلاة من قيام؟ فقال : « ( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) ، هو أعلم بما يطيقه » (٢).

وفي الصحيح عن جميل بن دراج ، عن الوليد بن صبيح ـ وهو ثقة ـ قال : حممت بالمدينة يوما من شهر رمضان فبعث إليّ أبو عبد الله عليه‌السلام بقصعة فيها خل وزيت وقال : « أفطر وصل وأنت قاعد » (٣).

ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ في الحسن ، عن ابن أذينة ، قال : كتبت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أسأله ما حد المرض الذي يفطر صاحبه ، والمرض الذي يدع صاحبه الصلاة؟ فقال : « بل الإنسان على نفسه بصيرة » وقال : « ذلك إليه هو أعلم بنفسه » (٤) والمراد بقوله ويدع صاحبه الصلاة أنه يدع الصلاة من قيام كما تضمنته رواية زرارة المتقدمة.

تفريع : قال في المنتهى : الصحيح الذي يخشى المرض بالصيام هل يباح له الفطر؟ فيه تردد ، ينشأ من وجوب الصوم بالعموم وسلامته من معارضة المرض ، ومن كون المريض إنما أبيح له الفطر لأجل التضرر به وهو حاصل هنا ، لأن الخوف من تجدد المرض في معنى الخوف من زيادته وتطاوله (٥). انتهى كلامه رحمه‌الله.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٨ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٨٣ ـ ٣٧١ ، الوسائل ٧ : ١٥٦ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٨٣ ـ ٣٦٩ ، الوسائل ٧ : ١٥٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٠ ح ٥.

(٣) الكافي ٤ : ١١٨ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٨٣ ـ ٣٧٠ ، الوسائل ٧ : ١٥٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٨ ح ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٥٦ ـ ٧٥٨ ، الإستبصار ٢ : ١١٤ ـ ٣٧١ ، الوسائل ٧ : ١٥٧ أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٠ ح ٥.

(٥) المنتهى ٢ : ٥٩٦.

١٥٧

مسألتان :

الأولى : البلوغ الذي تجب معه العبادات : الاحتلام ، أو الإنبات ،

______________________________________________________

ويمكن ترجيح الوجه الثاني بعموم قوله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (١) وقوله عزّ وجلّ ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (٢) وقوله عليه‌السلام في صحيحة حريز المتقدمة : « كلما أضر به الصوم فالإفطار له واجب » (٣).

قوله : ( مسألتان ، الأولى : البلوغ الذي تجب معه العبادات : الاحتلام ).

هذا مذهب علماء الإسلام كافة ، قاله في التذكرة (٤) ، والمراد بالاحتلام هنا خروج المني من ذكر الرجل أو قبل المرأة ، سواء كان بجماع أو غيره ، في نوم أو يقظة.

ولو ظن الصبي أنه يمني بالجماع لم يجب التعرض له. ولو وجد على ثوبه المختص به منيا حكم بلوغه إذا علم انتفاءه عن غيره ، واكتفى الشهيد في الدروس في تحقق بلوغه بإمكان كونه منه (٥).

ولو اشترك الثوب بين صبيين لم يحكم ببلوغ أحدهما ، وقال الشهيد في الدروس : إن الأولى تعبدهما (٦). ولا ريب في الأولوية.

قوله : ( أو الإنبات ).

المراد به إنبات الشعر الخشن على العانة ، قال في التذكرة : ونبات‌

__________________

(١) الحج : ٧٨.

(٢) البقرة : ١٨٥.

(٣) في ص ١٥٦.

(٤) التذكرة ٢ : ٧٤.

(٥) الدروس : ٧١.

(٦) الدروس : ٧١.

١٥٨

أو بلوغ خمس عشرة سنة في الرجال على الأظهر ، وتسع في النساء.

______________________________________________________

هذا الشعر دليل على البلوغ في حق المسلمين والكفار عند علمائنا أجمع ، وألحق بالإنبات اخضرار الشارب ، لقضاء العادة بتأخره عن البلوغ (١) ، وقواه جدي ـ قدس‌سره ـ في الروضة (٢) وهو مشكل ، لعدم العلم باطراد العادة بذلك.

قوله : ( أو بلوغ خمس عشرة سنة في الرجال على الأظهر ).

ذكر الشارح وغيره أن المراد ببلوغ الخمس عشرة إكمالها ، فلا يكفي الطعن فيها (٣). ولا خلاف في تحقق البلوغ بذلك ، وإنما الخلاف في الاكتفاء بما دونه ، فقيل بالاكتفاء ببلوغ أربع عشرة سنة (٤) ، وقيل بالاكتفاء بإتمام ثلاث عشرة سنة والدخول في الرابعة عشرة.

ويدل عليه ما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا بلغ الغلام أشده ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتملين ، احتلم أو لم يحتلم ، وكتب عليه السيئات ، وكتب له الحسنات ، وجاز له كل شي‌ء إلا أن يكون ضعيفا أو سفيها » (٥) وسيجي‌ء تمام الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.

قوله : ( وتسع في النساء ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب وبه روايات متعددة لكنها ضعيفة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٧٣.

(٢) الروضة ٢ : ١٤٥.

(٣) المسالك ١ : ٧٦.

(٤) حكاه عن ابن الجنيد في المختلف : ٤٢٣.

(٥) الفقيه ٤ : ١٦٤ ـ ٥٧١ ، التهذيب ٩ : ١٨٣ ـ ٧٣٩ ، الوسائل ١٣ : ٤٣١ أبواب الوصايا في الأحكام ب ٤٤ ح ١١.

١٥٩

الثانية : يمرّن الصبيّ والصبيّة على الصوم قبل البلوغ ، ويشدّد عليهما لسبع مع الطاقة.

______________________________________________________

السند ، واعتبر الشيخ في المبسوط (١) ، وابن حمزة بلوغ العشر (٢). ولا ريب أن الأول أحوط في التكليف بالعبادة.

قوله : ( الثانية ، يمرّن الصبي والصبية على الصوم قبل البلوغ ، ويشدد عليهما لسبع مع الطاقة ).

التمرين تفعيل من المرانة ، وهي العادة ، يقال : مرن على الشي‌ء مرونا ومرانة ، تعوّده واستمر عليه ومرّنه تمرينا ، والمراد به هنا حمل الولي للصبي والصبية على الصيام ليعتاده فلا يجد له مشقة بعد البلوغ.

ويفهم من قول المصنف رحمه‌الله : ويشدد عليهما لسبع ، أنهما يؤمران به قبل السبع من غير تشديد مع الطاقة.

وقال المفيد في المقنعة : يؤخذ الصبي بالصيام إذا بلغ الحلم ، أو قدر على صيام ثلاثة أيام متتابعات قبل أن يبلغ الحلم (٣).

وقال الشيخ في النهاية : ويستحب أن يؤخذ الصبيان بالصيام إذا أطاقوه وبلغوا تسع سنين وإن لم يكن ذلك واجبا عليهم (٤). ولم يتعرض لما قبل التسع ، وظاهره أنهم لا يؤمرون قبل ذلك ، ونحوه قال ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه (٥). وهو المعتمد.

لنا : ما رواه الكليني والشيخ في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إنا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٦٦.

(٢) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٨٢.

(٣) المقنعة : ٥٨.

(٤) النهاية : ١٤٩.

(٥) الفقيه ٢ : ٧٦.

١٦٠