مدارك الأحكام - ج ٦

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٦

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

ولو عجز عن الصوم أصلا استغفر الله فهو كفارته.

______________________________________________________

وجمع الشهيد في الدروس بين الروايتين بالتخيير بين الأمرين (١) ، وبه قطع الشارح قدس‌سره (٢) ، وهو جيد لو تكافأ السندان ، لكن الأمر بخلاف ذلك.

وجعل العلامة في المنتهى التصدق بالممكن بعد العجز عن صوم الثمانية عشر (٣). وهو بعيد جدا.

وهل يشترط في صوم الثمانية عشر التتابع؟ قيل : لا ، لإطلاق الخبر (٤). وقيل : نعم ، لأنه بدل من صوم يعتبر فيه التتابع فاعتبر فيه ذلك (٥). والملازمة ممنوعة.

ولو تجددت القدرة بعد فعل البدل لم يجب الإتيان بالمبدل ، لتوجه الخطاب بفعل البدل فيحصل الامتثال بفعله.

ولو حصل العجز بعد صوم شهر احتمل وجوب تسعة ، لأن الثمانية عشر بدل عن الشهرين فيكون نصفها بدلا عن الشهر ، والسقوط لصدق صيام الثمانية عشر ، ووجوب ثمانية عشر بعد العجز ، لأن الانتقال إلى البدل إنما يكون بعد العجز عن المبدل ، وما صامه أولا إنما يكون محسوبا من المبدل فلا يجزي عن البدل ، وهذا الاحتمال لا يخلو من قوة.

قوله : ( ولو عجز عن الصوم أصلا استغفر الله فهو كفارته ).

المراد أن من عجز عن صوم الثمانية عشر ينتقل فرضه إلى الاستغفار ويكون كفارة له. وربما لاح من قوله : ولو عجز عن الصوم أصلا ، أنه يجب‌

__________________

(١) الدروس : ٧٤.

(٢) المسالك ١ : ٧٤.

(٣) المنتهى ٢ : ٥٧٥.

(٤) كما في المسالك ١ : ٧٤.

(٥) قال به المفيد في المقنعة : ٥٥ ، والشهيد الأول في الدروس : ٧٤.

١٢١

الخامسة عشرة : لو تبرع متبرع بالتكفير عمن وجبت عليه الكفارة جاز ، لكن يراعى في الصوم الوفاة.

______________________________________________________

الإتيان بالممكن من الصوم بعد العجز عن صوم الثمانية عشر.

وهذا الحكم أعني الانتقال مع العجز عن الصوم إلى الاستغفار مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل ظاهرهم أنه موضع وفاق. وتدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه [ من ] (١) صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار » (٢).

وعن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن شي‌ء من كفارة اليمين ـ إلى أن قال ـ قلت : فإنه عجز عن ذلك ، قال : « فليستغفر الله عزّ وجلّ ولا يعود » (٣) وفي الروايتين ضعف من حيث السند (٤) ، وسيجي‌ء تمام الكلام في ذلك في باب الكفارات إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ولو تبرع متبرع بالتكفير عمن وجبت عليه الكفارة جاز ، لكن يراعى في الصوم الوفاة ).

الأصح عدم جواز التبرع بالتكفير عن الحي مطلقا ، لأن الأمر بالتكفير إنما توجه إلى فاعل الخطيئة فلا يحصل الامتثال بفعل غيره ، وقال الشيخ في المبسوط : لو تبرع بالتكفير عن الحي أجزأ (٥). وإطلاق كلامه يقتضي عدم‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٢) التهذيب ٨ : ١٦ ـ ٥٠ ، الإستبصار ٤ : ٥٦ ـ ١٩٥ ، الوسائل ١٥ : ٥٥٤ أبواب الكفارات ب ٦ ح ١.

(٣) التهذيب ٨ : ٢٩٨ ـ ١١٠٤ ، الاستبصار ٤ : ٥٢ ـ ١٨٠ ، وفيه : عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، الوسائل ١٥ : ٥٦٢ أبواب الكفارات ب ١٢ ح ٦.

(٤) أما الأولى فلاشتراك راويها بين الثقة والضعيف ، وأما الثانية فلأن في طريقها ابن فضال وابن بكير وهما فطحيان.

(٥) المبسوط : ١ : ٢٧٦.

١٢٢

______________________________________________________

الفرق في ذلك بين الصوم وغيره ، واختاره في المختلف ، واستدل عليه بأنه دين فضي عن المديون فوجب أن تبرأ ذمته كما لو كان لأجنبي ، بل هنا أولى ، لأن حق الله تعالى مبني على التخفيف. (١) وهو قياس محض ، والأولوية المدعاة ممنوعة ، فإن التكفير نوع من العبادة ، ومن شأن العبادة أن لا تقبل النيابة.

وبالجملة فإسقاط الواجب بفعل من لم يتعلق به الوجوب يحتاج إلى دليل.

أما الميت فالظاهر جواز التبرع عنه بالتكفير مطلقا ، لإطلاق الروايات المتضمنة لانتفاعه بما يلحقه من الطاعات ، كرواية حماد بن عثمان قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إن الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة وكل عمل صالح ينفع الميت ، حتى أن الميت ليكون في ضيق فيوسع عليه ، ويقال : هذا بعمل ابنك فلان ، وبعمل أخيك فلان ، أخوه في الدين » (٢).

ورواية عمر بن يزيد قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « من عمل من المؤمنين عن ميت عملا صالحا أضعف الله أجره وينعم الميت بذلك » (٣).

ورواية محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يقضي عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن » (٤) وغير ذلك من الأخبار الكثيرة (٥).

__________________

(١) المختلف : ٢٢٧.

(٢) الذكرى : ٧٤ ، الوسائل ٥ : ٣٦٨ أبواب قضاء الصلاة ب ١٢ ح ١٥. ونقله عن كتاب غياث سلطان الورى أيضا.

(٣) الذكرى : ٧٥ ، الوسائل ٥ : ٣٦٩ أبواب قضاء الصلاة ب ١٢ ح ٢٥. ونقله عن كتاب غياث سلطان الورى أيضا.

(٤) الذكرى : ٧٤ ، الوسائل ٥ : ٣٦٩ أبواب قضاء الصلاة ب ١٢ ح ٢٣. ونقله عن كتاب غياث سلطان الورى أيضا.

(٥) الوسائل ٥ : ٣٦٥ أبواب قضاء الصلاة ب ١٢.

١٢٣

المقصد الثالث : فيما يكره للصائم

وهو تسعة أشياء :

النساء تقبيلا ولمسا وملاعبة

______________________________________________________

قوله : ( المقصد الثالث ، فيما يكره للصائم ، وهو تسعة أشياء : النساء تقبيلا ولمسا وملاعبة ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين من يحرّك اللمس ونحوه شهوته وغيره ، والأصح اختصاص الكراهة بالأول ، كما اختاره المصنف في المعتبر ، والعلامة في التذكرة (١) ، وجماعة ، للأخبار الكثيرة الدالة عليه كصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه سئل عن رجل يمس من المرأة شيئا ، أيفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال : « إن ذلك يكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني » (٢).

وصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : إنه سئل هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان؟ فقال : « إني أخاف عليه فليتنزه عن ذلك ، إلا أن يثق أن لا يسبقه منيه » (٣).

وصحيحة منصور بن حازم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في الصائم يقبّل الجارية والمرأة؟ فقال : « أما الشيخ الكبير مثلي ومثلك فلا بأس ، وأما الشاب الشبق فلا ، إنه لا يؤمن ، والقبلة إحدى الشهوتين » قلت : فما ترى في مثلي تكون له الجارية فيلاعبها؟ فقال : « إنك لشبق يا أبا حازم ، كيف طعمك؟ قلت : إن شبعت أضرني ، وإن جعت‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٦٣ ، والتذكرة ١ : ٢٦٤.

(٢) الكافي ٤ : ١٠٤ ـ ١ ، الوسائل ٧ : ٦٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٣ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٧١ ـ ٨٢١ ، الإستبصار ٢ : ٨٢ ـ ٢٥١ ، الوسائل ٧ : ٧٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٣ ح ١٣.

١٢٤

والاكتحال بما فيه صبر أو مسك

______________________________________________________

أضعفني ، قال : « كذلك أنا فكيف أنت والنساء؟ قلت : لا شي‌ء ، قال : « ولكني يا أبا حازم ما أشاء شيئا أن يكون ذلك مني إلا فعلت » (١).

قوله : ( والاكتحال بما فيه صبر أو مسك ).

يدل على ذلك روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد ، عن أحدهما عليهما‌السلام : إنه سئل عن المرأة تكتحل وهي صائمة فقال : « إذا لم يكن كحلا تجد له طعما في حلقها فلا بأس » (٢).

ومقتضى الرواية كراهة الاكتحال بكل ما له طعم يصل إلى الحلق ، وبه قطع العلامة في التذكرة والمنتهى (٣) ، وهو كذلك.

بل لا يبعد كراهة الاكتحال مطلقا ، لما رواه الكليني في الصحيح ، عن سعد بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال سألته عمن يصيبه الرمد في شهر رمضان ، هل يذر عينيه بالنهار وهو صائم؟ قال : « يذرها إذا أفطر ، ولا يذرها وهو صائم » (٤).

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنه سئل عن الرجل يكتحل وهو صائم فقال : « لا ، إني أتخوف أن يدخل رأسه » (٥). ويستفاد من هذا التعليل كون النهي للكراهة لا للتحريم.

ويدل على جواز الاكتحال صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : في الصائم يكتحل فقال :

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٠٤ ـ ٣ ، الوسائل ٧ : ٦٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٣ ح ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٥٩ ـ ٧٧١ ، الإستبصار ٢ : ٩٠ ـ ٢٨٤ ، الوسائل ٧ : ٥٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٥ ح ٥٢.

(٣) التذكرة ١ : ٢٦٥ ، والمنتهى ٢ : ٥٨٢.

(٤) الكافي ٤ : ١١١ ـ ٢ ، الوسائل ٧ : ٥٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٥ ح ٣.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٥٩ ـ ٧٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٨٩ ـ ٢٨٢ ، الوسائل ٧ : ٥٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٥ ح ٩.

١٢٥

وإخراج الدم المضعف

______________________________________________________

« لا بأس به ، ليس بطعام ولا شراب » (١).

وفي الصحيح عن عبد الحميد بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بالكحل للصائم » (٢).

وعن عبد الله بن أبي يعفور ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكحل للصائم فقال : « لا بأس به ، إنه ليس بطعام يؤكل » (٣).

وعن الحسين بن أبي غندر قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : اكتحل بكحل فيه مسك وأنا صائم؟ قال : « لا بأس به » (٤).

قوله : ( وإخراج الدم المضعف ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين أن يكون إخراجه بفصد أو حجامة أو غيرهما ، وبهذا التعميم صرح في المعتبر (٥) ، ونحوه قال في المنتهى ، وقال : إن ذلك ليس محظورا عند علمائنا أجمع (٦).

والمستند في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن سعيد الأعرج ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يحتجم فقال : « لا بأس إلا‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥٨ ـ ٧٦٥ ، الإستبصار ٢ : ٨٩ ـ ٢٧٨ ، الوسائل ٧ : ٥١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٥٩ ـ ٧٦٧ ، الإستبصار ٢ : ٨٩ ـ ٢٨٠ ، الوسائل ٧ : ٥٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٥ ح ٧.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٥٨ ـ ٧٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٨٩ ـ ٢٧٩ ، الوسائل ٧ : ٥٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٥ ح ٦.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٦٠ ـ ٧٧٢ ، الإستبصار ٢ : ٩٠ ـ ٢٨٥ ، الوسائل ٧ : ٥٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٥ ح ١١.

(٥) المعتبر ٢ : ٦٦٤.

(٦) المنتهى ٢ : ٥٨٢.

١٢٦

ودخول الحمّام كذلك.

______________________________________________________

أن يتخوف على نفسه الضعف » (١).

وفي الصحيح عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصائم أيحتجم؟ فقال : « إني أتخوف عليه ، أما يتخوف على نفسه؟! » قلت : ماذا يتخوف عليه؟ قال : « الغشيان أو تثور به مرة » قلت : أرأيت إن قوي على ذلك ولم يخش شيئا؟ قال : « نعم إن شاء الله » (٢).

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بأن يحتجم الصائم إلا في رمضان ، فإني أكره أن يغرر بنفسه إلا أن لا يخاف على نفسه ، وإنا إذا أردنا الحجامة في رمضان احتجمنا ليلا » (٣) وهذه الروايات كما ترى مختصة بالحجامة ، إلا أن مقتضى التعليل تعدية الحكم إلى غيرها مما شاركها في المعنى.

قوله : ( ودخول الحمام كذلك ).

أي يكره مع خوف الضعف ، لما لا يؤمن معه من الضرر أو التعرض للإفطار.

ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : إنه سئل عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم فقال : « لا بأس ما لم يخش ضعفا » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٦٠ ـ ٧٧٤ ، الإستبصار ٢ : ٩٠ ـ ٢٨٧ ، الوسائل ٧ : ٥٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٦ ح ١٠.

(٢) الكافي ٤ : ١٠٩ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٦٨ ـ ٢٨٧ ، التهذيب ٤ : ٢٦١ ـ ٧٧٧ ، الإستبصار ٢ : ٩١ ـ ٢٩٠ ، الوسائل ٧ : ٥٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٦ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٦٠ ـ ٧٧٦ ، الإستبصار ٢ : ٩١ ـ ٢٨٩ ، الوسائل ٧ : ٥٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٦ ح ١٢.

(٤) الكافي ٤ : ١٠٩ ـ ٣ ، الوسائل ٧ : ٥٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٧ ح ١.

١٢٧

السّعوط بما لا يتعدى الحلق ،

______________________________________________________

قوله : ( والسعوط بما لا يتعدى الحلق ).

ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من كراهة التسعط بما لا يتعدى الحلق أشهر الأقوال في المسألة وأوضحها ، لفحوى ما دل على كراهة الاكتحال بما له طعم يصل إلى الحلق ، وما رواه الشيخ ، عن غياث بن إبراهيم ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام ، قال : « لا بأس بالكحل للصائم ، وكره السعوط للصائم » (١).

وعن ليث المرادي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يصب في أذنه الدهن ، قال : « لا بأس إلا السعوط فإنه يكره » (٢).

وقال ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه : ولا يجوز للصائم أن يتسعط (٣). والروايتان قاصرتان عن إفادة ذلك.

ونقل عن المفيد (٤) وسلار (٥) أنهما أوجبا به القضاء والكفارة. واحتج لهما في المختلف بأنه أوصل إلى الدماغ المفطر فكان عليه القضاء والكفارة ، لأن الدماغ جوف (٦). وهو احتجاج ضعيف ، لأنا نمنع كون مطلق الإيصال إلى مطلق الجوف مفسدا ، بل المفسد الإيصال إلى المعدة بما يسمى أكلا وشربا.

وقال الشيخ في التهذيب : وأما السعوط فليس في شي‌ء من الأخبار أنه يلزم المتسعط الكفارة ، وإنما وردت مورد الكراهة (٧).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١٤ ـ ٦٢٢ ، الوسائل ٧ : ٢٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٧ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ١١٠ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٠٤ ـ ٥٩٢ ، الوسائل ٧ : ٥٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٤ ح ٣ وفيه : يحتجم ويصب.

(٣) الفقيه ٢ : ٦٩.

(٤) المقنعة : ٥٤.

(٥) المراسم : ٩٨.

(٦) المختلف : ٢٢١.

(٧) التهذيب ٤ : ٢١٤.

١٢٨

وشمّ الرياحين ، ويتأكد في النرجس

______________________________________________________

وربما ظهر من قول المصنف : والسعوط بما لا يتعدى الحلق ، المنع من السعوط بالمتعدي ، وبه قطع الشيخ (١) وجماعة ، ونص العلامة (٢) ومن تأخر عنه (٣) على أن تعمده يوجب القضاء والكفارة. واحتج عليه في المختلف بأنه أوصل إلى جوفه المفطر متعمدا فكان عليه القضاء والكفارة كما لو وصل إلى حلقه بفمه (٤). ويمكن المناقشة فيه بانتفاء ما يدل على كون مطلق الإيصال مفسد كما بيناه مرارا.

قوله : ( وشم الرياحين ، ويتأكد في النرجس ).

أما كراهة شم الرياحين للصائم ـ والمراد بها كل نبت طيب الريح كما نص عليه أهل اللغة (٥) ـ فقال في المنتهى إنه قول علمائنا أجمع (٦) ، ويدل عليه ما رواه الشيخ ، عن الحسن بن راشد قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الصائم يشم الريحان قال : « لا » (٧). وعن الحسن الصيقل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول فقال : « لا ، ولا يشم الريحان » (٨).

وأما تأكد الكراهة في النرجس فيدل عليه ما رواه الكليني رضي‌الله‌عنه ، عن محمد بن الفيض ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ينهى عن‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٧٢.

(٢) المختلف : ٢٢١.

(٣) كالشهيد الأول في الدروس : ٧٣.

(٤) المختلف : ٢٢١.

(٥) كالفيروزآبادي في القاموس المحيط ١ : ٢٣٢ ، وابن الأثير في النهاية ٢ : ٢٨٨.

(٦) المنتهى ٢ : ٥٨٣.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٦٧ ـ ٨٠٧ ، الإستبصار ٢ : ٩٣ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٧ : ٦٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢ ح ٧.

(٨) التهذيب ٤ : ٢٦٧ ـ ٨٠٦ ، الإستبصار ٢ : ٩٣ ـ ٣٠٠ ، الوسائل ٧ : ٦٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢ ح ١٣.

١٢٩

______________________________________________________

النرجس للصائم فقلت : جعلت فداك لم ذاك؟ فقال : « لأنه ريحان الأعاجم » (١).

قال الكليني رضي‌الله‌عنه : وأخبرني بعض أصحابنا أن الأعاجم كانت تشمه إذا صامت وقال : إنه يمسك الجوع (٢).

وعلل المفيد في المقنعة كراهة النرجس بوجه آخر ، وهو أن ملوك العجم كان لهم يوم معين يصومونه ويكثرون فيه شم النرجس ، فنهوا عليهم‌السلام عن ذلك خلافا لهم (٣).

وألحق العلامة في المنتهى (٤) بالنرجس المسك ، لشدة رائحته ، ولما رواه الشيخ ، عن غياث ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام ، قال : « إن عليا عليه‌السلام كره المسك أن يتطيب به الصائم » (٥).

واعلم أن هذه الروايات كلها قاصرة من حيث السند ، وبإزائها أخبار كثيرة معتبرة الإسناد ، دالة بظاهرها على انتفاء الكراهة ، كصحيحة محمد بن مسلم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الصائم يشم الريحان والطيب ، قال : « لا بأس » (٦).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصائم يشم الريحان أم لا ترى له ذلك؟ فقال :

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٢ ـ ٢ ، الوسائل ٧ : ٦٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢ ح ٤.

(٢) الكافي ٤ : ١١٢ ـ ٢ ، الوسائل ٧ : ٦٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢ ح ٥.

(٣) المقنعة : ٥٦.

(٤) المنتهى ٢ : ٥٨٣.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٦٦ ـ ٨٠١ ، الوسائل ٧ : ٦٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢ ح ٦.

(٦) الكافي ٤ : ١١٣ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٦٦ ـ ٨٠٠ ، الإستبصار ٢ : ٩٢ ـ ٢٩٦ ، الوسائل ٧ : ٦٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢ ح ١.

١٣٠

الاحتقان بالجامد. وبل الثوب على الجسد.

______________________________________________________

« لا بأس » (١).

ورواية سعد بن سعد ، قال : كتب رجل إلى أبي الحسن عليه‌السلام : هل يشم الصائم الريحان يتلذذ به؟ فقال عليه‌السلام : « لا بأس به » (٢).

ولا يكره للصائم شم الطيب قطعا ، بل روى الكليني عن الحسن بن راشد أنه قال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام إذا صام تطيب بالطيب ويقول : « الطيب تحفة الصائم » (٣).

وروى ابن بابويه مرسلا عن الصادق عليه‌السلام : إنه سئل عن المحرم يشم الريحان؟ قال : « لا » قيل : فالصائم؟ قال « لا » قيل : يشم الصائم الغالية والدخنة؟ قال : « نعم » قيل : كيف حل له أن يشم الطيب ولا يشم الريحان؟ قال : « لأن الطيب سنة والريحان بدعة للصائم » (٤).

قوله : ( وبلّ الثوب على الجسد ).

يدل على ذلك روايات ، منها ما رواه الشيخ ، عن الحسن بن راشد قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الحائض تقضي الصلاة؟ قال : « لا » قلت : تقضي الصوم؟ قال : « نعم » قلت : من أين جاء هذا؟ قال : « أول من قاس إبليس » قلت : فالصائم يستنقع في الماء؟ قال : « نعم » قلت : فيبل ثوبا على جسده؟ قال : « لا » قلت : من أين جاء هذا؟ قال : « من ذاك » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٦٦ ـ ٨٠٢ ، الإستبصار ٢ : ٩٣ ـ ٢٩٧ ، الوسائل ٧ : ٦٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢ ح ٨.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٦٦ ـ ٨٠٣ ، الإستبصار ٢ : ٩٣ ـ ٢٩٨ ، الوسائل ٧ : ٦٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢ ح ١٠.

(٣) الكافي ٤ : ١١٣ ـ ٣ ، الوسائل ٧ : ٦٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢ ح ٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٧١ ـ ٣٠٢ ، الوسائل ٧ : ٦٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢ ح ١٤.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٦٧ ـ ٨٠٧ ، الإستبصار ٢ : ٩٣ ـ ٣٠١ ، الوسائل ٧ : ٢٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٥.

١٣١

وجلوس المرأة في الماء.

______________________________________________________

وعن الحسن الصيقل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول فقال : « لا » (١).

وعن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « لا تلزق ثوبك وهو رطب وأنت صائم حتى تعصره » (٢).

قال في المنتهى (٣) : وهذا النهي نهي تنزيه لا نهي تحريم ، عملا بالأصل المقتضي للإباحة ، وبما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الصائم يستنقع في الماء ، ويصب على رأسه ، ويتبرد بالثوب ، وينضح المروحة ، وينضح البوريا تحته ، ولا يغمس رأسه في الماء » (٤).

وهذه الرواية غير صريحة في إباحة بلّ الثوب على الجسد ، لكن الروايات المتضمنة للنهي كلها ضعيفة السند ، فغاية ما يمكن إثباته بها الكراهة.

قوله : ( وجلوس المرأة في الماء ).

لما رواه الشيخ ، عن حنان بن سدير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصائم يستنقع في الماء ، قال : « لا بأس ، ولكن لا يغمس رأسه ، والمرأة لا تستنقع في الماء لأنها تحمله بقبلها » (٥).

قال في المعتبر : وحنان المذكور واقفي ، لكن روايته حسنة مشهورة‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٦٧ ـ ٨٠٦ ، الإستبصار ٢ : ٩٣ ـ ٣٠٠ ، الوسائل ٧ : ٦٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢ ح ١٣.

(٢) الكافي ٤ : ١٠٦ ـ ٤ ، الوسائل ٧ : ٢٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٣.

(٣) المنتهى ٢ : ٥٨٤.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٦٢ ـ ٧٨٥ ، الإستبصار ٢ : ٩١ ـ ٢٩٢ ، الوسائل ٧ : ٢٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٦٣ ـ ٧٨٩ ، الوسائل ٧ : ٢٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٦.

١٣٢

______________________________________________________

فتحمل على الكراهة كما اختاره الشيخان (١) (٢).

وقال أبو الصلاح : إذا جلست المرأة في الماء إلى وسطها لزمها القضاء (٣). ونقل عن ابن البراج أنه أوجب الكفارة أيضا بذلك (٤). وهما ضعيفان.

وألحق الشهيد في اللمعة بالمرأة الخنثى والخصي الممسوح ، لمساواتهما لها في العلة (٥).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٦٧.

(٢) المفيد في المقنعة : ٥٦ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٢٧٤.

(٣) الكافي في الفقه : ١٨٣.

(٤) المهذب ١ : ١٩٢.

(٥) اللمعة : ٦٠.

١٣٣

الركن الثالث

الزمان الذي يصح فيه الصوم

وهو النهار دون الليل ، ولو نذر الصيام ليلا لم ينعقد. وكذا لو ضمّه إلى النهار.

______________________________________________________

قوله : ( الركن الثالث ، الزمان الذي يصح فيه الصوم ، وهو النهار دون الليل ، ولو نذر الصيام ليلا لم ينعقد ).

أما اختصاص الصوم بالنهار دون الليل فقال في المنتهى : إنه لا خلاف فيه بين المسلمين (١) ، والأدلة عليه من الكتاب والسنة كثيرة.

وأما إنه لا ينعقد نذر صوم الليل فواضح بعد ثبوت اختصاص الصوم بالنهار ، لأن الليل إذا لم يكن محلا للصوم فلا يكون الإمساك فيه عبادة مطلوبة للشارع فلا ينعقد نذره.

وكما لا ينعقد نذر صوم الليل منفردا كذا لا ينعقد منضما إلى النهار ، لأنه لا يصح صومه بانفراده فلا يصح منضما إلى غيره ، قال في التذكرة : ولا ينعقد نذر صوم النهار حينئذ ، لأن المجموع لا ينعقد نذره ، لأنه معصية ، فلا ينعقد نذر بعضه (٢). وهو حسن.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٥٨٧.

(٢) التذكرة ١ : ٢٦٨.

١٣٤

ولا يصحّ صوم العيدين ، ولو نذر صومهما لم ينعقد.

ولو نذر يوما معينا فاتفق أحد العيدين لم يصحّ صومه. وهل يجب قضاؤه؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يصح صوم العيدين ، ولو نذر صومهما لم ينعقد ).

أما تحريم صوم العيدين وعدم صحة صومهما فقال المصنف في المعتبر : إنه اتفاق فقهاء الإسلام (١).

وأما أنه لا ينعقد نذره فهو قول علمائنا وأكثر العامة (٢) ، لأنه معصية فلا يكون نذره سائغا. وقال بعضهم : ينعقد نذره وعليه قضاؤه ولو صامه أجزأ عن النذر ويسقط القضاء (٣). ولا ريب في بطلانه.

قوله : ( ولو نذر يوما معيّنا فاتفق أحد العيدين لم يصح صومه ، وهل يجب قضاؤه؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه ).

القولان للشيخ رحمه‌الله ، أولهما في النهاية وموضع من المبسوط (٤) ، وتبعه ابن حمزة (٥) ، ونقل عن الصدوق أيضا (٦). والثاني في موضع آخر من المبسوط (٧) ، واختاره ابن البراج (٨) ، وأبو الصلاح (٩) ، وابن إدريس (١٠).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧١٢.

(٢) منهم المزني في مختصره : ٢٩٨ ، وابن حجر في فتح الباري ٤ : ١٩٤.

(٣) نقله عن أبي حنيفة في بدائع الصنائع ٢ : ٨٠.

(٤) النهاية : ١٦٣ ، والمبسوط ٢ : ٢٨١.

(٥) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٨٤.

(٦) المقنع : ١٣٧.

(٧) المبسوط ٢ : ٢٨٢.

(٨) المهذب ١ : ١٩٨.

(٩) الكافي في الفقه : ١٨٥.

(١٠) السرائر : ٩٠.

١٣٥

______________________________________________________

وربما استند الشيخ في وجوب القضاء إلى ما رواه في التهذيب ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن القاسم بن أبي القاسم الصيقل : إنه كتب إليه : يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو سفر أو مرض ، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب إليه قد وضع الله عنك الصيام في هذه الأيام كلها ، وتصوم يوما بدل يوم إن شاء الله » (١).

وعن محمد بن يعقوب ، عن أبي علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن علي بن مهزيار ، قال : وكتب إليه ـ يعني أبا الحسن عليه‌السلام ـ : يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو يوم جمعة أو أيام التشريق أو سفرا أو مرضا ، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب إليه : « قد وضع الله الصيام في هذه الأيام كلها ، ويصوم يوما بدل يوم إن شاء الله » (٢).

ويمكن المناقشة في الرواية الأولى من حيث السند بجهالة الكاتب والمكتوب إليه.

وفي الثانية من حيث المتن باقتضائها ما أجمع الأصحاب على خلافه من مساواة يوم الجمعة ليومي العيدين في تحريم الصوم.

وأجاب عنهما فخر المحققين بالحمل على الاستحباب ، لأن القضاء لو كان واجبا لم يعلقه بالمشية بلفظ إن ، لأن أن يختص بالمحتمل لا‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٣٤ ـ ٦٨٦ ، الوسائل ٧ : ٣٨٣ أبواب الصوم المحرم والمكروه ب ١ ح ٦.

(٢) الكافي ٧ : ٤٥٦ ـ ١٢ ، التهذيب ٨ : ٣٠٥ ـ ١١٣٥ ، الوسائل ١٦ : ٢٣٣ أبواب النذر والعهد ب ١٠ ح ١.

١٣٦

وكذا البحث في أيام التشريق لمن كان بمنى.

______________________________________________________

المتحقق (١). وهو ضعيف إذ من المعلوم أن هذا التعليق للتبرك لا للشك ، مع أن المندوب مساو للواجب في مشية الله تعالى له. والمسألة محل تردد ، ولا ريب أن القضاء أولى وأحوط.

قوله : ( وكذا البحث في أيام التشريق لمن كان بمنى ).

المراد بأيام التشريق : اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة ، سمّيت بذلك لأن لحوم الأضاحي تشرّق فيها أي تقدّد ، أو لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس ، ذكرهما في القاموس (٢).

وقد نقل المصنف في المعتبر وغيره إجماع علمائنا على تحريم صومها لمن كان بمنى (٣) ، فيكون حكمها حكم يومي العيدين في الأحكام المتقدمة.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٤ : ٥٨.

(٢) القاموس المحيط ٣ : ٢٥٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٧١٣.

١٣٧

الركن الرّابع

من يصح منه الصوم

وهو العاقل المسلم ، فلا يصحّ صوم الكافر وإن وجب عليه ، ولا المجنون.

______________________________________________________

قوله : ( الرابع ، من يصح منه : وهو العاقل المسلم ، فلا يصح صوم الكافر وإن وجب عليه ، ولا المجنون ).

أما إنه لا يصح صوم الكافر بأنواعه فلا ريب فيه ، بل الأصح اعتبار الإيمان أيضا ، لما بيناه فيما سبق من بطلان عبادة المخالف وإن فرض استجماعها لشرائط الصحة عندنا عدا الولاية.

وأما إنه لا يصح صوم المجنون ، فلأن التكليف يسقط مع زوال العقل وجوبا وندبا فلا يكون صومه مأمورا به ، فتنتفي الصحة ، لأنها عبارة عن موافقة الأمر.

وقد نص العلامة (١) وغيره (٢) على أن الجنون إذا عرض في أثناء النهار لحظة واحدة أبطل صوم ذلك اليوم.

ونقل عن ظاهر الشيخ في الخلاف أنه ساوى بينه وبين الإغماء في الصحة مع سبق النية (٣). ولا يخلو من قرب.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٦٦.

(٢) كالشهيد الأول في الدروس : ٧١.

(٣) الخلاف ١ : ٣٩٢.

١٣٨

ولا المغمى عليه ، وقيل : إذا سبقت من المغمى عليه النيّة كان بحكم الصائم ، والأول أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( ولا المغمى عليه ، وقيل : إذا سبقت من المغمى عليه النية كان بحكم الصائم ، والأول أشبه ).

اختلف الأصحاب في صوم المغمى عليه ، فذهب الأكثر إلى أنه يفسد بحصول الإغماء في جزء من أجزاء النهار كالجنون.

وقال المفيد في المقنعة : فإن استهل عليه الشهر وهو يعقل فنوى صيامه وعزم عليه ثم أغمي عليه وقد صام شيئا منه أو لم يصم ثم أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه ، لأنه في حكم الصائم ، بالنية والعزيمة على أداء الفرض (١).

ونحوه قال الشيخ في الخلاف (٢).

وجزم المصنف (٣) والعلامة (٤) بالأول ، واحتج عليه في المنتهى بأنه بزوال عقله يسقط التكليف عنه وجوبا وندبا فلا يصح منه الصوم مع سقوطه ، وبأن كلما أفسد الصوم إذا وجد في جميعه أفسده إذا وجد في بعضه كالجنون والحيض.

وبأن سقوط القضاء يستلزم سقوط الأداء في الصوم ، والأول ثابت على ما يأتي فيتحقق الثاني.

__________________

(١) المقنعة : ٥٦.

(٢) الخلاف ١ : ٣٩١.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٩٦.

(٤) التذكرة ١ : ٢٦٧ ، والمنتهى ٢ : ٥٨٥.

١٣٩

ويصحّ صوم الصبيّ المميّز ، والنائم إذا سبقت منه النيّة ، ولو استمر إلى الليل.

______________________________________________________

ويتوجه على الأول المنع من الملازمة ، فإن النائم غير مكلف قطعا ، مع أن صومه لا يفسد بذلك إجماعا.

وعلى الثاني المنع من كون الإغماء في جميع النهار مفسدا للصوم مع سبق النية ، بل ذلك محل النزاع فكيف يجعل دليلا؟!

وعلى الثالث إن سقوط القضاء يجامع صحة الأداء وفساده ، كما أن وجوبه يجامع وجوب الأداء وعدمه ، لأنه فرض مستأنف فيتوقف على الدليل وينتفي بانتفائه ، فلا يكون في سقوط القضاء دلالة على سقوط الأداء.

والحق أن الصوم إن كان عبارة عن مجرد الإمساك عن الأمور المخصوصة مع النية كما هو المستفاد من العمومات وجب الحكم بصحة صوم المغمى عليه إذا سبقت منه النية كما اختاره الشيخان.

وإن اعتبر مع ذلك وقوعه بجميع أجزائه على وجه الوجوب أو الندب بحيث يكون كل جزء من أجزائه موصوفا بذلك اتجه القول بفساد ذلك الجزء الواقع في حال الإغماء ، لأنه لا يوصف بوجوب ولا ندب ، ويلزم من فساده فساد الكل ، لأن الصوم لا يتبعض ، إلا أن ذلك منفي بالأصل ، ومنقوض بالنائم ، فإنه غير مكلف قطعا ، مع أن صومه لا يفسد بذلك إجماعا.

قوله : ( ويصح صوم الصبي المميز ، والنائم إذا سبقت منه النية ، ولو استمر إلى الليل ).

أما صحة صوم الصبي المميز بمعنى استحقاق الثواب به ودخوله في‌

١٤٠