مدارك الأحكام - ج ٦

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٦

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

ومعاودة الجنب النوم ثانيا حتى يطلع الفجر ناويا للغسل.

______________________________________________________

وفي معنى دخول الماء من الوضوء الواجب دخوله من المضمضة للتداوي ، أو لإزالة النجاسة.

ولا يلحق بالمضمضة الاستنشاق في هذا الحكم قطعا ، فلا يجب بما يسبق منه قضاء ولا كفارة ، بل لو قيل بأن تعمد إدخال الماء من الأنف غير مفسد للصوم لم يكن بعيدا.

واعلم أن المعروف من مذهب الأصحاب جواز المضمضة للصائم في الوضوء وغيره ، بل قال في المنتهى : ولو تمضمض لم يفطر بلا خلاف بين العلماء كافة سواء كان في الطهارة أو غيرها (١).

وربما ظهر من كلام الشيخ في الاستبصار عدم جواز المضمضة للتبرد ، فإنه روى عن زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في صائم يتمضمض ، قال : « لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرات » (٢) ثم قال ، قال محمد بن الحسن : هذا الخبر مختص بالمضمضة إذا كانت لأجل الصلاة ، فأما للتبرد فإنه لا يجوز على حال ، يدل على ذلك ما رواه محمد بن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الريان بن الصلت ، عن يونس ، قال : الصائم في شهر رمضان يستاك متى شاء ، وإن تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء حلقه فلا شي‌ء عليه ، والأفضل للصائم أن لا يتمضمض (٣). وهذه الرواية لا تدل على ما ذكره ، مع أنها ضعيفة جدا باشتمال سندها على سهل بن زياد ، وبأنها موقوفة على يونس ، وليس قوله حجة.

قوله : ( ومعاودة الجنب النوم ثانيا حتى يطلع الفجر ناويا للغسل ).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٥٧٩.

(٢) الإستبصار ٢ : ٩٤ ـ ٣٠٣ ، الوسائل ٧ : ٦٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣١ ح ١.

(٣) الاستبصار ٢ : ٩٤ ، والرواية في : الكافي ٤ : ١٠٧ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٠٥ ـ ٥٩٣ ، الوسائل ٧ : ٤٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ٣.

١٠١

ومن نظر إلى من يحرم عليه نظرها بشهوة فأمنى قيل : عليه القضاء ، وقيل : لا يجب ، وهو الأشبه. وكذا لو كانت محللة لم يجب.

فروع :

[ الأول ] : لو تمضمض متداويا أو طرح في فيه خرزا أو غيره لغرض صحيح فسبق إلى حلقه لم يفسد صومه. ولو فعل ذلك عبثا ، قيل : عليه القضاء ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

تدل على ذلك روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن‌ معاوية بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجنب من أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان ، قال : « ليس عليه شي‌ء » قلت : فإنه استيقظ ثم نام حتى أصبح ، قال : « فليقض ذلك اليوم عقوبة » (١).

وقول المصنف رحمه‌الله : ثانيا ، الظاهر أنه حال من المعاودة ، وهو إنما يصح إذا كانت جنابته من احتلام ، فلو قال : ونوم الجنب ثانيا حتى يطلع الفجر ، لكان أخصر وأظهر.

قوله : ( ومن نظر إلى من يحرم عليه نظرها بشهوة فأمنى ، قيل : عليه القضاء ، وقيل : لا يجب ، وهو الأشبه. وكذا لو كانت محللة لم يجب ).

الأصح عدم الوجوب إلا إذا كان معتادا للإمناء عقيب النظر وقصد ذلك فيجب القضاء والكفارة ، سواء كانت محرمة أو محللة.

قوله : ( فروع ، لو تمضمض متداويا أو طرح في فمه خرزا أو غيره لغرض صحيح فسبق إلى حلقه لم يفسد صومه. ولو فعل ذلك عبثا ، قيل : عليه القضاء ، وقيل : لا ، وهو الأشبه ).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١٢ ـ ٦١٥ ، الإستبصار ٢ : ٨٧ ـ ٢٧١ ، الوسائل ٧ : ٤١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ١.

١٠٢

الثاني : ما يخرج من بقايا الغذاء من بين أسنانه يحرم ابتلاعه للصائم ، فإن ابتلعه عمدا وجب عليه القضاء ، والأشبه القضاء والكفارة.

______________________________________________________

أما أنه لا يفسد صومه إذا كان وضع المفطر في الفم لغرض صحيح‌ فلا ريب فيه ، للإذن في الفعل ، وعدم تعمد الازدراد. وإنما الكلام مع انتفاء الغرض ، فقيل : إنه كالأول ، لعين ما سبق (١) ، وقيل : يجب القضاء ، لفحوى ما دل على وجوبه في مضمضة التبرد ووضوء النافلة (٢). وإنما جزم المصنف بوجوب القضاء في دخول الماء للتبرد ورجح سقوطه في طرح الخرز ونحوه لغير غرض مع أن العابث أولى بالمؤاخذة لاختصاص الأول بالنص ومنع أولوية الحكم في غير الماء كما لا يخفى.

قوله : ( الثاني ، ما يخرج من بقايا الغذاء من بين أسنانه يحرم ابتلاعه للصائم ، فإن ابتلعه عمدا وجب عليه القضاء ، والأشبه القضاء والكفارة ).

القول بوجوب القضاء للشيخ في الخلاف والمبسوط ولم يتعرض لوجوب الكفارة (٣) ، وإنما كان الأشبه وجوب القضاء والكفارة ، لأنه تناول المفطر عامدا فساوى ما لو ازدرده من خارج.

ويمكن المناقشة في فساد الصوم بذلك ، لعدم تسميته أكلا ، ولما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل الصائم يقلس (٤) فيخرج منه الشي‌ء أيفطره ذلك؟

__________________

(١) قال به الأردبيلي في مجمع الفائدة ٥ : ١١٧.

(٢) قال به الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٣.

(٣) الخلاف ١ : ٣٨١ ، والمبسوط ١ : ٢٧٢.

(٤) القلس : ما خرج من الحلق مل‌ء الفم أو دونه وليس بقي‌ء ، يقال : قلس الرجل يقلس قلسا وهو خروج القلس من حلقه ـ العين ٥ : ٧٨.

١٠٣

وفي السهو لا شي‌ء عليه.

الثالث : لا يفسد الصوم ما يصل إلى الجوف بغير الحلق عدا الحقنة بالمائع وقيل : صبّ الدواء في الإحليل حتى يصل إلى الجوف يفسده ، وفيه تردد.

______________________________________________________

قال : « لا » قلت : فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه؟ قال : « لا يفطره ذلك » (١).

قوله : ( وفي السهو لا شي‌ء عليه ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين من قصّر في التخليل وغيره ، وقيل إن المقصر في التخليل لو ابتلع شيئا من الباقي ناسيا يجب عليه القضاء لتفريطه وتعرضه للإفطار. ومال إليه الشارح قدس‌سره (٢). وهو ضعيف.

قوله : ( وقيل صب الدواء في الإحليل حتى يصل إلى الجوف يفسده ، وفيه تردد ).

القول للشيخ في المبسوط (٣) ، وجماعة منهم العلامة في المختلف (٤) ، واستدل عليه بأنه قد أوصل إلى جوفه مفطرا بأحد المسلكين ، فإن المثانة تنفذ إلى الجوف فكان موجبا للإفطار كما في الحقنة.

وقال الشيخ في الخلاف : التقطير في الذكر لا يفطر (٥). واختاره المصنف في المعتبر ، واحتج بأن المثانة ليست موضعا للاغتذاء ، قال :

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٦٥ ـ ٧٩٦ ، الوسائل ٧ : ٦٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٩ ح ٩.

(٢) المسالك ١ : ٧٣.

(٣) المبسوط ١ : ٢٧٣.

(٤) المختلف : ٢٢١.

(٥) الخلاف ١ : ٣٩٧.

١٠٤

الرابع : لا يفسد الصوم بابتلاع النخامة والبصاق ، ولو كان عمدا ما لم ينفصل عن الفم ، وما ينزل من الفضلات من رأسه إذا استرسل وتعدى الحلق من غير قصد لم يفسد الصوم ، ولو تعمّد ابتلاعه أفسد.

______________________________________________________

وقولهم للمثانة منفذا إلى الجوف ، قلنا : لا نسلم ، بل ربما كان ما يرد إليها من الماء على سبيل الترشح ، ولا يبطل الصوم بالأمر المحتمل (١). ولا ريب في قوة هذا القول.

قوله : ( الرابع ، لا يفسد الصوم بابتلاع النخامة والبصاق ولو كان عمدا ما لم ينفصل عن الفم ، وما ينزل من الفضلات من رأسه إذا استرسل وتعدى الحلق من غير قصد لم يفسد الصوم ، ولو تعمد ابتلاعه أفسد ).

مقتضى العبارة أن النخامة مختصة بما يخرج من الصدر لعطف ما ينزل من الرأس عليها بالواو والمؤذن بالمغايرة. وأطلق جماعة من الأصحاب عليها اسم النخامة ، وهو المطابق للعرف.

وقد اختلف كلام الأصحاب في حكمهما ، فجوز المصنف في هذا الكتاب ابتلاع الأولى ما لم تنفصل عن الفم ، ومنع من ازدراد الثانية وإن لم تصل إلى الفم. وحكم الشهيدان بالتسوية بينهما في جواز الازدراد ما لم تصلا إلى فضاء الفم ، والمنع إذا صارتا فيه (٢). وجزم المصنف في المعتبر ، والعلامة في التذكرة والمنتهى بجواز اجتلاب النخامة من الصدر والرأس وابتلاعهما ما لم تنفصلا عن الفم (٣). وهو المعتمد.

لنا : إن ذلك لا يسمى أكلا ولا شربا فكان سائغا ، تمسكا بمقتضى‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٦١.

(٢) الشهيد الأول في الدروس : ٧٤ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٣.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٥٣ ، والتذكرة ١ : ٢٥٦ ، والمنتهى ٢ : ٥٦٣.

١٠٥

______________________________________________________

الأصل السالم من المعارض.

ولنا أيضا : أن النخامة مساوية للريق في عدم الوصول من خارج فوجب مساواتها له في الحكم.

واستدل عليه في المعتبر أيضا بأن ذلك لا ينفك منه الصائم إلا نادرا فوجب العفو عنه لعموم البلوى به (١). ويؤيده ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بأن يزدرد الصائم نخامته » (٢) وقد روى هذه الرواية الشيخ في التهذيب ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن سعد بن أبي خلف ، قال : حدثني غياث عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بأن يزدرد الصائم نخامته » (٣) وليس في هذا السند من يتوقف في شأنه سوى غياث بن إبراهيم ، فإن النجاشي وثقه (٤) ، لكن قال العلامة : إنه بتري (٥). ولا يبعد أن يكون الأصل فيه كلام الكشي نقلا عن حمدويه ، عن بعض أشياخه ، وذلك البعض مجهول فلا تعويل على قوله.

ثم إن قلنا إن ذلك مفسد للصوم فالأصح أنه غير موجب للكفارة ، لأنه الأصل ولا مخرج عنه.

وربما قيل بوجوب كفارة الجمع بذلك ، بناء على تحريم ازدراد ذلك على غير الصائم (٦). وهو مدفوع بالأصل وما رواه الشيخ ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « من تنخع في المسجد‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٥٣.

(٢) الكافي ٤ : ١١٥ ـ ١ ، الوسائل ٧ : ٧٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٩ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٢٣ ـ ٩٩٥.

(٤) رجال النجاشي : ٣٠٥ ـ ٨٣٣.

(٥) خلاصة العلامة : ٢٤٥.

(٦) قال به الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٣.

١٠٦

الخامس : ما له طعم كالعلك ، قيل : يفسد الصوم ، وقيل : لا يفسده ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

ثم ردها في جوفه لم تمر بداء في جوفه إلا أبرأته » (١).

قوله : ( الخامس ، ما له طعم كالعلك قيل : يفسد الصوم ، وقيل : لا يفسده ، وهو الأشبه ).

المراد أن ما له طعم إذا تغير الريق بطعمه ولم ينفصل منه أجزاء فابتلع الصائم الريق المتغير بطعمه ففي فساد الصوم به قولان :

أحدهما : الإفساد ، واستدل له في المختلف بأن وجود الطعم في الريق دليل على تخلل شي‌ء من أجزاء ذي الطعم فيه ، لاستحالة انتقال الأعراض ، فكان ابتلاعه مفطرا (٢). وهو استدلال ضعيف ، لاحتمال الانفعال بالمجاورة كما ينفعل الماء والهواء بذلك. قال في المنتهى : وقد قيل إن من لطّخ باطن قدميه بالحنظل وجد طعمه ولا يفطره إجماعا (٣).

ويمكن أن يستدل على هذا القول أيضا بما رواه الكليني في الحسن ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : « الصائم يمضغ العلك؟ قال : « لا » (٤) ويشكل بأن أقصى ما تدل عليه الرواية التحريم ، أما الإفساد فلا ، والأجود حمل النهي على الكراهة كما اختاره الشيخ في المبسوط (٥) وابن إدريس (٦) وجماعة لما رواه الكليني في الصحيح ، عن‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٥٦ ـ ٧١٤ ، الإستبصار ١ : ٤٤٢ ـ ١٧٠٦ ، الوسائل ٣ : ٥٠٠ أبواب أحكام المساجد ب ٢٠ ح ١.

(٢) المختلف : ٢٢٢.

(٣) المنتهى ٢ : ٥٦٨.

(٤) الكافي ٤ : ١١٤ ـ ١ ، الوسائل ٧ : ٧٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٦ ح ٢.

(٥) المبسوط ١ : ٢٧٣.

(٦) السرائر : ٨٨.

١٠٧

السادس : إذا طلع الفجر وفي فيه طعام لفظه ، ولو ابتلعه فسد صومه وعليه مع القضاء الكفارة.

السابع : المنفرد برؤية هلال شهر رمضان إذا أفطر عليه القضاء والكفارة.

______________________________________________________

محمد بن مسلم قال ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : « يا محمد إياك أن تمضغ علكا فإني مضغت اليوم علكا وأنا صائم فوجدت في نفسي منه شيئا » (١).

وما رواه الشيخ ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الصائم يمضغ العلك؟ فقال : « نعم إن شاء الله » (٢).

قوله : ( السادس ، إذا طلع الفجر وفي فيه طعام لفظه ، ولو ابتلعه فسد صومه وعليه مع القضاء الكفارة ).

هذا الحكم موضع وفاق بين العلماء ، ووجهه معلوم مما سبق.

قوله : ( السابع ، المنفرد برؤية هلال شهر رمضان إذا أفطر عليه القضاء والكفارة ).

أجمع الأصحاب على أن من انفرد برؤية هلال شهر رمضان يجب عليه الصيام عدلا كان أو غير عدل ، شهد عند الحاكم أو لم يشهد ، قبلت شهادته أو ردّت. وقال بعض العامة : لا يصوم إلا في جماعة الناس (٣). ولا ريب في بطلانه.

ويترتب على وجوب الصيام لزوم القضاء والكفارة مع الإفطار. وقال أبو حنيفة لا تجب الكفارة مع أنه حكم بوجوب الصوم ، لأن الكفارة عقوبة فلا‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٤ ـ ٢ ، الوسائل ٧ : ٧٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٦ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٢٤ ـ ١٠٠٢ ، الوسائل ٧ : ٧٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٦ ح ٣.

(٣) حكاه في المغني ٣ : ٩٦.

١٠٨

المسألة العاشرة : يجوز الجماع حتى يبقى لطلوع الفجر مقدار إيقاعه والغسل. ولو تيقن ضيق الوقت فواقع فسد صومه وعليه الكفارة. ولو فعل ذلك ظانا سعته ، فإن كان مع المراعاة لم يكن عليه شي‌ء ، وإن أهمل فعليه القضاء.

______________________________________________________

تجب بفعل مختلف فيه ، ولأنه لا يجب على الجميع فأشبه زمان القضاء (١). وبطلانهما ظاهر.

قوله : ( المسألة العاشرة ، يجوز الجماع حتى يبقى لطلوع الفجر مقدار إيقاعه والغسل ، ولو تيقن ضيق الوقت فواقع فسد صومه وعليه الكفارة ).

لا ريب في تحريم الجماع مع تيقن ضيق الوقت عن زمانه وزمان الغسل وفي فساد الصوم بذلك ، وإنما الكلام في وجوب الكفارة ، وقد تقدم الكلام فيه ، ولا يخفى أن ذلك مفيد بما إذا كان المكلف ذاكرا للصوم ، وإلا فلا شي‌ء عليه.

قوله : ( ولو فعل ذلك ظانا سعته ، فإن كان مع المراعاة لم يكن عليه شي‌ء ، وإن أهمل فعليه القضاء ).

أما إنه لا شي‌ء عليه مع المراعاة فلا ريب فيه ، لأنه الأصل.

وأما وجوب القضاء مع الإهمال فربما كان لعدم تحقق الإمساك في مجموع النهار فلا يتحقق به الامتثال.

ويتوجه عليه ما بيناه مرارا من أن فساد الأداء لا يستلزم وجوب القضاء.

ويمكن أن يستدل عليه أيضا بما دل على وجوب القضاء بالأكل قبل المراعاة من باب التنبيه ، إلا أن ذلك يتوقف على ثبوت التعليل.

__________________

(١) حكاه في المغني ٣ : ٩٦.

١٠٩

الحادية عشرة : تتكرر الكفارة بتكرر الموجب إذا كان في يومين من صوم تتعلق به الكفارة. وإن كان في يوم واحد ، قيل : تتكرر مطلقا ، وقيل : إن تخلّله التكفير ، وقيل : لا تتكرر ، وهو الأشبه ، سواء كان من جنس واحد أو مختلفا.

______________________________________________________

قوله : ( الحادية عشرة ، تتكرر الكفارة بتكرر الموجب إذا كان في يومين من صوم تتعلق به الكفارة ، وإن كان في يوم واحد قيل : تتكرر مطلقا ، وقيل : إن تخلله التكفير ، وقيل : لا تتكرر ، وهو الأشبه ، سواء كان من جنس واحد أو مختلفا ).

أجمع الأصحاب على تكرر الكفارة بتكرر الموجب إذا كان في يومين أو أزيد سواء كفّر عن الأول أو لم يكفّر ، حكاه في المنتهى (١). وإنما الخلاف في تكررها بتكرر الموجب في اليوم الواحد ، فقال الشيخ في المبسوط : ليس لأصحابنا فيه نص ، والذي يقتضيه مذهبنا أنه لا تتكرر الكفارة (٢). واختاره ابن حمزة (٣) ، وجماعة منهم المصنف في كتبه الثلاثة (٤).

وقال المرتضى رضي‌الله‌عنه : تتكرر بتكرر الوطء (٥).

وقال ابن الجنيد : إن كفّر عن الأول كفّر ثانيا ، وإلا كفّر كفارة واحدة عنهما (٦).

وقال العلامة في المختلف : الأقرب عندي إن تغاير جنس المفطر تعددت الكفارة ، سواء اتحد الزمان أو لا ، كفّر عن الأول أو لا ، وإن اتحد جنس المفطر في يوم واحد فإن كفر عن الأول تعددت الكفارة ، وإلا فلا (٧).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٥٨٠.

(٢) المبسوط ١ : ٢٧٤.

(٣) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٨٤.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٨٠ ، والشرائع ١ : ١٩٤ ، والمختصر النافع : ٦٧.

(٥) حكاه عنهما في المعتبر ٢ : ٦٨٠ ، والمختلف : ٢٢٧.

(٦) حكاه عنهما في المعتبر ٢ : ٦٨٠ ، والمختلف : ٢٢٧.

(٧) المختلف : ٢٢٧.

١١٠

______________________________________________________

ورجح المحقق الشيخ علي في حواشي الكتاب تكرر الكفارة بتكرر السبب مطلقا (١). قال الشارح قدس‌سره : وهو الأصح إن لم يكن قد سبق الإجماع على خلافه. ثم قال : والأكل والشرب مختلفان ويتعددان بتعدد الازدراد (٢). وهو بعيد جدا.

والأصح ما اختاره المصنف من عدم التكرر مطلقا.

لنا : أن المقتضي لوجوب الكفارة تعمد الإفطار في نهار رمضان ، وهو إنما يحصل بفعل ما يحصل به الفطر ويفسد به الصوم ، فلا يثبت فيما عداه ، عملا بمقتضى الأصل السليم من المعارض.

ولا ينافي ذلك تعليق الحكم على الاستمناء والجماع في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٣) ، لأن ذلك إنما ورد بصيغة الفعل المثبت وهو لا يفيد العموم ، مع أن المتبادر في هذا المقام من ذلك تعلق السؤال بالاستمناء والجماع الذي يحصل به الفطر ويفسد به الصوم الصحيح كما هو واضح.

ويؤيده إطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان وقد سأله عن رجل أفطر في شهر رمضان : « يعتق رقبة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستين مسكينا » (٤) من غير استفصال عن تكرر الموجب وعدمه ، مع أن الأغلب تكرره مع الإفطار ، خصوصا على ما ذكره الشارح من تعدده بتعدد الازدراد (٥).

__________________

(١) الكتاب غير موجود. وهو موجود في جامع المقاصد ١ : ١٥٣.

(٢) المسالك ١ : ٧٣.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٢ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٠٦ ـ ٥٩٧ ، الإستبصار ٢ : ٨١ ـ ٣٤٧ ، الوسائل ٧ : ٢٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ١٠١ ـ ١ ، الفقيه ١ : ٧٢ ـ ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٠٥ ـ ٥٩٤ ، الإستبصار ٢ : ٩٥ ـ ٣١٠ ، الوسائل ٧ : ٢٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١.

(٥) المسالك ١ : ٧٣.

١١١

______________________________________________________

احتج القائلون بالتكرر مطلقا بأن الأصل اختلاف المسببات عند اختلاف الأسباب إلا ما وقع النص فيه على التداخل ، وهو منفي هنا.

والجواب أولا إنا قد بيّنا أن السبب ما يحصل به الفطر ويفسد به الصوم ، وهو إنما يصدق على الأول خاصة.

وثانيا إن هذه الأسباب من قبيل المعرفات فلا بعد في اجتماعها على مسبب واحد كما اعترف به الأصحاب في تداخل الأغسال والغسلات المعتبرة في التطهير.

احتج العلامة في المختلف على التكرر مع تغاير الجنس بأن الكفارة تترتب على كل واحد من المفطرات فمع الاجتماع لا يسقط الحكم وإلا لزم خروج الماهية عن مقتضاها حالة انضمامها إلى غيرها فلا تكون تلك الماهية هذا خلف.

قال : ويؤيده ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن الصادق عليه‌السلام : في رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا ، قال : « عليه خمسة عشر صاعا » (١) وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني ، قال : « عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع » (٢). إذا عرفت هذا فنقول : لو أفطر إنسان بأكل أو شرب أو جماع وجب عليه الكفارة بالحديث الأول ، ولو عاد فعبث بأهله حتى أمنى وجب عليه الكفارة للحديث الثاني ، فإنه دال على إطلاق هذا الفعل ، ولأن إيجاب الكفارة يتعلق على الجماع مطلقا وهو صادق على المتأخر عن الإفطار صدقه في المتقدم وماهيته واحدة‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٠٧ ـ ٥٩٩ ، الإستبصار ٢ : ٩٦ ـ ٣١٢ ، الوسائل ٧ : ٣١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١٠.

(٢) المتقدم في ص ٧٧.

١١٢

______________________________________________________

فيهما فيثبت الحكم المعلق على مطلق الماهية.

قال : وأما مع اتحاد الجنس فإن كفّر عن الأول تعددت الكفارة أيضا ، لأن الثاني جماع وقع في زمان يجب الإمساك عنه فيترتب عليه وجوب الكفارة ، لأنها معلقة على مطلق الجماع ، والثاني مساو للأول في الماهية ، وإذا كان موجبا للكفارة فإما أن تكون الكفارة الواجبة هي التي وجبت أولا فيلزم تحصيل الحاصل وهو محال ، وإن كانت غيرها ثبت المطلوب ، ويؤيده ما روي عن الرضا عليه‌السلام : « إن الكفارة تكرر بتكرر الوطء » (١) ، لا يقال : هذا أعم من أن يقع عقيب أداء الكفارة وعدمه ، لأنا نقول : المطلق لا عموم له ، وإلا لم يبق فرق بينه وبين العام. وأما إذا لم يكفّر عن الأول فلأن الحكم معلق على الإفطار وهو أعم من المتحد والمتعدد ، والأصل براءة الذمة (٢). هذا كلامه رحمه‌الله.

وجوابه معلوم مما قررناه ، فإن الكفارة إنما تترتب على ما حصل به الفطر لا على مطلق الأكل والشرب والجماع ونحوها ، مع أن ما ذكره أولا من أن المطلق لا عموم له مناف لما ذكره أولا من أن إيجاب الكفارة معلق على الجماع مطلقا ، وهو صادق في المتأخر عن الإفطار صدقه في المتقدم وماهيته واحدة فيهما ، فيثبت الحكم المعلق على مطلق الماهية ، إذ مقتضى ذلك كون المطلق كالعام.

وقوله في آخر كلامه : إن الحكم معلق على الإفطار وهو أعم من المتحد والمتعدد ، غير جيد ، فإن الإفطار الذي هو إفساد الصوم إنما يستند إلى السبب الأول خاصة ، مع أن ما استدل به على التكرر مع تخلل التكفير يمكن إجراؤه في هذه الصورة.

__________________

(١) المختلف : ٢٢٧ ، وعنه في الوسائل ٧ : ٣٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١١ ح ٣.

(٢) المختلف : ٢٢٧.

١١٣

فرع :

من فعل ما تجب به الكفارة ثم سقط فرض الصوم بسفر أو حيض وشبهه ، قيل : تسقط الكفارة ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

وبالجملة فكلامه ـ رحمه‌الله ـ في هذه المسألة لا يخلو من تدافع ، والله أعلم.

قوله : ( فرع ، من فعل ما تجب به الكفارة ثم سقط فرض الصوم بسفر أو حيض وشبهه قيل : تسقط الكفارة ، وقيل : لا ، وهو الأشبه ).

القول بعدم السقوط للشيخ ـ رحمه‌الله ـ في الخلاف وأكثر الأصحاب ، وادعى عليه في الخلاف إجماع الفرقة (١). واستدل عليه بأنه أفسد صوما واجبا من رمضان فاستقرت عليه الكفارة كما لو لم يطرأ العذر ، وبأنه أوجد المقتضي وهو الهتك والإفساد بالسبب الموجب للكفارة فيثبت الأثر ، والمعارض وهو العذر المسقط لفرض الصوم لا يصلح للمانعية عملا بالأصل.

والقول بالسقوط حكاه المصنف وغيره ، واختاره العلامة في جملة من كتبه ، واستدل عليه بأن هذا اليوم غير واجب صومه عليه في علم الله تعالى ، وقد انكشف لنا ذلك بتجدد العذر فلا تجب فيه الكفارة كما لو انكشف أنه من شوال بالبينة (٢).

وذكر العلامة ومن تأخر عنه (٣) أن مبنى المسألة على قاعدة أصولية ، وهي أن المكلّف إذا علم فوات شرط الفعل هل يجوز أن يكلّف به أم يمتنع؟ فعلى الأول تجب الكفارة ، وعلى الثاني تسقط.

وعندي في هذا البناء نظر ، إذ لا منافاة بين الحكم بامتناع التكليف‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤٠٠.

(٢) التذكرة ١ : ٢٦٣ ، والمختلف : ٢٢٧ ، والقواعد ١ : ٦٥.

(٣) كفخر المحققين في إيضاح الفوائد ١ : ٢٣٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٤.

١١٤

______________________________________________________

بالفعل مع علم الآمر بانتفاء الشرط كما هو الظاهر ، وبين الحكم بثبوت الكفارة هنا لتحقق الإفطار في صوم واجب بحسب الظاهر كما هو واضح. والمسألة محل تردد وإن كان القول بعدم السقوط لا يخلو من قوة.

نعم لو انكشف بعد الإفطار كون ذلك اليوم من غير شهر رمضان ، كما لو ثبت بالبينة أنه من شوال سقطت الكفارة قطعا ، لأن الكفارة إنما تتعلق بمن أفطر في نهار شهر رمضان ، والمفروض كونه من شوال.

ويظهر من كلام العلامة في مطولاته الثلاثة (١) والشارح ـ قدس‌سره (٢) ـ أن سقوط الكفارة في هذه الصورة لا خلاف فيه ، فإنهما استدلا على سقوط الكفارة مع سقوط الفرض بسقوطها إذا انكشف كون ذلك اليوم من شوال بالبينة ، ومقتضى ذلك كون السقوط هنا مسلما عند الجميع.

واعلم أن الظاهر أن موضع الخلاف ما إذا لم يكن المسقط من فعل المكلف ، بحيث يقصد به إسقاط الكفارة ، فإنها لا تسقط ، وإلا لزم إسقاط الكفارة عن كل مفطر باختياره والإقدام على المحرمات.

ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني في الحسن ، عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « أيما رجل كان له مال وحال عليه الحول فإنه يزكيه » قلت له : فإن وهبه قبل حلّه بشهر أو يومين؟ قال : « ليس عليه شي‌ء أبدا » وقال زرارة عنه إنه قال : « هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في إقامته ثم خرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك إبطال الكفارة التي وجبت عليه » وقال : « إنه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة ، ولكنه لو وهبها قبل ذلك لجاز ولم يكن عليه شي‌ء بمنزلة من خرج ثم أفطر » (٣).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٦٤ ، والمنتهى ٢ : ٥٨٤ ، والمختلف : ٢٢٧.

(٢) المسالك ١ : ٧٤.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٥ ـ ٤ ، الوسائل ٦ : ١١١ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٢ ح ٢.

١١٥

الثانية عشرة : من أفطر في شهر رمضان عالما عامدا عزّر مرة ، فإن عاد كذلك عزّر ثانيا ، فإن عاد قتل.

______________________________________________________

قوله : ( الثانية عشرة ، من أفطر في شهر رمضان عامدا عالما عزّر مرة ، فإن عاد كذلك عزّر ثانيا ، فإن عاد قتل ).

من أفطر في شهر رمضان فإما أن يكون معتقدا للعصيان أو يكون مستحلا ، فإن كان معتقدا للعصيان عزّر ، فإن عاد عزر ، فإن عاد قتل في الثالثة عند أكثر الأصحاب ، لرواية سماعة ، قال : سألته عن رجل أخذ في شهر رمضان وقد أفطر ثلاث مرات وقد رفع إلى الإمام ثلاث مرات ، قال : « فليقتل في الثالثة » (١).

وقيل إنما يقتل في الرابعة (٢) ، لما رواه الشيخ مرسلا عنهم عليهم‌السلام : « إن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة » (٣).

والروايتان ضعيفتا السند (٤) ، لكن لا بأس بالمصير إلى هذا القول اقتصارا في التهجم على الدماء على موضع اليقين ، قال في التذكرة : وإنما يقتل في الثالثة أو الرابعة على الخلاف لو رفع في كل مرة إلى الإمام وعزر ، أما لو لم يرفع فإنه يجب عليه التعزير خاصة ، وإن زاد على الأربع (٥). وهو حسن.

وإن كان مستحلا للإفطار فهو مرتد إن كان ممن عرف قواعد الإسلام وكان إفطاره بما علم تحريمه من دين الإسلام ضرورة كالأكل والشرب‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٠٣ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٧٣ ـ ٣١٥ ، التهذيب ٤ : ٢٠٧ ـ ٥٩٨ ، الوسائل ٧ : ١٧٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢ ح ٢.

(٢) قال به الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٤.

(٣) المبسوط ١ : ١٢٩.

(٤) أما الأولى فلأن راويها واقفي ، وأما الثانية فبالإرسال ـ راجع رجال الطوسي : ٣٥١.

(٥) التذكرة ١ : ٢٦٥.

١١٦

الثالثة عشرة : من وطئ زوجته في شهر رمضان وهما صائمان مكرها لها كان عليه كفارتان ، ولا كفارة عليها.

______________________________________________________

والجماع ، ولو استحل غير ذلك لم يكفر ، خلافا للحلبي (١).

ولو ادعى الشبهة الممكنة قبل منه ، وروى الشيخ في الصحيح ، عن بريد العجلي ، قال : سئل أبو جعفر عليه‌السلام عن رجل شهد عليه شهود أنه أفطر في شهر رمضان ثلاثة أيام ، قال : « يسئل هل عليك في إفطارك في شهر رمضان إثم؟ فإن قال لا فإن على الإمام أن يقتله ، وإن قال نعم فإن على الإمام أن ينهكه ضربا » (٢).

قوله : ( الثالثة عشرة ، من وطئ زوجته في شهر رمضان وهما صائمان مكرها لها كان عليه كفارتان ، ولا كفارة عليها ).

الأصل في هذه المسألة ما رواه الكليني رضي‌الله‌عنه ، عن علي بن محمد بن بندار ، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر ، عن عبد الله بن حماد ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة ، فقال : « إن استكرهها فعليه كفارتان ، وإن كانت مطاوعة فعليه كفارة وعليها كفارة ، وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحد ، وإن كانت طاوعته ضرب خمسة وعشرين سوطا ، وضربت خمسة وعشرين سوطا » (٣).

قال المصنف في المعتبر : وإبراهيم بن إسحاق هذا ضعيف متهم ، والمفضل بن عمر ضعيف جدا كما ذكره النجاشي ، وقال ابن بابويه : لم يرو هذه غير المفضل ، فإذن الرواية في غاية الضعف ، لكن علماؤنا ادعوا على ذلك إجماع الإمامية ، ومع ظهور القول بها ونسبة الفتوى إلى الأئمة‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٨٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١٥ ـ ٦٢٤ ، الوسائل ٧ : ١٧٨ أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٣ ـ ٩ ، الوسائل ٧ : ٣٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٢ ح ١.

١١٧

______________________________________________________

عليهم‌السلام يجب العمل بها. ونسبة الفتوى إلى الأئمة عليهم‌السلام باشتهارها بين ناقلي مذهبهم كما يعلم أقوال أرباب المذاهب بنقل أتباع مذاهبهم وإن أسندت في الأصل إلى الضعفاء والمجاهيل (١). هذا كلامه رحمه‌الله وهو جيد لو علم استناد الفتوى بذلك إلى الأئمة عليهم‌السلام كما علم بعض أقوال أرباب المذاهب بنقل أتباعهم ، لكنه غير معلوم ، وإنما يتفق حصول هذا العلم في آحاد المسائل كما يعلم بالوجدان.

ونقل عن ظاهر ابن أبي عقيل أنه أوجب على الزوج مع الإكراه كفارة واحدة كما في حال المطاوعة (٢). وهو غير بعيد ، خصوصا على ما ذهب إليه الأكثر من عدم فساد صوم المرأة بذلك ، فينتفي المقتضي للتكفير.

ولم يذكر المصنف تضاعف التعزير على الزوج بالإكراه ، وكان الأولى ذكره كما فعل في المعتبر ، لوروده مع تعدد التكفير في الرواية (٣).

وقد يجتمع في الوطء الواحد الإكراه والمطاوعة ، ابتداء واستدامة ، فيلزمه حكمه ويلزمها حكمها. ولا فرق في الزوجة بين الدائم والمستمتع بها.

وألحق الشيخ بالمكرهة النائمة (٤) ، قال في المعتبر : ونحن نساعده على المكرهة وقوفا عند ما ادعاه من إجماع الإمامية ، أما النائمة فلا ، لأن في الإكراه نوعا من تهجم ليس موجودا في النائمة ، ولأن ذلك ثبت على خلاف الأصل ، فلا يلزم من ثبوت الحكم هناك لوجود الدلالة ثبوته هنا مع عدمها (٥).

تفريع : لو وطأ المجنون زوجته وهي صائمة ، فإن طاوعته لزمتها‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٨١.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٢٢٣.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٨١.

(٤) الخلاف ١ : ٣٨٤.

(٥) المعتبر ٢ : ٦٨٢.

١١٨

فإن طاوعته فسد صومها ، وعلى كل واحد منهما كفارة عن نفسه ، ويعزّر بخمسة وعشرين سوطا. وكذا لو كان الإكراه لأجنبيّة ، وقيل : لا يتحمل هنا ، وهو الأشبه.

الرابعة عشرة : كل من وجب عليه شهران متتابعان فعجز صام‌

______________________________________________________

الكفارة ، وإن أكرهها سقطت الكفارة عنهما. أما عنه فلعدم التكليف. وأما عنها فللإكراه.

ولو أكره المسافر زوجته قيل : وجبت الكفارة عليه عنها لا عنه (١). واحتمل العلامة في القواعد السقوط مطلقا ، لكونه مباحا له غير مفطر لها (٢). وربما لاح من هذا التعليل إباحة الإكراه على هذا الوجه ، وكأن وجهه انتفاء المقتضي للتحريم ، وهو فساد الصوم ، إذ المفروض أن صومها لا يفسد بذلك ، والأصح التحريم ، لأصالة عدم جواز إجبار المسلم على غير الحق الواجب عليه.

قوله : ( وكذا لو كان الإكراه لأجنبية ، وقيل : لا يحتمل هنا. وهو الأشبه ).

الأصح ما اختاره المصنف ، لاختصاص النص الوارد بالتحمل بالوطء المحلل ، فينتفي في غيره. وقيل : يتحمل ، لأن الزنا أغلظ حكما من الوطء المحلل فالذنب فيه أفحش ، فيكون أولى بالمؤاخذة ، وإيجاب التكفير نوع من المؤاخذة (٣). وهو تعليل ضعيف ، فإن الكفارة لتكفير الذنب ، وقد يغلظ الذنب فلا تؤثر الكفارة في عقابه تخفيفا ولا سقوطا ، كما في قتل الصيد عمدا ، فإنه لا كفارة فيه مع ثبوت الكفارة في الخطأ.

قوله : ( الرابعة عشرة ، كل من وجب عليه شهران متتابعان فعجز‌

__________________

(١) قال به العلامة في القواعد ١ : ٦٦.

(٢) القواعد ١ : ٦٦.

(٣) كما في المختلف : ٢٢٣.

١١٩

ثمانية عشر يوما ،

______________________________________________________

صام ثمانية عشر يوما ).

إطلاق وجوب الشهرين يشمل ما لو وجبا بسبب كفارة أو نذر وما في معناه ، وما لو وجبا في الكفارة تعيينا أو تخييرا ، وهو مشكل على إطلاقه. والمستند في ذلك ما رواه الشيخ ، عن أبي بصير وسماعة بن مهران ، قالا : سألنا أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام ، ولم يقدر على العتق ، ولم يقدر على الصدقة ، قال : « فليصم ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام » (١) ومقتضاها الانتقال إلى الثمانية عشر بعد العجز عن الخصال الثلاثة في الكفارة ، لكنها ضعيفة السند باشتماله على إسماعيل بن مرار ، وهو مجهول ، وعبد الجبار بن المبارك وقد ذكره العلامة في الخلاصة ولم يورد فيه مدحا ولا قدحا (٢) ، فلا يسوغ التعلق بها.

والأصح الانتقال بعد العجز عن الخصال الثلاثة في الكفارة المخيرة إلى التصدق بالممكن ، كما اختاره ابن الجنيد (٣) والصدوق في المقنع (٤) ، لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر ، قال : « يعتق نسمة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستين مسكينا ، فإن لم يقدر تصدق بما يطيق » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٠٧ ـ ٦٠١ ، الإستبصار ٢ : ٩٧ ـ ٣١٤ ، الوسائل ٧ : ٢٧٩ أبواب بقية الصوم الواجب ب ٩ ح ١.

(٢) رجال العلامة : ١٣٠.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٢٢٦.

(٤) المقنع : ٦١.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٠٥ ـ ٥٩٤ ، الإستبصار ٢ : ٩٥ ـ ٣١٠ ، الوسائل ٧ : ٢٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١ ، وأوردها في الكافي ٤ : ١٠١ ـ ١ ، والفقيه ٢ : ٧٢ ـ ٣٠٨.

١٢٠