مدارك الأحكام - ج ٥

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

وفي كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة ، وفي كل أربعين مسنّة.

الثاني : في الأبدال ، من وجب عليه بنت مخاض وليست عنده أجزأه ابن لبون ذكر ، ولو لم يكونا عنده كان مخيرا في ابتياع أيهما شاء.

______________________________________________________

مقتضى العبارة أن الغالب عدم فرض كل واحد من الأمرين بعد بلوغ‌ مائة وإحدى وعشرين ، وهو يشعر بأن التخيير بين الحقاق وبنات اللبون ليس مطلقا ، بل يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب أو يكون أقرب إلى ذلك ، وهو أولى وإن كان الأظهر التخيير مطلقا كما اختاره جدي ـ قدس‌سره ـ في فوائد القواعد وأسنده إلى ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب ، وقد تقدم الكلام في ذلك (١).

قوله : ( وفي كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة ، وفي كل أربعين مسنة ).

هذا قول العلماء كافة وقد تقدم من الأخبار ما يدل عليه ، ويجب التقدير هنا بما يحصل به الاستيعاب أو يكون أقرب إليه كما تدل عليه حسنة الفضلاء عن الباقر والصادق عليهما‌السلام.

قوله : ( الثاني ، في الأبدال : من وجبت عليه بنت مخاض وليست عنده أجزأه ابن لبون ذكر ، ولو لم يكونا عنده كان مخيرا في ابتياع أيهما شاء ).

أما إجزاء ابن اللبون الذكر عن بنت المخاض إذا لم تكن عنده وإن أمكنه شراؤها فقال في التذكرة : إنه موضع وفاق (٢). وتدل عليه روايات : منها قوله عليه‌السلام في رواية زرارة : « فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن‌

__________________

(١) راجع ص ٥٧.

(٢) التذكرة ١ : ٢٠٨.

٨١

ومن وجبت عليه سنّ وليست عنده وعنده أعلى منها بسنّ دفعها وأخذ شاتين أو عشرين درهما ، وإن كان ما عنده أخفض بسنّ دفع معها شاتين أو عشرين درهما ،

______________________________________________________

لبون ذكر » (١) وفي رواية أبي بصير : « فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر » (٢) وحكى الشارح قولا بإجزاء ابن اللبون عن بنت المخاض مطلقا (٣). وهو ضعيف.

وأما أنه يتخير في ابتياع أيهما شاء إذا لم يكونا عنده فظاهر المصنف في المعتبر (٤) ، والعلاّمة في جملة من كتبه (٥) أنه موضع وفاق بين علمائنا وأكثر العامة ، واستدلوا عليه بأنه بشراء ابن اللبون يكون واجدا له دون بنت المخاض فيجزيه.

وحكى في المعتبر عن مالك أنه يتعين شراء بنت المخاض ، لأن مع عدمهما لا يكون واجدا لابن اللبون فيتعين عليه ابتياع ما يلزم الذمة وهو بنت المخاض ، ولأنهما استويا في العدم فلا يجزي ابن اللبون كما لو استويا في الوجود. وضعف الدليلين ظاهر.

وربما ظهر من عبارة الشارح تحقق الخلاف في ذلك بين علمائنا (٦). وكيف كان فلا ريب أن شراء بنت المخاض مع الإمكان أولى وأحوط.

قوله : ( ومن وجبت عليه سن وليست عنده وعنده أعلى منها بسن دفعها وأخذ شاتين أو عشرين درهما ، وإن كان ما عنده أخفض بسن دفع معها شاتين أو عشرين درهما ).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٢ ـ ٣٣ ، الوسائل ٦ : ٧٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠ ـ ٥٢ ، الإستبصار ٢ : ١٩ ـ ٥٦ ، الوسائل ٦ : ٧٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٢.

(٣) المسالك ١ : ٥٣.

(٤) المعتبر ٢ : ٥١٥.

(٥) المنتهى ١ : ٤٨٤ ، والقواعد ١ : ٥٣.

(٦) المسالك ١ : ٥٣.

٨٢

______________________________________________________

هذا قول علمائنا أجمع ، قاله في التذكرة (١) ، ووافقنا عليه أكثر العامة (٢). والأصل فيه ما رواه الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن عيسى ، عن محمد بن مقرن بن عبد الله بن زمعة ، عن أبيه (٣) ، عن جدّ أبيه : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام كتب له في كتابه الذي كتب له بخطه حين بعثه على الصدقات : « من بلغت عنده من إبل الصدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقّة فإنه تقبل منه الحقّة ويجعل معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت عنده صدقة الحقّة وليست عنده حقّة وعنده جذعة فإنه تقبل منه جذعة ويعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته حقّة وليست عنده حقة وعنده ابنة لبون فإنه تقبل منه ويعطي معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده حقّة فإنه تقبل الحقة منه ويعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده ابنة مخاض فإنه تقبل منه ابنة مخاض ويعطي معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته ابنة مخاض وليست عنده ابنة مخاض وعنده ابنة لبون فإنه تقبل منه ابنة لبون ويعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهما ، ومن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه ابن لبون وليس معه شي‌ء » (٤).

وهذه الرواية ضعيفة السند (٥) ، ولعل اتفاق الأصحاب على العمل بها أسقط اعتبار سندها ، ومقتضاها انحصار الجبران في الشاتين أو العشرين درهما.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٠٨.

(٢) كالغمراوي في السراج الوهاج : ١١٧ ، وحكاه عن الشافعي في بداية المجتهد ١ : ٢٦٨.

(٣) كذا ، وفي المصدر زيادة : محمد بن عيسى عن يونس عن محمد بن مقرن بن عبد الله بن زمعة عن أبيه عن جده.

(٤) الكافي ٣ : ٥٣٩ ـ ٧ ، الوسائل ٦ : ٨٧ أبواب زكاة الأنعام ب ١٣ ح ٢.

(٥) لعل وجهه هو اشتمالها على عدة من المجاهيل منهم محمد بن مقرن وأبوه وجدّه.

٨٣

والخيار في ذلك إليه لا إلى العامل وسواء كانت القيمة السوقية مساوية لذلك أو ناقصة عنه أو زائدة عليه.

______________________________________________________

واكتفى العلاّمة في التذكرة في الجبر بشاة وعشرة دراهم (١) ، وبه قطع الشارح قدس‌سره (٢) ، وهو ضعيف ، لأنه خروج عن المنصوص.

قال الشارح : ثم إن كان المالك هو الدافع أوقع النية على المجموع ، وإن كان الآخذ ففي محل النية إشكال ، والذي اختاره الشهيد إيقاع النية على المجموع واشتراط المالك على الفقير ما يجبر به الزيادة وتكون نية وشرطا لا نية بشرط (٣).

قوله : ( والخيار في ذلك إليه لا إلى العامل ).

أي في دفع الأعلى والأدنى ، وفي الجبر بالشاتين أو الدراهم إلى المالك ، لا إلى العامل والفقير.

قوله : ( وسواء كانت القيمة السوقية مساوية لذلك أو ناقصة عنه أو زائدة عليه ).

المراد أنه يجزي دفع الأعلى والأدون مع الجبر المذكور سواء كانت قيمة الواجب السوقية مساوية لقيمة المدفوع على الوجه المذكور أم زائدة عليه أم ناقصة عنه ، وإنما كان مجزيا لإطلاق النص المتقدم المتناول للجميع ، ويشكل في صورة استيعاب قيمة المأخوذ من الفقير لقيمة المدفوع إليه ـ كما لو كانت قيمة بنت اللبون المدفوعة إلى الفقير عن بنت المخاض تساوي العشرين درهما التي أخذها منه ـ من إطلاق النص ، ومن أن المالك كأنه لم يؤدّ شيئا ، والمتجه هنا عدم الإجزاء كما هو ظاهر اختيار العلاّمة في التذكرة (٤).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٠٨.

(٢) المسالك ١ : ٥٣.

(٣) المسالك ١ : ٥٣.

(٤) التذكرة ١ : ٢٠٨.

٨٤

ولو تفاوتت الأسنان بأزيد من درجة واحدة لم يتضاعف التقدير الشرعي ورجع في النقاص إلى قيمة السوق على الأظهر. (١) وكذا ما فوق الجذع من الأسنان. (٢)

______________________________________________________

قوله : ( ولو تفاوتت الأسنان بأزيد من درجة واحدة لم يتضاعف التقدير الشرعي ورجع في النقاص إلى قيمة السوق على الأظهر ).

المراد أنه إذا كان ما عنده من الإبل فوق الفريضة أو دونها بدرجتين فصاعدا كبنت المخاض والحقّة لم يتضاعف التقدير الشرعي بأن يدفع بنت المخاض وأربع شياه أو أربعين درهما عن الحقة ، أو يدفع الحقة ويأخذ ذلك من الفقير ، بل لا يخرج أحدهما عن الآخر إلاّ بالقيمة السوقية ، وبذلك قطع في المعتبر من غير نقل خلاف في ذلك لأحد من الأصحاب ، واستدل عليه بأن التقدير المذكور خلاف مقتضى الدليل فيقتصر على موضع النص (١).

وللشيخ قول بجواز الانتقال إلى الأدنى والأعلى مع تضاعف الجبران (٢) ، واختاره العلاّمة في جملة من كتبه ، واستدل عليه بأن بنت المخاض وأحد الأمرين مساو شرعا لبنت اللبون ، وبنت اللبون وأحدهما مساو للحقّة ، ومساوي المساوي مساو ، فتكون بنت المخاض مع أربع شياه أو أربعين درهما مساو للحقّة (٣). وهو استدلال ضعيف ، فإن أجزاء عين بنت اللبون مع الشاتين مثلا عن الحقّة لا يقتضي إجزاء مساويها ، ومرجعه إلى منع كون المساواة من كل وجه.

قوله : ( وكذا ما فوق الجذع من الأسنان ).

أي لا يجزي ما زاد عن الجذع من أسنان الإبل كالثنيّ ، وهو ما دخل في السادسة ، والرّباع وهو ما دخل في السابعة عن الجذع ولا ما دونه مع أخذ‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥١٦.

(٢) المبسوط ١ : ١٩٤.

(٣) التذكرة ١ : ٢٠٨ ، والمختلف : ١٧٧.

٨٥

______________________________________________________

الجبران ، اقتصارا في إجزاء غير الفرض عنه على مورد النص.

وفي إجزاء هذه عن أحد الأسنان الواجبة من غير جبر وجهان : من الخروج عن المنصوص ، ومن زيادة القيمة. وكذا الوجهان في إجزاء بنت المخاض عن خمس شياه ، وأولى بالإجزاء هنا ، لإجزائها عن الأكثر فيجزي عن الأقل.

والأصح عدم الإجزاء مطلقا إلاّ بالقيمة السوقية إن سوّغنا ذلك ، بل قال المصنف في المعتبر : لو أخرج عن خمس من الإبل بعيرا لم يجز ، لأنه أخرج غير الواجب فلا يجزي عنه كما لو أخرج بعيرا عن أربعين شاة من الغنم ، نعم لو أخرجه بالقيمة السوقية وكان مساويا لقيمة الشاة أو أكثر جاز (١). وهو حسن.

ولو حال الحول على النصاب وهو فوق الجذع فظاهر الأصحاب وجوب تحصيل الفريضة من غيره ، لتعلق الأمر بها فلا يجزي غيرها إلاّ بالقيمة.

وقال في التذكرة : إن المالك مخير بين أن يشتري الفرض وبين أن يعطي واحدة منها وبين أن يدفع القيمة (٢). ولم يستدل عليه بشي‌ء ، وهو مشكل.

وكذا الكلام لو حال الحول على إحدى وستين وهي دون الجذع ، أو ست وأربعين وهي دون الحقق ، أو ست وثلاثين وهي دون بنات اللبون ، أو ست وعشرين وهي دون بنات المخاض.

وجوز الشهيد في البيان الإخراج من النصاب مطلقا وإن كان دون بنات المخاض ثم قال : وحينئذ ربما تساوى المخرج من الست والعشرين إلى‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥١٣.

(٢) التذكرة ١ : ٢٠٨.

٨٦

وكذا ما عدا أسنان الإبل.

الثالث : في أسنان الفرائض.

بنت المخاض : هي التي لها سنة ودخلت في الثانية ، أي أمها ماخض بمعنى حامل.

وبنت اللبون : هي التي لها سنتان ودخلت في الثالثة ، أي‌

______________________________________________________

الإحدى والستين ، ثم احتمل وجوب السن الواجبة من غيره (١). وهذا الاحتمال لا يخلو من قوة.

قوله : ( وكذا ما عدا أسنان الإبل ).

أي لا يثبت فيها الجبران اقتصارا على مورد النص. قال في التذكرة : ولا نعلم فيه خلافا ، فمن عدم فريضة البقر أو الغنم ووجد الأدون أو الأعلى أخرجها مع التفاوت أو استرده بالتقويم السوقي (٢).

قوله : ( بنت المخاض هي التي لها سنة ودخلت في الثانية ، أي أمها ماخض بمعنى حامل ).

قال الجوهري : المخاض : وجع الولادة ، والمخاض أيضا : الحوامل من النوق ، واحدتها خلفة ، ولا واحد لها من لفظها. ومنه قيل للفصيل إذا استكمل الحول ودخل في الثانية ابن مخاض والأنثى ابنة مخاض ، لأنه فصل عن أمه وألحقت أمّه بالمخاض سواء لقحت أو لم تلقح (٣). ونحوه قال في القاموس (٤).

قوله : ( وبنت اللبون هي التي لها سنتان ودخلت في الثالثة ، أي‌

__________________

(١) البيان : ١٧٥.

(٢) التذكرة ١ : ٢٠٨.

(٣) الصحاح ٣ : ١١٠٥.

(٤) القاموس المحيط ٢ : ٣٥٦.

٨٧

أمها ذات لبن.

والحقة : هي التي لها ثلاث ودخلت في الرابعة ، فاستحقت أن يطرقها الفحل أو يحمل عليها.

والجذعة : هي التي لها أربع ودخلت في الخامسة ،

______________________________________________________

أمها ذات لبن ).

اللبون بفتح اللام ذات اللبن. قال الجوهري : وابن اللبون ولد الناقة إذا استكمل السنة الثانية ودخل في الثالثة ، والأنثى بنت لبون ، لأن أمّه وضعت غيره فصار لها لبن ، وهو نكرة ويعرّف بالألف واللام (١).

قوله : ( والحقّة هي التي لها ثلاث ودخلت في الرابعة ، فاستحقت أن يطرقها الفحل أو يحمل عليها ).

قال الجوهري : الحقّ بالكسر ما كان من الإبل ابن ثلاث سنين وقد دخل في الرابعة ، والأنثى حقّة وحقّ أيضا ، سمّي بذلك لاستحقاقه أن يحمل عليه وأن ينتفع به (٢).

قوله : ( والجذعة هي التي لها أربع ودخلت في الخامسة ).

قال الجوهري : الجذع قبل الثني ، والجمع جذعان وجذاع ، والأنثى جذعة والجمع جذعات. تقول منه لولد الشاة في السنة الثانية ، ولولد البقر والحافر في السنة الثالثة ، وللإبل في السنة الخامسة : أجذع. ثم قال : وقد قيل في ولد النعجة : إنه يجذع في ستة أشهر أو تسعة أشهر ، وذلك جائز في الأضحية (٣).

__________________

(١) الصحاح ٦ : ٢١٩٢.

(٢) الصحاح ٤ : ١٤٦٠.

(٣) الصحاح ٣ : ١١٩٤.

٨٨

وهي أعلى الأسنان المأخوذة في الزكاة.

والتبيع : هو الذي تم له حول ، وقيل : سمي بذلك لأنه تبع قرنه أذنه ، أو تبع أمّه في الرعي.

______________________________________________________

قوله : ( وهي أعلى الأسنان المأخوذة في الزكاة ).

لا خلاف في أن الجذعة أعلى الأسنان المأخوذة في الزكاة ، كما لا خلاف في أن بنت المخاض أصغر أسنانها ، وقد تقدم ما يدل على ذلك من النصوص.

قال ابن بابويه في كتابه من لا يحضره الفقيه : أسنان الإبل من أول ما تطرحه أمّه إلى تمام السنة حوار ، فإذا دخل في الثانية سمّي ابن مخاض لأن أمّه قد حملت ، فإذا دخل في الثالثة سمّي ابن لبون وذلك أن أمّه قد وضعت وصار لها لبن ، فإذا دخل في الرابعة سمّي الذكر حقّا والأنثى حقّة لأنه قد استحق أن يحمل عليه ، فإذا دخل في الخامسة سمّي جذعا ، فإذا دخل في السادسة سمّي ثنيّا لأنه ألقى ثنيّته ، فإذا دخل في السابعة ألقى رباعيّته وسمّي رباعيّا ، فإذا دخل في الثامنة ألقى السنّ التي بعد الرباعية وسمّي سديسا ، فإذا دخل في التاسعة فطرنا به وسمّي بازلا ، فإذا دخل في العاشرة فهو مخلف ، وليس له بعد هذا اسم ، والأسنان التي تؤخذ في الصدقة من ابنة مخاض إلى الجذع » (١).

قوله : ( والتبيع هو الذي تم له حول ، وقيل : سمي بذلك لأنه تبع قرنه أذنه ، أو تبع أمّه في الرعي ).

ذكر الجوهري (٢) وغيره (٣) أن التبيع ولد البقر في السنة الأولى. وإنما اعتبر فيه تمام الحول لقوله عليه‌السلام في حسنة الفضلاء : « في كل ثلاثين‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٣.

(٢) الصحاح ٣ : ١١٩٠.

(٣) كالفيروزآبادي في القاموس المحيط ٣ : ٨.

٨٩

والمسنّة : هي الثنيّة التي كمل لها سنتان ودخلت في الثالثة.

ويجوز أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية ، ومن العين أفضل ، وكذا في سائر الأجناس.

______________________________________________________

بقرة تبيع حوليّ » (١).

قوله : ( والمسنّة هي الثنية التي كملت لها سنتان ودخلت في الثالثة ).

لم أقف في كلام أهل اللغة على تفسير المسنّة. وقال العلاّمة في التذكرة : إن ولد البقر إذا كمل سنتين ودخل في الثالثة فهو ثنيّ وثنية وهي المسنّة شرعا (٢). ومقتضى كلامه أن هذه التسمية مستفادة من الشرع ولم أقف على رواية تتضمن تفسيرها بذلك ، إلاّ أن العلاّمة في المنتهى نقل الإجماع على أن المراد بها ما كمل لها سنتان ودخلت في الثالثة (٣).

قوله : ( ويجوز أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية ، والعين أفضل ، وكذا في سائر الأجناس ).

أما جواز إخراج القيمة في الزكاة عن الذهب والفضة والغلاّت فقال في المعتبر : إنه قول علمائنا أجمع (٤). ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يعطي عن زكاته ، عن الدراهم دنانير وعن الدنانير دراهم بالقيمة أيحلّ ذلك؟ قال : « لا بأس » (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ ـ ٥٧ ، الوسائل ٦ : ٧٧ أبواب زكاة الأنعام ب ٤ ح ١.

(٢) التذكرة ١ : ٢١٣.

(٣) المنتهى ١ : ٤٨٧.

(٤) المعتبر ٢ : ٥١٦.

(٥) التهذيب ٤ : ٩٥ ـ ٢٧٢ ، الوسائل ٦ : ١١٤ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٤ ح ٢.

٩٠

______________________________________________________

وفي الصحيح ، عن البرقي قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام هل يجوز جعلت فداك أن يخرج ما يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شي‌ء ما فيه؟ فأجابه عليه‌السلام : « أيما تيسر يخرج » (١).

وأما زكاة الأنعام فقد اختلف فيها كلام الأصحاب ، فقال المفيد في المقنعة : ولا يجوز إخراج القيمة في زكاة الأنعام إلاّ أن تعدم الأسنان المخصوصة في الزكاة (٢). ويفهم من كلام المصنف في المعتبر الميل إليه (٣).

وقال الشيخ في الخلاف : يجوز إخراج القيمة في الزكاة كلّها أيّ شي‌ء كانت القيمة ، وتكون القيمة على وجه البدل لا على أنها أصل (٤). وإلى هذا القول ذهب أكثر المتأخرين (٥). واستدل عليه في الخلاف بإجماع الفرقة وأخبارهم.

وردّه المصنف في المعتبر بمنع الإجماع ، وعدم دلالة الأخبار على موضع النزاع (٦). وهو جيّد.

واستدل العلاّمة في مطوّلاته على هذا القول أيضا بأن المقصود بالزكاة دفع الخلّة وسدّ الحاجة وهو يحصل بالقيمة كما يحصل بالعين ، وبأن الزكاة إنما شرعت جبرا للفقراء ومعونة لهم وربما كانت القيمة أنفع في بعض الأوقات فاقتضت الحكمة التسويغ (٧). وضعف الدليلين ظاهر.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٩٥ ـ ٢٧١ ، الوسائل ٦ : ١١٤ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٤ ح ١.

(٢) المقنعة : ٤١.

(٣) المعتبر ٢ : ٥١٧.

(٤) الخلاف ١ : ٣٢١.

(٥) منهم العلامة المنتهى ١ : ٥٠٤ ، والشهيد الأول في الدروس : ٦٠.

(٦) المعتبر ٢ : ٥١٧.

(٧) المنتهى ١ : ٥٠٤.

٩١

والشاة التي تؤخذ من الزكاة ، قيل : أقلّه الجذع من الضأن أو الثني من المعز ، وقيل : ما يسمى شاة ، والأول أظهر.

______________________________________________________

ومن هنا تظهر قوة ما ذهب إليه المفيد ـ رحمه‌الله ـ لأن إقامة غير الفريضة مقامها حكم شرعي فيتوقف على الدليل.

ومتى سوّغنا إخراج القيمة فالمعتبر فيها وقت الإخراج لأنه وقت الانتقال إليها.

وقال العلاّمة في التذكرة : إنما تعتبر القيمة وقت الإخراج إن لم يقوّم الزكاة على نفسه ، فلو قوّمها وضمن القيمة ثم زاد السوق أو انخفض قبل الإخراج فالوجه وجوب ما يضمنه خاصة دون الزائد والناقص وإن كان قد فرّط بالتأخير حتى انخفض السوق أو ارتفع ، أما لو لم يقوّم ثم ارتفع السوق أو انخفض أخرج القيمة وقت الإخراج (١). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وفي تعين القيمة بمجرد التقويم نظر ، وسيجي‌ء تمام تحقيق المسألة إن شاء الله.

فرع : قال الشهيد في البيان : لو أخرج في الزكاة منفعة من العين كسكنى الدار فالأقرب الصحة وتسليمها بتسليم العين ، ويحتمل المنع ، لأنها تحصل تدريجا. ولو آجر الفقير نفسه أو عقاره ثم احتسب مال الإجارة جاز وإن كان معرضا للفسخ (٢). وما ذكره ـ رحمه‌الله ـ من جواز احتساب مال الإجارة جيد ، لأنه مال مملوك ، وكونه معرضا للفسخ لا يصلح مانعا. أما جواز احتساب المنفعة فمشكل ، بل يمكن تطرق الإشكال إلى إخراج القيمة مما عدا النقدين لقصور الروايتين عن إفادة العموم.

قوله : ( والشاة التي تؤخذ في الزكاة قيل : أقله الجذع من الضأن ، أو الثني من المعز ، وقيل : ما يسمى شاة ، والأول أظهر ).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٢٤.

(٢) البيان : ١٨٦.

٩٢

______________________________________________________

بل الأصح الثاني ، لإطلاق قوله عليه‌السلام : « في خمس من الإبل‌شاة » (١) « وفي أربعين شاة شاة » (٢) والقول بالاكتفاء بالجذع من الضأن والثني من المعز للشيخ (٣) وجماعة (٤) ، واستدل عليه في المعتبر بما رواه سويد بن غفلة ، قال : أتانا مصدّق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : نهينا أن نأخذ المراضع وأمرنا أن نأخذ الجذعة والثنيّة (٥). وهو جيد لو صح السند.

واعلم : أن العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ ذكر في جملة من كتبه أسنان الغنم فقال : أول ما تلد الشاة يقال لولدها سخلة للذكر وللأنثى في الضأن والمعز ، ثم يقال بهمة كذلك ، فإذا بلغت أربعة أشهر فهي في المعز جفر وجفرة والجمع جفار ، فإذا جاوزت أربعة أشهر فهي عتود والجمع عتدان وعريض وجمعها عراض ، ومن حين تولد إلى هذه الغاية يقال لها عناق للأنثى وجدي للذكر ، فإذا استكملت سنة فالأنثى عنز والذكر تيس ، فإذا دخلت في الثانية فهي جذعة والذكر جذع ، فإذا دخلت في الثالثة فهي النيّة والذكر ثني ، وفي الرابعة رباع ورباعية ، وفي الخامسة سديس وسدس ، وفي السادسة صالغ ، ثم يقال صالغ عام وعامين دائما.

وأما الضأن فالسخلة والبهمة مثل ما في المعز سواء ، ثم هو حمل للذكر ورخل للأنثى إلى سبعة أشهر ، فإذا بلغتهما قال ابن الأعرابي : إن كان من شاتين فهو جذع وإن كان من هرمين فلا يقال جذع حتى يستكمل ثمانية أشهر ، وهو جذع أبدا حتى يستكمل سنة ، فإذا دخل في الثانية فهو ثني وثنيّة‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٢ ـ ٣٣ ، التهذيب ٤ : ٢٠ ـ ٥٢ ، الإستبصار ٢ : ١٩ ـ ٥٦ ، الوسائل ٦ : ٧٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ١ ، ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٤ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ ـ ٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٢ ـ ٦١ ، الوسائل ٦ : ٧٨ أبواب زكاة الأنعام ب ٦ ح ١.

(٣) الخلاف ١ : ٣٠٨ ، المبسوط ١ : ٢٠٠.

(٤) كالمحقق في المعتبر ٢ : ٥١٢ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٤٨٩.

(٥) سنن النسائي ٥ : ٢٩.

٩٣

ولا تؤخذ المريضة ، ولا الهرمة ، ولا ذات العوار.

______________________________________________________

على ما ذكرنا في المعز سواء إلى آخرها ، وإنما قيل في الضأن جذع إذا بلغ سبعة أشهر وأجزأ في الأضحية لأنه ينزو حينئذ ويضرب ، والمعز لا ينزو حتى يدخل في الثانية (١). انتهى كلامه رحمه‌الله.

ومقتضاه أن الثني من المعز ما دخل في الثالثة ، وهو المستفاد من كلام أهل اللغة ، قال الجوهري : الثني : الذي يلقي ثنيّته ، ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة ، وفي الخفّ في السنة السادسة. والجمع ثنيان وثناء ، والأنثى ثنيّة والجمع ثنيّات (٢).

وقال في القاموس : الثنية ، الناقة الطاعنة في السادسة ، والبعير ثني ، والفرس الداخلة في الرابعة ، والشاة في الثالثة كالبقرة (٣).

وقد قطع المصنف (٤) والعلاّمة (٥) ومن تأخر عنهما (٦) في ذكر أوصاف الهدي بأن الثنيّ من المعز ما دخل في الثانية ، ولعل مستنده العرف ، والمسألة قوية الإشكال ، ولا ريب أن المصير إلى ما عليه أهل اللغة أولى وأحوط.

قوله : ( ولا تؤخذ المريضة ، ولا الهرمة ، ولا ذات العوار ).

الهرم أقصى الكبر ، والعوار مثلثة العيب ، قاله في القاموس (٧). والحكم بالمنع من أخذ هذه الثلاثة مذهب الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنه لا يعرف فيه خلافا (٨) ، واستدل عليه بقوله تعالى :

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢١٢ ، المنتهى ١ : ٤٩٠.

(٢) الصحاح ٦ : ٢٢٩٥.

(٣) القاموس المحيط ٤ : ٣١١.

(٤) الشرائع ١ : ٢٦٠ ، والمختصر : ٩٠.

(٥) التذكرة ١ : ٣٨١ ، المنتهى ٢ : ٧٤٠.

(٦) كالكركي في جامع المقاصد ١ : ١٧١.

(٧) القاموس المحيط ٢ : ١٠٠.

(٨) المنتهى ١ : ٤٨٥.

٩٤

وليس للساعي التخيير ، فإن وقعت المشاحّة ، قيل : يقرع حتى تبقى السنّ التي تجب.

______________________________________________________

( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (١).

وما رواه الجمهور ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « لا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلاّ أن يشاء المصدّق » (٢).

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن قيس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلاّ أن يشاء المصدّق » (٣) ومقتضى الروايتين جواز أخذ ذلك إذا أراده المصدّق.

وإنما يمنع من أخذ هذه الثلاثة إذا كان في النصاب صحيح أو فتيّ أو سليم من العوار ، أما لو كان كله كذلك فقد قطع الأصحاب بجواز الأخذ منه ، وسيجي‌ء الكلام فيه (٤).

قوله : ( وليس للساعي التخيير ، فإن وقعت المشاحة قيل : يقرع حتى تبقى السن التي تجب ).

المراد أن الساعي ليس له التخيير في أخذ ما شاء مع تعدد ما هو بصفة الواجب في النصاب ، ولا ريب في ذلك ، لأن فيه تحكّما على المالك غير مأذون فيه.

والقول باستعمال القرعة حتى تبقى السن التي تجب ـ بأن يقسم ما جمع الوصف قسمين ، ثم يقرع بينهما ، ثم يقسم ما خرجت عليه القرعة ، وهكذا‌

__________________

(١) البقرة : ٢٦٧.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ ـ ١٨٠٥ ، ١٨٠٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٥ ـ ٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٣ ـ ٦٢ ، الوسائل ٦ : ٧٨ أبواب زكاة الأنعام ب ٦ ح ٢. لا حظ هامش الوسائل.

(٤) في ص ١٠٤.

٩٥

وأما اللواحق فهي :

إن الزكاة تجب في العين لا في الذمّة ،

______________________________________________________

حتى يبقى قدر الواجب ـ للشيخ (١) وجماعة ، ولم نقف لهم في ذلك على مستند على الخصوص.

والأصح تخيير المالك في إخراج ما شاء إذا كان بصفة الواجب ، كما اختاره المصنف في المعتبر (٢) ، والعلاّمة في جملة من كتبه (٣) ، لحصول الامتثال بإخراج ما يطلق عليه الاسم ، ويؤيده قول أمير المؤمنين عليه‌السلام لعامله : « واصدع المال صدعين ثم خيّره أيّ الصدعين شاء فأيهما اختار فلا تعرض له ، ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيره فأيهما اختار فلا تعرض له ، ولا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله تبارك وتعالى في ماله ، فإذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه » روى ذلك بريد العجلي في الصحيح ، عن الصادق عليه‌السلام (٤).

قوله : ( وأما اللواحق فهي : أن الزكاة تجب في العين لا في الذمة ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين كون المال الذي تجب فيه الزكاة حيوانا أو غلّة أو أثمانا ، وبهذا التعميم صرح في المنتهى وقال : إنه قول علمائنا أجمع ، وبه قال أكثر أهل العلم (٥). واستدل عليه بقوله عليه‌السلام : « في أربعين شاة شاة » « وفي خمس من الإبل شاة » « وفي ثلاثين من البقر تبيع » « وفيما سقت السماء العشر » « وفي عشرين مثقالا من‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٠٨.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٦٢.

(٣) التذكرة ١ : ٢٠٦ ، المنتهى ١ : ٤٨٨.

(٤) الكافي ٣ : ٥٣٦ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٩٦ ـ ٢٧٤ ، المقنعة : ٤٢ ، الوسائل ٦ : ٨٨ أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ١.

(٥) المنتهى ١ : ٥٠٥.

٩٦

______________________________________________________

الذهب نصف مثقال » وظاهر هذه الألفاظ وجوب الفرض في العين ، وبأنها لو وجبت في الذمة لتكررت في النصاب الواحد بتكرر الحول ، ولم تقدم على الدين مع بقاء عين النصاب إذا قصرت التركة ، ولم تسقط بتلف النصاب من غير تفريط ، ولم يجز للساعي تتبع العين لو باعها المالك ، وهذه اللوازم باطلة اتفاقا فكذا الملزوم.

ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل لم يزكّ إبله أو شاءه عامين فباعها ، على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال : « نعم تؤخذ زكاتها ويتبع بها البائع أو يؤدي زكاتها البائع » (١).

وما رواه ابن بابويه ، عن أبي المعزى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن الله تبارك وتعالى شرك بين الفقراء والأغنياء في الأموال فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم » (٢) والشركة إنما تصدق بالوجوب في العين.

وحكى الشهيد في البيان عن ابن أبي حمزة أنه نقل عن بعض الأصحاب وجوبها في الذمة (٣). وهذا القول حكاه المصنف في المعتبر عن بعض العامة محتجا على ذلك بأنها لو وجبت في العين لكان للمستحق إلزام المالك بالأداء من العين ، ولمنع المالك من التصرف في النصاب إلاّ مع إخراج الفرض. ثم أجاب عن الأول بالمنع من الملازمة ، فإن الزكاة وجبت جبرا وإرفاقا للفقير فجاز أن يكون العدول عن العين تخفيفا عن المالك ليسهل عليه دفعها قال : وكذا الجواب عن جواز التصرف إذا ضمن الزكاة (٤). وهو حسن.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣١ ـ ٥ ، الوسائل ٦ : ٨٦ أبواب زكاة الأنعام ب ١٢ ح ١.

(٢) لم نعثر عليها في كتب الصدوق ووجدناها في الكافي ٣ : ٥٤٥ ـ ٣. الوسائل ٦ : ١٤٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢ ح ٤.

(٣) البيان : ١٨٦.

(٤) المعتبر ٢ : ٥٢٠.

٩٧

فإذا تمكن من إيصالها إلى مستحقّها فلم يفعل فقد فرّط ، فإن تلفت لزمه الضمان ، وكذا إن تمكن من إيصالها إلى الساعي أو إلى الإمام.

______________________________________________________

واعلم أن الشهيد ـ رحمه‌الله ـ قال في البيان بعد أن حكم بوجوب الزكاة في العين : وفي كيفية تعلقها بالعين وجهان : أحدهما أنه بطريق الاستحقاق فالفقير شريك ، وثانيهما أنه استيثاق فيحتمل أنه كالرهن ، ويحتمل أنه كتعلق أرش الجناية بالعبد ، وتضعف الشركة بالإجماع على جواز أدائها من مال آخر ، وهو مرجح للتعلق بالذمة ، وعورض بالإجماع على تتبع الساعي العين لو باعها المكلف ، ولو تمحض التعلق بالذمة امتنع (١).

وأقول : إن مقتضى الأدلّة الدالة على وجوب الزكاة في العين كون التعلق على طريق الاستحقاق ، وهو الظاهر من كلام الأصحاب حيث أطلقوا وجوبها في العين ، ولا ينافي ذلك جواز الإخراج من مال آخر وجواز التصرف في النصاب إذا ضمن الزكاة بدليل من خارج.

ويدل على جواز الإخراج من غير النصاب مضافا إلى الإجماع المنقول من جماعة الأخبار المتضمنة لجواز إخراج القيمة (٢) وقوله عليه‌السلام في صحيحة عبد الرحمن المتقدمة : « أو يؤدّي زكاتها البائع » ولو لا جواز الإخراج من غير النصاب لما جاز ذلك.

قوله : ( وإذا تمكن من إيصال الزكاة إلى مستحقها فلم يفعل فقد فرّط ، وإذا فرّط لزمه الضمان ، وكذا لو تمكن من إيصالها إلى الساعي أو الإمام ).

المراد أن الزكاة وإن وجبت في العين وكانت أمانة في يد المالك ، لكنها قد تصير مضمونة عليه بالتعدي أو التفريط المتحقق بإهمال الإخراج مع‌

__________________

(١) البيان : ١٨٧.

(٢) ما بين المعقوفين ليس في الأصل.

٩٨

ولو أمهر امرأة نصابا وحال عليه الحول في يدها فطلقها قبل الدخول وبعد الحول كان له النصف موفّرا ، وعليها حق الفقراء.

______________________________________________________

التمكن منه ، بل قد تنتقل إلى الذمة مع التلف والحال هذه كما بيّنّاه فيما سبق.

قوله : ( ولو أمهر امرأة نصابا وحال عليه الحول في يدها فطلقها قبل الدخول وبعد الحول كان له النصف موفّرا وعليها حق الفقراء ).

لا ريب في وجوب الزكاة في الصداق الزكوي إذا قبضته المرأة وحال عليه الحول ، لأنها تملكه بالعقد وإن كان في معرض السقوط قبل الدخول أو التشطير ، ولو وقع الطلاق قبل الدخول وبعد الحول رجع إلى الزوج نصف المهر ، لقوله تعالى ( فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (١) وعلى المرأة إخراج الزكاة ، لأنها المخاطبة بذلك.

وصرح المصنف في المعتبر بأن معنى توفير النصف أخذه كملا (٢) وإخراج الزكاة من نصيبها ، واستدل عليه بأن الزوج يمكنه الرجوع بنصف المفروض فلا يرجع بالقيمة قال : ولا كذا لو تلف الكل ، لأنه لا طريق إلى استعادته نصف المفروض (٣).

وقيل : إن معنى توفير النصف عدم نقصانه على الزوج بسبب الزكاة ، لكن لها أن تخرج الزكاة من عين النصاب وتعطيه نصف الباقي وتغرم له نصف المخرج ، لتعلق الزكاة بالعين (٤). وعلى هذا فتتخير المرأة بين أن تخرج الزكاة من العين وتعطيه نصف الباقي وتغرم له نصف المخرج وبين أن تعطيه النصف تاما ، لكن لو تعذر الأخذ منها لإفلاس وغيره جاز للساعي الرجوع على الزوج ويرجع هو عليها بالقيمة.

__________________

(١) البقرة : ٢٣٧.

(٢) أي : كلّه ( الصحاح ٥ : ١٨١٣ ).

(٣) المعتبر ٢ : ٥٦٢.

(٤) قال به الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٤.

٩٩

ولو هلك النصف بتفريط كان للساعي أن يأخذ حقه من العين ويرجع الزوج عليها به ، لأنه مضمون عليها.

ولو كان عنده نصاب فحال عليه أحوال ، فإن أخرج زكاته في كل سنة من غيره تكرّرت الزكاة فيه. فإن لم يخرج وجب عليه زكاة حول واحد.

ولو كان عنده أكثر من نصاب ، كانت الفريضة في النصاب ، ويجبر من الزائد. وكذا في كل سنة حتى ينقص المال عن النصاب. فلو كان عنده ست وعشرون من الإبل ومضى عليها حولان وجب عليه بنت مخاض وخمس شياه ، فإن مضى عليه ثلاثة أحوال وجب عليه بنت‌

______________________________________________________

قوله : ( ولو هلك النصف بتفريط كان للساعي أن يأخذ حقه من العين ويرجع الزوج عليها به ، لأنه مضمون عليها ).

إنما جاز للساعي الأخذ من العين لتعلق الزكاة بها ، وكما يجوز ذلك للساعي فكذا يجوز للمرأة ، وتغرم للزوج نصف المخرج.

قوله : ( ولو كان عنده نصاب فحال عليه أحوال ، فإن أخرج زكاته في كل سنة من غيره تكررت الزكاة فيه ، وإن لم يخرج وجب عليه زكاة حول واحد ).

أما تكرر الزكاة إذا أخرجها في كل سنة من غير النصاب فظاهر ، لبقاء النصاب على ملك مالكه تاما فيتعلق به الوجوب. وأما أنه إذا لم يخرج زكاته تجب عليه زكاة حول واحد فلانثلام النصاب بما وجب فيه من الزكاة فتسقط زكاته بعد الحول الأول.

قوله : ( فلو كان عنده ست وعشرون من الإبل ومضى عليها حولان وجب عليه بنت مخاض وخمس شياه ، فإن مضى عليه ثلاثة‌

١٠٠