مدارك الأحكام - ج ٥

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

______________________________________________________

إدريس (١) إلى أن الواجب في الثلاثمائة وواحدة ثلاث شياه ، وأنه لا يتغير الفرض من مائتين وواحدة حتى تبلغ أربعمائة ، ونقله في التذكرة عن الفقهاء الأربعة (٢).

وذهب الشيخ (٣) ، وابن الجنيد (٤) ، وأبو الصلاح (٥) ، وابن البراج (٦) إلى أنه يجب فيها أربع شياه ثم لا يتغير الفرض حتى تبلغ خمسمائة.

احتج الأولون بما رواه الشيخ ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عاصم بن حميد ، عن محمد بن قيس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ليس فيما دون الأربعين من الغنم شي‌ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة » (٧).

واعترضها العلاّمة في المختلف بأن محمد بن قيس مشترك بين أربعة أحدهم ضعيف فلعله إياه (٨).

وأجاب عنه جدي ـ قدس‌سره ـ في فوائد القواعد بأن محمد بن قيس الذي يروي عن الصادق عليه‌السلام غير محتمل للضعيف ، وإنما المشترك‌

__________________

(١) السرائر : ١٠٠.

(٢) التذكرة ١ : ٢١٠.

(٣) الخلاف ١ : ٣٠٦.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ١٧٧.

(٥) الكافي في الفقه : ١٦٧.

(٦) المهذب ١ : ١٦٤.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٥ ـ ٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٣ ـ ٦٢ ، الوسائل ٦ : ٧٨ أبواب زكاة الأنعام ب ٦ ح ٢.

(٨) المختلف : ١٧٧.

٦١

______________________________________________________

بين الثقة والضعيف من يروي عن الباقر عليه‌السلام ، نعم يحتمل كونه ممدوحا خاصة وموثقا فيحتمل حينئذ كونها من الحسن ومن الصحيح.

وأقول : إن المستفاد من كلام النجاشي (١) ، وغيره (٢) أن محمد بن قيس هذا هو البجلي الثقة بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه فتكون الرواية صحيحة.

واستدل العلاّمة في المنتهى (٣) على هذا القول أيضا بما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام ، قال : « فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة فإذا كثر الغنم سقط هذا كله وأخرج من كل مائة شاة » (٤).

وأقول : إن هذا المتن موجود في من لا يحضره الفقيه بعد رواية زرارة ، والظاهر أنه ليس من جملة الرواية كما يدل عليه أول الكلام وآخره ، ولهذا لم ينقلها العلاّمة في غير ذلك الكتاب ولا تعرّض لها أحد فيما أعلم من الأصحاب.

احتج الشيخ وأتباعه بما رواه في الحسن ، عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وبريد العجلي والفضيل ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام : « في الشاء (٥) في كل أربعين شاة شاة ـ وليس فيما دون الأربعين شي‌ء ـ حتى تبلغ عشرين ومائة ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ، ثم ليس فيها شي‌ء أكثر من ذلك حتى‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٢٣ ـ ٨٨١.

(٢) كالشيخ في رجاله : ٢٩٨ ـ ٢٩٧.

(٣) المنتهى ١ : ٤٨٩.

(٤) الفقيه ٢ : ١٤ ـ ٣٦.

(٥) وجمع الشاة شياه بالهاء في أدنى العدد تقول : ثلاث شياه إلى العشر ، فإذا جاوزت فبالتاء ، فإذا كثرت قيل : هذه شاء كثيرة وجمع الشاء شوي ـ الصحاح ٦ : ٢٢٣٨.

٦٢

وتظهر الفائدة في الوجوب وفي الضمان.

______________________________________________________

تبلغ ثلاثمائة فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة فإذا تمت أربعمائة كان على كل مائة شاة وسقط الأمر الأول ، وليس على ما دون المائة بعد ذلك شي‌ء » وقالا : « كل ما لا يحول عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه فإذا حال عليه الحول وجب عليه » (١).

والمسألة قوية الإشكال ، لأن الروايتين معتبرتا الإسناد والجمع بينهما مشكل جدا ، ومن ثم أوردهما المصنف في المعتبر من غير ترجيح (٢) ، واقتصر في عبارة الكتاب على حكاية القولين ونسبة القول الثاني إلى الشهرة.

وقال العلامة في المنتهى : إن طريق الحديث الأول أوضح من الثاني ، واعتضد بالأصل فيتعين العمل به (٣). وهو غير بعيد ، مع أن الرواية الثانية مخالفة لما عليه الأصحاب في النصاب الثاني وذلك مما يضعف الحديث.

ولو كانا متكافئين في السند والمتن لأمكن حمل الرواية الأولى على التقية لموافقتها لمذهب العامة ، أو حمل الكثرة الواقعة فيها على بلوغ الأربعمائة ويكون حكم الثلاثمائة وواحدة مهملا في الرواية ، والله تعالى أعلم.

قوله : ( وتظهر الفائدة في الوجوب والضمان ).

هذا جواب عن سؤال أورده المصنف ـ رحمه‌الله ـ في درسه على ما نقل عنه ، وتقريره أنه إذا كان يجب في أربعمائة ما يجب في ثلاثمائة وواحدة فأيّ فائدة في الزائد؟

وتقرير الجواب أن الفائدة تظهر في الوجوب والضمان ، أما الوجوب‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥ ـ ٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٢ ـ ٦١. الوسائل ٦ : ٧٨ أبواب زكاة الأنعام ب ٦ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٠٣.

(٣) المنتهى ١ : ٤٨٩.

٦٣

والفريضة تجب في كل نصاب من نصب هذه الأجناس ، وما بين النصابين لا يجب فيه شي‌ء.

______________________________________________________

فلأن محله في الأربعمائة مجموعها وفيما نقص عنها الثلاثمائة وواحدة خاصة والزائد عفو.

وأما الضمان فمتفرع على ذلك ، فإذا تلفت من أربعمائة واحدة بعد الحول بغير تفريط سقط من الفريضة جزء من مائة جزء من مائة جزء من شاة ، ولو كانت ناقصة عن الأربعمائة ولو واحدة وتلف منها شي‌ء لم يسقط من الفريضة شي‌ء ما دامت ثلاثمائة وواحدة ، لما عرفت من أن الزائد عن ذلك ليس محلا للفريضة وإنما هو عفو. ولو تلفت الشاة من الثلاثمائة وواحدة سقط من الفريضة جزء من خمسة وسبعين جزءا من شاة إن لم تجعل الشاة الواحدة جزءا من النصاب وإلاّ كان الساقط منه جزءا من خمسة وسبعين جزءا وربع جزء ، فظهرت الفائدة في كثرة الفريضة للفقير في قلة الفائت وللمتصدق في العكس ، وذلك كله واضح لكن يمكن المناقشة في عدم سقوط شي‌ء من الفريضة في صورة النقص عن الأربعمائة ، لأن مقتضى الإشاعة توزيع التالف على الحقّين وإن كان الزائد على النصاب عفوا ، إذ لا منافاة بينهما كما لا يخفى على المتأمل.

قوله : ( والفريضة تجب في كل نصاب من نصب هذه الأجناس ، وما بين النصابين لا يجب فيه شي‌ء ).

أما أن الفريضة تتعلق بكل واحد من هذه النصب فلأن ذلك معنى تقدير النصب ، وأما أن ما بين النصابين لا يجب فيه شي‌ء فلأن ذلك فائدة التقدير ، ويدل عليه صريحا قوله عليه‌السلام في حسنة الفضلاء : « وليس على النيف شي‌ء ولا على الكسور شي‌ء » (١).

__________________

(١) المتقدمة في ص ٥٩.

٦٤

وقد جرت العادة بتسمية ما لا تتعلق به الفريضة من الإبل شنقا ، ومن البقر وقصا ، ومن الغنم عفوا ، ومعناه في الكل واحد.

فالتسع من الإبل نصاب وشنق ، فالنصاب خمس والشنق أربع. بمعنى أنه لا يسقط من الفريضة شي‌ء ولو تلفت الأربع.

وكذا التسعة والثلاثون من البقر نصاب ووقص ، فالفريضة في الثلاثين والزائد وقص حتى تبلغ أربعين.

وكذا مائة وعشرون من الغنم نصابها أربعون والفريضة فيه وعفوها ما زاد حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين. وكذا ما بين النصب التي عدّدناها.

______________________________________________________

قوله : ( وقد جرت العادة بتسمية ما لا تتعلق به الفريضة من الإبل شنقا ، ومن البقر وقصا ، ومن الغنم عفوا ، ومعناه في الكل واحد فالتسعة من الإبل نصاب وشنق ، فالنصاب خمس والشنق أربع ـ إلى قوله ـ وكذا ما بين النصب التي عددناها ).

هذه العبارة من مصطلحات الفقهاء ، والمستفاد من كلام أهل اللغة أن الشنق بفتح الشين المعجمة والنون والوقص بفتح القاف لفظان مترادفان.

قال في القاموس : الشنق ـ محركة ـ ما بين الفريضتين في الزكاة ففي الغنم ما بين أربعين ومائة وعشرين ، وقس في غيرها (١). وقال أيضا : الوقص بالتحريك واحد الأوقاص في الصدقة وهو ما بين الفريضتين (٢). ونحوه قال الجوهري في الصحاح (٣). وقال ابن الأثير في النهاية : الشنق بالتحريك ما بين الفريضتين من كل ما تجب فيه الزكاة (٤).

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ : ٢٦٠.

(٢) القاموس المحيط ٢ : ٣٣٣.

(٣) الصحاح ٣ : ١٠٦١ ، والصحاح ٤ : ١٥٠٣.

(٤) النهاية لابن الأثير ٢ : ٥٠٥.

٦٥

ولا يضمّ مال إنسان إلى غيره وإن اجتمعت شرائط الخلطة وكانا في مكان واحد ، بل يعتبر في مال كل واحد بلوغ النصاب.

ولا يفرّق بين مالي المالك الواحد ولو تباعد مكاناهما.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يضم مال إنسان إلى غيره وإن اجتمعت شرائط الخلطة وكانا في مكان واحد ، بل يعتبر في مال كل واحد بلوغ النصاب ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، ويدل عليه أن ملك النصاب شرط في وجوب الزكاة كالحول ، فكما لا يبنى حول إنسان على غيره فكذا النصاب ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن قيس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « ولا يفرّق بين مجتمع ، ولا يجمع بين متفرق » (١).

وقال جمع من العامة : إن الخلطة بكسر الخاء تجعل المالين مالا واحدا ، سواء كانت خلطة أعيان كأربعين بين شريكين ، أو خلطة أوصاف كالاتحاد في المرعى والمشرب والمراح والفحل والحالب والمحلب مع تميز المالين (٢). وهو باطل ، لانتفاء الدليل عليه.

قوله : ( ولا يفرّق بين مالي المالك الواحد ولو تباعد مكانهما ).

المراد بعدم التفريق بين المالين أن لا يكون لكل منهما حكم بانفراده ، بل يقدرا مجتمعين ، فإن بلغا النصاب كذلك وجبت الزكاة فيهما وإلاّ فلا.

قال في التذكرة : ولا فرق في ذلك بين أن يكون بين المالين مسافة‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥ ـ ٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٣ ـ ٦٢ ، الوسائل ٦ : ٨٥ أبواب زكاة الأنعام ب ١١ ح ١.

(٢) منهم ابن رشد في بداية المجتهد ١ : ٢٧١ ، وابن قدامة في المغني ٢ : ٤٧٦.

٦٦

الشرط الثاني : السوم ، فلا تجب الزكاة في المعلوفة ، (١) ولا في السخال ، إلا إذا استغنت عن الأمهات بالرعي.

______________________________________________________

القصر أو لا عند علمائنا أجمع (١). ويدل عليه إطلاق قوله عليه‌السلام : « في أربعين شاة شاة » (٢) فإنها تتناول المجتمعة والمتفرقة ، وقوله عليه‌السلام في الرواية المتقدمة : « ولا يفرّق بين مجتمع » يعني في الملك.

قوله : ( الشرط الثاني ، السوم : فلا تجب الزكاة في المعلوفة ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، بل قال المصنف في المعتبر : إنه قول العلماء كافة إلاّ مالكا فإنه أوجب الزكاة في المعلوفة وقال قوم : إنه تفرد بذلك (٣). ويدل على اعتبار هذا الشرط روايات : منها قول أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام في حسنتي الفضلاء : « إنما الصدقة على السائمة الراعية » (٤) والظاهر أن الراعية وصف كاشف لمعنى السائمة ، فإن السوم لغة الرعي (٥).

قوله : ( ولا في السخال ، إلا إذا استغنت عن الأمهات بالرعي ).

إنما اعتبر في السخال الاستغناء عن الأمهات بالرعي ليتحقق الشرط بالنسبة إليها وهو السوم كما صرح به في المعتبر (٦).

وقال الشيخ (٧) وجماعة (٨) إن حولها من حين النتاج. ويدل عليه ما رواه الكليني ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢١٢.

(٢) المتقدم في ص ٦٠.

(٣) المعتبر ٢ : ٥٠٦.

(٤) المتقدمة في ص ٥٩.

(٥) راجع الصحاح ٥ : ١٩٥٥ ، والقاموس المحيط ٤ : ١٣٥.

(٦) المعتبر ٢ : ٥٠٧.

(٧) الخلاف ١ : ٣١٠ ، والمبسوط ١ : ٢٠٠.

(٨) منهم العلامة في المنتهى ١ : ٤٩١ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٢.

٦٧

ولا بد من استمرار السوم جملة الحول ، فلو علفها بعضا ولو يوما استأنف الحول عند استئناف السوم. ولا اعتبار باللحظة عادة ، وقيل : يعتبر في اجتماع السوم والعلف الأغلب ، والأول أشبه.

______________________________________________________

أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « ليس في صغار الإبل شي‌ء حتى يحول عليها الحول من حين تنتج » (١).

وذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أن هذا الطريق صحيح وأن العمل بالرواية متجه (٢). وما ذكره من اتجاه العمل بالرواية جيد ، لأن الظاهر الاعتماد على ما يرويه إبراهيم بن هاشم كما اختاره العلاّمة في الخلاصة (٣) ، وباقي رجاله ثقات لكن طريقة الشارح وصف رواية إبراهيم بالحسن لا الصحة.

واستقرب الشهيد في البيان اعتبار الحول من حين النتاج إذا كان اللبن الذي تشربه من سائمة (٤) ، ولا يخلو من قوة.

قوله : ( ولا بدّ من استمرار السوم جملة الحول ، فلو علفها بعضا ولو يوما استأنف الحول عند استئناف السوم ، وقيل : يعتبر في اجتماع السوم والعلف الأغلب ، والأول أشبه ).

القول للشيخ في المبسوط والخلاف (٥) ، ونص في المبسوط على السقوط مع التساوي ، واستدل المصنف في المعتبر لهذا القول بأن اسم السوم لا يزول بالعلف اليسير ، وبأنه لو اعتبر السوم في جميع الحول لما وجبت إلاّ في الأقل ، وبأن الأغلب يعتبر في سقي الغلاّت فكذا السوم. ثم رجّح ما اختاره هنا من انقطاع السوم بالعلف اليسير ، واستدل عليه بأن السوم‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٣ ـ ٣ ، الوسائل ٦ : ٨٣ أبواب زكاة الأنعام ب ٩ ح ١.

(٢) المسالك ١ : ٦٢.

(٣) خلاصة العلامة : ٥.

(٤) البيان : ١٧٢.

(٥) المبسوط ١ : ١٩٨ ، والخلاف ١ : ٣٢٣.

٦٨

ولو اعتلفت من نفسها بما يعتدّ به بطل حولها ، لخروجها عن اسم السوم ،

______________________________________________________

شرط الوجوب فكان كالنصاب. ثم قال : وقولهم : العلف اليسير لا يقطع الحول ممنوع ، فإنه لا يقال للمعلوفة سائمة في حال علفها (١).

وفي الأدلة من الجانبين نظر :

أما الأول مما استدل به للشيخ فلأن عدم زوال اسم السوم بالعلف اليسير لا يقتضي اعتبار الأغلب ، فإن غيره قد لا يكون يسيرا.

وأما الثاني فلمنع الملازمة وبطلان اللازم.

وأما الثالث فلأنه قياس محض.

وأما قوله : إن السوم شرط الوجوب فكان كالنصاب ، فيتوجه عليه أن النصاب قد وقع التنصيص على اعتبار ملكه طول الحول فينقطع بخروجه عن الملك في أثنائه ، بخلاف السوم ، لعدم التصريح باعتبار دوامه فيرجع في صدق اسم الوصف إلى العرف.

وقوله : إنه لا يقال للمعلوفة سائمة في حال علفها ، غير جيد ، إذ الظاهر عدم خروجها بالعلف اليسير عن كونها سائمة عرفا ، كما لا تخرج القصيدة العربية عن كونها عربية باشتمالها على بعض الألفاظ الأعجمية. ومن هنا يظهر أن الأصح الرجوع في ذلك إلى العرف كما اختاره العلاّمة (٢) ومن تأخر عنه (٣).

قوله : ( ولو اعتلفت من نفسها بما يعتد به بطل حولها ، لخروجها‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٠٦.

(٢) التذكرة ١ : ٢٠٥ ، والمختلف : ١٧٥ ، والتحرير ١ : ٦٠.

(٣) منهم الشهيد الأول في الدروس : ٥٩ ، والكركي في جامع المقاصد ١ : ١٤٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٢.

٦٩

وكذا لو منع السائمة مانع كالثلج فعلفها المالك أو غيره ، بإذنه أو بغير إذنه.

الشرط الثالث : الحول ، وهو معتبر في الحيوان والنقدين مما تجب فيه.

______________________________________________________

عن السوم ، وكذا لو منع السائمة مانع كالثلج فعلفها المالك أو غيره ، بإذنه أو بغير إذنه ).

يتحقق العلف بإطعامها شيئا مملوكا كالتبن ، والزرع ، وشراء المرعى الذي يستنبته الناس وإرسالها فيه ، لا بمصانعة الظالم على الكلاء المباح لانتفاء التسمية ، ومتى انتفى السوم سقطت الزكاة ، سواء اعتلفت الدابة بنفسها أو علفها المالك أو غيره ، بإذنه أو بغير إذنه ، من مال المالك أو غيره.

واستشكل الشارح الحكم لو علفها الغير من مال نفسه ، من إطلاق النص المقتضي لسقوط الزكاة في المعلوفة ، ومن أن الحكمة المقتضية لسقوط الزكاة مع العلف المؤنة اللازمة من ذلك الموجبة للتخفيف وهي منتفية في هذه الصورة (١). وهو استشكال ضعيف ، فإن هذه المناسبات لا تصلح لمعارضة إطلاق النص.

قوله : ( الشرط الثالث ، الحول : وهو معتبر في الحيوان والنقدين مما تجب فيه ).

هذا قول العلماء كافة حكاه في المنتهى (٢) ، وتدل عليه روايات : منها ما رواه الكليني في الحسن ، عن الفضلاء الخمسة ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنهما قالا : « في زكاة الغنم والبقر وكل ما يحول عليه‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٥٢.

(٢) المنتهى ١ : ٤٨٦.

٧٠

وفي مال التجارة والخيل مما يستحب.

وحدّه أن يمضي له أحد عشر شهرا ثم يهلّ الثاني عشر ، فعند هلاله تجب ولو لم تكمل أيام الحول.

______________________________________________________

الحول عند ربّه فلا شي‌ء عليه حتى يحول الحول ، فإذا حال عليه الحول وجب فيه » (١).

وفي الصحيح ، عن الفضلاء الخمسة أيضا ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، قالا : « ليس على العوامل من الإبل والبقر شي‌ء ، إنما الصدقات على السائمة الراعية ، وكلما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شي‌ء عليه ، فإذا حال عليه الحول وجب عليه » (٢).

وفي الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول ولم يحركه » (٣).

وفي الصحيح ، عن محمد الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يفيد المال ، قال : « لا يزكيه حتى يحول عليه الحول » (٤).

قوله : ( وفي مال التجارة والخيل مما يستحب ).

هذا موضع وفاق بين العلماء أيضا ، وقد تقدم من الأخبار ما يدل عليه.

قوله : ( وحدّه أن يمضي له أحد عشر شهرا ثم يهل الثاني عشر ، فعند هلاله تجب ولو لم تكمل أيام الحول ).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ ـ ١ ، الوسائل ٦ : ٧٧ أبواب زكاة الأنعام ب ٤ ، ٦ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٤١ ـ ١٠٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٣ ـ ٦٥ ، الوسائل ٦ : ٨١ أبواب زكاة الأنعام ب ٧ ح ٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٥ ـ ٩٠ ، الوسائل ٦ : ١١٥ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٥ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٥٢٥ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٣٥ ـ ٩١ ، الوسائل ٦ : ١١٥ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٥ ح ١.

٧١

______________________________________________________

هذا مذهب علمائنا أجمع ، قاله في المعتبر (١). وقال في التذكرة : حولان الحول هو مضي أحد عشر شهرا كاملة على المال ، فإذا دخل الشهر الثاني عشر وجبت الزكاة وإن لم تكمل أيامه ، بل يجب بدخول الثاني عشر عند علمائنا أجمع (٢).

والأصل فيه ما رواه الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز بن عبد الله ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت له : رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا من الزكاة ، فعل ذلك قبل حلّها بشهر ، فقال : « إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول ووجبت عليه فيها الزكاة » (٣).

ومقتضى الرواية استقرار الوجوب باستهلال الثاني عشر ، وربما ظهر منها احتساب الثاني عشر من الحول الثاني ، وبه قطع المحقق الشيخ فخر الدين في شرح القواعد ، قال : لأن الفاء تقتضي التعقيب بلا فصل فبأول جزء منه يصدق أنه حال عليه الحول ، وحال فعل ماض لا يصدق إلاّ بتمامه (٤).

وجزم الشهيد في الدروس والبيان باحتسابه من الأول ، لأصالة عدم النقل (٥).

قال الشارح ـ قدس‌سره ـ : والحقّ أن الخبر السابق إن صحّ فلا عدول‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٠٧.

(٢) التذكرة ١ : ٢٠٥.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٥ ـ ٤ ، الوسائل ٦ : ١١١ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٢ ح ٢.

(٤) إيضاح الفوائد ١ : ١٧٣.

(٥) الدروس : ٥٨ ، والبيان : ١٧١.

٧٢

ولو اختل أحد شروطها في أثناء الحول بطل الحول ، مثل إن نقصت عن النصاب فأتمّها ،

______________________________________________________

عن الأول ، لكن في طريقه كلام والعمل على الثاني متعيّن إلى أن يثبت ، وحينئذ فيكون الثاني عشر جزءا من الأول واستقرار الوجوب مشروط بتمامه (١). هذا كلامه رحمه‌الله.

ويتوجه عليه أولا أنه رحمه‌الله قد صرح في مسألة عدّ السخال من حين النتاج بأن هذا الطريق صحيح وأن العمل به متعين (٢) ، فلا معنى للتوقف هنا مع اتحاد السند.

وثانيا أن ما ذكره من توقف استقرار الوجوب على تمام الثاني عشر مخالف للإجماع ، كما اعترف به ـ رحمه‌الله ـ في أول كلامه حيث قال : ولكن هل يستقر الوجوب به أم يتوقف على تمام الثاني عشر؟ الذي اقتضاه الإجماع والخبر السالف الأول (٣).

وبالجملة : فالرواية معتبرة السند ، وهي كالصريحة في استقرار الوجوب بدخول الثاني عشر ، ويعضدها الإجماع المنقول على أن حولان الحول عبارة عن مضي أحد عشر شهرا ودخول الثاني عشر ، ومقتضاه استقرار الوجوب بذلك ، وسيجي‌ء تمام الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ولو اختلّ أحد شروطها في أثناء الحول بطل الحول ، مثل إن نقصت عن النصاب فأتمها ).

الظاهر أن المراد من الحول هنا المعنى الشرعي وهو الذي عرّفه سابقا ، ويعلم من ذلك أن الوجوب لا يسقط باختلال الشرائط في الشهر الثاني عشر لخروجه عن الحول. واحتمل الشارح كون المراد به المعنى اللغوي (٤). وهو بعيد.

__________________

(١) المسالك ١ : ٥٣.

(٢) المسالك ١ : ٥٢.

(٣) المسالك ١ : ٥٣.

(٤) المسالك ١ : ٥٣.

٧٣

أو عاوضها بجنسها أو مثلها على الأصحّ ، وقيل : إذا فعل ذلك فرارا وجبت الزكاة ، وقيل : لا تجب ، وهو الأظهر.

______________________________________________________

قوله : ( أو عاوضها (١) بمثلها أو جنسها على الأصح ، وقيل : إذا فعل ذلك فرارا وجبت الزكاة ، وقيل : لا تجب ، وهو الأظهر ).

ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من بطلان الحول بإبدال النصاب بغيره في أثنائه مطلقا أشهر الأقوال في المسألة. وقال الشيخ في المبسوط : إن بادل بجنسه بنى على حوله ، وإن كان بغير جنسه استأنف (٢). وقال المرتضى في الانتصار (٣) ، والشيخ في الجمل (٤) : إن بادل بالجنس أو بغيره فرارا وجبت الزكاة وإلاّ فلا. والمعتمد الأول.

لنا : التمسك بمقتضى الأصل ، وقوله عليه‌السلام في عدة روايات : « كلما لا يحول عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه » (٥) ومع المعاوضة بالنصاب في أثناء الحول لا يتحقق حؤول الحول على كل من النصابين.

ويدل على أن الفرار غير مناف للسقوط روايات : منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن عليّ بن يقطين ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال ، قلت له : إنه يجتمع عندي الشي‌ء فيبقى نحوا من سنة أنزكيه؟ قال : « لا ، كلما لا يحول عليه الحول عندك فليس عليك فيه زكاة ، وكل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي‌ء » قال ، قلت : وما الركاز؟ قال : « الصامت المنقوش » ثم قال : « إذا أردت ذلك فاسبكه فإنه ليس في سبائك الذهب ونقار الفضة شي‌ء من الزكاة » (٦).

__________________

(١) في الأصل و « ض » : أو عارضها ، وكذا فيما يأتي من استعمالاتها.

(٢) المبسوط ١ : ٢٠٦.

(٣) الانتصار : ٨٣.

(٤) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٥.

(٥) الوسائل ٦ : ٨٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٨.

(٦) الكافي ٣ : ٥١٨ ـ ٨ ، الوسائل ٦ : ١٠٥ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٨ ح ٢.

٧٤

______________________________________________________

وفي الحسن ، عن عمر بن يزيد قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضا أو دارا عليه فيه شي‌ء؟ قال : « لا ولو جعله حليّا أو نقرا فلا شي‌ء عليه فيه ، وما منع نفسه من فضله أكثر مما منع من حق الله أن يكون فيه » (١).

وفي الحسن ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت : رجل كان له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة ، فعل ذلك قبل حلّها بشهر قال : « إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول ووجبت عليه فيها الزكاة » فقلت له : فإن أحدث فيها قبل الحول؟ قال : « جاز ذلك له » قلت : إنه فرّ بها من الزكاة؟ قال : « ما أدخله على نفسه أعظم مما منع من زكاتها » (٢).

احتج الشيخ على ما نقل عنه من البناء مع المعاوضة بالجنس بأن من عاوض أربعين سائمة بأربعين سائمة يصدق عليه أنه ملك أربعين سائمة طول الحول فيجب عليه فيها الزكاة (٣). وهو ضعيف ، فإن كلا من الأربعين لم يحل عليها الحول قطعا.

احتج المرتضى في الانتصار بإجماع الطائفة ثم قال : فإن قيل : قد ذكر أبو عليّ بن الجنيد أن الزكاة لا تلزم الفارّ منها وذلك ينقض ما ذكرناه. قلنا : الإجماع قد تقدم ابن الجنيد وتأخر عنه ، وإنما عوّل ابن الجنيد على أخبار رويت عن أئمتنا عليهم‌السلام تتضمن أنه لا زكاة عليه إن فرّ بماله ، وبإزاء تلك الأخبار ما هو أظهر منها وأقوى وأوضح طرقا (٤). هذا كلامه رحمه‌الله.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٩ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٧ ـ ٥٣ ، الوسائل ٦ : ١٠٨ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١١ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٥ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٥ ـ ٩٢ ، الوسائل ٦ : ١١١ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٢ ح ٢.

(٣) المبسوط ١ : ٢٠٦.

(٤) الانتصار : ٨٣.

٧٥

ولا تعد السخال مع الأمهات ، بل لكل منهما حول على انفراده.

______________________________________________________

ولعله أشار بذلك إلى ما رواه الشيخ ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : الرجل يجعل لأهله الحليّ من المائة دينار والمائتي دينار وأراني قد قلت ثلاثمائة قال : « ليس فيه الزكاة » قال ، قلت : فإنه فرّ به من الزكاة قال : « إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة ، وإن كان إنما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة » (١).

وعن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحلي فيه زكاة؟ قال : « لا إلاّ ما فرّ به من الزكاة » (٢).

والجواب : أما الإجماع فقد تقدم الكلام عليه مرارا ، وأما الروايتان فضعيفتا السند ، ولو صح سندهما لوجب حملهما على الاستحباب كما ذكره الشيخ في الإستبصار ، جمعا بين الأدلة (٣).

والمراد بالجنس في قول المصنف : أو عاوضها بجنسها أو مثلها ، النوع كالغنم بالغنم الشامل للضأن والمعز ، وبالمثل المساوي في الحقيقة أو ما هو أخص من ذلك كالأنوثة والذكورة.

قوله : ( ولا تعدّ السخال من الأمهات ، بل لكل منهما حول بانفراده ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، ويدل عليه قوله عليه‌السلام في حسنة الفضلاء : « كل ما لا يحول عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٩ ـ ٢٥ ، الإستبصار ٢ : ٨ ـ ٢٢ ، الوسائل ٦ : ١١٠ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١١ ح ٦.

(٢) التهذيب ٤ : ٩ ـ ٢٤ ، الإستبصار ٢ : ٨ ـ ٢١ ، الوسائل ٦ : ١١٠ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١١ ح ٧.

(٣) الإستبصار ٢ : ٨.

(٤) الكافي ٣ : ٥٣٤ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ ـ ٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٢ ـ ٦١ ، الوسائل ٦ : ٧٨ أبواب زكاة الأنعام ب ٦ ح ١.

٧٦

______________________________________________________

وفي حسنة زرارة : « ليس في صغار الإبل شي‌ء حتى يحول عليها الحول من حين تنتج » (١).

وفي رواية أخرى لزرارة : « ليس في صغار الإبل والبقر والغنم شي‌ء إلاّ ما حال عليه الحول » (٢).

ثم إن كانت السخال نصابا مستقلا كما لو ولدت خمس من الإبل خمسا ، أو ثلاثون من البقر ثلاثين ، أو أربعون من الغنم فصاعدا مائة وإحدى وعشرون فلكل حول بانفراده. ولو ولدت أربعون من الغنم أربعين وجب في الأمهات شاة عند تمام حولها ولم يجب في السخال شي‌ء ، لأن الزائد عن الأربعين عفو إلى أن يبلغ النصاب الثاني سواء ملكها مجتمعة أو متفرقة.

واحتمل المصنف في المعتبر وجوب شاة في الثانية عند تمام حولها (٣) ، لقوله عليه‌السلام : « في أربعين شاة شاة » (٤) وهو ضعيف جدا ، لأن المراد به النصاب المبتدأ إذ لو ملك ثمانين دفعة لم تجب عليه شاتان إجماعا.

وإن كانت متممة للنصاب الثاني بعد إخراج ما وجب في الأول كما لو ولدت ثلاثون من البقر أحد عشر ، أو ثمانون من الغنم اثنين وأربعين ، ففي سقوط اعتبار الأول وصيرورة الجميع نصابا واحدا ، أو وجوب زكاة كل منهما عند انتهاء حوله فيخرج عند انتهاء حول الأول تبيع أو شاة وعند مضي سنة من ملك الزيادة شاتان أو مسنّة ، أو عدم ابتداء حول الزائد حتى ينتهى حول الأول ثم استئناف حول واحد للجميع أوجه ، أوجهها الأخير ، لوجوب إخراج زكاة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٣ ـ ٣ ، الوسائل ٦ : ٨٣ أبواب زكاة الأنعام ب ٩ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٤٢ ـ ١٠٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٣ ـ ٦٣ ، الوسائل ٦ : ٨٣ أبواب زكاة الأنعام ب ٩ ح ٥.

(٣) المعتبر ٢ : ٥١٠.

(٤) الكافي ٣ : ٥٣٤ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ ـ ٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٢ ـ ٦١ ، الوسائل ٦ : ٧٨ أبواب زكاة الأنعام ب ٦ ح ١.

٧٧

ولو حال الحول فتلف من النصاب شي‌ء ، فإن فرّط المالك ضمن ، وإن لم يكن فرط سقط من الفريضة بنسبة التالف من النصاب. (١) وإذا ارتد المسلم قبل الحول لم تجب الزكاة واستأنف ورثته الحول ، وإن كان بعده وجبت ، وإن لم يكن عن فطرة لم ينقطع الحول ووجبت الزكاة عند تمام الحول ما دام باقيا.

______________________________________________________

الأول عند تمام حوله لوجود المقتضي وانتفاء المانع ، ومتى وجب إخراج زكاته منفردا امتنع اعتباره منضما إلى غيره في ذلك الحول ، للأصل ، وقوله عليه‌السلام : « لا ثنيا في صدقة » (١) وقول أبي جعفر عليه‌السلام في حسنة زرارة : « لا يزكى المال من وجهين في عام واحد » (٢). وهذا البحث آت في غير السخال إذا ملك العدد الثاني بعد جريان الأول في الحول.

قوله : ( ولو حال الحول فتلف من النصاب شي‌ء ، فإن فرط المالك ضمن ، وإن لم يكن فرط سقط من الفريضة بنسبة التالف من النصاب ).

لا ريب في الضمان مع التفريط ، وفي معناه تأخير الإخراج مع التمكن منه ، ومع انتفاء ذلك فلا ضمان ، لأن الزكاة في يد المالك كالأمانة فلو تلف شي‌ء من النصاب وزّع التلف على مجموع المال وسقط من الفريضة بالنسبة.

قوله : ( وإذا ارتد المسلم قبل الحول لم تجب الزكاة واستأنف ورثته الحول ، وإن كان بعده وجبت ، وإن لم يكن عن فطرة لم ينقطع الحول ووجبت الزكاة عند تمام الحول ما دام باقيا ).

إنما وجب استئناف الورثة الحول في المرتد عن فطرة لخروج أمواله عن‌

__________________

(١) في نهاية ابن الأثير ١ : ٢٢٤ لاثنى في الصدقة : أي لا تؤخذ الزكاة مرتين في السنة.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٣ ـ ٨٥ ، وفي الكافي ٣ : ٥٢٠ ـ ٦ ، الوسائل ٦ : ٦٧ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧ ح ١ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

٧٨

الشرط الرابع : ألاّ تكون عوامل ، فإنه ليس في العوامل زكاة وإن كانت سائمة.

وأما الفريضة فيقف بيانها على مقاصد :

الأول : الفريضة في الإبل شاة في كل خمسة حتى تبلغ خمسا‌

______________________________________________________

ملكه بالرّدّة وانتقالها إلى ورثته فيستأنفون الحول عند ذلك ، أما المرتد عن ملة فتجب عليه الزكاة عند تمام الحول ، لبقاء النصاب على ملكه وإن حجر عليه في التصرف فيه ، لقدرته على رفعه بالعود إلى الإسلام ، ويتولّى النية الإمام أو نائبه ، وتجزي عنه لو عاد إلى الإسلام ، بخلاف ما لو أداها بنفسه فإنه يجب عليه إعادتها ، لأن الإسلام شرط في أدائها كما تقدم.

قوله : ( الشرط الرابع ، ألاّ تكون عوامل : فإنه ليس في العوامل زكاة وإن كانت سائمة ).

هذا الحكم مجمع عليه بين العلماء كافة إلاّ من شذ من العامة (١) ، وتدل عليه روايات كثيرة : منها قوله عليه‌السلام في حسنتي الفضلاء الواردتين في زكاة الإبل والبقر : « وليس على العوامل شي‌ء » (٢).

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ ، عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الإبل العوامل عليها زكاة؟ قال : « نعم » (٣) لأنا نجيب عنه بالطعن في السند ، ولو سلم من ذلك لكان محمولا على الاستحباب كما ذكره الشيخ في الإستبصار (٤).

قوله : ( وأما الفريضة فيقف بيانها على مقاصد ، الأول : الفريضة‌

__________________

(١) حكاه في المنتهى ١ : ٤٨٦.

(٢) الأولى في : الكافي ٣ : ٥٣١ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ ـ ٥٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٠ ـ ٥٩ ، الوسائل ٦ : ٨٠ أبواب زكاة الأنعام ب ٧ ح ١ ، والثانية في : الكافي ٣ : ٥٣٤ ـ ١ بتفاوت يسير ، التهذيب ٤ : ٤١ ـ ١٠٣ ، والاستبصار ٢ : ٢٣ ـ ٦٥ ، الوسائل ٦ : ٨٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٨ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٤٢ ـ ١٠٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٤ ـ ٦٨ ، الوسائل ٦ : ٨١ أبواب زكاة الأنعام ب ٧ ح ٨.

(٤) الاستبصار ٢ : ٢٥.

٧٩

وعشرين ، فإذا زادت واحدة كان فيها بنت مخاض ، فإذا زادت عشرا كان فيها بنت لبون ، فإذا زادت عشرا أخرى كان فيها حقّة ، فإذا زادت خمس عشرة كان فيها جذعة ، فإذا زادت خمس عشرة أخرى كان فيها بنتا لبون ، فإذا زادت خمس عشرة أيضا كان فيها حقّتان ، فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين طرح ذلك وكان في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون.

ولو أمكن في عدد فرض كل واحد من الأمرين كان المالك بالخيار في إخراج أيهما شاء.

______________________________________________________

في الإبل شاة في كل خمسة حتى يبلغ خمسا وعشرين ، فإذا زادت واحدة كان فيها بنت مخاض ، فإذا زادت عشرا كان فيها بنت لبون ، فإذا زادت عشرا أخرى كان فيها حقة ، فإذا زادت خمس عشرة كان فيها جذعة ، فإذا زادت خمس عشرة أخرى كان فيها بنتا لبون ، فإذا زادت خمس عشرة أيضا كان فيها حقتان ، فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين طرح ذلك وكان في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون ).

قد تقدم ما يدل على وجوب هذه الفرائض من الأخبار ، قال المصنف في المعتبر والعلاّمة في المنتهى (١) : إنه لا خلاف فيها بين أهل العلم إلاّ في النصاب الخامس ، فإن بعض علمائنا ذهب إلى أن الفريضة فيه بنت مخاض كما هو رأي الجمهور. وقد بيّنّا ضعفه فيما سبق (٢).

قوله : ( ولو أمكن في عدد فرض كل واحد من الأمرين كان المالك مخيرا في إخراج أيهما شاء ).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٩٨ ، المنتهى ١ : ٤٧٩.

(٢) راجع ص ٥٤.

٨٠