مدارك الأحكام - ج ٥

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

والكافر تجب عليه الزكاة لكن لا يصحّ منه أداؤها ،

______________________________________________________

فلا زكاة فيه ، ثم قال : ومن أوجبه في الدين توقف هنا ، لأن السوم شرط ، وما في الذمة لا يوصف بكونه سائما ، ثم استشكله بأنهم ذكروا في السلم في اللحم التعرض لكونه لحم راعية أو معلوفة ، وإذا جاز أن يثبت في الذمة لحم راعية جاز أن يثبت راعية (١). وهو جيد.

وأورد عليه جدي ـ قدس‌سره ـ في فوائد القواعد أنه إنما يتجه إذا جعلنا مفهوم السوم عدميا وهو عدم العلف كما هو الظاهر من كلامهم ، أما إن جعلناه أمرا وجوديا وهو أكلها من مال الله المباح لم يعقل كون ما في الذمة سائما.

وفي الفرق نظر ، فإنه إذا جاز ثبوت الحيوان في الذمة جاز ثبوت هذا النوع المخصوص منه وهو ما يأكل من المباح ، لكن المتبادر من الروايتين المتضمنتين لثبوت الزكاة في الدين أن المراد به النقد فلا يبعد قصر الحكم عليه ، لأصالة البراءة من الوجوب في غيره.

قوله : ( والكافر تجب عليه الزكاة لكن لا يصح منه أداؤها ).

أما الوجوب فلإطلاق الأمر ، وظاهر قوله تعالى ( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ ) (٢).

وأما أنه لا يصح منه الأداء فعلله في المعتبر بأنه مشروط بنية القربة ولا تصح منه (٣). وفيه بحث وإن كان الحكم لا إشكال فيه ، للأخبار المستفيضة المتضمنة لبطلان عبادة المخالف (٤) فضلا عن الكافر ، والإجماع على أن الكافر لا يدخل الجنة ، ولو وقعت منه عبادة صحيحة لأثيب عليها‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٠٢.

(٢) فصلت : ٦ ـ ٧.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٩٠.

(٤) الوسائل : ٩٠ أبواب مقدمة العبادات ٢٩.

٤١

فإذا تلفت لا يجب عليه ضمانها وإن أهمل.

______________________________________________________

ولزم دخوله الجنة لإيصال الثواب إليه ، إذ لا يقع في غيرها إجماعا كما نقله جماعة.

وقد نص المصنف في المعتبر (١) ، والعلاّمة في جملة من كتبه (٢) على أن الزكاة تسقط عن الكافر بالإسلام وإن كان النصاب موجودا ، لقوله عليه‌السلام : « الإسلام يجبّ ما قبله » (٣).

ويجب التوقف في هذا الحكم ، لضعف الرواية المتضمنة للسقوط سندا ومتنا ، ولما روي في عدة أخبار صحيحة من أن المخالف إذا استبصر لا يجب عليه إعادة شي‌ء من العبادات التي أوقعها في حال ضلالته سوى الزكاة فإنه لا بد أن يؤديها (٤) ، ومع ثبوت هذا الفرق في المخالف فيمكن إجراؤه في الكافر.

وبالجملة : فالوجوب على الكافر متحقق فيجب بقاؤه تحت العهدة إلى أن يحصل الامتثال أو يقوم على السقوط بالإسلام دليل يعتد به ، على أنه ربما لزم من هذا الحكم عدم وجوب الزكاة على الكافر كما في قضاء العبادة ، لامتناع أدائها في حال الكفر وسقوطها بالإسلام ، إلاّ أن يقال : إن متعلق الوجوب إيصالها إلى الساعي وما في معناه في حال الكفر ، وينبغي تأمل ذلك.

قوله : ( فإن تلفت لم يجب عليه ضمانها وإن أهمل ).

هذا الحكم مشكل أيضا ، لعدم وضوح مأخذه. وقال الشارح ـ قدس‌سره ـ : إن الحكم بعدم الضمان مع التلف لا تظهر فائدته مع إسلامه ، لما‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٩٠.

(٢) المنتهى ١ : ٤٧٦ ، والقواعد ١ : ٥٢ ، والتحرير ١ : ٥٨ ، والتذكرة ١ : ٢٠٤.

(٣) غوالي اللآلي ٢ : ٥٤ ـ ١٤٥ و ٢٢٤ ـ ٣٨ ، الجامع الصغير ١ : ١٢٣.

(٤) الوسائل ١ : ٩٧ أبواب مقدمة العبادات ب ٣١.

٤٢

والمسلم إذا لم يتمكن من إخراجها وتلفت لم يضمن ، ولو تمكن وفرّط ضمن. والمجنون والطفل لا يضمنان إذا أهمل الولي مع القول بالوجوب في الغلاّت والمواشي.

______________________________________________________

عرفت من أنها تسقط عنه وإن بقي المال ، بل إنما تظهر فائدة التلف فيما لو أراد الإمام أو الساعي أخذ الزكاة منه قهرا فإنه يشترط فيه بقاء النصاب ، فلو وجده قد أتلفه لم يضمنه الزكاة وإن كان بتفريطه (١). ولم أقف على دليل يدل على اعتبار هذا الشرط.

قوله : ( والمسلم إذا لم يتمكن من إخراجها وتلفت لم يضمن ، ولو تمكن وفرط ضمن ).

أما الضمان مع التفريط فمعلوم من قواعد الأمانات ، وأما مع التمكن من الإخراج فقال في التذكرة : إنه قول علمائنا أجمع (٢). ويدل عليه روايات : منها قول أبي جعفر عليه‌السلام في حسنة محمد بن مسلم : « إذا وجد لها موضعا لم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها » (٣).

وإنما يتحقق تلف الزكاة مع العزل أو تلف جميع النصاب ، ولو تلف بعضه وزّع على حصة المالك ونصيب الفقراء ، وضمن المالك نصيبهم في موضع الضمان ، وقيل : إن التالف يكون من مال المالك خاصة (٤). وهو بعيد.

قوله : ( والمجنون والطفل لا يضمنان إذا أهمل الولي مع القول بالوجوب في الغلات والمواشي ).

__________________

(١) المسالك ١ : ٥١.

(٢) التذكرة ١ : ٢٢٥.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٥ ـ ٤٦ ، التهذيب ٤ : ٤٧ ـ ١٢٥ ، الوسائل ٦ : ١٩٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ١.

(٤) قال به الأردبيلي في مجمع الفائدة ٤ : ٢٦.

٤٣

______________________________________________________

لا ريب في عدم ضمان الطفل والمجنون ، لعدم تعلق الوجوب بهما‌ وانتفاء التقصير منهما ، وإنما الكلام في تضمين الولي ولا يبعد تضمينه ، لأنه مخاطب بالإخراج فجرى مجرى المالك.

٤٤

النظر الثاني

في بيان ما تجب فيه ، وما تستحب‌

تجب الزكاة في الأنعام : الإبل والبقر والغنم ، وفي : الذهب والفضة ، والغلات الأربع : الحنطة والشعير والتمر والزبيب. ولا تجب فيما عدا ذلك.

______________________________________________________

قوله : ( تجب الزكاة في الأنعام : الإبل والبقر والغنم ، وفي الذهب والفضة ، والغلات الأربع : الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، ولا تجب فيما عدا ذلك ).

أما وجوب الزكاة في هذه الأنواع التسعة فقال العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ في التذكرة والمنتهى : إنه مجمع عليه بين المسلمين (١). والأخبار به مستفيضة (٢).

وأما أنها لا تجب فيما عدا ذلك فقال في المعتبر : إنه مذهب الأصحاب عدا ابن الجنيد (٣). ونقل عن ابن الجنيد أنه قال : تؤخذ الزكاة في أرض العشر من كل ما دخل القفيز من حنطة وشعير وسمسم وأرز ودخن وذرة وعدس وسلت وسائر الحبوب (٤). وهو ضعيف.

لنا : أن الأصل عدم الوجوب فيما لم يقم دليل على خلافه ، وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « أنزلت آية الزكاة‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٠٥ ، المنتهى ١ : ٤٧٣.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٢ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٩٣.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ١٨٠.

٤٥

______________________________________________________

( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ) (١) في شهر رمضان ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مناديه فنادى في الناس : إن الله تبارك وتعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ، ففرض الله عليكم من الذهب والفضة ، والإبل والبقر والغنم ، ومن الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان وعفا لهم عما سوى ذلك » (٢).

وما رواه الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وبريد بن معاوية العجلي وفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، قالا : « فرض الله الزكاة مع الصلاة في الأموال ، وسنّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تسعة أشياء وعفا عما سواهن : في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والحنطة والشعير والتمر والزبيب ، وعفا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عما سوى ذلك » (٣).

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أوساق ـ والوسق ستون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع ـ ففيه العشر » ثم قال : « وليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي‌ء ، وليس فيما أنبتت الأرض شي‌ء إلا في هذا الأربعة أشياء » (٤).

وعن عبيد الله بن علي الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عن الزكاة فقال : « الزكاة على تسعة أشياء : على الذهب والفضة ،

__________________

(١) التوبة : ١٠٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٨ ـ ٢٦ ، الوسائل ٦ : ٣٢ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٨ ح ١ ، وأوردها في الكافي ٣ : ٤٩٧ ـ ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٥٠٩ ـ ١ ، الوسائل ٦ : ٣٤ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٨ ح ٤.

(٤) التهذيب ٤ : ١٣ ـ ٣٤ ، الإستبصار ٢ : ١٤ ـ ٤٠ ، الوسائل ٦ : ١٢٠ أبواب زكاة الغلات ب ١ ح ٥.

٤٦

______________________________________________________

والحنطة والشعير والزبيب والتمر ، والإبل والبقر والغنم » (١) والأخبار الواردة بذلك كثيرة جدا (٢).

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الحسن ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألته عليه‌السلام عن الحرث ما يزكى منه؟ فقال : « البرّ والشعير والذرة والدخن والأرز والسّلت والعدس والسمسم كل هذا يزكّى وأشباهه » (٣).

وعن أبي مريم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الحرث مما يزكى؟ فقال : « البرّ والشعير والذرة والأرز والسّلت والعدس كل هذا مما يزكى » وقال : « كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة » (٤).

لأنا نجيب عنهما بالحمل على الاستحباب كما ذكره الشيخ في التهذيب والإستبصار (٥) ، لئلا تتناقض الأخبار. ثم قال في الاستبصار : ولا يمكن حمل هذا الأخبار يعني المتضمنة للأنواع التسعة على ما ذهب إليه يونس بن عبد الرحمن من أن هذه التسعة كانت الزكاة عليها في أوّل الإسلام ، ثم أوجب الله تعالى بعد ذلك في غيرها من الأجناس ، لأن الأمر لو كان على ما ذكره لما قال الصادق عليه‌السلام : عفا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عما سوى ذلك. لأنه إذا وجب فيما عدا هذه التسعة أشياء بعد إيجابه في التسعة لم يبق شي‌ء معفو عنه ، فهذا القول واضح البطلان.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣ ـ ٤ ، الإستبصار ٢ : ٣ ـ ٤ ، الوسائل ٦ : ٣٦ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٨ ح ١١.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٢ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٨.

(٣) التهذيب ٤ : ٣ ـ ٧ ، الإستبصار ٢ : ٣ ـ ٧ ، الوسائل ٦ : ٤٠ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٩ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٥١١ ـ ٦ ، الوسائل ٦ : ٣٩ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٩ ح ٣.

(٥) التهذيب ٤ : ٤ ، والإستبصار ٢ : ٤.

٤٧

وتستحب في كل ما تنبت الأرض مما يكال أو يوزن ، عدا الخضر ، كالقتّ والباذنجان والخيار وما شاكله.

______________________________________________________

قوله : ( وتستحب في كل ما أنبتت الأرض مما يكال أو يوزن ، عدا الخضر والقت والباذنجان والخيار وما شاكله ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب عدا ابن الجنيد فإنه قال بالوجوب (١). ويدل على الاستحباب مضافا إلى ما سبق ما رواه الكليني في الحسن ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة » وقال : « جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصدقة في كل شي‌ء أنبتت الأرض إلاّ ما كان من الخضر والبقول وكل شي‌ء يفسد من يومه » (٢).

ويدل على انتفاء الوجوب مضافا إلى ما سبق ما رواه الشيخ (٣) ، عن زرارة وبكير ابني أعين ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « ليس في شي‌ء أنبتت الأرض من الأرز والذرة والحمّص والعدس وسائر الحبوب والفواكه غير هذه الأربعة الأصناف وإن كثر ثمنه زكاة ، إلاّ أن يصير مالا يباع بذهب أو فضة يكنزه ثم يحول عليه الحول وقد صار ذهبا أو فضة فيؤدي عنه من كل مائتي درهم خمسة دراهم ، ومن كل عشرين دينارا نصف دينار » (٤).

والقتّ ـ بفتح القاف والتاء المثناة ـ نوع من الخضر يطعم للدواب يعرف بالفصّة (٥) وهي الرطبة والقضب.

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ١٨٠.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٠ ـ ٢ ، الوسائل ٦ : ٤٠ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٩ ح ٦.

(٣) في « ح » زيادة : في الصحيح.

(٤) التهذيب ٤ : ٦ ـ ١٢ ، الإستبصار ٢ : ٦ ـ ١٢ ، الوسائل ٦ : ٤١ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٩ ح ٩.

(٥) كذا ، والموجود في كتب اللغة : الفصفصة ـ راجع الصحاح ١ : ٢٦١ ، والنهاية لابن الأثير ٤ : ١١.

٤٨

وفي مال التجارة قولان ، أحدهما الوجوب ، والاستحباب أصحّ.

______________________________________________________

قوله : ( وفي مال التجارة قولان ، أحدهما الوجوب ، والاستحباب أصح ).

اختلف علماؤنا في زكاة مال التجارة ، فذهب الأكثر ومنهم الشيخان (١) ، والمرتضى (٢) ، وابن إدريس (٣) ، وأبو الصلاح (٤) ، وابن البراج (٥) ، وابن أبي عقيل (٦) ، وسلاّر (٧) ، وسائر المتأخرين إلى أنها مستحبة. وحكى المصنف عن بعض علمائنا قولا بالوجوب ، وهو الظاهر من كلام ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه فإنه قال : وإذا كان مالك في تجارة وطلب منك المتاع برأس مالك ولم تبعه تبتغي بذلك الفضل فعليك زكاته إذا حال عليه الحول (٨). والمعتمد الاستحباب.

لنا : الأخبار الكثيرة المتضمنة للأمر بالزكاة في مال الطفل إذا اتجر له به الولي (٩) ، وقد تقدم طرف منها فيما سبق (١٠) ، وما رواه الشيخ في الحسن ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى متاعا وكسد عليه وقد زكى ماله قبل أن يشتري المتاع متى يزكيه؟ فقال : « إن كان أمسك متاعه يبتغي رأس ماله فليس عليه زكاة ، وإن كان احتبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال » قال :

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٤٠ ، والشيخ في النهاية : ١٧٦ ، والمبسوط ١ : ٢٢٠ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٤.

(٢) الانتصار : ٧٨ ، وجمل العلم والعمل : ١١٩.

(٣) السرائر : ١٠٣.

(٤) الكافي في الفقه : ١٦٥.

(٥) المهذب ١ : ١٦٧.

(٦) نقله عنه في المختلف : ١٧٩.

(٧) المراسم : ١٣٦.

(٨) الفقيه ٢ : ١١.

(٩) الوسائل ٦ : ٥٧ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٢.

(١٠) في ص ١٧.

٤٩

______________________________________________________

وسألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها فقال : « إذا حال عليها الحول فليزكها » (١).

وعن أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه وقد كان زكى ماله قبل أن يشتري به هل عليه زكاة أو حتى يبيعه؟ فقال : « إن كان أمسكه التماس الفضل على ماله فعليه الزكاة » (٢) وبظاهر هذه الروايات أخذ الموجبون.

ويدل على أن هذه الأوامر للاستحباب الروايات المتضمنة لحصر ما يجب فيه الزكاة في الأنواع التسعة ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ، قال : كنت قاعدا عند أبي جعفر عليه‌السلام وليس عنده غير ابنه جعفر عليه‌السلام فقال : « يا زرارة إن أبا ذر وعثمان تنازعا في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال عثمان : كل مال من ذهب أو من فضة يدار ويعمل به ويتجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول ، وقال أبو ذر : أما ما اتجر به أو دير أو عمل به فليس فيه زكاة ، إنما الزكاة فيه إذا كان كنزا موضوعا ، فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة ، فاختصما في ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال ما قال أبو ذر » (٣).

وفي الصحيح ، عن سليمان بن خالد ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل كان له مال كثير فاشترى به متاعا ثم وضعه فقال : هذا متاع موضوع فإذا أحببت بعته فيرجع إليّ رأس مالي وأفضل منه هل عليه صدقة وهو متاع؟ قال : « لا حتى يبيعه » قال : فهل يؤدي عنه إن باعه لما‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٦٨ ـ ١٨٦ ، الإستبصار ٢ : ١٠ ـ ٢٩ ، الوسائل ٦ : ٤٦ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٧ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٦٨ ـ ١٨٥ ، الإستبصار ٢ : ١٠ ـ ٢٨ ، الوسائل ٦ : ٤٦ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣ ح ٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٠ ـ ١٩٢ ، الإستبصار ٢ : ٩ ـ ٢٧ ، الوسائل ٦ : ٤٨ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٤ ح ١.

٥٠

وفي الخيل الإناث.

______________________________________________________

مضى إذا كان متاعا؟ قال : « لا » (١).

وفي الموثق عن إسحاق بن عمار قال ، قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام الرجل يشتري الوصيفة يثبتها عنده لتزيد وهو يريد بيعها ، أعلى ثمنها زكاة؟ قال : « لا حتى يبيعها » قلت : فإن باعها أيزكي ثمنها؟ قال : « لا حتى يحول عليه الحول وهو في يديه » (٢).

قوله : ( وفي الخيل الإناث ).

استحباب الزكاة في الخيل الإناث مجمع عليه بين الأصحاب ، ويدل عليه روايات : منها ما رواه الشيخ في الحسن ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عنهما جميعا عليهما‌السلام ، قال (٣) : « وضع أمير المؤمنين عليه‌السلام على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين ، وجعل على البراذين دينارا » (٤).

وفي الحسن ، عن زرارة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : هل على البغال شي‌ء؟ فقال : « لا » فقلت : كيف صار على الخيل ولم يصر على البغال؟ فقال : « لأن البغال لا تلقح والخيل الإناث ينتجن ، وليس على الخيل الذكور شي‌ء » قال ، قلت : هل على الفرس أو البعير (٥) يكون للرجل يركبها شي‌ء؟ فقال : « لا ليس على ما يعلف شي‌ء ، إنما الصدقة على‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٧٠ ـ ١٩١ ، الإستبصار ٢ : ٩ ـ ٢٦ ، الوسائل ٦ : ٤٩ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٤ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٩ ـ ٦ ، التهذيب ٤ : ٦٩ ـ ١٨٨ ، الإستبصار ٢ : ١١ ـ ٣١ ، الوسائل ٦ : ٤٩ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٤ ح ٤.

(٣) كذا ، وفي المصدر : قالا.

(٤) التهذيب ٤ : ٦٧ ـ ١٨٣ ، الإستبصار ٢ : ١٢ ـ ٣٤ ، الوسائل ٦ : ٥١ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٦ ح ١.

(٥) في « ض » : البقر.

٥١

______________________________________________________

السائمة المرسلة في مراحها (١) عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ، فأما ما سوى ذلك فليس فيه شي‌ء » (٢).

قوله : ( ولو تولد حيوان بين حيوانين أحدهما زكاتي روعي في إلحاقه بالزكاتي إطلاق الاسم ).

إنما كان المعتبر إطلاق الاسم ، لأنه مناط الحكم. وكذا الكلام لو كان تولده من حيوانين محللين غير زكويين ، أو من محلل ومحرم. ولو كانا محرمين وجاء بصفة الزكوي احتمل حلّه ووجوب الزكاة فيه ، لإطلاق الاسم الذي هو مدار الحكم ، واستوجه الشارح تحريمه لكونه فرع محرمين فتنتفي الزكاة (٣).

وتسقط عما عدا ذلك إلاّ ما سنذكره. فلا زكاة في البغال ، والحمير ، والرقيق : ولو تولّد حيوان بين حيوانين أحدهما زكاتي روعي في إلحاقه بالزكاتي إطلاق اسمه.

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : مرجها ، وهو الظاهر لأن الموضع الذي ترعى فيه الدواب ـ راجع الصحاح ١ : ٣٤٠ ، والقاموس المحيط ١ : ٢١٤ ، أما المراح بالضم فهو ما يأوي إليه الإبل والغنم بالليل ـ الصحاح ١ : ٣٦٩.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٠ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٧ ـ ١٨٤ ، الوسائل ٦ : ٥١ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٦ ح ٣.

(٣) المسالك ١ : ٥٢.

٥٢

القول في زكاة الأنعام

والكلام في الشرائط ، والفريضة ، واللواحق‌

أما الشرائط فأربعة :

الأول : اعتبار النصب ، وهي في الإبل اثنا عشر نصابا : خمسة كل واحد منها خمس ، فإذا بلغت ستا وعشرين صارت كلها نصابا ، ثم ست وثلاثون ، ثم ست وأربعون ، ثم إحدى وستون ، ثم ست وسبعون ، ثم إحدى وتسعون ، فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين فأربعون أو خمسون أو منهما.

______________________________________________________

قوله : ( أما الشروط فأربعة : الأول : اعتبار النصب ، وهي في الإبل اثنا عشر نصابا : خمسة كل واحد منها خمس ، فإذا بلغت ستا وعشرين صارت كلها نصابا واحدا ، ثم ست وثلاثون ، ثم ست وأربعون ، ثم إحدى وستون ، ثم ست وسبعون ، ثم إحدى وتسعون ، فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين فأربعون أو خمسون أو منهما ).

هذه النصب مجمع عليها بين علماء الإسلام كما نقله جماعة منهم المصنف في المعتبر (١) ، سوى النصاب السادس فإن ابن أبي عقيل وابن الجنيد أسقطاه وأوجبا بنت المخاض في خمس وعشرين إلى ست‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٩٨.

٥٣

______________________________________________________

وثلاثين (١) ، وهو قول الجمهور (٢).

والمعتمد ما عليه أكثر الأصحاب.

لنا : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « في خمس قلاص (٣) شاة ، وليس فيما دون الخمس شي‌ء ، وفي عشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث ، وفي عشرين أربع ، وفي خمس وعشرين خمس ، وفي ست وعشرين ابنة مخاض (٤) إلى خمس وثلاثين.

فإذا زادت واحدة ففيها ابنة لبون (٥) إلى خمس وأربعين.

فإذا زادت واحدة ففيها حقّة (٦) إلى ستين.

فإذا زادت واحدة ففيها جذعة (٧) إلى خمس وسبعين.

فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين ، فإذا زادت واحدة ففيها‌

__________________

(١) حكاه عنهما في المختلف : ١٧٥.

(٢) منهم ابن رشد في بداية المجتهد ١ : ٢٥٩ ، وابن قدامة في المغني ٢ : ٤٤١.

(٣) القلوص من النوق : الشابة. وقال العدوي : القلوص أول ما يركب من إناث الإبل إلى أن تثني فإذا أثنت فهي ناقة ، وجمع القلوص قلص وقلائص وجمع القلص قلاص ـ الصحاح ٣ : ١٠٥٤.

(٤) قيل للفصيل إذا استكمل الحول ودخل في الثانية : ابن مخاض ، والأنثى ابنة مخاض ، لأنه فصل عن أمه وألحقت أمه بالمخاض ـ الصحاح ٣ : ١١٠٥.

(٥) اللبون : ولد الناقة إذا استكمل السنة الثانية ودخل في الثالثة ، الأنثى ابنة لبون ، لأن أمه وضعت غيره فصار لها لبن ـ الصحاح ٦ : ٢١٩٢.

(٦) الحقّ بالكسر : ما كان من الإبل ابن ثلاث سنين وقد دخل في الرابعة ، والأنثى حقّة وحقّ أيضا ، سمي بذلك لاستحقاقه أن يحمل عليه وأن ينتفع به ـ الصحاح ٤ : ١٤٦٠.

(٧) الجذعة : هو من الإبل ما دخل في السنة الخامسة ـ الصحاح ٣ : ١١٩٤.

٥٤

______________________________________________________

حقتان إلى عشرين ومائة ، فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة » (١).

ونحوه روى الشيخ في الصحيح أيضا ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال :

« ليس فيما دون الخمس من الإبل شي‌ء ، فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشر ، فإذا كانت عشرا ففيها شاتان ، فإذا بلغت خمسة عشر ففيها ثلاث من الغنم ، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم ، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها خمس من الغنم ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر.

فإن زادت على خمس وثلاثين بواحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين ، فإن زادت واحدة ففيها حقّة ـ وإنما سميت حقّة لأنها استحقت أن يركب ظهرها ـ إلى ستين ، فإن زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ، فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين ، فإن زادت واحدة فحقّتان إلى عشرين ومائة.

فإن زادت على العشرين والمائة واحدة ففي كل خمسين حقّة وفي كل أربعين ابنة لبون » (٣).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٢ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٢١ ـ ٥٣ ، الإستبصار ٢ : ١٩ ـ ٥٧ ، الوسائل ٦ : ٧٣ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠ ـ ٥٢ ، الإستبصار ٢ : ١٩ ـ ٥٦ ، الوسائل ٦ : ٧٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ١٢ ـ ٣٣ ، الوسائل ٦ : ٧٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ١.

٥٥

______________________________________________________

احتج ابن أبي عقيل على ما نقل عنه (١) بما رواه الكليني والشيخ في الحسن ، عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وبريد العجلي والفضيل ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، قالا : « في صدقة الإبل في كل خمس شاة إلى أن تبلغ خمسا وعشرين ، فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض » (٢).

وأجاب عنها الشيخ في التهذيب بأن قوله عليه‌السلام : « فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض » يحتمل أن يكون أراد « وزادت واحدة » وإنما لم يذكر في اللفظ لعلمه بفهم المخاطب ذلك ، قال : ولو لم يحتمل ما ذكرناه لجاز لنا أن نحمل هذه الرواية على ضرب من التقية لأنها موافقة لمذهب العامة (٣).

واستضعف المصنف في المعتبر هذين التأويلين فقال : والتأويلان ضعيفان ، أما الإضمار فبعيد في التأويل ، وأما التقية فكيف يحمل على التقية ما اختاره جماعة من محققي الأصحاب ، ورواه أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، وكيف يذهب على مثل ابن أبي عقيل والبزنطي وغيرهما ممن اختار ذلك مذهب الإمامية من غيرهم ، والأولى أن يقال : فيه روايتان أشهرهما ما اختاره المشايخ الخمسة وأتباعهم (٤).

وأقول : إن التأويل الأول يجب المصير إليه وإن كان بعيدا ، لأنهما عليهما‌السلام قالا في تتمة الرواية « فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض وليس فيها شي‌ء حتى يبلغ خمسا وثلاثين ، فإذا بلغت خمسا وثلاثين ففيها ابنة لبون ، ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمسا وأربعين ، فإذا بلغت خمسا‌

__________________

(١) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ٤٩٩ ، والمختلف : ١٧٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣١ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ ـ ٥٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٠ ـ ٥٩ ، الوسائل ٦ : ٧٤ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٣.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٩٩.

٥٦

______________________________________________________

وأربعين ففيها حقّة طروقة الفحل ، ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ ستين ، فإذا بلغت ستين ففيها جذعة ، ثم ليس فيها شي‌ء حتى يبلغ خمسا وسبعين ، فإذا بلغت خمسا وسبعين ففيها ابنتا لبون ، ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ تسعين ، فإذا بلغت تسعين ففيها حقّتان طروقتا الفحل ، ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ففيها حقّتان طروقتا الفحل ، وإذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقّة وفي كل أربعين بنت لبون » (١).

وإضمار ما ذكره الشيخ واجب في جميع هذه الأعداد ، لاتفاق العلماء كافة على ما نقله المصنف في المعتبر والعلاّمة في التذكرة والمنتهى على أن بنت اللبون إنما تجب في ست وثلاثين ، والحقّة في ست وأربعين ، وهكذا إلى الآخر (٢).

ومن هنا يظهر فساد التأويل الثاني وهو الحمل على التقية ، لأنه لا يجري في غير الخمس والعشرين كما بيّنّاه. وكيف كان فهذه الرواية لا تبلغ حجة في معارضة الإجماع والأخبار المستفيضة (٣).

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : ذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أن التقدير بالأربعين والخمسين ليس على وجه التخيير مطلقا بل يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب ، فإن أمكن بهما تخيّر ، وإن لم يمكن بهما وجب اعتبار أكثرهما استيعابا مراعاة لحق الفقراء ، ولو لم يمكن إلاّ بهما وجب الجمع ، فعلى هذا يجب تقدير أول هذا النصاب وهو المائة وإحدى وعشرون بالأربعين ، والمائة وخمسين بالخمسين ، والمائة وسبعين بهما ، ويتخير في المأتين ، وفي الأربعمائة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣١ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٢ ـ ٥٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٠ ـ ٥٩ ، معاني الأخبار : ٣٢٧ ـ ١. الوسائل ٦ : ٧٤ أبواب زكاة الأنعام ب ٢ ح ٦.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٠٠ ، التذكرة ١ : ٢٠٧ ، المنتهى ١ : ٤٨٠.

(٣) الوسائل ٦ : ٧٢ أبواب زكاة الأنعام ب ٢.

٥٧

وفي البقر نصابان : ثلاثون وأربعون دائما.

______________________________________________________

يتخير بين اعتباره بهما وبكل واحد منهما (١). وما ذكره ـ رحمه‌الله ـ أحوط ، إلاّ أن الظاهر التخيير في التقدير بكل من العددين مطلقا ، كما اختاره ـ قدس‌سره ـ في فوائد القواعد ونسبه إلى ظاهر الأصحاب ، لإطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : فإن زادت على العشرين والمائة واحدة ففي كل خمسين حقّة وفي كل أربعين ابنة لبون » (٢).

ويدل عليه صريحا اعتبار التقدير بالخمسين خاصة في روايتي عبد الرحمن وأبي بصير المتقدمتين (٣) ، ولو كان التقدير بالأربعين متعينا في المائة وإحدى وعشرين وما في معناها لما ساغ ذلك قطعا.

الثاني : قال في التذكرة : لو كانت الزيادة بجزء من بعير لم يتغير به الفرض إجماعا ، لأن الأحاديث تضمنت اعتبار الواحدة ، ولأن الأوقاص (٤) كلّها لا يتغير فرضها بالجزء فكذا هنا (٥). ثم نقل عن بعض العامة قولا بتغير الفرض بالجزء ، ولا ريب في بطلانه.

الثالث : الظاهر أن الواحدة الزائدة على المائة والعشرين شرط في وجوب الفريضة وليست جزءا من النصاب ، لخروجها عنه بالاعتبارين ، فعلى هذا يتوقف الوجوب عليها ولا يسقط بتلفها بعد الحول بغير تفريط شي‌ء ، كما لا يسقط بتلف ما زاد عنها إلى أن تبلغ تسعة عشر.

قوله : ( وفي البقر نصابان : ثلاثون وأربعون دائما ).

يريد بذلك أن الثلاثين لا ينحصر في الأول ولا الأربعين في الثاني ، بل يتعلق الحكم بكل ثلاثين وكل أربعين ، فالنصاب في الحقيقة واحد كلي وهو أحد العددين ، ونقل العلاّمة في التذكرة على ذلك إجماع العلماء (٦) ، ويدل‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٥٢.

(٢) في ص ٥٤ ، ٥٥.

(٣) في ص ٥٤ ، ٥٥.

(٤) الوقص : واحد الأوقاص في الصدقة ، وهو ما بين الفريضتين ـ الصحاح ٣ : ١٠٦١.

(٥) التذكرة ١ : ٢٠٧.

(٦) التذكرة ١ : ٢٠٩.

٥٨

وفي الغنم خمسة نصب : أربعون وفيها شاة ، ثم مائة وإحدى وعشرون وفيها شاتان ، ثم مائتان وواحدة وفيها ثلاث ،

______________________________________________________

عليه ما رواه الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وبريد والفضيل ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنهما قالا : « في البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حوليّ (١) : وليس في أقل من ذلك شي‌ء ، وفي أربعين بقرة مسنّة (٢) ، وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين ففيها مسنّة ، وليس فيما بين الأربعين إلى الستين شي‌ء فإذا بلغت الستين ففيها تبيعان (٣) ، فإذا بلغت ثمانين ففي كل أربعين مسنّة ، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث حوليّات ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففي كل أربعين مسنّة ، ثم ترجع البقر على أسنانها ، وليس على النيف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء ، ولا على العوامل شي‌ء ، إنما الصدقة على السائمة الراعية ، وكلما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه حتى يحول الحول فإذا حال عليه وجب فيه » (٤).

قوله : ( وفي الغنم خمسة نصب : أربعون وفيها شاة ، ثم مائة وإحدى وعشرون وفيها شاتان ، ثم مائتان وواحدة وفيها ثلاث شياه ).

هذه النصب الثلاثة مجمع عليها بين الأصحاب بل قال المصنف في المعتبر والعلاّمة في المنتهى إنه لا خلاف فيها بين العلماء إلاّ ما حكى الشعبي عن معاذ أنه قال : في مأتين وأربعين ثلاث شياه. قال : والحكاية ضعيفة ، لأنها مخالفة للإجماع (٥).

__________________

(١) التبيع : ولد البقرة في أول سنة والأنثى تبيعة ـ الصحاح ٣ : ١١٩٠ ، والحولي كل ذي حافر أوّل سنة والأنثى حولية ـ الصحاح ٤ : ١٦٧٩.

(٢) المسنّة من البقرة والشاة إذا سقطت ثنيتهما بعد طلوعها ـ لسان العرب ١٣ : ٢٢٢.

(٣) كذا ، وفي المصدر زيادة : إلى سبعين ، فإذا بلغت سبعين ففيها تبيع ومسنة إلى ثمانين.

(٤) الكافي ٣ : ٥٣٤ ـ ١ ، الوسائل ٦ : ٧٧ أبواب زكاة الأنعام ب ٤ ح ١.

(٥) المعتبر ٢ : ٥٠٣. المنتهى ١ : ٤٨٩.

٥٩

ثم ثلاثمائة وواحدة ، فإذا بلغت ذلك ، قيل : يؤخذ من كل مائة شاة ، وقيل : بل تجب أربع شياه ، حتى تبلغ أربعمائة فتؤخذ من كل مائة شاة ، بالغا ما بلغ ، وهو الأشهر.

______________________________________________________

وقال ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه : وليس على الغنم شي‌ء حتى تبلغ أربعين شاة فإذا بلغت أربعين وزادت واحدة ففيها شاة (١). وهو ضعيف.

لنا : قوله عليه‌السلام في حسنة الفضلاء : « في كل أربعين شاة شاة » (٢).

وفي صحيحة محمد بن قيس : « ليس فيما دون الأربعين من الغنم شي‌ء فإذا كانت أربعين ففيها شاة » (٣) ولم نقف لابن بابويه فيما ذكره على مستند.

قوله : ( ثم ثلاثمائة وواحدة ، فإذا بلغت ذلك ، قيل : يؤخذ من كل مائة شاة ، وقيل : بل تجب أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة فتؤخذ من كل مائة شاة بالغا ما بلغ ، وهو الأشهر ).

اختلف الأصحاب في هذه المسألة فذهب المفيد (٤) ، والمرتضى (٥) ، وابن بابويه (٦) ، وابن أبي عقيل (٧) ، وسلاّر (٨) ، وابن حمزة (٩) ، وابن‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٤ ـ ٣٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٤ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ ـ ٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٢ ـ ٦١ ، الوسائل ٦ : ٧٨ أبواب زكاة الأنعام ب ٦ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٥ ـ ٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٣ ـ ٦٢ ، الوسائل ٦ : ٧٨ أبواب زكاة الأنعام ب ٦ ح ٢.

(٤) المقنعة : ٣٩.

(٥) جمل العلم والعمل : ١٢٣.

(٦) المقنع : ٥٠.

(٧) حكاه عنه في المختلف : ١٧٧.

(٨) المراسم : ١٣١.

(٩) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٨٠.

٦٠