مدارك الأحكام - ج ٥

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

______________________________________________________

ذلك في كل عام ولا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها الله عليهم ، وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه من الذهب والفضة التي قد حال عليها الحول ، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلا ضيعة سأفسر لك أمرها ، تخفيفا مني عن موالي ، ومنا مني عليهم ، لما يغتال السلطان من أموالهم ، ولما ينوبهم في ذاتهم. فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام ، قال الله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ ) (١) والغنائم والفوائد ـ يرحمك الله ـ فهي الغنيمة يغنمها المرء ، والفائدة يفيدها ، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ، ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله ، ومثل مال يوجد لا يعرف له صاحب ، ومن ضرب ما صار إلى مواليّ من أموال الخرمية (٢) الفسقة ، فقد عرفت أن أموالا عظاما صارت إلى قوم من مواليّ ، فمن كان عنده شي‌ء من ذلك فليوصل إلى وكيلي ، ومن كان نائيا بعيد الشقة فليتعمد لإيصاله ولو بعد حين ، فإن نية المؤمن خير من عمله. فأما الذي أوجب من الضياع والغلات فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمؤنته ، ومن كان ضيعته لا تقوم بمؤنته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك » (٣).

وفي جميع هذه الأدلة نظر :

أما الآية الشريفة فلأن المتبادر من الغنيمة الواقعة فيها غنيمة دار الحرب‌

__________________

(١) الأنفال : ٤١.

(٢) في الأصل و « ض » : الجرمية ، وما أثبتناه من المصدر و « م ». والخرمية هم أصحاب التناسخ والإباحة ـ راجع تاريخ الطبري ٧ : ٢٣٥ ، ولسان العرب ١٢ : ١٧٢.

(٣) التهذيب ٤ : ١٤١ ـ ٣٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٦٠ ـ ١٩٨ ، الوسائل ٦ : ٣٤٩ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٥ بتفاوت يسير.

٣٨١

______________________________________________________

كما يدل عليه سوق الآيات السابقة واللاحقة ، فلا يمكن التجوز بها في غيره إلا مع قيام الدلالة عليه.

وأما الروايات فلا يخلو شي‌ء منها من ضعف في سند أو قصور في دلالة.

أما الرواية الأولى ، فلأن من جملة رجالها عبد الله بن القاسم الحضرمي ، وقال النجاشي : إنه كان كذابا يروي عن الغلاة لا خير فيه ولا يعتد بروايته (١). والعجب من وصف العلامة في المنتهى لها مع ذلك بالصحة (٢). وأيضا فإن ظاهرها اختصاص الخمس بالأئمة عليهم‌السلام ، وهو خلاف المعروف من مذهب الأصحاب.

وأما الرواية الثانية ، فلاشتمال سندها على عدة من الضعفاء والمجاهيل ، منهم محمد بن سنان وغيره.

وأما الرواية الثالثة ، فلأن راويها وهو محمد بن الحسن الأشعري مجهول ، فلا يمكن التعويل على روايته.

وأما الرواية الرابعة ، فلأن راويها وهو أبو علي بن راشد لم يوثق صريحا ، مع أنها كالأولى في الدلالة.

وأما رواية الريان فهي جيدة السند ، لأن الشيخ ـ رحمه‌الله ـ وإن رواها في التهذيب عنه مرسلا (٣) ، إلا أن طريقه إليه في الفهرست صحيح (٤). لكنها قاصرة من حيث المتن ، لاختصاصها بالأرض القطيعة ، وهي على ما نص عليه الجوهري طائفة من أرض الخراج (٥) ، أو محال ببغداد أقطعها‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٢٦ ـ ٥٩٤.

(٢) المنتهى ١ : ٥٤٨.

(٣) المتقدمة في ص ٣٨٠.

(٤) الفهرست : ٧١.

(٥) الصحاح ٣ : ١٢٦٨ قال : وأقطعته قطيعة ، أي طائفة من أرض الخراج.

٣٨٢

______________________________________________________

المنصور أناسا من أعيان دولته ليعمروها ويسكنوها كما ذكره في القاموس (١). ومستحق الخمس فيها غير مذكور ، فجاز أن يكون غير مستحق الغنائم.

وأما رواية علي بن مهزيار فهي معتبرة السند ، لكنها متروكة الظاهر من حيث اقتضائها وجوب الخمس فيما حال عليه الحول من الذهب والفضة. ومع ذلك فمقتضاها اندراج الجائزة الخطيرة والميراث ممن لا يحتسب والمال الذي لا يعرف صاحبه وما يحل تناوله من مال العدو في اسم الغنائم ، فيكون مصرف الخمس فيها مصرف خمس الغنائم.

وأما مصرف السهم المذكور في آخر الرواية ، وهو نصف السدس في الضياع والغلات فغير مذكور صريحا ، مع أنا لا نعلم بوجوب ذلك على الخصوص قائلا. ويمكن أن يستدل على ثبوت الخمس في هذا النوع في الجملة بصحيحة الحارث بن المغيرة النضري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : إنّ لنا أموالا من غلات وتجارات ونحو ذلك وقد علمت أن لك فيها حقا ، قال : « فلم أحللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم ، وكل من والى آبائي فهم في حل مما في أيديهم من حقنا ، فليبلغ الشاهد الغائب » (٢).

وصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : هلك الناس في بطونهم وفروجهم ، لأنهم لا يؤدون إلينا حقنا ، ألا وإن شيعتنا من ذلك وأبناءهم في حل » (٣).

وبالجملة فالأخبار الواردة بثبوت الخمس في هذا النوع مستفيضة‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ : ٧٢.

(٢) التهذيب ٤ : ١٤٣ ـ ٣٩٩ ، الوسائل ٦ : ٣٨١ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ٩.

(٣) التهذيب ٤ : ١٣٧ ـ ٣٨٦ ، الإستبصار ٢ : ٥٨ ـ ١٩١ ، المقنعة : ٤٦ وفيها : محمد بن مسلم فقط ، علل الشرائع : ٣٧٧ ـ ٢ ، الوسائل ٦ : ٣٧٨ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ١.

٣٨٣

______________________________________________________

جدا (١) ، بل الظاهر أنها متواترة كما ادعاه في المنتهى (٢). وإنما الإشكال في مستحقه ، وفي العفو عنه في زمن الغيبة وعدمه ، فإن في بعض الروايات دلالة على أن مستحقه مستحق خمس الغنائم ، وفي بعض آخر إشعارا باختصاص الإمام عليه‌السلام بذلك. ورواية علي بن مهزيار مفصلة كما بيناه (٣).

ومقتضى صحيحة الحارث بن المغيرة النضري ، وصحيحة الفضلاء وما في معناهما ( العفو عن هذا النوع كما اختاره ابن الجنيد (٤) ) (٥). والمسألة قوية الإشكال ، والاحتياط فيها مما لا ينبغي تركه بحال ، والله تعالى أعلم بحقائق أحكامه.

الثاني : المشهور بين الأصحاب وجوب الخمس في جميع أنواع التكسب من تجارة وصناعة وزراعة وغير ذلك ، عدا الميراث والصداق والهبة ، وفي كثير من الروايات بإطلاقها دلالة عليه.

وقال أبو الصلاح : يجب في الميراث والهبة والهدية أيضا (٦). وأنكر ذلك ابن إدريس وقال : هذا شي‌ء لم يذكره أحد من أصحابنا غير أبي الصلاح (٧).

واستدل له في المنتهى (٨) بصحيحة علي بن مهزيار المتقدمة (٩). وهي‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٤٨ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨.

(٢) المنتهى ١ : ٥٤٨.

(٣) في « ض » ، « م » ، « ح » زيادة : وفي الجميع ما عرفت.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٢٠٢.

(٥) بدل ما بين القوسين في « ض » ، « م » : إباحتهم عليهم‌السلام لشيعتهم حقوقهم من هذا النوع ، فإن ثبت اختصاصهم بخمس ذلك وجب القول بالعفو عنه مطلقا كما أطلقه ابن الجنيد ، وإلا سقط استحقاقهم من ذلك خاصة وبقي نصيب الباقين.

(٦) الكافي في الفقه : ١٧٠.

(٧) السرائر : ١١٤.

(٨) المنتهى ١ : ٥٤٨.

(٩) في ص ٣٨٠.

٣٨٤

السادس : إذا اشترى الذميّ أرضا من مسلم وجب فيها الخمس ،

______________________________________________________

إنما تدل على وجوب الخمس في الجائزة الخطيرة والميراث إذا كان ممن لا يحتسب ، لا على تعلق الوجوب بمطلق الميراث والهبة كما قاله أبو الصلاح (١).

الثالث : مذهب الأصحاب أن الخمس إنما يجب في الأرباح إذا فضلت عن مؤنة السنة له ولعياله ، ويدل عليه مضافا إلى ما سبق ما ذكره ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه : أن في توقيعات الرضا عليه‌السلام إلى إبراهيم بن محمد الهمداني : « إن الخمس بعد المؤنة » (٢).

والمراد بالمؤنة هنا : مؤنة السنة له ولعياله ، الواجبي النفقة وغيرهم ، ومنها الهدية والصلة اللائقتان بحاله ، وما يؤخذ منه في السنة قهرا أو يصانع به الظالم اختيارا ، والحقوق اللازمة له بالأصل أو بالعارض ، ومؤنة التزويج ، وثمن الدابة والخادم اللائقين بحاله ، وما يغرمه في أسفار الطاعات ، كل ذلك على الاقتصاد من غير إسراف ولا إقتار ، فيخمس الزائد عن ذلك.

ولو كان له مال آخر لا خمس فيه ففي احتساب المؤنة منه أو من الكسب أو منهما بالنسبة أوجه ، أحوطها الأول ، وأجودها الثاني.

قوله : ( السادس ، إذا اشترى الذمي أرضا من مسلم وجب فيها الخمس ).

هذا الحكم ذكره الشيخ رحمه‌الله (٣) وأتباعه (٤) ، والمستند فيه ما رواه الشيخ في التهذيب ، عن سعد بن عبد الله ، عن أبي جعفر ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان ، عن أبي عبيدة الحذاء ، قال :

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٧٠.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢ ـ ٨٠ ، الوسائل ٦ : ٣٥٤ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٢ ح ٢.

(٣) النهاية : ١٩٧ ، والمبسوط ١ : ٢٣٧.

(٤) منهم ابن البراج في المهذب ١ : ١٧٧ وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٩ ، وابن حمزة في الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٨٢.

٣٨٥

سواء كانت مما فيه الخمس كالأرض المفتوحة عنوة ، أو ليس‌

______________________________________________________

سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « أيما ذمي اشترى من مسلم أرضا فإن عليه الخمس » (١).

وحكى العلامة في المختلف عن كثير من المتقدمين كابن الجنيد والمفيد وابن أبي عقيل وسلار وأبي الصلاح أنهم لم يذكروا هذا القسم (٢). وظاهرهم سقوط الخمس فيه ، ومال إليه جدي ـ قدس‌سره ـ في فوائد القواعد ، استضعافا للرواية الواردة بذلك. وذكر في الروضة تبعا للعلامة في المختلف أنها من الموثق (٣). وهو غير جيد ، لأن ما أوردناه من السند من أعلى مراتب الصحة ، فالعمل بها متعين ، لكنها خالية من ذكر ( مصرف الخمس ) (٤).

وقال بعض العامة : إن الذمي إذا اشترى أرضا من مسلم وكانت عشرية ضوعف عليه العشر وأخذ منه الخمس (٥). ولعل ذلك هو المراد من النص.

قال في المعتبر : والظاهر أن مراد الأصحاب أرض الزراعة لا المساكن (٦). وهو جيد ، لأنه المتبادر. وجزم الشارح ـ قدس‌سره ـ بتناوله لمطلق الأرض سواء كانت بياضا أو مشغولة بغرس أو بناء ، عملا بالإطلاق (٧). وهو ضعيف.

قوله : ( سواء كانت مما فيه الخمس كالأرض المفتوحة عنوة ، أو

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢٣ ـ ٣٥٥ ، الوسائل ٦ : ٣٥٢ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٩ ح ١.

(٢) المختلف : ٢٠٣.

(٣) الروضة البهية ٢ : ٧٣.

(٤) بدل ما بين القوسين في « ض » ، « م » : متعلق الخمس صريحا ومصرفه.

(٥) كابني قدامة في المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ ، ٥٩٠.

(٦) المعتبر ٢ : ٦٢٤.

(٧) المسالك ١ : ٦٧.

٣٨٦

فيه كالأرض التي أسلم عليها أهلها.

السابع : الحلال إذا اختلط بالحرام ولا يتميز وجب فيه الخمس.

______________________________________________________

ليس فيه كالأرض التي أسلم عليها أهلها ).

الوجه في هذا التعميم إطلاق النص المتقدم. ويتصور بيع الأرض المفتوحة عنوة في مصالح العسكر ومن أرباب الخمس إذا أخذوا منها شيئا على هذا الوجه ، وأما بيعها تبعا لآثار المتصرف كما ذكره جمع من المتأخرين فمشكل ، لعدم دخولها في ملك المتصرف بتلك الآثار قطعا ، ومتى انتفى الملك امتنع تعلق البيع بها كما هو واضح.

قوله : ( السابع ، الحلال إذا اختلط بالحرام وجب فيه الخمس ).

هذا الإطلاق مشكل ، والتفصيل : أن الحلال إذا اختلط بالحرام فإما أن يجهل قدره ومستحقه ، أو يعلم كل منهما ، أو يعلم أحدهما دون الآخر ، فالصور أربع :

الأولى : أن يكون قدر الحرام ومستحقه مجهولين. وقد قطع الشيخ (١) وجماعة بوجوب إخراج الخمس منه وحل الباقي بذلك.

قال في المعتبر : ولعل الحجة فيه (٢) ما رواه الشيخ ، عن الحسن بن زياد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام أتاه رجل فقال : يا أمير المؤمنين إني أصبت مالا لا أعرف حلاله من حرامه فقال : أخرج الخمس من ذلك ، فإن الله تعالى قد رضي من المال بالخمس ، واجتنب ما كان صاحبه يعمل (٣) » (٤).

__________________

(١) النهاية : ١٩٧ ، والمبسوط ١ : ٢٣٦.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٢٤.

(٣) كذا في جميع النسخ والتهذيب ، ولكن في الوسائل : يعلم وهو الأنسب.

(٤) التهذيب ٤ : ١٢٤ ـ ٣٥٨ ، الوسائل ٦ : ٣٥٢ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٠ ح ١.

٣٨٧

______________________________________________________

ومثل ذلك روى محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إنّ رجلا أتى إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : إني اكتسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا وحراما ، وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه من الحرام وقد اختلط عليّ ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : تصدق بخمس مالك ، فإن الله رضي من الأشياء بالخمس ، وسائر المال لك » (١).

وفي الروايتين قصور من حيث السند فيشكل التعلق بهما ، مع أنه ليس في الروايتين دلالة على أن مصرف هذا الخمس مصرف خمس الغنائم ، بل ربما كان في الرواية الثانية إشعار بأن مصرفه مصرف الصدقات.

ومن ثم لم يذكر هذا القسم المفيد ولا ابن الجنيد ولا ابن أبي عقيل. والمطابق للأصول وجوب عزل ما يتيقن انتفاؤه عنه والتفحص عن مالكه إلى أن يحصل اليأس من العلم به فيتصدق به على الفقراء كما في غيره من الأموال المجهولة المالك ، وقد ورد بالتصدق بما هذا شأنه روايات كثيرة (٢) مؤيدة بالإطلاقات المعلومة وأدلة العقل فلا بأس بالعمل بها إن شاء الله.

الثانية : أن يكون القدر والمستحق معلومين ، والحكم في هذه الصورة ظاهر.

الثالثة : أن يعلم المالك خاصة ، ويجب مصالحته ، فإن أبى قال في التذكرة : دفع إليه خمسه ، لأن هذا القدر جعله الله تعالى مطهرا للمال (٣) وهو مشكل ، والاحتياط يقتضي وجوب دفع ما يحصل به يقين البراءة. ولا يبعد الاكتفاء بدفع ما يتيقن انتفاؤه عنه. ولو علم أنه أحد جماعة محصورين وجب التخلص من الجميع بالصلح.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٢٥ ـ ٥ ، الوسائل ٦ : ٣٥٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٠ ح ٤.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٥٢ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ١٠.

(٣) التذكرة ١ : ٢٥٢.

٣٨٨

فروع :

الأول : الخمس يجب في الكنز ، سواء كان الواجد له حرّا أو عبدا ، صغيرا أو كبيرا ، وكذا المعادن والغوص.

______________________________________________________

الرابعة : أن يعلم القدر دون المالك ، والأصح وجوب التصدق به مع اليأس من المالك سواء كان بقدر الخمس أو أزيد منه أو أنقص ، وأوجب العلامة في التذكرة وجماعة في صورة الزيادة إخراج الخمس ثم التصدق بالزائد (١). والاحتياط يقتضي دفع الجميع إلى الأصناف الثلاثة من الهاشميين ، لأن هذه الصدقة لا تحرم عليهم قطعا.

ولو لم يعلم قدره على التعيين لكن علم أنه أقل من الخمس (٢) اقتصر على إخراج ما تتحقق به البراءة ، ويحتمل قويا الاكتفاء بإخراج ما يتيقن انتفاؤه عنه.

ولو تبين المالك بعد إخراج الخمس أو الصدقة قيل : يضمن ، لأنه تصرف بغير إذن المالك (٣). ويحتمل قويا عدمه ، للإذن فيه من الشارع فلا يستعقب الضمان.

قوله : ( فروع ، الأول : الخمس يجب في الكنز ، سواء كان الواجد له حرا أو عبدا ، صغيرا أو كبيرا ، وكذا المعادن والغوص ).

الوجه في ذلك عموم الأخبار المتضمنة لوجوب الخمس في هذه الأنواع فإنها متناولة للجميع كصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن المعادن كم فيها؟ قال : « الخمس » (٤).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٥٣.

(٢) في « ض » ، « ح » زيادة : مثلا.

(٣) قال به الشهيد الأول في البيان : ٢١٨ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٦٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢١ ـ ٧٣ ، التهذيب ٤ : ١٢١ ـ ٣٤٦ ، الوسائل ٦ : ٣٤٢ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٢.

٣٨٩

الثاني : لا يعتبر الحول في شي‌ء من الخمس ، ولكن يؤخّر ما يجب في أرباح التجارات احتياطا للمكتسب.

______________________________________________________

وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « كلما كان ركازا ففيه الخمس » (١).

وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن العنبر وغوص اللؤلؤ ، قال : « عليه الخمس » (٢).

ولا يخفى أن المخاطب بالإخراج هو الولي إذا كان الواجد مولى عليه ، أو المولى إن كان عبدا.

وربما لاح من العبارة اعتبار التكليف والحرية في غير هذه الأنواع الثلاثة ، وهو مشكل على إطلاقه ، فإن مال المملوك لمولاه فيتعلق به خمسه. نعم اعتبار التكليف في الجميع متجه.

قوله : ( الثاني ، لا يعتبر الحول في شي‌ء من الخمس ، ولكن يؤخر ما يجب في أرباح التجارات احتياطا للمكتسب ).

أما عدم اعتبار الحول في غير الأرباح فمجمع عليه بين الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنه قول العلماء كافة إلا من شذ من العامة ، حيث ذهب إلى أن الواجب في المعدن الزكاة لا الخمس (٣).

وأما الأرباح فالمشهور عدم اعتباره فيها بمعنى وجوب الخمس فيما علم زيادته عن مؤنة السنة وجوبا موسعا من حين حصول الربح إلى تمام الحول احتياطا للمكتسب ، لاحتمال زيادة مؤنته بتجدد ولد أو مملوك أو زوجة أو حصول غرامة غير متوقعة أو خسارة في تجارة ونحو ذلك.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢٢ ـ ٣٤٧ ، الوسائل ٦ : ٣٤٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٣.

(٢) الكافي ١ : ٥٤٨ ـ ٢٨ ، التهذيب ٤ : ١٢١ ـ ٣٤٦ ، الوسائل ٦ : ٣٤٧ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٧ ح ١.

(٣) المنتهى ١ : ٥٤٥ ، ٥٤٧.

٣٩٠

الثالث : إذا اختلف المالك والمستأجر في الكنز ، فإن اختلفا في ملكه فالقول قول المؤجر مع يمينه.

______________________________________________________

وربما ظهر من كلام ابن إدريس في سرائره عدم مشروعية الإخراج قبل الحول فإنه قال : المستفاد من الأرباح والمكاسب والزراعات لا يجب فيها شي‌ء بعد حصولها ، بل بعد السنة ، لجواز تجدد الاحتياج (١).

ويدفعه إطلاق الأخبار المتضمنة لثبوت الخمس في هذا النوع من دون اعتبار الحول (٢).

قال الشارح قدس‌سره : وإنما يعتبر الحول بسبب الربح ، فأوله ظهور الربح فيعتبر منه مؤنة السنة المستقبلة ، ولو تجدد ربح آخر في أثناء الحول كانت مؤنة بقية الحول الأول معتبرة منهما ، وله تأخير إخراج خمس الربح الثاني إلى آخر حوله ويختص بمؤنة بقية حوله بعد انقضاء حول الأول وهكذا فإن المراد بالحول هنا ما تجدد بعد الربح لا بحسب اختيار المكتسب (٣). هذا كلامه رحمه‌الله.

وفي استفادة ما ذكره من الأخبار نظر. ولو قيل باعتبار الحول من حين ظهور شي‌ء من الربح ثم احتساب الأرباح الحاصلة بعد ذلك إلى تمام الحول وإخراج الخمس من الفاضل عن مؤنة ذلك الحول كان حسنا.

قوله : ( الثالث ، إذا اختلف المالك والمستأجر في الكنز ، فإن اختلفا في ملكه فالقول قول المؤجر مع يمينه ).

ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من أن القول قول المؤجر مع يمينه أحد القولين في المسألة. واستدل عليه في المعتبر بأن دار المالك كيده فكان القول قوله (٤).

__________________

(١) السرائر : ١١٣.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٤٨ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨.

(٣) المسالك ١ : ٦٨.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٢١.

٣٩١

وإن اختلفا في قدره فالقول قول المستأجر.

الرابع : الخمس يجب بعد المؤنة التي يفتقر إليها إخراج الكنز والمعدن ، من حفر وسبك وغيره.

______________________________________________________

وقال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في الخلاف : القول قول المستأجر (١). واستقربه العلامة في المختلف ، واحتج عليه بأن يد المستأجر عليه فكان القول قوله ، وبأن المالك يدعي خلاف الظاهر فإن الظاهر أن المالك لا يكري دارا فيها دفين ، فإن فعل كان نادرا فكان القول قول مدعي الظاهر مع يمينه (٢). ويعضده أصالة عدم تقدم وضع الكنز على الإجارة. وموضع الخلاف ما إذا انتفت القرائن الدالة على أحد الأمرين ، وإلا وجب العمل بمقتضاها إذا أفادت العلم من غير يمين.

قوله : ( ولو اختلفا في قدره فالقول قول المستأجر ).

هذا إنما يتم إذا كان المستأجر منكرا للزيادة ، ولو انعكس الحال كان القول قول المؤجر. والضابط تقديم قول من نسب إلى الخيانة بيمينه.

قوله : ( الرابع ، الخمس يجب بعد المؤنة التي يفتقر إليها إخراج الكنز والمعدن ، من حفر وسبك وغيره ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدل عليه في المنتهى بأن المؤنة وصلة إلى تحصيل ذلك وطريق إلى تناوله فكانت من الجميع كالشريكين (٣). ولا يخلو من نظر.

ثم إن قلنا بالاستثناء فهل يعتبر النصاب بعد المؤنة أم قبلها فيخرج منه ما بقي بعد المؤنة؟ وجهان ، أظهرهما الثاني.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٥٨.

(٢) المختلف : ٢٠٤.

(٣) المنتهى ١ : ٥٤٩.

٣٩٢

الفصل الثّاني : في قسمته

يقسم ستة أقسام :

ثلاثة للنبي عليه‌السلام ، وهي : سهم الله ، وسهم رسوله ، وسهم ذي القربى ، وهو الإمام ، وبعده للإمام القائم مقامه.

وما كان قبضه النبي أو الإمام ينتقل إلى وارثه.

وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناء السبيل ، وقيل : بل يقسّم خمسة أقسام ، والأول أشهر.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثاني ، في قسمته ، يقسم ستة أقسام : ثلاثة للنبي عليه‌السلام ، وهي سهم الله ، وسهم رسوله ، وسهم ذي القربى وهو الإمام ، وبعده للإمام القائم مقامه ، وما كان قبضه النبي أو الإمام ينتقل إلى وارثه ، وثلاثة للأيتام ، والمساكين وأبناء السبيل. وقيل : بل يقسم خمسة أقسام ، والأول أشهر ).

البحث في هذه المسألة يقع في مقامين :

أحدهما : في كمية القسمة ، وقد اختلف فيها كلام الأصحاب وغيرهم ، فذهب أكثر علمائنا إلى أنه يقسم ستة أقسام كما ذكره المصنف (١) ، ثلاثة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى ، وبعده للإمام القائم مقامه ، والثلاثة الأخر ـ وهي النصف ـ لليتامى والمساكين وابن السبيل.

وحكى المصنف (٢) والعلامة (٣) عن بعض الأصحاب قولا بأنه يقسم خمسة أقسام : سهم الله لرسوله ، وسهم ذي القربى لهم ، والثلاثة الباقية‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٢٧.

(٢) الشرائع ١ : ١٨٢.

(٣) المنتهى ١ : ٥٥٠ ، والتذكرة ١ : ٢٥٣.

٣٩٣

______________________________________________________

لليتامى والمساكين وأبناء السبيل. وإلى هذا القول ذهب أكثر العامة واختلفوا في سهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وفاته ، فقال قوم : إنه يصرف في المصالح كبناء القناطر وعمارة المساجد ونحو ذلك ، وقال آخرون : إنه يسقط بموته عليه‌السلام ، وقال بعضهم : إنه يكون لولي الأمر بعده (١).

احتج القائلون (٢) بأنه يقسّم ستة أقسام بقوله تعالى ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (٣) فإن اللام للملك والاختصاص ، والعطف بالواو يقتضي التشريك ، فيجب صرفه في الأصناف الستة.

وما رواه الشيخ في الموثق ، عن عبد الله بن بكير ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما : في قول الله عزّ وجلّ ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) قال : « خمس الله عزّ وجلّ للإمام ، وخمس الرسول للإمام ، وخمس ذوي القربى لقرابة الرسول الإمام ، واليتامى يتامى آل الرسول والمساكين منهم وأبناء السبيل منهم ، فلا يخرج منهم إلى غيرهم » (٤).

وعن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، قال : حدثنا بعض أصحابنا رفع الحديث ، قال : « الخمس من خمسة أشياء : الكنز والمعادن والغوص والمغنم الذي يقاتل عليه » إلى أن قال : « فأما الخمس فيقسم على ستة أسهم : سهم لله تعالى ، وسهم للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسهم لذوي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لأبناء السبيل ، فالذي لله فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحق به فهو له ، والذي‌

__________________

(١) كالفخر الرازي في التفسير الكبير ١٥ : ١٦٥.

(٢) كالعلامة في المنتهى ١ : ٥٥٠.

(٣) الأنفال : ٤١.

(٤) التهذيب ٤ : ١٢٥ ـ ٣٦١ ، الوسائل ٦ : ٣٥٦ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٢.

٣٩٤

______________________________________________________

للرسول هو لذي القربى والحجة في زمانه فالنصف له خاصة ، والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد عليهم‌السلام الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة ، عوّضهم الله تعالى مكان ذلك بالخمس ، فهو يعطيهم على قدر كفايتهم ، فإن فضل شي‌ء فهو له ، فإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمه لهم من عنده ، كما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان » (١).

وعن علي بن الحسن بن فضال ، قال : حدثني علي بن يعقوب أبو الحسن البغدادي (٢) ، عن الحسن بن إسماعيل بن صالح الصيمري (٣) قال حدثني الحسن بن راشد ، قال حدثني حماد بن عيسى ، قال : روى لي بعض أصحابنا ذكره عن العبد الصالح أبي الحسن الأول عليه‌السلام ، قال : « الخمس من خمسة أشياء ، من الغنائم ، ومن الغوص والكنوز ، ومن المعادن والملاحة ». وفي رواية ليونس « العنبر » أصبتها في بعض كتبه ـ هذا الحرف وحده العنبر ـ ولم أسمعه « ويؤخذ من كل هذه الصنوف الخمس فيجعل لمن جعله الله له ، ويقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليه وولي ذلك ، ويقسم بينهم الخمس على ستة أسهم ، سهم لله ، وسهم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسهم لذي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لأبناء السبيل ، فسهم الله وسهم رسوله لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسهم الله وسهم رسوله لولي الأمر بعد رسول الله وراثة ، له ثلاثة أسهم سهمان وراثة وسهم مقسوم له من الله ، فله نصف الخمس كملا ، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته ، سهم لأيتامهم ، وسهم لمساكينهم ، وسهم لأبناء سبيلهم ، يقسم بينهم على الكفاف والسعة ما يستعينون به في سنتهم ، فإن فضل عنهم شي‌ء يستغنون عنه فهو للولي ، وإن عجز أو نقص‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢٦ ـ ٣٦٤ ، الوسائل ٦ : ٣٥٩ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٩.

(٢) في التهذيب والوسائل : علي بن يعقوب عن أبي الحسن البغدادي.

(٣) في النسخ : الضمري.

٣٩٥

______________________________________________________

عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به ، وإنما صار عليه أن يمونهم لأن له ما فضل عنهم » (١).

احتج القائل بأنه يقسم خمسة أقسام بالآية الشريفة ، قالوا : ومعنى‌ قوله ( فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ) أن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسه ، كقوله تعالى ( وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ) (٢). وقال بعضهم : الافتتاح بذكر اسم الله تعالى على جهة التيمن والتبرك لأن الأشياء كلها له عزّ وجلّ (٣). وذكر بعضهم أن معنى الآية أن من حق الخمس أن يكون متقربا به إلى الله عزّ وجلّ لا غير. وأن قوله عزّ وجلّ ( وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ). (٤) من قبيل التخصيص بعد التعميم تفضيلا لهذه الوجوه على غيرها كقوله ( وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ ) (٥) (٦) وإلى هذا المعنى ذهب القائلون بأن خمس الغنيمة مفوض إلى اجتهاد الإمام عليه‌السلام يصرفه فيمن شاء من هذه الأصناف وغيرهم.

ويدل على هذا القول أيضا ـ أعني كونه يقسم خمسة أقسام ـ من طريق الأصحاب ما رواه الشيخ ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له ، ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه ، ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ، ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله عزّ وجلّ‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢٨ ـ ٣٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٥٦ ـ ١٨٥ ، الوسائل ٦ : ٣٥٨ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٨.

(٢) التوبة : ٦٢.

(٣) منهم الفخر الرازي في التفسير الكبير ١٥ : ١٦٦ ، وابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٧ : ٣٠١.

(٤) الأنفال : ٤١.

(٥) البقرة : ٩٨.

(٦) حكاه عن الزمخشري في البحر المحيط ٤ : ٤٩٧.

٣٩٦

______________________________________________________

لنفسه ، ثم يقسم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل يعطي كل واحد منهم جميعا ، وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١).

وهذه الرواية أصح ما بلغنا في هذا الباب ، ومقتضاها أن للإمام عليه‌السلام خمس الخمس خاصة والباقي لبقية الأصناف.

وأجاب عنها الشيخ في الاستبصار بأنها إنما تضمنت حكاية فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجاز أن يكون عليه‌السلام أخذ دون حقه توفيرا للباقي على المستحقين (٢). وهو بعيد جدا ، لأن قوله عليه‌السلام : « وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » يأبى ذلك.

الثاني : في كيفية القسمة ، والمشهور بين الأصحاب أن للإمام النصف سهم الله تعالى وسهم رسوله بالوارثة ، وسهم ذي القربى بالأصالة ، والنصف الآخر لليتامى والمساكين وابن السبيل ، ويدل عليه المراسيل الثلاثة المتقدمة.

واستدل المصنف في المعتبر أيضا على اختصاص سهم ذي القربى بالإمام عليه‌السلام بأن قوله تعالى ( وَلِذِي الْقُرْبى ) (٣) لفظ مفرد فلا يتناول أكثر من الواحد فينصرف إلى الإمام عليه‌السلام ، لأن القول بأن المراد واحد مع أنه غير الإمام منفي بالإجماع ، ثم قال ، لا يقال : أراد الجنس كما قال وابن السبيل ، لأنا نقول : تنزيل اللفظ الموضوع للواحد على الجنس مجاز وحقيقته إرادة الواحد فلا يعدل عن الحقيقة ، وليس كذلك قوله : وابن السبيل ، لأن إرادة الواحد هنا إخلال بمعنى اللفظ ، إذ ليس هناك واحد‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢٨ ـ ٣٦٥ ، الإستبصار ٢ : ٥٦ ـ ١٨٦ ، الوسائل ٦ : ٣٥٦ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٣.

(٢) الإستبصار ٢ : ٥٧.

(٣) الأنفال : ٤١.

٣٩٧

______________________________________________________

متعين يمكن حمل اللفظ عليه (١).

ويتوجه عليه أن لفظ ذي القربى صالح للجنس وغيره ، بل المتبادر منه في هذا المقام الجنس كما في قوله تعالى ( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) ـ ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى ) (٢) وغير ذلك من الآيات الكثيرة فيجب الحمل عليه إلى أن يثبت المقتضي للعدول عنه ، ومع ذلك فإرادة الواحد من هذا اللفظ هنا تتوقف على قيام الحجة بذلك ، أما بدونه فيكون ممتنعا كما في ابن السبيل.

ونقل السيد المرتضى عن بعض علمائنا أن سهم ذي القربى لا يختص بالإمام عليه‌السلام ، بل هو لجميع قرابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بني هاشم (٣). قال في المختلف (٤) : ورواه ابن بابويه في كتاب المقنع وكتاب من لا يحضره الفقيه ، وهو اختيار ابن الجنيد.

ويدل عليه مضافا إلى إطلاق الآية الشريفة قوله عليه‌السلام في صحيحة ربعي المتقدمة : « ثم يقسم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل ».

وما رواه ابن بابويه عن زكريا بن مالك الجعفي : إنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) فقال : « أما خمس الله عزّ وجلّ فللرسول يضعه في سبيل الله ، وأما خمس الرسول فلأقاربه ، وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه ، واليتامى يتامى أهل بيته ، فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم ، وأما المساكين وأبناء السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل الصدقة‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٢٩.

(٢) الاسراء : ٢٦ ، النحل : ٩٠.

(٣) الانتصار : ٨٧.

(٤) المختلف : ٢٠٤.

٣٩٨

ويعتبر في الطوائف الثلاث انتسابهم إلى عبد المطلب بالأبوّة ، فلو انتسبوا بالأم خاصة لم يعطوا من الخمس شيئا على الأظهر.

______________________________________________________

ولا تحل لنا فهي للمساكين وأبناء السبيل ».

وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة السند بجهالة الراوي إلا أن ما تضمنته من إطلاق ذي القربى مطابق لظاهر التنزيل.

واعلم أن الآية الشريفة إنما تضمنت ذكر مصرف الغنائم خاصة إلا أن الأصحاب قاطعون بتساوي الأنواع في المصرف.

واستدل عليه في المعتبر بأن ذلك غنيمة فيدخل تحت عموم الآية ويتوجه عليه ما سبق (٢).

وربما لاح من بعض الروايات اختصاص بعض خمس الأرباح بالإمام عليه‌السلام (٣). ومقتضى رواية أحمد بن محمد المتقدمة (٤) أن الخمس من الأنواع الخمسة يقسم على الستة الأسهم ، لكنها ضعيفة بالإرسال. والمسألة قوية الإشكال. والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.

قوله : ( ويعتبر في الطوائف الثلاث انتسابهم إلى عبد المطلب بالأبوّة ، فلو انتسبوا بالأم خاصة لم يعطوا من الخمس شيئا على الأظهر ).

الخلاف في هذه المسألة وقع في موضعين :

أحدهما : إنه يعتبر في الطوائف الثلاث ـ أعني اليتامى والمساكين وأبناء السبيل ـ الانتساب إلى عبد المطلب جد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو قول‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٢ ـ ٧٩ ، المقنع : ٥٣ ، الوسائل ٦ : ٣٥٥ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٣٢.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٥٥ أبواب قسمة الخمس ب ١.

(٤) في ص ٣٩٤.

٣٩٩

______________________________________________________

معظم الأصحاب ، وقد تقدم من الأخبار ما يدل عليه.

واستدل عليه في المعتبر أيضا بأن الخمس عوض الزكاة فيختص به من يمنع منها ، وبأن اهتمام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخير بني هاشم أتم من اهتمامه بغيرهم فلو شارك غيرهم لكان اهتمامه بذلك الغير أتم ، لانفراده بالزكاة ومشاركته بالخمس ، وبأن بني هاشم أشرف الأمة والخمس أرفع درجة من الزكاة فيختص به القبيل الأشرف ، وكما لا يشارك الهاشمي غيره في الزكاة يجب أن لا يشاركه غيره في الخمس (١).

ولا يخفى أن هذه الوجوه إنما تصلح توجيهات للنص الدال على الاختصاص ، لا أدلة مستقلة على الحكم.

وقال ابن الجنيد : وأما سهام اليتامى والمساكين وابن السبيل وهي نصف الخمس فلأهل هذه الصفات من ذوي القربى وغيرهم من المسلمين إذا استغنى عنها ذوو القربى (٢).

والظاهر أن هذا القيد على سبيل الأفضلية عنده ، لا على سبيل التعيين.

ويدل على ما ذكره إطلاق الآية الشريفة (٣) ، وصحيحة ربعي المتقدمة (٤) ، وغيرها من الأخبار (٥).

وأجاب عنه في المختلف بأن العام هنا مخصوص بالإجماع بالإيمان فيكون مخصوصا بالقرابة لما تقدم (٦). وهو جيد لو كان النص المتضمن‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٣٠.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٢٠٥.

(٣) الأنفال : ٤١.

(٤) في ص : ٣٩٦.

(٥) الوسائل ٦ : ٣٥٥ أبواب قسمة الخمس ب ١.

(٦) المختلف : ٢٠٥.

٤٠٠