مدارك الأحكام - ج ٥

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

الثاني : المعادن ، سواء كانت منطبعة كالذهب والفضة‌

______________________________________________________

الأخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل يعطي كل واحد منهم جميعا ، وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١).

ونبه المصنف ـ رحمه‌الله ـ بالتسوية بين القليل والكثير على خلاف المفيد ـ رحمه‌الله ـ في المسائل الغرية حيث اعتبر في الغنيمة بلوغ عشرين دينارا (٢). وهو مدفوع بالعمومات السالمة من المخصص.

وفي حكم غنيمة دار الحرب غنيمة مال البغاة التي حواها العسكر عند الأكثر ، ومنهم المصنف (٣) ، فكان عليه أن يذكرها أيضا.

أما ما يسرق من أموال أهل الحرب أو يؤخذ غيلة ، فقد صرح الشهيد في الدروس بأنه لآخذه ولا يجب فيه الخمس ، لأنه لا يسمى غنيمة (٤). وربما قيل بالوجوب (٥) ، ويدل عليه فحوى ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « خذ مال الناصب حيث ما وجدته ، وادفع إلينا الخمس » (٦).

وعن أبي بكر الحضرمي ، عن المعلى ، قال : « خذ مال الناصب حيث ما وجدته ، وابعث إلينا الخمس » (٧).

قوله : ( الثاني ، المعادن ، سواء كانت منطبعة كالذهب والفضة‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢٨ ـ ٣٦٥ ، الإستبصار ٢ : ٥٦ ـ ١٨٦ ، الوسائل ٦ : ٣٥٦ أبواب قسمة الخمس ب ١ ح ٣.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٢٠٣.

(٣) الشرائع ١ : ١٧٩.

(٤) الدروس : ٦٧.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٣٤٤.

(٦) التهذيب ٤ : ١٢٢ ـ ٣٥٠ ، الوسائل ٦ : ٣٤٠ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٢ ح ٦.

(٧) التهذيب ٤ : ١٢٣ ـ ٣٥١ ، الوسائل ٦ : ٣٤٠ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٢ ح ٧.

٣٦١

والرصاص ، أو غير منطبعة كالياقوت والزبرجد والكحل ، أو مائعة كالقير والنفط والكبريت.

______________________________________________________

والرصاص ، أو غير منطبعة كالياقوت والزبرجد والكحل ، أو مائعة كالقير والنفط والكبريت ).

أجمع الأصحاب على وجوب الخمس في هذا النوع. والمستند فيه الأخبار المستفيضة ، كصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المعادن كم فيها؟ قال : « الخمس » (١).

وصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن معادن الذهب والفضة والحديد والرصاص ، فقال : « عليها الخمس جميعا » (٢)

وصحيحة عبيد الله الحلبي : إنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكنز كم يجب فيه؟ قال : « الخمس » وعن المعادن كم فيها؟ قال : « الخمس » وعن الرصاص والصفر والحديد وما كان من المعادن كم فيها؟ قال : « يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب والفضة » (٣).

وصحيحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الملاحة ، فقال : « وما الملاحة؟ » فقلت : أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحا. فقال : « هذا المعدن ، فيه الخمس » فقلت : فالكبريت والنفط يخرج من الأرض؟ فقال : « هذا وأشباهه فيه الخمس » (٤) كذا في‌

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٤٦ ـ ١٩ ، الفقيه ٢ : ٢١ ـ ٧٣ ، التهذيب ٤ : ١٢١ ـ ٣٤٦ ، الوسائل ٦ : ٣٤٢ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٢.

(٢) الكافي ١ : ٥٤٤ ـ ٨ ، التهذيب ٤ : ١٢١ ـ ٣٤٥ ، الوسائل ٦ : ٣٤٢ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ١.

(٣) الكافي ١ : ٥٤٦ ـ ١٩ ، الفقيه ٢ : ٢١ ـ ٧٣ ، التهذيب ٤ : ١٢١ ـ ٣٤٦ ، الوسائل ٦ : ٣٤٢ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ١٢٢ ـ ٣٤٩ ، المقنع : ٥٣ ، الوسائل ٦ : ٣٤٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٤.

٣٦٢

______________________________________________________

التهذيب. وفي من لا يحضره الفقيه أورد الرواية بعينها إلا أنه قال بعد قوله فيصير ملحا : فقال : « هذا مثل المعدن ، فيه الخمس » (١).

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « ليس الخمس إلا في الغنائم » (٢).

لأنا نجيب عنه بالحمل على أن المراد : ليس الخمس بظاهر القرآن إلا في الغنائم ، لأن الخمس في غيرها إنما ثبت بالسنة ، كما ذكره الشيخ في التهذيب (٣) ، أو بالتزام اندراج الجميع في اسم الغنيمة ، لأنها اسم للفائدة فتتناول الجميع.

والمعادن : جمع معدن كمجلس ، وهو منبت الجوهر من ذهب ونحوه ، سمي بذلك لإقامة أهله فيه دائما ، أو لإنبات (٤) الله تعالى إياه فيه. قاله في القاموس (٥).

وقال ابن الأثير في النهاية : المعدن كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة (٦).

وقال العلامة في التذكرة : المعادن كلما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة ، سواء كان منطبعا بانفراده ، كالرصاص والصفر والنحاس والحديد ، أو مع غيره كالزئبق ، أو لم يكن منطبعا ، كالياقوت‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢١ ـ ٧٦.

(٢) التهذيب ٤ : ١٢٤ ـ ٣٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٥٦ ـ ١٨٤ ، الوسائل ٦ : ٣٣٨ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٢ ح ١.

(٣) التهذيب : ١٢٤.

(٤) في بعض النسخ : لإثبات.

(٥) القاموس المحيط ٤ : ٢٤٨.

(٦) النهاية لابن الأثير ٣ : ١٩٢.

٣٦٣

ويجب فيه الخمس بعد المؤنة ، وقيل : لا يجب حتى يبلغ عشرين دينارا ، وهو المروي.

______________________________________________________

والفيروزج والبلخش (١) والعقيق والبلور والسبج (٢) والكحل والزاج والزرنيخ والمغرة (٣) والملح أو كان مائعا ، كالقير والنفط والكبريت عند علمائنا أجمع (٤). ونحوه قال في المنتهى (٥).

وقد يحصل التوقف في مثل المغرة ونحوها ، للشك في إطلاق اسم المعدن عليها على سبيل الحقيقة ، وانتفاء ما يدل على وجوب الخمس فيها على الخصوص. وجزم الشهيدان بأنه يندرج في المعادن المغرة والجصّ والنورة وطين الغسل وحجارة الرحى (٦). وفي الكل توقف.

قوله : ( ويجب فيه الخمس بعد المؤنة ، وقيل : لا يجب حتى يبلغ عشرين دينارا ، وهو المروي ، والأول أكثر ).

اختلف الأصحاب في اعتبار النصاب في المعادن ، وفي قدره. فقال الشيخ في الخلاف : يجب الخمس في المعادن ولا يراعى فيها نصاب (٧). وبه قطع ابن إدريس في سرائره فقال : إجماع الأصحاب منعقد على وجوب إخراج الخمس من المعادن على اختلاف أجناسها ، قليلا كان أو كثيرا ، ذهبا أو فضة ، من غير اعتبار مقدار (٨). وهو اختيار ابن الجنيد (٩) ، والسيد‌

__________________

(١) البلخش : لعل ، ضرب من الياقوت ـ ملحقات لسان العرب : ٦٨.

(٢) السبج : الخرز الأسود ـ راجع الصحاح ١ : ٣٢١.

(٣) المغرة : الطين الأحمر ـ مختار الصحاح : ٦٢٩.

(٤) التذكرة ١ : ٢٥١.

(٥) المنتهى ١ : ٥٤٤.

(٦) الشهيد الأول في الدروس : ٦٨ ، والشهيد الثاني في الروضة البهية ٢ : ٦٦ ، والمسالك ١ : ٦٦.

(٧) الخلاف ١ : ٣٥٦.

(٨) السرائر : ١١٣.

(٩) حكاه في المختلف : ٢٠٣.

٣٦٤

______________________________________________________

المرتضى (١) ، وابن أبي عقيل (٢) ، وابن زهرة (٣) ، وسلار (٤) ، وغيرهم.

وقال أبو الصلاح : يعتبر بلوغ قيمته دينارا واحدا (٥) ، ورواه ابن بابويه ـ مرسلا ـ في المقنع ، ومن لا يحضره الفقيه (٦).

وقال الشيخ في النهاية والمبسوط : لا يجب فيها شي‌ء حتى تبلغ عشرين دينارا (٧) (٨). وإليه ذهب عامة المتأخرين. وهو المعتمد.

لنا : ما رواه الشيخ ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عما أخرج من المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي‌ء؟ قال : « ليس فيه شي‌ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا » (٩) وهي مع صحة سندها نصّ في المطلوب.

احتج القائلون بعدم اعتبار النصاب بإطلاق النصوص المتضمنة لوجوب الخمس في المعادن من غير تفصيل ، وإجماع الأصحاب على وجوب إخراج الخمس من المعادن من غير اعتبار مقدار (١٠).

__________________

(١) الانتصار : ٨٦ ، ورسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٢٦.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٢٠٣.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٩.

(٤) المراسم : ١٣٩.

(٥) الكافي في الفقه : ١٧٠.

(٦) الفقيه ٢ : ٢١ ـ ٧٢ ، المقنع : ٥٣ ، الوسائل ٦ : ٣٤٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٥ ، وأورده في النهاية : ٤٣.

(٧) النهاية : ١٩٧ ، والمبسوط ١ : ٢٣٧.

(٨) في « ح » زيادة : واختاره العلامة.

(٩) التهذيب ٤ : ١٣٨ ـ ٣٩١ ، الوسائل ٦ : ٣٤٤ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٤ ح ١.

(١٠) منهم الشيخ في الخلاف ١ : ٣٥٦ ، وابن إدريس في السرائر : ١١٣.

٣٦٥

______________________________________________________

والجواب أن الإطلاق مقيد بما ذكرناه من الدليل.

قال في المنتهى : ودعوى الإجماع في موضع الخلاف ظاهرة البطلان (١).

احتج أبو الصلاح (٢) بما رواه الشيخ ، عن سعد ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن أحمد بن أبي نصر ، عن محمد بن علي بن أبي عبد الله ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضة هل فيه زكاة؟ فقال : « إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس » (٣). وقد روى ذلك ابن بابويه مرسلا عن الكاظم عليه‌السلام (٤).

والجواب أولا : بالطعن في السند بجهالة الراوي ، مع أن الراوي عنه ـ وهو ابن أبي نصر ـ روى عن الرضا عليه‌السلام اعتبار العشرين دينارا بغير واسطة. وثانيا : بالحمل على الاستحباب جمعا بين الأدلة.

وأجاب عنه الشيخ في التهذيب بأنه إنما يتناول حكم ما يخرج من البحر لا المعادن (٥). وهو بعيد جدا.

وقال في المنتهى : إن دلالة حديثنا على ما اعتبرناه من النصاب أقوى من دلالة هذه الرواية ، وأيضا : فحديثنا يتناول المعادن وهو لفظ عام ، وحديثكم يتناول معادن الذهب والفضة خاصة ، وإذا احتمل كان الاستدلال بحديثنا أولى ، على أن حديثنا معتضد بالأصل وهو براءة الذمة ونفي الضرر (٦).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٤٩.

(٢) حكاه عنه في المنتهى ١ : ٥٤٩.

(٣) التهذيب ٤ : ١٣٩ ـ ٣٩٢ ، الوسائل ٦ : ٣٤٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٢١ ـ ٧٢.

(٥) التهذيب ٤ : ١٣٩.

(٦) المنتهى ١ : ٥٤٩.

٣٦٦

______________________________________________________

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : لا يعتبر في النصاب الإخراج دفعة ، بل لو أخرج المعدن في دفعات متعددة ضم بعضه إلى بعض واعتبر النصاب من المجموع وإن تخلل بين المرتين الإعراض ، لعموم النص.

وقال العلامة في المنتهى : يعتبر النصاب فيما أخرج دفعة أو دفعات لا يترك العمل بينها ترك إهمال ، فلو أخرج دون النصاب وترك العمل مهملا له ، ثم أخرج دون النصاب وكملا نصابا لم يجب عليه شي‌ء. ولو بلغ أحدهما نصابا أخرج خمسه ولا شي‌ء عليه في الآخر. أما لو ترك العمل لا مهملا بل للاستراحة ـ مثلا ـ أو لإصلاح آلة أو طلب أكل وما أشبهه ، فالأقرب وجوب الخمس إذا بلغ المنضم النصاب ، ثم يخرج من الزائد مطلقا ما لم يتركه مهملا ، وكذا لو اشتغل بالعمل فخرج بين المعدن تراب أو شبهه (١). هذا كلامه رحمه‌الله ، ولم أقف على دليل يدل على اعتبار هذا الشرط ، فكان منفيا بالأصل والعمومات المتضمنة لوجوب الخمس في هذا النوع.

ولا يشترط في الضم اتحاد المعدن في النوع. وحكى العلامة في المنتهى عن بعض العامة قولا بعدم الضم مع الاختلاف مطلقا ، وعن آخرين عدم الضم في الذهب والفضة خاصة حملا على الزكاة (٢).

الثاني : لو اشترك جماعة في استخراج المعدن اشترط بلوغ نصيب كل واحد النصاب ، وتتحقق الشركة بالاجتماع على الحفر والحيازة. ولو اختص أحدهم بالحيازة والآخر بالنقل وثالث بالسبك ، فإن نوى الحيازة لنفسه كان الجميع له وعليه أجرة الناقل والسابك ، وإن نوى الشركة كان بينهم أثلاثا ،

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٤٩.

(٢) المنتهى ١ : ٥٤٩.

٣٦٧

الثالث : الكنوز ، وهو كل مال مذخور تحت الأرض ، فإن بلغ عشرين دينارا وكان في أرض دار الحرب أو دار الإسلام وليس عليه أثره وجب الخمس. ولو وجده في ملك مبتاع عرّفه البائع. فإن عرفه فهو أحق به.

وإن جهله فهو للمشتري وعليه الخمس.

______________________________________________________

ويرجع كل واحد منهم على الآخرين بثلث عمله بناء على أن نية الحائز تؤثر في ملك غيره.

الثالث : قال الشيخ رحمه‌الله : يمنع الذمي من العمل في المعدن لنفسه ، فإن خالف وأخرج شيئا منه ملكه وأخرج خمسه (١). ولم أقف على دليل يدل على منع الذمي من ذلك.

الرابع : المعدن إن كان في ملك ملكه صاحب الملك ، فيصرف الخمس لأربابه والباقي له ، ولا شي‌ء للمخرج ، ولا تعد هذه مؤنة بالنسبة إلى المالك. وإن كان في أرض مباحة فهو لمخرجه وعليه الخمس.

الخامس : لو أخرج خمس تراب المعدن لم يجزئه ، لجواز اختلافه في الجوهر. ولو علم الساوي جاز.

السادس : لو لم يخرج من المعدن حتى عمله دراهم أو دنانير أو حليا ، اعتبر في الأصل نصاب المعدن ، ويتعلق بالزائد حكم المكاسب.

قوله : ( الثالث ، الكنوز : وهو كل مال مذخور تحت الأرض ، فإن بلغ عشرين دينارا وكان في أرض الحرب أو دار الإسلام وليس عليه أثره وجب الخمس ، ولو وجده في ملك مبتاع عرّفه البائع ، فإن عرفه فهو أحق به ، وإن جهله فهو للمشتري وعليه الخمس ).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٥٧.

٣٦٨

______________________________________________________

الكنز لغة : المال‌ المدفون (١) ، وعرفه المصنف بأنه المال المذخور تحت الأرض ، وهو قريب من المعنى اللغوي.

وقد أجمع العلماء كافة على وجوب الخمس في الكنوز. والأصل فيه من طريق الأصحاب ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العنبر وغوص اللؤلؤ ، فقال : « عليه الخمس » قال : وسألته عن الكنز كم فيه؟ قال : « الخمس » وعن المعادن كم فيها؟ قال : « الخمس » (٢).

وفي الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن المعادن كم فيها؟ فقال : « كل ما كان ركازا ففيه الخمس » (٣).

والركاز : ما ركزه الله في المعادن أي أحدثه ، ودفين أهل الجاهلية ، وقطع الذهب والفضة من المعدن ، قاله في القاموس (٤).

وقد نصّ الأصحاب على أن الخمس إنما يجب في الكنز إذا بلغ النصاب. ويدل عليه ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز ، فقال : « ما تجب الزكاة في مثله ففيه الخمس » (٥).

ومقتضى الرواية تعلق الخمس به إذا بلغ نصاب أحد النقدين ، إلا أن المصنف وجماعة اقتصروا على ذكر نصاب الذهب.

__________________

(١) الصحاح ٣ : ٨٩٣.

(٢) التهذيب ٤ : ١٢١ ـ ٣٤٦ ، الوسائل ٦ : ٣٤٧ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٧ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ١٢٢ ـ ٣٤٧ ، الوسائل ٦ : ٣٤٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٣.

(٤) القاموس المحيط ٢ : ١٨٣.

(٥) الفقيه ٢ : ٢١ ـ ٧٥ ، الوسائل ٦ : ٣٤٥ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٥ ح ٢.

٣٦٩

______________________________________________________

وبما ذكرناه صرح العلامة في المنتهى ، فقال : هذا المقدار المعين وهو العشرون مثقالا معتبر في الذهب ، والفضة يعتبر فيها مائتا درهم ، وما عداهما يعتبر فيه قيمته بأحدهما. ثم قال في المنتهى : وليس للركاز نصاب آخر ، بل لا يجب الخمس فيه إلا أن يكون عشرين مثقالا ، فإذا بلغها وجب الخمس فيه وفيما زاد ، قليلا كان أو كثيرا (١).

ويشكل بأن مقتضى رواية ابن أبي نصر مساواة الخمس للزكاة في اعتبار النصاب الثاني كالأول ، إلا أني لا أعلم بذلك مصرحا.

واعلم أن الكنز إما أن يوجد في دار الحرب ، أو في دار الإسلام ، وعلى التقدير الثاني. فإما أن يوجد في أرض مباحة كالموات وما باد أهله ، أو مملوكة للواجد ، أو لغيره ، فالصور أربع :

الأولى : أن يكون في دار الحرب. وقد قطع الأصحاب بأنه لواجده ، سواء كان عليه أثر الإسلام ، وهو اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أحد ولاة الإسلام ، أم لا ، وعليه الخمس.

أما وجوب الخمس ، فلما تقدم. وأما أنه لواجده ، فلأن الأصل في الأشياء الإباحة ، والتصرف في مال الغير إنما ثبت تحريمه إذا ثبت كون المال لمحترم ، أو تعلق به نهي خصوصا أو عموما ، والكل هنا منتف. وتؤيده صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الورق توجد في دار ، فقال : « إن كانت الدار معمورة فيها أهلها فهي لأهلها ، وإن كانت خربة فأنت أحق بما وجدت » (٢).

الثانية : أن يكون في أرض مباحة من دار الإسلام. والأصح أنه كالأول ، كما هو ظاهر اختيار المصنف في كتاب اللقطة من هذا الكتاب (٣) ،

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٤٩.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٠ ـ ١١٦٥ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٤ أبواب اللقطة ب ٥ ح ٢.

(٣) الشرائع ٣ : ٢٩٣.

٣٧٠

______________________________________________________

وإليه ذهب الشيخ في جملة من كتبه (١) ، وابن إدريس (٢) ، وجماعة ، لعين ما ذكرناه سابقا من الدليل.

وقال الشيخ في المبسوط : إن كان عليه أثر الإسلام فهو لقطة ، وإن لم يكن عليه أثر الإسلام ملكه وأخرج خمسه (٣). واختاره المصنف ، وأكثر المتأخرين.

واستدلوا على القسم الثاني بنحو ما ذكرناه ، وعلى القسم الأول بأن ما عليه أثر الإسلام يصدق عليه أنه مال ضائع عليه أثر ملك إنسان ووجد في دار الإسلام ، فيكون لقطة كغيره ، وبأن أثر الإسلام يدل على سبق يد مسلم والأصل بقاء ملكه ، وبما رواه الشيخ ، عن محمد بن قيس ، عن الباقر عليه‌السلام ، قال : « قضى علي عليه‌السلام في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرّفها ، فإن وجد من يعرفها وإلا تمتع بها » (٤).

ويتوجه على الأول : المنع من إطلاق اسم اللقطة على المال المكنوز ، إذ المتبادر من معناها أنها المال الضائع على غير هذا الوجه ، على أن اللازم من ذلك عدم الفرق بين ما عليه أثر الإسلام وغيره ، وهم لا يقولون به.

وعلى الثاني : أن وجود أثر الإسلام على المال المكنوز لا يقتضي جريان ملك المسلم عليه ، إذ يمكن صدور الأثر من غير المسلم ، كما اعترف به الأصحاب في القسم الأول ، وهو الموجود في دار الحرب.

وأما الرواية فغير دالة على هذا التفصيل بوجه ، والجمع بينها وبين صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (٥) يقتضي حملها على ما إذا كانت الخربة‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٥٨.

(٢) السرائر : ١١٣.

(٣) المبسوط ١ : ٢٣٦.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٩٨ ـ ١١٩٩ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٥ أبواب اللقطة ب ٥ ح ٥.

(٥) في ص ٣٧٠.

٣٧١

وكذا لو اشترى دابة ووجد في جوفها شيئا له قيمة.

______________________________________________________

لمالك معروف ، أو على ما إذا كان الورق غير مكنوز. وكيف كان فلا دلالة لها على ما اعتبروه من التفصيل ، فالمصير إليه لا يخلو من تحكم.

الثالثة : أن يكون في أرض مملوكة للواجد. فإن ملكت بالإحياء كان كالموجود في المباح ، وإن كانت مبتاعة ولم يدخل الكنز في البيع فقد نصّ الشارح (١) وجماعة على أنه يجب تعريف كل من جرت يده على المبيع مقدّما الأقرب فالأقرب ، فإن عرفه فهو له ، وإلا كان كالموجود في المباح.

ويمكن المناقشة في وجوب تعريفه لذي اليد السابقة إذا احتمل عدم جريان يده عليه ، لأصالة البراءة من هذا التكليف ، مضافا إلى أصالة عدم التقدم. ولو علم انتفاؤه عن بعض الملاّك فينبغي القطع بسقوط تعريفه ، لانتفاء فائدته ، وكذا الكلام لو كانت موروثة.

الرابعة : أن يكون في أرض مملوكة لمسلم أو معاهد. والحكم فيه كما في الموجود في الأرض المبتاعة. ولو علم انتفاء الكنز عن المالك المعروف سقط تعريفه وكان كالموجود في المباح ، لأن المالك والحال هذه مجهول ، فجاز أن يكون غير محترم. والله تعالى أعلم.

قوله : ( وكذا ، لو اشترى دابة ووجد في جوفها شيئا له قيمة ).

أي : وكذا يجب تعريف البائع لو اشترى دابة فوجد في بطنها شيئا له قيمة ، فإن عرفه فهو أحق به ، وإن جهله فهو للمشتري وعليه الخمس.

أما وجوب التعريف ، فتدل عليه صحيحة عبد الله بن جعفر ، قال : كتبت إلى الرجل أسأله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي ، فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جوهر ، لمن يكون ذلك؟

__________________

(١) المسالك ١ : ٦٦.

٣٧٢

ولو ابتاع سمكة فوجد في جوفها شيئا أخرج خمسه ، وكان له الباقي ، ولا يعرّف.

______________________________________________________

فوقع عليه‌السلام : « عرفها البائع ، فإن لم يكن يعرفها فالشي‌ء لك ، رزقك الله إياه » (١).

وإطلاق الرواية يقتضي عدم الفرق بين ما عليه أثر الإسلام وغيره ، بل الظاهر كون الدراهم في ذلك الوقت مسكوكة بسكة الإسلام. ولعل ذلك هو الوجه في إطلاق الأصحاب الحكم في هذه المسألة والتفصيل في المسألة السابقة.

ويستفاد من هذه الرواية أيضا أنه لا يجب تتبع من جرت يده على الدابة من الملاّك ، وهو كذلك ، إذ من الجائز عدم جريان يد (٢) ذي الملك المتقدم على هذا الموجود. بل لو علم تأخر ابتلاع الدابة لما وجد في جوفها عن البيع ، لم يبعد سقوط تعريف البائع أيضا.

وأما وجوب الخمس في هذا الموجود ، فقد قطع به الأصحاب ولم ينقلوا عليه دليلا ، وظاهرهم اندراجه في مفهوم الكنز ، وهو بعيد. نعم يمكن دخوله في قسم الأرباح.

قوله : ( ولو ابتاع سمكة فوجد في جوفها شيئا أخرج خمسه وكان الباقي له ، ولا يعرّف ).

الفرق بين الدابة والسمكة حيث جعل ما يوجد في جوف الدابة كالموجود في الأرض المبيعة ، وما في جوف السمكة كالموجود في المباح : أن الدابة مملوكة في الأصل للغير ، فكانت كالأرض ، بخلاف السمكة فإنها في الأصل من المباحات التي لا تملك إلا بالحيازة ونية التملك. ومن‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٩ ـ ٩ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ ـ ١١٧٤ ، الوسائل ١٧ : ٣٥٨ أبواب اللقطة ب ٩ ح ١.

(٢) أثبتناه من « س ».

٣٧٣

تفريع : إذا وجد كنزا في أرض موات من دار الإسلام ، فإن لم يكن عليه سكة أو كان عليه سكة عادية أخرج خمسه وكان له الباقي ، وإن كان عليه سكة الإسلام ، قيل : يعرّف كاللقطة ، وقيل : يملكه الواجد وعليه الخمس ، والأول أشبه.

______________________________________________________

المعلوم عدم توجه القصد إلى ملك ما في بطن السمكة لعدم الشعور به ، بل ربما أمكن دعوى عدم صدق حيازته ، فيكون باقيا على أصالة الإباحة وإن كان عليه أثر الإسلام ، لأن ذلك لا يدل على جريان ملك المسلم عليه كما بيناه.

وربما لاح من كلام العلامة في التذكرة الميل إلى إلحاق السمكة بالدابة ، لأن القصد إلى حيازتها يستلزم القصد إلى حيازة جميع أجزائها (١). وهو بعيد.

وأما وجوب الخمس في ذلك ، فالكلام فيه كما في الموجود في جوف الدابة.

قوله : ( تفريع ، إذا وجد كنزا في أرض موات من دار الإسلام ، فإن لم يكن عليه سكة أو كان عليه سكة عادية أخرج خمسه وكان له الباقي ، وإن كان عليه أثر الإسلام قيل : يعرّف كاللقطة ، وقيل : يملكه الواجد وعليه الخمس ، والأول أشبه ).

قد تقدم الكلام في ذلك ، وأن القول الثاني لا يخلو من قوة (٢)

والعاديّ ـ بالتشديد ـ : الشي‌ء القديم ، كأنه منسوب إلى عاد قوم هود. والمراد بالسكة العادية هنا ما قابل سكة الإسلام سواء كانت قديمة أو حادثة.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٦٥.

(٢) في ص ٣٧٠.

٣٧٤

الرابع : كل ما يخرج من البحر بالغوص ، كالجواهر والدرر ، بشرط أن تبلغ قيمته دينارا فصاعدا ،

______________________________________________________

قوله : ( الرابع ، كل ما يخرج من البحر بالغوص ، كالجواهر والدرر ، بشرط أن تبلغ قيمته دينارا فصاعدا ).

أما وجوب الخمس في هذا النوع فقال العلامة ـ رحمه‌الله ـ في المنتهى : إنه قول علمائنا أجمع (١) ، واستدل بما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن العنبر وغوص اللؤلؤ ، قال : « عليه الخمس » (٢) وهي قاصرة عن إفادة التعميم (٣).

وأما اعتبار النصاب فيه ( فهو ) (٤) موضع وفاق بينهم أيضا. واختلف كلامهم في تقديره ، فذهب الأكثر إلى أنه دينار واحد ، لما رواه الشيخ ، عن أحمد بن أبي نصر ، عن محمد بن علي بن أبي عبد الله ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضة ، هل فيه زكاة؟ فقال : « إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس » (٥) وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة السند بجهالة الراوي إلا أن الإجماع المنقول منعقد على اعتبار النصاب ، ولا قائل باعتبار ما دون ذلك.

وحكى العلامة في المختلف عن المفيد في المسائل الغرية أنه جعل نصابه عشرين دينارا كالمعدن (٦). ولم نقف له على مستند.

قال في المنتهى : ولا يعتبر في الزائد نصاب إجماعا ، بل لو زاد قليلا‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٤٧.

(٢) التهذيب ٤ : ١٢١ ـ ٣٤٦ ، الوسائل ٦ : ٣٤٧ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٧ ح ١.

(٣) في « ض » ، « م » ، « ح » زيادة : لاختصاصها بغوص اللؤلؤ إلاّ أن يقال أنه لا قائل بالفرق.

(٤) في « ض » ، « م » : فقيل إنه.

(٥) التهذيب ٤ : ١٢٤ ـ ٣٥٦ ، الوسائل ٦ : ٣٤٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٥.

(٦) المختلف : ٢٠٣.

٣٧٥

ولو أخذ منه شي‌ء من غير غوص لم يجب الخمس فيه.

______________________________________________________

أو كثيرا وجب فيه الخمس (١)

والبحث في الدفعة والدفعات كما سلف في المعدن ، والأقرب ضم الجميع وإن أعرض أو تباعد الزمان.

ولو اشترك في الغوص جماعة اعتبر بلوغ نصيب كل واحد منهم النصاب. ويضم أنواع المخرج بعضها إلى بعض في التقويم.

ولو أخرج من البحر حيوانا بالغوص فالأصح أنه لا يتعلق به حكم الغوص ، بل يكون من باب الأرباح والفوائد التي يعتبر فيها مؤنة السنة كما اختاره في المعتبر (٢). وحكى الشهيد في البيان عن بعض من عاصره أنه جعله من قبيل الغوص (٣). وهو ضعيف ، لأن الرواية المعتبرة إنما تضمّنت غوص اللؤلؤ خاصة ، وما عداه إنما ثبت حكمه بالإجماع إن تم ، وهو غير منعقد هنا.

قوله : ( ولو أخذ منه شي‌ء من غير غوص لم يجب فيه الخمس ).

المراد أنه لا يجب فيه الخمس من هذه الجهة ، ولا ينافي ذلك وجوب الخمس فيه اعتبار كونه من الأرباح. واستقرب الشهيدان مساواة ما يؤخذ من البحر من غير غوص لما يؤخذ بالغوص (٤). وربما كان مستنده إطلاق رواية محمد بن علي المتقدمة عن أبي الحسن عليه‌السلام ، حيث سأله عما يخرج من البحر فقال : « إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس » (٥) لكنها ضعيفة‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٥٠.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٢٣.

(٣) البيان : ٢١٦.

(٤) الشهيد الأول في البيان : ٢١٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٦٧.

(٥) الكافي ١ : ٥٤٧ ـ ٢١ ، الفقيه ٢ : ٢١ ـ ٧٢ ، التهذيب ٤ : ١٢٤ ـ ٣٥٦ ، المقنعة : ٤٦

٣٧٦

تفريع : العنبر إن أخرج بالغوص روعي فيه مقدار دينار ، وإن جني من وجه الماء أو من الساحل كان له حكم المعادن.

______________________________________________________

السند (١).

وكيف كان فينبغي القطع بعدم وجوب الخمس فيما يوجد مطروحا في الساحل ، لأصالة البراءة السالمة من المعارض.

قوله : ( تفريع ، العنبر إذا أخرج بالغوص روعي فيه مقدار دينار ، وإن جني من وجه الماء أو من الساحل كان له حكم المعادن ).

اختلف كلام أهل اللغة في حقيقة العنبر ، فقال في القاموس : العنبر من الطيب ، روث دابة بحرية ، أو نبع عين فيه (٢). ونقل ابن إدريس في سرائره عن الجاحظ في كتاب الحيوان أنه قال : العنبر يقذفه البحر إلى جزيرة فلا يأكل منه شي‌ء إلا مات ، ولا ينقره طائر بمنقاره إلا نصل فيه منقاره ، وإذا وضع رجليه عليه نصلت أظفاره (٣).

وحكى الشهيد في البيان عن أهل الطب أنهم قالوا : إنه جماجم تخرج من عين في البحر ، أكبرها وزنه ألف مثقال (٤).

وقد أجمع الأصحاب على وجوب الخمس في العنبر. وهو مروي في صحيحة الحلبي المتقدمة عن الصادق عليه‌السلام (٥). واختلف كلامهم في مقدار نصابه ، فذهب الأكثر إلى أنه إن أخرج بالغوص روعي فيه مقدار دينار ، وإن جني من وجه الماء أو من الساحل كان له حكم المعادن.

__________________

وفيها : عن الصادق عليه‌السلام ، المقنع : ٥٣ ، الوسائل ٦ : ٣٤٣ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٣ ح ٥.

(١) ووجهه هو كون راويها مجهولا ـ راجع ص ٣٦٦.

(٢) القاموس المحيط ٢ : ١٠٠.

(٣) السرائر : ١١٣.

(٤) البيان : ٢١٦.

(٥) في ص ٣٧٥.

٣٧٧

الخامس : ما يفضل عن مؤنة السنة له ولعياله من أرباح التجارات والصناعات والزراعات.

______________________________________________________

ويشكل بانتفاء ما يدل على اعتبار الدينار في مطلق المخرج بالغوص ، وبالمنع من إطلاق اسم المعدن على ما يجني من وجه الماء.

وأطلق المفيد في المسائل الغرية أن نصابه عشرون دينارا كالكنز والمعدن (١). وهو ضعيف. ولو قيل بوجوب الخمس فيه مطلقا كما هو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية (٢) كان قويا.

قوله : ( الخامس ، ما يفضل عن مؤنة السنة له ولعياله من أرباح التجارات والصناعات والزراعات ).

البحث في هذه المسألة يقع في مواضع :

الأول : في وجوب الخمس في هذا النوع ، وهو مقطوع به في كلام أكثر الأصحاب ، بل ادعى عليه العلامة في التذكرة والمنتهى الإجماع وتواتر الأخبار (٣).

وقال ابن الجنيد في مختصر الأحمدي : فأما ما استفيد من ميراث أو كد بدن أو صلة أخ أو ربح تجارة أو نحو ذلك فالأحوط إخراجه لاختلاف الرواية في ذلك ، ولو لم يخرجه الإنسان لم يكن كتارك الزكاة التي لا خلاف فيها (٤).

وظاهر كلامه العفو عن هذا النوع. وحكاه الشهيد في البيان عن ظاهر ابن أبي عقيل أيضا فقال : وظاهر ابن الجنيد وابن أبي عقيل العفو عن هذا النوع وأنه لا خمس فيه ، والأكثر على وجوبه ، وهو المعتمد ، لانعقاد‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ٢٠٣.

(٢) النهاية : ١٩٧.

(٣) التذكرة ١ : ٢٥٢ ، والمنتهى ١ : ٥٤٨.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٢٠٢.

٣٧٨

______________________________________________________

الإجماع عليه في الأزمنة السابقة لزمانهما واشتهار الروايات فيه (١) ، انتهى.

احتج الموجبون بقوله تعالى ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ ) (٢) والغنيمة اسم للفائدة ، فكما يتناول هذا اللفظ غنيمة دار الحرب بإطلاقه يتناول غيرها من الفوائد ، وبالأخبار المستفيضة كرواية عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « على كل امرئ غنم واكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة عليها‌السلام ولمن يلي أمرها من بعدها من ورثتها الحجج على الناس ، فذلك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا ، وحرم عليهم الصدقة ، حتى الخياط يخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق إلا من أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة » (٣).

ورواية حكم مؤذن بني عبيس (٤) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : واعلموا أنما غنمتم من شي‌ء فأن لله خمسه وللرسول ، قال : « هي والله الإفادة يوما بيوم ، إلا أن أبي جعل شيعتنا في حل من ذلك ليزكوا » (٥).

ورواية محمد بن الحسن الأشعري ، قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام : أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الضياع وكيف ذلك؟ فكتب بخطه : « الخمس بعد المؤنة » (٦).

__________________

(١) البيان : ٢١٨.

(٢) الأنفال : ٤١.

(٣) التهذيب ٤ : ١٢٢ ـ ٣٤٨ ، الإستبصار ٢ : ٥٥ ـ ١٨٠ ، الوسائل ٦ : ٣٥١ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٨. في التهذيب والوسائل و « ض » و « م » : ذريتها بدل ورثتها.

(٤) في التهذيب والاستبصار و « ض » : بني عبس ، وفي الكافي : ابن عيسى ، والموجود هو الموافق لحجري الاستبصار ـ راجع معجم رجال الحديث ٦ : ١٨٨.

(٥) الكافي ١ : ٥٤٤ ـ ١٠ ، التهذيب ٤ : ١٢١ ـ ٣٤٤ ، الاستبصار ٢ : ٥٤ ـ ١٧٩ ، والوسائل ٦ : ٣٨٠ أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب ٤ ح ٨.

(٦) التهذيب ٤ : ١٢٣ ـ ٣٥٢ ، الإستبصار ٢ : ٥٥ ـ ١٨١ ، الوسائل ٦ : ٣٤٨ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ١. وفيها وفي « ض » : الصناع بدل الضياع.

٣٧٩

______________________________________________________

ورواية علي بن مهزيار قال ، قال لي أبو علي بن راشد ، قلت له : أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك فأعلمت مواليك ذلك ، فقال لي بعضهم : وأي شي‌ء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه فقال : « يجب عليهم الخمس » فقلت في أي شي‌ء؟ فقال : « في أمتعتهم وضياعهم ، والتاجر عليه ، والصانع بيده ، وذلك إذا أمكنهم بعد مؤنتهم » (١).

ورواية الريان بن الصلت ، قال : كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام : ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلة رحى ، في أرض قطيعة لي ، وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب : « يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله » (٢).

وصحيحة علي بن مهزيار ، قال : كتب إليه أبو جعفر وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة ، قال : « الذي أوجبت في سنتي هذه وهي سنة عشرين ومائتين فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كله خوفا من الانتشار ، وسأفسر لك بعضه إن شاء الله : إنّ مواليّ أسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم فعلمت ذلك فأحببت أن أطهرهم وأزكيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس ، قال الله تعالى ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ. وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٣) ولم أوجب عليهم‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢٣ ـ ٣٥٣ ، الإستبصار ٢ : ٥٥ ـ ١٨٢ ، الوسائل ٦ : ٣٤٨ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٣ ، بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ٤ : ١٣٩ ـ ٣٩٤ ، الوسائل ٦ : ٣٥١ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٨ ح ٩ بتفاوت يسير.

(٣) التوبة : ١٠٣ ـ ١٠٥.

٣٨٠