مدارك الأحكام - ج ٥

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

وكذا التفصيل لو ملك مملوكا أو ولد له.

______________________________________________________

يولد ليلة الفطر ، واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر ، قال : « ليس عليهم فطرة ، ليس الفطرة إلاّ على من أدرك الشهر » (١).

وأمّا أنّه يستحب الإخراج إذا حصل ذلك ما بين الغروب وصلاة العيد ، والمراد به زوال الشمس من يوم الفطر ، على ما نصّ عليه في المعتبر أيضا (٢) ، فاستدل عليه بما رواه الشيخ في التهذيب مرسلا : أنّ من ولد له ولد قبل الزوال يخرج عنه الفطرة ، وكذلك من أسلم قبل الزوال (٣).

قال الشيخ رحمه‌الله : وذلك محمول على الاستحباب دون الفرض والإيجاب.

ويدل عليه أيضا ما رواه ابن بابويه ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عمّا يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة ، قال : « يصدق عن جميع من يعول من حر أو عبد ، صغير أو كبير ، من أدرك منهم الصلاة » (٤).

قوله : ( وكذا التفصيل لو ملك مملوكا أو ولد له ).

أي : وكذا يجب إخراج الفطرة عن الولد والمملوك إن حصلت الولادة أو الملك قبل رؤية الهلال ، ويستحب لو كان قبل الصلاة ، يعني انتهاء وقتها ، كما نصّ عليه في المعتبر (٥) ، وقد تقدم مستند الحكمين.

وحكى العلامة في المختلف (٦) ، عن ابن بابويه في المقنع ، أنّه قال :

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١١٦ ـ ٥٠٠ ، الوسائل ٦ : ٢٤٥ أبواب زكاة الفطرة ب ١١ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٦١١.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٢ ـ ١٩٨ ، الوسائل ٦ : ٢٤٥ أبواب زكاة الفطرة ب ١١ ح ٣.

(٤) الفقيه ٢ : ١١٨ ـ ٥١١ ، الوسائل ٦ : ٢٢٨ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٦.

(٥) المعتبر ٢ : ٦٠٤.

(٦) المختلف : ١٩٩.

٣٢١

الثانية : الزوجة والمملوك تجب الزكاة عنهما ولو لم يكونا في عياله إذا لم يعلهما غيره ، وقيل : لا تجب إلاّ مع العيلولة ، وفيه تردد.

______________________________________________________

وإن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة ، وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه ، وكذا إذا أسلم الرجل قبل الزوال وبعده (١).

والظاهر أنّ مراده بذلك الاستحباب لا الوجوب ، كما يدل عليه كلامه في من لا يحضره الفقيه ، حيث قال : وإن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة استحبابا ، وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه ، وكذلك الرجل إذا أسلم قبل الزوال وبعده ، وهذا على الاستحباب ، والأخذ بالأفضل ، فأمّا الواجب فليست الفطرة إلاّ على من أدرك الشهر (٢).

قوله : ( الثانية ، الزوجة والمملوك تجب الزكاة عنهما ولو لم يكونا في عياله إذا لم يعلمها غيره ، وقيل : لا تجب إلاّ مع العيلولة ، وفيه تردد ).

أجمع العلماء كافة على وجوب إخراج الفطرة عن الزوجة والمملوك في الجملة ، وصرّح الأكثر بأنّ فطرة الزوجة إنّما تجب إذا كانت واجبة النفقة ، دون الناشز ، والصغيرة ، وغير المدخول بها إذا كانت غير ممكنة ، وهو كذلك ، بل لا بد مع ذلك من حصول العيلولة ، لأنّ الحكم بالوجوب وقع معلقا على العيلولة ، فينتفي بانتفائها.

وقال ابن إدريس : يجب إخراج الفطرة عن الزوجات ، سواء كنّ نواشز أو لم يكنّ ، وجبت النفقة عليهنّ أو لم تجب ، دخل بهنّ أو لم يدخل ، دائمات أو منقطعات ، للإجماع والعموم ، من غير تفصيل من أحد من أصحابنا (٣). وضعفه ظاهر ، لمنع الإجماع والعموم.

__________________

(١) المقنع : ٦٧.

(٢) الفقيه ٢ : ١١٦.

(٣) السرائر : ١٠٨.

٣٢٢

______________________________________________________

وبالغ المصنف في المعتبر في إنكاره فقال : وقال بعض المتأخرين ، الزوجية سبب لإيجاب الفطرة ، لا باعتبار وجوب مؤنتها ، ثمّ قال : تخرج عن الناشز والصغيرة الّتي لا يمكن الاستمتاع بها ، ولم يبد حجّة عدا دعوى الإجماع على ذلك ، وما عرفنا أحدا من فقهاء الإسلام فضلا عن الإمامية أوجب الفطرة عن الزوجة من حيث هي ، بل ليس تجب فطرة إلاّ عمن تجب مؤنته ، أو يتبرع بها عليه ، فدعواه إذا عرية من الفتوى والأخبار (١).

وأمّا المملوك ، فقد قطع الأصحاب بوجوب فطرته على المولى مطلقا ، بل قال في المنتهى : أجمع أهل العلم كافة على وجوب إخراج الفطرة عن العبيد الحاضرين ، غير المكاتبين والمغصوبين ، والآبقين ، وعبيد التجارة صغارا كانوا أو كبارا ، لأنّ نفقتهم واجبة على المولى ، فيندرج تحت العموم بإيجاب الفطرة عن كل من يعوله (٢).

وقال المصنف في المعتبر : تجب الفطرة عن العبد الغائب الّذي تعلم حياته ، والآبق ، والمرهون ، والمغصوب ، وبه قال الشافعي ، وأحمد ، وأكثر أهل العلم. وقال أبو حنيفة : لا تلزمه زكاته ، لسقوط نفقته كما تسقط عن الناشز. لنا أنّ الفطرة تجب على من يجب أن يعوله ، وبالرّق تلزم العيلولة فتجب الفطرة ، وحجته ضعيفة ، لأنّا لا نسلم أنّ نفقته تسقط عن المالك مع الغيبة وإن اكتفى بغير المالك ، كما لو كان حاضرا واستغنى بكسبه (٣). هذا كلامه رحمه‌الله.

ويستفاد منه وجوب الفطرة عن المملوك وإن لم يكن في عيلولة المولى ، للزوم النفقة ، وهو غير جيّد ، لأنّ مقتضى الروايات أنّ الفطرة تابعة للعيلولة نفسها ، لا لوجوبها ، ومقتضى العبارة تحقق الخلاف في ذلك ، وأنّ‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٠١. ولكن فيه غريبة بدل عرية.

(٢) المنتهى ١ : ٥٣٤.

(٣) المعتبر ٢ : ٥٩٨.

٣٢٣

الثالثة : كل من وجبت زكاته على غيره سقطت عن نفسه ، وإن كان لو انفرد وجبت عليه ، كالضيف الغني والزوجة.

______________________________________________________

في المسألة قولا بعدم وجوب الزكاة عنه إلاّ مع العيلولة ، كالزوجة ، وهو متجه.

نعم لو عال المملوك أو الزوجة من تتعلق به الزكاة سقطت فطرتهما عن. الزوج والسيد بغير إشكال.

واعلم أنّ القريب كالزوجة في أنّه لا تجب فطرته على قريبه إلاّ مع العيلولة ، لأنّها مناط الوجوب.

وحكى العلامة في المختلف عن الشيخ في المبسوط ، أنّه قال : الأبوان والأجداد والأولاد الكبار إذا كانوا معسرين كانت نفقتهم وفطرتهم عليه ، واحتج عليه بكونهم واجبي النفقة ، ثمّ ردّه بأنّ الفطرة تابعة للنفقة لا لوجوبها (١).

ولو كان الولد الصغير موسرا كانت نفقته في ماله ، ولا تجب فطرته على أبيه ، لأنّه لم يمنه ، ولا على نفسه ، لما شرطناه من البلوغ ، وقال الشيخ في المبسوط : إنّ نفقته في ماله وفطرته على أبيه ، لأنّه من عياله (٢). وهو ضعيف جدّا.

قوله : ( الثالثة ، كل من وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه وإن كان لو انفرد وجبت عليه ، كالضيف الغني والزوجة ).

من وجبت فطرته على غيره ، فإمّا أن يكون بحيث لو انفرد لوجبت عليه ، كالضيف الغني والزوجة كذلك ، أو لا يكون كذلك ، كالعبد والقريب ، والثاني تسقط عنه الفطرة إجماعا ، لفوات الشرط. وأمّا الأوّل فقد‌

__________________

(١) المختلف : ١٩٥.

(٢) المبسوط ١ : ٢٣٩.

٣٢٤

______________________________________________________

قطع أكثر الأصحاب بسقوط الفطرة عنه أيضا ، لأنّ ظاهر الأخبار المتضمنة لوجوب الزكاة على المعيل سقوطها عن المعال ، واستدل عليه في المختلف (١) بقوله عليه‌السلام : « لا ثنى في صدقة » (٢) ونقل عن ظاهر ابن إدريس أنّه أوجب الفطرة على الضيف والمضيف (٣) ، وهو ضعيف.

وربّما لاح من العبارة أنّ الزوجة الموسرة إذا لم تجب فطرتها على الزوج لإعساره ، يجب عليها أن تخرجها عن نفسها ، وبه قطع ابن إدريس (٤) ، وقوّاه المصنف في المعتبر ، قال : لأنّها ممن يصح أن يزكي ، والشرط المعتبر موجود فيها ، وإنّما تسقط عنها بوجوبها على الزوج ، فإذا لم تجب عليه وجبت عليها (٥).

وقال الشيخ في المبسوط : لا فطرة عليها ، ولا على الزوج ، لأنّ الفطرة على الزوج ، فإذا كان معسرا لا تجب عليه الفطرة ، ولا تلزم الزوجة ، لأنّه لا دليل عليه (٦). وقوّاه فخر المحققين في الإيضاح (٧).

وفصّل العلامة في المختلف ، فقال : والأقرب أن نقول : إن بلغ الإعسار بالزوج إلى حدّ تسقط عنه نفقة الزوجة بأن لا يفضل معه شي‌ء البتّة ، فالحق ما قاله ابن إدريس ، وإن لم ينته الحال إلى ذلك ، فإن كان الزوج ينفق عليها مع إعساره ، فلا فطرة هنا والحق ما قاله الشيخ.

ثمّ استدل على الأوّل بعموم الأدلّة الدالّة على وجوب الفطرة على كل‌

__________________

(١) المختلف : ١٩٦.

(٢) الصحاح ٦ : ٢٢٩٤ ، النهاية لابن الأثير ١ : ٢٢٤ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٢٧ ـ ١٩٢٢.

(٣) السرائر : ١٠٨.

(٤) السرائر : ١٠٨.

(٥) المعتبر ٢ : ٦٠٢.

(٦) المبسوط ١ : ٢٤١.

(٧) إيضاح الفوائد ١ : ٢١١.

٣٢٥

فروع :

الأول : إذا كان له مملوك غائب يعرف حياته ، فإن كان يعول نفسه أو في عيال مولاه وجبت على المولى ، وإن عاله غيره وجبت الزكاة‌

______________________________________________________

مكلف غنيّ ، خرج منه زوجة الموسر لمكان العيلولة ، فيبقى الباقي مندرجا في العموم.

وعلى الثاني بأنّها في عيلولة الزوج ، فسقطت فطرتها عن نفسها ، وعن زوجها ، لفقره (١).

وضعّفه الشهيد في البيان ، بأنّ النفقة لا تسقط فطرة الغني إلاّ إذا تحملها المنفق (٢). وهو جيّد ، لأنّه المستفاد من الأدلة.

ثمّ قال في المختلف : والتحقيق أنّ الفطرة إن كانت بالأصالة على الزوج سقطت لإعساره عنه وعنها ، وإن كانت بالأصالة على الزوجة وإنّما يتحملها الزوج سقطت عنه لفقره ، ووجبت عليها عملا بالأصل (٣). وفيه نظر ، فإنّ ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب وإن اقتضى وجوب الفطرة بالأصالة على الزوج مع يساره إلاّ أنّ ذلك لا يقتضي سقوطها عن الزوجة الموسرة مع إعساره.

وقد ظهر من ذلك قوة القول بوجوب الفطرة عليها إذا لم تجب فطرتها على الزوج مطلقا.

وموضع الإشكال ما إذا تكلف الزوج المعسر إعالة الزوجة الموسرة ، فلو أعالت نفسها وجبت عليها الفطرة بغير إشكال.

قوله : فروع ، الأول : إذا كان له مملوك غائب يعرف حياته فإن كان يعول نفسه أو في عيال مولاه وجبت على المولى ، وإن عاله غيره‌

__________________

(١) المختلف : ١٩٦.

(٢) البيان : ٢٠٨.

(٣) المختلف : ١٩٦.

٣٢٦

على العائل.

______________________________________________________

وجبت الزكاة على العائل.

أمّا وجوب الزكاة على المعيل سواء كان المولى أو الأجنبي فلا ريب فيه ، لأنّ العيلولة مقتضية للوجوب وإن كانت تبرعا إجماعا. وإنّما الكلام في وجوب فطرته على المولى إذا كان في عوالة نفسه ، فإنّه إنّما يتمّ ذلك إذا كان ذلك بإذن المولى ، لأنّ نفقته تكون من جملة أموال المولى ، أما بدون ذلك فمشكل ، لعدم صدق العيلولة.

وربّما ظهر من العبارة أنّه لو لم تعرف حياة المملوك لم تجب على المولى فطرته ، وهو أحد القولين في المسألة ، ذهب إليه الشيخ في الخلاف (١) ، والمصنف في المعتبر (٢) ، والعلامة في المنتهى (٣) ، واستدلوا عليه بأنّه لا يعلم أنّ له مملوكا فلا تجب عليه زكاته ، وبأنّ الإيجاب شغل للذمة فيقف على ثبوت المقتضي وهو الحياة ، وهي غير معلومة ، وبأنّ الأصل عصمة مال الغير فيقف انتزاعه على العلم بالسبب ولم يعلم.

وقال ابن إدريس : تجب فطرته على المولى ، لأنّ الأصل البقاء ، ولأنّه يصح عتقه في الكفارة إذا لم يعلم بموته ، وهو إنّما يتحقق مع الحكم ببقائه فتجب فطرته (٤).

وأجيب عن الأوّل ، بأنّ أصالة البقاء معارضة بأصالة براءة الذمة.

وعن الثاني ، بالمنع من الإجزاء في الكفارة ، وبالفرق بأنّ العتق إسقاط ما في الذمة من حقوق الله تعالى وهي مبنية على التخفيف ، بخلاف‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٦٣.

(٢) المعتبر ١ : ٥٩٨.

(٣) المنتهى ١ : ٥٣٤.

(٤) السرائر : ١٠٨.

٣٢٧

الثاني : إذا كان العبد بين شريكين فالزكاة عليهما ، فإن عاله أحدهما فالزكاة على العائل.

______________________________________________________

الفطرة ، لأنّها إيجاب مال على المكلف لم يثبت سبب وجوبه (١).

وأقول إنّ محل الخلاف في هذه المسألة غير محرّر ، فإنّه إن كان المملوك الّذي جهل خبره أو انقطع خبره ، كما ذكره الشهيد في البيان (٢) ، اتجه القول بعدم لزوم فطرته ، للشك في السبب وإن جاز عتقه في الكفارة بدليل من خارج ، فإنّ ابن إدريس ادعى الإجماع على الجواز (٣) ، ورواه الكليني في الصحيح ، عن أبي هاشم الجعفري ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل أبق منه مملوك ، أيجوز أن يعتقه في كفارة الظهار؟ قال : « لا بأس به ما لم يعرف منه موتا » (٤).

وإن كان محل الخلاف مطلق المملوك الغائب الّذي لا تعلم حياته ، فينبغي القطع بالوجوب مع تحقق العيلولة إذا لم ينقطع خبره ، وإن لم تكن حياته معلومة ، بل ولا مظنونة ، كما في الولد الغائب وغيره ، إذ لو كان العلم بالحياة معتبرا لم يجب إخراج الفطرة عن غائب ، وهو معلوم البطلان.

ويدل على الوجوب مضافا إلى العمومات ، ما رواه الكليني في الصحيح ، عن جميل بن درّاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بأن يعطي الرجل عن عياله وهم غيّب عنه ، ويأمرهم فيعطون عنه وهو غائب عنهم » (٥).

قوله : ( الثاني ، إذا كان العبد بين شريكين فالزكاة عليهما ، وإن عاله أحدهما فالزكاة على العائل ).

__________________

(١) كما في المنتهى ١ : ٥٣٤.

(٢) البيان : ٢٠٦.

(٣) السرائر : ١٠٨.

(٤) الكافي ٦ : ١٩٩ ـ ٣ ، الوسائل ١٦ : ٦٢ أبواب العتق ب ٤٨ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ١٧١ ـ ٧ ، الوسائل ٦ : ٢٥٤ أبواب زكاة الفطرة ب ١٩ ح ١.

٣٢٨

الثالث : لو مات المولى وعليه دين ، فإن كان بعد الهلال وجبت زكاة مملوكه في ماله ، وإن ضاقت التركة قسمت على الدين والفطرة بالحصص.

______________________________________________________

ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من أنّ العبد المشترك تجب فطرته على‌ مواليه بالحصص ، إلاّ أن يختص أحدهم بإعالته فتجب عليه خاصة ، قول أكثر الأصحاب ، وقال ابن بابويه ، لا فطرة عليهم إلاّ أن يكمل لكل واحد منهم رأس تام (١) ، ورواه في كتابه من لا يحضره الفقيه ، عن محمد بن مسعود العيّاشي ، قال : حدّثنا سهل بن زياد ، قال : حدّثني منصور بن العباس ، قال : حدثنا إسماعيل بن سهل ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : عبد بين قوم ، عليهم فيه زكاة الفطرة؟ قال : « إذا كان لكل إنسان رأس فعليه أن يؤدّي عنه فطرته ، وإن كان عدّة العبيد وعدّة الموالي سواء أدّوا زكاتهم ، كل واحد منهم على قدر حصته ، وإن كان لكل إنسان منهم أقلّ من رأس فلا شي‌ء عليهم » (٢). وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة السند ، إلاّ أنّه لا يبعد المصير إلى ما تضمنته ، لمطابقته لمقتضى الأصل ، وسلامتها من المعارض.

قوله : ( الثالث ، لو مات المولى وعليه دين ، فإن كان بعد الهلال وجبت زكاة مملوكه في ماله ، وإن ضاقت التركة قسمت على الدين والفطرة بالحصص ).

الوجه في هذين الحكمين ظاهر ، فإنّ زكاة الفطرة واجبة في الذمّة ، فتكون جارية مجرى غيرها من الديون.

وفي حكم المملوك الزوجة والقريب والمعال تبرعا ، وإنّما خص‌

__________________

(١) الهداية : ٥٢.

(٢) الفقيه ٢ : ١١٩ ـ ٥١٢ ، الوسائل ٦ : ٢٥٤ أبواب زكاة الفطرة ب ١٨ ح ١.

٣٢٩

وإن مات قبل الهلال لم تجب على أحد ، إلا بتقدير أن يعوله.

الرابع : إذا أوصي له بعبد ثم مات الموصى ، فإن قبل الوصيّة قبل الهلال وجبت عليه ، وإن قبل بعده سقطت ، وقيل : تجب على الورثة ، وفيه تردد.

______________________________________________________

المملوك بالذكر ، ليتفرع عليه ما بعده ، وهو ما لو مات المولى قبل الهلال ، فإنّ ذلك يختص بالمملوك بناء على القول بعدم انتقال التركة التي هو منها إلى الوارث على تقدير وجود الدين المستوعب.

قوله : ( وإن مات قبل الهلال لم تجب على أحد إلا بتقدير أن يعوله ).

هذا الحكم مبني على ما ذهب إليه المصنف ـ رحمه‌الله ـ من عدم انتقال التركة إلى الوارث مع الدين المستوعب (١) ، ولو قلنا : بانتقالها إلى الوارث وإن منع من التصرف فيها قبل وفاء الدين كانت الزكاة على الوارث.

قوله : ( الرابع ، إذا أوصي له بعبد ثم مات الموصى ، فإن قبل الوصية قبل الهلال وجبت عليه ، وإن قبل بعده سقطت ، وقيل : تجب على الورثة ، وفيه تردد ).

إذا أوصى إنسان إلى آخر بمملوك ثمّ مات الموصى قبل الغروب ، فإن قبل الموصى له الوصية قبل الغروب أيضا وجبت فطرته على الموصى له بغير خلاف ، وإن وقع بعده ففي سقوط الفطرة عن الجميع ، أو وجوبها على الموصى له ، أو الوارث أقوال : أحدها وهو اختيار الشيخ في المبسوط والخلاف (٢) : السقوط مطلقا ، أمّا عن الوارث ، فلأنّ الوصية مانعة من دخوله في ملكه ، وأمّا عن الموصى له ، فلأنّه إنّما يملك بالقبول ،

__________________

(١) الشرائع ٤ : ١٦.

(٢) المبسوط ١ : ٢٤٠ ، والخلاف ١ : ٣٦٧.

٣٣٠

ولو وهب له ولم يقبض لم تجب الزكاة على الموهوب. ولو مات الواهب كانت على ورثته ، وقيل : لو قبل ومات ثم قبض الورثة قبل الهلال وجبت عليهم ، وفيه تردد.

______________________________________________________

والمفروض تأخّره عن الغروب.

وثانيها : الوجوب على الوارث ، لأنّ الملك لا بدّ له من مالك وهو إمّا الوارث أو الموصى له ، لأنّ الميت غير صالح للملك ، لمساواته للجماد ، والموصى له إنّما يملك بالقبول ، فيكون الملك للوارث وتلزمه زكاته.

ويشكل بأنّه لا ريب في استحالة وجود الملك بغير مالك ، لكن لا استحالة في كون التركة مع الدين المستوعب ، أو الوصية النافذة غير مملوكة لأحد ، بل تصرف في الوجوه المخصوصة ، فإن فضل منها شي‌ء استحقه الوارث. ولتفصيل الكلام في ذلك محل آخر.

وثالثها : الوجوب على الموصى له ، واختاره الشارح في جملة من كتبه (١) ، بناء على أنّ القبول كاشف عن ملك الموصى له من حين الموت ، وهو ضعيف ، والأصح السقوط مطلقا ، كما اختاره الشيخ رحمه‌الله (٢).

قوله : ( ولو وهب له ولم يقبض لم تجب الزكاة على الموهوب ، ولو مات الواهب كانت على الورثة ، وقيل : لو قبل ومات ثم قبض الورثة قبل الهلال وجبت عليهم ، وفيه تردد ).

القول للشيخ في المبسوط (٣) ، وهو لا يطابق ما ذهب إليه فيه من أنّ القبض شرط في الصحة (٤) ، لأنّ الموهوب على هذا التقدير لم ينتقل إلى الميت ، فلا ينتقل إلى وارثه ، وإنّما يستقيم على القول بأنّه ليس شرطا في‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٦٥.

(٢) المبسوط ١ : ٢٤٠ ، والخلاف ١ : ٣٦٧.

(٣) المبسوط ١ : ٢٤٠.

(٤) المبسوط ٣ : ٣٠٣.

٣٣١

الثّاني : في جنسها وقدرها.

والضابط : إخراج ما كان قوتا غالبا كالحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما ، والتمر ، والزبيب ، والأرز ، واللبن.

______________________________________________________

الصحة كما ذهب إليه في الخلاف (١) ، وسيجي‌ء تحقيق المسألة في محلها إن شاء الله.

قوله : ( الثاني ، في جنسها وقدرها ، والضابط إخراج ما كان قوتا غالبا ، كالحنطة ، والشعير ودقيقهما وخبزهما ، والتمر ، والزبيب ، والأرز ، واللبن ).

اختلفت عبارات الأصحاب فيما يجب إخراجه في الفطرة ، فقال علي بن بابويه في رسالته (٢) ، وولده في مقنعه وهدايته (٣) ، وابن أبي عقيل في متمسكه (٤) : صدقة الفطرة صاع من حنطة ، أو صاع من شعير ، أو صاع من تمر ، أو صاع من زبيب ، وهو يشعر بوجوب الاقتصار على هذه الأنواع الأربعة.

وقال الشيخ في الخلاف : يجوز إخراج صاع من الأجناس السبعة : التمر ، أو الزبيب ، أو الحنطة ، أو الشعير ، أو الأرز ، أو الأقط ، أو اللبن ، للإجماع على إجزاء هذه ، وما عداها ليس على جوازه دليل (٥).

وقال ابن الجنيد : ويخرجها من وجبت عليه من أغلب الأشياء على قوته ، حنطة ، أو شعير ، أو تمر ، أو زبيب ، أو سلت ، أو ذرة (٦). وبه‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٦٨.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ١٩٧.

(٣) المقنع : ٦٦ ، الهداية : ٥١.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ١٩٧.

(٥) الخلاف ١ : ٣٦٩.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ١٩٧.

٣٣٢

______________________________________________________

قال أبو الصلاح (١) ، وابن إدريس (٢) ، والمصنف (٣) ، وجماعة. والمعتمد وجوب إخراج الحنطة والشعير والتمر والزبيب والأقط خاصة.

لنا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن صفوان الجمال ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفطرة؟ فقال : « على الصغير والكبير ، والحر والعبد ، عن كل إنسان صاع من حنطة ، أو صاع من تمر ، أو صاع من زبيب » (٤).

وفي الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن الفطرة كم يدفع عن كل رأس من الحنطة والشعير والتمر والزبيب؟ قال : « صاع بصاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٥).

وفي الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « صدقة الفطرة على كل رأس من أهلك ، الصغير والكبير ، والحر والمملوك ، والغني والفقير ، عن كل إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير ، أو صاع من تمر ، أو صاع من زبيب لفقراء المسلمين » (٦).

وفي الصحيح ، عن عبد الله بن ميمون ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام ، قال : « زكاة الفطرة صاع من تمر ، أو صاع من زبيب ، أو صاع من شعير ، أو صاع من أقط ، على كل إنسان حر‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٦٩.

(٢) السرائر : ١٠٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٠٥ ، والمختصر النافع : ٦١.

(٤) التهذيب ٤ : ٧١ ـ ١٩٤ ، الإستبصار ٢ : ٤٦ ـ ١٤٩ ، الوسائل ٦ : ٢٢٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ١٧١ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ١١٥ ـ ٤٩٢ ، التهذيب ٤ : ٨٠ ـ ٢٢٧ ، الإستبصار ٢ : ٤٦ ـ ١٤٨ ، الوسائل ٦ : ٢٣١ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١.

(٦) التهذيب ٤ : ٧٥ ـ ٢١٠ ، الإستبصار ٢ : ٤٢ ـ ١٣٤ ، الوسائل ٦ : ٢٢٥ أبواب زكاة الفطرة ب ٣ ح ١ وأورد ذيله في ص ٢٣٣ ب ٦ ح ١١.

٣٣٣

______________________________________________________

أو عبد ، صغير أو كبير ، وليس على من لا يجد ما يتصدق به حرج » (١).

وفي الصحيح ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يعطي أصحاب الإبل والغنم في الفطرة ، من الأقط صاعا » (٢).

احتج الشيخ ـ رحمه‌الله (٣) ـ على إجزاء الأرز بما رواه عن إبراهيم بن محمد الهمداني ، عن أبي الحسن العسكري عليه‌السلام ، قال : « وعلى أهل طبرستان الأرز » (٤).

وعلى إجزاء اللبن بما رواه عن محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وعن يونس عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الفطرة على كل قوم ، ما يغذون به عيالاتهم ، لبن أو زبيب أو غيره » (٥).

وبهذه الرواية احتج القائلون بإجزاء إخراج ما كان قوتا غالبا (٦) ، وبما رواه الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : جعلت فداك ، هل على أهل البوادي الفطرة؟ فقال : « الفطرة على كل من‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٧٥ ـ ٢١١ ، الإستبصار ٢ : ٤٢ ـ ١٣٥ ، الوسائل ٦ : ٢٢٩ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ١١.

(٢) التهذيب ٤ : ٨٠ ـ ٢٣٠ ، الإستبصار ٢ : ٤٦ ـ ١٥١ ، الوسائل ٦ : ٢٣١ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٩ ، والاستبصار ٢ : ٤٤ ، والخلاف ١ : ٣٧٠ ، والمبسوط ١ : ٢٤١‌

(٤) التهذيب ٤ : ٧٩ ـ ٢٢٦ ، الإستبصار ٢ : ٤٤ ـ ١٤٠ ، الوسائل ٦ : ٢٣٨ أبواب زكاة الفطرة ب ٨ ح ٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٧٨ ـ ٢٢١ ، الإستبصار ٢ : ٤٣ ـ ١٣٧ ، الوسائل ٦ : ٢٣٨ أبواب زكاة الفطرة ب ٨ ح ١.

(٦) حكاه عن ابن الجنيد في المختلف : ١٩٧ ، واحتج به المحقق في المعتبر ٢ : ٦٠٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٦٥.

٣٣٤

ومن غير ذلك يخرج بالقيمة السوقية ،

______________________________________________________

اقتات قوتا ، فعليه أن يؤدّي من ذلك القوت » (١).

وهذه الروايات كلها قاصرة من حيث السند ، فلا يمكن الخروج بها عن مقتضى الأخبار الصحيحة المتضمنة للأمر بإخراج تلك الأنواع الخمسة (٢).

واعلم أنّ المصنف ـ رحمه‌الله ـ قال في المعتبر : الركن الثاني في جنسها وقدرها ، والضابط إخراج ما كان قوتا غالبا ، كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط واللبن ، وهو مذهب علمائنا (٣).

ثمّ قال بعد ذلك : قال الشيخ في الخلاف ، لا يجزي الدقيق والسويق من الحنطة والشعير على أنّهما أصل ، ويجزيان بالقيمة. ثمّ نقل عن بعض فقهائنا قولا بجواز إخراجهما أصالة ، وقال : إنّ الوجه ما ذكره الشيخ في الخلاف ، لأنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصّ على الأجناس المذكورة ، فيجب الاقتصار عليها أو على قيمتها.

وقال بعد ذلك : ولا يجزي الخبز على أنّه أصل ، ويجزي بالقيمة ، وقال شاذّ منّا يجزي ، لأنّ نفعه معجل ، وليس بوجه ، لاقتصار النص على الأجناس المعيّنة فلا يصار إلى غيرها إلاّ بالقيمة (٤). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ ، وهو جيّد لكنّه رجوع عما أفهمه ظاهر كلامه في الضابط الّذي ذكره أوّلا ، اللهم إلاّ أن يقال بانحصار القوت الغالب في هذه الأنواع السبعة ، وهو بعيد.

قوله : ( ومن غير ذلك يخرج بالقيمة السوقية ).

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٣ ـ ١٤ ، الوسائل ٦ : ٢٣٩ أبواب زكاة الفطرة ب ٨ ح ٤.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٣١ أبواب زكاة الفطرة ب ٦.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٠٥.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٠٩.

٣٣٥

______________________________________________________

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، ونصّ المصنف في المعتبر (١) وغيره (٢) على أنّه لا فرق في ذلك بين أن تكون الأنواع المنصوصة موجودة أو معدومة ، والمستند في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : بعثت إلى الرضا عليه‌السلام بدراهم لي ولغيري ، وكتبت إليه أخبره أنّها من فطرة العيال ، فكتب بخطه : « قبضت وقبلت » (٣).

وفي الصحيح ، عن أيّوب بن نوح ، قال ، كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام : إنّ قوما يسألوني عن الفطرة ، ويسألوني أن يحملوا قيمتها إليك ، وقد بعثت إليك العام عن كل رأس من عيالي بدرهم على قيمة تسعة أرطال بدرهم ، فرأيك جعلني الله فداك في ذلك؟ فكتب « الفطرة قد كثر السؤال عنها ، وأنا أكره كلما أدّى إلى الشهرة ، فاقطعوا ذكر ذلك ، واقبض ممن دفع لها ، وأمسك عمن لم يدفع » (٤).

وفي الموثق عن إسحاق بن عمار الصيرفي قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ، ما تقول في الفطرة أيجوز أن أؤدّيها فضة بقيمة هذه الأشياء الّتي سميتها؟ قال : « نعم إنّ ذلك أنفع له ، يشتري ما يريد » (٥).

وفي الموثق عن إسحاق بن عمار أيضا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بالقيمة في الفطرة » (٦).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٦٠٨.

(٢) كالشيخ في النهاية : ١٩١ ، والمبسوط ١ : ٢٤٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٩١ ـ ٢٦٦ ، الوسائل ٦ : ٢٣٩ أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٤ ـ ٢٤ ، التهذيب ٤ : ٩١ ـ ٢٦٥ ، الوسائل ٦ : ٢٤٠ أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ٣.

(٥) التهذيب ٤ : ٨٦ ـ ٢٥١ ، الإستبصار ٢ : ٥٠ ـ ١٦٦ ، الوسائل ٦ : ٢٤١ أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ٦.

(٦) التهذيب ٤ : ٨٦ ـ ٢٥٢ ، الإستبصار ٢ : ٥٠ ـ ١٦٧ ، الوسائل ٦ : ٢٤١ أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ٩.

٣٣٦

والأفضل إخراج التمر ، ثم الزبيب ، ويليه أن يخرج كل إنسان ما يغلب على قوته.

______________________________________________________

ويستفاد من إطلاق هذه الرواية جواز إخراج القيمة من الدراهم وغيرها ، وبهذا التعميم صرح الشيخ في المبسوط ، فقال : يجوز إخراج القيمة عن أحد الأجناس الّتي قدّرناها ، سواء كان الثمن سلعة أو حبا أو خبزا أو ثيابا أو دراهم أو شيئا له ثمن ، بقيمة الوقت (١). وهو مشكل لقصور الرواية المطلقة من حيث السند عن إثبات مثل ذلك ، واختصاص الأخبار السليمة بإخراج القيمة من الدراهم (٢).

ثمّ لو قلنا بالجواز فأخرج نصف صاع أعلى قيمة يساوي صاعا أدون قيمة فالأصح عدم الإجزاء ، كما اختاره في البيان (٣) ، لأنّ هذه الأصول لا تكون قيمة ، وقيل : يجزي ، لأنّ القيمة لا تخص عينا ، واختاره في المختلف (٤) ، وهو ضعيف.

نعم لو باعه على المستحق بثمن المثل ثمّ احتسب الثمن قيمة عن جنس من الأجناس أجزأه ذلك إن أجزنا احتساب الدين هنا كالمالية.

قوله : ( والأفضل إخراج التمر ثم الزبيب ، ويليه أن يخرج كل إنسان ما يغلب على قوته ).

اختلف كلام الأصحاب في هذه المسألة ، فقال الشيخان (٥) ، وابنا بابويه (٦) ، وابن أبي عقيل (٧) : إنّ أفضل ما يخرج التمر. قال الشيخ : ثمّ‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٤٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٣٩ أبواب زكاة الفطرة ب ٩.

(٣) البيان : ٢١٢.

(٤) المختلف : ١٩٩.

(٥) المفيد في المقنعة : ٤١ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٢٤٢ ، والنهاية : ١٩٠.

(٦) الصدوق في الفقيه ٢ : ١١٧ ، والمقنع : ٦٦ ، وحكاه من والد الصدوق في المختلف : ١٩٧.

(٧) حكاه عنه في المختلف : ١٩٧.

٣٣٧

______________________________________________________

الزبيب (١). وقال ابن البراج : التمر والزبيب هو أفضل ما يخرج في الفطرة (٢). وقال الشيخ في الخلاف : المستحب ما يغلب على قوت البلد (٣). واستحسنه في المعتبر (٤) ، وقال سلار : الأفضل الأرفع قيمة (٥). والمعتمد الأوّل.

لنا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « التمر في الفطرة أفضل من غيره ، لأنّه أسرع منفعة ، وذلك أنّه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه » (٦) وهذا التعليل يقتضي مساواة الزبيب له في ذلك.

وعن زيد الشحام قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « لأن أعطي صاعا من تمر أحب إليّ من أن أعطي صاعا من ذهب في الفطرة » (٧).

وعن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن صدقة الفطرة ، فقال : « عن كل رأس من أهلك ، الصغير منهم والكبير ، الحر والمملوك ، والغني والفقير ، كل من ضممت إليك ، عن كل إنسان صاع من حنطة ، أو صاع من شعير ، أو تمر ، أو زبيب » وقال : « التمر أحب إليّ » (٨).

احتج الشيخ في الخلاف (٩) بما رواه عن إبراهيم بن محمد الهمداني ،

__________________

(١) النهاية : ١٩٠.

(٢) المهذب ١ : ١٧٥.

(٣) الخلاف ١ : ٣٧٠.

(٤) المعتبر ٢ : ٦٠٦.

(٥) المراسم : ١٣٥.

(٦) التهذيب ٤ : ٨٥ ـ ٢٤٨ ، الوسائل ٦ : ٢٤٤ أبواب زكاة الفطرة ب ١٠ ح ٨.

(٧) التهذيب ٤ : ٨٥ ـ ٢٤٩ ، الوسائل ٦ : ٢٤٤ أبواب زكاة الفطرة ب ١٠ ح ٦.

(٨) التهذيب ٤ : ٨٦ ـ ٢٥٠ ، الوسائل ٦ : ٢٢٩ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ١٢.

(٩) الخلاف ١ : ٣٧٠.

٣٣٨

والفطرة من جميع الأقوات المذكورة صاع ،

______________________________________________________

أنّه كتب إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه‌السلام ، يسأله عن اختلاف الروايات في الفطرة ، فكتب « إنّ الفطرة صاع من قوت بلدك ، على أهل مكة واليمن والطائف وأطراف الشام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز وكرمان تمر ، وعلى أهل أوساط الشام زبيب ، وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلها برّ أو شعير ، وعلى أهل طبرستان الأرز ، وعلى أهل خراسان البرّ ، إلاّ أهل مرو والري فعليهم الزبيب ، وعلى أهل مصر البرّ ، ومن سوى ذلك فعليهم ما غلب قوتهم ، ومن سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط ، والفطرة عليك وعلى الناس كلهم ومن تعول من ذكر وأنثى ، صغير وكبير ، حر أو عبد ، فطيم أو رضيع ، تدفعه وزنا ستة أرطال برطل المدينة ، والرطل مائة وخمسة وتسعون درهما ، تكون الفطرة ألفا ومائة وسبعين درهما » (١).

وهذه الرواية ضعيفة في التهذيب ، إلاّ أنّ الشيخ في الخلاف (٢) ادعى إجماع الطائفة على العمل بها ، وما تضمنته من التعيين على سبيل الاستحباب لا الوجوب إجماعا.

قوله : ( والفطرة من جميع الأقوات المذكورة صاع ).

هذا قول علمائنا وأكثر العامة (٣) ، ويدل عليه روايات ، منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن صفوان الجمال ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفطرة ، فقال : « على الصغير والكبير ، والحر والعبد ، عن كل إنسان صاع من برّ ، أو صاع من تمر ، أو صاع من الزبيب » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٧٩ ـ ٢٢٦ ، الإستبصار ٢ : ٤٤ ـ ١٤٠ ، الوسائل ٦ : ٢٣٨ أبواب زكاة الفطرة ب ٨ ح ٢.

(٢) الخلاف ١ : ٣٧٠.

(٣) منهم الشافعي في الأم ٢ : ٦٧ ، ٦٨ ، والقرطبي في بداية المجتهد ١ : ٢٨١ ، وابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٥٢ ، ٦٥٩ ، والغمراوي في السراج الوهاج : ١٣٠.

(٤) التهذيب ٤ : ٧١ ـ ١٩٤ ، الإستبصار ٢ : ٤٦ ـ ١٤٩ ، الوسائل ٦ : ٢٢٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ١.

٣٣٩

______________________________________________________

وفي الصحيح ، عن سعد بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته عن الفطرة ، كم تدفع عن كل رأس من الحنطة والشعير والتمر والزبيب؟ قال : « صاع بصاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١)

وعن عبد الله بن المغيرة ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : في الفطرة ، قال : « يعطى من الحنطة صاع ومن الشعير والأقط صاع » (٢).

وفي مقابل هذه الروايات أخبار أخر دالّة على الاجتزاء في الحنطة بنصف صاع ، كصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صدقة الفطرة ، فقال : « على كل من يعول الرجل ، على الحر والعبد والصغير والكبير صاع من تمر ، أو نصف صاع من برّ ، والصاع أربعة أمداد » (٣).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في صدقة الفطرة ، فقال : « تصدق عن جميع من تعول ، من صغير أو كبير ، حرّ أو مملوك ، على كل إنسان نصف صاع من حنطة ، أو صاع من تمر ، أو صاع من شعير ، والصاع أربعة أمداد » (٤).

وأجاب الشيخ في كتابي الأخبار عن هذه الروايات وما يجري مجراها بالحمل على التقية (٥) ، قال في الاستبصار : ووجه التقية في ذلك أنّ السنّة كانت جارية في إخراج الفطرة صاع من كل شي‌ء ، فلمّا كان زمن عثمان‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧١ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ١١٥ ـ ٤٩٢ ، التهذيب ٤ : ٨٠ ـ ٢٢٧ ، الإستبصار ٢ : ٤٦ ـ ١٤٨ ، الوسائل ٦ : ٢٣١ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٨٠ ـ ٢٢٩ ، الإستبصار ٢ : ٤٦ ـ ١٥٠ ، الوسائل ٦ : ٢٣١ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٨١ ـ ٢٣٣ ، الإستبصار ٢ : ٤٧ ـ ١٥٤ ، الوسائل ٦ : ٢٣٣ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٨١ ـ ٢٣٤ ، الإستبصار ٢ : ٤٧ ـ ١٥٥ ، الوسائل ٦ : ٢٣٣ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ذ. ح ١٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٨٢ ، والاستبصار ٢ : ٤٨.

٣٤٠