مدارك الأحكام - ج ٥

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

وتتعين عند الدفع ، ولو نوى بعد الدفع لم استبعد جوازه.

______________________________________________________

قوله : ( وتتعين عند الدفع ).

هذا قول علمائنا وأكثر العامة. وقال بعضهم : يجوز تقديمها بالزمان اليسير (١). وهو باطل ، لأن ما سبق إن لم يستدم خلا الدفع من النية ، وإن استديم تحقق الشرط وهو مقارنة النية للدفع.

والمراد بالدفع الدفع إلى المستحق أو الإمام عليه‌السلام أو نائبه ، وفي معنى الدفع إلى المستحق الدفع إلى وكيله إن سوغنا الوكالة في ذلك ، لكن الأظهر عدم الجواز كما اختاره ابن إدريس في سرائره ونقله عن ابن البراج ، لأن إقامة الوكيل مقام الموكل في ذلك يحتاج إلى دليل ولم يثبت.

واستدل عليه ابن إدريس أيضا بأن الذمة مرتهنة بالزكاة ولا خلاف بين الأمة أن بتسليمها إلى مستحقها تبرأ الذمة بيقين ، وليس كذلك إذا سلّمت إلى الوكيل لأنه ليس من الثمانية الأصناف بلا خلاف.

وبأن التوكيل إنما يثبت فيما يستحق الموكل المطالبة به ، والزكاة لا يستحقها واحد بعينه ولا يملكها إلاّ بعد القبض (٢).

قوله : ( ولو نوى بعده لم استبعد جوازه ).

لا ريب في الإجزاء مع بقاء العين لعدم خروجها عن ملك الدافع فيصادفها النية ، وكذا مع التلف إذا كان القابض عالما بالحال لثبوت العوض في ذمته فيجوز احتسابه كما في سائر الديون ، أما مع انتفاء العلم فمشكل لانتفاء الضمان. وقال الشيخ في المبسوط : ينبغي المقارنة ثم قال : ولا يجوز نقل زكاة ما بان تلفه إلى غيره لفوات وقت النية (٣). وهو يشعر بعدم الاجتزاء بالنية بعد الدفع ، ولا ريب في ضعفه.

__________________

(١) كابن قدامة في المغني ٢ : ٥٠٣ ، والمرداوي في الإنصاف ٣ : ١٩٥.

(٢) السرائر : ١٧٤.

(٣) المبسوط ١ : ٢٣٢.

٣٠١

وحقيقتها : القصد إلى القربة ، والوجوب أو الندب ، وكونها زكاة مال أو فطرة. ولا يفتقر إلى نيّة الجنس الذي يخرج منه.

______________________________________________________

قوله : ( وحقيقتها القصد إلى القربة والوجوب أو الندب وكونها زكاة مال أو فطرة ).

الأصح عدم اعتبار ما زاد على نية القربة والتعيين ، ولقد أحسن المصنف في المعتبر حيث قال : والنية اعتقاد بالقلب ، فإذا اعتقد عند دفعها أنها زكاة تقربا إلى الله تعالى كفى ذلك ، ولو كان نائبا عن غيره كوصي اليتيم والوكيل اعتقد ذلك عند التسليم (١).

قوله : ( ولا يفتقر إلى نية الجنس الذي يخرج منه ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين أن يكون محل الوجوب عنده متحدا أو متعددا ، ولا بين أن يكون الحق متحد النوع كأربعين من الغنم وخمس من الإبل أو مختلفة كنصاب من النقدين وآخر من النعم ، وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ونقل عليه في المنتهى الإجماع (٢) ، وعلى هذا فلو وجب عليه شاتان في نصابين مختلفين فأخرج شاة عما في ذمته برئت الذمة منها وبقي عليه شاة ، وكذا لو أخرج قيمة شاة إن سوّغنا ذلك.

وهل يتخير المالك بعد ذلك في صرفه إلى ما شاء منهما أو يوزّع؟ قولان ، ذهب إلى الأول منهما العلاّمة في التذكرة (٣) ، وإلى الثاني الشهيد في البيان (٤).

وتظهر الفائدة فيما لو تلف أحد النصابين قبل التمكن من إخراج الثانية ، فعلى الأول له صرف المخرج إلى أيهما شاء فإن صرفه إلى الباقي‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٥٩.

(٢) المنتهى ١ : ٥١٦.

(٣) التذكرة ١ : ٢٤٣.

(٤) البيان : ٢٠١.

٣٠٢

فروع :

لو قال : إن كان مالي الغائب باقيا فهذه زكاته ، وإن كان تالفا فهي نافلة ، صحّ. ولا كذا لو قال : أو نافلة.

ولو كان له مالان متساويان حاضر وغائب فأخرج زكاة ونواها عن أحدهما أجزأته. (٢) وكذا لو قال : إن كان الغائب سالما.

______________________________________________________

برئت ذمته وإن صرفه إلى التالف أخرج شاة أخرى ، وعلى الثاني يسقط عنه نصف شاة. ويمكن فرض عدم التمكن من إخراج الثانية مع القدرة على إخراج الأولى بأن لا يجد من يستحق إلاّ واحدة كالغارم وابن السبيل إذا اندفعت حاجتهما بها.

قوله : ( فروع ، لو قال : إن كان مالي الغائب باقيا فهذه زكاته وإن كان تالفا فهي نافلة صحّ ، ولا كذا لو قال : أو نافلة ).

الفرق بين المسألتين أن الزكاة في المسألة الأولى مجزوم بها على تقدير سلامة المال ، وكذا نية النفل على تقدير تلفه ، ولا مانع من صحة ذلك بخلاف الثانية لأن الترديد بين كون المدفوع زكاة أو نافلة على تقدير واحد وهو كون الغائب سالما.

قوله : ( ولو كان له مالان متساويان حاضر وغائب فأخرج زكاة ونواها عن أحدهما أجزأته ).

المراد بتساوي المالين تساويهما في نوع الواجب ، وإنما اعتبر ذلك ليمكن صرف المدفوع إلى كل منهما ، إذ لو كانا مختلفين وكان المدفوع من جنس أحدهما انصرف إليه خاصة.

قوله : ( وكذا لو قال : إن كان الغائب سالما ).

الظاهر أن هذه المسألة تتمة للمسألة السابقة ، والمراد أنه لو كان له مالان حاضر وغائب فأخرج زكاة عن أحدهما صح وإن ضمّ إلى ذلك تقييد‌

٣٠٣

ولو أخرج عن ماله الغائب إن كان سالما ثم بان تالفا جاز نقلها إلى غيره على الأشبه.

ولو نوى عن مال يرجو وصوله لم يجز ولو وصل. (١) ولو لم ينو ربّ المال ونوى الساعي أو الإمام عند التسليم ، فإن أخذها الساعي كرها جاز ، وإن أخذها طوعا ، قيل : لا يجزي ، والإجزاء أشبه.

______________________________________________________

الغائب بكونه سالما ، لأن سلامته شرط لوقوع الزكاة عنه في الواقع فهو مراد ذكر أو لم يذكر.

ويحتمل أن تكون مسألة برأسها ويكون المراد أنه لو أخرج الزكاة عن ماله الغائب إن كان سالما جاز بمعنى أنه لو بان سالما وقع ذلك زكاة عنه ولم يضر اشتراط الواقع في النية.

قوله : ( ولو أخرج عن ماله الغائب إن كان سالما ثم بان تالفا جاز نقلها إلى غيره على الأشبه ، ولو نوى عن مال مرجو وصوله لم يجز ولو وصل ).

خالف في ذلك الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في المبسوط فمنع من جواز نقلها إلى غيره ، لفوات وقت النية (١). وهو ضعيف.

ولو لم تكن عين المدفوع باقية جاز له احتساب مثلها أو قيمتها إذا كان القابض عالما بالحال ، بل لا يبعد الجواز مطلقا لفساد الدفع في نفس الأمر وإن لم يعلم به المستحق.

قوله : ( ولو لم ينو رب المال ونوى الساعي أو الإمام عند التسليم ، فإن أخذها الساعي كرها جاز ، وإن أخذها طوعا قيل : لا يجزي ، والإجزاء أشبه ).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٣٢.

٣٠٤

______________________________________________________

القول بعدم الإجزاء للشيخ ـ رحمه‌الله ـ لكنه قال : إنه ليس للإمام ولا‌ للساعي مطالبته بها مرة ثانية (١).

واستدل عليه في المنتهى بأن الزكاة عبادة فتفتقر إلى النية ، وبأن الإمام نائب عن الفقراء والنية معتبرة في دفع الزكاة إليهم فكذا إلى نائبهم ، ثم قوّي الإجزاء ، لأن الإمام كالوكيل وهذه عبادة تصح فيها النيابة فاعتبرت نية النائب كالحج (٢).

وهذا البحث لا تظهر له فائدة فيما إذا كان الآخذ الإمام عليه‌السلام ، وإنما تظهر فيما إذا كان الآخذ الساعي ، خصوصا إن قلنا بجواز نصبه في زمن الغيبة. والظاهر تحقق النية بمجرد تسليمها طوعا إلى الساعي. والله تعالى أعلم.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٣٣.

(٢) المنتهى ١ : ٥١٦.

٣٠٥

القسم الثاني

في زكاة الفطرة

______________________________________________________

قوله : ( القسم الثاني ، في زكاة الفطرة ).

أجمع العلماء كافة إلاّ من شذّ من العامة على وجوب زكاة الفطرة ، والأصل فيها الكتاب والسنة ، قال الله عزّ وجلّ ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى ) (١).

وقد نصّ الصادق عليه‌السلام على أنّ المراد بالزكاة هنا : زكاة الفطرة. وروى ذلك ابن بابويه في الصحيح ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز عن أبي بصير وزرارة قالا ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إنّ من تمام الصوم إعطاء الزكاة ـ يعني الفطرة ـ كما أنّ الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تمام الصلاة ، لأنّه من صام ولم يؤدّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمدا ، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي وآله.

إنّ الله عزّ وجلّ بدأ بها قبل الصلاة فقال ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى ) » (٢).

__________________

(١) الأعلى : ١٤ ، ١٥.

(٢) الفقيه ٢ : ١١٩ ـ ٥١٥ ، الوسائل ٦ : ٢٢١ أبواب زكاة الفطرة ب ١ ح ٥.

٣٠٦

وأركانها أربعة :

الأوّل : في من تجب عليه.

تجب الفطرة بشروط ثلاثة :

الأول : التكليف ، فلا تجب على الصبي ، ولا على المجنون ،

______________________________________________________

وأمّا السنة فمستفيضة جدا كما ستقف عليه في تضاعيف هذا الباب.

والمراد بالفطرة إمّا الخلقة أو الدين أو الفطر من الصوم ، والمعنى على الأوّل زكاة الخلقة ، أي البدن ، وعلى الثاني زكاة الدين والإسلام ، وعلى الثالث زكاة الفطر من الصيام.

قوله : ( وأركانها أربعة ، الأول : تجب الفطرة بشروط ثلاثة ، الأول : التكليف ، فلا تجب على الصبي ، ولا على المجنون ).

هذا قول علمائنا أجمع ، حكاه المصنف في المعتبر والعلامة في المنتهى (١) ، ويدل عليه مضافا إلى أنّ غير المكلف لا يتوجه إليه إطلاق الأمر ، وتكليف الولي بذلك منفي بالأصل ، روايات منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن محمد بن القاسم بن الفضيل البصري قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أسأله عن الوصي يزكي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ فكتب : « لا زكاة على يتيم » وعن المملوك يموت مولاه وهو عنه غائب في بلد آخر وفي يده مال لمولاه ويحضر الفطر ، أيزكي عن نفسه من مال مولاه وقد صار لليتامى؟ فقال : « نعم » (٢).

ويستفاد من هذه الرواية أنّ الساقط عن اليتيم فطرته خاصة لا فطرة غلامه ، وأنّ للمملوك التصرف في مال اليتيم على هذا الوجه ، وكلا الحكمين مشكل.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٩٣ ، والمنتهى ١ : ٥٣١.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٢ ـ ١٣ ، الوسائل ٦ : ٥٥ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ١ ح ٤ وص ٢٢٦ أبواب زكاة الفطرة ب ٤ ح ٣.

٣٠٧

ولا على من أهلّ شوّال وهو مغمى عليه.

الثاني : الحرية ، فلا تجب على المملوك ولو قيل يملك ، ولا على المدبّر ، ولا على أم الولد ،

______________________________________________________

قوله : ( ولا على من أهل شوال وهو مغمى عليه ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب وقد ذكره العلامة (١) وغيره مجردا عن الدليل (٢) ، وهو مشكل على إطلاقه ، نعم ولو كان الإغماء مستوعبا لوقت الوجوب اتجه ذلك.

قوله : ( الثاني ، الحرية : فلا تجب على المملوك ولو قيل يملك ، ولا على المدبر ، ولا على أم الولد ).

هذا الشرط مجمع عليه بين الأصحاب أيضا ، بل قال في المنتهى : إنّه مذهب أهل العلم كافة إلاّ داود ، فإنّه قال : تجب على العبد ويلزم السيد تمكينه من الاكتساب ليؤديها (٣).

ويدل على انتفاء الوجوب عليه ـ مضافا إلى الأصل ـ الأخبار المستفيضة المتضمنة لوجوب فطرة المملوك على مولاه من غير تفصيل (٤).

ولو ملك المملوك عبدا على القول بملكه ، فهل تجب فطرته على المولى أو العبد؟ قال في المنتهى : الذي يقتضيه المذهب وجوبها على المولى ، لأنه المالك في الحقيقة ، والعبد مالك بمعنى إساغة التصرف ، ولأنّ ملكه ناقص (٥).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٤٧ ، والقواعد ١ : ٦٠ ، والتحرير ١ : ٧٠.

(٢) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد ١ : ٢٠٩ ، والشهيد الأول في الدروس : ٦٥ ، والبيان : ٢٠٥.

(٣) المنتهى ١ : ٥٣٢.

(٤) الوسائل ٦ : ٢٢٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٥.

(٥) المنتهى ١ : ٥٣٤.

٣٠٨

ولا على المكاتب المشروط ، ولا المطلق الذي لم يتحرر منه شي‌ء.

ولو تحرر منه شي‌ء وجبت عليه بالنسبة. ولو عاله المولى وجبت عليه دون المملوك.

______________________________________________________

واحتمل الشهيد في البيان السقوط عنهما ، أمّا عن العبد فلمانع العبودية ، وأمّا عن المولى فلسلب الملكية (١).

وصرّح العلامة في التذكرة بأنّه لا يجب على المملوك إخراج الفطرة عن نفسه ، ولا عن زوجته وإن قلنا أنّه يملك (٢). والمسألة محل إشكال على هذا التقدير ، إلاّ أنّ مقتضى الأصل سقوط الزكاة عن المملوك مطلقا ، فيجب المصير إليه إلى أن يثبت المخرج عنه.

قوله : ( ولا المكاتب المشروط ، ولا المطلق الذي لم يتحرر منه شي‌ء ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا سوى الصدوق في من لا يحضره الفقيه ، فإنّه قال بعد أن روى في الصحيح ، عن علي بن جعفر : أنّه سأل أخاه موسى عليه‌السلام عن المكاتب ، هل عليه فطرة شهر رمضان أو على من كاتبه؟ وتجوز شهادته؟ قال : « الفطرة عليه ولا تجوز شهادته » ، قال مصنف هذا الكتاب : وهذا على الإنكار لا على الإخبار ، يريد بذلك كيف تجب عليه الفطرة ولا تجوز شهادته ، أي أنّ شهادته جائزة كما أنّ الفطرة عليه واجبة (٣). ومقتضى ذلك وجوب الفطرة عليه ، وهو جيد لدلالة الرواية عليه ، سواء حملت على الإخبار أو الإنكار.

قوله : ( ولو تحرر منه شي‌ء وجبت عليه بالنسبة. ولو عاله المولى وجبت عليه دون المملوك ).

__________________

(١) البيان : ٢١٠.

(٢) التذكرة ١ : ٢٤٨.

(٣) الفقيه ٢ : ١١٧ ـ ٥٠٢ ، الوسائل ٦ : ٢٥٣ أبواب زكاة الفطرة ب ١٧ ح ٣.

٣٠٩

الثالث : الغنى ، فلا تجب على الفقير ، وهو من لا يملك أحد النصب الزكاتية ، وقيل : من تحل له الزكاة. وضابطه ألا يملك قوت سنة له ولعياله ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

أما وجوبها على المولى إذا انفرد بمؤنته فظاهر ، لأنّ العيلولة كافية في‌ الوجوب وإن كانت تبرعا كما سيجي‌ء بيانه (١).

وأمّا الوجوب عليه وعلى المولى بالنسبة مع انتفاء العيلولة ، فاستدل عليه في المنتهى بأنّ النصيب المملوك تجب نفقته على مالكه فتكون فطرته لازمة له ، وأمّا النصيب الحر ، فلا يجب على السيد أداء الزكاة عنه ، لأنّه لا تتعلق به الرقيّة ، بل تكون زكاته واجبة عليه إذا ملك بجزئه الحر ما تجب به الزكاة عملا بالعموم (٢).

وقوى الشيخ في المبسوط سقوط الزكاة عنه وعن المولى إذا لم يعله المولى ، لأنّه ليس بحر فيلزمه حكم نفسه ، ولا هو مملوك فتجب زكاته على مالكه ، لأنّه قد تحرر بعضه ، ولا هو في عيلولة مولاه ، فتلزمه فطرته ، لمكان العيلولة (٣). ولا يخلو من قوة.

أمّا على ما ذكره ابن بابويه من وجوب فطرة المكاتب على نفسه وإن لم يتحرر منه شي‌ء (٤) فالوجوب هنا أولى.

قوله : ( الثالث ، الغنى : فلا تجب على الفقير ، وهو من لا يملك أحد النصب الزكاتية ، وقيل : من تحل له الزكاة ، وضابطه من لا يملك قوت السنة له ولعياله ، وهو الأشبه ).

الخلاف في هذه المسألة وقع في موضعين :

__________________

(١) في ص ٣١٥.

(٢) المنتهى ١ : ٥٣٤.

(٣) المبسوط ١ : ٢٣٩.

(٤) الفقيه ٢ : ١١٧.

٣١٠

______________________________________________________

أحدهما : في اشتراط الغنى فيمن تجب عليه هذه الزكاة ، فذهب الأكثر إلى اشتراطه ، بل قال العلامة ـ رحمه‌الله ـ في المنتهى : إنّه قول علمائنا أجمع إلاّ ابن الجنيد. وقال ابن الجنيد : تجب على من فضل عن مؤنته ومؤنة عياله ليومه وليلته صاع (١). وحكاه في الخلاف عن كثير من أصحابنا (٢). والمعتمد الأوّل.

لنا أصالة البراءة مما لم يقم دليل على وجوبه ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سئل عن رجل يأخذ من الزكاة ، عليه صدقة الفطرة؟ قال : « لا » (٣) والمراد بأخذ الزكاة أخذها من حيث الفقر والمسكنة ، لأنّه المتبادر.

وفي الصحيح عن صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمار قال ، قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : على الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ قال : « ليس عليه فطرة » (٤).

وفي الصحيح عن أبان بن عثمان ، عن يزيد بن فرقد النهدي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يقبل الزكاة ، هل عليه صدقة الفطرة؟ قال : « لا » (٥).

وبإزاء هذه الروايات روايات أخر دالّة بظاهرها على عدم اعتبار هذا‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٣٢.

(٢) الخلاف ١ : ٣٦٨.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٣ ـ ٢٠١ ، الإستبصار ٢ : ٤٠ ـ ١٢٥ ، الوسائل ٦ : ٢٢٣ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ١.

(٤) التهذيب ٤ : ٧٣ ـ ٢٠٥ ، الإستبصار ٢ : ٤١ ـ ١٢٩ ، الوسائل ٦ : ٢٢٣ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ٦.

(٥) التهذيب ٤ : ٧٤ ـ ٢٠٦ ، الإستبصار ٢ : ٤١ ـ ١٣٠ ، الوسائل ٦ : ٢٢٣ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ٥.

٣١١

______________________________________________________

الشرط ، كصحيحة عبد الله بن ميمون ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « زكاة الفطرة صاع من تمر ، أو صاع من زبيب ، أو صاع من شعير ، أو صاع من أقط عن كل إنسان حر أو عبد ، صغير أو كبير ، وليس على من لا يجد ما يتصدق به حرج » (١).

ورواية زرارة قال ، قلت : الفقير الذي يتصدق عليه ، هل تجب عليه صدقة الفطرة؟ قال : « نعم ، يعطي مما يتصدق به عليه » (٢).

ورواية الفضيل بن يسار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أعلى من قبل الزكاة زكاة؟ فقال : « أمّا من قبل زكاة المال فإنّ عليه زكاة الفطرة ، وليس عليه لما قبله زكاة ، وليس على من يقبل الفطرة فطرة » (٣).

وأجاب عنها الشيخ في كتابي الأخبار بالحمل على الاستحباب (٤) ، وهو حسن ، مع أنّ الرواية الأولى غير صريحة في الوجوب على الفقير ، والروايتان الأخيرتان ضعيفتا السند باشتمال سند الأولى على محمد بن عيسى عن يونس ، وقد نقل ابن بابويه عن شيخه ، محمد بن الحسن بن الوليد أنّه كان يقول : ما تفرد به محمد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه (٥) ، وبأنّ في طريق الثانية إسماعيل بن سهل ، وقد ذكر النجاشي‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٧٥ ـ ٢١١ ، الإستبصار ٢ : ٤٢ ـ ١٣٥ ، الوسائل ٦ : ٢٢٣ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ٢ ، وفيها : عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٢ ـ ١١ ، التهذيب ٤ : ٧٤ ـ ٢٠٨ ، الاستبصار ٢ : ٤١ ـ ١٣٢ ، وفي المقنعة : ٤٠ ، والوسائل ٦ : ٢٢٥ أبواب زكاة الفطرة ب ٣ ح ٢. ومسندة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وكذا في التهذيب.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٣ ـ ٢٠٤ ، الإستبصار ٢ : ٤١ ـ ١٢٨ ، المقنعة : ٤٠ وفيه : عن الفضيل وزرارة ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، الوسائل ٦ : ٢٢٤ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ١٠.

(٤) التهذيب ٤ : ٧٥ ، والاستبصار ٢ : ٤٢.

(٥) راجع رجال النجاشي : ٢٣٥.

٣١٢

______________________________________________________

إسماعيل بن سهل الدهقان وقال : إنّه ضعّفه أصحابنا (١) ، فتكون الرواية ضعيفة ، وكيف كان فالحمل على الاستحباب مع تكافؤ السند متعين ، صونا للأخبار عن التنافي.

وثانيهما : فيما يتحقق به الغنى المقتضي للوجوب ، والأصح أنّه ملك قوت السنة فعلا أو قوّة ، لأنّ من لم يملك ذلك تحل له الزكاة على ما بيناه فيما سبق فلا تجب عليه الفطرة ، كما دلت عليه صحيحة الحلبي المتقدمة (٢) وغيرها.

ومقتضى ذلك أنّه لا يعتبر ملك مقدار زكاة الفطرة زيادة على قوت السنة ، وبه قطع الشارح قدس‌سره (٣) ، وجزم المصنف في المعتبر ، والعلامة في المنتهى باعتبار ذلك (٤) ، ولا بأس به.

وقال الشيخ في الخلاف : تجب زكاة الفطرة على من يملك نصابا تجب فيه الزكاة أو قيمة نصاب (٥). واعتبر ابن إدريس ملك عين النصاب دون قيمته (٦).

قال المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر : وما ذكره الشيخ ، لا أعرف به حجة ولا قائلا من قدماء الأصحاب ، فإن كان تعويله على ما احتج به أبو حنيفة فقد بينا ضعفه ، وبالجملة فإنّا نطالبه من أين قاله ، وبعض المتأخرين ادعى عليه الإجماع وخص الوجوب بمن معه أحد النصب الزكاتية ومنع القيمة وادعى اتفاق الإمامية على قوله ، ولا ريب أنّه وهم ، ولو احتج بأنّ مع ملك‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢١.

(٢) في ص ٣١١.

(٣) المسالك ١ : ٦٤.

(٤) المعتبر ٢ : ٥٩٤ ، المنتهى ١ : ٥٣٢.

(٥) الخلاف ١ : ٣٦٨.

(٦) السرائر : ١٠٨.

٣١٣

ويستحب للفقير إخراجها ، وأقلّ ذلك أن يدير صاعا على عياله ثم يتصدق به.

______________________________________________________

النصاب تجب الزكاة بالإجماع ، منعنا ذلك ، فإنّ من ملك النصاب ولا يكفيه لمؤنة عياله يجوز له أن يأخذ الزكاة ، وإذا أخذ الزكاة لم تجب عليه الفطرة ، لما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في عدة روايات ، منها رواية الحلبي ويزيد بن فرقد ومعاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه سئل عن الرجل يأخذ من الزكاة ، عليه صدقة الفطرة؟ قال : « لا » (١) (٢). انتهى كلامه رحمه‌الله ، وهو في غاية الجودة.

قوله : ( ويستحب للفقير إخراجها ، وأقل ذلك أن يدير صاعا على عياله ثم يتصدق به ).

أمّا إنّه يستحب للفقير إخراجها عن نفسه وعن عياله فقال في المنتهى : إنّه مذهب علمائنا أجمع إلاّ من شذ (٣). وقد تقدم من الأخبار ما يدل عليه.

وأمّا إنّ أقل ما يتأدى به الاستحباب أن يدير صاعا على عياله ثم يتصدق به ، فاستدل عليه بما رواه الشيخ في الموثق ، عن إسحاق بن عمّار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل لا يكون عنده شي‌ء من الفطرة إلاّ ما يؤدي عن نفسه وحدها ، يعطيه غريبا أو يأكل هو وعياله؟ قال : « يعطي بعض عياله ثم يعطي الآخر عن نفسه يترددونها فتكون عنهم جميعا فطرة واحدة » (٤) ومقتضاها الاكتفاء في تأدّي السنّة بإخراج الصاع على هذا الوجه مع العجز عما سوى ذلك ، وظاهر العبارة أنّ المتصدق هو الأوّل.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٢٣ أبواب زكاة الفطرة ب ٢ ح ١ ، ٥ ، ٨.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٩٤.

(٣) المنتهى ١ : ٥٣٦.

(٤) التهذيب ٤ : ٧٤ ـ ٢٠٩ ، الإستبصار ٢ : ٤٢ ـ ١٣٣ ، الوسائل ٦ : ٢٢٥ أبواب زكاة الفطرة ب ٣ ح ٣.

٣١٤

ومع الشروط يخرجها عن نفسه ، وعن جميع من يعوله ، فرضا أو نفلا ، من زوجة وولد وما شاكلهما ، وضيف وما شابهه ، صغيرا كان أو كبيرا ، حرّا أو عبدا ، مسلما أو كافرا.

______________________________________________________

وذكر الشهيد في البيان أنّ الأخير منهم يدفعه إلى الأجنبي (١) ، وهو لا يطابق معنى الإدارة الّتي ذكرها هو وغيره ، والرواية خالية من ذلك كله.

قال الشارح قدس‌سره : ولو كانوا غير مكلفين أو بعضهم ، تولى الولي ذلك عنه ، ولا يشكل إخراج ما صار ملكه عنه بعد النص وثبوت مثله في الزكاة المالية (٢).

وهو جيد لو كان النص صالحا لإثبات ذلك ، لكنه ضعيف من حيث السند ، قاصر من حيث المتن عن إفادة ذلك ، بل ظاهره اختصاص الحكم بالمكلفين.

والأصح اختصاص الحكم بهم ، لانتفاء ما يدل على تكليف ولي الطفل بذلك ، بل يمكن المناقشة في هذا الحكم من أصله إن لم يكن إجماعيا.

قوله : ( ومع الشروط يخرجها عن نفسه وعن جميع من يعوله ، فرضا أو نفلا ، من زوجة وولد وما شاكلهما ، وضيف وما شابهه ، صغيرا كان أو كبيرا ، حرا أو عبدا ، ومسلما أو كافرا ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، بل قال في المنتهى : ويجب أن يخرج الفطرة عن نفسه ومن يعوله أيّ يموّنه ، ذهب إليه علمائنا أجمع ، وهو قول أكثر أهل العلم إلاّ أبا حنيفة ، فإنّه اعتبر الولاية الكاملة ، فمن لا ولاية له عليه لا تجب عليه فطرته (٣).

__________________

(١) البيان : ٢٠٩.

(٢) المسالك ١ : ٦٤.

(٣) المنتهى ١ : ٥٣٣.

٣١٥

______________________________________________________

والأصل في هذا الحكم الأخبار المستفيضة ، فمن ذلك ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمر بن يزيد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر ، يؤدي عنه الفطرة؟ فقال : « نعم ، الفطرة واجبة على كل من يعول من ذكر أو أنثى ، صغير أو كبير ، حر أو مملوك » (١).

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في صدقة الفطرة فقال : « تصدق عن جميع من تعول من صغير أو كبير ، أو حر أو مملوك ، عن كل إنسان نصف صاع من حنطة ، أو صاع من تمر ، أو صاع من شعير ، والصاع أربعة أمداد » (٢).

وعن عبد الله بن سنان أيضا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كل من ضممت إلى عيالك من حر ، أو مملوك ، فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه » (٣).

وفي الصحيح ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه سأله عن صدقة الفطرة ، فقال : « على كل من يعول الرجل ، على الحر والعبد والصغير والكبير صاع من تمر ، أو نصف صاع من بر ، والصاع أربعة أمداد » (٤).

وفي الصحيح ، عن زرارة وبكير ابني أعين ، والفضيل بن يسار ،

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١١٦ ـ ٤٩٧ ، الوسائل ٦ : ٢٢٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٨١ ـ ٢٣٤ ، الإستبصار ٢ : ٤٧ ـ ١٥٥ ، الوسائل ٦ : ٢٣٣ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ذ. ح ١٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٧١ ـ ١٩٣ ، الوسائل ٦ : ٢٢٩ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٨.

(٤) التهذيب ٤ : ٨١ ـ ٢٣٣ ، الإستبصار ٢ : ٤٧ ـ ١٥٤ ، الوسائل ٦ : ٢٣٣ أبواب زكاة الفطرة ب ٦ ح ١٢.

٣١٦

______________________________________________________

ومحمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنّهما قالا : « على الرجل أن يعطي عن كل من يعول ، يعطي يوم الفطر » (١) الحديث.

وعن محمد بن أحمد بن يحيى رفعه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « يؤدّي الرجل زكاته عن مكاتبه ، ورقيق امرأته ، وعبده النصراني والمجوسي ، وما أغلق عليه بابه » (٢).

قال في المعتبر : وهذا وإن كان مرسلا إلاّ أنّ فضلاء الأصحاب أفتوا بمضمونه (٣).

ويستفاد من هذه الروايات أنّه لا فرق في المعال بين الحر والعبد ، ولا بين الصغير والكبير ، ولا بين المسلم والكافر ، ولا بين واجب النفقة وغيره.

ولا ينافي ذلك ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن صفوان ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلاّ أنّه يتكلف له نفقته وكسوته ، أتكون عليه فطرته؟ قال : « لا ، إنّما تكون فطرته على عياله صدقة دونه وقال : « العيال : الولد ، والمملوك ، والزوجة ، وأمّ الولد » (٤). لأنّا نجيب عنه بأنّه ليس في الرواية تصريح باختصاص الحكم بهذه الأربعة ، بل الظاهر أنّ ذكرهم إنّما وقع على سبيل التمثيل على معنى أنّ تكلف الإنفاق والكسوة لا يكفي في وجوب الفطرة ، بل لا بدّ معه من صدق العيلولة ، كما في الزوجة ، والولد ، والمملوك.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٧٦ ـ ٢١٥ ، الإستبصار ٢ : ٤٥ ـ ١٤٧ ، الوسائل ٦ : ٢٤٦ أبواب زكاة الفطرة ب ١٢ ح ٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٧٢ ـ ١٩٥ ، الوسائل ٦ : ٢٢٩ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٩.

(٣) المعتبر ٢ : ٥٩٧.

(٤) الفقيه ٢ : ١١٨ ـ ٥٠٩ ، الوسائل ٦ : ٢٢٧ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ٣.

٣١٧

______________________________________________________

واختلف الأصحاب في قدر الضيافة المقتضية لوجوب الفطرة على المضيف ، فاشترط الشيخ (١) والمرتضى الضيافة طول الشهر (٢) ، واكتفى المفيد بالنصف الأخير منه (٣) ، واجتزأ ابن إدريس بليلتين في آخره (٤) ، والعلامة باللّيلة الواحدة (٥).

وحكى المصنف في المعتبر عن بعض الأصحاب قولا بالاكتفاء بمسمّى الضيافة في جزء من الشهر ، بحيث يهلّ الهلال وهو في ضيافته ، قال : وهذا هو الأولى ، لقوله عليه‌السلام : « ممن تمونون » (٦) ، وهو يصلح للحال والاستقبال ، لكن تنزيله على الحال أولى ، لأنّه وقت الوجوب ، والحكم المعلق على الوصف يتحقق عند حصوله ، لا مع مضيّه ولا مع توقّعه (٧). ( وهو غير بعيد ، لأنّ الحكم وقع في النص معلقا على حضور يوم الفطر ويكون عند الرجل الضيف من إخوانه ، وهو يتحقق بذلك ، ويحتمل قويّا اعتبار صدق العيلولة عرفا حيث جعلت مناط الوجوب ) (٨).

وإطلاق النص يقتضي عدم الفرق في الضيف بين المتحد والمتعدد ، والموسر والمعسر.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٦١.

(٢) الانتصار : ٨٨.

(٣) المقنعة : ٤٣.

(٤) السرائر : ١٠٨.

(٥) التذكرة ١ : ٢٤٩ ، المنتهى ١ : ٥٣٦ ، والمختلف : ١٩٦.

(٦) الوسائل ٦ : ٢٣٠ أبواب زكاة الفطرة ب ٥ ح ١٥.

(٧) المعتبر ٢ : ٦٠٤.

(٨) بدل ما بين القوسين في « ض » ، « م » ، « ح » ويشكل بعدم المؤن عرفا بذلك ، مع أن الرواية التي نقلها غير واضحة الإسناد. واستدل على هذا القول أيضا بتعليق الحكم في رواية عمر بن يزيد المتقدمة على حضور يوم الفطر ويكون عند الرجل الضيف من إخوانه ، فإن ذلك يتحقق بمسمّى الضيافة في جزء من الشهر ، وهو منظور فيه ، أيضا لأن مقتضى قوله عليه‌السلام : نعم الفطرة واجبة على كل من يعول ، اعتبار صدق العيلولة عرفا في الضيف كغيره ، ولو قيل بذلك كان حسنا.

٣١٨

والنيّة معتبرة في أدائها ، (١) فلا يصحّ إخراجها من الكافر وإن وجبت عليه. ولو أسلم سقطت عنه.

______________________________________________________

وإنّما تجب على المضيف مع يساره ، فمع إعساره قيل : تجب على الضيف الموسر ، لأنّ العيلولة لا تسقط فطرة الغني إلاّ إذا تحملها المعيل (١). ويحتمل السقوط مطلقا ، أمّا عن المضيف فلإعساره ، وأمّا عن الضيف فلمكان العيلولة ، ولعل الأوّل أرجح.

قال الشارح قدس‌سره : ولو تبرع المعسر بإخراجها عنه ، ففي الإجزاء قولان ، وجزم الشهيد بعدمه ، وهو حسن مع عدم إذن الضيف ، وإلاّ فالإجزاء أحسن ، والظاهر أنّ موضع الإشكال ما لو كان الإخراج بغير إذنه ، ولو تبرع الضيف بإخراجها عن الموسر توقف الإجزاء على إذنه ، وكذا القول في الزوجة وغيرها (٢). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وهو مشكل جدا ، فإنّ إسقاط الواجب بفعل من لم يتعلق به الوجوب مع الإذن وبدونه يتوقف على الدليل ، وحمله على الدّين أو الزكاة المالية لا يخرج عن القياس.

والمراد بمشابه الضّيف : من يعوله الإنسان تبرّعا وإن كان أجنبيّا بحيث يهلّ الهلال وهو في عائلته ، وليس منه الأجير المشروط نفقته على المستأجر كما نصّ عليه في المعتبر (٣) ، لأنّ النفقة المشترطة كالأجرة.

قوله : ( والنيّة معتبرة في أدائها ).

وذلك لأنّها عبادة ، فيعتبر وقوعها على وجه الإخلاص ، ولا يعني بالنية إلاّ ذلك.

قوله : ( ولا يصح إخراجها من الكافر وإن وجبت عليه ، ولو أسلم سقطت عنه ).

__________________

(١) كما في المختلف : ١٩٦ ، والبيان : ٢٠٩.

(٢) المسالك ١ : ٦٥ ، ٦٦.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٠١.

٣١٩

مسائل ثلاثة :

الأولى : من بلغ قبل الهلال أو أسلم أو زال جنونه أو ملك ما يصير به غنيّا وجبت عليه. ولو كان بعد ذلك ما لم يصلّ العيد استحبت.

______________________________________________________

هذه الأحكام كلها إجماعيّة ، وقد تقدّم الكلام في الحكمين الأوّلين في‌ نظائر المسألة مرارا (١) ، وحكى المصنف في المعتبر ، عن الشافعي وأبي حنيفة أنّهما منعا من وجوب هذه الزكاة على الكافر ، لأنّه ليس من أهل الطهرة ، والزكاة طهرة (٢) ، وهو ضعيف جدّا فإنّ الطهرة ممكنة بتقديم إسلامه.

ويدل على سقوطها بالإسلام على الخصوص ، ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مولود ولد ليلة الفطر ، عليه فطرة؟ قال : « لا قد خرج الشهر » وسألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر ، عليه فطرة؟ قال : « لا » (٣).

قوله : ( مسائل ثلاثة ، الأولى : من بلغ قبل الهلال أو أسلم أو زال جنونه أو ملك ما يصير به غنيا وجبت عليه ، ولو كان بعد ذلك ما لم يصلّ العيد استحبت ).

أمّا الوجوب مع استكمال الشرائط قبل رؤية الهلال ، والمراد به غروب الشمس من ليلة الفطر ، كما نصّ عليه في المعتبر (٤) ، فموضع وفاق بين العلماء ، ويدل عليه مضافا إلى ما سبق ، ما رواه ابن بابويه ، عن علي بن أبي حمزة ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في المولود‌

__________________

(١) راجع ج ١ ص ٢٧٦.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٩٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٢ ـ ١٩٧ ، الوسائل ٦ : ٢٤٥ أبواب زكاة الفطرة ب ١١ ح ٢.

(٤) المعتبر ٢ : ٦١١.

٣٢٠