مدارك الأحكام - ج ٥

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

______________________________________________________

وعن معاوية بن عمار وعبد الله بن بكير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا يجوز أن يدفع الزكاة أقل من خمسة دراهم ، فإنها أقل الزكاة » (١).

والجواب بالحمل على الكراهة جمعا بين الأدلة.

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : الظاهر من كلام الأصحاب أن هذه التقديرات على سبيل الوجوب ، وعبارة المصنف في المعتبر كالصريحة في ذلك فإنه قال : وقول علم الهدي ـ يعني عدم التحديد ـ لم أجد به حديثا يستند إليه ، والإعراض عن النقل المشهور مع عدم المعارض اقتراح ، والتمسك بقوله ( وَآتُوا الزَّكاةَ ) (٢) غير دال ، لأنه أمر بالإيتاء ولا يدل على كيفية ذلك فيرجع فيه إلى الكيفية المنقولة (٣).

وصرّح العلاّمة في جملة من كتبه بأن ذلك على سبيل الاستحباب (٤) ، حتى أنه قال في التذكرة بعد أن حكم بأنه يستحب أنه لا يعطى الفقير أقل مما يجب في النصاب الأول : وما قلناه على الاستحباب لا الوجوب إجماعا (٥). والأصح أن ذلك على سبيل الاستحباب ، لكن الخلاف في المسألة متحقق.

الثاني : ليس فيما وقفت عليه من الروايات دلالة على اعتبار التحديد ببلوغ النصاب الأول والثاني من الذهب ، وإنما الموجود فيها التقدير بخمسة دراهم أو درهم ، فيحتمل سقوط التحديد في غيرها مطلقا كما هو قضية‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٦٢ ـ ١٦٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٨ ـ ١١٧ ، الوسائل ٦ : ١٧٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٣ ح ٤.

(٢) البقرة : ٤٣ ، ٨٣ ، ١١٠.

(٣) المعتبر ٢ : ٥٩٠.

(٤) المختلف : ١٨٦ ، والقواعد ١ : ٥٩ ، والتبصرة : ٤٨.

(٥) التذكرة ١ : ٢٤٤.

٢٨١

ولا حدّ للأكثر إذا كان دفعة. ولو تعاقبت العطيّة فبلغت مؤنة السنة حرم عليه ما زاد.

______________________________________________________

الأصل ، ويحتمل اعتبار بلوغ قيمة المدفوع ذلك ، واختاره الشارح (١) ـ قدس‌سره ـ ولا ريب أنه أحوط ، ولو فرض نقص قيمة الواجب عن ذلك كله كما لو وجبت عليه شاة واحدة لا تساوي خمسة دراهم دفعها إلى الفقير وسقط اعتبار التقدير قطعا.

الثالث : إنما يستحب إعطاء الخمسة دراهم أو يجب إذا بلغ الواجب ذلك ، فلو أعطى ما في الأول لواحد ثم وجبت الزكاة عليه في النصاب الثاني أخرج زكاته وسقط اعتبار التقدير فيه إذا لم يجتمع منه نصب كثيرة تبلغ الأول.

ولو كان عند المالك نصابان أول وثان فقد ذكر الشارح (٢) وغيره (٣) أنه يجوز إعطاء ما في الأول لواحد وما في الثاني لآخر من غير كراهة ولا تحريم على القولين. وهو مشكل ، لإطلاق النهي عن إعطاء ما دون الخمسة وإمكان الامتثال بدفع الجميع إلى الواحد ، وطريق الاحتياط واضح.

قوله : ( ولا حدّ للأكثر إذا كان دفعة ، ولو تعاقبت عليه العطية فبلغت مؤنة السنة حرم عليه الزائد ).

أما تحريم الزائد بعد ملك مؤنة السنة فلا ريب فيه ، لتحقق الغنى المانع من الاستحقاق. وأما أنه لا حدّ للأكثر إذا كان دفعة فهو قول علمائنا أجمع ، لكن لا وجه لاعتبار الدفعة ، لأن الفقير متى ملك مؤنة السنة صار غنيا وحرم عليه تناول الزكاة ، ولقد أجاد المصنف في النافع حيث قال : ولا حدّ للأكثر فخير الصدقة ما أبقت غنى (٤). ونحوه قال في المعتبر (٥).

__________________

(١) المسالك ١ : ٦٢.

(٢) المسالك ١ : ٦٢.

(٣) كالمحقق في المعتبر ٢ : ٥٩٠.

(٤) المختصر النافع : ٦٠.

(٥) المعتبر ٢ : ٥٩٠.

٢٨٢

السابعة : إذا قبض الإمام الزكاة دعا لصاحبها وجوبا. وقيل :

______________________________________________________

وقال العلاّمة في المنتهى : يجوز أن يعطى الفقير ما يغنيه ويزيد على‌ غناه وهو قول علمائنا أجمع (١). ويدل على ذلك مضافا إلى العمومات روايات : منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن سعيد بن غزوان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة؟ فقال : « أعطه من الزكاة حتى تغنيه » (٢).

وفي الصحيح ، عن ابن أبي عمير ، عن زياد بن مروان ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : « أعطه ألف درهم » (٣).

وفي الموثق ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال ، قلت له : أعطي الرجل من الزكاة ثمانين درهما؟ قال : « نعم وزده » قلت : أعطيه مائة؟ قال : « نعم وأغنه إن قدرت على أن تغنيه » (٤).

وفي الموثق ، عن عمار بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام إنه سئل كم يعطى الرجل من الزكاة؟ قال ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : « إذا أعطيت فأغنه » (٥).

قوله : ( السابعة ، إذا قبض الإمام الزكاة دعا لصاحبها وجوبا ،

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٣٠.

(٢) التهذيب ٤ : ٦٣ ـ ١٧٠ ، الوسائل ٦ : ١٧٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٤ ح ٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٦٣ ـ ١٧١ ، الوسائل ٦ : ١٧٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٤ ح ٦.

(٤) الكافي ٣ : ٥٤٨ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٤ ـ ١٧٣ ، الوسائل ٦ : ١٧٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٤ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ٥٤٨ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٦٤ ـ ١٧٤ ، الوسائل ٦ : ١٧٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٤ ح ٤.

٢٨٣

استحبابا ، وهو الأشهر.

الثامنة : يكره أن يملك ما أخرجه في الصدقة اختيارا ، واجبة‌

______________________________________________________

وقيل : استحبابا ، وهو الأظهر ).

الأصل في هذه المسألة قوله تعالى ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) (١) والسكن ما يسكن إليه المرء وتطمئن به نفسه وذلك أن دعاءه عليه‌السلام معلوم الاستجابة.

والبحث في وجوب ذلك على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام عليه‌السلام أو استحبابه خال من الفائدة ، وإنما الكلام في وجوب ذلك واستحبابه على الساعي والفقيه والأصح عدم الوجوب ، للأصل ، ودلالة ظاهر التعليل المستفاد من الآية الشريفة على اختصاص الحكم بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو به وبالإمام ، ولأن أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يأمر بذلك ساعيه الذي أنفذه إلى بادية الكوفة مع اشتمال وصيته التي أوصاه بها على كثير من الآداب والسنن.

أما المستحق فقيل : إنه لا يجب عليه الدعاء إجماعا. ولا ريب في استحباب الدعاء للجميع. ويجوز بصيغة الصلاة وغيرها ، وربما قيل بتعين لفظ الصلاة (٢) ، وهو ضعيف.

وذكر العلاّمة في التذكرة أنه ينبغي أن يقال في صورة الدعاء : « آجرك الله فيما أعطيت وجعله لك طهورا وبارك الله لك فيما أبقيت » (٣).

قوله : ( الثامنة ، يكره أن يملك ما أخرجه في الصدقة اختيارا ،

__________________

(١) التوبة : ١٠٣.

(٢) قال به السيوري في التنقيح الرائع ١ : ٣٢٩.

(٣) التذكرة ١ : ٢٤٧.

٢٨٤

كانت أو مندوبة ، ولا بأس إذا عادت بميراث وما شابهه.

التاسعة : يستحب أن توسم نعم الصدقة في أقوى مرضع منها‌

______________________________________________________

واجبة كانت أو مندوبة ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنه لا خلاف فيه بين العلماء ، واستدل عليه بأنها طهارة للمال فيكره له شراء طهوره ، وبأنه ربما أستحيي الفقير فيترك المماكسة معه ويكون ذلك وسيلة إلى استرجاع بعضها ، وربما طمع الفقير في غيرها منه فأسقط بعض ثمنها. ثم قال : ولو احتاج إلى شرائها بأن يكون الفرض جزءا من حيوان لا يتمكن الفقير من الانتفاع به ولا يشتريه غير المالك أو يحصل للمالك ضرر بشراء غيره جاز شراؤها وزالت الكراهة إجماعا (١).

ويدل على جواز الشراء مضافا إلى الإجماع المنقول من جماعة (٢) ، وإطلاق قوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٣) ما رواه الشيخ ، عن محمد بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « فإذا أخرجها ـ يعني الشاة ـ فليقوّمها فيمن يريد (٤) فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها ، وإن لم يردها فليبعها » (٥).

قوله : ( ولا بأس إذا عادت إليه بميراث وشبهه ).

يندرج في : شبهه ، شراء الوكيل العام واستيفاؤها له من مال الموكّل. ومعنى نفي البأس في عودها إليه بالميراث أن الوارث يملك ما هذا شأنه ولا يستحب له إخراجه عن ملكه.

قوله : ( التاسعة ، يستحب أن توسم نعم الصدقة في أقوى موضع‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٣٠.

(٢) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ٥٩١ ، والعلاّمة في المنتهى ١ : ٥٣٠.

(٣) النساء : ٢٩.

(٤) في « م » و « ح » : يزيد.

(٥) التهذيب ٤ : ٩٨ ـ ٢٧٦ ، الوسائل ٦ : ٨٩ أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ٣.

٢٨٥

وأكشفه ، كأصول الآذان في الغنم ، وأفخاذ الإبل والبقر. (١) ويكتب في الميسم ما أخذت له : زكاة ، أو صدقة ، أو جزية.

القول في وقت التسليم

إذا أهل الثاني عشر وجب دفع الزكاة.

______________________________________________________

منها وأكشفه كأصول الآذان في الغنم ، وأفخاذ الإبل والبقر ).

هذا قول علمائنا وأكثر العامة (١) ، واستدل عليه في المنتهى بما رواه الجمهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه كان يسم الإبل في إفخاذها (٢). وعن أنس إنه دخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يسم الغنم في آذانها (٣). وبأن فيه فائدة لا تحصل بدونه وهي تمييزها عن غيرها فربما شردت فيعرفها من يجدها فيردّها ، وربما رآها صاحب المال فامتنع من شرائها (٤). ولا بأس به.

قوله : ( ويكتب على الميسم ما أخذت له : زكاة ، أو صدقة ، أو جزية ).

الميسم بكسر الميم وفتح السين : المكواة بكسر الميم أيضا ، والمراد أنه يستحب أن يوسم بميسم مكتوب عليه ما أخذت له تلك النعم ، ففي نعم الصدقة : صدقة أو زكاة ، وفي الجزية : جزية. قال في التذكرة : ولو كتب عليه « لله » كان أبرك وأولى (٥).

قوله : ( القول في وقت التسليم ، إذا أهل الثاني عشر وجب دفع الزكاة ).

__________________

(١) منهم الشافعي في الأم ٢ : ٧٩ ، والفيروزآبادي في المهذب ١ : ١٦٩.

(٢) سنن البيهقي ٧ : ٣٦.

(٣) صحيح البخاري ٧ : ١٢٦ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٦ ـ ٢٥٦٣.

(٤) المنتهى ١ : ٥١٥.

(٥) التذكرة ١ : ٢٤٢.

٢٨٦

______________________________________________________

مقتضى العبارة استقرار الوجوب بإهلال الثاني عشر وإن لم تكمل أيامه‌ وبذلك صرّح في المعتبر فقال : لا تجب الزكاة في الحيوان والأثمان حتى يحول عليها الحول وهو أن يمضي لها في ملكه أحد عشر شهرا ثم يهلّ الثاني عشر وتكون الشرائط موجودة فيه كله وهو النصاب وإمكان التصرف والسوم في الماشية وكونها دراهم أو دنانير في الأثمان (١). والضمير المجرور في قوله : وتكون الشرائط موجودة فيه ، يرجع إلى الحول المعرّف سابقا كما هو واضح.

وأوضح من ذلك دلالة كلام العلاّمة في المنتهى فإنه قال : لا تجب الزكاة في الأنعام والأثمان حتى يحول عليها الحول أحد عشر شهرا ثم يهلّ الثاني عشر وهي على الشرائط طول الحول وقد تقدم ذلك كله ، فإذا أهلّ الثاني عشر وجب دفع الزكاة على الفور (٢). وقريب من ذلك عبارة التذكرة (٣).

والأصل في ذلك ما رواه الشيخ والكليني في الحسن ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت له : رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلّها بشهر فقال : « إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول ووجبت عليه فيها الزكاة » (٤).

ومقتضى الرواية أن حولان الحول عبارة عن مضيّ أحد عشر شهرا كاملة على المال فإذا دخل الثاني عشر وجبت الزكاة وإن لم تكمل أيامه ، وبمضمون هذه الرواية أفتى الأصحاب ، وقال العلاّمة في التذكرة والمنتهى :

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٥٣.

(٢) المنتهى ١ : ٥١٠.

(٣) التذكرة ١ : ٢٣٧.

(٤) الكافي ٣ : ٥٢٥ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٥ ـ ٩٢ ، الوسائل ٦ : ١١١ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٢ ح ٢.

٢٨٧

ولا يجوز التأخير إلا لمانع ، أو لانتظار من له قبضها. وإذا عزلها جاز تأخيرها إلى شهر أو شهرين. والأشبه أن التأخير إن كان لسبب مبيح دام بدوامه ولا يتحدد. وإن كان اقتراحا لم يجز ،

______________________________________________________

إنه قول علمائنا أجمع (١).

ومقتضى ذلك استقرار الوجوب بدخول الثاني عشر ، لكن صرّح الشارح بخلاف ذلك وأن استقرار الوجوب إنما يتحقق بتمام الثاني عشر وقال : إن الفائدة تظهر في جواز تأخير الإخراج إلى أن يستقر الوجوب ، وفيما لو اختلّت الشرائط في الثاني عشر فتسقط الزكاة ويرجع بها إن كان أخرجها إذا علم القابض بالحال أو كانت العين باقية (٢).

وهذا القول لا نعرف به قائلا ممن سلف ، نعم ربما أو همه كلام المصنف في النافع حيث قال : إذا أهلّ الثاني عشر وجبت الزكاة ، وتعتبر شرائط الوجوب فيه كلّه ، وعند الوجوب يتعين دفع الواجب ولا يجوز تأخيره (٣). والظاهر أن الضمير يرجع إلى الحول المدلول عليه بالمقام لا إلى الشهر الثاني عشر كما دلّت عليه عبارة الكتاب وكلامه في المعتبر (٤).

وبالجملة : فمقتضى الرواية والإجماع المنقول استقرار الوجوب بدخول الثاني عشر ، والمتجه إما العمل بهما كما هو الظاهر ، أو إلغاء الحكم من أصله والحكم بعدم تحقق حؤول الحول إلاّ بتمام الثاني عشر ، أما التفصيل فلا وجه له والله أعلم.

قوله : ( ولا يجوز التأخير إلا المانع ، أو لانتظار من له قبضها ، وإذا عزلها جاز تأخيرها شهرا وشهرين ، والأشبه أنّ التأخير إن كان لسبب مبيح دام بدوامه ولا يتحدد ، وإن كان اقتراحا لم يجز ).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٠٥ ، والمنتهى ١ : ٥١٠.

(٢) المسالك ١ : ٥٣.

(٣) المختصر النافع : ٥٨.

(٤) راجع ص ٢٨٧.

٢٨٨

______________________________________________________

اختلف الأصحاب في هذه المسألة فأطلق الأكثر عدم جواز التأخير عن‌ وقت التسليم إلاّ لمانع ، لأن المستحق مطالب بشاهد الحال ، فيجب التعجيل كالوديعة والدين.

وقال الشيخ في النهاية : وإذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور ولا يؤخره ، ثم قال : وإذا عزل ما يجب عليه فلا بأس أن يفرقه ما بين شهر وشهرين ولا يجعل ذلك أكثر منه (١).

وقال ابن إدريس في سرائره : وإذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه إذا حضر المستحق ، فإن أخّر ذلك إيثارا به مستحقا غير من حضر فلا إثم عليه بغير خلاف إلاّ أنه إن هلك قبل وصوله إلى من يريد إعطاءه إياه يجب على ربّ المال الضمان ، وقال بعض أصحابنا : إذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما عليه على الفور ولا يؤخره. فإن أراد على الفور وجوبا مضيقا فهذا بخلاف إجماع أصحابنا لأنه لا خلاف بينهم أن للإنسان أن يخصّ بزكاته فقيرا دون فقير وأنه لا يكون مخلاّ بواجب ولا فاعلا لقبيح ، وإن أراد بقوله : على الفور ، أنه إذا حال الحول وجب عليه إخراج الزكاة فإن لم يخرجها طلبا وإيثارا لغير من حضر من مستحقيها وهلك المال فإنه يكون ضامنا فهذا الذي ذهبنا إليه واخترناه (٢).

وجوّز الشهيد في الدروس التأخير لانتظار الأفضل والتعميم (٣) ، وزاد في البيان تأخيرها لمعتاد الطلب منه بما لا يؤدي إلى الإهمال (٤).

وجزم الشارح ـ قدس‌سره ـ بجواز تأخيرها شهرا وشهرين خصوصا للبسط أو لذي المزية (٥). وهو المعتمد ، للأخبار الكثيرة الدالة عليه‌

__________________

(١) النهاية : ١٨٣.

(٢) السرائر : ١٠٥.

(٣) الدروس : ٦٤.

(٤) البيان : ٢٠٣.

(٥) المسالك ١ : ٦٢.

٢٨٩

______________________________________________________

كصحيحة حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين » (١).

وصحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخّرها إلى المحرّم؟ قال : « لا بأس » قال ، قلت : فإنها لا تحلّ عليه إلاّ في المحرّم فيعجّلها في شهر رمضان؟ قال : « لا بأس » (٢).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام إنه قال في الرجل يخرج زكاته فيقسم بعضها ويبقى بعض يلتمس لها المواضع فيكون بين أوله وآخره ثلاثة أشهر قال : « لا بأس » (٣).

وموثقة يونس بن يعقوب قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : زكاة تحلّ عليّ شهرا فيصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة؟ فقال : « إذا حال الحول فأخرجها من مالك ولا تخلطها بشي‌ء وأعطها كيف شئت » قال ، قلت : وإن أنا كتبتها وأثبتها يستقيم لي؟ قال : « نعم لا يضرك (٤) » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٤٤ ـ ١١٤ ، الإستبصار ٢ : ٣٢ ـ ٩٦ ، الوسائل ٦ : ٢١٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١١.

(٢) التهذيب ٤ : ٤٤ ـ ١١٢ ، الإستبصار ٢ : ٣٢ ـ ٩٤ ، الوسائل ٦ : ٢١٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ٩.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٣ ـ ٧ ، التهذيب ٤ : ٤٥ ـ ١١٨ ، السرائر : ٤٨٤ ، الوسائل ٦ : ٢١٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٣ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٥٢٢ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٤٥ ـ ١١٩ ، الوسائل ٦ : ٢١٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ٢.

(٥) في « ض » ، « م » ، « ح » زيادة : ويستفاد من صحيحة معاوية بن عمّار جواز التأخير ثلاثة أشهر بل وأربعة ، ولا بأس بالعمل بمضمونها لمطابقتها لمقتضى الأصل ، وبالجملة فليس على وجوب الفورية دليل يعتد به إلاّ أن المصير إليه أولى وأحوط.

٢٩٠

ويضمن إن تلفت.

ولا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب. فإن آثر ذلك دفع مثلها‌

______________________________________________________

قوله : ( ويضمن إن تلفت ).

لا ريب في الضمان إذا كان التأخير لغير عذر وإن قلنا بجوازه ، للأخبار الكثيرة الدالة عليه كحسنة محمد بن مسلم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال : « إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها ، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنها قد خرجت من يده (١).

وحسنة زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل بعث إليه أخ له بزكاته ليقسمها فضاعت فقال : « ليس على الرسول ولا على المؤدّي ضمان » قلت : فإنه لم يجد لها أهلا ففسدت وتغيرت أيضمنها؟ قال : « لا ولكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها » (٢).

قال في المنتهى : ولو كثر المستحقون في البلد وتمكّن من الدفع إليهم جاز له التأخير في الإعطاء لكل واحد بمقدار ما يعطي غيره ، وفي الضمان حينئذ تردد (٣). وكأنّ منشأ التردد عموم ما دل على الضمان بالتأخير ، وأن مثل ذلك لا يسمى تأخيرا عرفا فلا يترتب عليه الضمان ، والأصح عدم الضمان.

قوله : ( ولا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب ، فإن آثر ذلك دفع‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٥ ـ ٤٦ ، التهذيب ٤ : ٤٧ ـ ١٢٥ ، الوسائل ٦ ، ١٩٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٤٨ ـ ١٢٦ بتفاوت يسير ، الوسائل ٦ : ١٩٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٢.

(٣) المنتهى ١ : ٥١١.

٢٩١

قرضا ، ولا يكون ذلك زكاة ، ولا يصدق عليها اسم التعجيل.

______________________________________________________

مثلها قرضا ، ولا يكون ذلك زكاة ، ولا يصدق عليها اسم التعجيل ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ذهب إليه الشيخان (١) والمرتضى (٢) وأبو الصلاح (٣) وابنا بابويه (٤) وابن إدريس (٥) وغيرهم.

وقال ابن أبي عقيل : يستحب إخراج الزكاة وإعطاؤها في استقبال السنة الجديدة في شهر المحرّم ، وإن أحب تعجيله قبل ذلك فلا بأس (٦). وقال سلاّر : وقد ورد الرسم بجواز تقديم الزكاة عند حضور المستحق (٧). قال في المختلف : وفي كلامهما إشعار بجواز التعجيل (٨). والأصح ما اختاره المصنف والأكثر من عدم جواز التقديم إلاّ على سبيل القرض.

لنا : أن حؤول الحول شرط الوجوب فلم يجز تقديم الواجب عليه كما لا يقدم قبل تمام النصاب ، وما رواه الشيخ والكليني في الحسن ، عن عمر بن يزيد قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يكون عنده المال أيزكيه إذا مضى نصف السنة؟ قال : « لا ولكن حتى يحول عليه الحول ويحلّ عليه ، إنه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلاّ لوقتها وكذلك الزكاة ولا يصوم أحد شهر رمضان إلاّ في شهره إلاّ قضاء وكل فريضة إنما تؤدّى إذا حلّت » (٩).

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٣٩ ، والشيخ في النهاية : ١٨٣ ، والمبسوط ١ : ٢٢٧ ، والخلاف ١ : ٣١٨.

(٢) جمع العلم والعمل : ١٢٤.

(٣) الكافي في الفقه : ١٧٣.

(٤) الصدوق في الفقيه ٢ : ١٠ ، والمقنع : ٥١ ، وحكاه عنهما في المختلف : ١٨٨.

(٥) السرائر : ١٠٥.

(٦) نقله عنه في المختلف : ١٨٨.

(٧) المراسم : ١٢٨.

(٨) المختلف : ١٨٨.

(٩) الكافي ٣ : ٥٢٣ ـ ٨ ، التهذيب ٤ : ٤٣ ـ ١١٠ ، الإستبصار ٢ : ٣١ ـ ٩٢ ، الوسائل ٦ : ٢١٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥١ ح ٢.

٢٩٢

______________________________________________________

وفي الحسن ، عن زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أيزكي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال : « لا أيصلي الأولى قبل الزوال؟! » (١).

احتج المجوزون بصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة حيث قال فيها ، قلت : فإنها لا تحلّ عليه إلاّ في المحرّم فيعجّلها في شهر رمضان؟ قال : « لا بأس » (٢).

وصحيحة حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين » (٣).

وأجاب الشيخ في كتابي الأخبار عن هاتين الروايتين وما في معناهما بالحمل على أن التقديم على سبيل القرض لا أنه زكاة معجلة ، واستدل على هذا التأويل بما رواه في الصحيح ، عن الأحول ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل عجّل زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة فقال : « يعيد المعطي الزكاة » (٤).

قال في المعتبر : وما ذكره الشيخ ليس حجة على ما ادعاه ، إذ يمكن القول بجواز التعجيل مع ما ذكره ، مع أن الرواية تضمنت أن المعجّل زكاة فتنزيله على القرض تحكّم ، وكأن الأقوى ما ذكره المفيد من تنزيل الرواية‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٤ ـ ٩ ، التهذيب ٤ : ٤٣ ـ ١١١ ، الإستبصار ٢ : ٣٢ ـ ٩٣ ، الوسائل ٦ : ٢١٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥١ ح ٣.

(٢) في ص ٢٩٠.

(٣) المتقدمة في ص ٢٩٠.

(٤) التهذيب ٤ : ٤٥ ـ ١١٦ ، الإستبصار ٢ : ٣٣ ـ ٩٨ ، الوسائل ٦ : ٢١١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٠ ح ١.

٢٩٣

______________________________________________________

على ظاهرها في الجواز فيكون فيه روايتان (١). هذا كلامه رحمه‌الله.

( والحق أن ) (٢) الروايات متنافية بحسب الظاهر فيجب الجمع بينها ، وما ذكره الشيخ من الجمع جيّد إلاّ أن جواز التعجيل على سبيل القرض لا يتقيد بالشهرين والثلاثة فلا يظهر للتخصيص بذلك على هذا التقدير وجه ، لكن ليس في الروايتين ما يدل على التخصيص بالحكم صريحا ، والتخصيص بالذكر لا يقتضي التخصيص بالحكم خصوصا الرواية الأولى فإن التخصيص فيها وقع في كلام السائل وليس في الجواب عن المقيد المسؤول عنه دلالة على نفي الحكم عما عداه.

ويشهد لهذا الجمع ما رواه الكليني ، عن عقبة بن خالد : إن عثمان بن عمران دخل على أبي عبد الله عليه‌السلام وقال له : إني رجل موسر فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : « بارك الله في يسارك » قال : ويجي‌ء الرجل فيسألني الشي‌ء وليس هو إبّان زكاتي ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : « القرض عندنا بثمانية عشر والصدقة بعشرة ، وما ذا عليك إذا كنت كما تقول موسرا أعطيته فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة » (٣).

وعن يونس بن عمار قال ، سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « قرض المؤمن غنيمة وتعجيل أجر ، إن أيسر قضاك وإن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة » (٤).

وعن موسى بن بكر ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « كان عليّ‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٥٦.

(٢) بدل ما بين القوسين ، في « ض » وهو جيّد ولكن.

(٣) الكافي ٤ : ٣٤ ـ ٤ ، الوسائل ٦ : ٢٠٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٨ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٣٢ ـ ١٢٧ ، الوسائل ٦ : ٢٠٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١.

٢٩٤

فإذا جاء وقت الوجوب احتسبها من الزكاة كالدين على الفقير ، بشرط بقاء القابض على صفة الاستحقاق ، وبقاء الوجوب في المال.

ولو كان النصاب يتم بالقرض لم تجب الزكاة ، سواء كانت‌

______________________________________________________

صلوات الله عليه يقول : قرض المال حمى (١) الزكاة (٢) ».

قوله : ( فإذا جاء وقت الوجوب احتسبها من الزكاة كالدين على الفقير بشرط بقاء القابض على صفة الاستحقاق وبقاء الوجوب في المال ).

لا ريب في اعتبار هذا الشرط بناء على أن التقديم على سبيل القرض لا الزكاة المعجلة ، لأن هذا المدفوع دين للمالك فيجوز له احتسابه على من هو عليه من الزكاة بعد وجوبها إذا كان مستحقا كغيره من الديون ، وله المطالبة بعوضه ودفعه إلى غيره ودفع غيره إليه ودفع غيره إلى غيره وإن بقي على صفة الاستحقاق.

ولو قلنا إن المقدّم زكاة معجّلة فالظاهر اعتبار هذا الشرط أيضا كما قطع به في المنتهى (٣) ، لأن الدفع يقع مراعى في جانب الدافع اتفاقا فكذا القابض ، وحكى عن بعض العامة قولا بأنه لا يعتبر ذلك لأنه حق أدّاه إلى مستحقه فكان كما لو أدّى الدين المؤجل قبل الأجل ، ثم يجاب عنه بالفرق فإن الدين يستقر في الذمة بخلاف الزكاة (٤).

قوله : ( ولو كان النصاب يتم بالقرض لم تجب الزكاة سواء كانت‌

__________________

(١) حمى الزكاة أي حافظ لها ، بمعنى إذا مات المقترض أو أعسر احتسبت عليه ـ مجمع البحرين ١ : ١٠٩.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٨ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠٧ ـ ٣٠٥ ، الوسائل ٦ : ٢٠٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ٥.

(٣) في « ض » ، « م » ، « ح » زيادة. لصحيحة الأحول المتقدمة و.

(٤) المنتهى ١ : ٥١٢.

٢٩٥

عينه باقية أو تالفة على الأشبه.

ولو خرج المستحق عن الوصف استعيدت ، وله أن يمتنع من إعادة العين ببذل القيمة عند القبض كالقرض. ولو تعذر استعادتها غرم المالك الزكاة من رأس. ولو كان المستحق على الصفات وحصلت شرائط الوجوب جاز أن يستعيدها ويعطي عوضها لأنها لم تتعين ، ويجوز‌

______________________________________________________

عينه باقية أو تالفة على الأشبه ).

هذا هو الأجود ، لأن القرض يخرج عن ملك المقرض بالقبض فلا يتمّ به النصاب. ونبّه بالتسوية بين أن تكون العين باقية أو تالفة على خلاف الشيخ حيث ذهب إلى أن القرض إنما يملك بالتصرف فلا ينثلم النصاب قبله (١). وهو ضعيف جدا. ونقل عنه قول آخر بأن النصاب لا ينثلم بالقرض مطلقا إذا تمكن المالك من استعادته ، بناء على وجوب الزكاة في الدين إذا كان مالكه متمكنا منه (٢).

قال في المعتبر : وهذا ليس بجيد ، لأنا بيّنّا أن ما يدفعه يكون قرضا ، ولا ريب أن القرض يخرج عن ملك المقرض فلا يتم به النصاب (٣).

ويتوجه عليه أنه لا ريب في خروج القرض عن ملك المقرض إلاّ أن ما ثبت في ذمة المقترض من المثل أو القيمة من أقسام الدين فيمكن تعلق الزكاة به عند من قال بوجوبها في الدين وعدم سقوط الزكاة بإبدال النصاب أو بعضه بالمثل ، وقد بيّنّا ضعف ذلك كله فيما سبق.

قوله : ( ولو خرج المستحق عن الوصف استعيدت ، وله أن يمتنع من إعادة العين ببذل القيمة عند القبض كالقرض ، ولو تعذر استعادتها غرم المالك الزكاة من رأس. ولو كان المستحق على الصفات وحصلت شرائط الوجوب جاز أن يستعيدها ويعطي عوضها لأنها لم تتعين ، ويجوز‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٣١.

(٢) المبسوط ١ : ٢١١.

(٣) المعتبر ٢ : ٥٥٨.

٢٩٦

أن يعدل بها عمّن دفعت إليه أيضا.

فروع :

الأول : لو دفع إليه شاة فزادت زيادة متّصلة كالسمن لم يكن له استعادة العين مع ارتفاع الفقر ، وللفقير بذل القيمة. وكذا لو كانت الزيادة منفصلة كالولد. لكن لو دفع الشاة لم يجب عليه دفع الولد.

______________________________________________________

أن يعدل بها عمن دفعت إليه أيضا ).

الوجه في هذه الأحكام كلها معلوم مما سبق ، فإن المدفوع إلى الفقير قرض كما هو الفرض فكان حكمه حكم غيره من الديون في جواز احتسابه من الزكاة واستعادة مثله أو قيمته مع بقاء الآخذ على صفة الاستحقاق وبدونه ، ولو قلنا إن المدفوع زكاة معجلة امتنعت استعادته مع بقاء الوجوب في المال وبقاء القابض على صفة الاستحقاق.

قوله : ( فروع ، الأول : لو دفع إليه شاة فزادت زيادة متصلة كالسمن لم يكن له استعادة العين مع ارتفاع الفقر وللفقير بذل القيمة ، وكذا لو كانت الزيادة منفصلة كالولد ، لكن لو دفع الشاة لم يجب عليه دفع الولد ).

قد عرفت أن التقديم إنما يصح على وجه القرض وأن القرض يخرج عن ملك الدافع ويملكه المقترض بالقبض ، ومقتضى ذلك أنه ليس للمقرض إلزام المقترض بإعادة العين مع الزيادة وعدمها ومع ارتفاع الفقر وبدونه وإنما له المطالبة بعوضه مثلا أو قيمة ، وإنما قيّد المصنف المنع من استعادة الشاة بهذين القيدين لأن الغالب عدم تعلق غرض المالك باستعادة العين بدونهما.

وربما وجّه اعتبار الأول بأنه مع الزيادة يمتنع إلزام المالك بالإعادة بكل وجه ، أما بدونه فقد ثبت جواز الإلزام على القول بأن الواجب في القيمي المثل إذا انحصرت الأفراد المطابقة للحق في تلك العين. وهو توجيه بعيد ،

٢٩٧

الثاني : لو نقصت ، قيل : بردّها ولا شي‌ء على الفقير ، والوجه لزوم القيمة حين القبض.

الثالث : إذا استغنى بعين المال ثم حال الحول جاز احتسابه عليه ، ولا يكلف المالك أخذه وإعادته. وإن استغنى بغيره استعيد القرض.

______________________________________________________

إذ مقتضى كلامه في هذا الفرع وما بعده لزوم القيمة ، ولأنه لا إشعار في العبارة بتعذر المثل.

قوله : ( الثاني ، لو نقصت قيل : بردها ولا شي‌ء على الفقير ، والوجه لزوم القيمة حين القبض ).

القول للشيخ في المبسوط (١) ، وهو ضعيف جدا. والأصح ما اختاره المصنف من لزوم القيمة حين القبض ، لأن الشاة قيمية لا مثلية.

قوله : ( الثالث ، إذا استغنى بعين المال ثم حال الحول جاز احتسابه عليه ، ولا يكلف المالك أخذه وإعادته ، ولو استغنى بغيره استعيد القرض ).

إما استعادة القرض على تقدير استغناء المقترض بغيره فظاهر ، لتحقق الغنى المانع من الاستحقاق. وتتحقق المغايرة باستغنائه بنماء المدفوع أو ربحه أو زيادة قيمته على قيمته حين القبض بحيث يبقى الغنى مع أخذ تلك القيمة.

وأما جواز احتسابه عليه مع استغنائه بعينه فقد نص عليه الشيخ (٢) وأكثر الأصحاب ، وبه قطع المصنف والعلاّمة في جملة من كتبه من غير نقل خلاف (٣) ، واستدل عليه في المنتهى بأن العين إنما دفعت إليه ليستغني بها‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٢٩.

(٢) المبسوط ١ : ٢٣٠.

(٣) التذكرة ١ : ٢٤٠ ، ونهاية الأحكام ٢ : ٤٠٧.

٢٩٨

القول في النية

والمراعى نيّة الدافع إن كان مالكا. وإن كان ساعيا أو الإمام أو‌

______________________________________________________

وترتفع حاجته وقد حصل الغرض فلا يمنع الإجزاء ، وبأنا لو استرجعناها منه لصار فقيرا فجاز دفعها إليه بعد ذلك ، وذلك لا معنى له (١).

وقال ابن إدريس : لا يجوز الدفع إليه مع الغنى وإن كان بعين المدفوع ، لأن الزكاة لا يستحقها غنيّ والمدفوع إليه غنيّ بالدفع وإن كان قرضا ، لأن المستقرض يملك ما اقترضه (٢).

وأجاب عنه في المختلف بأن الغنى هنا ليس مانعا ، إذ لا حكمة ظاهرة في أخذه ودفعه (٣).

وفيه إن عدم ظهور الحكمة لا يقتضي عدمها في نفس الأمر ، نعم لو قيل : إن من هذا شأنه لا يخرج عن حدّ الفقر عرفا لم يكن بعيدا من الصواب. ولو كانت أمواله قاصرة عن ديونه جاز احتساب المدفوع إليه من سهم الغارمين بغير إشكال.

قوله : ( القول في النية ).

أجمع الأصحاب على أن النية شرط في أداء الزكاة ، بل قال المصنف في المعتبر : إن ذلك مذهب العلماء كافة إلاّ الأوزاعي ، ويدل على الاشتراط أن الدفع يحتمل الوجوب والندب والزكاة وغيرها فلا يتعين لأحد الوجوه إلاّ بالنية ، وأن الزكاة عبادة فيجب إيقاعها على وجه الإخلاص ولا يتحقق الإخلاص إلاّ مع القصد وهو المراد بالنية (٤).

قوله : ( والمراعى نية الدافع إن كان مالكا ، وإن كان ساعيا أو‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥١٣.

(٢) السرائر : ١٠٥.

(٣) المختلف : ١٩٠.

(٤) المعتبر ٢ : ٥٥٩.

٢٩٩

وكيلا جاز أن يتولى النيّة كل واحد من الدافع والمالك.

والوليّ عن الطفل والمجنون يتولى النيّة أو من له أن يقبض منه كالإمام والساعي.

______________________________________________________

الإمام أو وكيلا جاز أن يتولى النية كل واحد من المالك والدافع ، والولي عن الطفل والمجنون يتولى النية أو من له أن يقبض منه كالإمام أو الساعي ).

المراد أن المعتبر في النية نية الدافع إلى الفقير إن كان مالكا ، وإن كان الدافع إلى الفقير الإمام أو الساعي أو الوكيل جاز أن يتولّى النية كل واحد من المالك والدافع ، أما المالك فلتعلق الزكاة به أصالة فكانت نيته عند الدفع إلى المستحق كافية ، وأما الإمام ونائبه والوكيل فلقيامهم مقام المالك.

ويحتمل أن يكون المراد أن الدافع إلى الفقير إن كان الإمام أو الساعي أو الوكيل جاز أن يتولى النية المالك عند الدفع إلى أحد الثلاثة ، أو أحد الثلاثة عند الدفع إلى الفقير.

ويشكل بأن يد الوكيل يد الموكل فتكون نية الموكل عند الدفع إلى الوكيل بمنزلة نيته والمال في يده.

وجزم المصنف في المعتبر بأن المالك إذا دفع إلى الساعي لم يحتج الساعي إلى النية عند الدفع ، لأن الساعي كالوكيل لأهل السهمان وقال : إن الموكل لو دفع إلى الوكيل لم يجز عن نية الوكيل حالة الدفع ، ولو نوى الوكيل عند الدفع لم يجز عن نية الموكل حال التسليم إلى الوكيل (١). واجتزأ العلاّمة (٢) ومن تأخر عنه (٣) بنية الوكيل حال التسليم إلى الفقير. وهو غير بعيد ، وبالجملة فالأمر في النية هيّن كما بيّنّاه مرارا.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٥٩.

(٢) التذكرة ١ : ٢٤٣.

(٣) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٦٣.

٣٠٠