مدارك الأحكام - ج ٥

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

______________________________________________________

القول بالوجوب للشيخين (١) وأتباعهما (٢) ، واستدل الشيخ في التهذيب على الوجوب في الغلاّت بما رواه في الصحيح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنهما قالا : « مال اليتيم ليس عليه في العين والصامت شي‌ء ، وأما الغلاّت فإن عليها الصدقة واجبة » (٣) ثم قال : فأما ما رواه علي بن الحسن ، عن حماد ، عن حريز ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سمعه يقول : « ليس في مال اليتيم زكاة ، وليس عليه صلاة ، وليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة ، وإن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة ، ولا عليه لما يستقبل حتى يدرك ، وإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة ، وكان عليه مثل ما على غيره من الناس » (٤) فليس بمناف للرواية الأولى ، لأنه قال عليه‌السلام : وليس على جميع غلاّته زكاة ، ونحن لا نقول إن على جميع غلاّته زكاة ، وإنما تجب على الأجناس الأربعة التي هي التمر والزبيب والحنطة والشعير. وإنما خص اليتامى بهذا الحكم ، لأن غيرهم مندوبون إلى إخراج الزكاة عن سائر الحبوب وليس ذلك في أموال اليتامى ، فلأجل ذلك خصوا بالذكر. هذا كلامه رحمه‌الله.

ولا يخفى ما في هذا التأويل من البعد وشدة المخالفة للظاهر ، مع أنها ضعيفة السند بأن راويها مشترك بين الثقة وغيره ، ولو كانت صحيحة السند لوجب حملها على نفي الوجوب توفيقا بين الروايتين.

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٣٩ ، والشيخ في النهاية : ١٧٥ ، والخلاف ١ : ٣١٦ ، والمبسوط ١ : ٢٣٤.

(٢) منهم ابن البراج في المهذب ١ : ١٦٨ ، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٦٦ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٧.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٩ ـ ٧٢ ، الوسائل ٦ : ٥٤ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ١ ح ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٩ ـ ٧٣ ، الوسائل ٦ : ٥٦ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ١ ح ١١.

٢١

وكيف قلنا فالتكليف بالإخراج يتناول الوالي عليه. وقيل : حكم المجنون حكم الطفل ، والأصحّ أنه لا زكاة في ماله ، إلا في الصامت إذا اتجر‌

______________________________________________________

وكيف كان فالأصح الاستحباب في الغلاّت كما اختاره المرتضى (١) وابن الجنيد وابن أبي عقيل (٢) وعامة المتأخرين ، لأن لفظ الوجوب الواقع في رواية زرارة وابن مسلم لم يثبت إطلاقه في ذلك العرف حقيقة على ما رادف الفرض ، بل ربما كان الظاهر خلافه ، لأنه قد أطلق في الروايات بكثرة على ما تأكد استحبابه وإن لم يستحق بتركه العقاب.

أما ثبوت الزكاة في المواشي وجوبا أو استحبابا فلم نقف له على مستند ، وقد اعترف بذلك المصنف في المعتبر فقال بعد أن عزى وجوب الزكاة في مواشي الأطفال إلى الشيخين وأتباعهما : وعندي في ذلك توقف ، لأنا نطالبهم بدليل ذلك ، والأولى أنه لا زكاة في مواشيهم عملا بالأصل السليم عن المعارض (٣).

قوله : ( وكيف كان فالتكليف بالإخراج يتناول الوالي عليه ).

هذا جواب عن سؤال يرد على القول بالوجوب أو الاستحباب ، وهو أن كلا منهما من باب خطاب الشرع الذي لا يتعلق بغير المكلف ، فكيف يحكم بالوجوب أو الاستحباب في مال الطفل؟

وتقرير الجواب أن الوجوب أو الاستحباب وإن نسب إلى مال الطفل إلاّ أن المكلّف به في الحقيقة هو الولي ، وبه يتعلق الثواب والعقاب ، ويحصل للطفل في الآخرة أعواض في مقابلة ما ذهب من ماله.

قوله : ( وقيل حكم المجنون حكم الطفل ، والأصح أنه لا زكاة‌

__________________

(١) جمل العلم والعمل : ١١٩ ، والمسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٥ ، وحكاه عنه في المعتبر ٢ : ٤٨٧.

(٢) حكاه عنهما في المعتبر ٢ : ٤٨٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٨٨.

٢٢

له الولي استحبابا (١).

______________________________________________________

في ماله ، إلا في الصامت إذا اتجر له الولي استحبابا ).

المراد بالصامت من المال الذهب والفضة ، ويقابله الناطق وهو المواشي كما نص عليه جماعة من أهل اللغة (١).

والقول بمساواة المجنون لطفل في وجوب الزكاة في غلاته ومواشيه للمفيد في المقنعة (٢) والشيخ في جملة من كتبه (٣).

قال في المعتبر : ويجب التوقف في ذلك ومطالبتهم بدليل ما ذكراه ، فإنا لا نرى وجوب الزكاة على مجنون ، ثم لو سلمنا الوجوب في غلة الطفل تبعا لما ادعياه فمن أين يلزم مثله في المجنون؟ فإن جمع بينهما بعدم العقل كان جمعا بقيد عدمي لا يصلح للعلة ، ويمكن الفرق بين الطفل والمجنون بأن الطفل لبلوغه التكليف غاية محققة ، فجاز أن يجب في ماله ، لأنها (٤) غاية الحجر وليس كذلك المجنون ، فإذا تحقق الفرق أمكن استناد الحكم إلى الفارق (٥). انتهى كلامه ـ رحمه‌الله ـ وهو جيد في نفسه إلا أنه إنما يحسن مع القائلين بالقياس لا مع الشيخين ومن يقول بمقالتهما.

والأصح ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من عدم ثبوت الزكاة في مال المجنون مطلقا إلاّ في الصامت إذا اتجر له الولي استحبابا ، لما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : امرأة من أهلنا مختلطة ، عليها زكاة؟ فقال : « إن كان عمل به‌

__________________

(١) منهم الجوهري في الصحاح ١ : ٢٥٧ ، والفيروزآبادي في القاموس المحيط ١ : ١٥٧ ، وابن الأثير في النهاية ٣ : ٥٢.

(٢) المقنعة : ٣٩.

(٣) النهاية : ١٧٤ ، والخلاف ١ : ٣١٦ ، والمبسوط ١ : ١٩٠.

(٤) في المصدر : لانتهاء.

(٥) المعتبر ٢ : ٤٨٨.

٢٣

والمملوك لا تجب عليه الزكاة ، سواء قلنا يملّك أو أحلنا ذلك ، ولو ملكه سيده مالا وصرفه فيه لم تجب عليه الزكاة ، وقيل : يملك وتجب عليه الزكاة ، وقيل : لا يملك والزكاة على مولاه.

______________________________________________________

فعليها زكاة ، وإن لم يعمل به فلا » (١).

قوله : ( والمملوك لا تجب عليه الزكاة سواء قلنا يملك أو أحلنا ذلك ، ولو ملّكه سيده مالا وصرّفه فيه لم تجب عليه الزكاة ، وقيل : يملك وتجب عليه الزكاة ، وقيل : لا يملك والزكاة على مولاه ).

لا ريب في عدم وجوب الزكاة على المملوك على القول بأنه لا يملك ، لأن ما بيده يكون ملكا لمولاه وعليه زكاته ، بل لا وجه لاشتراط الحرية على هذا التقدير ، لأن اشتراط الملك يغني عنه. وإنما الكلام في وجوب الزكاة على المملوك على القول بملكه ، والأصح أنه لا زكاة عليه ، لما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سأله رجل وأنا حاضر عن مال المملوك أعليه زكاة؟ قال : « لا ولو كان له ألف درهم » (٢).

وما رواه الكليني في الحسن ، عن عبد الله بن سنان أيضا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ليس في مال المملوك شي‌ء ، ولو كان له ألف ألف ولو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا » (٣).

وصرح المصنف في المعتبر والعلامة في المنتهى (٤) بوجوب الزكاة على المملوك إن قلنا بملكه مطلقا أو على بعض الوجوه. وهو مدفوع بالرواية المتقدمة.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٠ ـ ٧٥ ، الوسائل ٦ : ٥٩ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ٣ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ١٩ ـ ٦٢ ، الوسائل ٦ : ٦٠ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ٤ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٤٢ ـ ١ ، الوسائل ٦ : ٥٩ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ٤ ح ١.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٨٩ ، المنتهى ١ : ٤٧٢.

٢٤

وكذا المكاتب المشروط عليه ، ولو كان مطلقا وتحرّر منه شي‌ء وجبت عليه الزكاة في نصيبه إذا بلغ نصابا.

والملك شرط في الأجناس كلها ، ولا بد أن يكون تاما.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا المكاتب المشروط عليه ، ولو كان مطلقا وتحرّر منه شي‌ء وجبت الزكاة عليه في نصيبه إذا بلغ نصابا ).

أما وجوب الزكاة على المكاتب المطلق إذا تحرر منه شي‌ء وبلغ نصيب جزئه الحر نصابا فلا ريب فيه ، لأن العموم يتناوله كما يتناول الأحرار.

وأما السقوط عن المكاتب المشروط ، والمطلق الذي لم يؤد فهو المعروف من مذهب الأصحاب ، واستدل عليه في المعتبر بأنه ممنوع من التصرف فيه إلاّ بالاكتساب فلا يكون ملكه تاما (١) ، وبما رواه الكليني ، عن أبي البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ليس في مال المكاتب زكاة » (٢).

وفي الدليل الأول نظر ، وفي سند الرواية ضعف (٣) ، مع أن مقتضى ما نقلناه عن المعتبر والمنتهى من وجوب الزكاة على المملوك إن قلنا بملكه الوجوب على المكاتب ، بل هو أولى بالوجوب.

قوله : ( والملك شرط في الأجناس كلها ، ولا بد أن يكون تاما ).

أما اشتراط الملك فقال في المعتبر : إن عليه اتفاق العلماء (٤) ، لأن‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٨٩.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤٢ ـ ٤ ، الوسائل ٦ : ٦٠ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ٤ ح ٥.

(٣) ووجهه أن أبا البختري هو وهب بن وهب ، وهو كذّاب ، عامي المذهب ، ضعيف ـ راجع رجال النجاشي : ٤٣٠ ـ ١١٥٥ ، والفهرست : ١٧٣ ـ ٧٥٧.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٩٠.

٢٥

فلو وهب له نصاب لم يجر في الحول إلا بعد القبض.

______________________________________________________

وجوب الزكاة مشروط بملك النصاب.

وأما اشتراط تمام الملك فقد ذكره المصنف في هذا الكتاب وجمع من الأصحاب ولا يخلو من إجمال ، فإنهم إن أرادوا به عدم تزلزل الملك كما ذكره بعض المحققين (١) لم يتفرع عليه جريان المبيع المشتمل على خيار في الحول من حين العقد ، ولا جريان الموهوب فيه بعد القبض فإن الهبة قد تلحقها مقتضيات كثيرة يوجب فسخها بعد القبض من قبل الواهب. وإن أرادوا به كون المالك متمكنا من التصرف في النصاب كما أومأ إليه في المعتبر (٢) لم يستقم أيضا ، لعدم ملائمته للتفريع ، ولتصريح المصنف بعد ذلك باشتراط التمكن من التصرف. وإن أرادوا به حصول تمام السبب المقتضي للملك كما ذكره بعضهم لم يكن فيه زيادة على اعتبار الملك ، وكيف كان فالمعتبر تحقق الملك خاصة ، وأما التمكن من التصرف فهو شرط آخر ، وسيجي‌ء الكلام فيه (٣).

قوله : ( فلو وهب له نصاب لم يجر في الحول إلا بعد القبض ).

هذا متفرع على اشتراط الملك ، فإنه لا يحصل في الهبة بدون القبض ، لأنه شرط في الصحة عند المصنف (٤) ومن قال بمقالته (٥) ، نعم ذهب بعض (٦) الأصحاب إلى أنه شرط في اللزوم دون الصحة (٧) ، وعلى هذا فلا يعتبر حصوله في جريان الموهوب في الحول ، لانتقال الملك بدونه ، نعم يعتبر التمكن منه كما يستفاد من الشرط اللاحق.

__________________

(١) كالعلاّمة في القواعد ١ : ٥١.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٩٠.

(٣) في ص ٣٢.

(٤) الشرائع ٢ : ٢٢٩.

(٥) كالعلامة في القواعد ١ : ٢٧٤.

(٦) ليست في « م ».

(٧) منهم ابن إدريس في السرائر : ٣٨١ ، والعلامة في المختلف : ٤٨٦.

٢٦

وكذا لو أوصي له اعتبر الحول بعد الوفاة والقبول.

______________________________________________________

وذكر الشارح أنه لا فرق في ذلك ـ يعني في توقف جريان الموهوب في الحول على القبض بين أن نقول أنه ناقل للملك أو كاشف عن سبقه بالعقد ، لمنع المتهب من التصرف في الموهوب قبل القبض على التقديرين (١). وهو غير جيد ، لأن هذا الخلاف ( غير واقع في الهبة وإنما الخلاف ) (٢) فيها في كون القبض شرطا في الصحة أو اللزوم كما نقله الشارح في بحث الهبة (٣) وغيره (٤).

هذا فيما يعتبر فيه حؤول الحول (٥) ، أما ما لا يعتبر فيه ذلك كالغلات فيشترط في وجوب زكاته على المتهب حصول القبض قبل تعلق الوجوب بالنصاب.

ولو رجع الواهب بعد الوجوب وقبل الأداء في موضع الجواز قدم حق الفقراء لتعلقه بالعين ، ولا يضمنه المتهب لأن هذا الاستحقاق يجري مجرى الإتلاف.

قوله : ( وكذا لو أوصي له اعتبر الحول بعد الوفاة والقبول ).

لأنه وقت انتقال الموصى به إلى ملك الموصى له عند المصنف (٦) وأكثر الأصحاب ، ولو قلنا إن القبول كاشف عن انتقال الملك من حين الوفاة كما ذهب إليه بعض الأصحاب (٧) اعتبر حصوله أيضا كما يعتبر التمكن من‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٥١.

(٢) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٣) المسالك ١ : ٣٦٩.

(٤) كالعلامة في المختلف : ٤٨٦.

(٥) في « م » : دخول الحول ، وفي « ح » : حلول الحول.

(٦) الشرائع ٢ : ٢٤٣.

(٧) الخلاف ٢ : ٩٤.

٢٧

ولو اشترى نصابا جرى في الحول من حين العقد ، لا بعد الثلاثة. ولو شرط البائع أو هما خيارا زائدا على الثلاثة بني على القول بانتقال الملك ، والوجه أنه من حين العقد.

______________________________________________________

القبض ، لما سيجي‌ء من اعتبار التمكن من التصرف (١).

قوله : ( ولو اشترى نصابا جرى في الحول من حين العقد ، لا بعد الثلاثة ).

خالف في ذلك الشيخ ـ رحمه‌الله ـ فحكم بعدم انتقال الملك في البيع المشتمل على خيار إلاّ بعد انقضائه (٢) ، فلا يجري النصاب في الحول عنده إذا كان حيوانا إلاّ بعد الثلاثة التي هي خيار الحيوان ، والأصح حصول الملك بالعقد فيجري في الحول من حينه.

قوله : ( ولو شرط البائع أو هما خيارا زائدا على الثلاثة بني على القول بانتقال الملك ، والوجه أنه من حين العقد ).

أي بني جريانه في الحول على الخلاف في وقت انتقال الملك ، فإن قلنا إنه من حين العقد جرى في الحول من حينه ، وإن قلنا إنه لا يحصل إلاّ بانقضاء الخيار لم يجر في الحول إلاّ بعده.

وربما ظهر من العبارة أن الخلاف في وقت الانتقال إنما وقع في الخيار المختص بالبائع أو المشترك بينه وبين المشتري ، مع أن الظاهر تحقق الخلاف فيه مطلقا ، فإن الشيخ ـ رحمه‌الله ـ حكم في الخلاف بأن المبيع لا ينتقل إلى ملك المشتري إلاّ بانقضاء الخيار سواء كان لهما أو لأحدهما لكنه قال : إن الخيار إذا اختص بالمشتري ينتقل المبيع عن ملك البائع بالعقد ولا يدخل في ملك المشتري إلاّ بانقضاء الخيار (٣). ومقتضى ذلك سقوط زكاته‌

__________________

(١) في ص ٣٢.

(٢) المبسوط ١ : ٢٢٧ ، والخلاف ١ : ٥١٣.

(٣) الخلاف ١ : ٥١٣.

٢٨

وكذا لو استقرض مالا وعينه باقية جرى في الحول من حين قبضه.

______________________________________________________

عن البائع والمشتري ، وهو ضعيف جدا.

والأصح ما اختاره المصنف من حصول الملك بالعقد فيجري في الحول من حينه ، لكن سيأتي إن شاء الله أنه متى كان للبائع خيار فإن المشتري يمنع من التصرفات المنافية لخياره كالبيع والهبة والإجارة ، فإن ثبت أن ذلك مانع من وجوب الزكاة اتجه اعتبار انتفاء خيار البائع لذلك ، لا لعدم انتقال الملك.

قوله : ( وكذا لو استقرض مالا وعينه باقية جرى في الحول من حين قبضه ).

وذلك لأنه وقت حصول الملك عند الأكثر ، وللشيخ قول بأنه إنما يملك بالتصرف فلا يجري في الحول عنده إلاّ بعد ذلك (١).

والأصح حصوله بالقبض فيجري في الحول من حينه ، وقد ورد بذلك روايات (٢) : منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقرض المال للرجل السنة والسنتين والثلاث أو ما شاء الله ، على من الزكاة؟ على المقرض أو على المقترض؟ فقال : « على المقترض ، لأن له نفعه وعليه زكاته » (٣).

وفي الحسن ، عن زرارة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل دفع إلى رجل مالا قرضا ، على من زكاته؟ على المقترض أو على المقترض؟ قال : « لا بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا على المقترض » قال ، قلت : وليس على المقرض زكاتها؟ قال : « لا ، لا يزكى المال من وجهين‌

__________________

(١) لم نعثر عليه ، وقال في مفتاح الكرامة ٥ : ٤٩. فما نسب إليه من القول بأنه إنما يملك بالتصرف لم يصادف محله.

(٢) في « م » زيادة : كثيرة.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٣ ـ ٨٤ ، الوسائل ٦ : ٦٨ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ٧ ح ٥.

٢٩

ولا تجري الغنيمة في الحول إلا بعد القسمة.

______________________________________________________

في عام واحد ، وليس على الدافع شي‌ء ، لأنه ليس في يده شي‌ء ، إنما المال في يد الآخر ، فمن كان المال في يده زكّاه » قال ، قلت : أفيزكي مال غيره من ماله؟ فقال : « إنه ماله ما دام في يده وليس ذلك المال لأحد غيره ـ ثم قال : ـ يا زرارة أرأيت وضيعة ذلك المال وربحه لمن هو وعلى من؟ » قلت : للمقترض قال : « فله الفضل وعليه النقصان ، وله أن ينكح ويلبس منه ويأكل منه ولا ينبغي له أن يزكيه؟! بل يزكيه (١) » (٢).

قوله : ( ولا تجري الغنيمة في الحول إلا بعد القسمة ).

(١) هذا قول أكثر الأصحاب ، واستدل عليه في التذكرة بعدم استقرار الملك بدون القسمة قال : فإن للإمام أن يقسم بينهم قسمة تحكّم ، فيعطي كل واحد من أي الأصناف شاء ، فلم يتم ملكه على شي‌ء معين ، بخلاف ما لو ورثوا ما تجب فيه الزكاة ، ولو كانت الغنيمة من جنس واحد فالوجه ذلك أيضا ، لأن ملكهم في غاية الضعف ، ولهذا يسقط بالإعراض (٣).

وجزم جدي ـ قدس‌سره ـ في فوائد القواعد بتوقفه على القسمة وإن كانت الغنيمة تملك بالحيازة ، لأن الغانم قبل القسمة ممنوع من التصرف في الغنيمة ، والتمكن من التصرف أحد الشرائط كالملك. وهو جيد لكن على هذا (٤) ينبغي الاكتفاء بمجرد التمكن من القسمة.

وظاهر المصنف في المعتبر جريان الغنيمة في الحول من حين الحيازة ، لأنها تملك بذلك (٥). وهو مشكل على إطلاقه ، لأن التمكن من التصرف أحد الشرائط كالملك.

__________________

(١) في « م » والمصدر زيادة : فإنه عليه.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٠ ـ ٦ ، التهذيب ٤ : ٣٣ ـ ٨٥ ، الوسائل ٦ : ٦٧ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ٧ ح ١.

(٣) التذكرة ١ : ٢٠٢.

(٤) في « ح » زيادة : لا.

(٥) المعتبر ٢ : ٥٦٤.

٣٠

ولو عزل الإمام قسطا جرى في الحول إن كان صاحبه حاضرا ، وإن كان غائبا فعند وصوله إليه. ولو نذر في أثناء الحول الصدقة بعين النصاب انقطع الحول لتعينه للصدقة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو عزل الإمام قسطا جرى في الحول إن كان صاحبه حاضرا ، وإن كان غائبا فعند وصوله إليه ).

إنما اعتبر وصوله إليه مع الغيبة لما سيجي‌ء (١) إن شاء الله من أن المال الغائب إنما تجب فيه الزكاة إذا كان مالكه متمكنا منه بنفسه أو بوكيله لا لتوقف الملك على ذلك وإلاّ لم يكف العزل مع الحضور.

( واعتبر الشهيدان قبض الغانم أو وكيله أو قبض الإمام عنه مع الحضور والغيبة (٢) ) (٣) وهو مشكل إن قلنا بحصول الملك بدونه وحصل التمكن من التصرف.

قوله : ( ولو نذر في أثناء الحول الصدقة بعين النصاب انقطع الحول ، لتعيّنه للصدقة ).

نذر الصدقة بعين النصاب إما أن يكون بعد الحول أو في أثنائه ، وفي الأول يجب إخراج الزكاة والتصدق بالباقي قطعا ، وفي الثاني ينقطع الحول لما ذكره المصنف من تعينه للصدقة وامتناع التصرف فيه بغيرها ، وأولى منه ما لو جعله صدقة بالنذر لخروجه عن ملكه بمجرد النذر فيما قطع به الأصحاب (٤).

هذا إذا كان النذر مطلقا أو معلقا على شرط قد حصل ، أما قبل الحصول فيحتمل كونه كذلك لتعلق النذر به المانع من تصرفه فيه بما يخرجه‌

__________________

(١) في ص ٣٤.

(٢) الشهيد الأول في البيان : ١٦٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥١.

(٣) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٤) في « ح » زيادة : وللنظر في مجال.

٣١

والتمكن من التصرّف معتبر في الأجناس كلها.

______________________________________________________

عن الملك ، ويحتمل العدم لعدم تحقق الشرط الموجب لصرفه في النذر ، والمتجه منع المالك من التصرفات المنافية للنذر كما في المطلق ، فإن ثبت أن ذلك مانع من وجوب الزكاة كما ذكره الأصحاب انقطع الحول بمجرد النذر ، وإلاّ وجبت الزكاة مع تمامه وكان القدر المخرج من النصاب كالتالف من المنذور ، وتجب الصدقة بالباقي مع حصول الشرط.

قوله : ( والتمكن من التصرف معتبر في الأجناس كلها ).

هذا الشرط مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل قال في التذكرة : إنه قول علمائنا أجمع (١). واستدل عليه بما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا صدقة على الدين ، ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك » (٢).

وفي الصحيح ، عن إبراهيم بن أبي محمود قال ، قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : الرجل يكون له الوديعة والدين فلا يصل إليهما ثم يأخذها متى تجب عليه الزكاة؟ قال : « إذا أخذها ثم يحول عليه الحول يزكي » (٣).

وفي الموثق ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه قال : « فلا زكاة عليه حتى يخرج ، فإذا خرج زكّاه لعام واحد ، وإن كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مرّ به من السنين » (٤).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٠١.

(٢) التهذيب ٤ : ٣١ ـ ٧٨ ، الوسائل ٦ : ٦٢ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ٥ ح ٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٤ ـ ٨٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٨ ـ ٨٠ ، الوسائل ٦ : ٦٣ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ٦ ح ١.

(٤) التهذيب ٤ : ٣١ ـ ٧٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٨ ـ ٨١ ليس فيه : عن زرارة ، الوسائل ٦ : ٦٣ أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ب ٥ ح ٧.

٣٢

وإمكان أداء الواجب معتبر في الضمان لا في الوجوب.

______________________________________________________

وهذه الروايات إنما تدل على سقوط الزكاة في المال الغائب الذي لا يقدر صاحبه على أخذه ، لا على اعتبار التمكن من التصرف ، فلا يتم الاستدلال بها على سقوط الزكاة في المبيع المشتمل على خيار للبائع ونحو ذلك.

نعم ، يمكن الاستدلال عليه بأنه لو وجبت الزكاة في النصاب مع عدم التمكن من التصرف فيه عقلا أو شرعا للزم وجوب الإخراج من غيره ، وهو معلوم البطلان فإن الزكاة إنما تجب في العين ، إلاّ أن ذلك إنما يقتضي اعتبار التمكن من التصرف وقت الوجوب لا توقف جريانه في الحول عليه ، والمسألة محل إشكال وللنظر فيها مجال.

قوله : ( وإمكان أداء الواجب معتبر في الضمان لا في الوجوب ).

أما أنه لا يشترط التمكن من الأداء في الوجوب فقال في المنتهى : إنه قول علمائنا أجمع (١). ويدل عليه إطلاق الأمر السالم من التقييد.

واستدل عليه في المعتبر أيضا بقوله عليه‌السلام : « لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول » (٢) وما بعد الغاية مخالف لما قبلها ، وبأنه لو حال على النصاب أحوال ولم يتمكن من الأداء وجبت زكاة الأحوال وهو دليل الوجوب (٣).

وأما أن الضمان مشروط بالتمكن من الأداء فهو مجمع عليه بين الأصحاب أيضا ، ويدل عليه أن الزكاة تجب في العين لا في ذمة المالك فيكون النصاب في يده كالأمانة لا يضمن إلاّ بالتعدي أو التفريط ، فلو تلف قبل التمكن من الأداء من غير تفريط لم يضمنه ، ولو تلف بعضه سقط عنه بالنسبة.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٩٠.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ ـ ١٥٧٣.

(٣) المعتبر ٢ : ٥٠٥.

٣٣

ولا تجب الزكاة في المال المغصوب. ولا الغائب إذا لم يكن في يد وكيله أو وليّه.

______________________________________________________

قوله : ( فلا زكاة في المغصوب ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في المغصوب بين كونه مما يعتبر فيه الحول كالأنعام أو لا يعتبر فيه ذلك كالغلات ، وبهذا التعميم حكم الشارح ـ قدس‌سره ـ وقال : إن الغصب إذا استوعب مدة شرط الوجوب وهو نموه في الملك بأن لم يرجع إلى مالكه حتى بدا الصلاح لم يجب (١). وهو مشكل جدا ، لعدم وضوح مأخذه ، إذ غاية ما يستفاد من الروايات المتقدمة أن المغصوب إذا كان مما يعتبر فيه الحول وعاد إلى مالكه يكون كالمملوك ابتداء فيجري في الحول من حين عوده ، ولا دلالة لها على حكم ما لا يعتبر فيه الحول بوجه ، ولو قيل بوجوب الزكاة في الغلاّت متى تمكن المالك من التصرف في النصاب لم يكن بعيدا. وإنما تسقط الزكاة في المغصوب ونحوه إذا لم يمكن تخليصه ولو ببعضه فتجب فيما زاد على الفداء.

قوله : ( ولا الغائب إذا لم يكن في يد وكيله أو وليّه ).

إنما ذكر الولي ليندرج في هذا الحكم مال الطفل والمجنون إن قلنا بثبوت الزكاة فيه وجوبا أو استحبابا.

ولا يعتبر في وجوب الزكاة في الغائب كونه بيد الوكيل كما قد يوهمه ظاهر العبارة بل إنما تسقط الزكاة فيه إذا لم يكن مالكه متمكنا منه كما يقتضيه ظاهر التفريع ، ودلت عليه الأخبار المتقدمة ، وصرح به جماعة منهم المصنف في النافع حيث قال : فلا تجب في المال الغائب إذا لم يكن صاحبه متمكنا منه (٢). ونحوه قال في المعتبر فإنه قال بعد أن اشترط التمكن من التصرف : فلا يجب في المغصوب ، ولا في المال الضائع ، ولا في الموروث عن غائب‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٥١.

(٢) المختصر النافع : ٥٣.

٣٤

ولا الرهن على الأشبه.

______________________________________________________

حتى يصل إلى المالك أو وكيله ، ولا فيما يسقط في البحر حتى يعود إلى مالكه فيستقبل به الحول (١).

وقال الشيخ في النهاية : ولا زكاة على مال غائب إلاّ إذا كان صاحبه متمكنا منه أيّ وقت شاء ، فإن كان متمكنا منه لزمته الزكاة (٢). ونحوه قال في الخلاف (٣).

وبالجملة فعبارات الأصحاب ناطقة بوجوب الزكاة في المال الغائب إذا كان صاحبه متمكنا منه ، وعمومات الكتاب والسنة تتناوله ، والظاهر أن المرجع في التمكن إلى العرف.

قوله : ( ولا الرهن على الأشبه ).

اختلف كلام الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في وجوب الزكاة في الرهن فقال في موضع من المبسوط : لو رهن النصاب قبل الحول فحال الحول وهو رهن وجبت الزكاة ، فإن كان موسرا كلّف إخراج الزكاة وإن كان معسرا تعلق بالمال حق الفقراء يؤخذ منه لأن حق المرتهن في الذمة (٤). وقال في موضع آخر منه : لو استقرض ألفا ورهن ألفا لزمه زكاة الألف القرض دون الرهن ، لعدم تمكنه من التصرف في الرهن (٥).

وقال في الخلاف : لو كان له ألف واستقرض ألفا غيرها ورهن هذه عند المقرض فإنه يلزمه زكاة الألف التي في يده إذا حال الحول دون الألف التي هي رهن ، ثم استدل بأن المال الغائب الذي لا يتمكن منه مالكه لا يلزمه زكاته ، والرهن لا يتمكن منه. ثم قال : ولو قلنا إنه يلزم المستقرض زكاة‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٩٠.

(٢) النهاية : ١٧٥.

(٣) الخلاف ١ : ٣٥٢.

(٤) المبسوط ١ : ٢٠٨.

(٥) المبسوط ١ : ٢٢٥.

٣٥

ولا الوقف.

______________________________________________________

الألفين كان قويا ، لأن الألف القرض لا خلاف بين الطائفة بأنه يلزمه زكاتها ، والألف المرهونة هو قادر على التصرف فيها بأن يفك رهنها ، والمال الغائب إذا كان متمكنا منه يلزمه زكاته بلا خلاف (١).

وهذا التفصيل حسن إن ثبت أن عدم تمكن الراهن من التصرف في الرهن مسقط للوجوب ، وإلاّ فما أطلقه في المبسوط أوّلا (٢).

قال الشارح ـ قدس‌سره ـ : ولو كان الرهن مستعارا اعتبر في وجوب الزكاة على المعير فكّه لا قدرة المستعير عليه (٣). ولا بأس به خصوصا مع تحقق غيبته عن المالك.

قوله : ( ولا الوقف ).

إنما لم تجب الزكاة في الوقف لأنها لو وجبت لوجبت في العين فيخرج به عن الوقف ، وعلله في المنتهى أيضا بعدم تمام الملك باعتبار مشاركة غيره من الطبقات في الاستحقاق ، وكون الموقوف عليه ممنوعا من التصرف في العين بغير الاستمناء (٤). وهو حسن.

ولو نتج الوقف وجبت الزكاة في نتاجه إذا كان لمعيّن كسائر الأموال المملوكة.

وقال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ : لو ولدت الغنم الموقوفة وبلغ الأولاد نصابا وحال عليه الحول وجبت الزكاة إلاّ أن يكون الواقف شرط أن يكون الغنم وما يتوالد منها وقفا (٥). وهو جيد إن ثبت صحة اشتراط ذلك ، لكنه محل نظر.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٥١.

(٢) في « م » ، « ح » : أولى.

(٣) المسالك ١ : ٥١.

(٤) المنتهى ١ : ٤٧٥.

(٥) المبسوط ١ : ٢٠٥.

٣٦

ولا الضّال ، ولا المال المفقود ، فإن مضى عليه سنون وعاد زكّاه لسنة استحبابا.

______________________________________________________

قوله : ( ولا الضال ، ولا المال المفقود ).

المراد بالضال الحيوان الضائع ، وبالمفقود غيره من الأموال الضائعة. قال الشارح ـ قدس‌سره ـ : ويعتبر في مدة الضلال والفقد إطلاق الاسم ، فلو حصل لحظة أو يوما في الحول لم ينقطع (١). وهو جيّد ، بل ينبغي إناطة السقوط بحصول الغيبة التي لا يتحقق معها التمكن من التصرف.

قوله : ( فإن مضى عليه سنون وعاد زكّاه لسنة استحبابا ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، وأسنده العلاّمة في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وحكى عن بعض العامة القول بالوجوب (٢).

والمستند في ذلك ما رواه الشيخ في الموثق ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه قال : « فلا زكاة عليه حتى يخرج فإذا خرج زكّاه لعام واحد ، وإن كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مرّ به من السنين » (٣).

وما رواه الكليني بسند صحيح ، عن العلاء بن رزين ، عن سدير الصيرفي وهو ممدوح قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما تقول في رجل (٤) له مال فانطلق به ، فدفنه في موضع ، فلمّا حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه ، فاحتفر الموضع الذي ظن أن المال فيه مدفون فلم يصبه ، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ، ثم إنه احتفر الموضع من جوانبه كله فوقع على المال بعينه‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٥١.

(٢) المنتهى ١ : ٤٧٥.

(٣) المتقدمة في ص ٣٢.

(٤) في المصدر و « ح » زيادة : كان.

٣٧

ولا القرض حتى يرجع إلى صاحبه.

______________________________________________________

كيف يزكيه؟ قال : « يزكيه لسنة واحدة ، لأنه كان غائبا عنه وإن كان احتبسه » (١).

ويدل على أن هذا الأمر للاستحباب قوله عليه‌السلام في صحيحة إبراهيم بن أبي محمود في الوديعة التي لا يصل مالكها إليها : « إذا أخذها ثم يحول عليه الحول يزكي » (٢).

ومقتضى العبارة أن التزكية لسنة واحدة إنما تستحب إذا كانت مدة الضلال والفقد ثلاث سنين فصاعدا ، وأطلق العلامة في المنتهى استحباب تزكية المغصوب والضالّ مع العود لسنة واحدة (٣) ، ولا بأس به.

قوله : ( ولا القرض حتى يرجع إلى صاحبه ).

لانتقاله إلى ملك المقترض بالقبض فيجب زكاته عليه دون المقرض ، ويدل على الحكمين روايات : منها ما رواه الشيخ في الحسن ، عن زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل دفع إلى رجل مالا قرضا على من زكاته؟ على المقرض أو على المقترض؟ قال : « لا ، بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا على المقترض » قال ، قلت : وليس على المقرض زكاتها؟ قال : « لا » (٤).

ولو تبرع المقرض بالإخراج عن المقترض فالوجه الإجزاء ، سواء أذن له المقترض في ذلك أم لا ، وبه قطع في المنتهى قال : لأنه بمنزلة أداء الدين (٥) ويدل عليه صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول وهو عنده فقال : « إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه ، وإن كان لا يؤدّي أدّى‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٩ ـ ١ ، الوسائل ٦ : ٦١ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٥ ح ١.

(٢) المتقدمة في ص ٣٢.

(٣) المنتهى ١ : ٤٧٥.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٣ ـ ٨٥ ، الوسائل ٦ : ٦٧ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧ ح ١.

(٥) المنتهى ١ : ٤٧٧.

٣٨

ولا الدين ، فإن كان تأخيره من جهة صاحبه قيل : تجب الزكاة على مالكه ، وقيل : لا ، والأول أحوط.

______________________________________________________

المستقرض » (١).

واعتبر الشهيد في الدروس والبيان في الإجزاء إذن المقترض (٢) ، والرواية مطلقة.

قوله : ( ولا الدين ، وإن كان تأخيره من قبل صاحبه قيل : تجب الزكاة على مالكه ، وقيل : لا ، والأول أحوط ).

اختلف الأصحاب في وجوب الزكاة في الدين إذا كان تأخيره من قبل صاحبه بأن يكون على باذل يسهل على المالك قبضه منه متى رامه ، بعد اتفاقهم على سقوط الزكاة فيه إذا كان تأخيره من قبل المدين ، فقال ابن الجنيد (٣) ، وابن إدريس (٤) ، وابن أبي عقيل (٥) : لا تجب الزكاة فيه أيضا.وقال الشيخان بالوجوب (٦). والمعتمد الأول.

لنا : التمسك بمقتضى الأصل ، والروايات المتضمنة لسقوط الزكاة في مال القرض عن المقرض فإنه من أنواع الدين ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا صدقة على الدين ، ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك » (٧).

وفي الموثق ، عن إسحاق بن عمار قال ، قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : الدين عليه زكاة؟ قال : « لا حتى يقبضه » قلت : فإذا قبضه‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٢ ـ ٨٣ ، الوسائل ٦ : ٦٧ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧ ح ٢.

(٢) الدروس : ٥٨.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ١٧٤.

(٤) السرائر : ١٠٢.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ١٧٤.

(٦) المفيد في المقنعة : ٣٩ ، والشيخ في الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٥.

(٧) التهذيب ٤ : ٣١ ـ ٧٨ ، الوسائل ٦ : ٦٢ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٥ ح ٦.

٣٩

______________________________________________________

يزكيه؟ فقال : « لا حتى يحول عليه الحول » (١).

وفي الموثق أيضا ، عن محمد بن علي الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : ليس في الدين زكاة؟ فقال : « لا » (٢).

احتج الشيخ في التهذيب بما رواه عن درست ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ليس في الدين زكاة إلاّ أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخره ، فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه » (٣).

وعن عبد العزيز ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون له الدين ، أيزكيه؟ قال : « كل دين يدعه هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته ، وما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاته » (٤).

والجواب بالطعن في سند الروايتين باشتماله على عدة من الضعفاء.

وأجاب العلاّمة في المختلف عنهما بالحمل على الاستحباب ، ثم قال ، لا يقال : لم لا يجوز أن يكون وجه الجمع ما فصّل في هذين الخبرين؟ لأنا نقول : لمّا سأله الحلبي عن الدين وأطلق عليه‌السلام القول بانتفاء الوجوب وجب انتفاؤه مطلقا ، إذ لو كان في صورة ما لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو باطل (٥). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وهو جيّد ( كما نبهنا عليه مرارا ) (٦).

واعلم أن العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ صرح في التذكرة بأنه لو كان الدين نعما‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٤ ـ ٨٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٨ ـ ٧٩ ، الوسائل ٦ : ٦٣ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٢ ـ ٨٠ ، الوسائل ٦ : ٦٤ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٢ ـ ٨١ ، الوسائل ٦ : ٦٤ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ٧.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٢ ـ ٨٢ ، الوسائل ٦ : ٦٤ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ٥.

(٥) المختلف : ١٧٤.

(٦) ما بين القوسين مشطوبة في « ض ».

٤٠