مدارك الأحكام - ج ٥

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

ويجب على الإمام أن ينصب عاملا لقبض الصدقات. (١) ويجب دفعها إليه عند المطالبة. ولو قال المالك : أخرجت قبل قوله ، ولا يكلف بينة ولا يمينا.

______________________________________________________

فله التفرقة بنفسه ووكيله والدفع إلى الإمام وساعيه ، وتعتبر عدالة‌ الوكيل مطلقا.

قوله : ( ويجب على الإمام أن ينصب عاملا لقبض الصدقات ).

هذا الحكم ذكره الشيخ في المبسوط ، واحتج عليه بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يبعثهم في كل عام ، ومتابعته واجبة (١). وقيّده في المنتهى بما إذا عرف أو غلب على ظنه أن الصدقة لا تجمع إلاّ بالعامل (٢). وهو حسن ، لكن لا يخفى أن أمثال هذه المباحث لا تناسب أصولنا ، لأن الإمام عليه‌السلام أعلم بما يجب علينا وعليه.

قوله : ( ويجب دفعها إليه عند المطالبة ).

لا ريب في ذلك ، لأن العامل نائب عن الإمام عليه‌السلام وأمره مستند إلى أمره فتكون مخالفته في الحقيقة مخالفة له.

قوله : ( ولو قال المالك : أخرجت ، قبل قوله ، ولا يكلف بينة ولا يمينا ).

يدل على ذلك قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه لعامله : « قل لهم : يا عباد الله أرسلني إليكم وليّ الله لآخذ منكم حق الله في أموالكم فهل لله في أموالكم حق فتؤدّوه إلى وليّه؟ فإن قال لك قائل : لا فلا تراجعه ، وإن أنعم لك بنعم فانطلق معه » (٣).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٤٤.

(٢) المنتهى ١ : ٥١٥.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٦ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٩٦ ـ ٢٧٤ ، نهج البلاغة ( صبحي الصالح ) : ٣٨٠ ، الوسائل ٦ : ٨٨ أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ١.

٢٦١

ولا يجوز للساعي تفريقها إلا بإذن الإمام (١) ، وإذا أذن له جاز أن يأخذ نصيبه ثم يفرق الباقي.

وإذا لم يكن الإمام موجودا دفعت إلى الفقيه المأمون من الإمامية ، فإنه أبصر بمواقعها.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يجوز للساعي تفريقها إلا بإذن الإمام ).

وذلك لأن العمالة ولاية ووكالة فيقتصر فيها على موضع الإذن من الموكّل ، ولو أذن له المالك في تفريقها ولم نوجب حملها إلى الإمام عليه‌السلام ابتداء جاز له ذلك مع احتمال العدم ، لأن طلب الساعي قائم مقام طلب الإمام عليه‌السلام.

قوله : ( وإذا أذن له جاز أن يأخذ نصيبه ثم يفرق الباقي ).

أي وإذا أذن الإمام للساعي في التفريق جاز له أن يأخذ نصيبه لأنه أحد المستحقين ثم يفرق الباقي على أربابه.

ثم إن كانت الأذن مطلقة تصرّف كيف شاء بما تحصل به البراءة ، وإن كانت مقيدة لم يجز التعدي ، ولو عيّن المالك وعيّن له الإمام واختلف المحل أو التقسيط اتبع تعيين الإمام خاصة لأنه أولى بنا من أنفسنا ، ولو أطلق الإمام وعيّن المالك لم يبعد جواز التعدي عن تعيينه لزوال ولايته بالدفع إلى الساعي.

قوله : ( وإذا لم يكن الإمام موجودا دفعت إلى الفقيه المأمون من الإمامية ، فإنه أبصر بمواقعها ).

المراد بالفقيه حيث يطلق في أبواب الفقه الجامع لشرائط الفتوى ، وبالمأمون من لا يتوصل إلى أخذ الحقوق مع غنائه عنها بالحيل الشرعية ، كذا‌

٢٦٢

والأفضل قسمتها على الأصناف ، واختصاص جماعة من كل صنف ، ولو صرفها في صنف واحد جاز. ولو خص بها ولو شخصا واحدا من بعض الأصناف جاز أيضا.

______________________________________________________

ذكره المتأخرون (١) ، ولا بأس به ، لأن في غير المأمون بهذا المعنى نقصا في الهمّة وانحطاطا عمّا أهّله الشارع له وفي الدفع إليه إضرارا بالمستحقين ونقضا للحكمة التي لأجلها شرعت الزكاة.

وذهب المفيد (٢) ـ رحمه‌الله ـ وأبو الصلاح (٣) إلى وجوب حملها إلى الفقيه ابتداء ، وقد تقدم الكلام في ذلك.

قوله : ( والأفضل قسمتها في الأصناف واختصاص جماعة من كل صنف ، ولو صرفها في صنف واحد جاز ، ولو خص بها ولو شخصا واحدا من بعض الأصناف جاز أيضا ).

أما جواز تخصيص بعض الأصناف بجميع الزكاة بل جواز دفعها إلى شخص واحد من بعض الأصناف وإن كثرت فقال في التذكرة : إنه مذهب علمائنا أجمع وهو قول أكثر الجمهور أيضا (٤). ويدل عليه الأخبار المستفيضة كحسنة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي وصدقة أهل الحضر لأهل الحضر ، ولا يقسّمها بينهم بالسوية ، وإنما يقسّمها بينهم على قدر ما يحضره منهم وما يرى وقال : ليس في ذلك شي‌ء مؤقت » (٥).

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٦١ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٤ : ٢٠٦.

(٢) راجع ص ٢٥٩.

(٣) راجع ص ٢٥٩.

(٤) التذكرة ١ : ٢٤٤.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥٤ ـ ٨ ، الفقيه ٢ : ١٦ ـ ٤٨ ، التهذيب ٤ : ١٠٣ ـ ٢٩٢ ، الوسائل ٦ : ١٨٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٨ ح ١.

٢٦٣

______________________________________________________

وصحيحة أحمد بن حمزة قال ، قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : رجل من مواليك له قرابة كلهم يقول بك وله زكاة أيجوز أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال : « نعم » (١).

وحسنة زرارة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل وجبت عليه الزكاة ومات أبوه وعليه دين ، أيؤدّي زكاته في دين أبيه؟ فقال عليه‌السلام بعد كلام طويل : « وإن لم يكن أورثه الأب مالا لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه فإذا أدّاها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه » (٢).

وصحيحة عمرو بن أبي نصر (٣) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة والستمائة ، يشتري منها نسمة يعتقها؟ فقال : « إذن يظلم قوما آخرين حقوقهم » ثم مكث مليّا ثم قال : « إلا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة يشتريه ويعتقه » (٤).

وصحيحة عليّ بن يقطين أنه قال لأبي الحسن عليه‌السلام : يكون عندي المال من الزكاة أفأحجّ به مواليّ وأقاربي؟ قال : « نعم لا بأس » (٥).

وقال بعض العامة : تجب قسمة كل صنف منها على الأصناف الستة الموجودين على السواء ، ويجعل لكل صنف ثلاثة أسهم فصاعدا ، ولو لم يوجد إلاّ واحدا من ذلك صرف حصة الصنف إليه ، لأنه تعالى جعل الزكاة لهم بلام‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٢ ـ ٧ ، التهذيب ٤ : ٥٤ ـ ١٤٤ ، الإستبصار ٢ : ٣٥ ـ ١٠٤ ، الوسائل ٦ : ١٦٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٥ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ٣ ، الوسائل ٦ : ١٧٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٨ ح ١.

(٣) كذا ، وفي المصادر : عمرو ، عن أبي بصير.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٧ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠٠ ـ ٢٨٢ ، الوسائل ٦ : ٢٠٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٣ ح ١.

(٥) الفقيه ٢ : ١٩ ـ ٦١ ، الوسائل ٦ : ٢٠١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٢ ح ١.

٢٦٤

______________________________________________________

الملك وعطف بعضهم على بعض بواو التشريك ، وذلك يوجب الاشتراك في الحكم (١).

وأجيب عنه بأنه تعالى جعل جملة الصدقات لهؤلاء الثمانية ، فلا يلزم أن يكون كل جزء من أجزائها كصدقة زيد مثلا موزّعا على كل واحد منهم.

وأجاب عنه في المعتبر بأن اللام في الآية الشريفة للاختصاص لا للملك كما تقول : باب الدار ، فلا يقتضي وجوب البسط ولا التسوية في العطاء » (٢).

وأجاب عنه في المنتهى (٣) أيضا بأن المراد من الآية بيان المصرف ، أي الأصناف التي تصرف الزكاة إليهم لا إلى غيرهم كما يدل عليه الحصر بإنما ، وقوله تعالى ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ) (٤) الآية.

ويشكل بأن سوق الآية لبيان المصرف لا ينافي وجوب البسط لو كان اللام وواو التشريك دالين عليه ، وكيف كان فهذا الحكم لا إشكال فيه لأنه موضع نص ووفاق.

وأما أن الأفضل قسمتها على الأصناف وإعطاء جماعة من كل صنف فلما فيه من شمول النفع وعموم الفائدة ، ولأنه أقرب إلى امتثال ظاهر الآية الشريفة. واستدل عليه في التذكرة والمنتهى بما فيه من التخلص من الخلاف وحصول الإجزاء يقينا (٥). وكأنه أراد بذلك خلاف العامة ، لأنه صرّح قبل ذلك بإجماع علمائنا على عدم وجوب البسط.

ويستحب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب ، لما رواه الشيخ ، عن‌

__________________

(١) كابن قدامة في المغني ٢ : ٥٢٨.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٨٨.

(٣) المنتهى ١ : ٥٢٨.

(٤) التوبة : ٥٨.

(٥) التذكرة ١ : ٢٤٤ ، والمنتهى ١ : ٥٢٨.

٢٦٥

ولا يجوز أن يعدل بها إلى غير الموجود ، ولا إلى غير أهل البلد مع وجود المستحق في البلد ،

______________________________________________________

عبد الله بن عجلان السكوني قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إني ربما قسّمت الشي‌ء بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيهم؟ فقال : « أعطهم على الهجرة في الدين والفقه والعقل » (١).

وينبغي تفضيل الذي لا يسأل على الذي يسأل ، لحرمانه في أكثر الأوقات فكانت حاجته أمسّ غالبا ، ولما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الزكاة ، يفضّل بعض من يعطى ممن لا يسأل على غيره؟ قال : « نعم يفضل الذي لا يسأل على الذي يسأل » (٢).

وينبغي صرف صدقة المواشي إلى المتجملين ومن لا عادة له بالسؤال ، وصرف صدقة غيرها إلى الفقراء المدقعين (٣) المعتادين للسؤال ، لما رواه الشيخ ، عن عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إن صدقة الخفّ والظلف تدفع إلى المتجملين من المسلمين ، فأما صدقة الذهب والفضة وما كيل بالقفيز وما أخرجته الأرض فللفقراء المدقعين » قال ابن سنان ، قلت : فكيف صار هذا هكذا؟ فقال : « لأن هؤلاء يتجملون يستحيون من الناس ، فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس ، وكلّ صدقة » (٤).

قوله : ( ولا يجوز أن يعدل بها إلى غير الموجودين ، ولا إلى غير أهل البلد مع وجود المستحق في البلد ).

المراد بالعدول بها إلى غير الموجودين : تأخير الإخراج مع التمكن منه وسيجي‌ء الكلام فيه ، وبالعدول بها إلى غير أهل البلد : نقلها من بلد المال إلى‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٠١ ـ ٢٨٥ ، الوسائل ٦ : ١٨١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٥ ح ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ١٠١ ـ ٢٨٤ ، الوسائل ٦ : ١٨١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٥ ح ١.

(٣) فقر مدقع : أي ملصق بالدقعاء ، والدقعاء : التراب ـ الصحاح ٣ : ١٢٠٨.

(٤) التهذيب ٤ : ١٠١ ـ ٢٨٦ ، الوسائل ٦ : ١٨٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٦ ح ١.

٢٦٦

______________________________________________________

غيره وإن كانت العبارة قاصرة عن تأدية ذلك.

واختلف الأصحاب في جواز النقل ، فذهب الشيخ في الخلاف إلى تحريمه (١) ، واختاره العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ في التذكرة وقال : إنه مذهب علمائنا أجمع (٢). مع أنه قال في المنتهى : قال بعض علمائنا : يحرم نقل الصدقة من بلدها مع وجود المستحق فيه ، وبه قال عمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير ومالك وأحمد ، وقال أبو حنيفة : يجوز. وبه قال المفيد من علمائنا ، والشيخ في بعض كتبه (٣) ، وهو الأقرب عندي.

وقال في المختلف : والأقرب عندي جواز النقل على كراهية مع وجود المستحق ، ويكون صاحب المال ضامنا كما اختاره صاحب الوسيلة (٤).

وقال الشيخ في المبسوط : لا يجوز نقلها من البلد مع وجود المستحق إلاّ بشرط الضمان (٥). والمعتمد الجواز مطلقا.

لنا : قوله تعالى ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) والدفع إلى الأصناف يتحقق مع النقل وبدونه ، وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يعطى الزكاة يقسّمها إله أن يخرج الشي‌ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ قال : « لا بأس » (٦).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣١٠.

(٢) التذكرة ١ : ٢٤٤.

(٣) المنتهى ١ : ٥٢٩.

(٤) المختلف : ١٩٠.

(٥) المبسوط ١ : ٢٣٤ ، ٢٤٦.

(٦) لم نعثر عليها في كتب الشيخ ، وجدناها في : الكافي ٣ : ٥٥٤ ـ ٧ ، الفقيه ٢ : ١٦ ـ ٥٠ ، الوسائل ٦ : ١٩٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٧ ح ١.

٢٦٧

______________________________________________________

وفي الصحيح ، عن أحمد بن حمزة قال : سألت أبا الحسن الثالث عليه‌السلام عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر ويصرفها إلى إخوانه فهل يجوز ذلك؟ قال : « نعم » (١).

وعن درست بن أبي منصور ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : في الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده فقال : « لا بأس بأن يبعث بالثلث أو الربع » الشك من أبي أحمد (٢).

احتج المانعون بأن فيه نوع خطر وتغرير بالزكاة وتعريضا لإتلافها مع إمكان إيصالها إلى مستحقها فيكون حراما ، وبأنه مناف للفورية الواجبة (٣).

والجواب عن الأول أن استلزام النقل للخطر يندفع بالضمان ، وعن الثاني أولا منع الفورية (٤) ، وثانيا إن النقل شروع في الإخراج فلم يكن منافيا لها ، كالقسمة مع التمكن من إيصالها إلى شخص واحد.

وهنا مباحث :

الأول : لو نقلها مع وجود المستحق ضمن إجماعا قاله في المنتهى ، لأن المستحق موجود والدفع ممكن فالعدول إلى الغير يقتضي وجوب الضمان (٥). ويدل عليه الأخبار المتضمنة لثبوت الضمان بمجرد التأخير مع وجود المستحق كحسنة زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاة له ليقسّمها فضاعت فقال : « ليس على الرسول ولا على‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٤٦ ـ ١٢٢ ، الوسائل ٦ : ١٩٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٧ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٤ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ١٦ ـ ٤٩ ، التهذيب ٤ : ٤٦ ـ ١٢٠ ، الوسائل ٦ : ١٩٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٧ ح ٢ ، والمراد بأبي أحمد هو ابن أبي عمير الواقع في طريقها.

(٣) حكاه في المختلف : ١٩٠.

(٤) في « ض » ، « م » ، « ح » زيادة : المنافية لذلك.

(٥) المنتهى ١ : ٥٢٩.

٢٦٨

______________________________________________________

المؤدّي ضمان » قلت : فإنه لم يجد لها أهلا ففسدت وتغيرت أيضمنها؟ قال : « لا ولكن إن عرف أن لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حين أخّرها » (١).

وحسنة محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام رجل بعث زكاة ماله فتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال : « إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها ، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنها خرجت من يده ، وكذلك الوصيّ الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربّه الذي أمر بدفعه إليه فإن لم يجد فليس عليه ضمان.

وكذلك من وجّه إليه زكاة مال ليفرقها ووجد لها موضعا فلم يفعل ثم هلك كان ضامنا » (٢).

الثاني : لو قلنا بتحريم النقل فنقلها أجزأته إذا وصلت إلى الفقراء عند علمائنا أجمع لصدق الامتثال. وقال بعض العامة : لا يجزيه ، لأنه دفعها إلى غير من أمر بالدفع إليه فأشبه ما لو دفعها إلى غير الأصناف (٣). وهو معلوم البطلان.

الثالث : قال في المنتهى : إذا قلنا بجواز النقل كان مكروها ، والأولى صرفها إلى فقراء بلدها دفعا للخلاف (٤).

الرابع : قال في المنتهى أيضا : إذا نقلها اقتصر على أقرب الأماكن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٤٨ ـ ١٢٦ ، الوسائل ٦ : ١٩٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٥ ـ ٤٦ ، التهذيب ٤ : ٤٧ ـ ١٢٥ ، الوسائل ٦ : ١٩٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ١.

(٣) كابن قدامة في المغني ٢ : ٥٣١ ، وذيلها أورده في التهذيب فقط ، والظاهر أنه من كلام الشيخ رحمه‌الله.

(٤) المنتهى ١ : ٥٢٩.

٢٦٩

ولا أن يؤخر دفعها مع التمكن ، فإن فعل شيئا من ذلك أثم وضمن.

وكذا كل من كان في يده مال لغيره وطالبه فامتنع ، (٢) أو أوصي إليه بشي‌ء فلم يصرفه فيه ، أو دفع إليه ما يوصله إلى غيره.

______________________________________________________

التي يوجد المستحق فيها استحبابا عندنا ، ووجوبا عند القائلين بتحريم النقل (١).

قوله : ( ولا أن يؤخّر دفعها مع التمكن ، فإن فعل شيئا من ذلك أثم وضمن ).

أما الضمان بالتأخير مع وجود المستحق مع النقل وبدونه فلا خلاف فيه وقد تقدم من الأخبار ما يدل عليه ، وأما أنه لا يجوز تأخير الدفع مع التمكن فهو أحد الأقوال في المسألة ، والأصح جواز تأخيره شهرا وشهرين خصوصا للبسط وطلب الأفضل كما سيجي‌ء تحقيقه.

قوله : ( وكذا كل من في يده مال لغيره فطالبه فامتنع ).

لا ريب في الضمان بذلك لتحقق العدوان.

قوله : ( أو أوصي إليه بشي‌ء فلم يصرفه فيه ، أو دفع إليه ما يوصله إلى غيره ).

يدل على ذلك قوله عليه‌السلام في حسنة محمد بن مسلم المتقدمة : « وكذلك الوصي » (٢) إلخ ، ولعل ذلك هو الوجه في ذكر هذه المسألة في هذا الباب. ولو نصّ الموصى أو الدافع على جواز التراخي أو دلت القرائن عليه انتفت الفورية قطعا.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٢٩.

(٢) في ص ٢٦٩.

٢٧٠

ولو لم يجد المستحق جاز نقلها إلى بلد آخر ، ولا ضمان عليه مع التلف ، إلا أن يكون هناك تفريط.

ولو كان ماله في غير بلده فالأفضل صرفها إلى بلد المال. ولو دفع العوض في بلده جاز.

______________________________________________________

قوله : ( ولو لم يوجد المستحق جاز نقلها إلى بلد آخر ، ولا ضمان عليه مع التلف إلاّ أن يكون هناك تفريط ).

لا ريب في جواز النقل إذا عدم المستحق في البلد ، بل الظاهر وجوبه لتوقف الدفع الواجب عليه. وأما انتفاء الضمان فيدل عليه الأصل ، وإباحة الفعل ، وحسنتا زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمتان (١). وأما الضمان مع التفريط فمعلوم من قواعد الأمانات ، وقال العلاّمة في المنتهى : إنه لا خلاف في ذلك كله (٢).

قوله : ( ولو كان له مال في غير بلده فالأفضل صرفها في بلد المال ، ولو دفع العوض في بلده جاز ).

أما استحباب صرف الزكاة في بلد المال فهو مذهب العلماء كافة ، والمستند فيه من طريق الأصحاب ما رواه عبد الكريم بن عتبة الهاشمي في الحسن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر » (٣).

وأما جواز دفع العوض في بلده وغيره فلا خلاف فيه بين الأصحاب أيضا لوصول الحق إلى مستحقه. والمراد بالعوض مثل الواجب في النصاب ، ويمكن أن يريد به الأعم من المثل أو القيمة.

__________________

(١) في ص ٢٦٨ ، ٢٦٩.

(٢) المنتهى ١ : ٥٢٩.

(٣) المتقدمة في ص ٢٦٣.

٢٧١

ولو نقل الواجب إلى بلده ضمن.

وفي زكاة الفطرة الأفضل أن يؤدي في بلده وإن كان ماله في‌

______________________________________________________

قوله : ( ولو نقل الواجب إلى بلدة ضمن ).

المراد أنه لا فرق في لزوم الضمان بالنقل بين أن يكون إلى بلد المالك أو غيره ، لعموم الأدلة الدالة على ذلك. ولا يخفى أن نقل الواجب إنما يتحقق مع عزله بالنية ، وإلاّ كان المنقول مشتركا بين المالك والزكاة وإن ضمنها مع التلف.

وذكر الشارح ـ قدس‌سره ـ أن الذاهب مع عدم العزل يكون من مال المالك ، لعدم تعينه (١). وهو غير واضح.

ثم إن قلنا بجواز العزل مع وجود المستحق كما هو ظاهر المعتبر (٢) وصريح التذكرة والدروس (٣) فالحكم واضح ، وإن قلنا إن العزل إنما يصح مع عدم المستحق أمكن تحقق الضمان بالنقل بتقدير وجود المستحق بعد العزل.

ومن هنا يعلم أن ما ذكره الشارح من أن الحكم بالضمان وعدمه لا يتحقق على القول بعدم صحة العزل مع وجود المستحق ، حتى أنه احتمل كون المراد بالواجب في قول المصنف : ولو نقل الواجب ، مماثلة في القدر والوصف ، وكون المراد بضمانه ذهابه من ماله وبقاء الحق في ماله أو ذمته (٤) ، غير جيد.

قوله : ( وفي زكاة الفطرة الأفضل أن يؤدي في بلده وإن كان له‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٦٢.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٥٣.

(٣) التذكرة ١ : ٢٣٨ ، والدروس : ٦٥.

(٤) المسالك ١ : ٦٢.

٢٧٢

غيره ، لأنها تجب في الذمّة. ولو عين زكاة الفطرة من مال غائب عنه ضمن بنقله عن ذلك البلد مع وجود المستحق فيه.

القسم الرابع : ( في اللواحق ، وفيه مسائل ) الأولى : إذا قبض‌

______________________________________________________

مال في غيره ، لأنها تجب في الذمة ).

المراد ببلده البلد الذي هو فيها سواء كانت بلده أم لا ، ولو أراد إخراج القيمة اعتبرت قيمة تلك البلد.

قوله : ( ولو عيّن زكاة الفطرة من مال غائب عنه ضمن بنقله عن ذلك البلد مع وجود المستحق فيه ).

سيأتي إن شاء الله أن زكاة الفطرة وإن كانت واجبة في الذمة لكنها تتعين بالعزل وتصير أمانة ، وقد قطع الأصحاب بمساواتها والحال هذه للمالية في تحريم النقل إن قلنا بذلك في المالية ، وتحقق الضمان بتأخير الإخراج مع التمكن منه ، ولا فرق في ذلك بين أن يعيّن من مال حاضر أو غائب كما صرّح به الشهيد في البيان حيث قال : ولو عزلها في مال حاضر أو غائب في موضع جواز العزل ثم نقلها لعدم المستحق فلا ضمان كما لا يضمن في زكاة المال (١).

وربما كان الوجه في فرض (٢) المسألة في تعيين الفطرة من المال الغائب التنبيه على أن استحباب إخراج الفطرة في بلد المخرج لا يقتضي انتفاء الضمان لنقلها من بلد المال مع وجود المستحق فيه (٣).

قوله : ( القسم الرابع ، في اللواحق ، وفيه مسائل ، الأولى : إذا‌

__________________

(١) البيان : ٢٠١.

(٢) في « ض » ، « م » ، « ح » زيادة : المصنف.

(٣) في « ض » ، « م » ، « ح » زيادة : ولا يخفى ما فيه.

٢٧٣

الإمام أو الساعي الزكاة برئت ذمة المالك ، ولو تلفت بعد ذلك.

الثانية : إذا لم يجد المالك لها مستحقا فالأفضل له عزلها.

______________________________________________________

قبض الإمام أو الساعي الزكاة برئت ذمة المالك ولو تلفت بعد ذلك ).

هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء ، لأن الإمام أو نائبه كالوكيل لأهل السهمان ، فكان قبضهما جاريا مجرى قبض المستحق ، ويدل عليه أيضا فحوى صحيحة عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا أخرجها من ماله فذهبت ولم يسمّها لأحد فقد بري‌ء منها » (١).

قوله : ( الثانية ، إذا لم يجد المالك لها مستحقا فالأفضل له عزلها ).

لا ريب في استحباب العزل مع عدم وجود المستحق ، بل جزم العلاّمة في التذكرة والمنتهى باستحبابه حال حؤول الحول سواء كان المستحق موجودا أم لا ، وسواء أذن له الساعي في ذلك أم لم يأذن ، واستدل عليه بأن له ولاية الإخراج بنفسه فيكون له ولاية التعيين ، وبأنه أمين على حفظها فيكون أمينا على تعيينها وإفرادها ، وبأن له دفع القيمة وتملك العين فله إفرادها ، وبأن منعه من إفرادها يقتضي منعه من التصرف في النصاب وذلك ضرر عظيم (٢).

وتدل عليه أيضا موثقة يونس بن يعقوب قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : زكاة تحلّ عليّ شهرا فيصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة؟ قال : « إذا حال الحول فأخرجها من مالك ولا تخلطها بشي‌ء وأعطها كيف شئت » قال ، قلت : وإن أنا كتبتها وأثبتها يستقيم لي؟ قال : « نعم لا يضرّك » (٣).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ٣ ، الوسائل ٦ : ١٩٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٤.

(٢) التذكرة ١ : ٢٣٨ ، والمنتهى ١ : ٥١١ و ٥٢٩.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٢ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٤٥ ـ ١١٩ ، الوسائل ٦ : ٢١٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ٢.

٢٧٤

ولو أدركته الوفاة أوصى بها وجوبا.

______________________________________________________

وحسنة عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « إذا أخرجها من ماله فذهبت ولم يسمّها لأحد فقد بري‌ء منها » (١).

ورواية أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سمّاها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي‌ء عليه » (٢).

والمراد بالعزل تعيينها في مال خاص فمتى حصل ذلك صارت أمانة في يده لا يضمنها إلاّ بالتفريط أو تأخير الإخراج مع التمكن منه ، وليس له إبدالها بعد العزل قطعا ، ويتبعها النماء متصلا كان أو منفصلا على الأظهر ، وقال في الدروس : إنه للمالك (٣). وهو ضعيف.

وروى الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن الزكاة تجب عليّ في موضع لا يمكنني أن أؤدّيها؟ قال : « اعزلها ، فإن اتجرت بها فأنت ضامن لها ولها الربح » ثم قال : « وإن لم تعزلها واتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح ولا وضيعة عليها » (٤).

قوله : ( ولو أدركته الوفاة أوصى بها وجوبا ).

المعتبر من الوصية ما يحصل به الثبوت الشرعي ولا ريب في وجوب ذلك ، لتوقف الواجب عليه ، ولعموم الأمر بالوصية. وأوجب الشهيد في الدروس مع الوصية العزل أيضا (٥). وهو أحوط.

__________________

(١) المتقدمة في ص ٢٧٤.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ١٦ ـ ٤٧ ، التهذيب ٤ : ٤٧ ـ ١٢٣ ، الوسائل ٦ : ١٩٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٣.

(٣) الدروس : ٦٥.

(٤) الكافي ٤ : ٦٠ ـ ٢ ، الوسائل ٦ : ٢١٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ٣.

(٥) الدروس : ٦٥.

٢٧٥

الثالثة : المملوك الذي يشترى من الزكاة إذا مات ولا وارث له ورثه أرباب الزكاة. وقيل : بل يرثه الإمام ، والأول أظهر.

______________________________________________________

وروى الكليني في الحسن وابن بابويه في الصحيح ، عن عليّ بن يقطين قال ، قلت لأبي الحسن الأول عليه‌السلام : رجل مات وعليه زكاة وأوصى أن تقضى عنه الزكاة وولده محاويج إن دفعوها أضرّ بهم ذلك ضررا شديدا؟ فقال : « يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم ، ويخرجون منها شيئا فيدفع إلى غيرهم » (١).

قوله : ( الثالثة ، المملوك الذي يشترى من الزكاة إذا مات ولا وارث له ورثه أرباب الزكاة ، وقيل : بل يرثه الإمام ، والأول أظهر ).

المراد بالوارث المنفي الوارث الخاص وهو من عدا الإمام وأرباب الزكاة ، للإجماع على أن أحدهما وارث فلا يتحقق عدم الوارث العام.

والقول بأن ميراثه لأرباب الزكاة مذهب الأكثر ، بل قال المصنف في المعتبر : إن عليه علماءنا (٢). وهو يؤذن بدعوى الإجماع عليه ، واستدلوا عليه بما رواه الشيخ في الموثق ، عن عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد لها موضعا يدفع ذلك إليه فنظر إلى مملوك يباع فيمن يزيد فاشتراه بتلك الألف الدرهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه هل يجوز ذلك؟ قال : « نعم لا بأس بذلك » قلت : فإنه لما أعتق وصار حرّا اتجر واحترف فأصاب مالا ثم مات وليس له وارث فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟ قال : « يرثه فقراء المؤمنين الذين يستحقون الزكاة ، لأنه إنما اشتري بمالهم » (٣) وهذه الرواية مع قصورها من حيث السند‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٧ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٠ ـ ٦٩ ، الوسائل ٦ : ١٦٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٤ ح ٥.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٨٩.

(٣) التهذيب ٤ : ١٠٠ ـ ٢٨١ ، الوسائل ٦ : ٢٠٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٣ ح ٢.

٢٧٦

______________________________________________________

لا تدل على أن إرثه لأرباب الزكاة مطلقا بل إنما تدل على اختصاص الفقراء بذلك ، والظاهر أن قوله : لأنه اشتري بمالهم ، توجيه للحكمة المقتضية لذلك والمراد أنه اشتري بالمال الذي كان يسوغ صرفه في الفقراء لا أنه اشتري بسهم الفقراء خاصة.

وذكر الشهيد في الدروس أن في هذا التعليل إيماء إلى أنه لو اشتري من سهم الرقاب لم يطرد الحكم لأنه اشتري بنصيبه لا بمال غيره (١). وهو غير جيد ، لأن ظاهر الرواية وقوع الشراء بجميع الزكاة لا بسهم مخصوص منها.

والأجود الاستدلال على ذلك بما رواه ابن بابويه في كتاب العلل في الصحيح ، عن أيوب بن الحرّ أخي أديم بن الحرّ قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه أشتريه من الزكاة وأعتقه؟ فقال : « اشتره وأعتقه » قلت : فإن هو مات وترك مالا؟ قال ، فقال : « ميراثه لأهل الزكاة لأنه اشتري بشيئهم (٢) » (٣) وهذه الرواية مع كونها صحيحة السند واضحة الدلالة لم يحتج بها أحد من الأصحاب فيما أعلم.

والقول بأن ميراثه للإمام عليه‌السلام مجهول القائل من القدماء ، واختاره من المتأخرين العلاّمة في القواعد وولده في الشرح (٤) ، لأن الرقاب أحد مصارف الزكاة فيكون سائبة.

ويظهر من المصنف في المعتبر الميل إليه فإنه قال : ويمكن أن يقال : لا يرثه الفقراء لأنهم لا يملكون العبد المبتاع بمال الزكاة لأنه أحد مصارفها فيكون كالسائبة ، وتضعف الرواية لأن في طريقها ابن فضال وهو فطحي وعبد الله بن بكير وفيه ضعف ، غير أن القول بها عندي أقوى لمكان سلامتها‌

__________________

(١) الدروس : ٦٣.

(٢) في « ح » والمصدر : بسهمهم.

(٣) علل الشرائع : ٣٧٢ ـ ١ ، الوسائل ٦ : ٢٠٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٣ ح ٣.

(٤) القواعد ١ : ٥٩ ، إيضاح الفوائد ١ : ٢٠٧.

٢٧٧

الرابعة : إذا احتاجت الصدقة إلى كيل أو وزن كانت الأجرة على المالك ، وقيل : تحتسب من الزكاة ، والأول أشبه.

الخامسة : إذا اجتمع للفقير سببان أو ما زاد يستحق بهما الزكاة كالفقر والكتابة والغزو جاز أن يعطى بحسب كل سبب نصيبا.

______________________________________________________

عن المعارض وإطباق المحققين منّا على العمل بها (١).

وربما ظهر من هذه العبارة عدم تحقق الخلاف في المسألة ، وكيف كان فالأحوط صرف ذلك في الفقراء خاصة لأنهم من أرباب الزكاة ، وفي حال الغيبة يستحقون ما يرثه الإمام ممن لا وارث له غيره فيكون الصرف إليهم مجزيا على القولين.

قوله : ( الرابعة ، إذا احتاجت الصدقة إلى كيل أو وزن كانت الأجرة على المالك ، وقيل : تحتسب من الزكاة ، والأول أشبه ).

الأصح ما اختاره المصنف والأكثر من وجوب ذلك على المالك ، لتوقف الدفع الواجب عليه. والقول باحتسابه من الزكاة للشيخ في موضع من المبسوط (٢). واحتج له في المختلف بأن الله تعالى أوجب على أرباب الزكاة قدرا معلوما من الزكاة فلا تجب الأجرة عليهم وإلاّ لزم أن يزاد على الذي وجب عليهم (٣). والجواب أن إيجاب الزكاة لا يستلزم نفي إيجاب غيرها مع قيام الدليل عليه.

قوله : ( الخامسة ، إذا اجتمع للفقير سببان أو ما زاد يستحق بهما الزكاة ، كالفقر والكتابة والغزو ، جاز أن يعطى بحسب كل سبب نصيبا ).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٨٩.

(٢) المبسوط ١ : ٢٥٧ قال : ويعطى الحاسب والوزان والكاتب من سهم العاملين.

(٣) المختلف : ١٩١.

٢٧٨

السادسة : أقل ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الأول : عشرة قراريط أو خمسة دراهم. وقيل : ما يجب في النصاب الثاني : قيراطان أو درهم ، والأول أكثر.

______________________________________________________

كان الأولى أن يقول : إذا اجتمع للمستحق سببان ، ليعمّ الفقير وغيره. ولا ريب في جواز الدفع إلى من هذا شأنه بكلّ من الأسباب ، ثم إن كان أحدها الفقر فلا حدّ للإعطاء ، وإلاّ تقيّد بحسب الحاجة.

قوله : ( السادسة ، أقل ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الأول عشرة قراريط أو خمسة دراهم ، وقيل : ما يجب في النصاب الثاني وهو قيراطان أو درهم ، والأول أكثر ).

اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فقال المفيد في المقنعة (١) والشيخ في جملة من كتبه (٢) والمرتضى في الانتصار (٣) : لا يعطى الفقراء أقل مما يجب في النصاب الأول وهو خمسة دراهم أو عشرة قراريط.

وقال سلار (٤) وابن الجنيد (٥) : يجوز الاقتصار على ما يجب في النصاب الثاني وهو درهم أو عشر دينار.

وقال المرتضى في الجمل (٦) وابن إدريس (٧) وجمع من الأصحاب : يجوز أن يعطى الفقير من الزكاة القليل والكثير ولا يحدّ القليل بحدّ لا يجزئ غيره. وهو المعتمد.

__________________

(١) المقنعة : ٤٠.

(٢) النهاية : ١٨٩ ، والاقتصاد : ٢٨٣ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٧.

(٣) الانتصار : ٨٢.

(٤) المراسم : ١٣٣.

(٥) نقله عنه في المختلف : ١٨٦.

(٦) جمل العلم والعمل : ١٢٥.

(٧) السرائر : ١٠٧.

٢٧٩

______________________________________________________

لنا : التمسك بمقتضى الأصل ، وإطلاق الكتاب والسنّة فإن امتثال الأمر بإيتاء الزكاة يتحقق بصرفها إلى المستحقين على أيّ وجه كان ، ويؤيده ما رواه الشيخ ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن أبي الصهبان قال : كتبت إلى الصادق عليه‌السلام : هل يجوز لي يا سيدي أن أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة والدرهم (١) فقد اشتبه ذلك عليّ؟ فكتب : « ذلك جائز » (٢) والظاهر أن المراد بالصادق هنا الهادي عليه‌السلام ، لأنه من رجاله.

وفي معنى هذه الرواية ما رواه ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه ، عن محمد بن عبد الجبار : إنّ بعض أصحابنا كتب على يدي أحمد بن إسحاق إلى عليّ بن محمد العسكري عليه‌السلام : أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة؟ فكتب : « افعل إن شاء الله » (٣).

دلت الرواية على جواز إعطاء ما دون الخمسة دراهم والعشرة قراريط فلا يكون ذلك متعينا ، وليس في الرواية دلالة على تعين دفع المسؤول عنه فيبقى الإطلاق سالما من المعارض.

احتج الشيخ ومن قال بمقالته بما رواه في الصحيح ، عن أبي ولاّد الحنّاط ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، سمعته يقول : « لا يعطى أحد من الزكاة أقل من خمسة دراهم ، وهو أقلّ ما فرض الله من الزكاة في أموال المسلمين ، فلا تعطوا أحدا أقل من خمسة دراهم فصاعدا » (٤).

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : والثلاثة الدراهم.

(٢) التهذيب ٤ : ٦٣ ـ ١٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٨ ـ ١١٨ ، الوسائل ٦ : ١٧٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٣ ح ٥.

(٣) الفقيه ٢ : ١٠ ـ ٢٨ ، الوسائل ٦ : ١٧٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٣ ح ١.

(٤) التهذيب ٤ : ٦٢ ـ ١٦٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٨ ـ ١١٦ ، الوسائل ٦ : ١٧٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٣ ح ٢ ، ورواها في الكافي ٣ : ٥٤٨ ـ ١ ، والمحاسن : ٣١٩ ـ ٤٩.

٢٨٠