مدارك الأحكام - ج ٥

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

______________________________________________________

بصير قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يموت ويترك العيال يعطون من الزكاة؟ قال : « نعم » (١).

وعن أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ورثة الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة والفطرة كما كان يعطى أبوهم حتى يبلغوا ، فإذا بلغوا وعرفوا ما كان أبوهم يعرف أعطوا وإن نصبوا لم يعطوا » (٢).

ونصّ الشيخ في التبيان والسيّد المرتضى في المسائل الطبريات على أنه يجوز أن تعطى أطفال المؤمنين وإن كان آباؤهم فسّاقا (٣). واستحسنه العلاّمة في المنتهى قال : لأن حكم الأولاد حكم آبائهم في الإيمان والكفر لا في جميع الأحكام (٤). وهو جيّد ، إذ ليس في الأدلة التي استدل بها على المنع من إعطاء الفاسق ما يدل على المنع من إعطاء الطفل.

ومن هنا يظهر أن ما ذكره الشارح ـ قدس سرّه ـ من أن هذا يعني إعطاء الأطفال إنما يتمّ إذا لم نعتبر العدالة في المستحق ، أما لو اعتبرناها أمكن عدم جواز إعطاء الأطفال مطلقا لعدم اتصافهم بها ، والجواز لأن المانع الفسق وهو منفي عنهم (٥). غير جيّد.

واعلم أن العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ صرّح في التذكرة بأنه لا يجوز دفع الزكاة إلى الصغير وإن كان مميزا ، واستدل عليه بأنه ليس محلا لاستيفاء ماله من الغرماء فكذا هنا ثم قال : ولا فرق بين أن يكون يتيما أو غيره فإنّ الدفع إلى الوليّ ، فإن لم يكن له وليّ جاز أن يدفع إلى من يقوم بأمره ويعتني بحاله (٦).

ومقتضى كلامه ـ رحمه‌الله ـ جواز الدفع إلى غير وليّ الطفل إذا لم يكن له‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٠٢ ـ ٢٨٧ ، الوسائل ٦ : ١٥٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٦ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤٩ ـ ٣ ، الوسائل ٦ : ١٥٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٦ ح ٢.

(٣) نقله عنهما في السرائر : ١٠٦.

(٤) المنتهى ١ : ٥٢٣.

(٥) المسالك ١ : ٦١.

(٦) التذكرة ١ : ٢٣٦.

٢٤١

ولو أعطى مخالف زكاته أهل نحلته ثم استبصر أعاد.

______________________________________________________

وليّ ، ولا بأس به إذا كان مأمونا ، بل لا يبعد جواز تسليمها إلى الطفل بحيث يصرف في وجه يسوغ للوليّ صرفها فيه. وحكم المجنون حكم الطفل. أما السفيه فإنه يجوز الدفع إليه وإن حجر عليه الحاكم بعد ذلك.

قوله : ( ولو أعطى مخالف زكاته أهل نحلته ثم استبصر أعاد ).

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا ، ويدل عليه روايات : منها قول الصادقين عليهما‌السلام في صحيحة الفضلاء المتقدمة : « ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة لا بدّ أن يؤدّيها ، لأنه وضع الزكاة في غير موضعها ، وإنما موضعها أهل الولاية » (١).

وقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة بريد بن معاوية العجلي : « كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثمّ منّ الله عليه وعرّفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلاّ الزكاة فإنه يعيدها ، لأنه وضعها في غير موضعها لأنها لأهل الولاية » (٢).

قال العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ في التذكرة بعد أن أورد رواية الفضلاء المتقدمة : وهذا الحديث حسن الطريق ، وهل هو مطلق؟ نصّ علماؤنا على أنه في الحج إذا لم يخلّ بشي‌ء من أركانه لا تجب عليه الإعادة ، أما الصلاة والصوم ففيها إشكال من حيث إن الطهارة لم تقع على الوجه المشروع ، والإفطار قد يقع منهم في غير وقته. ويمكن الجواب بأن الجهل عذر كالتقية فصحّت الطهارة ، والإفطار قبل الغروب إذا كان لشبهة قد لا يستعقب القضاء كالظلمة الموهمة فكذا هنا ، وبالجملة فالمسألة مشكلة (٣).

وأقول : إن هذا الإشكال ضعيف جدا ، فإن رواية الفضلاء المتضمنة لسقوط الإعادة عن المخالف بعد استبصاره وإن كانت حسنة في التهذيب لكن‌

__________________

(١) في ص ٢٣٨.

(٢) المتقدمة في ص ٢٣٨.

(٣) التذكرة ١ : ٢٣٤.

٢٤٢

الوصف الثاني : العدالة ، وقد اعتبرها كثير. واعتبر آخرون مجانبة الكبائر كالخمر والزنا ، دون الصغائر وإن دخل بها في جملة الفسّاق ، والأول أحوط.

______________________________________________________

ابن بابويه أوردها في كتاب علل الشرائع والأحكام بطريق صحيح ، وفي معناها أخبار كثيرة فيتعين العمل بها على إطلاقها ، ولا وجه لتقييد ذلك في الحج بعدم الإخلال بركن منه كما سنبينه في محله ، لكن ليس في هذا الحكم ـ أعني سقوط القضاء ـ دلالة على صحة الأداء بوجه ، فإن القضاء فرض مستأنف فلا يثبت إلاّ مع الدلالة فكيف مع قيام الدليل على خلافه ، مع أن الحق بطلان عبادة المخالف وإن فرض وقوعها مستجمعة لشرائط الصحة عندنا ، للأخبار المستفيضة المتضمنة لعدم انتفاعه بشي‌ء من أعماله (١) ، ولتفصيل الكلام في ذلك محل آخر.

قوله : ( الوصف الثاني ، العدالة : وقد اعتبرها كثير ، واعتبر آخرون مجانبة الكبائر كالخمر والزنا ، دون الصغائر وإن دخل بها في جملة الفسّاق ، والأول أحوط ).

القول باعتبار العدالة للشيخ (٢) والمرتضى (٣) وابن حمزة (٤) وابن البراج (٥) وغيرهم (٦) ، والقول باعتبار مجانبة الكبائر خاصة لابن الجنيد على ما نقل عنه (٧) ، واقتصر ابنا بابويه (٨) وسلاّر (٩) على اعتبار الإيمان ولم يشترطا شيئا من‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٩٠ أبواب مقدمة العبادات ب ٢٩.

(٢) المبسوط ١ : ٢٤٧ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٦.

(٣) الانتصار : ٨٢.

(٤) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٨١.

(٥) المهذب ١ : ١٦٩ ،

(٦) كأبي الصلاح في الكافي في الفقه : ١٧٢.

(٧) نقله عنه في المختلف : ١٨٢.

(٨) الصدوق في المقنع : ٥٢ ، والهداية : ٤٣ ، وحكاه عن علي بن بابويه في المختلف : ١٨٢.

(٩) المراسم : ١٣٣.

٢٤٣

______________________________________________________

ذلك ، وإليه ذهب المصنف ـ رحمه‌الله ـ وعامة المتأخرين وهو المعتمد.

لنا : قوله تعالى ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) (١) وهما متناولان للعدل وغيره ، وقوله عليه‌السلام في عدة أخبار صحيحة : « إن موضعها أهل الولاية » (٢) وهو يتناول الجميع.

وصحيحة أحمد بن حمزة قال ، قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : رجل من مواليك له قرابة كلّهم يقول بك وله زكاة أيجوز أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال : « نعم » (٣) وترك الاستفصال في جواب السؤال مع قيام الاحتمال يفيد العموم.

احتج المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ بإجماع الطائفة والاحتياط ، وكل ظاهر من سنّة أو قرآن تضمّن المنع من معونة الفاسق (٤).

والجواب ، أما عن الإجماع فبالمنع منه مع تحقق الخلاف من قوم بأعيانهم واحتمال وجود المشارك لهم في الفتوى ، وأما الاحتياط فليس بدليل شرعي حتى يتقيد به إطلاق الألفاظ القرآنية ، وأما الظواهر المتضمنة للنهي عن معونة الفاسق فالموجود منها إنما يدل على المنع من معونة الفاسق على فسقه ونحن نقول بموجبه ، لكن الدفع إليه أعمّ من ذلك.

أما القائلون باعتبار مجانبة الكبائر خاصة فربما كان مستندهم في ذلك ما رواه الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن داود الصرمي قال : سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟ قال :

__________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) الوسائل ٦ : ١٤٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٢ ـ ٧ ، التهذيب ٤ : ٥٤ ـ ١٤٤ ، الإستبصار ٢ : ٣٥ ـ ١٠٤ ، الوسائل ٦ : ١٦٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٥ ح ١.

(٤) الانتصار : ٨٢.

٢٤٤

الوصف الثالث : ألا يكون ممّن تجب نفقته على المالك ، كالأبوين وإن علوا ، والأولاد وإن سفلوا ، والزوجة ، والمملوك.

______________________________________________________

« لا » (١) وهذه الرواية ضعيفة السند بجهالة المسئول وعدم وضوح حال السائل فلا تبلغ حجة في تقييد العمومات المتضمنة لاستحقاق الأصناف الثمانية من الكتاب والسنّة ، ومع ذلك فهي مختصة بشارب الخمر فلا تتناول غيره.

قال الشهيد في الشرح : والعدالة هنا هيئة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى بحيث لا تقع منه كبيرة ولا يصرّ على صغيرة فإن وقعت استدركت بالتوبة (٢). ونبّه بقوله : « هنا » على أن العدالة في غير هذا المحل يعتبر فيها المروّة ، وكأنّ وجه عدم اعتبارها هنا أن الدليل إنما دلّ على منع فاعل المعصية وعدم المروّة ليس معصية وإن أخلّ بالعدالة ، وقد تقدّم الكلام في تحقيق العدالة مفصلا في شرائط إمام الجمعة (٣).

قوله : ( الوصف الثالث ، أن لا يكون ممن تجب نفقته على المالك ، كالأبوين وإن علوا ، والأولاد وإن سفلوا ، والزوجة ، والمملوك ).

أجمع الأصحاب على أنه يشترط في مستحق الزكاة لفقره أن لا يكون ممن تجب نفقته على المالك ، بل قال في المنتهى : إنه قول كل من يحفظ عنه العلم (٤). ويدل عليه روايات (٥) : منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا : الأب والأمّ والولد والمملوك والزوجة ، وذلك أنهم عياله لازمون له » (٦).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦٣ ـ ١٥ ، الوسائل ٦ : ١٧١ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٧ ح ١.

(٢) نقله عنه في المسالك ١ : ٦١.

(٣) في ص ١٩٢ حجري.

(٤) المنتهى ١ : ٥٢٣.

(٥) في « ح » زيادة : كثيرة.

(٦) التهذيب ٤ : ٥٦ ـ ١٥٠ ، الإستبصار ٢ : ٣٣ ـ ١٠١ ، الوسائل ٦ : ١٦٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٣ ح ١.

٢٤٥

______________________________________________________

وفي الموثق ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال ، قلت له : لي قرابة أنفق على بعضهم وأفضّل على بعضهم فيأتيني إبّان الزكاة أفأعطيهم منها؟ قال : « مستحقون لها؟ » قلت : نعم قال : « هم أفضل من غيرهم أعطهم قال ، قلت : فمن الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا أحتسب الزكاة عليهم؟ فقال : « أبوك وأمّك » قلت : أبي وأمّي؟! قال : « الوالدان والولد » (١).

وعن زيد الشحّام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال في الزكاة : « يعطى منها الأخ والأخت والعمّ والعمّة والخال والخالة ولا يعطى الجدّ والجدّة » (٢).

واستدل عليه في المنتهى أيضا بأن المالك يجب عليه شيئان : الزكاة والإنفاق ، ومع صرف الزكاة إلى من تجب نفقته يسقط أحد الواجبين فيكون الدفع في الحقيقة عائدا إليه كما لو قضى دين نفسه (٣). وهو حسن.

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ ، عن عمران بن إسماعيل القمي قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام أن لي ولدا رجالا ونساء فيجوز أن أعطيهم من الزكاة شيئا؟ فكتب : « إن ذلك جائز لك » (٤) لأنا نجيب عنه أولا بالطعن في السند بجهالة الراوي ، وثانيا بأنه يحتمل أن يكون الإمام عليه‌السلام علم من حال السائل أنه غير متمكن من النفقة على الأولاد فساغ له دفع الزكاة إليهم لذلك.

وأجاب عنه في المنتهى أيضا بجواز أن يكون النساء والرجال من ذوي‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥١ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٥٦ ـ ١٤٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٣ ـ ١٠٠ ، الوسائل ٦ : ١٦٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٥ ح ٢ ، وأورد ذيله في ص ١٦٥ ب ١٣ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٢ ـ ٦ ، التهذيب ٤ : ٥٦ ـ ١٥١ ، الوسائل ٦ : ١٦٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٣ ح ٣.

(٣) المنتهى ١ : ٥٢٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٥٦ ـ ١٥٢ ، الإستبصار ٢ : ٣٤ ـ ١٠٢ ، الوسائل ٦ : ١٦٧ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٤ ح ٣.

٢٤٦

______________________________________________________

الأقارب ، وأطلق عليهم اسم الولد مجازا بسبب مخالطتهم للأولاد ، وباحتمال أن يكون أراد الزكاة المندوبة (١).

وهل يجوز لمن وجبت نفقته على غيره إذا لم يكن مالكا لقوت السنة تناول الزكاة من غير المخاطب بالإنفاق مع يسار المنفق وبذله؟ الأصح عدم الجواز في الزوجة ، لأن نفقتها كالعوض ، والجواز في غيرها ، وهو اختيار العلاّمة في المنتهى والشهيد في الدروس والبيان (٢) ، لعدم خروج من لم يملك قوت السنة بوجوب النفقة عن وصف الفقر عرفا ، ولما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مؤنته أيأخذ من الزكاة فيوسع به إذا كانوا لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟ قال : « لا بأس » (٣).

وجزم العلاّمة في التذكرة بعدم الجواز في الجميع ، لأن الكفاية حاصلة لهم بما يصلهم من النفقة الواجبة فأشبهوا من له عقار يستعين بأجرته (٤). وهو قياس مع الفارق.

ولو امتنع المنفق من الإنفاق جاز التناول في الجميع قولا واحدا.

فروع :

الأول : يجوز للمالك أن يصرف إلى قريبه الواجب النفقة ما زاد على النفقة الواجبة كنفقة الزوجة والمملوك ، لعدم وجوب ذلك عليه ، ولقوله عليه‌السلام في صحيحة عبد الرحمن : « وذلك أنهم عياله لازمون له » (٥) فإن‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٢٣.

(٢) المنتهى ١ : ٥١٩ ، والدروس : ٦٢ ، والبيان : ١٩٦.

(٣) التهذيب ٤ : ١٠٨ ـ ٣١٠ ، الوسائل ٦ : ١٦٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ١١ ح ١.

(٤) التذكرة ١ : ٢٣١.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥٢ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ٥٦ ـ ١٥٠ ، الإستبصار ٢ : ٣٣ ـ ١٠١ ، الوسائل ٦ : ١٦٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٣ ح ١.

٢٤٧

ويجوز دفعها إلى من عدا هؤلاء من الأنساب ولو قربوا ، كالأخ والعم.

______________________________________________________

مقتضى التعليل أن المانع لزوم الإنفاق وهو منتف فيمن ذكرناه.

الثاني : لو كانت الزوجة ناشزا فهل يجوز الدفع إليها مع الفقر أم لا؟ الأصح عدم الجواز ، لأنها غنيّة بالقدرة على الطاعة في كل وقت. واستقرب الشهيد في الدروس الجواز تفريعا على القول بجواز إعطاء الفاسق (١). وهو ضعيف. وأولى بالمنع المعقود عليها ولمّا تبذل التمكين.

الثالث : يجوز للزوج دفع الزكاة إلى زوجته المستمتع بها ، لسقوط الإنفاق ، ولظاهر قوله عليه‌السلام في صحيحة عبد الرحمن : « وذلك أنهم عياله لازمون له » وربما قيل بالمنع لإطلاق النص ، وهو ضعيف.

الرابع : يجوز للزوجة أن تدفع زكاتها إلى زوجها وإن كان ينفق عليها منها ، للأصل ، وانتفاء المانع. ونقل عن ابن بابويه المنع من إعطائه مطلقا (٢). وعن ابن الجنيد الجواز لكن لا ينفق منه عليها ولا على ولدها (٣). وهما ضعيفان.

الخامس : لو كان في عائلته من لا يجب الإنفاق عليه جاز أن يدفع زكاته إليه إجماعا منّا ، لأنه داخل في الأصناف المستحقين ولم يرد في منعه نص ولا إجماع. ومنع منه بعض العامة ، لأنه ينتفع بدفعها إليه لاستغنائه بها عن مؤنته (٤). وبطلانه ظاهر.

قوله : ( ويجوز دفعها إلى من عدا هؤلاء من الأنساب ولو قربوا ، كالأخ والعم ).

هذا قول علمائنا وأكثر العامة (٥) ، ويدل عليه مضافا إلى العمومات‌

__________________

(١) الدروس : ٦٣.

(٢) المقنع : ٥٢.

(٣) نقله عنه في المختلف : ١٨٣.

(٤) كابن قدامة في المغني ٢ : ٥١٢.

(٥) حكاه ابن قدامة في المغني ٢ : ٥١٠.

٢٤٨

ولو كان من تجب نفقته عاملا جاز أن يأخذ من الزكاة ، وكذا الغازي ، والغارم ، والمكاتب ،

______________________________________________________

السالمة من المخصص صحيحة أحمد بن حمزة قال ، قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : رجل من مواليك له قرابة كلّهم يقول بك وله زكاة أيجوز أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال : « نعم » (١).

وموثقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال ، قلت له : لي قرابة أنفق على بعضهم وأفضّل على بعضهم فيأتيني إبّان الزكاة أفأعطيهم منها؟ قال : « مستحقون لها؟ » قلت : نعم قال : « هم أفضل من غيرهم » (٢).

وقال بعض العامة : لا يجوز الدفع إلى الوارث كالأخ أو العمّ مع فقد الولد ، بناء منه على أن على الوارث نفقة المورّث فدفع الزكاة إليه يعود نفعها على الدافع (٣). وهو معلوم البطلان.

قوله : ( ولو كان من تجب نفقته عاملا جاز أن يأخذ من الزكاة ، وكذا الغازي ، والغارم ، والمكاتب ).

الوجه في ذلك عموم الآية السالم من المعارض ، فإن ظاهر الأخبار المانعة من الدفع إلى القريب كون المدفوع من سهم الفقراء ، وأيضا فإن ما يأخذه العامل والغازي كالأجرة ولهذا جاز لهما الأخذ مع اليسر والعسر ، والمكاتب إنما يأخذ لفداء رقبته ، والغارم لوفاء دينه وهما لا يجبان على القريب إجماعا فانتفى المانع من الأخذ ، ويؤيّده ما رواه الكليني في الصحيح ، عن صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل على أبيه دين ولابنه مؤنة أيعطي أباه من الزكاة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٢ ـ ٧ ، التهذيب ٤ : ٥٤ ـ ١٤٤ ، الإستبصار ٢ : ٣٥ ـ ١٠٤ ، الوسائل ٦ : ١٦٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٥ ح ١.

(٢) المتقدمة في ص ٢٤٦.

(٣) كابن قدامة في المغني ٢ : ٥١٠.

٢٤٩

وابن السبيل ، لكن يأخذ هذا ما زاد عن نفقته الأصلية مما يحتاج إليه في سفره كالحمولة.

الوصف الرابع : أن لا يكون هاشميا ، فلو كان كذلك لم تحلّ له زكاة غيره ،

______________________________________________________

يقضي دينه؟ قال : « نعم » (١).

وفي الحسن ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « وإن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه » (٢).

وفي الصحيح ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي محمد الوابشي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سأله بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ماله قال : « اشترى خير رقبة لا بأس بذلك » (٣).

قوله : ( وابن السبيل ، لكن يأخذ هذا ما زاد عن نفقته الأصلية مما يحتاج إليه في سفره كالحمولة ).

الوجه في ذلك معلوم مما سبق ، فإن الممتنع بالنسبة إلى القريب تناول النفقة الواجبة خاصة وهي نفقة الحضر دون ما زاد على ذلك.

قوله : ( الوصف الرابع ، أن لا يكون هاشميا ، فلو كان كذلك لم تحل له زكاة غيره ).

أجمع علماء الإسلام كافة على أن الصدقة المفروضة من غير الهاشمي محرّمة على الهاشمي حكاه في المنتهى (٤) ، والنصوص الواردة به من الطرفين مستفيضة ، فروى الجمهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « الصدقة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ٢ ، الوسائل ٦ : ١٧٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٨ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ٣ ، الوسائل ٦ : ١٧٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٨ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٢ ـ ١ ، الوسائل ٦ : ١٧٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٩ ح ١.

(٤) المنتهى ١ : ٥٢٤.

٢٥٠

______________________________________________________

محرّمة على بني هاشم » وقال عليه‌السلام : « هذه الصدقة أوساخ الناس فلا تحلّ لمحمد وآل محمد » (١).

ورووا أيضا أن الحسن عليه‌السلام أخذ تمرة من تمر الصدقة فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كخ كخ ليطرحها » وقال : « أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة » (٢).

ومن طريق الأصحاب ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عيص بن القاسم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن أناسا من بني هاشم أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي وقالوا : يكون لنا هذا السهم الذي جعله الله عزّ وجلّ للعاملين عليها فنحن أولى به ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحلّ لي ولا لكم ولكني قد وعدت الشفاعة ـ ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : والله لقد وعدها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فما ظنكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أتروني مؤثرا عليكم غيركم؟! » (٣).

وفي الحسن ، عن محمد بن مسلم وزرارة ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قالا : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الصدقة أوساخ أيدي الناس ، وإن الله قد حرّم عليّ منها ومن غيرها ما قد حرّمه ، وإن الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطلب ، ثم قال : والله لو قدمت على باب الجنة ثم أخذت بحلقته لقد علمتم أني لا أؤثر عليكم ، فارضوا لأنفسكم ما رضي الله ورسوله لكم ، قالوا : قد رضينا » (٤).

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٧٥٣ ـ ١٦٧ ، ١٦٨ بتفاوت يسير.

(٢) مسند أحمد ٢ : ٤٠٩ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٧ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٥١ ـ ١٦١.

(٣) التهذيب ٤ : ٥٨ ـ ١٥٤ ، الوسائل ٦ : ١٨٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٥٨ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٥٨ ـ ١٥٥ ، الإستبصار ٢ : ٣٥ ـ ١٠٦ ، الوسائل ٦ : ١٨٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ٢.

٢٥١

وتحلّ له زكاة مثله في النسب.

______________________________________________________

وفي الصحيح ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا تحلّ الصدقة لولد العباس ولا لنظرائهم من بني هاشم » (١).

لا يقال : قد روى الشيخ ، عن أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أعطوا من الزكاة بني هاشم من أرادها منهم ، وإنما تحرم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى الإمام الذي يكون بعده وعلى الأئمة عليهم‌السلام » (٢).

لأنا نجيب عنه بالطعن في السند ، فإن في طريقه عليّ بن الحسن وهو فطحي ، وأبو خديجة ضعّفه الشيخ في كتاب الرجال (٣).

وأجاب عنه في التهذيب بالحمل على حال الضرورة قال : ويكون وجه اختصاص الأئمة عليهم‌السلام منهم بالذكر في الخبر أنّ الأئمة عليهم‌السلام لا يضطرون إلى أكل الزكوات والتقوّت بها ، وغيرهم من بني عبد المطلب قد يضطرون إلى ذلك (٤).

قوله : ( وتحلّ له زكاة مثله في النسب ).

المراد بالمثل هنا مطلق الهاشمي وإن لم يماثله في الأب الخاص ، وهذا الحكم أعني جواز تناول الهاشمي زكاة مثله مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، وعزاه في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه (٥). ويدل عليه مضافا إلى العمومات وعدم صراحة الأخبار المانعة في تناول‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٥٩ ـ ١٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٥ ـ ١٠٩ ، الوسائل ٦ : ١٨٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٦٠ ـ ١٦١ ، الإستبصار ٢ : ٣٦ ـ ١١٠ ، الوسائل ٦ : ١٨٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ٥.

(٣) الفهرست : ٧٩ ـ ٣٢٧.

(٤) التهذيب ٤ : ٦٠.

(٥) المنتهى ١ : ٥٢٤.

٢٥٢

______________________________________________________

صدقات بعضهم على بعض روايات كثيرة : منها ما رواه الشيخ في الموثق ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : صدقات بني هاشم بعضهم على بعض تحلّ لهم؟ قال : « نعم » (١).

وعن أبي أسامة زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الصدقة التي حرّمت عليهم فقال : « هي الزكاة المفروضة ولم تحرم علينا صدقة بعضنا على بعض » (٢).

وعن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ما هي؟ فقال : « هي الزكاة » قلت : فتحلّ صدقة بعضهم على بعض؟ قال : « نعم » (٣).

وعن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته هل تحلّ لبني هاشم الصدقة؟ قال : « لا » قلت : لمواليهم؟ قال : « تحلّ لمواليهم ولا تحلّ لهم إلاّ صدقات بعضهم على بعض » (٤).

وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتابه قرب الإسناد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : وسألته عن الصدقة تحلّ لبني هاشم؟ فقال : « لا ولكن صدقات بعضهم على بعض تحلّ لهم » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٦١ ـ ١٦٤ ، الوسائل ٦ : ١٩٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٢ ح ٦.

(٢) التهذيب ٤ : ٥٩ ـ ١٥٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٥ ـ ١٠٨. الوسائل ٦ : ١٩٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٢ ح ٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٥٨ ـ ١٥٦ ، الإستبصار ٢ : ٣٥ ـ ١٠٧ ، الوسائل ٦ : ١٩٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٢ ح ٥.

(٤) التهذيب ٤ : ٦٠ ـ ١٦٠ ، الإستبصار ٢ : ٣٧ ـ ١١٤ ، الوسائل ٦ : ١٩٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٤ ح ٤.

(٥) قرب الإسناد : ١٦٣ ، الوسائل ٦ : ١٩٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٢ ح ٨.

٢٥٣

ولو لم يتمكن الهاشمي من كفايته من الخمس جاز أن يأخذ من الزكاة ولو من غير هاشمي ، وقيل : لا يتجاوز قدر الضرورة.

______________________________________________________

وبالجملة فالروايات الواردة بذلك مستفيضة جدا ولا معارض لها فيتعين العمل بها.

قوله : ( وإن لم يتمكن الهاشمي من كفايته من الخمس جاز له أن يأخذ الزكاة ولو من غير هاشمي ، وقيل : لا يتجاوز قدر الضرورة ).

أما جواز تناول الزكاة للهاشميين مع قصور الخمس عن كفايتهم فقال في المنتهى : إن عليه فتوى علمائنا أجمع (١). والمستند فيه ما رواه الشيخ في الموثق ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة ، إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم » ثم قال : « إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلّت له الميتة ، والصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلاّ أن لا يجد شيئا ويكون فيمن تحلّ له الميتة » (٢).

واختلف الأصحاب في قدر المأخوذ فقيل : لا يتجاوز قدر الضرورة (٣). وهو الأصح ، لرواية زرارة المتقدمة ، ولأن المقتضي للمنع قائم ولا دليل على إباحة ما زاد عن قدر الضرورة من نصّ أو إجماع فوجب تحريمه. وفسّر قدر الضرورة بقوت يوم وليلة (٤). ومقتضى رواية زرارة اعتبار ما دون ذلك.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٢٦.

(٢) التهذيب ٤ : ٥٩ ـ ١٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٦ ـ ١١١ ، الوسائل ٦ : ١٩١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٣ ح ١.

(٣) قال به العلامة في المنتهى ١ : ٥٢٦ ، والسيوري في التنقيح الرائع ١ : ٣٢٥.

(٤) حكاه في المسالك ١ : ٦١.

٢٥٤

ويجوز للهاشمي أن يتناول المندوبة من هاشمي وغيره.

______________________________________________________

وقيل : إنه لا يتقدر بقدر ، وعزاه في المختلف إلى الأكثر (١) ، واستدل عليه بأنه أبيح له الزكاة فلا يتقدر بقدر ، أما المقدمة الأولى فلأن التقدير ذلك ، وأما الثانية فلقوله : « إذا أعطيته فأغنه » (٢) وضعف هذا الاستدلال معلوم مما قرّرناه.

قوله : ( ويجوز للهاشمي أن يتناول المندوبة من هاشمي وغيره ).

هذا قول علمائنا وأكثر العامة (٣) ، ويدل عليه عموم قوله تعالى : ( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى ) (٤) وقوله عزّ وجلّ ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٥) وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « لو حرمت الصدقة علينا لم يحلّ لنا أن نخرج إلى مكة لأن كلّما (٦) بين مكة والمدينة فهو صدقة » (٧).

وفي الصحيح ، عن جعفر بن إبراهيم الهاشمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : أتحلّ الصدقة لبني هاشم؟ قال : « إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا ، فأما غير ذلك فليس به بأس ، ولو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة ، لأن هذه المياه عامتها صدقة » (٨).

__________________

(١) المختلف : ١٨٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٦٤ ـ ١٧٤ ، الوسائل ٦ : ١٧٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٤ ح ٤.

(٣) منهم الشافعي في الأم ٢ : ٨١ ، وابن قدامة في المغني ٢ : ٥٢٠ ، والنووي في شرح صحيح مسلم ( إرشاد الساري ٧ ) : ١٧٦.

(٤) المائدة : ٢.

(٥) الشورى : ٢٣.

(٦) في « ض » ، « م » ، « ح » : كل ماء.

(٧) التهذيب ٤ : ٦١ ـ ١٦٥ ، الوسائل ٦ : ١٨٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣١ ح ١.

(٨) الكافي ٤ : ٥٩ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٦٢ ـ ١٦٦ ، الوسائل ٦ : ١٨٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣١ ح ٣.

٢٥٥

والذين يحرم عليهم الصدقة الواجبة من ولده هاشم على الأظهر.

______________________________________________________

وعن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟ فقال : « هي الزكاة » (١).

وعن زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الصدقة التي حرمت عليهم ما هي؟ فقال : « الزكاة المفروضة » (٢).

ويستفاد من هذه الروايات عدم تحريم ما عدا الزكاة من الصدقة المنذورة (٣) والموصى بها والكفارة ، وهو كذلك.

قوله : ( والذين يحرم عليهم الصدقة الواجبة من ولده هاشم خاصة على الأظهر ).

خالف في ذلك المفيد ـ رحمه‌الله ـ في المسائل الغريّة فذهب إلى تحريم الزكاة على بني المطّلب أيضا وهو عمّ عبد المطلب (٤) ، واختاره ابن الجنيد أيضا (٥) ، والأصح ما اختاره المصنف رحمه‌الله.

لنا : الأصل ، وقوله تعالى ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) (٦) خرج من ذلك بنو هاشم بالإجماع والأخبار المستفيضة فيبقى الباقي مندرجا في العموم.

ويشهد له أيضا قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن الصدقة لا تحلّ‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٩ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ٥٨ ـ ١٥٦ ، الإستبصار ٢ : ٣٥ ـ ١٠٧ ، الوسائل ٦ : ١٩٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٢ ح ٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٥٩ ـ ١٥٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٥ ـ ١٠٨ ، الوسائل ٦ : ١٩٠ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٢ ح ٤.

(٣) في « م » : المندوبة.

(٤) نقله عنه في المعتبر ٢ : ٥٨٥ ، والمختلف : ١٨٣.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ١٨٣.

(٦) التوبة : ٦٠.

٢٥٦

وهم الآن أولاد أبي طالب ، والعباس ، والحارث ، وأبي لهب.

______________________________________________________

لي ولا لكم يا بني عبد المطّلب » (١) وقول الصادق عليه‌السلام : « لا تحلّ الصدقة لولد العباس ولا لنظرائهم من بني هاشم » (٢) والمراد بذلك كلّه شرف المنزلة وتعظيم نسب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلو شاركهم بنو المطّلب في ذلك لذكروا في معرض التعظيم.

احتج المفيد ـ رحمه‌الله ـ بما رواه زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطّلبي إلى صدقة ، إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم » (٣).

وأجاب عنه في المعتبر بأنه خبر واحد نادر فلا يخصّ به عموم القرآن (٤). وهو جيد ، مع أنه مرويّ في التهذيب بطريق فيه عليّ بن الحسن بن فضّال ، ولا تعويل على ما ينفرد به.

قوله : ( وهم الآن أولاد أبي طالب ، والعباس ، والحارث ، وأبي لهب ).

احترز بقوله : الآن ، عن زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنهم كانوا أكثر من ذلك ثم انقرضوا.

وذكر جماعة من أهل النسب أن عبد المطّلب ولد له عشرة ذكور وست بنات ، أسماء الذكور : عبد الله وهو أبو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والزبير ، وأبو طالب واسمه عبد مناف ، والعباس ، والمقرّم ، وحمزة ، وضرار ، وأبو‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٨ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٥٨ ـ ١٥٤ ، الوسائل ٦ : ١٨٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٥٩ ـ ١٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٥ ـ ١٠٩ ، الوسائل ٦ : ١٨٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٥٩ ـ ١٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٦ ـ ١١١ ، الوسائل ٦ : ١٩١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٣ ح ١.

(٤) المعتبر ٢ : ٥٨٦.

٢٥٧

القسم الثالث : في المتولي للإخراج

وهم ثلاثة : المالك ، والإمام ، والعامل. وللمالك أن يتولى تفريق ما وجب عليه بنفسه ، وبمن يوكّله

______________________________________________________

لهب واسمه عبد العزى ، والحارث ، والغيداق واسمه جحل بفتح الجيم قبل الحاء وسكون الحاء ، والجحل : اليعسوب العظيم ، وأسماء البنات : عاتكة ، وأميمة ، والبيضاء ، وبرّة ، وصفيّة ، وأروى ، وهؤلاء الذكور والإناث لأمّهات شتى فلم يعقب هاشم إلاّ من عبد المطّلب ، ولم يعقب عبد المطّلب من أولاده الذكور إلاّ من خمسة وهم عبد الله وأبو طالب والعباس والحارث وأبو لهب (١).

قوله : ( القسم الثالث ، في المتولي للإخراج ، وهم ثلاثة : المالك والإمام والعامل ، وللمالك أن يتولى تفريق ما وجب عليه بنفسه وبمن يوكله ).

كان الأولى جعلهم أربعة : المالك ووكيله والإمام ونائبه. ولا خلاف بين علماء الإسلام (٢) في قبول هذا الفعل للنيابة ، للأخبار الكثيرة الدالة عليه كصحيحة زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت قال : « ليس على الرسول ولا على المؤدّي ضمان » (٣) الحديث.

ورواية صالح بن رزين قال : دفع إليّ شهاب بن عبد ربّه دراهم من الزكاة أقسّمها فأتيته يوما فسألني هل قسّمتها؟ فقلت : لا ، فأسمعني كلاما فيه بعض الغلظة ، فطرحت ما كان بقي معي من الدراهم وقمت مغضبا فقال‌

__________________

(١) كابن إدريس في السرائر : ١٠٧.

(٢) في « م » : بين العلماء.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٤٨ ـ ١٢٦ ، الوسائل ٦ : ١٩٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٢.

٢٥٨

والأولى حمل ذلك إلى الإمام. ويتأكد الاستحباب في الأموال الظاهرة كالمواشي والغلات.

______________________________________________________

لي : ارجع حتى أحدّثك بشي‌ء سمعته من جعفر بن محمد عليهما‌السلام فرجعت فقال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني إذا وجدت زكاتي أخرجها فأدفع منها إلى من أثق به يقسّمها قال : « لا بأس بذلك ، أما إنه أحد المعطين » قال صالح : فأخذت الدراهم حيث سمعت الحديث فقسّمتها (١) (٢).

قوله : ( والأولى حمل ذلك إلى الإمام ، ويتأكد الاستحباب في الأموال الظاهرة كالمواشي والغلات ).

لا ريب في استحباب حملها إلى الإمام ، لأنه أبصر بمواقعها وأعرف بمواضعها ، ولما في ذلك من إزالة التهمة عن المالك بمنع الحق وتفضيل بعض المستحقين بمجرد الميل الطبيعي.

وأما تأكد الاستحباب في الأموال الظاهرة فلم أقف على حديث يدل عليه بمنطوقه ، ولعل الوجه فيه ما يتضمنه من الإعلان بشرائع الإسلام والاقتداء بالسلف الكرام.

وقال المفيد (٣) وأبو الصلاح (٤) وابن البراج (٥) يجب حملها إلى الإمام عليه‌السلام مع ظهوره ، ومع غيبته فإلى الفقيه المأمون من أهل ولايته. واحتج له في المختلف بقوله تعالى ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ) (٦) قال :

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧ ـ ١ ، الوسائل ٦ : ١٩٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٥ ح ٤.

(٢) في « ض » ، « م » ، « ح » زيادة : وتعتبر عدالة الوكيل ويقبل قوله في فعل ما تعلّقت به الوكالة

(٣) المقنعة : ٤١.

(٤) الكافي في الفقه : ١٧٢.

(٥) المهذب ١ : ١٧١ و ١٧٥.

(٦) التوبة : ١٠٣.

٢٥٩

ولو طلبها الإمام وجب صرفها إليه. ولو فرّقها المالك والحال هذه ، قيل : لا يجزي. وقيل : يجزي وإن أثم ، والأول أشبه. (١) وولي الطفل كالمالك في ولاية الإخراج.

______________________________________________________

ووجوب الأخذ يستلزم وجوب الدفع (١). وهو ضعيف جدا ، فإن المتنازع وجوب الحمل ابتداء لا وجوب الدفع مع الطلب. والأصح أن ذلك على سبيل الاستحباب ، لاستفاضة الروايات بجواز تولّي المالك لذلك بنفسه ووكيله (٢).

قوله : ( ولو طلبها الإمام وجب صرفها إليه ، ولو فرقها المالك والحال هذه قيل : لا يجزي ، وقيل : يجزي وإن أثم ، والأول أشبه ).

لا ريب في وجوب صرفها إلى الإمام عليه‌السلام مع الطلب ، لوجوب طاعته وتحريم مخالفته. ولو دفعها المالك إلى المستحقين والحال هذه قال الشيخ : لا يجزيه (٣) ، لأنها عبادة لم يؤت بها على وجهها المطلوب شرعا ، فلا يخرج المكلف بها عن العهدة ، ولأن الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده الخاص ، والنهي في العبادة مفسد.

وقيل : يجزي ، واختاره في التذكرة ، لأنه دفع المال إلى مستحقه فخرج عن العهدة كالدين إذا دفعه إلى مستحقه (٤). والمسألة محل تردد إلاّ أن الأمر فيها هيّن لاختصاص الحكم بطلب الإمام عليه‌السلام ، ومع ظهوره عجّل الله فرجه تنضح الأحكام كلّها إن شاء الله.

قوله : ( ووليّ الطفل كالمالك في ولاية الإخراج ).

__________________

(١) المختلف : ١٨٧.

(٢) الوسائل ٦ : ١٩٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٦ وص ٢٩٦ أبواب الصدقة ب ٢٦.

(٣) المبسوط ١ : ٢٤٤.

(٤) التذكرة ١ : ٢٤١.

٢٦٠