مدارك الأحكام - ج ٥

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

ولو ادعى أنه كوتب ، قيل : يقبل ، وقيل : لا إلاّ بالبيّنة أو بحلف ، والأول أشبه. ولو صدّقه مولاه قبل.

______________________________________________________

الأصناف (١). وهو جيد ، لكن يبقى الكلام في اعتبار هذا القصد من المالك ، ومقتضى كلامه في الغارم وابن السبيل اعتباره ، فإنه استدل على جواز الارتجاع بأن كلاّ من الغارم وابن السبيل إنما ملك المال ليصرفه في وجه مخصوص فلا يسوغ له غيره (٢). وهو غير بعيد ، إذ لو لا ذلك لجاز إعطاء المكاتب والغارم وابن السبيل ما يزيد عن قدر حاجتهم وهو باطل اتفاقا ، ولو كان الدفع إلى المكاتب من سهم الفقراء كان له التصرف فيه كيف شاء ، لأن الفقير لا يحتكم عليه فيما يأخذه من الزكاة إجماعا.

قوله : ( ولو ادعى أنه كوتب ، قيل : يقبل ، وقيل : لا ، إلا بالبينة أو بحلف ، والأول أشبه ، ولو صدقه مولاه قبل ).

إذا ادعى العبد الكتابة فإن أقام بيّنة أو علم صدقه فلا بحث ، وان لم يقم بيّنة ولم يعلم صدقه فإن كذّبه السيّد لم يقبل قوله إلاّ بالبيّنة ، لأن الأصل بقاء الرقّية ، وإن صدّقه السيّد فقد قطع الأصحاب بقبول قوله ، وعلّله في التذكرة بأصالة العدالة ، وبأن الحق في العبد له فإذا أقرّ بالكتابة قبل (٣). وقال الشافعي : لا يقبل ، لجواز التواطؤ لأخذ الزكاة (٤). وقال الشيخ : الأول أولى فيمن عرف أن له عبدا ، والثاني أحوط فيمن لا يعرف ذلك من حاله (٥). وهو حسن.

ولو لم يعلم حال السيد من تصديق أو تكذيب إما لبعده أو لغير ذلك فقد قطع الأكثر بقبول دعواه ، وعلله المصنف في المعتبر والعلاّمة في التذكرة والمنتهى‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٧٥.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٧٦.

(٣) التذكرة ١ : ٢٣٦.

(٤) حكاه عنه الفيروزآبادي في المهذب ١ : ١٧٢.

(٥) المبسوط ١ : ٢٥٣.

٢٢١

والغارمون :

وهم الذين علتهم الديون في غير معصية ، فلو كان في معصية لم تقض عنه.

______________________________________________________

بأنه مسلم أخبر عن أمر ممكن فيقبل قوله كالفقير ، وبأصالة العدالة الثابتة للمسلم (١). ويتوجه عليهما ما سبق.

وقال بعض العامة : لا يقبل إلاّ بالبيّنة لإمكانها (٢). وظاهر العبارة تحقق القائل بذلك من الأصحاب ، ولا يخلو من قوة.

قوله : ( والغارمون ، وهم الذين علتهم الديون في غير معصية ، فلو كان في معصية لم تقض عنه ).

استحقاق الغارمين ثابت بالكتاب والسنّة والإجماع ، وفسّرهم الأصحاب بأنهم المدينون في غير معصية ، قال في المعتبر : ولا خلاف في جواز تسليمها إلى من هذا شأنه (٣). وقال في المنتهى : وقد أجمع المسلمون على دفع النصيب إلى من هذا شأنه (٤).

ويدل على هذا التفسير مضافا إلى الإجماع كلام أهل اللغة ، قال الزجاج : أصل الغرم لزوم ما يشق (٥) ، وسمي الدين غرما لأنه شاق لازم ، فالغارمون المديونون. وقال في الجمهرة : الغرم كل شي‌ء غرمته من مال أو غيره ، والمتدائنان كل واحد منها غريم صاحبه. وقال في القاموس : الغريم المديون ، والدائن ضد (٦).

ويعتبر في الغارم أن يكون غير متمكن من القضاء ، كما صرّح به‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٦٨ ، والتذكرة ١ : ٢٣٦ ، والمنتهى ١ : ٥٢٦.

(٢) كالشافعي في الأم ٢ : ٧٣.

(٣) المعتبر ٢ : ٥٧٥.

(٤) المنتهى ١ : ٥٢١.

(٥) في الأصل : لزوم ما يستحق.

(٦) القاموس المحيط ٤ : ١٥٨.

٢٢٢

______________________________________________________

الشهيدان (١) وجماعة ، لأن الزكاة إنما شرعت لسدّ الخلّة ودفع الحاجة فلا تدفع مع الاستغناء عنها.

ولو تمكن من قضاء البعض دون البعض أعطي ما لا يتمكن من قضائه.

وقال المصنف في المعتبر : إن الغارم لا يعطى مع الغنى (٢). والظاهر أن مراده بالغنى انتفاء الحاجة إلى القضاء ، لا الغنى الذي هو ملك قوت السنة ، إذ لا وجه لمنع مالك قوت السنة من أخذ ما يوفي به الدين إذا كان غير متمكن من قضائه.

واستقرب العلاّمة في النهاية جواز الدفع إلى المديون وإن كان عنده ما يفي بدينه إذا كان بحيث لو دفعه يصير فقيرا ، لانتفاء الفائدة في أن يدفع ماله ثم يأخذ الزكاة باعتبار الفقر (٣).

ومقتضى كلامه أن الأخذ والحال هذه يكون من سهم الغارمين ، وهو غير بعيد (٤) ، لعدم صدق التمكن من أداء الدين عرفا بذلك.

واشترط الأصحاب في جواز الدفع إلى الغارم أن لا تكون استدانته في معصية ، واستدلوا عليه بأن في قضاء دين المعصية حملا للغريم على المعصية وهو قبيح عقلا فلا يكون متعبدا به شرعا ، وبما روي عن الرضا عليه‌السلام أنه قال : « يقضي ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله عزّ وجلّ ، وإذا كان أنفقه في معصية الله فلا شي‌ء له على الإمام » (٥).

__________________

(١) الأول في الدروس : ٦٢ ، والثاني في المسالك ١ : ٦٠.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٧٦.

(٣) نهاية الأحكام ٢ : ٣٩١.

(٤) في « ض » ، « م » ، « ح » زيادة : لإطلاق الآية و ...

(٥) الكافي ٥ : ٩٣ ـ ٥ ، التهذيب ٦ : ١٨٥ ـ ٣٨٥ ، الوسائل ١٣ : ٩١ أبواب الدين والقرض ب ٩ ح ٣.

٢٢٣

نعم لو تاب صرف إليه من سهم الفقراء ، وجاز أن يقضي هو.

______________________________________________________

ويمكن المناقشة في الأول بأن إعانة المستدين في المعصية إنما يقبح مع عدم التوبة لا مطلقا ، وفي الرواية بالطعن في السند ، فإنا لم نقف عليها مسندة في شي‌ء من الأصول ، ومن ثمّ ذهب المصنف في المعتبر إلى جواز إعطائه مع التوبة من سهم الغارمين (١) ، وهو حسن.

واعلم أن العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ ذكر في التذكرة والمنتهى أن الغارمين قسمان : أحدهما المديون لمصلحة نفسه وحكمه ما سبق ، والثاني المديون لإصلاح ذات البين بين شخصين أو قبيلتين بسبب تشاجر بينهما ، إمّا لقتيل لم يظهر قاتله ، أو إتلاف مال كذلك ، وحكم بجواز الدفع إلى من هذا شأنه مع الغنى والفقر ، ولم ينقل في ذلك خلافا ، واستدل عليه بعموم الآية الشريفة السالم من المخصص ، وبما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « لا تحلّ الصدقة لغني إلا لخمس » وذكر رجلا تحمل حمالة (٢) ، وبأن تحمله وضمانه إنما يقبل إذا كان غنيا فأخذه في الحقيقة إنما هو لحاجتنا (٣) إليه فلم يعتبر فيه الفقر كالمؤلّفة (٤).

وجوّز الشهيد في البيان صرف الزكاة في إصلاح ذات البين ابتداء (٥). وهو حسن إلاّ أنه يكون من سهم سبيل الله لا من سهم الغارمين.

قوله : ( نعم لو تاب صرف إليه من سهم الفقراء وجاز أن يقضي هو ).

لا ريب في جواز الدفع إليه من سهم الفقراء إذا كان فقيرا ، وإنما يتوقف قضاء دين المعصية من سهم الفقراء على التوبة إن اشترطنا العدالة ، وإلاّ لم يتوقف جواز الدفع إليه على ذلك كما هو واضح.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٧٥.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٥٩٠ ـ ١٨٤١ ، سنن أبي داود ٢ : ١١٩ ـ ١٦٣٥.

(٣) كذا ، وفي المصدر : لحاجة.

(٤) التذكرة ١ : ٢٣٣ ، والمنتهى ١ : ٥٢١.

(٥) البيان : ١٩٨.

٢٢٤

ولو جهل في ماذا أنفقه ، قيل : يمنع ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

ولو كان للمالك دين على الفقير جاز أن يقاصه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو جهل في ماذا أنفقه قيل : يمنع ، وقيل : لا ، وهو الأشبه ).

القول بالمنع للشيخ (١) ـ رحمه‌الله ـ وربما كان مستنده رواية محمد بن سليمان ، عن رجل من أهل الجزيرة يكنّى أبا محمد ، عن الرضا عليه‌السلام قال ، قلت : فهو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة أم في معصية ، قال : « يسعى في ماله فيردّه عليه وهو صاغر » (٢) وهذه الرواية ضعيفة جدا فلا يمكن التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل.

والأصح الجواز كما اختاره ابن إدريس (٣) والمصنف وجماعة ، لأن الأصل في تصرفات المسلم وقوعها على الوجه المشروع ، ولأن تتبع مصارف الأموال عسر فلا يقف دفع الزكاة على اعتباره.

قوله : ( وكذا لو كان للمالك دين على الفقير جاز أن يقاصه ).

المراد بالمقاصّة هنا القصد إلى إسقاط ما في ذمة الفقير للمزكي من الدين على وجه الزكاة ، وفي معنى الفقير الغني ـ أعني مالك قوت السنة ـ إذا كان بحيث لا يتمكن من أداء الدين.

وذكر الشارح أن معنى المقاصة احتساب الزكاة على الفقير ثم أخذها مقاصة من دينه (٤). وهو بعيد.

__________________

(١) النهاية : ٣٠٦.

(٢) المتقدمة في ص ٢٢٣.

(٣) السرائر : ١٦٢.

(٤) المسالك ١ : ٦٠.

٢٢٥

______________________________________________________

وهذا الحكم ـ أعني جواز مقاصّة المديون بما عليه من الزكاة ـ مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل ظاهر المصنف في المعتبر والعلاّمة في التذكرة والمنتهى (١) أنه لا خلاف فيه بين العلماء ، ويدل عليه روايات : منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن دين (٢) على قوم طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه وهم مستوجبون للزكاة ، هل لي أن أدعه وأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال : « نعم » (٣).

وعن عقبة بن خالد ، قال : دخلت أنا والمعلّى وعثمان بن عمران على أبي عبد الله عليه‌السلام فلما رآنا قال : « مرحبا بكم وجوه تحبّنا ونحبّها ، جعلكم الله معنا في الدنيا والآخرة » فقال له عثمان : جعلت فداك ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « نعم فمه؟ » قال : إني رجل موسر فقال له : « بارك الله لك في يسارك » قال : فيجي‌ء الرجل فيسألني الشي‌ء وليس هو إبّان زكاتي ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : « القرض عندنا بثمانية عشر والصدقة بعشرة ، وما ذا عليك إذا كنت موسرا أعطيته ، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة ، يا عثمان لا تردّه فإن ردّه عند الله عظيم ، يا عثمان إنك لو علمت ما منزلة المؤمن من ربّه ما توانيت في حاجته ، ومن أدخل على مؤمن سرورا فقد أدخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقضاء حاجة المؤمن يدفع الجنون والجذام والبرص » (٤).

وروى الكليني أيضا في الموثق ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة ، فقال : « إذا كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه من دين من‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٧٦ ، التذكرة ١ : ٢٤٢ ، المنتهى ١ : ٥٢١.

(٢) في « ض » ، « م » ، « ح » والمصدر زيادة : لي.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٨ ـ ١ ، الوسائل ٦ : ٢٠٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٦ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٣٤ ـ ٤ ، الوسائل ٦ : ٢٠٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ٢.

٢٢٦

وكذا لو كان الغارم ميتا جاز أن يقضى عنه وأن يقاص.

______________________________________________________

عرض من دار أو متاع من متاع البيت أو يعالج عملا يتقلّب فيها بوجهه فهو يرجو أن يأخذ منه ماله عنده من دينه فلا بأس أن يقاصّه بما أراد أن يعطيه من الزكاة ويحتسب بها ، وإن لم يكن عند الفقير وفاء ولا يرجو أن يأخذ منه شيئا فليعطه من زكاته ولا يقاصّه بشي‌ء من الزكاة » (١).

قوله : ( ولو كان الغارم ميتا جاز أن يقضى عنه وأن يقاص ).

اتفق علماؤنا وأكثر العامة (٢) على أنه يجوز للمزكّي قضاء الدين عن الغارم من الزكاة بأن يدفعه إلى مستحقه ومقاصّته بما عليه من الزكاة ، ويدل عليه روايات : منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل عارف فاضل توفّي وترك عليه دينا لم يكن بمفسد ولا مسرف ولا معروف بالمسألة ، هل يقضى عنه من الزكاة الألف والألفان؟ قال : « نعم » (٣).

وعن يونس بن عمار ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « قرض المؤمن غنيمة وتعجيل أجر ، إن أيسر قضاك وإن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة » (٤).

وفي الحسن عن زرارة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل حلّت عليه الزكاة ومات أبوه وعليه دين ، أيؤدي زكاته في دين أبيه وللابن مال كثير؟ فقال : « إن كان أبوه أورثه مالا ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث ولم يقضه من زكاته ، وإن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٨ ـ ٢ ، الوسائل ٦ : ٢٠٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٦ ح ٣.

(٢) نقله عن ابن تميم في الإنصاف : ٣ : ٢٥١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٤٩ ـ ٢ ، الوسائل ٦ : ٢٠٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٦ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٨ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٣٢ ـ ١٢٧. الوسائل ٦ : ٢٠٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١.

٢٢٧

وكذا لو كان الدين على من تجب نفقته جاز أن يقضى عنه حيا أو ميتا وأن يقاص.

______________________________________________________

أحق بزكاته من دين أبيه ، فإذا أدّاها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه » (١).

ويستفاد من هذه الرواية اعتبار قصور التركة عن الدين كالحي ، وبه صرح ابن الجنيد (٢) والشيخ في المبسوط (٣).

وقال في المختلف : لا يعتبر ذلك ، لعموم الأمر باحتساب الدين على الميت من الزكاة ، ولأنه بموته انتقلت التركة إلى ورثته فصار في الحقيقة عاجزا (٤).

ويرد على الأول أن العموم مخصوص بحسنة زرارة فإنها صريحة في اعتبار هذا الشرط ، وعلى الثاني أن انتقال التركة إلى الوارث إنما يتحقق بعد الدين والوصية كما هو منطوق الآية الشريفة (٥).

واستثنى الشارح ـ قدس‌سره ـ من ذلك ما لو تعذر استيفاء الدين من التركة ، إما لعدم إمكان إثباته ، أو لغير ذلك ، فجوّز الاحتساب عليه حينئذ وإن كان غنيا (٦). وللنظر فيه مجال.

قوله : ( وكذا لو كان الدين على من تجب نفقته جاز أن يقضى عنه حيا وميتا وأن يقاص ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل ظاهر المصنف في المعتبر‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ٣ ، الوسائل ٦ : ١٧٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٨ ح ١.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ١٨٣ ، والبيان : ١٩٥.

(٣) المبسوط ١ : ٢٢٩.

(٤) المختلف : ١٨٣.

(٥) النساء : ١٢.

(٦) المسالك ١ : ٦٠.

٢٢٨

ولو صرف الغارم ما دفع إليه من سهم الغارمين في غير القضاء ارتجع منه على الأشبه.

______________________________________________________

والعلاّمة في التذكرة والمنتهى أنه موضع وفاق بين العلماء (١). ويدل عليه مضافا إلى العموم المتناول لذلك روايات : منها حسنة زرارة المتقدمة (٢) ، وما رواه الكليني عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل على أبيه دين ولابنه مؤنة أيعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ قال : « نعم ، ومن أحقّ من أبيه؟! » (٣).

ولا ينافي ذلك قوله عليه‌السلام في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : « خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا : الأب والأمّ والولد والمملوك والمرأة ، وذلك أنهم عياله لازمون له » (٤) لأن المراد إعطاؤهم النفقة الواجبة كما يدل عليه قوله عليه‌السلام : « وذلك أنهم عياله لازمون له » فإن قضاء الدين لا يلزم المكلف بالاتفاق.

قوله : ( ولو صرف الغارم ما دفع إليه من سهم الغارمين في غير القضاء ارتجع على الأشبه ).

علله المصنف في المعتبر بأن فيه مخالفة لقصد المالك ، ثم قال : وقال الشيخ في المبسوط والجمل : لا يرتجع ، لأنه ملكه بالقبض فلا يحتكم عليه ، وقلنا : ملكه ليصرفه في وجه مخصوص فلا يسوغ له غيره (٥). وهو حسن.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٧٦ ، التذكرة ١ : ٢٣٤ ، المنتهى ١ : ٥٢١.

(٢) في ص ٢٢٧.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ٢ ، الوسائل ٦ : ١٧٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٨ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٢ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ٥٦ ـ ١٥٠ ، الإستبصار ٢ : ٣٣ ـ ١٠١ ، الوسائل ٦ : ١٦٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٣ ح ١ ، وفيهما : ولأبيه مؤنة.

(٥) المعتبر ٢ : ٥٧٦.

٢٢٩

ولو ادعى أن عليه دينا قبل قوله إذا صدّقه الغريم. وكذا لو تجردت دعواه عن التصديق والإنكار ، وقيل : لا يقبل ، والأول أشبه.

وفي سبيل الله :

وهو الجهاد خاصة ، وقيل : يدخل فيه المصالح ، كبناء القناطر ، والحج ، ومساعدة الزائرين ، وبناء المساجد ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو ادعى أن عليه دينا قبل قوله إذا صدّقه الغريم ، وكذا لو تجردت دعواه عن التصديق والإنكار ، وقيل : لا يقبل ، والأول أشبه ).

الكلام في هذه المسألة كما تقدم في دعوى الفقر ، بل ربما كان عدم القبول هنا أولى ، لأن الغرم مما يمكن إقامة البيّنة عليه.

وقول المصنف : وقيل : لا يقبل ، يحتمل أن يكون المراد به عدم القبول بدون البيّنة أو اليمين ، ولن أقف على مصرّح بذلك من الأصحاب ، نعم حكى العلاّمة في التذكرة عن الشافعي أنه قال : لا تقبل دعوى الغرم إلاّ بالبيّنة لأنه مدّع (١). ولا يخلو من قوة.

وموضع الخلاف الغارم لمصلحة نفسه ، أما الغارم لمصلحة ذات البين فلا تقبل دعواه إلاّ بالبيّنة قولا واحدا.

قوله : ( وفي سبيل الله ، وهو الجهاد ، وقيل : يدخل فيه المصالح ، كبناء القناطر ، والحج ، ومساعدة الزائرين ، وبناء المساجد ، وهو الأشبه ).

أجمع العلماء كافة على أن لسبيل الله سهما من الزكاة ، وإنما اختلفوا في معناه فقال الشيخ في النهاية : المراد به الجهاد ، لأن إطلاق السبيل ينصرف‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٣٦.

٢٣٠

______________________________________________________

إليه (١). وقال في المبسوط والخلاف : تدخل فيه الغزاة ومعونة الحاج وقضاء الدين عن الحيّ والميّت وبناء القناطر وجميع سبل الخير والمصالح (٢). وإلى هذا القول ذهب ابن إدريس (٣) والمصنف وسائر المتأخرين ، وهو المعتمد.

لنا : إن السبيل هو الطريق ، فإذا أضيف إلى الله سبحانه كان عبارة عن كل ما يكون وسيلة إلى الثواب فيتناول الجهاد وغيره ، وإنما حمل على الجهاد الذي هو بعض مدلول اللفظ في بعض المواضع لقرينة ، ويدل عليه أيضا ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عليّ بن يقطين أنه قال لأبي الحسن عليه‌السلام : يكون عندي المال من الزكاة أفأحجّ به مواليّ وأقاربي؟ قال : « نعم » (٤).

وما رواه عليّ بن إبراهيم في كتاب التفسير عن العالم عليه‌السلام أنه قال : « وفي سبيل الله قوم يخرجون إلى الجهاد وليس عندهم ما يتقوون به ، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به ، وفي جميع سبل الخير » (٥).

واعلم أن العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ قال في التذكرة بعد أن ذكر أنه يدخل في سهم سبيل الله معونة الزوّار والحجيج : وهل يشترط حاجتهم إشكال ، ينشأ من اعتبار الحاجة كغيره من أهل السهمان ، ومن اندراج إعانة الغني تحت سبيل الخير (٦).

وجزم الشارح باعتبار الحاجة ، بل صرّح باعتبار الفقر فقال : ويجب تقييد المصالح بما لا يكون فيه معونة لغني مطلق بحيث لا يدخل في شي‌ء من الأصناف‌

__________________

(١) النهاية : ١٨٤.

(٢) المبسوط ١ : ٢٥٢ ، والخلاف ٢ : ١٣٤.

(٣) السرائر : ١٠٦.

(٤) الفقيه ٢ : ١٩ ـ ٦١ ، الوسائل ٦ : ٢٠١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٢ ح ١.

(٥) تفسير القمي ١ : ٢٩٩ ، الوسائل ٦ : ١٤٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ٧.

(٦) التذكرة ١ : ٢٣٧.

٢٣١

والغازي يعطى وإن كان غنيّا قدر كفايته على حسب حاله.

______________________________________________________

الباقية فيشترط في الحاج والزائر الفقر أو كونه ابن سبيل أو ضيفا ، والفرق بينهما حينئذ وبين الفقير أن الفقير لا يعطى الزكاة ليحجّ بها من جهة كونه فقيرا ويعطى لكونه في سبيل الله (١). وهو مشكل ، لأن فيه تخصيصا لعموم الأدلة من غير دليل.

والمعتمد جواز صرف هذا السهم في كل قربة لا يتمكن فاعلها من الإتيان بها بدونه ، وإنما صرنا إلى هذا التقييد لأن الزكاة إنما شرّعت بحسب الظاهر لدفع الحاجة فلا تدفع مع الاستغناء عنها ، ومع ذلك فاعتباره محل تردّد.

قوله : ( والغازي يعطى وإن كان غنيا قدر كفايته على حسب حاله ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدل عليه في التذكرة بعموم قوله تعالى ( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) (٢) وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تحلّ الصدقة لغنيّ إلاّ لثلاثة » وعدّ منها الغازي (٣). وبأن ما يأخذه من الزكاة كالأجرة على الغزو فلا يعتبر في إعطائه وصف آخر (٤). وهو حسن.

وقد نصّ الأصحاب على أن الغازي إنما يعطى كفايته على حسب حاله فيدفع إليه ما يشتري به السلاح والحمولة إن احتاج إليها ، والفرس إن كان فارسا ، ويختلف ذلك باختلاف حاله في الشرف والضعة وقرب المسافة وبعدها ، والضابط حصول الكفاية بالنسبة إلى ذلك الغازي عرفا.

__________________

(١) المسالك ١ : ٦٠.

(٢) التوبة : ٦٠.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٥٩٠ ـ ١٨٤١ ، سنن أبي داود ٢ : ١١٩ ـ ١٦٣٥ ، وفيهما : لخمسة ، بدل : لثلاثة.

(٤) التذكرة ١ : ٢٣٦.

٢٣٢

وإذا غزا لم يرتجع منه ، وإن لم يغز استعيد.

وإذا كان الإمام مفقودا سقط نصيب الجهاد وصرف في المصالح. وقد يمكن وجوب الجهاد مع عدمه ، فيكون النصيب باقيا مع وقوع ذلك التقدير.

______________________________________________________

قوله : ( وإذا غزا لم يرتجع منه ، وإن لم يغز استعيد ).

أما أنه لا يرتجع منه شي‌ء مع الغزو فقال في التذكرة : إنه موضع وفاق بين العلماء ، لأن المدفوع إليه كالأجرة وقد أتى بالعمل المستأجر عليه ، ولأن ما وصل إليه كان بقدر كفايته وإنما فضل منه بما ضيّق على نفسه فلا يستردّ منه (١).

وأما استعادة المدفوع إليه مع عدم الغزو فظاهر ، لأنه إنما ملكه ليصرفه في الوجه المخصوص وهو الغزو ولم يحصل ، قال في التذكرة : وهو اختيار الشيخ أيضا ، وكذا لو خرج إلى الغزو ثم رجع من الطريق قبل الغزو (٢).

قوله : ( وإذا كان الإمام مفقودا سقط نصيب الجهاد وصرف في المصالح ).

أما على ما اخترناه من دخول المصالح في سهم سبيل الله فظاهر ، وأما على القول باختصاصه بالجهاد فينبغي سقوطه مطلقا ، أو حفظه إلى أن يمكن صرفه فيه ، ولا يجوز صرفه في غيره.

قوله : ( وقد يمكن وجوب الجهاد مع عدمه ، فيكون النصيب باقيا مع وقوع ذلك التقدير ).

إنما يجب الجهاد في حال الغيبة إذا دهم المسلمين ـ والعياذ بالله ـ عدوّ يخاف منه على بيضة الإسلام ، لا للدعوة إلى الإسلام ، فإن ذلك لا يكون إلاّ مع الإمام عليه‌السلام.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٣٧.

(٢) التذكرة ١ : ٢٣٧.

٢٣٣

وكذا يسقط سهم السعاة وسهم المؤلفة ، ويقتصر بالزكاة على بقية الأصناف.

وابن السبيل :

وهو المنقطع به ولو كان غنيا في بلده ، وكذا الضيف.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا يسقط سهم السعاة وسهم المؤلفة ، ويقتصر بالزكاة على بقية الأصناف ).

قد تقدم الكلام في سهم المؤلّفة ، وأن الأصح عدم سقوطه ، لإمكان الاحتياج إلى التأليف مع وجوب الجهاد في زمن الغيبة.

وأما سهم السعاة فلم أقف على ما يقتضي سقوطه والحال هذه ، ومن ثمّ جزم الشهيد في الدروس ببقائه في زمن الغيبة مع تمكن الحاكم من نصبهم (١).وهو جيد ، لاندراجهم في العاملين.

قوله : ( وابن السبيل ، وهو المنقطع به ولو كان غنيا في بلده ، وكذا الضيف ).

اختلف الأصحاب في معنى ابن السبيل ، فقال المفيد ـ رحمه‌الله ـ : إنهم المنقطع بهم في الأسفار قال : وقد جاءت رواية أنهم الأضياف ، يراد بهم من أضيف لحاجته إلى ذلك وإن كان له في موضع آخر غنى ويسار ، وذلك راجع إلى ما قدمناه (٢). ونحوه قال الشيخ في النهاية والمبسوط (٣). وقال ابن الجنيد : وأما سهم ابن السبيل فإلى المسافرين في طاعات الله أو المريدين لذلك وليس في أيديهم ما يكفيهم لسفرهم ورجوعهم إلى منازلهم إذا كان قصدهم في سفرهم قضاء فرض أو قياما بسنة (٤). والمعتمد اختصاصه بالمجتاز بغير بلده المنقطع‌

__________________

(١) الدروس : ٦٥.

(٢) المقنعة : ٣٩.

(٣) النهاية : ١٨٤ ، والمبسوط ١ : ٢٥٢.

(٤) نقله عنه في المختلف : ١٨٢.

٢٣٤

______________________________________________________

به ، وعدم دخول الضيف فيه إلاّ إذا كان كذلك.

لنا : إن السبيل لغة الطريق ، وإنما سمّي المسافر المنقطع به ابن السبيل لملازمته للطريق وكونه فيه ، فكان كأنّ الطريق ولدته ، والمنشئ للسفر لا يصدق عليه ذلك حقيقة.

ويؤيده ما ذكره عليّ بن إبراهيم في كتاب التفسير عن العالم عليه‌السلام قال : « وابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله تعالى فيقطع عليهم ويذهب ما لهم ، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات » (١).

وأما ما حكاه المفيد في المقنعة والشيخ في المبسوط (٢) من ورود الرواية بدخول الضيف في ابن السبيل فلم نقف عليها في شي‌ء من الأصول ، ولا نقلها ناقل في كتب الاستدلال.

احتج ابن الجنيد على ما نقل عنه بأن المنشئ للسفر يسمى ابن السبيل لأنه يريد الطريق ، وبأنه يريد إنشاء سفر في غير معصية فجاز أن يعطى من سهم ابن السبيل ، كما لو نوى المسافر إقامة مدة ينقطع سفره فيها ثم أراد الخروج فإنه يدفع إليه من الصدقة وإن كان منشئا للسفر (٣).

والجواب عن الأول أنه إن أراد التسمية على سبيل الحقيقة فممنوع ، وإن أراد على سبيل المجاز تسمية للشي‌ء باسم ما يؤول إليه فمسلّم ، ولكن عند الإطلاق وعراء اللفظ عن القرائن يجب الحمل على الحقيقة.

وعن الثاني : أن انقطاع السفر في الصورة التي ذكرها حكم شرعي لا لغوي ولا عرفي ، إذ من المعلوم أن الخارج من موضع إقامة العشر لا يصدق‌

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ٢٩٩ ، الوسائل ٦ : ١٤٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ٧.

(٢) المقنعة : ٣٩ ، والمبسوط ١ : ٢٥٢.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ١٨٢.

٢٣٥

ولا بد أن يكون سفرهما مباحا ، فلو كان معصية لم يعط ،

______________________________________________________

عليه بمجرد إقامة العشر أنه منشئ للسفر ، بل الحقّ جواز الدفع إليه في حال الإقامة أيضا وإن لم يرد إنشاء السفر ، لأنه يصدق عليه أنه مسافر عرفا وإن انقطع سفره شرعا ، بخلاف من يريد إنشاء السفر من بلده فإنه لا يصدق عليه اسم المسافر حقيقة فضلا عن كونه ابن سبيل.

ويعتبر في ابن السبيل الحاجة في السفر وإن كان غنيّا في بلده إذا كان بحيث يعجز عن التصرف في أمواله ببيع ونحوه. ولا يشترط فيه العجز عن الاستدانة عملا بالعموم. وحكى الشارح ـ قدس‌سره ـ عن المصنف في المعتبر أنه لم يعتبر في ابن السبيل العجز عن الاستدانة ولا عن بيع ماله ، ونفى عنه البعد عملا بإطلاق النص (١). وكأنّه بعيد.

قوله : ( ولا بدّ أن يكون سفرهما مباحا ، فلو كان معصية لم يعط ).

لا خلاف بين العلماء في عدم جواز الدفع إلى المسافر من سهم ابن السبيل إذا كان سفره معصية ، لما في ذلك من الإعانة له على الإثم والعدوان. وظاهر ابن الجنيد أنه لا تكفي الإباحة ، بل لا بدّ من كونه واجبا أو ندبا (٢). ومقتضى رواية عليّ بن إبراهيم اعتبار كونه طاعة ، لكنها مجهولة الإسناد.

وأجاب عنها في المختلف بأن الطاعة تصدق على المباح بمعنى أن فاعله معتقد لكونه مباحا ، مطيع في اعتقاده وإيقاع الفعل على وجهه (٣). وهو ضعيف جدا ، فإن الطاعة موافقة الأمر وهو لا يتعلق بالمباح ، وأما اعتقاد الإباحة فأمر خارج عن الفعل.

__________________

(١) المسالك ١ : ٦١.

(٢) راجع ص ٢٣٤.

(٣) المختلف : ١٨٢.

٢٣٦

ويدفع إليه قدر الكفاية إلى بلده ، ولو فضل منه شي‌ء أعاده ، وقيل : لا.

القسم الثاني : في أوصاف المستحق‌

الوصف الأول : الإيمان ، فلا يعطى كافرا ، ولا معتقدا لغير الحق.

______________________________________________________

قوله : ( ويدفع إليه قدر الكفاية إلى بلده ، فلو فضل منه شي‌ء أعاده ، وقيل : لا ).

الكلام في هذه المسألة كما سبق في الرقاب والغارم ، وقال المصنف في المعتبر : إن الوجه استعادته إذا دفع عليه بقصد الإعانة ، اقتصارا على قصد الدافع (١). وهو حسن.

قوله : ( القسم الثاني ، في أوصاف المستحقين ، الوصف الأول : الإيمان ، فلا يعطى كافرا ، ولا معتقدا لغير الحق ).

المراد بالإيمان هنا معناه الخاص ، وهو الإسلام مع الولاية للأئمة الاثنى عشر عليهم‌السلام ، واعتبار هذا الوصف مجمع عليه بين الأصحاب ، حكاه في المنتهى ، واستدل عليه بأن الإمامة من أركان الدين وأصوله وقد علم ثبوتها من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرورة ، فالجاحد بها لا يكون مصدّقا للرسول صلى الله على وآله في جميع ما جاء به فيكون كافرا لا يستحق الزكاة ، وبأن الزكاة معونة وإرفاق فلا تعطى غير المؤمن لأنه محادّ لله ولرسوله ، والمعونة والإرفاق مودّة فلا يجوز فعلها مع غير المؤمن ، لقوله تعالى ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ) (٢) (٣) وفي الدليلين بحث.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٧٨.

(٢) المجادلة : ٢٢.

(٣) المنتهى ١ : ٥٢٢.

٢٣٧

ومع عدم المؤمن يجوز صرف الفطرة خاصة إلى المستضعف.

______________________________________________________

وقد ورد باعتبار هذا الوصف روايات كثيرة : منها ما رواه الكليني والشيخ في الحسن وابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة وبكير والفضيل ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ثم يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه ، أيعيد كلّ صلاة صلاّها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال : « ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة فإنه لا بدّ أن يؤدّيها ، لأنه وضع الزكاة في غير موضعها ، وإنما موضعها أهل الولاية » (١).

وفي الصحيح ، عن بريد بن معاوية العجلي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم منّ الله عليه وعرّفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلاّ الزكاة فإنه يعيدها ، لأنه وضعها في غير مواضعها لأنها لأهل الولاية ، وأما الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء » (٢).

وفي الصحيح ، عن إسماعيل بن سعد الأشعري ، عن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال : « لا ، ولا زكاة الفطرة » (٣).

ويجب أن يستثنى من ذلك المؤلّفة وبعض أفراد سبيل الله ، وإنما أطلق العبارة اعتمادا على الظهور.

قوله : ( ومع عدم المؤمن يجوز صرف الفطرة خاصة إلى المستضعفين ).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٥ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٥٤ ـ ١٤٣ ، علل الشرائع : ٣٧٣ ـ ١ ، الوسائل ٦ : ١٤٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣ ح ٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٩ ـ ٢٣ ، الوسائل ٦ : ١٤٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٣ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٤٧ ـ ٦ ، التهذيب ٤ : ٥٢ ـ ١٣٧ ، المقنعة : ٣٩ ، الوسائل ٦ : ١٥٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ١.

٢٣٨

______________________________________________________

نبّه بقوله : يجوز صرف الفطرة خاصة ، على أن زكاة المال لا يجوز دفعها‌ إلى غير المؤمن وإن تعذّر الدفع إلى المؤمن ، لأن غيرهم لا يستحق الزكاة على ما دلت عليه الأخبار المتقدمة فيكون الدفع إليهم جاريا مجرى الدفع إلى غير الأصناف الثمانية.

أما زكاة الفطرة فقد اختلف فيها كلام الأصحاب ، فذهب الأكثر ومنهم المفيد (١) والمرتضى (٢) وابن الجنيد (٣) وابن إدريس (٤) إلى عدم جواز دفعها إلى غير المؤمن مطلقا كالمالية ، ويدل عليه مضافا إلى العمومات قوله عليه‌السلام في صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري المتقدمة : « لا ، ولا زكاة الفطرة ».

وذهب الشيخ (٥) وأتباعه إلى جواز دفعها مع عدم المؤمن إلى المستضعف وهو الذي لا يعاند في الحق من أهل الخلاف ، واستدل عليه بما رواه في الموثق ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : سألته عن صدقة الفطرة أعطيها غير أهل ولايتي من جيراني؟ قال : « الجيران أحقّ بها ، لمكان الشهرة » (٦).

وعن مالك الجهني قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن زكاة الفطرة فقال : « تعطيها المسلمين ، فإن لم تجد مسلما فمستضعفا » (٧).

ويدل عليه أيضا ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عليّ بن يقطين أنه‌

__________________

(١) المقنعة : ٤١.

(٢) الانتصار : ٨٢.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٢٠١.

(٤) السرائر : ١٠٩.

(٥) التهذيب ٤ : ٨٨ ، والنهاية : ١٩٢ ، والمبسوط ١ : ٢٤٢.

(٦) التهذيب ٤ : ٨٨ ـ ٢٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٥١ ـ ١٧٢ ، الوسائل ٦ : ٢٥٠ أبواب زكاة الفطرة ب ١٥ ح ٢ ، ورواها في الكافي ٤ : ١٧٤ ـ ١٩ ، وعلل الشرائع : ٣٩١ ـ ١.

(٧) الكافي ٤ : ١٧٣ ـ ١٨ ، التهذيب ٤ : ٨٧ ـ ٢٥٥ ، الوسائل ٦ : ٢٥٠ أبواب زكاة الفطرة ب ١٥ ح ١.

٢٣٩

وتعطى الزكاة أطفال المؤمنين دون أطفال غيرهم.

______________________________________________________

سأل أبا الحسن الأول عليه‌السلام عن زكاة الفطرة أتصلح أن تعطى الجيران والظؤرة ممن لا يعرف ولا ينصب؟ فقال : « لا بأس بذلك إذا كان محتاجا » (١).

قال في المعتبر : والرواية المانعة أشبه بالمذهب ، لما قررته الإمامية من تضليل مخالفها في الاعتقاد ، وذلك يمنع الاستحقاق (٢). وهو كذلك ، ويمكن حمل الأخبار المبيحة على التقية كما يدل عليه قوله عليه‌السلام في رواية إسحاق بن عمّار : « الجيران أحقّ بها ، لمكان الشهرة ».

ويدل على المنع مطلقا مضافا إلى ما سبق ما رواه الشيخ ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ما تقول في الزكاة لمن هي؟ قال ، فقال : « هي لأصحابك » قال ، قلت : فإن فضل منهم؟ قال : « فأعد عليهم » قلت : فإن فضل عنهم؟ قال : « فأعد عليهم » قلت : فإن فضل منهم؟ قال : « فأعد عليهم » قلت : فيعطى السؤّال منها شيئا؟ قال ، فقال : « لا والله إلاّ التراب ، إلاّ أن ترحمه فإن رحمته فأعطه كسرة ثم أومأ بيده فوضع إبهامه على أصول أصابعه » (٣).

قوله : ( وتعطى الزكاة أطفال المؤمنين دون أطفال غيرهم ).

هذا الحكم مجمع عليه بين علمائنا وأكثر العامة (٤) ، ويدل عليه مضافا إلى إطلاق الكتاب والسنّة روايات : منها ما رواه الشيخ ( في الحسن ) (٥) عن أبي‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١١٨ ـ ٥٠٧ ، الوسائل ٦ : ٢٥١ أبواب زكاة الفطرة ب ١٥ ح ٦.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٨٠.

(٣) التهذيب ٤ : ٥٣ ـ ١٤٢ ، الوسائل ٦ : ١٥٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ٦.

(٤) نقله عن أحمد واختاره في المغني : ٢ ـ ٥٠٨ ، ونسبه الى المعظم واختاره في الإنصاف : ٣ ـ ٢١٩.

(٥) في « م » : في الصحيح.

٢٤٠