مدارك الأحكام - ج ٥

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

وهل تخرج قبل أن ينضّ المال؟ قيل : لا ، لأنه وقاية لرأس المال ، وقيل : نعم ، لأن استحقاق الفقراء له أخرجه عن كونه وقاية ، وهو أشبه.

______________________________________________________

مثلا فظهر فيه ربح كانت زكاة الأصل على المالك إذا بلغ النصاب واجتمعت بقية الشرائط ، وكذا حصته من الربح بعد اعتبار ما يجب اعتباره من النصاب والحول.

وأما حصة العامل فإن قلنا إنه يملكها بالظهور وجبت زكاتها عليه إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول من حين الملك وكان متمكنا من التصرف فيها ولو بالتمكن من القسمة ، وإن قلنا إنه لا يملكها إلاّ بالقسمة فلا زكاة عليه قبلها لانتفاء الملك ، والأظهر سقوط زكاة هذه الحصة عن المالك أيضا على هذا التقدير ، لأنها مترددة بين أن تسلم فتكون للعامل أو تتلف فلا تكون له ولا للمالك.

وإن قلنا إنه لا يملك الحصة وإنما يستحق أجرة المثل فالزكاة كلها على المالك ، لأن الأجرة دين ، والدين لا يمنع الزكاة.

قوله : ( وهل تخرج قبل أن ينضّ المال؟ قيل : لا ، لأنه وقاية لرأس المال ، وقيل : نعم ، لأن استحقاق الفقراء له أخرجه عن كونه وقاية ، وهو أشبه ).

الإنضاض لغة : تحول المال عينا بعد أن كان متاعا (١). ولا يخفى أن ذلك غير كاف في استقرار ملك العامل ، بل لا بد معه من الفسخ ، ومن ثم حمل الشارح الإنضاض هنا على القسمة مجازا ، لعدم استقرار ملك العامل بدونها (٢).

__________________

(١) لسان العرب ٧ : ٢٣٧.

(٢) المسالك ١ : ٥٨.

١٨١

______________________________________________________

والمراد أن العامل إذا قلنا إنه يملك حصته بالظهور ووجبت الزكاة فيها فهل له تعجيل الإخراج من عين مال القراض بعد الحول وقبل استقرار ملكه بالقسمة أو الفسخ بعد الإنضاض؟ قيل : لا ، لأن الربح وقاية لرأس المال لما لعله يكون من الخسران ، فتعلق حق المالك به للوقاية يمنع استقلاله بالإخراج منه (١). وقيل : نعم وهو اختيار المصنف هنا وفي المعتبر (٢) ، لأن استحقاق الفقراء لجزء منه أخرج ذلك القدر المستحق عن الوقاية ، ولأن الزكاة من المؤن التي تلزم المال كأجرة الدلاّل والوزان وأرش جناية العبد وفطرته. وهو حسن على القول بالوجوب ، بل يمكن إجراء الدليل الأول على القول بالاستحباب أيضا بأن يقال : إن إذن الشارع في إخراج ذلك القدر أخرجه عن الوقاية.

وجمع العلاّمة في القواعد بين كون الربح وقاية ، وبين تعجيل الإخراج بضمان العامل الزكاة لو احتيج إلى إتمام المال ، كما تضمن المرأة لو أخرجت زكاة المهر ثم طلقت قبل الدخول (٣). وهو قياس مع الفارق.

وردّه الشهيد في الدروس أيضا بأنه قول محدث ، مع أن فيه تغريرا بمال المالك لو أعسر العامل (٤).

وأجيب عنه بأن إمكان الإعسار أو ثبوته بالقوة لا يزيل حق الإخراج الثابت بالفعل.

قال فخر المحققين في شرحه : والتحقيق أن النزاع في تعجيل الإخراج بغير إذن المالك بعد تسليم ثبوت الزكاة ليس بموجّه ، لأن إمكان ضرر المالك بإمكان الخسران وإعساره لا يعارض استحقاق الفقراء بالفعل ، لأن إمكان أحد المتنافيين لو نفى ثبوت الآخر فعلا لما تحقق شي‌ء من الممكنات ، ولأن الزكاة حق‌

__________________

(١) قال به الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٩.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٤٨.

(٣) القواعد ١ : ٥٦.

(٤) الدروس : ٦١.

١٨٢

الخامسة : الدين لا يمنع من زكاة التجارة ولو لم يكن للمالك وفاء إلا منه. وكذا القول في زكاة المال ، لأنها تتعلق بالعين.

______________________________________________________

لله والآدمي فكيف يمنع مع وجود سببه بإمكان حق الآدمي ، بل لو قيل : إن حصة العامل قبل أن ينضّ المال لا زكاة فيها لعدم تمام الملك وإلاّ لملك ربحه كان قويا (١). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وقوته ظاهرة.

قوله : ( الخامسة ، الدين لا يمنع من زكاة التجارة ولو لم يكن للمالك وفاء إلاّ منه ).

الضمير في « منه » يرجع إلى مال التجارة المدلول عليه بزكاة التجارة ، والمراد أن الدين لا يمنع من تعلق الزكاة بالنصاب المتجر به وإن لم يكن للمديون مال سواه ، لأن متعلق الدين الذمة ، ومتعلق زكاة التجارة العين أو القيمة على اختلاف الرأيين ، فلا تعارض بينهما. وهذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، قاله في التذكرة (٢). ويمكن أن يقال : لا يتأكد إخراج زكاة التجارة للمديون (٣) ، لأنه نفل يضرّ بالفرض.

قوله : ( وكذا القول في زكاة المال ، لأنها تتعلق بالعين ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، مدعى عليه الإجماع. قال في المنتهى : الدين لا يمنع الزكاة سواء كان للمالك مال سوى النصاب أو لم يكن ، وسواء استوعب الدين النصاب أو لم يستوعبه ، وسواء كانت أموال الزكاة ظاهرة كالنعم والحرث أو باطنة كالذهب والفضة ، وعليه علماؤنا أجمع. ثم احتج عليه بعموم الأمر بالزكاة ، فلا يختص بعدم حالة الدين إلاّ بدليل ولم يثبت ، وبأنه حرّ مسلم ملك نصابا حولا فوجبت الزكاة عليه كمن لا دين عليه ، وبأن سعاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا يأخذون الصدقات من غير مسألة عن الدين ،

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ١٨٩.

(٢) التذكرة ١ : ٢٣٠.

(٣) في « ض » ، « م » ، « ح » زيادة : مع المضايقة.

١٨٣

ثم يلحق بهذا الفصل مسألتان :

الأولى : العقار المتخذ للنماء تستحب الزكاة في حاصله.

______________________________________________________

ولو كان مانعا لسألوا عنه (١).

قلت : ويدل عليه صريحا ما رواه الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وضريس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنهما قالا : « أيما رجل كان له مال موضوع حتى يحول عليه الحول فإنه يزكّيه وإن كان عليه من الدين مثله وأكثر منه ، فليزكّ ما في يده » (٢) وهذه الرواية لم ينقلها أحد من الأصحاب فيما أعلم مع كونها نصّا في المطلوب.

ويفهم من الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في البيان التوقف في هذا الحكم ، حيث قال بعد أن ذكر أن الدين لا يمنع زكاة التجارة : وفي الجعفريات ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من كان له مال وعليه مال فليحسب ماله وما عليه ، فإن كان له فضل مائتا درهم فليعط خمسة » (٣) قال : وهذا نصّ في منع الدين الزكاة ، والشيخ في الخلاف ما تمسّك على عدم منع الدين إلاّ بإطلاق الأخبار الموجبة للزكاة (٤). هذا كلامه رحمه‌الله.

ونحن قد بيّنّا وجود النص الدال على ذلك صريحا ، وما نقله عن الجعفريات مجهول الإسناد ، مع إعراض الأصحاب عنه وإطباقهم على ترك العمل به.

قوله : ( ثم يلحق بهذا الفصل مسألتان ، الأولى : العقار المتخذ للنماء تستحب الزكاة في حاصله ).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥٠٦.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٢ ـ ١٣ ، الوسائل ٦ : ٧٠ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ١٠ ح ١.

(٣) الجعفريات : ٥٤ ، مستدرك الوسائل ١ : ٥١٤ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٨ ح ١.

(٤) البيان : ١٩١.

١٨٤

ولو بلغ نصابا وحال عليه الحول وجبت الزكاة. ولا تستحب في المساكن ، ولا في الثياب ، ولا الآلات ، ولا الأمتعة المتخذة للقنية.

______________________________________________________

العقار لغة : الأرض (١) ، والمراد هنا ما يعمّ البساتين والخانات والحمّامات ونحو ذلك على ما صرّح به الأصحاب. واستحباب الزكاة في حاصلها مقطوع به في كلامهم ، ولم أقف له على مستند ، وقد ذكره في التذكرة والمنتهى مجردا عن الدليل ، ثم قال في التذكرة : ولا يشترط فيه الحول ولا النصاب للعموم (٢). واستقرب الشهيد في البيان اعتبارهما (٣). ولا بأس به اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق إن تمّ ، وعلى هذا فإنما يثبت الاستحباب فيه إذا كان الحاصل عرضا غير زكوي ، أما لو كان نقدا فإن الزكاة تجب فيه مع اجتماع الشرائط ويسقط الاستحباب.

قوله : ( ولو بلغ نصابا وحال عليه الحول وجبت الزكاة ).

المراد أن الحاصل إذا كان نصابا زكويا وحال عليه الحول وجبت الزكاة المالية فيه ، ولا ريب في ذلك ، ثم إن قلنا بعدم اعتبار النصاب والحول أخرج الزكاة المستحبة ابتداء ثم أخرج الواجبة بعد اجتماع شرائط الوجوب ، وإن قلنا باعتبارهما وكان الحاصل نصابا زكويا ثبت الوجوب وسقط الاستحباب كما سبق.

قوله : ( ولا تستحب في المساكن ولا في الثياب والآلات والأمتعة المتخذة للقنية ).

هذا مما لا خلاف فيه بين الأصحاب ، بل قال في التذكرة : إنه ثابت بإجماع العلماء (٤).

__________________

(١) الصحاح ٢ : ٧٥٤.

(٢) التذكرة ١ : ٢٣٠ ، والمنتهى ١ : ٥١٠.

(٣) البيان : ١٩٢.

(٤) التذكرة ١ : ٢٣٠.

١٨٥

الثانية : الخيل إذا كانت إناثا سائمة وحال عليها الحول ، ففي العتاق عن كل فرس ديناران ، وفي البراذين عن كل فرس دينار استحبابا.

______________________________________________________

قوله : ( الثانية ، الخيل إذا كانت إناثا سائمة وحال عليها الحول ففي العتاق عن كل فرس ديناران ، وفي البراذين عن كل فرس دينار استحبابا ).

المراد بالفرس العتيق الذي أبواه عربيّان كريمان ، والبرذون ـ بكسر الباء ـ خلافه. قال في التذكرة : وقد أجمع علماؤنا على استحباب الزكاة في الخيل بشروط ثلاثة : السوم ، والأنوثة ، والحول (١). والأصل فيه ما رواه الشيخ في الحسن ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عنهما جميعا عليهما‌السلام ، قال : « وضع أمير المؤمنين عليه‌السلام على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين ، وجعل على البراذين دينارا » (٢).

ويدل على اعتبار السوم ما رواه زرارة في الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبها شي‌ء؟ فقال : « لا ليس على ما يعلف شي‌ء ، إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مراحها (٣) عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ، فأما ما سوى ذلك فليس فيه شي‌ء » (٤).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٣٠.

(٢) التهذيب ٤ : ٦٧ ـ ١٨٣ ، الإستبصار ٢ : ١٢ ـ ٣٤ ، الوسائل ٦ : ٥١ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٦ ح ١.

(٣) في المصدر : مرجها ، وهو الظاهر كما تقدم.

(٤) الكافي ٣ : ٥٣٠ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٧ ـ ١٨٤ ، الوسائل ٦ : ٥١ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٦ ح ٣.

١٨٦

النظر الثالث

( في من تصرف إليه ، ووقت التسليم ، والنية )

( القول في من تصرف إليه ، وتحصره أقسام ) :

القسم الأول : ( أصناف المستحقين للزكاة سبعة ) :

الفقراء والمساكين :

وهم الذين تقصر أموالهم عن مؤنة سنتهم ، وقيل : من يقصر ماله عن أحد النصب الزكاتية. ثم من الناس من جعل اللفظين بمعنى واحد ، ومنهم من فرّق بينهما في الآية ، والأول أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( النظر الثالث فيمن تصرف إليه ووقت التسليم والنية ، القول فيمن تصرف إليه ، وتحصره أقسام :

القسم الأول : أصناف المستحقين للزكاة سبعة :

الفقراء والمساكين :

وهم الذين تقصر أموالهم عن مؤنة سنتهم ، وقيل : من يقصر ماله عن أحد النصب الزكاتية.

ثم من الناس من جعل اللفظين بمعنى ، ومنهم من فرق بينهما في الآية ، والأول أشبه ).

١٨٧

______________________________________________________

البحث في هذه المسألة يقع في مقامين.

أحدهما : أن هذين اللفظين ، أعني الفقراء والمساكين هل هما مترادفان أو متغايران؟ وقد اختلف الأصحاب وغيرهم في ذلك.

فذهب جماعة منهم المصنف في هذا الكتاب إلى الأول ، وبهذا الاعتبار جعل الأصناف سبعة ، وذهب الأكثر إلى تغايرهما.

ثم اختلف هؤلاء فيما يتحقق به التغاير.

فقيل : إن الفقير هو المتعفف الذي لا يسأل ، والمسكين هو الذي يسأل (١). وهو المنقول عن ابن عباس (٢) ، والمروي في أخبار أهل البيت عليهم‌السلام (٣).

وقيل بالعكس ، قال الشيخ أبو علي الطبرسي ـ رضي‌الله‌عنه ـ : وقد جاء في الحديث ما يدل على ذلك (٤) ، فقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال.

« ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان والتمرة والتمرتان ، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى فيغنيه ، ولا يسأل الناس شيئا ، ولا يفطن به ، فيتصدق عليه » (٥).

__________________

(١) مجمع البيان ٣ : ٤١.

(٢) غوالي اللآلي ٢ : ٧٠ ـ ١٨٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٧١٩ ـ ١٠٢.

(٣) قال به ابن البراج في المهذب ١ : ١٦٩.

(٤) حكاه عنه في مجمع البيان ٣ : ٤١.

(٥) الوسائل ٦ : ١٤٣ أبواب المستحقين للزكاة ب ١.

١٨٨

______________________________________________________

وقيل : الفقير هو الزمن المحتاج ، والمسكين هو الصحيح المحتاج.

وهو اختيار ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه ، فإنه قال في تفصيل المستحقين : فأما الفقراء فهم أهل الزّمانة والحاجة ، والمساكين أهل الحاجة من غير أهل الزّمانة (١).

وقيل : إن الفقير الذي لا شي‌ء له ، والمسكين الذي له بلغة من العيش. وهو اختيار الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في المبسوط والجمل (٢) ، وابن البراج (٣) ، وابن حمزة (٤) ، وابن إدريس (٥).

وقيل بالعكس. وهو اختيار الشيخ في النهاية (٦) ، والمفيد في المقنعة (٧) ، وابن الجنيد (٨) ، وسلاّر (٩).

ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف كلام أهل اللغة ، قال في القاموس : الفقر ويضم ضدّ الغنى ، وقدره أن يكون له ما يكفي عياله ، أو الفقير من يجد القوت والمسكين من لا شي‌ء له ، أو الفقير المحتاج والمسكين من أذلّه الفقر أو غيره من‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٣.

(٢) المبسوط ١ : ٢٤٦ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٦.

(٣) المهذب ١ : ١٦٩.

(٤) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٨٠.

(٥) السرائر : ١٠٥.

(٦) النهاية : ١٨٤.

(٧) المقنعة : ٣٩.

(٨) حكاه عنه في المختلف : ١٨٠.

(٩) المراسم : ١٣٢.

١٨٩

______________________________________________________

الأحوال ، أو الفقير من له بلغة والمسكين لا شي‌ء له ، أو هو أحسن حالا من الفقير ، أو هما سواء (١).

وقال الجوهري : رجل فقير من المال ، قال ابن السكيت : الفقير الذي له بلغة من العيش ، والمسكين الذي لا شي‌ء له. وقال الأصعمي : المسكين أحسن حالا من الفقير. وقال يونس : الفقير أحسن حالا من المسكين قال ، وقلت لأعرابي : أفقير أنت؟ فقال : بل والله مسكين (٢).

وقال الهروي في الغريبين قوله تعالى ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) (٣). قال ابن عرفة : أخبرني أحمد بن يحيى ، عن محمد بن سلام قال ، قلت ليونس : افرق لي بين المسكين والفقير فقال : الفقير الذي يجد القوت ، والمسكين الذي لا شي‌ء له.

وقال ابن عرفة : الفقير عند العرب المحتاج ، قال الله عزّ وجلّ ( أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ ) (٤) أي المحتاجون إليه ، فأما المسكين فالذي قد أذلّه الفقر ( أو غيره ) (٥) فإذا كان هذا إنما مسكنته من جهة الفقر حلّت له الصدقة ، وإذا كان مسكينا قد أذلّه شي‌ء سوى الفقر فالصدقة لا تحلّ له ، إذ كان شائعا في اللغة أن يقال : ضرب فلان المسكين وظلم المسكين وهو من أهل الثروة واليسار ، وإنما لحقه اسم المسكين من جهة الذّلّة (٦).

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ : ١١٥.

(٢) الصحاح ٢ : ٧٨٢.

(٣) التوبة : ٦٠.

(٤) فاطر : ١٥.

(٥) ليست في « ض » و « م » والمصدر.

(٦) حكاه عنه في لسان العرب ٥ : ٦١.

١٩٠

______________________________________________________

وقد ذكر لكل من هذه الأقوال حجج واهية وتوجيهات قاصرة ليس في التعرض لها كثير فائدة ، والأصح أن المسكين أسوأ حالا من الفقير ، وأنه المحتاج الذي يسأل ، والفقير المحتاج الذي لا يسأل ، لما رواه الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام : أنه سأله عن الفقير والمسكين فقال : « الفقير الذي لا يسأل ، والمسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل » (١).

وعن أبي بصير قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قول الله عزّ وجلّ ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) (٢) قال : « الفقير الذي لا يسأل الناس ، والمسكين أجهد منه ، والبائس أجهدهم » (٣).

قال الشارح ـ قدس‌سره ـ : واعلم أن الفقراء والمساكين متى ذكر أحدهما خاصة دخل فيه الآخر بغير خلاف ، نصّ على ذلك جماعة منهم الشيخ والعلاّمة كما في آية الكفارة المخصوصة بالمسكين فيدخل فيه الفقير ، وإنما الخلاف فيما لو جمعا كما في آية الزكاة لا غير ، والأصح أنهما متغايران ، لنص أهل اللغة ، وصحيحة أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الفقير الذي لا يسأل الناس ، والمسكين أجهد منه » ولا ثمرة مهمة في تحقيق ذلك ، للاتفاق على استحقاقهما من الزكاة حيث ذكرا ، ودخول أحدهما تحت الآخر حيث يذكر أحدهما ، وإنما تظهر الفائدة نادرا فيما لو نذر أو وقف أو أوصى لأسوئهما حالا ، فإن الآخر لا يدخل فيه بخلاف العكس (٤). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وفيه نظر من وجوه :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٠٢ ـ ١٨ ، الوسائل ٦ : ١٤٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ٢.

(٢) التوبة : ٦٠.

(٣) الكافي ٣ : ٥٠١ ـ ١٦ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ ـ ٢٩٧ ، الوسائل ٦ : ١٤٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ٣.

(٤) المسالك ١ : ٥٩.

١٩١

______________________________________________________

الأول : قوله : إن الفقراء والمساكين متى ذكر أحدهما خاصة دخل فيه الآخر بغير خلاف ، مشكل جدا بعد ثبوت التغاير ، لأن إطلاق لفظ أحدهما وإرادة الآخر مجاز لا يصار إليه إلاّ مع القرينة ، ومع انتفائها يجب حمل اللفظ على حقيقته.

وربما كان في كلام المصنف في المعتبر إشعار بما ذكرناه ، فإنه قال بعد أن ذكر الخلاف في أيهما أسوأ حالا : ولا ثمرة لتحقيق أحد المذهبين في هذا المقام ، وربما كان له أثر في غيره (١). ونحوه قال العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ في التذكرة (٢). وقال الشهيد في البيان بعد أن نقل عن الشيخ والراوندي والفاضل أنهم قالوا يدخل كل منهما في إطلاق لفظ الآخر : فإن أرادوا به حقيقة ففيه منع ، ويوافقون على أنهما إذا اجتمعا كما في الآية يحتاج إلى فصل يميّز بينهما (٣).

وبالجملة : فالمتجه بعد ثبوت التغاير عدم دخول أحدهما في إطلاق لفظ الآخر إلاّ بقرينة ، وما ذكره ـ رحمه‌الله ـ من عدم تحقق الخلاف في ذلك لا يكفي في إثبات هذا الحكم ، لأن عدم العلم بالخلاف لا يقتضي العلم بانتفاء الخلاف ، والحجة في الثاني دون الأول.

الثاني : استدلاله على التغاير بنص أهل اللغة ورواية أبي بصير غير جيد ، لأن أهل اللغة مختلفون في ذلك كما نقلناه ، ورواية أبي بصير ضعيفة السند باشتراك راويها بين الثقة والضعيف ، وبأن من جملة رجالها عبد الله بن يحيى ( والظاهر أنه الكاهلي وهو غير موثق ) (٤) والأجود الاستدلال على ذلك برواية محمد بن مسلم فإنها صحيحة السند واضحة الدلالة ، ولم يحتج بها أحد من الأصحاب فيما أعلم.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٦٥.

(٢) التذكرة ١ : ٢٣٠.

(٣) البيان : ١٩٣.

(٤) ما بين القوسين مشطوبة في « ض ».

١٩٢

______________________________________________________

الثالث : قوله : وإنما تظهر الفائدة نادرا فيما لو نذر أو وقف أو أوصى لأسوئهما حالا ، فإن الآخر لا يدخل فيه بخلاف العكس ، غير جيد أيضا ، بل المتجه عدم دخول كل منهما في الآخر وإن كان أسوأ حالا من المنذور له ، لأن اللفظ لا يتناوله كما هو المفروض.

الثاني : في بيان الحدّ المسوّغ لتناول الزكاة في هذين الصنفين ، قال في المنتهى : والأصل فيه عدم الغنى الشامل للمعنيين إذا تحقق استحق صاحبه الزكاة بلا خلاف (١).

واختلف الأصحاب فيما يتحقق به الغنى المانع من الاستحقاق ، فقال الشيخ في الخلاف : الغني من ملك نصابا تجب فيه الزكاة أو قيمته (٢). وقال في المبسوط : الغني الذي يحرم عليه أخذ الصدقة باعتبار الفقر هو أن يكون قادرا على كفايته وكفاية من تلزمه كفايته على الدوام ، فإن كان مكتفيا بصنعة وكانت صنعته تردّ عليه كفايته وكفاية من تلزمه نفقته حرمت عليه ، وإن كانت لا تردّ عليه حلّ له ذلك (٣).

قال في المختلف : والظاهر أن مراده بالدوام هنا مؤنة السنة (٤). وهو بعيد ، ولعل المراد به أن يكون له ما تحصل به الكفاية عادة من صنعة أو ضيعة أو مال يتعيّش به أو نحو ذلك.

ثم قال الشيخ في المبسوط : وفي أصحابنا من قال : من ملك نصابا تجب فيه الزكاة كان غنيّا تحرم عليه الصدقة ، وذلك قول أبي حنيفة (٥).

وقال ابن إدريس : الغني من ملك من الأموال ما يكون قدر كفايته لمؤنته‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥١٧.

(٢) الخلاف ١ : ٣٦٨.

(٣) المبسوط ١ : ٢٥٦.

(٤) المختلف : ١٨٣.

(٥) المبسوط ١ : ٢٥٧.

١٩٣

______________________________________________________

طول سنته على الاقتصاد ، فإنه يحرم عليه أخذ الزكاة ، سواء كانت نصابا أو أقل من نصاب أو أكثر من النصاب ، فإن لم يكن بقدر كفايته سنة فلا يحرم عليه أخذ الزكاة (١). وإلى هذا القول ذهب المصنف وعامة المتأخرين ، وحكاه في المعتبر (٢) عن الشيخ في باب قسم الصدقات ، لكن لا يخفى أن هذا الإطلاق مناف لما صرّح به الأصحاب كالشيخ (٣) ، والمصنف في النافع (٤) ، والعلاّمة (٥) ، وغيرهم (٦) من جواز تناول الزكاة لمن كان له مال يتعيش به أو ضيعة يستغلّها إذا كان بحيث يعجز عن استنماء الكفاية ، إذ مقتضاه أن من كان كذلك كان فقيرا وإن كان بحيث لو أنفق رأس المال المملوك لكفاه (٧).

والمعتمد أن من كان له مال يتجر به أو ضيعة يستغلّها فإن كفاه الربح أو الغلّة له ولعياله لم يجز له أخذ الزكاة ، وإن لم يكفه جاز له ذلك ، ولا يكلّف الإنفاق من رأس المال ولا من ثمن الضيعة ، ومن لم يكن له كذلك اعتبر فيه قصور أمواله عن مؤنة السنة له ولعياله.

لنا على الحكم الأول مضافا إلى عدم تحقق الخروج بملك ما لا تحصل الكفاية بغلّته عن حدّ الفقر عرفا روايات كثيرة : منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم وله عيال وهو يحترف فلا يصيب نفقته فيها أيكبّ فيأكلها ولا يأخذ الزكاة أو يأخذ الزكاة؟ قال : « لا بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه ومن وسعه ذلك من عياله ، ويأخذ البقية من الزكاة‌

__________________

(١) السرائر : ١٠٧.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٦٦.

(٣) المبسوط ١ : ٢٥٦ ، والنهاية : ١٨٧.

(٤) المختصر النافع : ٥٨.

(٥) المنتهى ١ : ٥١٨ ، والتحرير ١ : ٦٨ ، والقواعد ١ : ٥٧.

(٦) كابن البراج في المهذب ١ : ١٧٠.

(٧) في « ض » و « ح » زيادة : طول سنته.

١٩٤

______________________________________________________

ويتصرف بهذه ، لا ينفقها » (١).

وما رواه الشيخ ، عن هارون بن حمزة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يروون عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « لا تحل الصدقة لغني ، ولا لذي مرّة سويّ » فقال : « لا تصلح لغنيّ » قال ، فقلت له : الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعة وله عيال فإن أقبل عليها أكلها عياله ولم يكتفوا بربحها ، قال : « فلينظر ما يستفضل منها فيأكله هو ومن وسعه ذلك ، وليأخذ لمن لم يسعه من عياله » (٢).

وما رواه ابن بابويه في الموثق ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم؟ فقال : « نعم إلاّ أن تكون داره دار غلّة فيخرج له من غلتها ما يكفيه وعياله ، فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم من غير إسراف فقد حلت له الزكاة ، وإن كانت غلّتها تكفيهم فلا » (٣).

وعن أبي بصير ، إنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل له ثمانمائة درهم وهو رجل خفّاف وله عيال كثير إله أن يأخذ من الزكاة؟ فقال : « يا أبا محمد أيربح في دراهمه ما يقوت به عياله ويفضل؟ » قال : نعم قال : « كم يفضل؟ » قال : لا أدري قال : « إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة ، وإن كان أقل من نصف القوت أخذ الزكاة » (٤).

ولنا على الحكم الثاني أن الفقر لغة (٥) وعرفا الحاجة ، قال الله تعالى :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦١ ـ ٦ ، الوسائل ٦ : ١٦٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٥١ ـ ١٣٠ ، الوسائل ٦ : ١٦٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٢ ح ٤.

(٣) الفقيه ٢ : ١٧ ـ ٥٧ ، الوسائل ٦ : ١٦١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٩ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٥٦٠ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ١٨ ـ ٥٨ ، الوسائل ٦ : ١٥٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٨ ح ٤.

(٥) انظر القاموس المحيط ٢ : ١١٥ ، ولسان العرب ٥ : ٦٠.

١٩٥

ومن يقدر على اكتساب ما يموّن به نفسه وعياله لا تحلّ له ، لأنه كالغنيّ. وكذا ذو الصنعة.

______________________________________________________

( يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ ) (١) أي المحتاجون ، ومن قصرت أمواله عن كفاية عامه فهو محتاج ، وفي الأخبار المتقدمة دلالة عليه.

احتج القائلون باعتبار ملك النصاب بما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لمعاذ : « أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وتردّ في فقرائهم » (٢) فجعل الغنيّ من تجب عليه الزكاة ، ومقتضاه أن من لا تجب عليه ليس بغنيّ فيكون فقيرا.

وبأن مالك النصاب يجب عليه دفع الزكاة فلا يحلّ له أخذها للتنافي بينهما.

والجواب عن الرواية أولا بالطعن في السند ، فإنها إنما وردت من طريق الجمهور فتكون ساقطة ، وثانيا بمنع الدلالة ، إذ من الجائز أن يكون المراد بالأغنياء المزكين اعتبارا بالأكثر ، أو يقال : إن الغنى الموجب للزكاة غير الغنى المانع من أخذها وإطلاق اللفظ عليهما بالاشتراك اللفظي.

وعن الثاني بالمنع من التنافي بين من تجب عليه الزكاة ومن تدفع إليه ، فإنه مجرد استبعاد لا دليل عليه.

قوله : ( ومن يقدر على اكتساب ما يموّن به عياله لا تحل له ، لأنه كالغني ، وكذا ذو الصنعة ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ويدل عليه ما رواه الكليني في الحسن ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، سمعته يقول : « إن الصدقة لا تحلّ لمحترف ولا لذي مرّة سويّ قويّ فتنزهّوا عنها » (٣).

__________________

(١) فاطر : ١٥.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٣٠ ، والجامع لأحكام القرآن ٨ : ١٧٤.

(٣) الكافي ٣ : ٥٦٠ ـ ٢ ، الوسائل ٦ : ١٥٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٨ ح ٢.

١٩٦

ولو قصرت عن كفايته جاز أن يتناولها ، وقيل : يعطى ما يتمم كفايته ، وليس ذلك شرطا.

______________________________________________________

وحكى الشيخ في الخلاف عن بعض أصحابنا أنه جوّز دفع الزكاة إلى المكتسب من غير اشتراط لقصور كسبه (١). واستدل له في المختلف بأنه غير مالك للنصاب ولا لقدر الكفاية فجاز له الأخذ من الصدقة كالفقير ، ثم أجاب عنه بالفرق ، فإن الفقير محتاج إليها بخلاف صورة النزاع (٢). وهو حسن.

ويعتبر في الاكتساب والصنعة كونهما لائقين بحاله ، لما في التكليف بغير المعتاد من الحرج والضرر المنفيين بالآية والرواية.

قال في المنتهى : ولو كان التكسب يمنعه عن التفقه فالوجه عندي جواز أخذها ، لأنه مأمور بالتفقه في الدين إذا كان من أهله (٣). وهو حسن.

قوله : ( ولو قصرت عن كفايته جاز أن يتناولها ، وقيل : يعطى ما يتمم كفايته ، وليس ذلك شرطا ).

أما جواز تناول الزكاة لذي الكسب القاصر عن نفقة السنة له ولعياله فقال العلاّمة في التذكرة : إنه موضع وفاق بين العلماء (٤). وإنما الخلاف في تقدير الأخذ وعدمه ، فذهب الأكثر إلى أنه لا يتقدر بقدر ، بل يجوز أن يعطى ما يغنيه ويزيد على غناه كغير المتكسب ، لإطلاق الأمر ، وقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة سعيد بن غزوان : « تعطيه من الزكاة حتى تغنيه » (٥) وفي موثقة عمّار الساباطي : « إذا أعطيت فأغنه » (٦).

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٣٥.

(٢) المختلف : ١٨٥.

(٣) المنتهى ١ : ٥١٩.

(٤) التذكرة ١ : ٢٣٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥٤٨ ـ ٤ ، الوسائل ٦ : ١٧٨ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٤ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٥٤٨ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٦٤ ـ ١٧٤ ، الوسائل ٦ : ١٧٩ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٤ ح ٤.

١٩٧

______________________________________________________

ويؤيده ما رواه الكليني ، عن عدّة من أصحابه ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ـ والظاهر أنه ليث المرادي ـ قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن شيخا من أصحابنا يقال له عمر سأل عيسى بن أعين وهو محتاج ، فقال له عيسى بن أعين : أما إنّ عندي من الزكاة ولكن لا أعطيك منها ، فقال له : ولم؟ فقال : لأني رأيتك اشتريت لحما وتمرا فقال : إنما ربحت درهما فاشتريت بدانقين لحما وبدانقين تمرا ثم رجعت بدانقين لحاجة ، قال : فوضع أبو عبد الله عليه‌السلام يده على جبهته ساعة ثم رفع رأسه ثم قال : « إن الله تبارك وتعالى نظر في أموال الأغنياء ثم نظر في الفقراء فجعل في أموال الأغنياء ما يكتفون به ، ولو لم يكفهم لزادهم ، بل يعطيه ما يأكل ويشرب ويكتسي ويتزوّج ويتصدّق ويحجّ » (١).

والقول بأن ذا الكسب القاصر ليس له أن يأخذ ما يزيد عن كفايته حولا حكاه المصنف وجماعة ، واستحسنه الشهيد في البيان قال : وما ورد في الحديث من الإغناء بالصدقة محمول على غير المكتسب (٢). وهذا الحمل ممكن ، إلاّ أنه يتوقف على وجود المعارض ، ولم نقف على نص يقتضيه ، نعم ربما أشعر به مفهوم قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن وهب : « ويأخذ البقية من الزكاة » (٣) لكنها غير صريحة في المنع من الزائد ، ومع ذلك فمورد الرواية من كان معه مال يتجر به وعجز عن استنماء الكفاية ، لا ذو الكسب القاصر ، وقد ظهر من ذلك أن الأجود ما اختاره المصنف والأكثر من عدم اعتبار هذا الشرط.

واعلم أن ظاهر عبارة المصنف وغيرها يقتضي أن محل الخلاف ذو الكسب‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٦ ـ ٢ ، الوسائل ٦ : ٢٠١ أبواب المستحقين للزكاة ب ٤١ ح ٢.

(٢) البيان : ١٩٣.

(٣) المتقدمة في ص ١٩٤.

١٩٨

ومن هذا الباب تحلّ لصاحب ثلاثمائة وتحرم على صاحب الخمسين ، اعتبارا بعجز الأول عن تحصيل الكفاية وتمكن الثاني.

ويعطى الفقير ولو كان له دار يسكنها أو خادم يخدمه ، إذا كان لا غناء له عنهما.

______________________________________________________

القاصر ، وربما ظهر من كلام العلاّمة في موضع من المنتهى تحقق الخلاف في غيره أيضا ، فإنه قال : لو كان معه ما يقصر عن مؤنته ومؤنة عياله حولا جاز له أخذ الزكاة لأنه محتاج ، وقيل : لا يأخذ زائدا عن تتمة المؤنة حولا ، وليس بالوجه (١). مع أنه قال في موضع آخر من المنتهى : يجوز أن يعطى الفقير ما يغنيه وما يزيد على غناه وهو قول علمائنا أجمع (٢). وسيجي‌ء تمام الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ومن هذا الباب تحل لصاحب الثلاثمائة وتحرم على صاحب الخمسين ، اعتبارا لعجز الأول عن تحصيل الكفاية وتمكن الثاني ).

إنما خصّ الثلاثمائة في جانب الزيادة والخمسين في جانب النقصان لورودهما كذلك في بعض الأخبار ، وفي موثقة سماعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « قد تحلّ الزكاة لصاحب السبعمائة وتحرم على صاحب الخمسين درهما » فقلت له : وكيف يكون هذا؟ فقال : « إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسّمها بينهم لم تكفه فليعفّ عنها نفسه وليأخذها لعياله ، وأما صاحب الخمسين فإنه يحرم عليه إذا كان وحده وهو محترف يعمل بها وهو يصيب منها ما يكفيه إن شاء الله » (٣).

قوله : ( ويعطى الفقير ولو كان له دار يسكنها أو خادم يخدمه ، إذا كان لا غناء له عنهما ).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥١٨.

(٢) المنتهى ١ : ٥٢٨.

(٣) الكافي ٣ : ٥٦١ ـ ٩ ، الوسائل ٦ : ١٦٤ أبواب المستحقين للزكاة ب ١٢ ح ٢.

١٩٩

______________________________________________________

يتحقق عدم الغنى في الدار باحتياجه إلى السكنى وإن حصل له غيرها‌ ببذل أو استيجار ، وفي الخادم بأن يكون المخدوم من عادته ذلك ، أو باحتياجه إليه. ويلحق بهما فرس الركوب وثياب التجمّل ، نص عليه في التذكرة وقال : إنه لا يعلم في ذلك كله خلافا (١).

وينبغي أن يلحق بذلك كلما يحتاج إليه من الآلات اللائقة بحاله وكتب العلم ، لمسيس الحاجة إلى ذلك كله ، وعدم الخروج بملكه عن حدّ الفقر إلى الغني عرفا.

ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني ( في الصحيح ) (٢) ، عن عمر بن أذينة ، عن غير واحد ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنهما سئلا عن الرجل له دار أو خادم أو عبد يقبل الزكاة؟ قال : « نعم ، إن الدار والخادم ليسا بمال » (٣) وفي هذا التعليل إشعار باستثناء ما ساوى الدار والخادم في المعنى.

وعن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن عبد العزيز ، عن أبيه قال : دخلت أنا وأبو بصير على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له أبو بصير : إن لنا صديقا وهو رجل صدق يدين الله بما ندين به فقال : « من هذا يا أبا محمد الذي تزكّيه؟ » فقال : العباس بن الوليد بن صبيح ، فقال : « رحم الله الوليد بن صبيح ، ما له يا أبا محمد؟ » قال : جعلت فداك له دار تسوى أربعة آلاف درهم ، وله جارية ، وله غلام يستقي على الجمل كل يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة سوى علف (٤) الجمل ، وله عيال ، أله أن يأخذ من الزكاة؟ قال : « نعم » قال : وله هذه العروض؟! فقال : « يا أبا محمد تأمرني أن آمره ببيع داره وهي عزّه ومسقط رأسه ، أو ببيع جاريته التي تقيه الحرّ والبرد وتصون‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٣٦.

(٢) ليست في « ح ».

(٣) الكافي ٣ : ٥٦١ ـ ٧ ، الوسائل ٦ : ١٦٢ أبواب المستحقين للزكاة ب ٩ ح ٢.

(٤) ليست في الأصل ولكنها موجودة في سائر النسخ والمصدر.

٢٠٠