مدارك الأحكام - ج ٥

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

______________________________________________________

التهمة ، ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اقتصر على الواحد.

الثالث : صفة الخرص أن تقدّر الثمرة لو صارت تمرا والعنب لو صار زبيبا ، فإن بلغ الأوساق وجبت الزكاة ، ثم يخيّرهم بين تركه أمانة في يدهم وبين تضمينهم حق الفقراء أو يضمن لهم حقهم ، فإن اختاروا الضمان كان لهم التصرف كيف شاؤوا ، وإن أبوا جعله أمانة ولم يجز لهم التصرف بالأكل والبيع والهبة ، لأن فيها حق المساكين.

الرابع : لو تلفت الثمرة بغير تفريط منهم ، مثل عروض الآفات السماوية والأرضية أو ظلم ظالم سقط ضمان الحصة ، لأنها أمانة فلا تضمن بالخرص. وقال مالك : يضمن ما قال الخارص ، لأن الحكم انتقل إلى ما قال (١). وليس بوجه. ولو تلف بعضها لزمه زكاة الموجود حسب.

الخامس : لو ادعى المالك غلط الخارص ، فإن كان قوله محتملا أعيد الخرص ، وإن لم يكن محتملا سقطت دعواه.

السادس : لو زاد الخرص كان للمالك ، ويستحب له بذل الزيادة ، وبه قال ابن الجنيد ، ولو نقص فعليه ، تحقيقا لفائدة الخرص. وفيه تردد ، لأن الحصة في يده أمانة ، ولا يستقر ضمان الأمانة كالوديعة.

السابع : لا يستقصي الخارص ، بل يخفف ما يكون به المالك مستظهرا وما يحصل للمارة. وقال جماعة من الجمهور منهم أحمد بن حنبل : يترك الثلث أو الربع ، لما روى سهل بن أبي خيثمة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول : « إذا خرصتم فخففوا ودعوا الثلث ، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع » (٢).

__________________

(١) نقله عنه ابن قدامة في المغني ٢ : ٥٦٧.

(٢) سنن الترمذي ٢ : ٧٧ وفيه : سهل بن أبي حثمة.

١٦١

______________________________________________________

لنا : ما رواه أبو عبيدة بإسناده أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا بعث الخارص قال : « خففوا على الناس فإن في المال العريّة والواطية والآكلة » (١) قال أبو عبيدة : والعرية هي النخلة أو النخلات يهب الإنسان ثمرها. والواطية السابلة (٢) سمّوا بذلك لوطئهم بلاد الثمار مجتازين.

وما ذكروه من الثلث والربع إجحاف بالمساكين ، نعم يقال : إن للمارّة أن يأكلوا ، وقيل لبعض أهل البيت عليهم‌السلام : إن التجار اشتروا الثمرة بأموالهم فقال : « اشتروا ما ليس لهم » (٣) فإذا لا يحتسب على أرباب الزكاة ما يجب عليهم بذله للمجتازة ، وتقديره إلى نظر الخارص ، أما تقديره بالثلث والربع فلا. وما ذكروه من الحديث خبر واحد مناف للأصل ، لأنه تسلط على مال الفقراء ونقص له فيكون منفيا.

الثامن : لو اقتضت المصلحة تخفيف النخل جاز وسقط من الزكاة بحسابه ، ولو كان قبل بلوغه جاز تخفيفه وقطعه أصلا لما يراه من مصلحة نفسه وأصوله.

ولو اختار الخارص قسمة الثمرة جاز ولو كان رطبا ، لأن القسمة تمييز الحق وليست بيعا فيمنع بيع الرطب بمثله على رأي من منع.

ويجوز له بيع نصيب المساكين من ربّ المال وغيره ، ويجوز عندنا تقويم نصيب الفقراء من غير مراجعة الساعي. ويجوز لربّ المال قطع الثمرة وإن لم يستأذن الخارص ، ضمن أو لم يضمن ، ومنع الشيخ في المبسوط إذا لم يضمن المالك الخرص ، قال : لأنه تصرف في مال الغير فيقف على‌

__________________

(١) سنن البيهقي ٤ : ١٢٤.

(٢) الجماعة المختلفة في الطرقات في حوائجهم ـ المصباح المنير : ٢٦٥.

(٣) التهذيب ٧ : ٨٩ ـ ٣٨٠ ، الإستبصار ٣ : ٩٠ ـ ٣٠٥ ، الوسائل ١٣ : ١٤ أبواب بيع الثمار ب ٨ ح ٤.

١٦٢

______________________________________________________

الإذن. وليس بوجه ، لأن المالك مؤتمن على حفظها فله التصرف بما يراه مصلحة (١).

وأقول : إن في كثير من هذه الأحكام نظر ، والقدر المتحقق من ذلك جواز البناء على قدر الخرص عند عدم العلم بالمقدار ، وجواز التصرف في الثمرة بعد الضمان ، لأن ذلك فائدة الخرص ، وللإجماع المنقول عليه من جماعة ، منهم العلاّمة في المنتهى فإنه قال : لو أكل المالك رطبا فإن كان بعد الخرص والتضمين جاز إجماعا ، لأن فائدة الخرص إباحة التناول ، وإن كان بعد الخرص وقبل التضمين بأن خرص عليه الخارص ولم يضمنه جاز أيضا إذا ضمن نصيب الفقراء ، وكذا لو كان قبل الخرص إذا خرصها هو بنفسه ، أما مع عدم الخرص فلا (٢). انتهى.

ولم أقف للأصحاب على تصريح بمعنى الضمان هنا ، وذكر المحقق الشيخ علي أن المراد به العزم على الأداء من غيرها. وكأن المراد العزم على أداء الزكاة من غير ما تعلق به التصرف وإن كان من نفس النصاب ، والله تعالى أعلم بحقائق أحكامه.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٣٥.

(٢) المنتهى ١ : ٥٠٢.

١٦٣

القول في مال التجارة

والبحث فيه ، وفي شروطه ، وأحكامه‌

أما الأول :

فهو المال الذي ملك بعقد معاوضة ، وقصد به الاكتساب عند التملك.

______________________________________________________

قوله : ( القول في مال التجارة والبحث فيه وفي شروطه وأحكامه ، أما الأول : فهو المال الذي ملك بعقد معاوضة وقصد به الاكتساب عند التملك ).

هذا تعريف لمال التجارة من حيث تتعلق به الزكاة ، فالمال في التعريف بمنزلة الجنس.

وخرج بالموصول وصلته ما ملك بغير عقد ، كالإرث وحيازة المباحات وإن قصد به التكسب ، أو بعقد غير معاوضة كالهبة والصدقة والوقف.

والمراد بالمعاوضة ما يقوّم طرفاها بالمال ، فيخرج الصداق ، وعوض الخلع ، والصلح عن دم العمد ، وإن قصد بذلك الاكتساب.

وخرج بقصد الاكتساب عند التملك ما ملك بعقد معاوضة مع عدم قصد الاكتساب ، إما مع الذهول ، أو قصد القنية ، أو الصدقة به ، أو نحو ذلك.

١٦٤

______________________________________________________

أما أنه يشترط في المال انتقاله بعقد المعاوضة ( فيدل عليه قول الصادق عليه‌السلام ) (١) في حسنة محمد بن مسلم.

« إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة ، وإن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة » (٢).

وفي رواية أبي الربيع : « إن كان أمسكه يلتمس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة » (٣).

إذ مقتضى الروايتين اعتبار وجود رأس المال في مال التجارة وإنما يتحقق بعقد المعاوضة.

وأما أنه يشترط في تعلق الزكاة بالمال نية الاكتساب به فلا خلاف فيه بين العلماء ، بل تعتبر استمرار نية الاكتساب طول الحول ليتحقق كونه مال تجارة فيه.

وإنما الكلام في اعتبار مقارنة هذه النية للتملك.

وقد ذهب علماؤنا وأكثر العامة (٤) إلى اعتبار ذلك أيضا ، لأن التجارة عمل فلا يتحقق (٥) بالنية.

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ض » و « م » : فلإناطة الحكم بذلك في الأخبار المتضمنة لثبوت هذه الزكاة لقول الصادق عليه‌السلام.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٨ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٨ ـ ١٨٦ ، الإستبصار ٢ : ١٠ ـ ٢٩ ، الوسائل ٦ : ٤٦ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٧ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٦٨ ـ ١٨٥ ، الإستبصار ٢ : ١٠ ـ ٢٩ ، الوسائل ٦ : ٤٦ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣ ح ٤.

(٤) كابن قدامة في المغني ٢ : ٦٢٧.

(٥) في « م » زيادة إلاّ ، وفي « ح » : بدون النية.

١٦٥

فلو انتقل إليه بميراث أو هبة لم يزكّه. وكذا لو ملكه للقنية. وكذا لو اشتراه للتجارة ثم نوى القنية.

______________________________________________________

وحكى المصنف في المعتبر عن بعض العامة قولا بأن مال القنية إذا قصد به التجارة تتعلق به الزكاة ، ويظهر منه الميل إليه ، نظرا إلى أن المال بإعداده للربح يصدق عليه أنه مال تجارة فتتناوله الروايات المتضمنة لاستحباب زكاة التجارة.

وأن نية القنية تقطع التجارة فكذا العكس قال : وقولهم : التجارة عمل ، قلنا : لا نسلّم أن الزكاة تتعلق بالفعل الذي هو الابتياع ، بل لم لا يكفي إعداد السلعة لطلب الربح وذلك يتحقق بالنية (١).

وإلى هذا القول ذهب الشهيد في الدروس (٢) ، والشارح في جملة من كتبه (٣) ، ولا بأس به.

قوله : ( فلو انتقل إليه بميراث أو هبة لم يزكه ، وكذا لو ملكه للقنية ، وكذا لو اشتراه للتجارة ثم نوى القنية ).

قد تقدم ما يعلم منه هذه الأحكام ، لكن عطف قوله : وكذا لو اشتراه للتجارة ثم نوى القنية ، على ما قبله غير جيد ، إذ لم يتقدم في القيود ما يدل على خروجه.

وإنما يستقيم لو اعتبر بقاء قصد الاكتساب طول الحول ، وكيف كان فلا ريب في اعتبار هذا الشرط ، بل قال المصنف في المعتبر : إنه موضع وفاق ، لخروج المال بنية القنية عن كونه مال تجارة (٤).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٤٨.

(٢) الدروس : ٦١.

(٣) المسالك ١ : ٥٧.

(٤) المعتبر ٢ : ٥٤٩.

١٦٦

وأما الشروط فثلاثة :

الأول : النصاب ، ويعتبر وجوده في الحول كله ، فلو نقص في أثناء الحول ولو يوما سقط الاستحباب.

______________________________________________________

قوله : ( وأما الشروط فثلاثة ، الأول : النصاب ، ويعتبر وجوده في الحول كله ، فلو نقص في أثناء الحول ولو يوما سقط الاستحباب ).

أما اشتراط بلوغ القيمة النصاب في هذه الزكاة فقال في المعتبر : إنه قول علماء الإسلام (١).

وأما اعتبار وجوده في الحول كله فهو مذهب علمائنا وأكثر العامة (٢) ، وقال بعضهم : يعتبر النصاب في أول الحول وآخره لا في وسطه (٣). وقال بعضهم : ينعقد الحول على ما دون النصاب ، فإن تمّ الحول وقد كمل النصاب وجبت الزكاة (٤). ولا ريب في بطلانهما ، لأنها لو ثبتت مع نقصانه في وسط الحول أو في أوله لوجبت في زيادة متجددة لم يحل عليها الحول.

والمراد بالنصاب هنا نصاب النقدين ، إذ الظاهر من الروايات أن هذه الزكاة بعينها زكاة النقدين فيعتبر فيها نصابهما ويتساويان في قدر المخرج ، ولا يعتبر نصاب غيرهما من الأموال قطعا ، كما صرّح به جماعة ، منهم العلاّمة في التذكرة فإنه قال : النصاب المعتبر في قيمة مال التجارة هنا هو أحد النقدين الذهب والفضة دون غيرهما ، فلو اشترى بأحد النصب في المواشي مال التجارة وقصرت قيمة الثمن عن نصاب أحد النقدين ثم حال الحول كذلك فلا زكاة ، ولو قصر الثمن عن زكاة المواشي بأن اشترى بأربع من الإبل متاع التجارة وكانت‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٤٦.

(٢) كالقرطبي في بداية المجتهد ١ : ٢٧١.

(٣) حكاه في المغني ٢ : ٦٢٥.

(٤) حكاه في المغني ٢ : ٦٢٥.

١٦٧

ولو مضى عليه مدة يطلب فيها برأس المال ثم زاد كان حول الأصل من حين الابتياع وحول الزيادة من حين ظهورها.

______________________________________________________

قيمة الثمن أو السلعة تبلغ نصابا من أحد النقدين تعلقت الزكاة به.

إذا عرفت هذا فالنصاب الأول قد عرفت أنه عشرون دينارا أو مائتا درهم ، فإذا بلغت القيمة أحدهما ثبتت الزكاة ، ثم الزائد إن بلغ النصاب الثاني وهو أربعة دنانير أو أربعون درهما ثبتت فيه الزكاة ، وهو ربع عشرة أيضا ، وإلاّ فلا ، ولم يعتبر الجمهور النصاب الثاني وقد سلف (١). انتهى كلامه ـ رحمه‌الله ـ وهو جيد ، ونحوه قال في المنتهى (٢).

ومن هنا يظهر أن ما ذكره جدّي ـ قدس‌سره ـ في حواشي القواعد من أنه لم يقف على دليل يدل على اعتبار النصاب الثاني هنا ، وأن العامة صرحوا باعتبار الأول خاصة غير جيد ، لأن الدليل على اعتبار الأول هو بعينه الدليل على اعتبار الثاني ، والجمهور إنما لم يعتبروا النصاب الثاني هنا لعدم اعتبارهم له في زكاة النقدين كما ذكره في التذكرة.

قوله : ( ولو مضى عليه مدة يطلب فيها برأس المال ثم زاد كان حول الأصل من حين الابتياع ، وحول الزيادة من حين ظهورها ).

المراد أن النصاب إذا مضى له مدة ولم يظهر فيه ربح سواء طلب أم لم يطلب ثم ظهر الربح في أثناء الحول لم يبن حول الربح على حول الأصل ، بل يزكي الأصل عند تمام حوله من حين الابتياع ، ثم يزكي الربح إذا حال حوله من حين الظهور ، وإنما اعتبر ذلك لأن الربح إذا لم يحل عليه الحول فلا تجب فيه الزكاة ، لإطلاق الروايات المتضمنة لأنه لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول (٣).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٢٨.

(٢) المنتهى ١ : ٤٨٦.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٨ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٤.

١٦٨

الثاني : أن يطلب برأس المال أو زيادة ، فلو كان رأس ماله مائة ، فطلب بنقيصة ولو حبّة لم يستحب.

______________________________________________________

وقال بعض العامة : إذا حال الحول على الأصل يزكي الجميع ، لأن حول الربح حول الأصل (١). وهي دعوى مجردة عن الدليل. قال في المعتبر : ولو قاس على النتاج منعنا الأصل كما نمنع الفرع (٢). وفي حكم الربح نموّ المال الأول كنتاج الدابة وثمر الشجر.

قوله : ( الثاني ، أن يطلب برأس المال أو زيادة ، فلو كان رأس ماله مائة فطلب بنقيصة ولو حبة لم يستحب ).

المراد بالحبة المعهودة ، وهي التي يقدّر بها القيراط ، فتكون من الذهب ، أما نحو حبة الغلاّت فلا اعتداد بها لعدم تمولها.

والمراد أنه يشترط في زكاة التجارة وجود رأس المال طول الحول ، فلو نقص رأس ماله في الحول كلّه أو في بعضه لم يستحب وإن كان ثمنه أضعاف النصاب ، وعند بلوغ رأس المال يستأنف الحول ، قال في المعتبر : وعلى ذلك فقهاؤنا أجمع (٣).

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الحسن ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى متاعا فكسد عليه وقد زكّى المال قبل أن يشتري المتاع متى يزكّيه؟ فقال : « إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة ، وإن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال » (٤).

وعن أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل اشترى‌

__________________

(١) حكاه في بداية المجتهد ١ : ٢٧١.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٤٥.

(٣) المعتبر ٢ : ٥٥٠.

(٤) المتقدمة في ص ١٦٥.

١٦٩

وروي أنه إذا مضى عليه وهو على النقيصة أحوال زكّاه لسنة واحدة استحبابا.

الثالث : الحول ، ولا بد من وجود ما يعتبر في الزكاة من أول الحول إلى أخره.

______________________________________________________

متاعا فكسد عليه متاعه وقد زكّى ماله قبل أن يشتري به ، هل عليه زكاة أو حتى يبيعه؟ فقال : « إن كان أمسكه يلتمس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة » (١).

قوله : ( وروي : إذا مضى عليه وهو على النقيصة أحوال زكاه لسنة واحدة استحبابا ).

هذه الرواية رواها الشيخ في كتابي الأخبار ، عن عليّ بن الحسن بن فضال ، عن سندي بن محمد ، عن العلاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : المتاع لا أصيب به رأس المال ، عليّ فيه زكاة؟ قال : « لا » قلت : أمسكه سنين ثم أبيعه ماذا عليّ؟ قال : « سنة واحدة (٢) » وحملها على الاستحباب ، جمعا بينها وبين غيرها من الرويات المتضمنة لسقوط الزكاة مع النقيصة. ويظهر من المصنف التوقف في هذا الحكم حيث أسنده إلى الرواية ، وهو في محله ، لقصورها من حيث السند عن إثبات الحكم الشرعي.

قوله : ( الثالث ، الحول : ولا بد من وجود ما يعتبر في الزكاة من أول الحول إلى آخره ).

هذا الشرط مجمع عليه بين الأصحاب ، بل قال المصنف في المعتبر : إن‌

__________________

(١) المتقدمة في ص ١٤٩٠.

(٢) التهذيب ٤ : ٦٩ ـ ١٨٩ وفيه : أمسكه سنتين ، الإستبصار ٢ : ١١ ـ ٣٢ ، الوسائل ٦ : ٤٧ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣ ح ٩.

١٧٠

______________________________________________________

عليه اتفاق علماء الإسلام (١). وتدل عليه روايات : منها ما رواه الكليني في الحسن ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : وسألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها فقال : « إذا حال عليها الحول فليزكها » (٢).

وعن محمد بن مسلم أيضا أنه قال : كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول (٣). ويندرج في قول المصنف : ولا بدّ من وجود ما يعتبر في الزكاة ، الشرائط العامة والخاصة.

وهل يشترط في زكاة التجارة بقاء عين السلعة طول الحول كما في المالية ، أم لا يشترط ذلك فتثبت الزكاة وإن تبدلت الأعيان مع بلوغ القيمة النصاب؟ الظاهر من كلام المفيد ـ رحمه‌الله ـ في المقنعة الأول فإنه قال : وكل متاع طلب من مالكه بربح أو برأس ماله فلم يبعه طلبا للفضل فيه فحال عليه الحول ففيه الزكاة بحساب قيمته سنّة مؤكدة (٤). ونحوه قال ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه (٥). وهو ظاهر اختيار المصنف في هذا الكتاب ، وبه قطع في المعتبر ، واستدل عليه بأنه مال يثبت فيه الزكاة فيعتبر بقاؤه كغيره ، وبأنه مع التبدل تكون الثانية غير الأولى فلا تجب فيها الزكاة لأنه لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول (٦). وهو جيد.

ويدل عليه أيضا أن مورد النصوص المتضمنة لثبوت هذه الزكاة السلعة الباقية طول الحول ، كما يدل عليه قوله عليه‌السلام في حسنة ابن مسلم‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٤٤.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٨ ـ ٢ ، الوسائل ٦ : ٤٦ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٨ ـ ٥ ، الوسائل ٦ : ٤٧ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣ ح ٨.

(٤) المقنعة : ٤٠.

(٥) الفقيه ٢ : ١١.

(٦) المعتبر ٢ : ٥٤٧.

١٧١

فلو نقص رأس ماله أو نوى به القنية انقطع الحول. ولو كان بيده نصاب بعض الحول فاشترى به متاعا للتجارة ، قيل : كان حول العرض حول الأصل ، والأشبه استئناف الحول.

______________________________________________________

المتقدمة : « وإن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة » (١) وفي رواية أبي الربيع : « إن كان أمسكه يلتمس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة » (٢).

وقريب منهما صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق ، قال : سأله سعيد الأعرج وأنا أسمع فقال : إنا نكبس الزيت والسمن نطلب به التجارة ، فربما مكث عندنا السنة والسنتين هل عليه زكاة؟ فقال : « إن كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك زكاته ، وإن كنت إنما تربّص به لأنك لا تجد إلاّ وضيعة فليس عليك زكاته » (٣).

وجزم العلاّمة (٤) ومن تأخر عنه (٥) بالثاني ، وادعى عليه في التذكرة (٦) وولده في الشرح (٧) الإجماع ، وهو ضعيف.

قوله : ( ولو كان بيده نصاب بعض حول فاشترى به متاعا للتجارة قيل : كان حول العرض حول الأصل ، والأشبه استئناف الحول ).

موضع الخلاف ما إذا كان النصاب من أحد النقدين ، والقول ببناء حول العرض على حول الأصل للشيخ في المبسوط والخلاف (٨) ، محتجا بقول الصادق‌

__________________

(١) في ص ١٦٥.

(٢) المتقدمة في ص ١٦٥.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٩ ـ ٩ ، التهذيب ٤ : ٦٩ ـ ١٨٧ ، الإستبصار ٢ : ١٠ ـ ٣٠ ، الوسائل ٦ : ٤٦ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٣ ح ١.

(٤) التذكرة ١ : ٢٢٩.

(٥) كالشهيد الأول في الدروس : ٦١.

(٦) التذكرة ١ : ٢٢٩.

(٧) إيضاح الفوائد ١ : ١٨٧.

(٨) المبسوط ١ : ٢٢١ ، الخلاف ١ : ٣٤٣.

١٧٢

ولو كان رأس المال دون النصاب استأنف عند بلوغه نصابا فصاعدا.

وأما أحكامه فمسائل :

الأولى : زكاة التجارة تتعلق بقيمة المتاع لا بعينه ،

______________________________________________________

عليه‌السلام : « كل عرض فهو مردود إلى الدراهم والدنانير » (١) وهو احتجاج ضعيف. والأصح استئناف الحول كما اختاره المصنف ومن تأخر عنه (٢) ، لأن حول العينية انقطع بفوات المحل ، وحول التجارة إنما يعتبر بعد عقد المعاوضة ، لاستحالة تقدم المسبب على السبب. واستوجه العلاّمة في التذكرة البناء إن كان الثمن من مال تجارة ، وإلاّ استأنف (٣). والأجود الاستئناف مطلقا كما بيّنّاه.

قوله : ( ولو كان رأس المال دون النصاب استأنف عند بلوغه نصابا فصاعدا ).

المراد أنه إذا ملك دون النصاب من مال التجارة مدة ثم كمل عنده نصاب إما بارتفاع القيمة أو نماء الأصل أو غير ذلك ابتدأ الحول من حين الكمال ، وذاك واضح.

قوله : ( وأما أحكامه فمسائل ، الأولى : زكاة التجارة تتعلق بقيمة المتاع لا بعينه ).

هذا الحكم ذكره الشيخ (٤) وأتباعه (٥) ، واستدل عليه بأن النصاب معتبر‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٦ ـ ٨ ، التهذيب ٤ : ٩٣ ـ ٢٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٩ ـ ١٢١ ، الوسائل ٦ : ٩٣ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١ ح ٧ ، ليس فيها : والدنانير ، وفيها : عن أبي إبراهيم عليه‌السلام بدلا عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٢) كالعلامة في القواعد ١ : ٥٦ ، والشهيد الأول في البيان : ١٩٠.

(٣) التذكرة ١ : ٢٢٩.

(٤) الخلاف ١ : ٣٤٣ ، المبسوط ١ : ٢٢١.

(٥) كسلار في المراسم : ١٣٦.

١٧٣

______________________________________________________

بالقيمة ، وما اعتبر النصاب منه وجبت الزكاة فيه كسائر الأموال ، وبما رواه عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كل عرض فهو مردود إلى الدراهم والدنانير » (١).

قال في المعتبر : وتمسك الشيخ ضعيف ، أما قوله : النصاب معتبر بالقيمة ، قلنا : مسلم لكن ليعلم بلوغها القدر المعلوم ، ولا نسلم أنه لوجوب الإخراج منها ، وأما الرواية فغير دالة على موضع النزاع ، لأنها دالة على أن الأمتعة تقوّم بالدراهم أو الدنانير ، ولا يلزم من ذلك إخراج زكاتها منها. ثم نقل عن أبي حنيفة قولا بتعلق الزكاة بالعين ، فإن أخرج منها فهو الواجب ، وإن عدل إلى القيمة فقد أخرج بدل الزكاة ، وقال : إن ما قاله أبو حنيفة أنسب بالمذهب (٢). ونفى العلاّمة في التذكرة البأس عن هذا (٣) ، وهو حسن.

وتظهر فائدة الخلاف في جواز بيع السلعة بعد الحول وقبل إخراج الزكاة أو ضمانها فيجوز على الأول كما نصّ عليه في المنتهى (٤) ، لأنها إنما تتعلق بالقيمة دون الثاني.

قال الشارح ـ قدس‌سره ـ : وتظهر فائدة الخلاف أيضا في ما لو زادت القيمة بعد الحول ، فعلى المشهور يخرج ربع عشر القيمة الأولى ، وعلى الثاني ربع عشر الزيادة أيضا ، وفي التحاصّ وعدمه لو قصرت التركة (٥). ويمكن المناقشة في الحكم الثاني بأن التعلق بالقيمة غير الوجوب في الذمة فيتجه القول بتقديم الزكاة على القول بالوجوب وإن قلنا إنها تتعلق بالقيمة كما اختاره في‌

__________________

(١) المتقدمة في ص ١٧٣.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٥٠.

(٣) التذكرة ١ : ٢٢٨.

(٤) المنتهى ١ : ٥٠٨.

(٥) المسالك ١ : ٥٨.

١٧٤

ويقوّم بالدنانير أو الدراهم.

______________________________________________________

الدروس (١) ، إلاّ أن يقال : إن التعلق بالقيمة إنما يتحقق بعد بيع عروض التجارة أما قبله فلا ، وهو بعيد جدا.

واعلم أن شيخنا الشهيد ـ رحمه‌الله ـ ذكر في حواشي القواعد عند قول المصنف : والزكاة تتعلق بقيمة المتاع ، وتظهر الفائدة في مثل من عنده مائتا قفيز من حنطة تساوي مائتي درهم ثم تزيد بعد الحول إلى ثلاثمائة درهم ، فإن قلنا تتعلق بالعين أخرج خمسة أقفزة أو قيمتها سبعة دراهم ونصفا ، وإن قلنا بالقيمة أخرج خمسة دراهم أو بقيمتها حنطة.

واعترضه جدي ـ قدس‌سره ـ في حواشي القواعد أيضا بأن ذلك إنما يتم لو لم يعتبر في نصاب زكاة التجارة النصاب الثاني لأحد النقدين وإلاّ لوجب سبعة لا غير ، لأن العشرين بعد الثمانين عفو. وهو مدفوع بأن السبعة والنصف إنما أخذت قيمة عن الخمسة الأقفزة الواجبة في هذا المال ، لا زكاة عن الثلاثمائة ليعتبر فيها النصاب الثاني ، فإن المائة الزائدة لم يحل عليها الحول كما هو واضح.

قوله : ( ويقوّم بالدراهم أو الدنانير ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين كون الثمن الذي وقع به الشراء من أحد النقدين وغيره ، وهو مشكل على إطلاقه ، والأصح أن الثمن إن كان من أحد النقدين وجب تقويم السلعة بما وقع به الشراء كما صرح به المصنف في المعتبر (٢) ، والعلاّمة (٣) ، ومن تأخر عنه (٤) ، لأن نصاب العرض‌

__________________

(١) الدروس : ٦١.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٤٧.

(٣) التذكرة ١ : ٢٢٨ ، المنتهى ١ : ٥٠٨.

(٤) منهم الشهيد الأول في الدروس : ٦١ ، والكركي في جامع المقاصد ١ : ١٥٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٨.

١٧٥

تفريع : إذا كانت السلعة تبلغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر تعلقت بها الزكاة ، لحصول ما يسمى نصابا.

المسألة الثانية : إذا ملك أحد النصب الزكاتيّة للتجارة مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة سقطت زكاة التجارة ووجبت زكاة المال ، ولا تجتمع الزكاتان ، ويشكل ذلك على القول بوجوب زكاة التجارة.

______________________________________________________

مبني على ما اشتري به فيجب اعتباره به كما لو لم يشتر به شيئا ، ولقوله عليه‌السلام : « إن كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك زكاته » (١) ورأس المال إنما يعلم بعد التقويم بما وقع به الشراء.

ولو وقع الشراء بالنقدين وجب التقويم بهما ، ولو بلغ أحدهما النصاب زكّاه دون الآخر.

ولو كان الثمن عروضا قوّم بالنقد الغالب واعتبر بلوغ النصاب ووجود رأس المال في الحول به خاصة.

ولو تساوى النقدان كان له التقويم بأيهما شاء. ويكفي في استحباب الزكاة بلوغ القيمة النصاب بأحدهما وكذا وجود رأس المال.

قوله : ( تفريع ، إذا كانت السلعة تبلغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر تعلقت بها الزكاة ، لحصول ما يسمى نصابا ).

هذا إنما يتم إذا كان الثمن عروضا وتساوى النقدان ، وإلاّ وجب التقويم بالنقد الذي وقع به الشراء أو بالنقد الغالب خاصة كما تقدم.

قوله : ( المسألة الثانية ، إذا ملك أحد النصب الزكاتية للتجارة مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة سقطت زكاة التجارة ووجبت زكاة المال ، ولا تجتمع الزكاتان ، ويشكل ذلك على القول بوجوب زكاة التجارة ، وقيل : تجتمع الزكاتان ، هذه وجوبا ، وهذه استحبابا ).

__________________

(١) المتقدم في ص ١٧٢.

١٧٦

______________________________________________________

هذا القول مجهول القائل وقد نقل المصنف في المعتبر الإجماع على خلافه‌ فقال : ولا تجتمع زكاة العين والتجارة في مال واحد اتفاقا (١). ونحوه قال العلاّمة في التذكرة والمنتهى (٢). والأصل في ذلك قول النبي ٦ : « لا ثنيا في صدقة » (٣) وقول الصادق عليه‌السلام في حسنة زرارة : « لا يزكى المال من وجهين في عام واحد » (٤).

ثم إن قلنا باستحباب زكاة التجارة وجب القول بسقوطها ، لأن الواجب مقدم على الندب ، وإن قلنا بالوجوب قال الشيخ في الخلاف والمبسوط : تجب زكاة العينية دون التجارة ، لأن وجوبها متفق عليه ، ولأنها تتعلق بالعين فكانت أولى (٥). وقال بعض العامة : تقدم زكاة التجارة ، لأنها أحفظ للفقراء لتقويمها بالنقدين وعدم اختصاصها بعين دون عين (٦).

قال في المعتبر : والحجتان ضعيفتان ، أما الاتفاق على الوجوب فهو مسلم لكن القائل بوجوب زكاة التجارة يوجبها كما يوجب زكاة المال فلم يكن عنده رجحان ، وأما كونها مختصة بالعين فهو موضع المنع ، ولو سلم لم يكن في ذلك رجحان ، لاحتمال كون ما يلزم القيمة أولى ، وأما كونه أحظ للفقراء فلا نسلم وجوب مراعاة الأحظ للمساكين ، ولم لا تجب مراعاة الأحظ للمالك ، لأن الصدقة عفو المال ومواساة فلا تكون سببا لإضرار المالك ولا موجبة للتحكم في ماله (٧).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٤٩.

(٢) التذكرة ١ : ٢٢٩ ، والمنتهى ١ : ٥٠٩.

(٣) النهاية لابن الأثير ١ : ٢٢٤.

(٤) الكافي ٣ : ٥٢٠ ـ ٦ ، التهذيب ٤ : ٣٣ ـ ٨٥ ، الوسائل ٦ : ٦٧ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧ ح ١.

(٥) الخلاف ١ : ٣٤٧ ، المبسوط ١ : ٢٢٢.

(٦) كابن قدامة في المغني ٢ : ٦٢٧.

(٧) المعتبر ٢ : ٥٤٩.

١٧٧

الثالثة : لو عاوض أربعين سائمة بأربعين سائمة للتجارة سقط وجوب المالية والتجارة ، واستأنف الحول فيهما ، وقيل : بل تثبت زكاة المال مع تمام الحول دون التجارة ، لأن اختلاف العين لا يقدح في الوجوب مع تحقق النصاب في الملك ، والأول أشبه.

______________________________________________________

وحكى الشارح قولا في المسألة بتخيير المالك في إخراج أيهما شاء ، لتساويهما في الوجوب ، وامتناع الجمع بينهما ، وعدم المرجح لأحدهما (١). والأصح ما ذكره الشيخ من تقديم العينية ، لانتفاء الدليل على ثبوت زكاة التجارة مع وجوب العينية ، فإن الروايات المتضمنة لثبوت هذه الزكاة لا تعطي ذلك كما يظهر للمتتبع ، والله أعلم.

قوله : ( الثالثة ، لو عارض أربعين سائمة بأربعين سائمة للتجارة سقط وجوب المالية والتجارة واستأنف الحول فيهما ، وقيل : بل تثبت زكاة المال مع تمام الحول دون التجارة ، لأن اختلاف العين لا يقدح في الوجوب مع تحقق النصاب في الملك ، والأول أشبه ).

المراد أنه إذا كان عنده أربعون سائمة بعض الحول للتجارة ، ثم عارضها بمثلها للتجارة فإنّ ما مضى من الحول ينقطع بالنسبة إلى المالية والتجارة معا.

وإنما جعلنا التقييد بكونها للتجارة متعلقا بالأولى والثانية ، لأن الأولى لو كانت للقنية لم يكن لذكر سقوط التجارة وجه. أما سقوط المالية فالخلاف فيه مع الشيخ ، حيث ذهب إلى عدم سقوطها بتبدل النصاب بالجنس ، وقد تقدم الكلام فيه. وأما سقوط زكاة التجارة فهو اختيار المصنف هنا ظاهرا ، وفي المعتبر صريحا (٢) ، وغيره من الأصحاب (٣) ، إلاّ أن العلاّمة في التذكرة (٤) وولده‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٥٨.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٤٧.

(٣) كالعلامة في المنتهى ١ : ٥٠٩.

(٤) التذكرة ١ : ٢٢٩.

١٧٨

______________________________________________________

في الشرح (١) نقلا الإجماع على خلافه.

ومن ثم تكلّف الشارح حمل عبارة المصنف على ما لا ينافي الإجماع فحمل الأربعين الأولى على أنها للقنية وحمل سقوط التجارة على الارتفاع الأصلي وهو انتفاؤها قال : وغايته أن يكون مجازا ، وهو أولى من اختلال المعنى مع الحقيقة (٢). وهو حمل بعيد ، مع أنه لا ضرورة تلجى‌ء إليه.

واعلم أن المحقق الشيخ علي ـ رحمه‌الله ـ وجّه في حاشية الكتاب سقوط زكاة التجارة هنا بما لا ينافي الإجماع أيضا فقال : إن ما مضى من الحول ينقطع بالنسبة إلى المالية والتجارة معا ، أما المالية فلتبدل العين في أثناء الحول ، وأما التجارة فلأن حول المالية يبتدئ من حين دخول الثانية في ملكه ، فيمتنع اعتبار بعضه في حول التجارة ، لأن الحول الواحد كما لا يمكن اعتباره للزكاتين فكذا بعضه.

ويشكل بأن مقتضى العمومات ثبوت زكاة التجارة عند تمام حولها كما قطع به الشيخ (٣) ، والعلاّمة في جملة من كتبه (٤). والشهيد في البيان (٥) ، لخلوها من المعارض ، وعلى هذا فلا يجري النصاب في حول العينية إلاّ بعد تمام حول التجارة ، لامتناع احتساب الحول الواحد أو بعضه للزكاتين ، لاستلزامه الثنيا في الصدقة ، ويحتمل جريانه في حول العينية من حين الملك لاختلاف محل الزكاة ووقتها المقتضي لعدم تحقق الثنيا.

والتحقيق أن مقتضى الأدلة الدالة على ثبوت زكاة التجارة تعلقها بالمال بتمام الحول ، ومقتضى الأدلة الدالة على جريان النصاب في حول العينية جريانه‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ١٨٦.

(٢) المسالك ١ : ٥٨.

(٣) الخلاف ١ : ٣٤٤ ، المبسوط ١ : ٢٢٣ ، والاقتصاد : ٢٧٨.

(٤) التذكرة ١ : ٢٢٩ ، المنتهى ١ : ٥٠٧ ، ونهاية الأحكام ٢ : ٣٧١.

(٥) البيان : ١٩٠.

١٧٩

الرابعة : إذا ظهر في مال المضاربة الربح كانت زكاة الأصل على ربّ المال لانفراده بملكه ، وزكاة الربح بينهما ، تضمّ حصة المالك إلى ماله وتخرج منه الزكاة ، لأن رأس ماله نصاب.

ولا تستحب في حصة الساعي الزكاة إلاّ أن تكون نصابا.

______________________________________________________

من حين الملك ، فإن لم يثبت التنافي بين الزكاتين على هذا الوجه أخرج كلا منهما عند تمام حولها من حين الملك ، وإن ثبت امتناع ذلك ـ كما هو الظاهر ـ احتمل تقديم زكاة التجارة وعدم جريان النصاب في حول العينية إلاّ بعد تمام حول التجارة لسبقها ، خصوصا على القول بالوجوب ، ويحتمل تقديم العينية وجريان نصابها في الحول من حين الملك لقوتها ، ولما أشرنا إليه سابقا من انتفاء الدليل على ثبوتها فيما تجب فيه العينية ، فينقطع حول التجارة كما ذكره المحقق الشيخ علي ، ولعل هذا أرجح.

واعلم أن في قول المصنف : واستأنف الحول فيهما ، إشارة إلى أن زكاة التجارة وإن لم تجتمع مع المالية لكنها إنما تسقط عند تمام حول المالية وتحقق وجوبها لا من حين جريان النصاب في حول العينية ، وعلى هذا فيتساوق الحولان ، ومع اختلال شرائط المالية في أثناء الحول تثبت زكاة التجارة.

قوله : ( الرابعة ، إذا ظهر في مال المضاربة الربح كانت زكاة الأصل على رب المال لانفراده بملكه ، وزكاة الربح بينهما ، تضم حصة المالك إلى ماله وتخرج منه الزكاة ، لأن رأس ماله نصاب ، ولا تستحب في حصة الساعي الزكاة إلاّ أن تكون نصابا ).

المراد بالأصل قدر رأس المال ، وبالربح زيادة قيمة العروض على رأس المال ، وبالضمّ في قوله : تضمّ حصة المالك إلى ماله ، جعلهما كالمال الواحد وإخراج الزكاة منهما إذا جمعا الشرائط كما في المال الواحد ، لكن قوله : وتخرج منه الزكاة لأن رأس ماله نصاب ، غير جيد ، إذ لم يتقدم منه ما يدل على ذلك.

إذا تقرر ذلك فنقول : إذا دفع إنسان إلى غيره مالا قراضا على النصف‌

١٨٠