مدارك الأحكام - ج ٥

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

ويزكّى حاصل الزرع ، ثم لا تجب بعد ذلك فيه زكاة ، ولو بقي أحوالا. (١) ولا تجب الزكاة إلاّ بعد إخراج حصة السلطان والمؤن‌

______________________________________________________

الزكاة بالمتملك ، كما سيصرح به المصنف ـ رحمه‌الله ـ وإن لم ينم في ملكه.

وأما على القول بتعلق الوجوب بها ببدوّ الصلاح فلأن الثمرة إذا انتقلت بعد ذلك تكون زكاتها على الناقل قطعا وإن نمت في ملك المنتقل إليه. وكان الأوضح جعل الشرط كونها مملوكة وقت بلوغها الحد الذي تتعلق به الزكاة كما اقتضاه صريح كلام الفريقين.

قوله : ( ويزكّى حاصل الزرع ، ثم لا تجب بعد ذلك فيه زكاة ولو بقي أحوالا ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، بل قال المصنف في المعتبر : إن عليه اتفاق العلماء عدا الحسن البصري ، قال : ولا عبرة بانفراده (١). ويدل عليه مضافا إلى الأصل روايات : منها ما رواه الشيخ في الحسن ، عن زرارة وعبيد ابنه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « أيّما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدّقها فليس عليه فيه شي‌ء وإن حال عليه الحول عنده ، إلا أن يحوّله مالا ، فإن فعل فحال عليه الحول عنده فعليه أن يزكيه ، وإلاّ فلا شي‌ء عليه وإن ثبت ذلك ألف عام إذا كان بعينه قائما ، وإنما عليه صدقة العشر ، فإذا أدّاها مرة واحدة فلا شي‌ء عليه فيها حتى يحوّله مالا ويحول عليه الحول وهو عنده » (٢).

قوله : ( ولا تجب الزكاة إلاّ بعد إخراج حصة السلطان والمؤن‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٣٨.

(٢) التهذيب ٤ : ٤٠ ـ ١٠٢ ، الوسائل ٦ : ١٣٣ أبواب زكاة الغلات ب ١١ ح ١.

١٤١

كلها على الأظهر.

______________________________________________________

كلها على الأظهر ).

اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فقال الشيخ في المبسوط والخلاف : المؤن كلها على ربّ المال دون الفقراء (١) ، ونقل فيه في الخلاف الإجماع إلاّ من عطاء. وهو اختيار الفاضل يحيى بن سعيد في الجامع ، فإنه قال : والمؤنة على ربّ المال دون المساكين إجماعا إلاّ عطاء فإنه جعلها بينه وبين المساكين ، ويزكى ما خرج من النصاب بعد حق السلطان ، ولا يندر البذر لعموم الآية (٢) والخبر ، ولأن أحدا لا يندر ثمن الغراس وآلة السقي وأجرته كالدولاب والناضح ، ولا فارق بين الثمرة والغلّة (٣). وبذلك قطع جدي ـ قدس‌سره ـ في فوائد القواعد ، فإنه اعترف بأنه لا دليل على استثناء المؤن سوى الشهرة ، وقال : إن إثبات الحكم الشرعي بمجرد الشهرة مجازفة.

وقال الشيخ في النهاية باستثناء المؤن كلها (٤) ، واختاره ابن إدريس (٥) والمصنف (٦) والعلاّمة (٧). والمعتمد الأول.

لنا : قوله عليه‌السلام في عدّة أخبار صحيحة : « ما كان منه يسقى بالرشا والدوالي والنواضح ففيه نصف العشر ، وما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تاما » (٨) ولفظ : « ما » من صيغ العموم فيتناول ما قابل المؤنة وغيره.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢١٧ ، والخلاف ١ : ٣٢٩.

(٢) التوبة : ١٠٣.

(٣) الجامع للشرائع : ١٣٤.

(٤) النهاية : ١٧٨.

(٥) السرائر : ١٠٣.

(٦) المعتبر ٢ : ٥٤١ ، والشرائع ١ : ١٥٤ ، والمختصر النافع : ٥٧.

(٧) المختلف : ١٧٩ ، والقواعد ١ : ٥٥ ، والتحرير ١ : ٦٣.

(٨) الوسائل ٦ : ١٢٤ أبواب زكاة الغلات ب ٤.

١٤٢

______________________________________________________

وأظهر من ذلك دلالة ما رواه الشيخ في الحسن ، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنهما قالا له : هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ فقال : « كل أرض دفعها إليك السلطان فتاجرته (١) فيها فعليك فيما أخرج الله منها الذي قاطعك عليه وليس على جميع ما أخرج الله منها العشر ، إنما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك » (٢). وهذه الرواية كالصريحة في عدم استثناء شي‌ء مما يخرج من الأرض سوى المقاسمة ، إذ المقام مقام البيان واستثناء ما عسى أن يتوهم اندراجه في العموم.

احتج العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ في المنتهى على ما ذهب إليه من استثناء المؤن بأن النصاب مشترك بين المالك والفقراء فلا يختص أحدهم بالخسارة عليه كغيره من الأموال المشتركة ، وبأن المؤنة سبب الزيادة فتكون على الجميع ، وبأن إلزام المالك بالمؤنة كلها حيف عليه وإضرار به وهو منفيّ ، وبأن الزكاة في الغلاّت تجب في النماء والفائدة وهو لا يتناول المؤنة قال : ويؤيده ما رواه الشيخ في الحسن ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ويترك للحارس العذق والعذقان ، والحارس يكون في النخل ينطره فيترك ذلك لعياله » (٣) قال : وإذا ثبت ذلك في الحارس ثبت في غيره ، ضرورة عدم القائل بالفرق (٤).

وفي جميع هذه الأدلة نظر :

أما الأول فلأن اشتراك النصاب بين المالك والفقراء ليس على حد سائر‌

__________________

(١) في « ض » والمصدر : في الأصل : فتاجرته.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٦ ـ ٩٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٥ ـ ٧٠ ، الوسائل ٦ : ١٢٩ أبواب زكاة الغلات ب ٧ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ١٨ ـ ٤٧ ، الوسائل ٦ : ١١٩ أبواب زكاة الغلات ب ١ ح ٣.

(٤) المنتهى ١ : ٥٠٠.

١٤٣

______________________________________________________

الأموال المشتركة لتكون الخسارة على الجميع ، ولهذا جاز للمالك الإخراج من غير النصاب ، والتصرف فيه بمجرد الضمان ، ووجب عليه كل ما يتوقف عليه الدفع إلى المستحق من أجرة الكيّال والوزّان ، لتوقف الواجب عليه ، وذلك بعينه آت في أجرة الحصاد والتصفية ، على أن هذا الدليل إن تمّ فإنما يقتضي استثناء المؤنة المتأخرة عن تعلق الوجوب بالنصاب ، والمدّعى أعم من ذلك.

وأما الثاني فلمنع الملازمة ، إذ لا يلزم من كون المؤنة سببا في الزيادة وجوبها على الجميع ، بل ذلك نفس المدعى فكيف يجعل دليلا؟!.

وأما الثالث فلأن مثل هذا الإضرار غير ملتفت إليه في نظر الشرع ، وإلاّ لسقطت التكاليف كلها.

وأما الرابع فبطلانه أظهر من الجميع ، لأن متعلق الزكاة ما يخرج من الأرض وهو شامل لما قابل المؤنة وغيره.

وأما الرواية فنقول بموجبها ونمنع التعدي عن غير المنصوص. وقوله : إنه لا قائل بالفرق ، غير جيد ، فإن ذلك ثابت عند الجميع ، وقد صرح به من لا يعتبر المؤنة كما حكاه في التذكرة والمنتهى (١).

وبالجملة : فالمستفاد من النصوص الصحيحة وجوب الزكاة في جميع ما يخرج من الأرض بعد المقاسمة فيجب المصير إليه إلى أن يثبت المخصص.

ثم إن قلنا باستثناء المؤنة فهل يعتبر بعد النصاب فيزكي الباقي منه بعدها وإن قلّ؟ أم قبله فإن لم يبلغ الباقي بعدها نصابا فلا زكاة؟ أم يعتبر ما سبق على الوجوب كالسقي والحرث قبله ، وما تأخر كالحصاد والجذاذ بعده؟

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٢٠ ، المنتهى ١ : ٥٠٠.

١٤٤

______________________________________________________

أوجه ، أجودها الأول ، وبه قطع العلاّمة في التذكرة ، فإنه قال : الأقرب أن المؤنة لا تؤثر في نقصان النصاب وإن أثرت في نقصان الفرض ، فلو بلغ الزرع خمسة أوسق مع المؤنة وإذا سقطت المؤنة منه قصر عن النصاب وجبت الزكاة لكن لا في المؤنة بل في الباقي (١).

وجزم في المنتهى بالثاني فقال : المؤن تخرج وسطا من المالك والفقراء فما فضل وبلغ نصابا أخذ منه العشر أو نصفه (٢).

واستوجه الشارح الثالث ، ثم قال ـ قدس‌سره ـ : والمراد بالمؤن ما يغرمه المالك على الغلة مما يتكرر كل سنة عادة وإن كان قبل عامه كأجرة الفلاحة والحرث والسقي ، وأجرة الأرض وإن كانت غصبا ولم ينو إعطاء مالكها أجرتها ، ومؤنة الأجير ، وما نقص بسببه من الآلات والعوامل حتى ثياب المالك ونحوها ، ولو كان سبب النقص مشتركا بينها وبين غيرها وزّع ، وعين البذر إن كان من ماله المزكى ، ولو اشتراه تخير بين استثناء ثمنه وعينه ، وكذا مؤنة العامل المثلية ، أما القيمية فقيمتها يوم التلف ، ولو عمل معه متبرع لم تحتسب أجرته إذ لا تعدّ المنة مؤنة عرفا ، ولو زرع مع الزكوي غيره قسّط ذلك عليهما ، ولو زاد في الحرث عن المعتاد لزرع غير الزكوي بالعرض لم يحتسب الزائد ، ولو كانا مقصودين ابتداء وزّع عليهما ما يقصد لهما واختص أحدهما بما يقصد له ، ولو كان المقصود بالذات غير الزكوي ثم عرض قصد الزكوي بعد إتمام العمل لم يحتسب من المؤن ، ولو اشترى الزرع احتسب ثمنه وما يغرمه بعد ذلك دون ما سبق على ملكه ، وحصة السلطان من المؤن اللاحقة لبدوّ الصلاح فاعتبار النصاب قبله (٣). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وهو‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٢٠.

(٢) المنتهى ١ : ٥٠٠.

(٣) المسالك ١ : ٥٦.

١٤٥

وأما اللواحق ، فمسائل :

الأولى : كل ما سقي سيحا أو بعلا أو عذبا ففيه العشر ، وما سقي بالدوالي والنواضح ففيه نصف العشر.

______________________________________________________

تفصيل حسن لو ثبت مستنده (١).

قوله : ( وأما اللواحق فمسائل ، الأولى : كل ما سقي سيحا أو بعلا أو عذبا ففيه العشر ، وما سقي بالدوالي والنواضح ففيه نصف العشر ).

المراد بالسيح : الجريان ، سواء كان قبل الزرع كالنيل أم بعده. وبالبعل : ما يشرب بعروقه في الأرض التي تقرب من الماء. وبالعذي بكسر العين : ما سقته السماء. والدوالي : جمع دالية ، وهي الناعورة التي يديرها البقر. والنواضح : جمع ناضح ، وهو البعير يستقى عليه.

وهذا الحكم ـ أعني وجوب العشر في الأول ، وهو ما لا يحتاج في سقيه إلى آلة من دولاب ونحوه ، ونصف العشر في الثاني ـ مذهب العلماء كافة ، حكاه في المنتهى (٢) ، وقال في التذكرة : إنه لا خلاف فيه بين العلماء (٣). والأصل فيه الأخبار المستفيضة كصحيحة زرارة وبكير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال في الزكاة : « ما كان يعالج بالرشاء والدلاء والنضح ففيه نصف العشر ، وإن كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو نيل (٤) ففيه العشر كاملا » (٥).

__________________

(١) في « ض » ، « م » ، « ح » : لو ثبت أصل الحكم.

(٢) المنتهى ١ : ٤٩٨.

(٣) التذكرة ١ : ٢١٩.

(٤) كذا ، وفي المصدر : أو بعل.

(٥) التهذيب ٤ : ١٦ ـ ٤٠ ، الإستبصار ٢ : ١٥ ـ ٤٣ ، الوسائل ٦ : ١٢٥ أبواب زكاة الغلات ب ٤ ح ٥.

١٤٦

______________________________________________________

وصحيحة الحلبي قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام في الصدقة : « فيما سقت السماء والأنهار وإذا كان سيحا أو بعلا العشر ، وما سقت السواني (١) والدوالي أو سقي بالغرب (٢) فنصف العشر » (٣).

وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أوساق ـ والوسق ستون صاعا ، فذلك ثلاثمائة صاع ـ ففيه العشر ، وما كان منه يسقى بالرشا والدوالي والنواضح ففيه نصف العشر ، وما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تاما » (٤).

ويستفاد من هذه الروايات أن الفارق بين وجوب العشر ونصفه احتياج ترقية الماء إلى الأرض إلى آلة من دولاب ونحوه ، فمتى توقفت ترقية الماء إلى الأرض على ذلك كان الواجب فيها نصف العشر ، وإلاّ فالعشر. ولا عبرة بغير ذلك من الأعمال كحفر الأنهار والسواقي وإن كثرت مؤنتها ، لعدم اعتبار الشارع إياه.

واعلم أنه قد أورد على هذا التفصيل سؤال مشهور ، وهو أن الزكاة إذا كانت لا تجب إلاّ بعد إخراج المؤن فأيّ فارق بين ما كثرت مؤنته وقلّت حتى وجب في أحدهما العشر وفي الآخر نصفه؟!

ونقل عن المصنف ـ رحمه‌الله ـ أنه أجاب عنه في المسائل الطبرية بأن الأحكام متلقاة من الشرع المطهر ، وكثير من علل الشرع غير معلوم لنا ،

__________________

(١) السانية : الناضحة وهي الناقة التي يستقى عليها ـ الصحاح ٦ : ٢٣٨٤.

(٢) الغرب : الدلو العظيمة ـ الصحاح ١ : ١٩٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٣ ـ ٣ ، الوسائل ٦ : ١٢٥ أبواب زكاة الغلات ب ٤ ح ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ١٣ ـ ٣٤ ، الإستبصار ٢ : ١٤ ـ ٤٠ ، الوسائل ٦ : ١٢٠ أبواب زكاة الغلات ب ١ ح ٥.

١٤٧

وإن اجتمع فيه الأمران كان الحكم للأكثر.

______________________________________________________

فتكون علة الفرق نفس النص ، وبأن استعمال الأجراء على السقي والحفظة وأشباه ذلك كلفة متعلقة بالمالك زائدة على بذل الأجرة فناسبها التخفيف عن المالك.

وأجاب عنه في التذكرة والمنتهى أيضا بأن تقديم المؤنة من الكلفة فلهذا وجب نصف العشر (١).

ولا يخفى أن الجواب الأول إنما يتمّ بعد إثبات النص الدال على الفرق مع الاستثناء المذكور ، وهو منتف.

أما الأخيران فلا بأس بهما إلاّ أنهما إنما يصلحان توجيها للنص الدال على ذلك أما بدونه فلا. وبالجملة فهذه التفرقة من الشواهد القوية على عدم الاستثناء ، ومن ثم احتمل الشهيد في البيان إسقاط مؤنة السقي لأجل نصف العشر واعتبار ما عداها (٢). وعلى ما اخترناه من عدم الاستثناء فالإشكال مرتفع من أصله.

قوله : ( وإن اجتمع فيه الأمران كان الحكم للأكثر ).

هذا قول علمائنا وأكثر العامة (٣) ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الحسن ، عن معاوية بن شريح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « فيما سقت السماء والأنهار أو كان بعلا العشر ، وأما ما سقت السواني والدوالي فنصف العشر » قلت له : فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى سيحا؟ قال : « إن ذا ليكون عندكم كذلك »؟ قلت : نعم ، قال : « النصف والنصف ، نصف بنصف العشر ونصف بالعشر » فقلت : الأرض‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢١٩ ، المنتهى ١ : ٤٩٨.

(٢) البيان : ١٨٠.

(٣) كابني قدامة في المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٥٧ ، ٥٦٣.

١٤٨

______________________________________________________

تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى السقية والسقيتين سيحا؟ قال : « كم تسقى السقية والسقيتين سيحا؟ » قلت : في ثلاثين ليلة وأربعين ليلة وقد مضت قبل ذلك في الأرض ستة أشهر ، سبعة أشهر ، قال : « نصف العشر » (١).

واستدل عليه في التذكرة أيضا بأن اعتبار مقدار السقي وعدد مرّاته وقدر ما يشرب في كل سقية مما يشق ويتعذر فجعل الحكم للغالب ، كالطاعة إذا كانت غالبة على الإنسان كان عدلا وإن ندرت منه المعصية (٢).

وقال بعض العامة : يؤخذ مع الأغلب بالقسط كما يؤخذ مع التساوي ، فإن شرب بالسيح ثلث السقي مثلا كان في ثلثه العشر ، أو ربع السقي فالربع وهكذا (٣).

وهل الاعتبار في الأكثرية بالأكثر عددا أو زمانا أو نفعا ونموا؟ يحتمل الأول ، وهو الظاهر من العبارة لأنه المتبادر من الكثرة ، ولأن المؤنة إنما تكثر بسبب ذلك ، وهي الحكمة في اختلاف الواجب. ويحتمل الثاني لظاهر الرواية المتقدمة ، حيث أطلق فيها نصف العشر ورتبه على أغلبية الزمان من غير استفصال عن عدد السقيات في تلك المدة. واستقرب العلاّمة في جملة من كتب (٤) وولده في الشرح (٥) الثالث ، وعلله في التذكرة باقتضاء ظاهر‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٦ ـ ٤١ ، الإستبصار ٢ : ١٥ ـ ٤٤ ، الوسائل ٦ : ١٢٨ أبواب زكاة الغلات ب ٦ ح ١.

(٢) التذكرة ١ : ٢١٩.

(٣) كالغمراوي في السراج الوهاج : ١٢٢ ، وحكاه عن ابن حامد في الشرح الكبير لابن قدامة ٢ : ٥٦٣.

(٤) التذكرة ١ : ٢١٩ ، والقواعد ١ : ٥٥.

(٥) إيضاح الفوائد ١ : ١٨٣.

١٤٩

فإن تساويا أخذ من نصفه العشر ، ومن نصفه نصف العشر.

الثانية : إذا كان له نخيل أو زروع في بلاد متباعدة يدرك بعضها قبل بعض ضممنا الجميع ، وكان حكمها حكم الثمرة في الموضع الواحد. فما أدرك وبلغ نصابا أخذ منه ، ثم يؤخذ من الباقي قلّ أو كثر. وإن سبق ما لا يبلغ نصابا تربصنا في وجوب الزكاة إدراك ما يكمل نصابا ، سواء أطلع الجميع دفعة أو أدرك دفعة أو اختلف الأمران.

______________________________________________________

النص أن النظر إلى مدة عيش الزرع ونمائه أهو بأحدهما أكثر أو لا (١). وفي استفادة ذلك من النص نظر ، والأصح الأول.

قوله : ( فإن تساويا أخذ من نصفه العشر ، ومن نصفه نصف العشر ).

وذلك لأن دوام كل من الأمرين في جميع السنة يوجب مقتضاه ، فإذا وجد في نصفه أوجب نصفه ، فيجب عليه ثلاثة أرباع العشر ، قال في المنتهى : وهو إجماع العلماء (٢). واعتبار التساوي بالمدّة والعدد ظاهر ، أمّا بالنمو فيرجع فيه إلى أهل الخبرة ، فإن اشتبه الحال حكم بالاستواء.

قوله : ( الثانية ، إذا كان له نخيل أو زروع في بلاد متباعدة يدرك بعضها قبل بعض ضممنا الجميع وكان حكمها حكم الثمرة في الموضع الواحد ، فما أدرك وبلغ نصابا أخذ منه ، ثم يؤخذ من الباقي قل أو كثر ، وإن سبق ما لا يبلغ نصابا تربصنا في وجوب الزكاة إدراك ما يكمل نصابا ، سواء أطلع الجميع دفعة أو أدرك دفعة أو اختلف الأمران ).

المراد أن حكم النخيل والزرع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢١٩.

(٢) المنتهى ١ : ٤٩٨.

١٥٠

الثالثة : إذا كان له نخل يطلع مرة وآخر يطلع مرتين ، قيل : لا يضم الثاني إلى الأول ، لأنه في حكم ثمرة سنتين ، وقيل : يضم ، وهو‌

______________________________________________________

الواحد ، فإن بلغ بعضه الحد الذي يتعلق به الوجوب وكان نصابا أخذت منه الزكاة ، ثم أخذ من الباقي عند تعلق الوجوب به قلّ أو كثر ، وإن كان دون النصاب لم يؤخذ منه شي‌ء ، لعدم تعلق الوجوب بها ، بل يتربص إلى أن يدرك محل الوجوب ما يكمل نصابا فيؤخذ منه ثم يؤخذ من الباقي كما في الصورة الأولى ، فالمراد بالإدراك في قوله : فما أدرك وبلغ نصابا أخذ منه ، إدراك الحد الذي يتعلق به الوجوب. وفي قوله : سواء أطلع الجميع دفعة أو أدرك دفعة ، غير ذلك وهو انعقاد الثمرة أو بدوّ صلاحها. وهذا الحكم أعني وجوب ضمّ ثمر النخل والزرع إلى بعض سواء أطلع الجميع دفعة أو أدرك دفعة أو اختلف الأمران مجمع عليه بين المسلمين ، قاله في التذكرة (١).

وقال في المنتهى : لو كان له نخل يتفاوت إدراكه بالسرعة والبطء بأن يكون في بلدين قراح أحدهما أسخن من الآخر فتدرك الثمرة في الأسخن قبل إدراكها في الآخر ، فإنه يضمّ الثمرتان إذا كانا لعام واحد وإن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر ، لأن اشتراك إدراك الثمار في الوقت الواحد متعذر ، وذلك يقتضي إسقاط الزكاة غالبا ، ولا نعرف في هذا خلافا (٢). انتهى كلامه ـ رحمه‌الله ـ ويعلم من ذلك أن تسوية المصنف بين اطلاع الجميع دفعة وإدراكه دفعة واختلاف الأمرين بيان للواقع لا ردّ على مخالف ، كما ذكره جدي ـ قدس‌سره ـ في بعض حواشيه.

قوله : ( الثالثة ، إذا كان له نخل يطلع مرة وآخر يطلع مرتين قيل : لا يضم الثاني إلى الأول ، لأنه في حكم ثمرة سنتين ، وقيل :

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٢١.

(٢) المنتهى ١ : ٤٩٩.

١٥١

الأشبه.

الرابعة : لا يجزي أخذ الرطب عن التمر ، ولا العنب عن الزبيب. (٢)

______________________________________________________

يضم ، وهو الأشبه ).

القول بعدم الضمّ للشيخ في المبسوط ، محتجا بما ذكره المصنف من أنه في حكم ثمرة سنتين (١). وهو ممنوع ، إذ المفروض كونهما في عام واحد فيكونان كما لو اختلف وقت الانعقاد ، ومن ذلك يعلم أن الأصح ما اختاره المصنف وأكثر الأصحاب من وجوب الضم ، لأنهما ثمرة سنة واحدة فيتناولهما عموم قوله عليه‌السلام : « فيما سقت السماء العشر » (٢) ولا يخفى أنه لو قال المصنف ـ رحمه‌الله ـ : إذا كان له نخل يطلع في السنة مرتين قيل : لا يضمّ الثاني إلى الأول إلى آخره ، لكان أخصر وأظهر.

قوله : ( الرابعة ، لا يجزي أخذ الرطب عن التمر ، ولا العنب عن الزبيب ).

المراد أنه لا يجوز أخذ ذلك أصالة وإن بلغ قدر الواجب عند الجفاف ، أما أخذه بالقيمة السوقية فجائز إن سوّغنا إخراج القيمة من غير النقدين.

واستقرب العلاّمة في المنتهى إجزاء الرطب عن التمر إذا أخرج منه ما لو جفّ لكان بقدر الواجب ، لتسمية الرطب تمرا في اللغة (٣). وهو مشكل ، لأن الإطلاق أعم من الحقيقة ، ولأن ذلك لو تمّ لاقتضى جواز الإخراج منه مطلقا.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢١٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٢ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٣٨ ـ ٩٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٥ ـ ٧٣ ، الوسائل ٦ : ١٢٤ أبواب زكاة الغلات ب ٤ ح ١.

(٣) المنتهى ١ : ٥٠٢.

١٥٢

ولو أخذه الساعي وجفّ ثم نقص رجع بالنقصان.

الخامسة : إذا مات المالك وعليه دين فظهرت الثمرة وبلغت نصابا لم يجب على الوارث زكاتها. ولو قضى الدين وفضل منها النصاب لم تجب الزكاة ، لأنها على حكم مال الميت.

______________________________________________________

ولو أخرج الرطب أو العنب عن مثله جاز قطعا كما نص عليه في التذكرة (١) عملا بالإطلاق ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة سعد بن سعد في العنب : « إذا خرصه أخرج زكاته » (٢).

قوله : ( ولو أخذه الساعي وجف ثم نقص رجع بالنقصان ).

إنما كان للساعي الرجوع على المالك بالنقصان لعدم إجزاء أخذ الرطب عن التمر ، فإذا جفّ كان له أخذه من الواجب والرجوع على المالك بالنقصان ، ولو فضل منه شي‌ء رده على المالك ، ولو أراد المالك استرجاع الجميع ودفع بدله كان له ذلك أيضا.

قوله : ( الخامسة ، إذا مات المالك وعليه دين ثم ظهرت الثمرة وبلغت لم تجب زكاتها على الوارث ، ولو قضى الدين وفضل منها النصاب لم تجب الزكاة ، لأنها في حكم مال الميت ).

إذا مات المالك وكان عليه دين ، فإمّا أن يكون موته بعد تعلق الوجوب بالنصاب أو قبله ، وعلى الثاني فإمّا أن يكون موته قبل ظهور الثمرة أيضا أو بعده ، فهنا مسائل ثلاث :

الأولى : أن يتعلق الوجوب بالنصاب قبل الموت ، ويجب إخراجها من أصل المال إجماعا ، وفي تقديم الزكاة أو وجوب التحاصّ بين أرباب الزكاة‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢٢١.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٤ ـ ٥ ، الوسائل ٦ : ١١٩ أبواب زكاة الغلات ب ١ ح ١.

١٥٣

______________________________________________________

والديّان مع ضيق التركة قولان يأتي الكلام فيهما.

الثانية : أن يكون موته قبل ظهور الثمرة ثم تظهر وتبلغ الحدّ الذي يتعلق به الوجوب قبل أداء الدين ، فإن قلنا إن التركة لا تنتقل إلى الوارث بل تبقى على حكم مال الميت كما هو قول المصنف ومن قال بمقالته لم تجب الزكاة على الميت ، لأن الوجوب يسقط عنه بموته ، ولا على الوارث ، لانتفاء الملك كما هو المقدّر. وإن قلنا إنها تنتقل إلى الوارث كانت الثمرة له لحدوثها في ملكه والزكاة عليه ولا يتعلق بها الدين فيما قطع به الأصحاب لأنها ليست جزءا من التركة.

الثالثة : أن يكون موته بعد الظهور وقبل بلوغها الحدّ الذي يتعلق به الوجوب ثم تبلغ قبل أداء الدين ، فإن قلنا إن التركة على حكم مال الميت فلا زكاة على الميت ولا على الوارث لعدم الملك ، وإن قلنا بانتقالها إلى الوارث ففي وجوب الزكاة عليه أوجه ، ثالثها أنه إن تمكن من التصرف في النصاب ولو بأداء الدين من غير التركة وجبت الزكاة عليه ، وإلاّ فلا.

ثم إن قلنا بالوجوب فالأقرب أنه لا يغرم العشر للديّان ، لأن الوجوب قهري فهو كنقص القيمة السوقية والنفقة على التركة ، واستقرب الشهيد في البيان الغرم لسبق حق الديّان (١). وهو ضعيف.

وإذا قلنا بالتغريم ووجد الوارث مالا يخرجه عن الواجب فالأظهر عدم تعينه للإخراج لتعلق الزكاة بالعين فاستحق أربابها حصة منها. وقيل : يتعين ، لأنه لا فائدة في الإخراج من العين ثم الغرم (٢).

إذا تقرّر ذلك فاعلم أن قول المصنف ـ رحمه‌الله ـ : إذا مات المالك‌

__________________

(١) البيان : ١٦٩.

(٢) كما في التحرير ١ : ٢٨ ، والبيان : ١٦٩.

١٥٤

______________________________________________________

وعليه دين ، يقتضي بإطلاقه عدم الفرق في الدين بين المستوعب للتركة وغيره إلاّ أن الظاهر حمله على المستوعب كما ذكره في المعتبر (١) ، لأن الدين إذا لم يستوعب التركة ينتقل إلى الوارث ما فضل منها عن الدين عند المصنف بل وغيره أيضا ممن وصل إلينا كلامه من الأصحاب ، وعلى هذا فتجب زكاته على الوارث مع اجتماع شرائط الوجوب ، خصوصا إن قلنا إن الوارث إنما يمنع من التصرف فيما قابل الدين من التركة خاصة ، كما اختاره الشارح (٢) وجمع من الأصحاب.

وقوله : ولو قضى الدين وفضل منها النصاب لم تجب الزكاة ، تنبيه على الفرد الأخفى والمراد أنه لو اتفق زيادة قيمة أعيان التركة بحيث قضي منها الدين وفضل للوارث نصاب بعد أن كان الدين محيطا بها وقت بلوغها الحدّ الذي تتعلق به الزكاة لم تجب على الوارث ، لأن التركة كانت وقت تعلق الوجوب بها على حكم مال الميت. وإذا انتفى وجوب الزكاة مع قضاء الدين وبلوغ الفاضل النصاب وجب انتفاؤه بدون ذلك بطريق أولى.

وعلى هذا فلا يرد عليه ما ذكره بعض المحققين من أن مقتضى العبارة الفرق في الحكم مع عدم إحاطة الدين بالتركة بين القضاء وعدمه ، وهو غير مستقيم ، إذ المقتضي للوجوب تحقق الملك وقت تعلق الوجوب بالثمرة وليس للقضاء المتجدد بعد ذلك اعتبار. ثم حمل العبارة على أن المراد بقوله : ولو قضي الدين وفضل منها النصاب ، إمكان قضائه من التركة وبقاء قدر النصاب فيكون المراد أن الدين غير مستوعب للتركة ويكون قوله : إذا مات المالك وعليه دين ، منزّلا على أن الدين مستوعب (٣). وهذا الحمل مع بعده إنما يتم إذا قلنا ببقاء التركة على حكم مال الميت وإن لم يكن الدين‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٤٣.

(٢) المسالك ١ : ٥٧.

(٣) وهو المحقق الثاني في فوائده على الشرائع على ما نقله عنه صاحب الجواهر ١٥ : ٢٤٨.

١٥٥

ولو صارت ثمرا والمالك حي ثم مات وجبت الزكاة وإن كان دينه يستغرق تركته. ولو ضاقت التركة عن الدين ، قيل : يقع التحاصّ بين أرباب الزكاة والديّان ، وقيل : تقدم الزكاة لتعلقها بالعين قبل تعلق الدين بها ، وهو الأقوى.

______________________________________________________

محيطا بها ، والمصنف لا يقول بذلك ، بل القائل به غير معلوم ، والله أعلم.

قوله : ( ولو صارت ثمرا والمالك حي ثم مات وجبت الزكاة ولو كان دينه يستغرق تركته ، ولو ضاقت التركة عن الدين قيل : يجب التحاص بين أرباب الزكاة والديّان ، وقيل : تقدم الزكاة لتعلقها بالعين قبل تعلق الدين بها ، وهو الأقوى ).

أما وجوب إخراج الزكاة من أصل المال فمجمع عليه بين علمائنا وأكثر العامة (١) ، ويدل عليه ما رواه الكليني ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عباد بن صهيب ـ وقد وثّقه النجاشي (٢) ، لكن قال الشيخ : إنه بتري (٣) ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل فرّط في إخراج زكاته في حياته ، فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما كان فرّط فيه مما لزمه من الزكاة ثم أوصى أن يخرج ذلك فيدفع إلى من يجب له ، قال : « جائز يخرج ذلك من جميع المال ، إنما هو بمنزلة دين لو كان عليه ، ليس للورثة شي‌ء حتى يؤدّوا ما أوصى به من الزكاة » (٤).

وعن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن‌

__________________

(١) كالشافعي في الأم ٢ : ١٥.

(٢) رجال النجاشي : ٢٩٣ ـ ٧٩١.

(٣) رجال الطوسي : ١٣١ ـ ٦٦ ، و ٢٤٠ ـ ٢٧٧.

(٤) الكافي ٣ : ٥٤٧ ـ ١ ، الوسائل ٦ : ١٧٥ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢١ ح ١.

١٥٦

السادسة : إذا ملك نخلا قبل أن يبدو صلاح ثمرته فالزكاة عليه ، وكذا إذا اشترى ثمرة على الوجه الذي يصح.

______________________________________________________

عمّار قال ، قلت له : رجل يموت وعليه خمسمائة درهم من الزكاة ، وعليه حجة الإسلام ، وترك ثلاثمائة درهم ، فأوصى بحجة الإسلام وأن يقضى عنه دين الزكاة؟ قال : « يحج عنه من أقرب ما يكون ، وتخرج البقية في الزكاة » (١).

ولو ضاقت التركة عن الدين والزكاة فالأصح تقديم الزكاة إذا كان متعلقها موجودا في التركة ، لتعلقها بالعين قبل تعلق الدين بها. والقول بالتحاصّ بين أرباب الزكاة والديّان للشيخ في المبسوط (٢) ، وهو ضعيف. نعم لو عدم متعلق الزكاة وصارت في الذمة وجب التحاصّ قطعا ، لصيرورتها في الذمة فتجري مجرى غيرها من الديون.

قوله : ( السادسة ، إذا ملك نخلا قبل أن يبدو صلاح ثمرته فالزكاة عليه ، وكذا لو اشترى الثمرة على الوجه الذي يصح ).

بأن يكون بيعها بعد الظهور ، أو مع الضميمة ، أو كون البيع أزيد من عام. ولا خلاف في وجوب الزكاة على المشتري إذا انتقلت إليه قبل بلوغها الحدّ الذي تتعلق به الزكاة ، لعموم قوله عليه‌السلام : « ما كان منه يسقى بالرشا والدوالي والنواضح ففيه نصف العشر ، وما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر » (٣) وغير ذلك من الأخبار الكثيرة المتناولة بإطلاقها أو عمومها لهذه الصورة (٤). وذكر جمع من الأصحاب أن ثمن الثمرة من جملة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٧ ـ ٤ ، الوسائل ٦ : ١٧٦ أبواب المستحقين للزكاة ب ٢١ ح ٢.

(٢) المبسوط ١ : ٢١٩.

(٣) التهذيب ٤ : ١٣ ـ ٣٤ ، الإستبصار ٢ : ١٤ ـ ٤٠ ، الوسائل ٦ : ١٢٠ أبواب زكاة الغلات ب ١ ح ٥.

(٤) الوسائل ٦ : ١١٩ أبواب زكاة الغلات ب ١.

١٥٧

فإن ملك الثمرة بعد ذلك فالزكاة على المملّك ، والأولى الاعتبار بكونه تمرا ، لتعلق الزكاة بما يسمى تمرا ، لا بما يسمى بسرا.

السابعة : حكم ما يخرج من الأرض مما يستحب فيه الزكاة حكم‌

______________________________________________________

المؤن المستثناة كالبذر ، وقد تقدم الكلام في استثناء المؤن.

قوله : ( فإن ملك الثمرة بعد ذلك فالزكاة على المملك ، والأولى الاعتبار بكونه تمرا ، لتعلق الزكاة بما يسمى تمرا ، لا بما يسمى بسرا ).

لا ريب في وجوب الزكاة على المملّك إذا وقع التمليك بعد تعلق الوجوب بالنصاب ، لأصالة عدم سقوطه بذلك.

ثم إن كان التمليك بعد الضمان نفذ في الجميع ، وإن كان قبله نفذ في نصيبه ، وفي قدر الواجب يبنى على ما سلف ، فعلى الشركة يبطل البيع فيه ، وكذا على الرهن ، وعلى الجناية يكون البيع التزاما بالزكاة ، فإن أدّاها نفذ البيع ، وإلاّ تتّبع الساعي العين.

ولو باع المالك الجميع قبل إخراج الزكاة ثم أخرجها قال الشيخ : صحّ البيع في الجميع (١). واستشكله المصنف في المعتبر بأن العين غير مملوكة وإذا أدّى العوض ملكها ملكا مستأنفا فافتقر بيعها إلى إجازة مستأنفة كمن باع مال غيره ثم اشتراه (٢). وهو جيد ، وعلى هذا فلا ينفذ البيع في نصيب الزكاة إلاّ مع إجازة المالك بعد الإخراج.

قوله : ( السابعة ، حكم ما يخرج من الأرض مما يستحب فيه‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢١٩.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٦٣.

١٥٨

الأجناس الأربعة في قدر النصاب ، وكيفية ما يخرج منه ، واعتبار السقي.

______________________________________________________

الزكاة حكم الأجناس الأربعة في قدر النصاب ، وكمية ما يخرج منه ، واعتبار السقي ).

هذا الأحكام متفق عليها بين الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنه لا خلاف فيها بين أهل العلم (١). وتدل عليها روايات : منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن محمد بن إسماعيل قال ، قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إن لنا رطبا (٢) وأرزا فما الذي يجب علينا فيه؟ فقال : « أما الرطبة فليس عليك فيها شي‌ء ، وأما الأرز فما سقت السماء العشر وما سقي بالدلو فنصف العشر في كل ما كلت بالصاع ـ أو قال ـ : كيل بالمكيال » (٣).

وما رواه الشيخ عن زرارة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : في الذرة شي‌ء؟ قال لي : « الذرة والعدس والسّلت والحبوب فيها مثل ما في الحنطة والشعير ، وكل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي تجب فيها الزكاة فعليه فيها الزكاة » (٤).

واعلم أن المصنف ـ رحمه‌الله ـ لم يتعرض في هذا الكتاب لذكر الخرص وبيان أحكامه وربما كان وجهه قلة الأخبار الواردة في ذلك عن أئمة الهدى صلوات الله عليهم ، إذ لم يصل إلينا في ذلك سوى قول أبي الحسن عليه‌السلام في صحيحة سعد بن سعد الأشعري في العنب : « إذا خرصه أخرج زكاته » (٥) وقد نقل المصنف (٦) في المعتبر وغيره (٧) اتفاق علمائنا وأكثر‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٥١٠.

(٢) الرطب وزان قفل : المرعى الأخضر من بقول الربيع ـ المصباح المنير : ٢٢٩.

(٣) الكافي ٣ : ٥١١ ـ ٥ ، الوسائل ٦ : ٣٩ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٩ ح ٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٦٥ ـ ١٧٧ ، الوسائل ٦ : ٤١ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٩ ح ١٠.

(٥) الكافي ٣ : ٥١٤ ـ ٥ ، الوسائل ٦ : ١١٩ أبواب زكاة الغلات ب ١ ح ١.

(٦) المعتبر ٢ : ٥٣٥.

(٧) منهم الشيخ في الخلاف ١ : ٣٢٧ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٥٠٠.

١٥٩

______________________________________________________

العامة على جواز الخرص على أصحاب النخيل والكروم وتضمينهم حصة الفقراء ، لما روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يبعث إلى الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم (١) ، ولأن أرباب الثمار يحتاجون إلى الأكل والتصرف في ثمارهم فلو لم يشرع الخرص لزم الضرر.

واختلف الأصحاب في جواز الخرص في الزرع ، فأثبته الشيخ (٢) وجماعة ، لوجود المقتضي ، وهو الاحتياج إلى الأكل منه قبل يبسه وتصفيته. ونفاه ابن الجنيد (٣) والمصنف في المعتبر ، والعلاّمة في المنتهى والتحرير (٤) ، لأنه نوع تخمين وعمل بالظن فلا يثبت إلاّ في موضع الدلالة ، ولأن الزرع قد يخفى خرصه لاستتار بعضه وتبدده بخلاف النخل والكروم فإن ثمرتهما ظاهرة يتمكن الخارص من إدراكها والإحاطة بها ، ولأن الحاجة في النخل والكرم ماسّة إلى الخرص لاحتياج أربابها إلى تناولها غالبا رطبة قبل الجذاذ والاقتطاف ، بخلاف الزرع فإن الحاجة إلى تناول الفريك قليلة جدا. وقد ذكر المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر في هذه المسألة فروعا ونحن نوردها بألفاظه :

الأول : وقت الخرص حين يبدو صلاح الثمرة ، لأنه وقت الأمن على الثمرة من الجائحة غالبا ، ولما روي أن النبي عليه‌السلام كان يبعث عبد الله بن رواحة خارصا للنخل حين تطيب (٥).

الثاني : يجزي خارص واحد ، لأن الأمانة معتبرة فيه ، فلا تتطرق إليه‌

__________________

(١) سنن البيهقي ٤ : ١٢١.

(٢) الخلاف ١ : ٣٢٧.

(٣) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ٥٣٧.

(٤) المعتبر ٢ : ٥٣٧ ، والمنتهى ١ : ٥٠١ ، والتحرير ١ : ٦٣.

(٥) تفسير العياشي ١ : ١٤٩ ـ ٤٩٠ ، الوسائل ٦ : ١٤٢ أبواب زكاة الغلات ب ١٩ ح ٤.

١٦٠