مدارك الأحكام - ج ٥

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

أما لو جعل الدراهم والدنانير كذلك بعد حؤول الحول وجبت الزكاة إجماعا.

وأما أحكامها فمسائل :

الأولى : لا اعتبار باختلاف الرغبة مع تساوي الجوهرين ، بل يضمّ بعضها إلى بعض ، وفي الإخراج إن تطوّع بالأرغب ، وإلاّ كان له الإخراج من كل جنس بقسطه.

______________________________________________________

قوله : ( وأما أحكامها فمسائل ، الأولى : لا اعتبار باختلاف الرغبة مع تساوي الجوهرين ، بل يضم بعضها إلى بعض ، وفي الإخراج إن تطوع بالأرغب ، وإلاّ كان له الإخراج من كل جنس بقسطه ).

المراد بتساوي الجوهرين تساويهما في الجنسية ، ومعنى ضمّ بعضها إلى بعض أنه يجب ضمّ بعض أفراد الجنس إلى بعض وإن تفاوتت قيمتها ، كجيد الفضة ورديئها ، وعالي الذهب ودونه ، ولا ريب في ذلك ، لإطلاق‌ قوله عليه‌السلام : « في عشرين دينارا نصف دينار ، وفي كل مائتي درهم خمسة دراهم » (١) فإن ذلك شامل لمتساوي القيمة ومختلفها.

ثم إن تطوع المالك بإخراج الأرغب فقد زاد خيرا ، وإن ماكس كان له الإخراج من كل جنس بقسطه.

وقال الشيخ : إن ذلك على الأفضل أيضا ، فلو أخرج من الأدنى جاز ، لحصول الامتثال بإخراج ما يصدق عليه الاسم (٢). وأولى بالجواز ما لو أخرج الأدنى بالقيمة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٥ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ١٢ ـ ٣١ ، الوسائل ٦ : ٩٣ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١ ح ٤.

(٢) المبسوط ١ : ٢٠٩.

١٢١

الثانية : الدراهم المغشوشة لا زكاة فيها حتى يبلغ خالصها نصابا ،

______________________________________________________

ولو أخرج من الأعلى بقدر قيمة الأدون مثل أن يخرج ثلث دينار جيد قيمة عن نصف دينار أدون لم يجزئه ، لأن الواجب إخراج نصف دينار من العشرين فلا يجزي الناقص عنه ، واحتمل العلاّمة في التذكرة الإجزاء اعتبارا بالقيمة (١). وهو ضعيف.

قوله : ( الثانية ، الدراهم المغشوشة لا زكاة فيها حتى يبلغ خالصها نصابا ).

إنما اعتبر بلوغ الخالص ـ النصاب لأن الزكاة إنما تجب في الذهب والفضة لا في غيرهما من المعادن.

قال في المنتهى : ولو كان معه دراهم مغشوشة بذهب أو بالعكس وبلغ كل واحد من الغش والمغشوش نصابا وجبت الزكاة فيهما أو في البالغ (٢). وهو حسن.

ويجب الإخراج من كل جنس بحسابه ، فإن علمه وإلاّ توصّل إليه بالسبك.

ولو شك المالك في بلوغ الخالص النصاب قال في التذكرة : لم يؤمر بسبك ، ولا بالإخراج منها ، ولا من غيرها ، لأن بلوغ النصاب شرط ، ولم يعلم حصوله ، فأصالة البراءة لم يعارضها شي‌ء (٣). ونحوه قال في المعتبر (٤). وهو كذلك.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢١٦.

(٢) المنتهى ١ : ٤٩٤.

(٣) التذكرة ١ : ٢١٦.

(٤) المعتبر ٢ : ٥٢٥.

١٢٢

ثم لا تخرج المغشوشة عن الجياد.

الثالثة : إذا كان معه دراهم مغشوشة ، فإن عرف قدر الفضة أخرج الزكاة عنها فضة خالصة ، وعن الجملة منها. وإن جهل ذلك وأخرج عن جملتها من الجياد احتياطا جاز أيضا ، وإن ماكس ألزم تصفيتها ليعرف قدر الواجب.

______________________________________________________

قوله : ( ثم لا تخرج المغشوشة عن الجياد ).

لأن الواجب إخراج الخالص فلا يكون إخراج المغشوش مجزيا إلاّ إذا علم اشتماله على ما يلزمه من الخالص.

قوله : ( الثالثة ، إذا كان معه دراهم مغشوشة ، فإن عرف قدر الفضة أخرج الزكاة عنها فضة خالصة ، وعن الجملة منها ).

الواو هنا بمعنى أو ، والمراد أنه إذا كان مع المالك دراهم مغشوشة وبلغ خالصها نصابا جاز له أن يخرج عن قدر الفضة التي في الدراهم فضة خالصة ، أو يخرج ربع عشر المجموع ، إذ به يتحقق إخراج ربع عشر الخالص ، وهو إنما يتم مع تساوي قدر الغش في كل درهم ، وإلاّ تعيّن إخراج الخالص أو قيمته.

قوله : ( وإن جهل ذلك وأخرج عن جملتها من الجياد احتياطا جاز أيضا ، وإن ماكس ألزم تصفيتها ليعرف قدر الواجب ).

المراد أنه إذا علم بلوغ الخالص النصاب وجهل قدره فإن تطوع المالك بالإخراج عن جملة المغشوشة من الجياد كان جائزا ، بل هو أولى ، لما فيه من الاستظهار في براءة الذمة. وفي معناه ما إذا أخرج من الخالصة أو المغشوشة ما يحصل معه اليقين بالبراءة وإن لم يبلغ قدر زكاة الجملة.

وإن ماكس المالك في ذلك قال الشيخ : ألزم تصفيتها ، لعدم تيقن الخروج‌

١٢٣

الرابعة : مال القرض إن تركه المقترض بحاله وجبت الزكاة عليه دون المقرض ، ولو شرط المقترض الزكاة على المقرض ، قيل : يلزم الشرط ، وقيل : لا يلزم ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

من العهدة بدونه (١). واستوجه المصنف في المعتبر (٢) والعلاّمة في جملة من كتبه (٣) الاكتفاء بإخراج ما يتيقن اشتغال الذمة به وطرح المشكوك فيه ، عملا بأصالة البراءة ، وبأن الزيادة كالأصل فكما تسقط الزكاة مع الشك في بلوغ الصافي النصاب فكذا تسقط مع الشك في بلوغ الزيادة نصابا آخر. وهو حسن.

قوله : ( الرابعة ، مال القرض إن تركه المقترض بحاله وجبت الزكاة عليه دون المقرض ، ولو شرط المقترض الزكاة على المقرض قيل : يلزم الشرط ، وقيل : لا يلزم ، وهو الأشبه ).

أما وجوب الزكاة في مال القرض على المقترض دون المقرض فلا ريب فيه ، لأنه يملكه بالقبض فيجري مجرى غيره من أمواله. وإنما الخلاف فيما إذا شرط المقترض الزكاة على المقرض ، فذهب الأكثر إلى عدم لزوم الشرط ، لأن الزكاة إنما تتعلق بصاحب المال فلا يكون اشتراطها على غيره سائغا.

وقال الشيخ : يلزم الشرط وتجب زكاته على المقرض (٤). واستدل له في التذكرة بصحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول وهو عنده فقال : « إن كان الذي أقرضه‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢١٠.

(٢) المعتبر ٢ : ٥٢٥.

(٣) التذكرة ١ : ٢١٦ ، المنتهى ١ : ٤٩٤ ، التحرير ١ : ٦٢.

(٤) المبسوط ١ : ٢١٣.

١٢٤

الخامسة : من دفن مالا وجهل موضعه أو ورث مالا ولم يصل إليه ومضى عليه أحوال ثم وصل إليه زكّاه لسنة استحبابا.

______________________________________________________

يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه ، وإن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض » (١) ثم قال : إن الحديث لا يدل على مطلوبه (٢). وهو كذلك ، فإن أقصى ما يدل عليه جواز تبرع المقرض بالإخراج ، وهو لا يستلزم جواز اشتراط تعلق الوجوب به دون المالك.

واستقرب الشارح ـ قدس‌سره ـ لزوم الشرط لا بمعنى تعلق الوجوب بالمقرض ابتداء وسقوطه عن المقترض فإنه غير مشروع ، بل بمعنى تحمل المشروط عليه (٣) لها عن المديون وإخراجها من ماله عنه مع كون الوجوب متعلقا بالمقترض ، لأن المقرض لو تبرع بالإخراج لجاز على ما تضمنته الرواية فيجوز اشتراطه ، ثم إن وفي المقرض بالشرط سقطت عن المقترض وإلاّ تعين عليه الإخراج (٤). وهو حسن.

ومثل ذلك ما لو وجب على شخص أداء دين آخر بنذر وشبهه فإنه لا يسقط الوجوب عن المديون ، بل يتعلق الوجوب بهما ، فإن وفّى الأجنبي برئت ذمة المديون ، وإلاّ تعين عليه الأداء من ماله.

قوله : ( الخامسة ، من دفن مالا وجهل موضعه أو ورث مالا ولم يصل إليه ومضى عليه أحوال ثم وصل إليه زكّاه لسنة استحبابا ).

المراد بوصوله إليه تمكنه من قبضه بنفسه أو وكيله وإن لم يكن في يده ، وقد تقدم الكلام في هذه المسألة ولا يظهر لإعادتها وجه يعتد به.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٠ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٢ ـ ٨٣ ، الوسائل ٦ : ٦٧ أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧ ح ٢.

(٢) التذكرة ١ : ٢٠٣.

(٣) أثبتناها من « ح » والمصدر.

(٤) المسالك ١ : ٥٥.

١٢٥

السادسة : إذا ترك نفقة لأهله فهي معرّضة للإتلاف ، تسقط الزكاة عنها مع غيبة المالك ، وتجب لو كان حاضرا ، وقيل : تجب فيها على التقديرين ، والأول مروي.

______________________________________________________

قوله : ( السادسة ، إذا ترك نفقة لأهله فهي معرّضة للإتلاف ، تسقط الزكاة عنها مع غيبة المالك ، وتجب لو كان حاضرا ، وقيل : تجب فيها على التقديرين ، والأول مروي ).

موضع الخلاف ما إذا خلّف الغائب بيد عياله مالا للنفقة قدر النصاب فما زاد بحيث لا يعلم زيادته عن قدر الحاجة وحال عليه الحول. والقول بسقوط الزكاة عنه للشيخ (١) وجماعة (٢) ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه في الموثق ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام قال ، قلت له : رجل خلف عند أهله نفقة ، ألفين لسنتين ، عليها زكاة؟ قال : « إن كان شاهدا فعليه زكاة ، وإن كان غائبا فليس عليه زكاة » (٣).

وعن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت له : الرجل يخلف لأهله نفقة ، ثلاثة آلاف درهم نفقة سنتين ، عليه زكاة؟ قال : « إن كان شاهدا فعليها زكاة ، وإن كان غائبا فليس فيها شي‌ء » (٤).

وفي الروايتين قصور من حيث السند (٥) فيشكل التعلق بهما في إثبات‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢١٣ ، والنهاية : ١٧٨.

(٢) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ٥٣٠ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٢٠٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٩٩ ـ ٢٧٩ ، الوسائل ٦ : ١١٧ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٧ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٥٤٤ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ١٥ ـ ٤٣ ، التهذيب ٤ : ٩٩ ـ ٢٨٠ ، الوسائل ٦ : ١١٨ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٧ ح ٣.

(٥) ولعل وجه القصور أن الراوي في الأولى فطحي على ما ذكره الشيخ في الفهرست : ١٥ ـ ٥٢ ، وفي الثانية مشترك بين الضعيف والثقة ، على أن في طريقها سماعة وهو واقفي ـ راجع رجال الطوسي : ٣٥١ ، وإسماعيل بن مراد وهو مجهول.

١٢٦

السابعة : لا تجب الزكاة حتى يبلغ كل جنس نصابا ، ولو قصر كل جنس أو بعضها لم يجبر بالجنس الآخر ، كمن معه عشرة دنانير ومائة درهم ، أو أربعة من الإبل وعشرون من البقر.

______________________________________________________

حكم مخالف لمقتضى العمومات المتضمنة لوجوب الزكاة في ذلك في حالتي الغيبة والحضور ، ومن ثم ذهب ابن إدريس في سرائره إلى وجوب الزكاة فيه إذا كان مالكه متمكنا من التصرف فيه متى رامه كالمودّع والمنكوز (١).

والواجب المصير إليه إن لم نعمل بالرواية الموثقة المؤيدة بعمل الأصحاب.

وقول المصنف : إذا ترك نفقة لأهله فهي معرضة للإتلاف ، توجيه للحكمة في سقوط الزكاة في النفقة لا استدلال على الحكم ، فلا يرد عليه أن ذلك لا يصلح للمانعية وإلاّ لم تجب الزكاة على المرأة في المهر قبل الدخول لأنه معرّض للسقوط أو التشطير ، ولا في أجرة المسكن قبل انقضاء المدّة لأنه معرّض للخراب ونحوه.

قوله : ( السابعة ، لا تجب الزكاة حتى يبلغ كل جنس نصابا ، ولو قصر كل جنس أو بعضها لم يجبر بالجنس الآخر ، كمن معه عشرة دنانير ومائة درهم ، أو أربعة من الإبل وعشرون من البقر ).

هذا قول علمائنا أجمع حكاه في المنتهى (٢) (٣) ووافقنا عليه أكثر العامة (٤). وقال بعضهم : يضم الذهب والفضة ، لأنهما متفقان في كونهما أثمانا (٥). وقال آخرون : يضم الحنطة والشعير ، لاشتراكهما في كونهما قوتا (٦).

__________________

(١) السرائر : ١٠٣.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في الأصل.

(٣) المنتهى ١ : ٥٠٥.

(٤) حكاه في بداية المجتهد ١ : ٢٦٤.

(٥) حكاه في بداية المجتهد ١ : ٢٦٤ ، وقال به ابن قدامة في المغني ٢ : ٥٩٨.

(٦) حكاه في بداية المجتهد ١ : ٢٧٤.

١٢٧

______________________________________________________

ويدل على عدم تتميم الجنس بغيره مطلقا قوله عليه‌السلام : « ليس فيما دون عشرين مثقالا من الذهب شي‌ء » (١) « وليس في أقل من مائتي درهم شي‌ء » (٢) « وليس فيما دون الأربعين من الغنم شي‌ء » (٣) إلى غير ذلك من الروايات المتضمنة لاعتبار النصاب في الجنس الواحد.

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل عنده مائة وتسعة وتسعون درهما وتسعة عشر دينارا ، أيزكيها؟ فقال : « لا ، ليس عليه زكاة في الدراهم ولا في الدنانير حتى تتم » قال زرارة : وكذلك هو في جميع الأشياء. قال ، وقلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل كن عنده أربعة أينق وتسعة وثلاثون شاة وتسع وعشرون بقرة ، أيزكيهن؟ فقال : « لا يزكي شيئا منهن ، لأنه ليس شي‌ء منهن تاما ، فليس تجب فيه الزكاة » (٤).

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال ، قلت له : تسعون ومائة درهم وتسعة عشر دينارا ، أعليها في الزكاة شي‌ء؟ فقال : « إذا اجتمع الذهب والفضة فبلغ ذلك مائتي درهم ففيها الزكاة » (٥) لأنا نجيب عنها بالطعن في السند باشتماله على إسماعيل بن مرار وهو مجهول.

وأجاب عنها الشيخ في التهذيب باحتمال أن يكون أراد عليه‌السلام

__________________

(١) المتقدم في ص ١٠٩.

(٢) المتقدم في ص ١١٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٥ ـ ٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٣ ـ ٦٢ ، الوسائل ٦ : ٧٨ أبواب زكاة الأنعام ب ٦ ح ٢.

(٤) الفقيه ٢ : ١١ ـ ٣٢ ، الوسائل ٦ : ١٠١ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٥ ح ١.

(٥) التهذيب ٤ : ٩٣ ـ ٢٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٩ ـ ١٢١ ، الوسائل ٦ : ٩٣ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١ ح ٧.

١٢٨

______________________________________________________

بقوله : « إذا اجتمع الذهب والفضة فبلغ ذلك مائتي درهم » يعني الفضة خاصة ، ولا يكون « ذلك » راجعا إلى الذهب. وهو تأويل بعيد.

ثم قال : ويحتمل أن يكون هذا الخبر خاصا بمن جعل ماله أجناسا مختلفة كل واحد منها لا تجب فيه الزكاة فرارا من لزوم الزكاة ، فإنه متى فعل ذلك لزمته الزكاة عقوبة (١).

واستدل على هذا التأويل بما رواه عن إسحاق بن عمار أيضا ، قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير ، أعليها (٢) زكاة؟ فقال : « إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة » قلت : لم يفرّ بها ورث مائة درهم وعشرة دنانير ، قال : « ليس عليه زكاة » قلت : فلا تكسر الدراهم على الدنانير ، ولا الدنانير على الدراهم؟ قال : « لا » (٣) وهذا الحمل جيد لو صح سند الخبرين ، لكنهما ضعيفا السند ، فيتعين المصير إلى ما عليه الأصحاب من عدم الضمّ مطلقا.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٩٣.

(٢) كذا ، وفي المصدر : أعليه.

(٣) التهذيب ٤ : ٩٤ ـ ٢٧٠ ، الإستبصار ٢ : ٤٠ ـ ١٢٢ ، الوسائل ٦ : ١٠٢ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٥ ح ٣.

١٢٩

القول في زكاة الغلات

والنظر في :

الجنس ، والشروط ، واللواحق‌

أما الأول : فلا تجب الزكاة فيما يخرج من الأرض ، إلا في الأجناس الأربعة : الحنطة والشعير والتمر والزبيب. لكن يستحب فيما عدا ذلك من الحبوب ، مما يدخل المكيال والميزان ، كالذرة والأرز والعدس والماش والسلت والعلس.

وقيل : السلت كالشعير ، والعلس كالحنطة في الوجوب ، والأول أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( أما الأول ، فلا تجب الزكاة فيما يخرج من الأرض إلا في الأجناس الأربعة : الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، لكن تستحب فيما عدا ذلك من الحبوب مما يدخل المكيال والميزان ، كالذرة والأرز والعدس والماش ).

قد تقدم الكلام في هاتين المسألتين مفصّلا فلا وجه لإعادته (١)

قوله : ( والسّلت والعلس ، وقيل : السلت كالشعير ، والعلس كالحنطة في الوجوب ، والأول أشبه ).

__________________

(١) راجع ص ٤٥ ، ٤٨.

(٢) المبسوط ١ : ٢١٧ ، والخلاف ١ : ٣٢٨.

(٣) كالعلامة في القواعد ١ : ٥٥.

١٣٠

وأما الشرط : فالنصاب وهو خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعا ،

______________________________________________________

القول للشيخ (١) ـ رحمه‌الله ـ وجمع من الأصحاب(٢) ، واختاره‌ الشارح ـ قدس‌سره ـ واستدل عليه بنص أهل اللغة على أن العلس نوع من الحنطة ، والسّلت نوع من الشعير (٣).

وهو جيد لو ثبت الإطلاق عليهما حقيقة لكنه غير ثابت ، مع أن مقتضى كلام ابن دريد في الجمهرة المغايرة ، فإنه قال : السّلت حبّ يشبه الشعير أو هو بعينه.

وقال أيضا : العلس حبة سوداء تخبز في الجدب أو تطبخ.

قوله : ( وأما الشرط ، فالنصاب ، وهو خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعا ).

هذا الشرط مجمع عليه بين الأصحاب ، ويدل عليه روايات :

منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عبيد الله الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ليس فيما دون الخمسة أوساق شي‌ء ، والوسق ستون صاعا » (٤).

وفي الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « ما‌

__________________

(١) المسالك ١ : ٥٦.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨ ـ ٤٨ ، الإستبصار ٢ : ١٨ ـ ٥٤ ، الوسائل ٦ : ١٢٠ أبواب زكاة الغلات ب ١ ح ٦.

(٣) المسالك ١ : ٥٦

(٤) التهذيب ٤ : ١٨/٤٨ ، الاستبصار ٢ : ١٨/٥٤ ، الوسائل ٦ : ١٢٠ ، ابواب زكاة الغلات ب ١ ح ٦

١٣١

والصاع تسعة أرطال بالعراقي ، وستة بالمدني.

______________________________________________________

أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أوساق ـ والوسق ستون صاعا ، فذلك ثلاثمائة صاع ـ ففيه العشر.

وما كان منه يسقى بالرشا والدوالي والنواضح ففيه نصف العشر ، وما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تاما ، وليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي‌ء.

وليس فيما أنبتت الأرض شي‌ء إلاّ في هذه الأربعة أشياء » (١).

وما رواه الكليني ـ رحمه‌الله ـ عن عدة من أصحابه (٢) ، عن أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن سعد بن سعد الأشعري ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن أقل ما تجب عليه الزكاة من البرّ والشعير والتمر والزبيب ، فقال : « خمسة أوساق بوسق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

فقلت : كم الوسق؟ قال : « ستون صاعا ».

قلت : فهل على العنب زكاة ، أو إنما تجب عليه إذا صيّره زبيبا؟ قال : « نعم إذا خرصه أخرج زكاته » (٣).

قوله : ( والصاع تسعة أرطال بالعراقي ، وستة بالمدني ).

أما أنه ستة أرطال بالمدني فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « كان رسول الله صلى الله عليه‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٣ ـ ٣٤ ، الإستبصار ٢ : ١٤ ـ ٤٠ ، الوسائل ٦ : ١٢٠ أبواب زكاة الغلات ب ١ ح ٥.

(٢) في « م » و « ح » : من أصحابنا.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٤ ـ ٥ ، الوسائل ٦ : ١١٩ أبواب زكاة الغلات ب ١ ح ١.

١٣٢

______________________________________________________

وآله يتوضأ بمدّ ويغتسل بصاع ، والمدّ رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال » (١).

قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ : يعني أرطال المدينة فيكون تسعة أرطال بالعراقي (٢).

وأما أنه تسعة أرطال بالعراقي فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن أيوب بن نوح أنه كتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام : وقد بعثت لك العام عن كل رأس من عيالي بدرهم على قيمة تسعة أرطال بدرهم ، فكتب إليه عليه‌السلام جوابا محصوله التقرير على ذلك (٣).

والمراد بالأرطال هنا العراقية لأنها أرطال بلادهم ، وهي عبارة عن الصاع لأنه الواجب في الفطرة.

ويدل على التقديرين صريحا ما رواه ابن بابويه في كتابه من لا يحضره الفقيه ـ مع ضمانه صحة ما فيه ـ عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمداني وكان معنا حاجا ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام على يد أبي : جعلت فداك إن أصحابنا اختلفوا في الصاع بعضهم يقول : الفطرة بصاع المدني ، وبعضهم يقول : بصاع العراقي فكتب إليّ عليه‌السلام : « الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة بالعراقي » قال : وأخبرني أنه يكون بالوزن ألفا ومائة وسبعين وزنة (٤).

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٣٦ ـ ٣٧٩ ، الإستبصار ١ : ١٢١ ـ ٤٠٩ ، الوسائل ١ : ٣٣٨ أبواب الوضوء ب ٥٠ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ١٣٧.

(٣) التهذيب ٤ : ٩١ ـ ٢٦٥ ، الوسائل ٦ : ٢٤٠ أبواب زكاة الفطرة ب ٩ ح ٣.

(٤) الفقيه ٢ : ١١٥ ـ ٤٩٣ ، الوسائل ٦ : ٢٣٦ أبواب الفطرة ب ٧ ح ١.

١٣٣

وهو أربعة أمداد. والمد رطلان وربع.

فيكون النصاب ألفين وسبعمائة رطل بالعراقي.

______________________________________________________

قوله : ( وهو أربعة أمداد ، والمد رطلان وربع ، فيكون النصاب ألفين وسبعمائة رطل بالعراقي ).

أما أن الصاع أربعة أمداد فهو قول العلماء كافة ، حكاه في المنتهى (١) ، ويدل عليه قول الصادق عليه‌السلام في عدّة روايات صحيحة : « والصاع أربعة أمداد » (٢) وفي صحيحة زرارة المتقدمة : « والمدّ رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال ».

وأما أن المدّ رطلان وربع بالعراقي فهو قول معظم الأصحاب (٣). ونقل عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي أنه قال : المدّ رطل وربع (٤). وردّه العلاّمة في التحرير بأنه تعويل على رواية ضعيفة (٥). والأصح الأول ، لأن النصاب شرط ولا يعلم حصوله إلاّ مع التقدير الأعلى فيجب الوقوف عليه ، ولقول أبي جعفر في صحيحة زرارة المتقدمة : « والمدّ رطل ونصف » : يعني بأرطال المدينة.

واختلف الأصحاب في مقدار الرطل العراقي ، فذهب الأكثر ومنهم الشيخان (٦) ، وابن بابويه في من لا يحضره الفقيه (٧) إلى أن وزنه مائة وثلاثون‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٩٧.

(٢) الوسائل ٦ : ٢٣٦ أبواب زكاة الفطرة ب ٧.

(٣) منهم ابن البراج في المهذب ١ : ١٦٦ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٤٩٧ ، والشهيد الأول في البيان : ١٧٨.

(٤) حكاه عنه في المعتبر ٢ : ٥٣٣.

(٥) التحرير ١ : ٦٢.

(٦) المفيد في المقنعة : ٤١ ، والشيخ في التهذيب ٤ : ٨٣.

(٧) الفقيه ٢ : ١١٥.

١٣٤

______________________________________________________

درهما ، أحد وتسعون مثقالا. وقال العلاّمة في التحرير وموضع من المنتهى : إن وزنه مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، تسعون مثقالا (١).

ويدل على الأول مضافا إلى عدم تيقن حصول الشرط بدونه رواية جعفر بن إبراهيم الهمداني المتقدمة حيث قال فيها : وأخبرني أنه يكون بالوزن ألفا ومائة وسبعين وزنة (٢).

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : هذا التقدير تحقيق لا تقريب ، فلو نقصت الغلّة عن الخمسة الأوسق ولو قليلا فلا زكاة ، لقوله عليه‌السلام : « وليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي‌ء » (٣).

وحكى العلاّمة في التذكرة عن بعض العامّة قولا بأن هذا التقدير تقريب ، فإن نقص قليلا وجبت الزكاة ، لأن الوسق في اللغة : الحمل ، وهو يزيد وينقص. ثم ردّه بأنا إنما اعتبرنا التقدير الشرعي لا اللغوي (٤).

الثاني : قال في المنتهى : النصب معتبرة بالكيل بالأصواع ، واعتبر الوزن للضبط والحفظ ، فلو بلغ النصاب بالكيل والوزن معا وجبت الزكاة قطعا ، ولو بلغ بالوزن دون الكيل فكذلك ، ولو بلغ بالكيل دون الوزن كالشعير فإنه أخف من الحنطة مثلا لم تجب الزكاة على الأقوى. وقال بعض الجمهور : تجب. وليس بالوجه (٥). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ ومرجعه إلى‌

__________________

(١) التحرير ١ : ٦٢ ، والمنتهى ١ : ٤٩٧.

(٢) في ص ١٣٣.

(٣) التهذيب ٤ : ١٣ ـ ٣٤ ، الإستبصار ٢ : ١٤ ـ ٤٠ ، الوسائل ٦ : ١٢٠ أبواب زكاة الغلات ب ١ ح ٥.

(٤) التذكرة ١ : ٢١٨.

(٥) المنتهى ١ : ٤٩٧.

١٣٥

وما نقص فلا زكاة فيه ، وما زاد فيه الزكاة ولو قلّ.

______________________________________________________

اعتبار الوزن خاصة وهو كذلك ، إذ التقدير الشرعي إنما وقع به لا بالكيل ، ومع ذلك فهذا البحث لا جدوى له في هذا الزمان إذ لا سبيل إلى معرفة قدر الصاع إلاّ بالوزن.

الثالث : قال في التذكرة : النصاب المعتبر ـ وهو خمسة أوسق ـ إنما يعتبر وقت جفاف التمرة ويبس العنب والغلّة ، فلو كان الرطب خمسة أوسق أو العنب أو الغلّة ولو جفّت تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا نقص فلا زكاة إجماعا وإن كان وقت تعلق الوجوب نصابا. ثم قال : أما ما لا يجفّ مثله وإنما يؤكل رطبا كالهلباث (١) والبربن وشبههما من الدّقل فإنه تجب فيه الزكاة أيضا لقوله عليه‌السلام : « فيما سقت السماء العشر » (٢) وإنما تجب فيه إذا بلغ خمسة أوسق تمرا. وهل يعتبر بنفسه أو بغيره من جنسه؟ الأقرب الأول وإن كان تمره يقل ، ثم نقل عن الشافعية وجها بأنه يعتبر بغيره (٣). ولا ريب في ضعفه. ولو لم يصدق على اليابس من ذلك النوع اسم التمر أو الزبيب اتجه سقوط الزكاة فيه مطلقا.

قوله : ( وما نقص فلا زكاة فيه ، وما زاد ففيه الزكاة وإن قلّ ).

أما أنه لا زكاة في الناقص فظاهر ، لقوله عليه‌السلام في عدّة روايات : « وليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي‌ء » (٤) وأما وجوب الزكاة في الزائد عن النصاب وإن قلّ فقال في المنتهى : إنه لا خلاف فيه بين العلماء (٥). وقد تقدم من الأخبار ما يدل عليه ، ومن هنا يعلم أن للغلاّت نصابا واحدا وهو خمسة أوسق ، وعفوا واحدا وهو ما نقص عن ذلك.

__________________

(١) الهلباث : ضرب من التمر ـ راجع لسان العرب ٢ : ١٩٨.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٣ ـ ٣ ، الوسائل ٦ : ١٢٥ أبواب زكاة الغلات ب ٤ ح ٢.

(٣) التذكرة ١ : ٢١٩.

(٤) الوسائل ٦ : ١١٩ أبواب زكاة الغلات ب ١.

(٥) المنتهى ١ : ٤٩٨.

١٣٦

والحدّ الذي تتعلق به الزكاة من الأجناس أن يسمى حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا ، وقيل : بل إذا احمرّ ثمر النخل ، أو اصفرّ ، أو انعقد الحصرم ، والأول أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( والحدّ الذي تتعلق به الزكاة من الأجناس أن يسمى حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا ، وقيل : بل إذا أحمر ثمر النخل أو اصفر ، أو انعقد الحصرم ، والأول أشبه ).

اختلف الأصحاب في الحدّ الذي تتعلق فيه الزكاة بالغلات ، فقال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ : ويتعلق الوجوب بالحبوب إذا اشتدت وبالثمار إذا بدا صلاحها (١). وبه قال أكثر الأصحاب. وقال بعض علمائنا : إنما تجب الزكاة فيه إذا سمّي حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا (٢). وهو اختيار المصنف ـ رحمه‌الله ـ في كتبه الثلاثة (٣). قال في المنتهى : وكان والدي ـ رحمه‌الله ـ يذهب إلى هذا (٤).

وحكى الشهيد في البيان عن ابن الجنيد والمصنف أنهما اعتبرا في الثمرة التسمية عنبا أو تمرا (٥).

احتج العلاّمة في المنتهى على ما ذهب إليه من تعلق الوجوب بالحبوب إذا اشتدت وبالثمار إذا بدا صلاحها بأنه قد ورد وجوب الزكاة في العنب إذا بلغ خمسة أوساق زبيبا ، وبأن النص يتناول الحنطة والشعير والتمر والزبيب ولا ريب في تسمية الحب إذا اشتدّ بالحنطة والشعير ، وفي تسمية البسر‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢١٤.

(٢) كالعلامة في المختلف : ١٧٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٥٣٤ ، والمختصر النافع : ٥٧.

(٤) المنتهى ١ : ٤٩٩.

(٥) البيان : ١٨١.

١٣٧

______________________________________________________

بالتمر ، فإن أهل اللغة نصّوا على أن البسر نوع من التمر ، وكذا نصّوا على أنّ الرطب نوع من التمر (١). وهو جيد إن ثبت الإطلاق حقيقة ، لكنه محل نظر ، أما الدليل الأول فلا بأس به ، لكنه إنما يدل على تعلق الوجوب بالعنب كما هو المنقول عن ابن الجنيد والمصنف ، لا على تعلق الوجوب به من حين انعقاد الحصرم. وقد ورد بذلك روايتان : روى إحداهما الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن سعد بن سعد الأشعري ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن أقلّ ما يجب فيه الزكاة من البرّ والشعير والتمر والزبيب فقال : « خمسة أوساق بوسق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت : كم الوسق؟ قال : « ستون صاعا » فقلت : فهل على العنب زكاة أو إنما يجب عليه إذا صيّره زبيبا؟ قال : « نعم إذا خرصه أخرج زكاته » (٢).

والأخرى رواها الشيخ ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد ، عن الحسين ، عن النضر ، عن هشام ، عن سليمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ليس في النخل صدقة حتى تبلغ خمسة أوساق ، والعنب مثل ذلك حتى يبلغ خمسة أوساق زبيبا » (٣) والروايتان معتبرتا الإسناد ، بل الظاهر صحتهما فيتعين العمل بهما.

وتظهر فائدة الخلاف في التصرف في النصاب بعد بدوّ الصلاح وقبل أن يصير إلى أحد هذه الأقسام ، فإنه إنما يجوز على قول الشيخ ومن تابعه بعد الخرص والتضمين ، وعلى قول المصنف ومن قال بمقالته يجوز مطلقا ، وفيما‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٩٩.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٤ ـ ٥ ، الوسائل ٦ : ١١٩ أبواب زكاة الغلات ب ١ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ١٨ ـ ٤٦ ، الإستبصار ٢ : ١٨ ـ ٥٢ ، الوسائل ٦ : ١٢٠ أبواب زكاة الغلات ب ١ ح ٧.

١٣٨

ووقت الإخراج في الغلّة إذا صفت ، وفي التمر بعد اخترافه ، وفي الزبيب بعد اقتطافه.

______________________________________________________

إذا نقلها إلى غيره في هذه الحالة فإن الزكاة تجب على الناقل على الأول ، وعلى المنقول إليه على الثاني.

قوله : ( ووقت الإخراج في الغلة إذا صفت ، وفي التمر بعد اخترافه ، وفي الزبيب بعد اقتطافه ).

اختراف التمر بالخاء المعجمة : اجتناؤه ، ومثله الاقتطاف للعنب ، وفي جعل ذلك وقت الإخراج تجوّز ، وإنما وقته عند يبس الثمرة وصيرورتها تمرا أو زبيبا ، وهذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، بل قال في المنتهى : اتفق العلماء كافة على أنه لا يجب الإخراج في الحبوب إلاّ بعد التصفية ، وفي التمر إلاّ بعد التشميس والجفاف (١). ونحوه قال في التذكرة (٢).

والظاهر أن المراد بوقت الإخراج الوقت الذي إذا أخرت الزكاة عنه مع التمكن من إخراجها تصير مضمونة ، أو الوقت الذي يسوغ للساعي فيه مطالبة المالك بالإخراج ، لا الوقت الذي لا يجوز تقديم الزكاة عليه ، لتصريحهم بجواز مقاسمة الساعي المالك الثمرة قبل الجذاذ ، وإجزاء دفع الواجب على رؤوس الأشجار. ويدل على الجواز مضافا إلى العمومات خصوص قوله عليه‌السلام في صحيحة سعد بن سعد الأشعري : « إذا خرصه أخرج زكاته » (٣).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٩٩.

(٢) التذكرة ١ : ٢١٩.

(٣) المتقدمة في ص ١٣٨.

١٣٩

ولا تجب الزكاة في الغلات إلا إذا ملكت بالزراعة ، لا بغيرها من الأسباب ، كالابتياع والهبة.

______________________________________________________

قوله : ( ولا تجب الزكاة في الغلات إلاّ إذا ملكت بالزراعة ، لا بغيرها من الأسباب ، كالابتياع والهبة ).

لا يخفى ما في عنوان هذا الشرط من القصور وإيهام خلاف المقصود ، إذ مقتضاه عدم وجوب الزكاة فيما يملك بالابتياع والهبة مطلقا ، وهو غير مراد قطعا ، لأنه مخالف لإجماع المسلمين كما اعترف به المصنف (١) وغيره (٢) ، ولما سيجي‌ء في كلام المصنف من التصريح بوجوب الزكاة في جميع ما ينتقل إلى الملك من ذلك قبل تعلق الوجوب به (٣).

واعتذر الشارح ـ قدس‌سره ـ عن ذلك بأن المراد بالزراعة في اصطلاحهم انعقاد الثمرة في الملك ، وحمل الابتياع والهبة الواقعين في العبارة على ما حصل من ذلك بعد تحقق الوجوب (٤). وهذا التفسير إنما يناسب كلام القائلين بتعلق الوجوب بها بالانعقاد ، أما على قول المصنف فيكون المراد بها تحقق الملك قبل تعلق الوجوب بها.

وجعل المصنف في النافع والمعتبر (٥) ، والعلاّمة في جملة من كتبه (٦) موضع هذا الشرط نموّ الغلّة والثمرة في الملك. وهو غير جيد أيضا ، أما على ما ذهب إليه المصنف من عدم وجوب الزكاة في الغلاّت إلاّ بعد تسميتها حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا فظاهر ، لأن تملكها قبل ذلك كاف في تعلق‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٣٨.

(٢) كالعلامة في المنتهى ١ : ٤٩٧.

(٣) الشرائع ١ : ١٥٥.

(٤) المسالك ١ : ٥٦.

(٥) المختصر النافع : ٥٧ ، والمعتبر ٢ : ٥٣٨.

(٦) التذكرة ١ : ٢١٩ ، والمنتهى ١ : ٤٩٧ ، والتحرير ١ : ٦٣.

١٤٠