مدارك الأحكام - ج ٥

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٩

مخاض وتسع شياه.

والنصاب المجتمع من المعز والضأن ، وكذا من البقر والجاموس ، وكذا من الإبل العراب والبخاتي ، تجب فيه الزكاة.

______________________________________________________

أحوال وجب عليه بنت مخاض وتسع شياه ).

إنما وجب عليه في الحولين بنت مخاض وخمس شياه لأن بنت المخاض هي الفريضة في الحول الأول فتبقى خمسة وعشرون والواجب فيها خمس شياه ، وفي الحول الثالث ينقص من النصاب قيمة الشياه الخمس فتجب فيها أربع شياه وهكذا ، لكن لا يخفى أن ذلك مقيد بما إذا كان النصاب بنات مخاض أو مشتملا عليها أو قيمة الجميع بنات مخاض ، أما لو انتفت الفروض فإن كانت زائدة عن قيمة بنت المخاض أمكن أن نفرض خروج قيمة بنت المخاض عن الحول الأول من جزء واحدة من النصاب ويبقى منها قيمة خمس شياه عن الحول الثاني فيجب في الثالث خمس شياه أيضا ، ولو كانت ناقصة عن قيمة بنت المخاض نقص النصاب في الحول الثاني عن خمس وعشرين فيجب فيه أقل من خمس شياه كما لا يخفى.

قوله : ( والنصاب المجتمع من المعز والضأن ، وكذا من البقر والجاموس ، وكذا من الإبل العراب والبخاتي ، تجب فيه الزكاة ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب وغيرهم (١) حتى قال العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ في التذكرة والمنتهى : إنه لا يعرف فيه خلافا (٢). واستدل عليه بإطلاق اسم الغنم والبقر والإبل لغة وعرفا على كل من الصنفين.

ويدل على وجوب الزكاة في الجاموس صريحا ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت له : في‌

__________________

(١) كالشافعي في الأم ٢ : ٨ ، وابن قدامة في المغني ٢ : ٤٥٩.

(٢) التذكرة ١ : ٢٠٩ ، المنتهى ١ : ٤٨٨.

١٠١

والمالك بالخيار في إخراج الفريضة من أي الصنفين شاء.

ولو قال رب المال : لم يحل على مالي الحول أو قد أخرجت‌

______________________________________________________

الجاموس شي‌ء؟ قال : « مثل ما في البقر » (١).

والعراب بكسر العين والبخاتي بفتح الباء جمع بختي بضمها هي الإبل الخراسانية.

قوله : ( والمالك بالخيار في إخراج الفريضة من أي الصنفين شاء ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في جواز الإخراج من أحد الصنفين بين ما إذا تساوت قيمتهما أو اختلفت ، وبهذا التعميم جزم المصنف في المعتبر (٢) والعلاّمة في جملة من كتبه (٣). وهو متجه ، لصدق الامتثال بإخراج مسمى الفريضة ، وانتفاء ما يدل على اعتبار ملاحظة القيمة مطلقا كما اعترف به الأصحاب في النوع المتحد.

واعتبر الشهيدان التقسيط مع اختلاف القيمة (٤) ، وهو أحوط ، وعلى هذا فلو كان عنده عشرون بقرة وعشرون جاموسة وقيمة المسنّة من أحدهما اثنا عشر ومن الآخر خمسة عشر أخرج مسنّة من أي الصنفين شاء قيمتها ثلاثة عشر ونصف.

واحتمل في البيان أنه يجب في كل صنف نصف مسنّة أو قيمته (٥) ، وهو بعيد.

قوله : ( ولو قال رب المال : لم يحل على مالي الحول أو قد‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٤ ـ ٣٦ ، الوسائل ٦ : ٧٧ أبواب زكاة الأنعام ب ٥ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٥١٦.

(٣) المنتهى ١ : ٤٨٥ ، القواعد ١ : ٥٤ ، إرشاد الأذهان ( مجمع الفائدة ) ٤ : ١٢٧.

(٤) الشهيد الأول في الدروس : ٥٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٥٤.

(٥) البيان : ١٧٦.

١٠٢

ما وجب عليّ ، قبل منه ولم يكن عليه بينة ولا يمين. (١) ولو شهد عليه شاهدان قبل.

وإذا كان للمالك أموال متفرقة كان له إخراج الزكاة من أيّها شاء

______________________________________________________

أخرجت ما وجب عليّ قبل منه ولم يكن عليه بينة ولا يمين ).

يدل على ذلك ما صحّ عن الصادق عليه‌السلام : « إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال لعامله في جملة من كلامه : قل لهم يا عباد الله أرسلني إليكم وليّ الله لآخذ منكم حق الله في أموالكم ، فهل لله في أموالكم من حق فتؤدّوه إلى وليّه؟ فإن قال لك قائل : لا ، فلا تراجعه ، وإن أنعم لك منهم منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلاّ خيرا » (١).

قوله : ( ولو شهد عليه شاهدان قبل ).

سواء كان في حؤول الحول أو عدم الإخراج ، أما في حؤول الحول فظاهر ، لأنه إثبات فلا مانع من تعلق الشهادة به ، وأما عدم الإخراج فإنما تقبل الشهادة به إذا انحصر على وجه ينضبط ، كما لو ادعى المالك إخراج شاة معينة في وقت معين فيشهد الشاهدان بموتها قبل ذلك الوقت أو خروجها عن ملكه قبله وهو في الحقيقة يرجع إلى الإثبات.

قوله : ( وإذا كان للمالك أموال متفرقة كان له إخراج الزكاة من أيها شاء ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين ما إذا تساوت القيمة أو اختلفت ، وهو كذلك ، لما بيّنّاه فيما سبق من أن الواجب إخراج ما يصدق عليه اسم الفريضة (٢). واعتبر الشارح التقسيط هنا إن لم يتبرع المالك بدفع‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٦ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٩٦ ـ ٢٧٤ ، المقنعة : ٤٢ ، الوسائل ٦ : ٨٨ أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ١.

(٢) راجع ص ٥٢ ، ١٠٢.

١٠٣

ولو كانت السنّ الواجبة في النصاب مريضة لم يجب أخذها وأخذ غيرها بالقيمة. (١) ولو كان كله مراضا لم يكلّف شراء صحيحة.

ولا تؤخذ الربى ، وهي الوالد إلى خمسة عشر يوما ،

______________________________________________________

الأجود (١). ولعله أحوط.

قوله : ( ولو كانت السن الواجبة في النصاب مريضة لم يجز أخذها وأخذ غيرها بالقيمة ).

قد سبق في كلام المصنف ـ رحمه‌الله ـ أنه لا تؤخذ المريضة ولا الهرمة ولا ذات العوار ، وقد كان في ذلك كفاية عن ذكر هذه المسألة ، ولعل وجه ذكرها على الخصوص التنبيه على عموم المنع وإن انحصرت السنّ الواجبة في المريضة. والحاصل أنه متى كان في النصاب صحيحة لم تجز المريضة ، لإطلاق النهي عن إخراجها (٢) بل يتعين إخراج الصحيح.

قوله : ( ولو كان كله مراضا لم يكلف شراء صحيحة ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، وأسنده في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وحكى عن بعض العامة قولا بوجوب شراء الصحيحة ، لإطلاق قوله عليه‌السلام : « لا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار » (٣) ، ثم أجاب عنه بالحمل على ما إذا كان في النصاب صحاحا لأنه المتعارف (٤). ولا بأس به وإن كان المصير إلى هذا القول محتملا.

قوله : ( ولا تؤخذ الربى ، وهي الوالد إلى خمسة عشر يوما ،

__________________

(١) المسالك ١ : ٥٤.

(٢) راجع ص ٩٤.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ ـ ١٨٠٥ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩.

(٤) المنتهى ١ : ٤٨٥.

١٠٤

وقيل : إلى خمسين.

______________________________________________________

وقيل : إلى خمسين ).

قال الجوهري : الربّى على فعلى بالضم : التي وضعت حديثا ، وجمعها رباب بالضم ، والمصدر رباب بالكسر ، وهو قرب العهد بالولادة تقول : شاة ربّى بيّنة الرّباب ، وعنز رباب. قال الأزهري (١) : هي ربّى ما بينها وبين شهر (٢). وقال أبو زيد : الربّى من المعز. وقال غيره : من المعز والضأن ، وربما جاء في الإبل أيضا (٣).

ولم أقف على مستند للتحديد بالخمسة عشر يوما ولا بالخمسين.

وفسر الصادق عليه‌السلام الربّى في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج بأنها « التي تربّي اثنين » وقال : إنه ليس فيها صدقة (٤).

وعلل المصنف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر (٥) والعلاّمة في جملة من كتبه (٦) المنع من أخذ الربّى بأن في أخذها إضرارا بولدها ، ونصا على جواز أخذها إذا رضي المالك.

واستوجه الشارح كون العلّة في المنع المرض ، لأن النفساء مريضة ، ومن ثم لا يقام عليها الحد ، قال : وعلى هذا فلا يجزي إخراجها وإن رضي المالك (٧). ولا ريب أن إخراج غيرها أحوط.

__________________

(١) في المصدر الأموي.

(٢) في المصدر : شهرين.

(٣) الصحاح ١ : ١٣١.

(٤) الكافي ٣ : ٥٣٥ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ١٤ ـ ٣٧ ، السرائر : ٤٨٤. الوسائل ٦ : ٨٤ أبواب زكاة الأنعام ب ١٠ ح ١.

(٥) المعتبر ٢ : ٥١٤.

(٦) التذكرة ١ : ٢١٤ ، والمنتهى ١ : ٤٨٥.

(٧) المسالك ١ : ٥٤.

١٠٥

ولا الأكولة ، وهي السمينة المعدة للأكل ، ولا فحل الضّراب.

______________________________________________________

قوله : ( ولا الأكولة ، وهي السمينة المعدة للأكل ، ولا فحل الضراب ).

لقوله عليه‌السلام في موثقة سماعة : « لا تؤخذ الأكولة ـ والأكولة الكبيرة من الشاة تكون في الغنم ـ ولا والد ، ولا الكبش الفحل » (١) وعلله العلاّمة في المنتهى بأن في تسلط الساعي على أخذهما إضرارا بالمالك فكان منفيا ، وبقوله عليه‌السلام لمصدّقه : « إياك وكرائم أموالهم » (٢) والفحل المعدّ للضراب من كرائم الأموال ، إذ لا يعدّ للضراب في الغالب إلاّ الجيد من الغنم ، ثم قال : ولو تطوع المالك بإخراج ذلك جاز بلا خلاف ، لأن النهي عن ذلك ينصرف إلى الساعي لتفويت المالك النفع وللإرفاق به ، لا لعدم إجزائهما (٣).

واختلف الأصحاب في عدّ الأكولة وفحل الضراب ، فظاهر الأكثر عدمهما ، وصرح المصنف في النافع (٤) والشهيد في اللمعة (٥) بالعدم. وربما كان مستنده ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « ليس في الأكيلة ولا في الرّبّى ـ التي تربّي اثنين ـ ولا شاة لبن ، ولا فحل الغنم صدقة » (٦) وهي غير صريحة في المطلوب ، لاحتمال أن يكون المراد بنفي الصدقة فيها عدم أخذها في الصدقة ، لا عدم تعلق الزكاة بها ، بل ربما تعين المصير إلى هذا الحمل‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٥ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ١٤ ـ ٣٨ ، الوسائل ٦ : ٨٤ أبواب زكاة الأنعام ب ١٠ ح ٢.

(٢) سنن الدارمي ١ : ٣٨٤.

(٣) المنتهى ١ : ٤٨٥.

(٤) المختصر النافع : ٥٦.

(٥) اللمعة الدمشقية : ٥٠.

(٦) الفقيه ٢ : ١٤ ـ ٣٧ ، الوسائل ٦ : ٨٤ أبواب زكاة الأنعام ب ١٠ ح ١.

١٠٦

ويجوز أن يدفع من غير غنم البلد وإن كان أدون قيمة ، ويجزي الذكر والأنثى ، لتناول الاسم له.

______________________________________________________

لاتفاق الأصحاب ظاهرا على عدّ شاة اللبن والرّبّى.

واستقرب الشهيد في البيان عدم عدّ الفحل خاصة ، إلاّ أن تكون كلها فحولا أو معظمها فيعدّ (١). والمسألة محل إشكال ، ولا ريب أن عدّ الجميع أولى وأحوط.

قوله : ( ويجوز أن يدفع من غير غنم البلد وإن كان أدون قيمة ، ويجزي الذكر والأنثى ، لتناول الاسم له ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين زكاة الإبل والغنم ، وهو كذلك ، وذهب الشارح إلى أنه لا يجزي في زكاة الغنم أخذ الأدون إلاّ بالقيمة (٢). وهو أحوط.

__________________

(١) البيان : ١٧٦.

(٢) المسالك ١ : ٥٤.

١٠٧

القول في زكاة الذهب والفضة

ولا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين دينارا ففيه عشرة قراريط ، ثم ليس في الزائد شي‌ء حتى يبلغ أربعة دنانير ففيها قيراطان ، ولا زكاة فيما دون عشرين مثقالا ، ولا فيما دون أربعة ، ثم كلما زاد المال أربعة ففيها قيراطان بالغا ما بلغ.

وقيل : لا زكاة في العين حتى تبلغ أربعين ففيها دينار ، والأول أشهر.

______________________________________________________

قوله : ( القول في زكاة الذهب والفضة ، ولا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين دينارا ففيه عشرة قراريط ، ثم ليس في الزائد شي‌ء حتى يبلغ أربعة دنانير ففيها قيراطان ، ولا زكاة فيما دون عشرين مثقالا ، ولا فيما دون أربعة دنانير ، ثم كلما زاد المال أربعة ففيها قيراطان بالغا ما بلغ ، وقيل : لا زكاة في العين حتى تبلغ أربعين ففيها دينار ، والأول أشهر ).

القول لعلي بن بابويه (١) ـ رحمه‌الله ـ وحكاه المصنف في المعتبر عن‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ١٧٨.

١٠٨

______________________________________________________

أبي جعفر بن بابويه وجماعة من أصحاب الحديث (١) ، والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عما أخرج من المعدن من قليل وكثير هل فيه شي‌ء؟ قال : « ليس فيه شي‌ء حتى يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا » (٢).

وفي الموثق ، عن زرارة وبكير ابني أعين : أنهما سمعا أبا جعفر عليه‌السلام يقول في الزكاة : « أما في الذهب فليس في أقل من عشرين دينارا شي‌ء ، فإذا بلغت عشرين دينارا ففيه نصف دينار » (٣).

وما رواه الكليني ـ رضي‌الله‌عنه ـ في الموثق ، عن عليّ بن عقبة وعدّة من أصحابنا ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام ، قالا : « ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شي‌ء ، فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة وعشرين ، فإذا كملت أربعة وعشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية وعشرين ، فعلى هذا الحساب كلما زاد أربعة » (٤).

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٢٣.

(٢) التهذيب ٤ : ١٣٨ ـ ٣٩١ ، الوسائل ٦ : ٣٣٤ أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٤ : ١٢ ـ ٣٣ ، الوسائل ٦ : ٩٤ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١ ح ١١.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٥ ـ ٣ ، الوسائل ٦ : ٩٣ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١ ح ٥.

١٠٩

______________________________________________________

وعن أبي عيينة (١) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا جاوزت الزكاة العشرين دينارا ففي كل أربعة دنانير عشر دينار » (٢).

وعن الحسين بن بشّار ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام في كم وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الزكاة؟ فقال : « في كل مائتي درهم خمسة دراهم ، وإن نقصت فلا زكاة فيها ، وفي الذهب في كل عشرين دينارا نصف دينار. وإن نقص فلا زكاة فيها » (٣).

ويشهد لهذا القول أيضا ما رواه الكليني في الصحيح ، عن الحلبي ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الذهب والفضة ، ما أقل ما يكون فيه الزكاة؟ قال : « مائتا درهم ، وعدلها من الذهب » (٤).

وفي الحسن ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذهب ، كم فيه من الزكاة؟ فقال : « إذا بلغ قيمته مائتي درهم فعليه الزكاة » (٥).

دلت الروايتان على وجوب الزكاة في الذهب إذا بلغت قيمته مائتي درهم ، وذلك عشرون دينارا ، لأن قيمة كل دينار في ذلك الزمان كانت عشرة دراهم على ما نص عليه الأصحاب (٦) وغيرهم (٧) ، ولذلك خيّر الشارع في‌

__________________

(١) في « م » : أبو عيينة ، وفي « ض » و « ح » : أبو عتيبة.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٦ ـ ٤ ، الوسائل ٦ : ٩٣ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١ ح ٦.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٦ ـ ٦ ، الوسائل ٦ : ٩٢ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١ ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٦ ـ ٧ ، الوسائل ٦ : ٩٢ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٥١٦ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ١٠ ـ ٢٨ ، الإستبصار ٢ : ١٣ ـ ٣٨ ، الوسائل ٦ : ٩٢ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١ ح ٢.

(٦) كالمحقق في المعتبر ٢ : ٥٢٥ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٤٩٢.

(٧) كالكاساني في بدائع الصنائع ٢ : ١٨.

١١٠

______________________________________________________

أبواب الديات والجنايات بينهما ، وجعلهما على حد سواء.

احتج ابن بابويه على ما نقل عنه (١) بما رواه محمد بن مسلم وأبو بصير وبريد والفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنهما قالا : « في الذهب في كل أربعين مثقالا مثقال ، وفي الورق في كل مائتين خمسة دراهم ، وليس في أقل من أربعين مثقالا شي‌ء » (٢).

وهذه الرواية مروية في التهذيب والاستبصار بطريق فيه عليّ بن الحسن بن فضّال ، وقيل : إنه فطحي (٣). لكن روى الشيخ في الصحيح ، عن زرارة نحو ذلك فإنه قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل عنده مائة درهم وتسعة وتسعون درهما وتسعة وثلاثون دينارا أيزكيها؟ فقال : « لا ، ليس عليه شي‌ء من الزكاة في الدراهم ولا في الدنانير حتى يتم أربعين ، والدراهم مائتي درهم » (٤).

وأجاب الشيخ في التهذيب عن الرواية الأولى بأن قوله عليه‌السلام : « وليس في أقل من أربعين مثقالا شي‌ء » يجوز أن يكون أراد به دينارا ـ واحدا ، لأن قوله : « شي‌ء » يحتمل الدينار ولما يزيد عليه ولما ينقص عنه وهو يجري مجرى المجمل الذي يحتاج إلى تفصيل. قال : وإذا كنا روينا الأحاديث المفصلة في أن في كل عشرين نصف دينار ، وفيما يزيد عليه في كل أربعة دنانير عشر دينار حملنا قوله عليه‌السلام : « وليس فيما دون الأربعين‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ١٧٨.

(٢) التهذيب ٤ : ١١ ـ ٢٩ ، الإستبصار ٢ : ١٣ ـ ٣٩ ، الوسائل ٦ : ٩٤ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١ ح ١٣.

(٣) قال به النجاشي في رجاله : ٢٥٧ ـ ٦٧٦.

(٤) التهذيب ٤ : ٩٢ ـ ٢٦٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٨ ـ ١١٩ ، الوسائل ٦ : ٩٥ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١ ح ١٤.

١١١

ولا زكاة في الفضة حتى تبلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم. ثم كلما زادت أربعين كان فيها درهم ، وليس فيما ينقص عن الأربعين زكاة. كما ليس فيما ينقص عن المائتين.

______________________________________________________

دينارا شي‌ء » أنه أراد به دينارا واحدا ، لأنه متى نقص عن الأربعين إنما يجب فيه دون الدينار ، فأما قوله في أول الخبر : « في كل أربعين مثقالا مثقال » ليس فيه تناقض لما قلناه ، لأن عندنا أنه يجب فيه دينار وإن كان هذا ليس بأول نصاب ، وإذا حملنا هذا الخبر على ما قلناه كنّا قد جمعنا بين هذه الأخبار على وجه لا تنافي بينها (١). هذا كلامه رحمه‌الله.

ولا يخفى ما في هذا التأويل من البعد وشدة المخالفة للظاهر. ويمكن حمل هذه الرواية على التقية ، لأنها موافقة لمذهب بعض العامة (٢) ، وإن كان أكثرهم على الأول (٣).

وأجاب عنها المصنف في المعتبر بأن ما تضمن اعتبار العشرين أشهر في النقل وأظهر في العمل فكان المصير إليه أولى ، ثم نقل ما ذكره الشيخ من التأويل وقال : وهذا التأويل عندي بعيد ، وليس الترجيح إلاّ بما ذكرناه (٤). وهو حسن.

قوله : ( ولا زكاة في الفضة حتى تبلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، ثم كلما زادت أربعين ففيها درهم ، وليس فيما ينقص عن الأربعين زكاة ، كما ليس فيما ينقص عن المائتين ).

أما أنه لا تجب الزكاة في الفضة حتى تبلغ مائتي درهم فإذا بلغت ذلك‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١١.

(٢) كما نقله ابن قدامة في المغني ٢ : ٥٩٧.

(٣) كالشافعي في الأم ٢ : ٤٠ ، والقرطبي في بداية المجتهد ١ : ٢٥٥ ، وابن قدامة في المغني ٢ : ٥٩٩ ، والشربيني في مغني المحتاج ١ : ٣٨٩.

(٤) المعتبر ٢ : ٥٢٤.

١١٢

والدرهم ستة دوانيق ، والدانق : ثماني حبّات من أوسط حب الشعير.

______________________________________________________

وجب فيها خمسة دراهم فقال المصنف في المعتبر : إنه قول علماء الإسلام (١). وقد تقدم من النص ما يدل عليه (٢).

وأما أنه لا زكاة في الزائد على المائتين حتى تبلغ أربعين فيجب فيها درهم فقال في المنتهى : إنه قول علمائنا أجمع (٣). ويدل عليه روايات : منها ما رواه الكليني في الصحيح ، عن الحلبي ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الذهب والفضة ، ما أقل ما يكون فيه الزكاة؟ قال : « مائتا درهم ، وعدلها من الذهب » قال : وسألته عن النيف ، الخمسة والعشرة ، قال : « ليس عليه شي‌ء حتى يبلغ أربعين ، يعطي من كل أربعين درهما درهم » (٤).

وما رواه الشيخ في الموثق ، عن زرارة وبكير أنهما سمعا أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « وليس في أقل من مائتي درهم شي‌ء ، فإذا بلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، فما زاد فبحساب ذلك ، وليس في مائتي درهم وأربعين درهما غير درهم إلاّ خمسة دراهم ، فإذا بلغت أربعين ومائتي درهم ففيها ستة دراهم ، فإذا بلغت ثمانين ومائتين ففيها سبعة دراهم ، وما زاد فعلى هذا الحساب » (٥).

قوله : ( والدرهم ستة دوانيق ، والدانق ثماني حبات من أوسط حب الشعير ).

لا خفاء في أن الواجب حمل الدرهم الواقع في النصوص الواردة عن‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٢٩.

(٢) في ص ١١١.

(٣) المنتهى ١ : ٤٩٣.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٦ ـ ٧ ، الوسائل ٦ : ٩٦ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٢ ح ١.

(٥) التهذيب ٤ : ١٢ ـ ٣٣ ، الوسائل ٦ : ٩٧ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٢ ح ١٠.

١١٣

______________________________________________________

أئمة الهدى صلوات الله عليهم على ما هو المتعارف في زمانهم عليهم‌السلام ، وقد نقل الخاصة (١) والعامة (٢) أن قدر الدرهم في ذلك الزمان ستة دوانيق ، ونص عليه جماعة من أهل اللغة (٣). وأما أن وزن الدانق ثماني حبات من أوسط حبّ الشعير فمقطوع به في كلام الأصحاب (٤) ، والظاهر أن أخبارهم كاف في ذلك ، لكن روى الشيخ في التهذيب ، عن سليمان بن حفص المروزي ، عن أبي الحسن عليه‌السلام أنه قال : « والدرهم ستة دوانيق ، والدانق وزن ست حبّات ، والحبّة وزن حبتي شعير من أوساط الحبّ ، لا من صغاره ، ولا من كباره » (٥).

ومقتضى الرواية أن وزن الدانق اثنتا عشرة حبّة من أوساط حبّ الشعير ، لكنها ضعيفة السند بجهالة الراوي.

قال العلاّمة في التحرير : والدراهم في صدر الإسلام كانت صنفين بغلية وهي السود كل درهم ثمانية دوانيق ، وطبرية كل درهم أربعة دوانيق ، فجمعا في الإسلام وجعلا درهمين متساويين وزن كل درهم ستة دوانيق ، فصار وزن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل بمثقال الذهب ، وكل درهم نصف مثقال وخمسه ، وهو الدرهم الذي قدّر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المقادير الشرعية في نصاب الزكاة والقطع ومقدار الديات والجزية وغير ذلك ، والدانق‌

__________________

(١) منهم الشيخ في الخلاف ١ : ٣٣٦ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٥٢٩ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٤٩٣ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٣١.

(٢) منهم ابن قدامة في المغني ٢ : ٥٩٧ ، والشربيني في مغني المحتاج ١ : ٣٨٩ ، والصنعاني في سبل السلام ٢ : ٦٠٢.

(٣) كالفيومي في المصباح المنير : ١٩٣.

(٤) منهم العلامة في القواعد ١ : ٥٤ ، والشهيد الأول في الدروس : ٦٠ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٣١.

(٥) التهذيب ١ : ١٣٥ ـ ٣٧٤ ، الوسائل ١ : ٣٣٨ أبواب الوضوء ب ٥٠ ح ٣.

١١٤

ويكون مقدار العشرة سبعة مثاقيل.

وأما الشروط ومن شرط وجوب الزكاة فيهما كونهما مضروبين دنانير ودراهم ، منقوشين بسكة المعاملة ، أو ما كان يتعامل بها.

______________________________________________________

ثماني حبّات من أوسط حبّ الشعير (١). انتهى كلامه ـ رحمه‌الله ـ ونحوه قال في التذكرة والمنتهى (٢).

قوله : ( يكون مقدار العشرة سبعة مثاقيل ).

أراد بذلك بيان قدر المثقال والإشارة إلى ما به تحصل معرفة نسبة الدرهم منه ، ويعلم من ذلك أن المثقال درهم وثلاثة أسباع درهم ، والدرهم نصف المثقال وخمسه ، فيكون العشرون مثقالا في وزان ثمانية وعشرين درهما وأربعة أسباع درهم ، والمائتا درهم في وزان مائة وأربعين مثقالا.

قوله : ( ومن شرط وجوب الزكاة فيهما كونهما مضروبين دنانير ودراهم ، منقوشين بسكة المعاملة ، أو ما كان يتعامل بها ).

هذا قول علمائنا أجمع ، وخالف فيه العامة ، فأوجبوا الزكاة في غير المنقوش إذا كان نقارا (٣).

ويدل على اعتبار هذا الشرط روايات : منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن عليّ بن يقطين ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال ، قلت له : إنه يجتمع عندي الشي‌ء الكثير قيمته نحوا من سنة ، أنزكيه؟ فقال : « لا كل ما لم يحل عندك عليه حول فليس عليك فيه زكاة ، وكل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي‌ء » قال ، قلت : وما الركاز؟ قال : « الصامت‌

__________________

(١) التحرير ١ : ٦٤.

(٢) التذكرة ١ : ٢١٥ ، المنتهى ١ : ٤٩٣.

(٣) كالشربيني في مغني المحتاج ١ : ٣٨٩ ، والغمراوي في السراج الوهاج : ١٢٤.

١١٥

وحول الحول حتى يكون النصاب موجودا فيه أجمع ، فلو نقص في أثنائه أو تبدلت أعيان النصاب بغير جنسه أو بجنسه لم تجب الزكاة.

______________________________________________________

المنقوش » ثم قال : « إذا أردت ذلك فاسبكه ، فإنه ليس في سبائك الذهب ونقار الفضة زكاة » (١).

وفي الموثق ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام أنهما قالا : « ليس على التبر (٢) زكاة ، إنما هي على الدراهم والدنانير » (٣).

ويستفاد من قول المصنف : أو ما كان يتعامل بها ، أنه لا يعتبر التعامل بها بالفعل ، بل متى تعومل بها وقتا ما ثبتت الزكاة فيها وإن هجرت.

ولو جرت المعاملة بالسبائك بغير نقش فقد قطع الأصحاب بأنه لا زكاة فيها (٤) ، وهو حسن.

قوله : ( وحؤول الحول حتى يكون النصاب موجودا فيه أجمع ، فلو نقص أثنائه ، أو تبدلت عين النصاب بجنسه أو بغير جنسه لم تجب الزكاة ).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٨ ـ ١٩ ، الإستبصار ٢ : ٦ ـ ١٣ ، الوسائل ٦ : ١٠٥ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٨ ح ٢.

(٢) التبر : وهو ما كان من الذهب غير مضروب ، ولا يقال تبر إلاّ للذهب ، وبعضهم يقوله للفضة أيضا ـ الصحاح ٢ : ٦٠٠.

(٣) التهذيب ٤ : ٧ ـ ١٨ ، الإستبصار ٢ : ٧ ـ ١٦ ، الوسائل ٦ : ١٠٦ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٨ ح ٥ وفيه : ليس في التبر ، بدل : ليس على التبر.

(٤) منهم الشيخ في النهاية : ١٧٥ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ١٢٥ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٥٢٨ ، والشهيد الأول في البيان : ١٨٤.

١١٦

وكذا لو منع من التصرف فيه ، سواء كان المنع شرعيا كالوقف أو قهريّا كالغصب.

______________________________________________________

اعتبار الحول في زكاة النقدين مجمع عليه بين العلماء والأخبار به‌ مستفيضة : منها قوله عليه‌السلام في صحيحة عليّ بن يقطين المتقدمة : « كلّ ما لم يحل عندك عليه حول فليس عليك فيه زكاة » (١).

وفي صحيحة زرارة : الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول ولم يحركه » (٢).

ونبه المصنف بقوله : أو تبدل عين النصاب بجنسه أو بغير جنسه ، على خلاف الشيخ حيث ذهب إلى عدم سقوط الزكاة بإبدال النصاب في أثناء الحول بجنسه (٣) ، وعلى خلاف المرتضى حيث ذهب إلى أن من أبدل عين النصاب بجنسه أو بغير جنسه فرارا تجب عليه الزكاة (٤) ، وقد تقدم الكلام في ذلك (٥).

قوله : ( وكذا لو منع من التصرف فيه ، سواء كان المنع شرعيا كالوقف أو قهريا كالغصب ).

هذا الشرط مستغنى عنه هنا ، لتقدم ذكره في شرائط من تجب عليه الزكاة. ومقتضى قول المصنف : سواء كان المنع شرعيا كالوقف ، جواز وقف الدراهم والدنانير لفائدة التزين بها ونحوه. وسيأتي في كتاب الوقف أن المصنف لا يختار ذلك.

__________________

(١) في ص ١١٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٣٥ ـ ٩٠ ، الوسائل ٦ : ١١٥ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٥ ح ٤.

(٣) المبسوط ١ : ٢٠٦ ، والخلاف ١ : ٣٢٤.

(٤) الانتصار : ٨٣ ، وجمل العلم والعمل : ١٢٠.

(٥) في ص ٧٤.

١١٧

ولا تجب الزكاة في الحليّ محلّلا كان كالسوار للمرأة وحلية السيف للرجل ، أو محرما كالخلخال للرجل والمنطقة للمرأة وكالأواني المتخذة من الذهب والفضة ، وآلات اللهو لو عملت منهما ، وقيل : يستحب فيه الزكاة.

______________________________________________________

قوله : ( ولا تجب الزكاة في الحلي ، محللا كان كالسوار للمرأة ، وحلية السيف للرجل ، أو محرما كالخلخال للرجل والمنطقة للمرأة ، وكالأواني المتخذة من الذهب والفضة ، وآلات اللهو لو عملت منهما ، وقيل : يستحب فيه الزكاة ).

أما سقوط الزكاة في الحلّي المحلّل فقال العلاّمة في التذكرة : إنه قول علمائنا أجمع وأكثر أهل العلم (١). وأما المحرّم فقال في التذكرة أيضا : إنه لا زكاة فيه عند علمائنا ، لعموم قوله عليه‌السلام : « لا زكاة في الحلي » (٢). وأطبق الجمهور كافة على إيجاب الزكاة فيه ، لأن المحظور شرعا كالمعدوم حسّا. ولا حجة فيه ، لأن عدم الصنعة (٣) غير مقتض لإيجاب الزكاة فإن المناط كونهما مضروبين بسكة المعاملة (٤). وهو جيد.

ويدل على سقوط الزكاة في الحليّ مضافا إلى الأصل روايات : منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن عليّ الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الحليّ فيه زكاة؟ قال : « لا » (٥).

وفي الحسن ، عن رفاعة ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام وسأله‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٢١٦.

(٢) سنن البيهقي ٤ : ١٣٨.

(٣) في « ض » : الصفة.

(٤) التذكرة ١ : ٢١٧.

(٥) التهذيب ٤ : ٨ ـ ٢١ ، الإستبصار ٢ : ٧ ـ ١٨ ، الوسائل ٦ : ١٠٦ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٩ ح ٣.

١١٨

وكذا لا زكاة في السبائك والنّقار والتبر ، وقيل : إذا عملهما كذلك فرارا وجبت الزكاة ولو كان قبل الحول ، والاستحباب أشبه.

______________________________________________________

بعضهم عن الحليّ فيه زكاة؟ فقال : « لا وإن بلغ مائة ألف » (١).

قال ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه : وليس على الحليّ زكاة وإن بلغ مائة ألف ، ولكن تعيره مؤمنا إذا استعاره منك فهذه زكاته (٢). وقد روى ذلك الشيخ في الصحيح ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « زكاة الحليّ أن يعار » (٣).

والقول باستحباب الزكاة في الحليّ المحرّم منقول عن الشيخ (٤) ـ رحمه‌الله ـ ولم نقف على مأخذه.

قوله : ( وكذا لا زكاة في السبائك والنقار والتبر ، وقيل : إذا عملهما كذلك فرارا وجبت الزكاة ولو كان قبل الحول ، والاستحباب أشبه ).

المراد بالسبائك قطع الذهب غير المضروبة ، وبالنقار قطع الفضة كذلك.

وأما التبر فقال الجوهري : إنه ما كان من الذهب غير مضروب فإذا ضرب دنانير فهو عين (٥). وعلى هذا فلا وجه للجمع بينه وبين السبائك.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٨ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٨ ـ ٢٠ ، الإستبصار ٢ : ٧ ـ ١٧ ، الوسائل ٦ : ١٠٦ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ٩ ح ٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٨ ـ ٢٢ ، الإستبصار ٢ : ٧ ـ ١٩ ، الوسائل ٦ : ١٠٨ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١٠ ح ٢.

(٤) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٥.

(٥) الصحاح ٢ : ٦٠٠.

١١٩

______________________________________________________

وفسره بعضهم بأنه تراب الذهب قبل تصفيته (١). وهو مناسب لجمعه مع السبائك والنقار ، إلا أنه لا يلائم القول المحكي من وجوب الزكاة فيهما إذا عملت كذلك فرارا.

والأصح ما اختاره المصنف وأكثر الأصحاب (٢) من سقوط الزكاة في غير المضروب بسكة المعاملة مطلقا ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة عليّ بن يقطين المتقدمة : « إذا أردت ذلك فاسبكه ، فإنه ليس في سبائك الذهب ونقار الفضة زكاة » (٣).

وصحيحة عمر بن يزيد : إنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضا أو دارا أو غلة ، فيه شي‌ء؟ قال : « لا ، ولو جعله حليّا أو نقرا فلا شي‌ء عليه ، وما منع نفسه من فضله أكثر مما منع من حق الله الذي يكون فيه » (٤).

والقول بوجوب الزكاة فيهما إذا عملت كذلك فرارا للشيخ (٥) وجماعة (٦) ، وقد وردت بذلك روايات (٧) لو صح سندها لوجب حملها على الاستحباب جمعا بين الأدلة ، وقد تقدم الكلام في ذلك.

__________________

(١) لسان العرب ٤ : ٨٨.

(٢) منهم المفيد في المقنعة : ٣٨ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ١٢٥ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٥٢٨ ، والعلامة في المختلف : ١٧٣ ، والتحرير ١ : ٦٤ ، والشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٣٠.

(٣) في ص ١١٥.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٩ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٧ ـ ٥٣ ، الوسائل ٦ : ١٠٨ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١١ ح ١.

(٥) النهاية : ١٧٥ ، والمبسوط ١ : ٢١٠.

(٦) منهم الصدوق في المقنع : ٥١ ، والسيد المرتضى في جمل العلم والعمل : ١٢٠ ، وابن البراج في المهذب ١ : ١٥٩.

(٧) الوسائل ٦ : ١٠٨ أبواب زكاة الذهب والفضة ب ١١.

١٢٠