مدارك الأحكام - ج ٤

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٤

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

______________________________________________________

الثاني : لا فرق في وجوب الإتمام بنية الإقامة بين أن يقع في بلد أو قرية أو بادية ، ولا بين العازم على السفر بعد المقام وغيره ، للعموم.

الثالث : قال في المنتهى : لو عزم على إقامة طويلة في رستاق ينتقل فيه من قرية إلى قرية ولم يعزم على الإقامة في واحدة منها المدة التي يبطل حكم السفر فيها لم يبطل حكم سفره ، لأنه لم ينو الإقامة في بلد بعينه ، فكان كالمنتقل في سفره من منزل إلى منزل (١). وهو حسن.

الرابع : قد عرفت أن نية الإقامة تقطع السفر المتقدم ، وعلى هذا فيفتقر المكلف في عوده إلى التقصير بعد الصلاة على التمام إلى قصد مسافة جديدة يشرع فيها القصر. ولو رجع إلى موضع الإقامة بعد إنشاء السفر والوصول إلى محل الترخص لطلب حاجة أو أخذ شي‌ء لم يتم فيه مع عدم عدوله عن السفر ، بخلاف ما لو رجع إلى بلده لذلك. ولو بدا له عن السفر أتم في الموضعين.

الخامس : إذا سبقت نية المقام ببلد عشرة أيام على الوصول إليه ، ففي انقطاع السفر بما ينقطع بالوصول إلى بلده من مشاهدة الجدار أو سماع الأذان وجهان ، أظهرهما البقاء على القصر إلى أن يصل إلى البلد وينوي المقام فيها ، لأنه الآن مسافر ، فيتعلق به حكمه إلى أن يحصل ما يقتضي الإتمام.

ولو خرج من موضع الإقامة إلى مسافة ، ففي ترخصه بمجرد الخروج ، أو بخفاء الجدار أو الأذان الوجهان. والمتجه هنا اعتبار الوصول إلى محل الترخص ، لأن محمد بن مسلم سأل الصادق عليه‌السلام فقال له : رجل يريد السفر فيخرج ، متى يقصر؟ فقال : « إذا خرج من البيوت » (٢) وهو يتناول من خرج من موضع الإقامة كما يتناول من خرج من بلده.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٩٨.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣٤ ـ ١ ، الفقيه ١ : ٢٧٩ ـ ١٢٦٧ ، التهذيب ٣ : ٢٢٤ ـ ٥٦٦ ، الوسائل ٥ : ٥٠٥ أبواب صلاة المسافر ب ٦ ح ١.

٤٦١

ودونها يقصّر.

______________________________________________________

قوله : ( ودونها يقصّر ).

هذا قول معظم الأصحاب ، بل قال في المنتهى : إنه قول علمائنا أجمع (١). ويدل عليه صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا دخلت بلدا وأنت تريد المقام عشرة أيام فأتم الصلاة حين تقدم. وإن أردت دون العشرة فقصر ما بينك وبين شهر ، فإذا تم الشهر فأتم الصلاة » (٢).

ونقل عن ابن الجنيد أنه اكتفى في وجوب الإتمام بنية إقامة خمسة أيام (٣). وربما كان مستنده ما رواه الشيخ في الحسن ، عن أبي أيوب ، قال : سأل محمد بن مسلم أبا جعفر عليه‌السلام ـ وأنا أسمع ـ عن المسافر إن حدّث نفسه بإقامة عشرة أيام ، قال : « فليتم الصلاة ، فإن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعد ثلاثين يوما ، ثم ليتم وإن أقام يوما أو صلاة واحدة » فقال له محمد بن مسلم : بلغني أنك قلت خمسا ، قال : « قد قلت ذلك » قال أبو أيوب : فقلت أنا : جعلت فداك يكون أقل من خمسة أيام؟ قال : « لا » (٤).

وهي غير دالة على الاكتفاء بنية إقامة الخمسة صريحا ، لاحتمال عود الإشارة إلى الكلام السابق ، وهو الإتمام مع إقامة العشرة.

وأجاب عنها الشيخ في التهذيب بالحمل على من كان بمكة أو المدينة. وهو حمل بعيد (٥). وكيف كان ، فهذه الرواية لا تبلغ حجة في معارضة الإجماع والأخبار الكثيرة.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٩٦.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٢٠ ـ ٥٥١ ، الوسائل ٥ : ٥٢٨ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١٧.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ١٦٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٢١٩ ـ ٥٤٨ ، الإستبصار ١ : ٢٣٨ ـ ٨٤٩ ، الوسائل ٥ : ٥٢٧ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١٢.

(٥) في « ح » زيادة : ويمكن حملها على التقية أيضا ، وفي « ض » زيادة : ولكن حملها على التقية وجه.

٤٦٢

وإن تردد عزمه قصّر ما بينه وبين شهر ، ثم يتم ولو صلاة واحدة. ولو نوى الإقامة ثم بدا له رجع إلى التقصير ، ولو صلى صلاة واحدة بنيّة الإتمام لم يرجع.

______________________________________________________

قوله : ( وإن تردد عزمه قصّر ما بينه وبين شهر ، ثم أتم ولو صلاة واحدة ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب. وتدل عليه روايات كثيرة ، منها : قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن وهب : « وإن أردت دون العشرة فقصّر ما بينك وبين شهر ، فإذا تم الشهر فأتم الصلاة » (١).

وفي حسنة أبي أيوب : « فإن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعد ثلاثين يوما تم ليتم ».

وإطلاق الرواية الأولى وكلام أكثر الأصحاب يقتضي الاكتفاء بالشهر الهلالي إذا حصل التردد في أوله وإن كان ناقصا. واعتبر العلامة في التذكرة الثلاثين ولم يعتبر الشهر الهلالي ، قال : لأن لفظ الشهر كالمجمل ولفظ الثلاثين كالمبين (٢). ولا بأس به.

قوله : ( ولو نوى الإقامة ثم بدا له رجع إلى التقصير ، ولو صلى صلاة واحدة بنيّة الإتمام لم يرجع ).

هذا الحكم ثابت بإجماعنا. والأصل فيه ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن أبي ولاد الحناط قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيام فأتم الصلاة. ثم بدا لي بعد أن [ لا ] (٣) أقيم بها ، فما ترى لي؟ أتم أم أقصر؟ فقال : « إن كنت دخلت المدينة وصليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها ، وإن كنت‌

__________________

(١) المتقدمة في ص ٤٦٢.

(٢) التذكرة ١ : ١٨٩.

(٣) أثبتناها من « ح » والتهذيب.

٤٦٣

______________________________________________________

حين دخلتها على نيتك المقام فلم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم ، فأنت في تلك الحال بالخيار ، إن شئت فانو المقام عشرا وأتم ، وإن لم تنو المقام فقصر ما بينك وبين شهر ، فإذا مضى لك شهر فأتم الصلاة » (١).

والحكم بالإتمام مع الرجوع وقع في النص معلقا على من صلى فرضا تماما بعد نية الإقامة ، فلا تكفي النافلة قطعا.

ولو خرج الوقت ولم يصل عمدا أو نسيانا فالأظهر الرجوع إلى التقصير ، لانتفاء الشرط. وقال في التذكرة : يبقى على التمام لاستقرار الفائت في الذمة (٢). وهو ضعيف.

وألحق العلامة في جملة من كتبه بالصلاة الشروع في الصوم الواجب المشروط بالحضر ، لوجود أثر النية (٣). وقواه جدي ـ قدس‌سره ـ في روض الجنان ، لكنه قيده بما إذا زالت الشمس قبل الرجوع عن تلك النية ، واحتج عليه بأنه لو فرض أن هذا الصائم سافر بعد الزوال فلا يخلو إما أن يوجب عليه الإفطار أو إتمام الصوم. لا سبيل إلى الأول ، للأخبار الصحيحة المتضمنة لوجوب المضي في الصوم الشاملة بإطلاقها أو عمومها لهذا الفرد ، فيتعين الثاني. وحينئذ فلا يخلو إما أن يحكم بانقطاع نية الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال وقبل الخروج أولا. لا سبيل إلى الأول ، لاستلزامه وقوع الصوم الواجب سفرا بغير نية الإقامة ، وهو غير جائز إجماعا إلا ما استثني من الصوم المنذور ـ على وجه ـ وما ماثله ، وليس هذا منه. فيثبت الآخر وهو عدم انقطاع نية الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال سواء سافر حينئذ بالفعل أم لم يسافر ، إذ لا مدخل للسفر في صحة الصوم وتحقق الإقامة ، بل حقه أن يحقق عدمها وقد عرفت عدم تأثيره‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٢١ ـ ٥٥٣ ، الإستبصار ١ : ٢٣٨ ـ ٨٥١ ، الوسائل ٥ : ٥٣٢ أبواب صلاة المسافر ب ١٨ ح ١.

(٢) التذكرة ١ : ١٩٢.

(٣) التذكرة ١ : ١٩٣ ، والقواعد ١ : ٥٠ ، وتحرير الأحكام ١ : ٥٦.

٤٦٤

وأما القصر : فإنه عزيمة ، إلا أن تكون المسافة أربعا ولم يرد الرجوع ليومه على قول ،

______________________________________________________

فيها ، فإذا لم يسافر بقي على التمام إلى أن يخرج إلى المسافة ، وهو المطلوب (١). انتهى.

ولقائل أن يقول : لا نسلم وجوب إتمام الصوم والحال هذه. وما أشار إليه ـ قدس‌سره ـ من الروايات المتضمنة لوجوب المضي في الصوم غير صريحة في ذلك بل ولا ظاهرة ، إذ المتبادر منها تعلق الحكم بمن سافر من موضع يلزمه فيه الإتمام ، وهو غير متحقق هنا ، فإنه نفس النزاع.

سلمنا وجوب الإتمام لكن ، لا نسلم اقتضاء ذلك لعدم انقطاع نية الإقامة بالرجوع عنها في هذه الحالة. واستلزام ذلك لوقوع الصوم الواجب سفرا لا محذور فيه ، لوقوع بعضه في حال الإقامة ، ولأنه لا دليل على امتناع ذلك.

فإن قلت : إنه يلزم من وجوب إتمام الصوم إتمام الصلاة ، لعكس نقيض‌ قوله عليه‌السلام : « إذا قصرت أفطرت » (٢).

قلت : هذا ـ بعد تسليم عمومه ـ مخصوص بمنطوق الرواية المتقدمة المتضمنة للعود إلى القصر مع الرجوع عن نية الإقامة قبل إتمام الفريضة (٣).

والمتجه ما أطلقه المصنف من العود إلى التقصير ما لم يصلّ فريضة تماما ، ولا يبعد تعين الإفطار أيضا وإن كان بعد الزوال إن لم ينعقد الإجماع على خلافه ، لقوله عليه‌السلام : « إذا قصرت أفطرت ».

قوله : ( وأما القصر فإنه عزيمة ، إلا أن تكون المسافة أربعا ولم يرد الرجوع ليومه على قول ).

__________________

(١) روض الجنان : ٣٩٥.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٠ ـ ١٢٧٠ ، التهذيب ٣ : ٢٢٠ ـ ٥٥١ ، الوسائل ٥ : ٥٢٨ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١٧.

(٣) في ص ١٣٥٤.

٤٦٥

أو في أحد المواطن الأربعة : مكة ، والمدينة ، والمسجد الجامع ، بالكوفة ، والحائر ، فإنه مخيّر ، والإتمام أفضل.

______________________________________________________

أما أن القصر في السفر عزيمة إذا كان مسيرة يوم أو ثمانية فراسخ ، فهو‌ إجماعي منصوص في عدة روايات ، كقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة والحلبي : « فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب الإتمام في الحضر » (١).

وفي صحيحة علي بن يقطين : « يجب عليه التقصير إذا كان مسيرة يوم » (٢) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

والقول بالتخيير إذا كانت المسافة أربعة فراسخ ولم يرد المسافر الرجوع ليومه ، للصدوق ـ رحمه‌الله ـ في من لا يحضره الفقيه (٣) ، والمفيد (٤) ، والشيخ (٥) ، وجمع من الأصحاب. ولا يخلو من قوة ، وقد تقدم الكلام فيه (٦).

قوله : ( أو في أحد المواطن الأربعة : مكة والمدينة والمسجد الجامع بالكوفة والحائر ، فإنه مخيّر ، والإتمام أفضل ).

اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فذهب الأكثر إلى التخيير في هذه المواطن بين القصر والإتمام وأن الإتمام أفضل ، وعزاه في المعتبر إلى الثلاثة وأتباعهم (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٧٨ ـ ١٢٦٦ ، التهذيب ٣ : ٢٢٦ ـ ٥٧١ ، تفسير العياشي ١ : ٢٧١ ـ ٢٥٤ ، الوسائل ٥ : ٥٣٨ أبواب صلاة المسافر ب ٢٢ ح ٢ ، وفي الجميع : عن زرارة ومحمد بن مسلم.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٠٩ ـ ٥٠٣ ، الإستبصار ١ : ٢٢٥ ـ ٧٩٩ ، الوسائل ٥ : ٤٩٣ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ١٦.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨٦.

(٤) حكاه عنه في الذكرى : ٢٥٦.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٠٨ ، والنهاية : ١٢٢ ، والمبسوط ١ : ١٤١.

(٦) في ص ٤٣٤.

(٧) المعتبر ٢ : ٤٧٦.

٤٦٦

______________________________________________________

وقال ابن بابويه : يقصر ما لم ينو المقام عشرة ، والأفضل أن ينوي المقام بها ليوقع صلاته تماما (١).

وقال السيد المرتضى في الجمل : لا تقصير في مكة ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومشاهد الأئمة القائمين مقامه عليهم‌السلام (٢). وهذه العبارة تعطي (٣) منع التقصير. والمعتمد الأول.

لنا على التخيير في الحرمين : أن فيه جمعا بين ما دل على وجوب الإتمام مطلقا ، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التمام بمكة والمدينة ، قال : « أتم وإن لم تصل فيهما إلا صلاة واحدة » (٤).

وصحيحة علي بن مهزيار : إنه كتب إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام يسأله عن ذلك ، فكتب بخطه : « قد علمت ـ يرحمك الله ـ فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما ، فأنا أحب لك إذا دخلتهما أن لا تقصر ، وتكثر فيهما من الصلاة » فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة : كتبت إليك بكذا وأجبت بكذا ، فقال : « نعم » فقلت : أي شي‌ء تعني بالحرمين؟ فقال : « مكة والمدينة » (٥).

وبين ما دل على وجوب التقصير كذلك ، كصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن الصلاة بمكة والمدينة تقصير أو تمام ، فقال : « تقصر ما لم تعزم على مقام عشرة » (٦).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨٣ ، والخصال : ٢٥٢.

(٢) جمل العلم والعمل : ٧٧.

(٣) في « ح » ، « ض » زيادة : بظاهرها.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٢٦ ـ ١٤٨١ ، الإستبصار ٢ : ٣٣١ ـ ١١٧٨ ، الوسائل ٥ : ٥٤٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٥.

(٥) الكافي ٤ : ٥٢٥ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ٤٢٨ ـ ١٤٨٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٣٣ ـ ١١٨٣ ، الوسائل ٥ : ٥٤٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٤.

(٦) الفقيه ١ : ٢٨٣ ـ ١٢٨٥ ، التهذيب ٥ : ٤٢٦ ـ ١٤٨٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٣١ ـ ١١٧٨ ، عيون أخبار الرضا ٢ : ١٧ ـ ٤٤ ، الوسائل ٥ : ٥٥٠ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٣٢.

٤٦٧

______________________________________________________

ويدل على التخيير صريحا : ما رواه الشيخ ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن أبي عمير ، عن سعد بن أبي خلف ، عن علي بن يقطين ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : في الصلاة بمكة ، فقال : « من شاء أتم ومن شاء قصر وليس بواجب ، إلا أني أحب لك ما أحب لنفسي » (١).

وأما مسجد الكوفة والحائر ، فقد ورد بالإتمام فيهما أخبار كثيرة ، لكنها ضعيفة السند. وأوضح ما وصل إلينا في ذلك سندا ما رواه الشيخ ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن الحسن بن علي بن النعمان ، عن أبي عبد الله البرقي ، عن علي بن مهزيار وأبي علي بن راشد ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن : حرم الله ، وحرم رسوله ، وحرم أمير المؤمنين ، وحرم الحسين بن علي » (٢) والظاهر أن المراد أن من مخزون علم الله مشروعية الإتمام في هذه المواطن لا تعينه ، لثبوت التخيير في الحرمين كما بيناه.

وهذه الرواية معتبرة الإسناد ، بل حكم العلامة في المختلف بصحتها (٣) ، وهو غير بعيد. وفي معناها أخبار كثيرة فلا بأس بالعمل بها إن شاء الله تعالى. ومع ذلك فلا يبعد أن يكون التقصير أقرب إلى حصول البراءة ، لأنه فرض المسافر ، ولأن الأخبار الواردة بالإتمام لا تدل على أزيد من الرجحان. والله تعالى أعلم.

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : المستفاد من الأخبار الكثيرة جواز الإتمام في مكة والمدينة وإن‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٣٠ ـ ١٤٩٢ ، الإستبصار ٢ : ٣٣٤ ـ ١١٨٩ ، الوسائل ٥ : ٥٤٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ١٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٣٠ ـ ١٤٩٤ ، الإستبصار ٢ : ٣٣٤ ـ ١١٩١ ، الوسائل ٥ : ٥٤٣ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ١.

(٣) المختلف : ١٦٨.

٤٦٨

______________________________________________________

وقعت الصلاة خارج المسجدين. وبه قطع الشيخ (١) ، والمصنف (٢) ، وأكثر الأصحاب.

وأما مسجد الكوفة والحائر فالروايات المعتبرة الواردة بالإتمام فيهما إنما وردت بلفظ حرم أمير المؤمنين عليه‌السلام وحرم الحسين عليه‌السلام كما نقلناه. وفي هذا اللفظ إجمال ، لكن قال المصنف في المعتبر : إنه ينبغي تنزيل حرم أمير المؤمنين عليه‌السلام على مسجد الكوفة خاصة أخذا بالمتيقن (٣) ، ولم يتعرض لحرم الحسين عليه‌السلام ، وينبغي اختصاصه بالحائر أيضا لما ذكره.

ويؤيد هذا الاختصاص ما رواه ابن بابويه مرسلا ، عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن : بمكة ، والمدينة ، ومسجد الكوفة ، وحائر الحسين عليه‌السلام » (٤).

وقال ابن إدريس : ويستحب الإتمام في أربعة مواطن في السفر : في نفس المسجد الحرام ، وفي نفس مسجد المدينة ، ومسجد الكوفة ، والحائر (٥). وعمم الشيخ في كتابي الأخبار الحكم في البلدان الثلاثة والحائر (٦).

وحكى الشهيد في الذكرى عن المصنف ـ رحمه‌الله ـ أنه حكم في كتاب له في السفر بالتخيير في البلدان الأربعة حتى في الحائر المقدس ، لورود الحديث بحرم الحسين عليه‌السلام وقدر بخمسة فراسخ وبأربعة فراسخ (٧). وهو جيد إن ثبت إطلاق الحرم على ما ذكره ( في نصّ يعتد به ) (٨) والمعتمد ما ذكرناه أولا.

__________________

(١) النهاية : ١٢٤ ، والمبسوط ١ : ١٤١.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٧٧.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٧٧.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨٣ ـ ١٢٨٤ ، الوسائل ٥ : ٥٤٩ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ٢٦.

(٥) السرائر : ٧٦.

(٦) التهذيب ٥ : ٤٣٢ ، والاستبصار ٢ : ٣٣٦.

(٧) حكاه عن يحيى بن سعيد في الذكرى : ٢٥٦.

(٨) بدل ما بين القوسين في « ح » ، « ض » : حقيقة.

٤٦٩

______________________________________________________

وذكر ابن إدريس أن المراد بالحائر ما دار سور المشهد والمسجد عليه ، قال : لأن ذلك هو الحائر حقيقة ، لأن الحائر في لسان العرب الموضع المطمئن الذي يحار فيه الماء (١).

وذكر الشهيد في الذكرى أن في هذا الموضع حار الماء لما أمر المتوكل بإطلاقه على قبر الحسين عليه‌السلام ليعفيه ، فكان لا يبلغه (٢).

الثاني : الحكم بالتخيير للمسافر إنما وقع في الصلاة خاصة. أما الصوم فلا يشرع في هذه الأماكن قطعا تمسكا بمقتضى الأدلة المتضمنة لوجوب الإفطار على المسافر السالمة من المعارض.

الثالث : صرح المصنف في المعتبر بأنه لا يعتبر في الصلاة الواقعة في هذه الأماكن التعرض لنية القصر ولا الإتمام ، وأنه لا يتعين أحدهما بالنية. فيجوز لمن نوى الإتمام الاقتصار على الركعتين ، ولمن نوى التقصير الإتمام (٣). وهو حسن.

الرابع : الأظهر جواز الإتمام في هذه الأماكن وإن كانت الذمة مشغولة بواجب. ونقل العلامة عن والده أنه كان يمنع ذلك مع اشتغال الذمة (٤). وهو ضعيف.

الخامس : لو ضاق الوقت إلا عن أربع فالأظهر وجوب القصر فيهما لتقع الصلاتان في الوقت. ويحتمل جواز الإتمام في العصر لعموم : « من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة » (٥) ويضعف بأن ذلك وإن تحقق به إدراك الصلاة إلا أنه لا يجوز تعمده اختيارا ، لاقتضائه تأخير الصلاة عن وقتها المعين لها‌

__________________

(١) السرائر : ٧٦.

(٢) الذكرى : ٢٥٦.

(٣) المعتبر ٢ : ١٥٠.

(٤) المنتهى ١ : ٣٩٥.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٥١ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٤ ، المغني والشرح الكبير ١ : ٤٢٠.

٤٧٠

وإذا تعيّن القصر فأتم عامدا أعاد على كل حال.

______________________________________________________

شرعا. واحتمل بعض الأصحاب جواز الإتيان بالعصر تماما في الوقت وقضاء الظهر ، لاختصاص العصر من آخر الوقت بمقدار أدائها (١). وهو أضعف مما قبله.

السادس : ألحق ابن الجنيد (٢) ، والمرتضى (٣) بهذه الأماكن جميع مشاهد الأئمة عليهم‌السلام. قال في الذكرى : ولم نقف لهما في مأخذ في ذلك والقياس عندنا باطل (٤).

قوله : ( وإذا تعيّن القصر فأتم عامدا أعاد على كل حال ).

هذا قول علمائنا أجمع ، قاله في التذكرة (٥). وتدل عليه روايات ، منها : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن الحلبي قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : صليت الظهر أربع ركعات وأنا في سفر ، قال : « أعد » (٦).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قالا ، قلنا : فمن صلى في السفر أربعا أيعيد أم لا؟ قال : « إن كان قرئت عليه آية القصر وفسرت له فصلى أربعا أعاد ، وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه » (٧).

قيل : ويعلم من هذا أن الخروج من الصلاة عند من لا يوجب التسليم لا يتحقق بمجرد الفراغ من التشهد ، بل لا بد معه من نية الخروج أو فعل ما به يحصل كالتسليم ، وإلا لصحت الصلاة هنا عند من لا يوجب التسليم ، لوقوع‌

__________________

(١) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد ١ : ١٦٢.

(٢) نقله عنه في المختلف : ١٦٨.

(٣) جمل العلم والعمل : ٧٧.

(٤) الذكرى : ٢٥٦.

(٥) التذكرة ١ : ١٩٢.

(٦) التهذيب ٢ : ١٤ ـ ٣٣ ، الوسائل ٥ : ٥٣١ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٦.

(٧) الفقيه ١ : ٢٧٨ ـ ١٢٦٦ ، الوسائل ٥ : ٥٣١ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٤.

٤٧١

وإن كان جاهلا بالتقصير فلا إعادة ولو كان الوقت باقيا.

______________________________________________________

الزيادة خارج الصلاة (١).

ويمكن أن يقال : إن الصلاة المقصورة إنما تبطل بالإتمام إذا وقعت ابتداء على ذلك الوجه ، دون ما إذا وقعت على وجه القصر ثم حصل الإتمام بعد الفراغ من الأفعال الواجبة ، جمعا بين الروايات المتضمنة لهذا الحكم والأدلة الدالة على استحباب التسليم. أو يقال : إن المبطل هنا قصد عدم الخروج من الصلاة ، فلا يلزم وجوب قصد الخروج أو الإتيان بالمخرج.

قوله : ( وإن كان جاهلا بالتقصير فلا إعادة ، ولو كان الوقت باقيا ).

هذا قول أكثر الأصحاب ، ويدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة وابن مسلم المتقدمة : « وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه » (٢).

وقال أبو الصلاح : يعيد في الوقت (٣). وربما كان مستنده صحيحة العيص بن القاسم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل صلى وهو مسافر فأتم الصلاة ، قال : « إن كان في وقت فليعد ، وإن كان الوقت قد مضى فلا » (٤) وهي غير صريحة في الجاهل ، فيمكن حملها على الناسي. ومع ذلك فلا ريب أن الإعادة في الوقت أحوط.

وحكى الشهيد في الذكرى أن السيد الرضي سأل أخاه المرتضى ـ رضي الله عنهما ـ عن هذه المسألة فقال : الإجماع منعقد على أن من صلى صلاة لا يعلم أحكامها فهي غير مجزئة ، والجهل بأعداد الركعات جهل بأحكامها فلا تكون‌

__________________

(١) قال به الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٩٧.

(٢) في ص ٤٧١.

(٣) الكافي في الفقه : ١١٦.

(٤) الكافي ٣ : ٤٣٥ ـ ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٢٥ ـ ٥٦٩ ، الإستبصار ١ : ٢٤١ ـ ٨٦٠ ، الوسائل ٥ : ٥٣٠ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ١.

٤٧٢

وإن كان ناسيا أعاد في الوقت ، ولا يقضي إن خرج.

______________________________________________________

مجزئة. وأجاب المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ بجواز تغير الحكم الشرعي بسبب الجهل وإن كان الجاهل غير معذور (١).

وكأن المراد أنه يجوز اختلاف الحكم الشرعي بسبب الجهل ، فيكون الجاهل مكلفا بالتمام والعالم مكلفا بالقصر. واختلاف الحكم هنا على هذا الوجه لا يقتضي عذر الجاهل.

وهل المراد بالجاهل الجاهل بوجوب القصر من أصله أو مطلق الجاهل ليندرج فيه الجاهل ببعض أحكام السفر ، كمن لا يعلم انقطاع كثرة السفر بإقامة العشرة؟ فيه وجهان ، منشؤهما اختصاص النص المتضمن لعدم الإعادة بالأول ، والاشتراك في العذر المسوغ لذلك وهو الجهل.

ولو صلى من فرضه التمام قصرا فالظاهر الإعادة ، لعدم تحقق الامتثال. لكن روى الشيخ في الصحيح ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا أتيت بلدة وأزمعت المقام عشرة فأتم الصلاة ، فإن تركه [ رجل ] (٢) جاهلا فليس عليه الإعادة » (٣). وبمضمونها أفتى الفاضل الشيخ نجيب الدين في الجامع ، وألحق بالجاهل ناسي الإقامة ، فحكم بأنه لا إعادة عليه أيضا (٤) ، وهو خروج عن موضع النص.

قوله : ( وإن كان ناسيا أعاد في الوقت ، ولا يقضي إن خرج ).

هذا هو المشهور بين الأصحاب. واستدلوا عليه بما رواه الشيخ ، عن أبي بصير ، قال : سألته عن الرجل ينسى فيصلي في السفر أربع ركعات ، قال : « إن ذكر في ذلك اليوم فليعد ، وإن لم يذكر حتى يمضى اليوم فلا إعادة‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٥٩.

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٢١ ـ ٥٥٢ ، الوسائل ٥ : ٥٣٠ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٣.

(٤) الجامع للشرائع : ٩٣.

٤٧٣

______________________________________________________

عليه » (١).

وفي الصحيح ، عن العيص بن القاسم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل صلى وهو مسافر فأتم الصلاة ، قال : « إن كان في وقت فليعد ، وإن كان الوقت قد مضى فلا » (٢).

ويتوجه على الرواية الأولى : أنها ضعيفة السند باشتراك الراوي بين الثقة والضعيف ، مع أنها مجملة المتن ، لأن اليوم إن كان المراد به بياض النهار كان حكم العشاء غير مذكور في الرواية ، وإن كان المراد به بياض النهار والليلة (٣) المستقبلة كان ما تضمنته مخالفا للمشهور.

وعلى الرواية الثانية : أنها غير صريحة في الناسي. لكن قال في الذكرى : إنه لا يجوز حملها على العامد العالم قطعا ، ولا على الجاهل ، لمعارضة الرواية الأولى ـ يعني صحيحة زرارة وابن مسلم (٤) ـ فتعين حملها على الناسي (٥). وهو حسن ، مع أن تناول الرواية بإطلاقها للناسي كاف في صحة الاستدلال بها على ذلك.

وفي المسألة قولان آخران أحدهما : الإعادة مطلقا ، وهو قول الشيخ علي بن بابويه (٦) ، والشيخ في المبسوط (٧) ، وعلله بتحقق الزيادة.

والثاني : الإعادة إن ذكره في يومه ، وإن مضى اليوم فلا إعادة ، اختاره‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٢٥ ـ ٥٧٠ ، الإستبصار ١ : ٢٤٠ ـ ٨٦١ ، الوسائل ٥ : ٥٣٠ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣٥ ـ ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٢٥ ـ ٥٦٩ ، الإستبصار ١ : ٢٤١ ـ ٨٦٩ ، الوسائل ٥ : ٥٣٠ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ١.

(٣) في « ض » ، « ح » زيادة : الماضية أو.

(٤) المتقدمة في ص ٤٧١.

(٥) الذكرى : ٢٥٩.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ١٦٤ ، والذكرى : ٢٥٩.

(٧) المبسوط ١ : ١٤٠.

٤٧٤

______________________________________________________

الصدوق في المقنع (١) ، وهو يوافق المشهور في الظهرين. وأما العشاء الآخرة فإن حملنا اليوم على بياض النهار ـ كما هو الظاهر ـ فيكون حكمها مهملا ، وإن حملناه على ذلك وعلى الليلة الماضية كان مخالفا للمشهور في العشاء قطعا ، لاقتضائه قضاء العشاء في بياض النهار ، وإن حملناه على بياض النهار وعلى الليلة المستقبلة وجعلنا آخر وقت العشاء طلوع الفجر ـ كما هو أحد الأقوال في المسألة ـ وافق المشهور في العشاء دون الظهرين ، وإلا خالفه فيهما معا.

قال الشهيد في الذكرى : وتتخرج على القول بأن من زاد خامسة في الصلاة وكان قد قعد مقدار التشهد تسلم له الصلاة ، صحة الصلاة هنا ، لأن التشهد حائل بين ذلك وبين الزيادة (٢).

واستحسنه جدي ـ قدس‌سره ـ في روض الجنان ، وقال : إنه كان ينبغي لمثبت تلك المسألة القول بها هنا. ولا يمكن التخلص من ذلك إلا بأحد أمور : إما إلغاء ذلك الحكم ، كما ذهب إليه أكثر الأصحاب أو القول باختصاصه بالزيادة على الرابعة كما هو مورد النص ، فلا يتعدى إلى الثلاثية والثنائية ، فلا تتحقق المعارضة هنا. أو اختصاصه بزيادة ركعة لا غير ، كما ورد به النص هناك ولا يتعدى إلى الزائد كما عداه بعض الأصحاب. أو القول بأن ذلك في غير المسافر جمعا بين الأخبار ، لكن يبقى فيه سؤال الفرق مع اتحاد المحل (٣).

وأقول : إنه لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما قررناه في تلك المسألة ضعف هذه الطرق كلها ، وأنها غير مخلصة من هذا الإشكال.

والذي يقتضيه النظر أن النسيان والزيادة إن حصلا بعد الفراغ من التشهد كانت هذه المسألة جزئية من جزئيات « من زاد في صلاته ركعة فصاعدا بعد التشهد نسيانا » وقد بينا أن الأصح أن ذلك غير مبطل للصلاة مطلقا ،

__________________

(١) المقنع : ٣٨.

(٢) الذكرى : ٢٥٩.

(٣) روض الجنان : ٣٩٧.

٤٧٥

ولو قصر المسافر اتفاقا لم تصحّ وأعاد قصرا.

______________________________________________________

لاستحباب التسليم. وإن حصل النسيان قبل ذلك بحيث أوقع الصلاة أو بعضها على وجه التمام اتجه القول بالإعادة في الوقت دون خارجه ، كما اختاره الأكثر ، لما تقدم.

قوله : ( ولو قصر المسافر اتفاقا لم تصحّ وأعاد قصرا ).

فسرت هذه العبارة بوجوه ، أحدها : أن يقصر قاصد المسافة غير عالم بوجوب القصر ، فإنه يجب عليه الإعادة ، لأنه صلى صلاة يعتقد فسادها ، فيجب إعادتها قصرا.

الثاني : أن يعلم وجوب القصر لكن جهل المسافة فقصر ، فاتفق بلوغ المسافة ، فإنه يعيد قصرا ، لأنه صلى صلاة منهيا عنها ، فكانت فاسدة ، ووجب إعادتها في الوقت وقضاؤها في خارجه.

وهل يجب الإتمام في القضاء أو التقصير؟ يحتمل قويا الإتمام ، لأنها فاتت وقد كان فرضه التمام فليقضها كما فاتته. ويحتمل التقصير ، لأنه مسافر في الحقيقة وإنما منعه من التقصير جهل المسافة وقد علمها.

وقوى الشهيد في الذكرى الأول ، ثم قال : وهذا مطرد فيما لو ترك المسافر الصلاة أو نسيها ولم يكن عالما بالمسافة ، ثم تبين المسافة بعد خروج الوقت ، فإن في قضائها قصرا أو تماما الوجهين (١).

الثالث : أن يعلم وجوب القصر وبلوغ المسافة ولكن نوى الصلاة تماما ناسيا ، ثم سلم على الركعتين ناسيا ، ثم ذكر ، فإنه يعيد قصرا ، لمخالفته لما يجب عليه من ترك نية التمام. واستقرب الشهيد في الذكرى الإجزاء ، لأنه أتى بما هو فرضه في الواقع ، وبلغو نية الإتمام (٢).

__________________

(١) الذكرى : ٢٦٠.

(٢) الذكرى : ٢٦٠.

٤٧٦

وإذا دخل الوقت وهو حاضر ثم سافر والوقت باق ، قيل : يتم بناء على وقت الوجوب ، وقيل : يقصّر اعتبارا بحال الأداء ، وقيل : يتخير ، وقيل : يتم مع السعة ويقصّر مع الضيق ، والتقصير أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو دخل الوقت وهو حاضر ثم سافر والوقت باق ، وقيل : يتم بناء على وقت الوجوب ، وقيل يقصّر اعتبارا بحال الأداء ، وقيل : يتخير ، وقيل : يتم مع السعة ويقصّر مع الضيق ، والتقصير أشبه ).

الأصح ما اختاره المصنف من وجوب التقصير مطلقا ، تمسكا بعموم ما دل على وجوب التقصير في السفر ، وخصوص صحيحة إسماعيل بن جابر قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في السفر ، فلا أصلي حتى أدخل أهلي ، فقال : « صلّ وأتم الصلاة » قلت : فدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر ، فلا أصلي حتى أخرج ، فقال : « صلّ وقصر ، فإن لم تفعل فقد خالفت الله ورسوله » (١). قال المصنف في المعتبر : وهذه الرواية أشهر وأظهر في العمل (٢).

والقول بوجوب الإتمام لابن بابويه في المقنع (٣) ، وابن أبي عقيل (٤). واختاره العلامة في المختلف (٥) ، واستدل عليه بوجوه ضعيفة أقواها : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يدخل من سفره وقد دخل وقت الصلاة وهو في الطريق ، فقال : « يصلي ركعتين ، وإن خرج إلى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا » (٦).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨٣ ـ ١٢٨٨ ، التهذيب ٣ : ٢٢٢ ـ ٥٥٨ ، الإستبصار ١ : ٢٤٠ ـ ٨٥٦ ، الوسائل ٥ : ٥٣٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٢.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٨٠.

(٣) المقنع : ٣٧.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ١٦٣.

(٥) المختلف : ١٦٣.

(٦) الفقيه ١ : ٢٨٤ ـ ١٢٨٩ ، التهذيب ٣ : ٢٢٢ ـ ٥٥٧ ، الإستبصار ١ : ٢٣٩ ـ ٨٥٣ ، الوسائل ٥ : ٥٣٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٥.

٤٧٧

وكذا الخلاف لو دخل الوقت وهو مسافر فحضر والوقت باق ، والإتمام هنا أشبه.

______________________________________________________

ويمكن الجواب عنها بعدم الصراحة في أن الأربع تفعل في السفر والركعتين في الحضر ، لاحتمال أن يكون المراد الإتيان بالركعتين في السفر قبل الدخول ، والإتيان بالأربع قبل الخروج. ولو كانت صريحة لأمكن الجمع بينها وبين الرواية الأولى بالتخيير بين القصر والإتمام ، كما هو اختيار الشيخ في الخلاف (١).

والقول بوجوب الإتمام مع السعة والتقصير مع الضيق لابن بابويه في من لا يحضره الفقيه (٢) ، والشيخ في كتابي الأخبار (٣) ، جمعا بين ما تضمن الإتمام والقصر ، واستدل في الكتابين على هذا الجمع بما رواه عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام يقول في الرجل يقدم من سفر في وقت الصلاة فقال : « إن كان لا يخاف الفوت فليتم ، وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصر » (٤).

وهذه الرواية مع ضعف سندها إنما تدل على التفصيل في صورة القدوم من السفر في أثناء الوقت لا في صورة الخروج إلى السفر.

وقد عرفت أن الأخبار السليمة الإسناد غير متنافية صريحا على ما بيناه ، ولو كانت كذلك لكان الأولى الجمع بينها بالتخيير ، كما ذكرناه سابقا.

قوله : ( وكذا الخلاف لو دخل الوقت وهو مسافر فحضر والوقت باق ، والإتمام هنا أشبه ).

الأصح ما اختاره المصنف هنا أيضا ، تمسكا بعموم ما دل على وجوب الإتمام في الحضر ، وخصوص صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة (٥).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٢٥.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٢٣ ، والاستبصار ١ : ٢٤٠.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٢٣ ـ ٥٥٩ ، الإستبصار ١ : ٢٤٠ ـ ٨٥٧ ، الوسائل ٥ : ٥٣٦ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٦.

(٥) في ص ٤٧٧.

٤٧٨

ويستحب أن يقول عقيب كل فريضة : ثلاثين مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، جبرا للفريضة.

ولا يلزم المسافر متابعة الحاضر إذا أتم به ، بل يقتصر على فرضه ويسلم منفردا.

______________________________________________________

وتدل عليه أيضا صحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ثم يدخل بيته قبل أن يصلي ، قال : « يصليها أربعا » (١).

والقول بالتفصيل بسعة الوقت وضيقه للشيخ في كتابي الأخبار (٢) ، لرواية إسحاق بن عمار.

والقول بالتخيير هنا لابن الجنيد ، ونقل عن الشيخ أيضا (٣) ، واحتمله في كتابي الأخبار واستدل بما رواه عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « إذا كان في سفر ودخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله ، فسار حتى دخل أهله ، فإن شاء قصر وإن شاء أتم » (٤) وفي الروايتين ضعف من حيث السند.

وحكى الشهيدان أن في المسألة قولا بالتقصير مطلقا (٥) ، ولم نعرف قائله.

قوله : ( ويستحب أن يقول عقيب كل فريضة : ثلاثين مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، جبرا للفريضة ).

المستند في ذلك ما رواه الشيخ ، عن سليمان بن حفص المروزي قال ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٦٢ ـ ٣٥٢ ، الوسائل ٥ : ٥٣٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٤.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٢٣ ، والاستبصار ١ : ٢٤٠.

(٣) حكاه عنهما في الذكرى : ٢٥٦.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٢٣ ـ ٥٦١ ، الإستبصار ١ : ٢٤١ ـ ٨٥٩ ، الوسائل ٥ : ٥٣٦ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ٩.

(٥) الشهيد الأول في الذكرى : ٢٥٦ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٩٨.

٤٧٩

وأما اللواحق فمسائل :

الأولى : إذا خرج إلى مسافة فمنعه مانع اعتبر ، فإن كان بحيث يخفى عليه الأذان قصّر إذا لم يرجع عن نية السفر ، وإن كان بحيث يسمعه أو بدا له عن السفر أتم ، ويستوي في ذلك المسافر في البر والبحر.

الثانية : لو خرج إلى مسافة فردته الريح ، فإن بلغ سماع الأذان أتم ، وإلا قصّر.

______________________________________________________

قال الفقيه العسكري عليه‌السلام : « يجب على المسافر أن يقول في دبر كل صلاة يقصر فيها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، ثلاثين مرة لتمام الصلاة » (١) وهي ضعيفة السند بجهالة الراوي. قال في المعتبر : وقوله « يجب » يريد به الاستحباب (٢).

قوله : ( وأما اللواحق فمسائل ، الأولى ، إذا خرج إلى مسافة فمنعه مانع اعتبر ، فإن كان بحيث يخفى عليه الأذان قصر إذا لم يرجع عن نية السفر ، وإن كان بحيث يسمعه أو بدا له عن السفر أتم ، ويستوي في ذلك المسافر في البر والبحر ).

أما أنه يقصر إذا كان في محل الترخص ولم يبد له عن السفر فواضح ، لأنه مسافر لم ينقطع سفره بأحد الوجوه القاطعة للسفر ، فوجب عليه التقصير ، ويستمر مع التردد في ذلك المكان وعدم نية الإقامة إلى ثلاثين يوما كما مر.

وأما وجوب الإتمام إذا بدا له عن السفر قبل انتهاء المسافة ، فلفوات شرط التقصير ، وهو استمرار القصد إلى انتهاء المسافة. وكذا إذا حصل المانع قبل خفاء الأذان أو الجدران ، لأن ذلك بحكم البلد.

قوله : ( الثانية ، لو خرج إلى مسافة فردته الريح ، فإن بلغ سماع الأذان أتم وإلا قصّر ).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٣٠ ـ ٥٩٤ ، الوسائل ٥ : ٥٤٢ أبواب صلاة المسافر ب ٢٤ ح ١.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٨٤.

٤٨٠