مدارك الأحكام - ج ٤

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٤

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

الشرط الثالث : أن لا يقطع السفر بإقامة في أثنائه ، فلو عزم على مسافة وفي طريقه ملك له قد استوطنه ستة أشهر أتمّ في طريقه وفي ملكه. وكذا لو نوى الإقامة في بعض المسافة.

______________________________________________________

العشرة أو جزم بالسفر من دونها فكالأول ، وإلاّ وجب عليه الإتمام إما لعدم حصول الخفاء ، أو لعدم استمرار القصد اللذين هما شرط التقصير.

قوله : ( الشرط الثالث ، أن لا يقطع السفر بإقامة في أثنائه ، فلو عزم على مسافة وفي طريقه ملك له قد استوطنه ستة أشهر أتمّ في طريقه وفي ملكه ، وكذا لو نوى الإقامة في بعض المسافة ).

المراد بالإقامة في قوله : أن لا يقطع السفر بإقامة في أثنائه ، الإقامة الشرعية المتحققة بنية إقامة العشر والوصول إلى الوطن ، وفي قوله : وكذا لو نوى الإقامة ، الإقامة المعهودة وهي إقامة العشر. ولو جعل الشرط عدم قطع السفر بنية إقامة العشر أو الوصول إلى وطنه لكان أظهر. ولا خلاف بين الأصحاب في أن كلا من هذين الأمرين قاطع للسفر.

إما إقامة العشر فيدل عليه قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن وهب : « إذا دخلت بلدا وأنت تريد مقام عشرة أيام فأتم الصلاة حين تقدم » (١) وقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « إذا دخلت أرضا فأيقنت أن لك بها مقام عشرة أيام فأتم الصلاة فيه » (٢) وسيجي‌ء تمام الكلام في ذلك.

وأما الوصول إلى الوطن فتدل عليه روايات كثيرة ، منها : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن إسماعيل بن الفضل قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سافر من أرض إلى أرض وإنما ينزل قراه وضيعته قال : « إذا نزلت‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨٠ ـ ١٢٧٠ ، التهذيب ٣ : ٢٢٠ ـ ٥٥١ ، الوسائل ٥ : ٥٢٨ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١٧.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣٥ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ٢١٩ ـ ٥٤٦ ، الإستبصار ١ : ٢٣٧ ـ ٨٤٧ ، الوسائل ٥ : ٥٢٦ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ٩.

٤٤١

ولو كان بينه وبين ملكه أو ما نوى الإقامة فيه مسافة التقصير قصر في طريقه خاصة.

ولو كان له عدّة مواطن اعتبر ما بينه وبين الأول ، فإن كان مسافة قصّر في طريقه ، وينقطع سفره بموطنه فيتمّ فيه ، ثم يعتبر المسافة التي بين موطنيه ، فإن لم يكن مسافة أتمّ في طريقه لانقطاع سفره ، وإن كان مسافة قصّر في طريقه الثانية حتى يصل إلى وطنه.

______________________________________________________

قراك وضيعتك فأتم الصلاة ، فإذا كنت في غير أرضك فقصّر » (١).

وفي الصحيح ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يسافر فيمر بالمنزل له في الطريق أيتم الصلاة أم يقصر؟ قال : « يقصر ، إنما هو المنزل الذي توطّنه » (٢).

وفي الصحيح ، عن عليّ بن يقطين قال ، قلت لأبي الحسن الأول عليه‌السلام : الرجل يتخذ المنزل فيمر به أيتم أم يقصر؟ قال : « كل منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل وليس لك أن تتم فيه » (٣).

قوله : ( ولو كان بينه وبين ملكه أو ما نوى الإقامة فيه مسافة التقصير قصر في طريقه خاصة ، ولو كان له عدّة مواطن اعتبر ما بينه وبين الأول ، فإن كان مسافة قصّر في طريقه ، وينقطع سفره بموطنه فيتمّ فيه ، ثم يعتبر المسافة التي بين موطنيه ، فإن لم يكن مسافة أتمّ في طريقه لانقطاع سفره ، وإن كان مسافة قصّر في طريقه الثانية حتى يصل إلى وطنه ).

هذه الأحكام كلها معلومة مما سبق ، وكما تعتبر المسافة بين كل موطنين‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢١٠ ـ ٥٠٨ ، الإستبصار ١ : ٢٢٨ ـ ٨١٠ ، الوسائل ٥ : ٥٢٠ أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٢١٢ ـ ٥١٧ وفيه عن الحلبي ، الإستبصار ١ : ٢٣٠ ـ ٨١٨ ، الوسائل ٥ : ٥٢٢ أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ٨.

(٣) التهذيب ٣ : ٢١٢ ـ ٥١٥ ، الإستبصار ١ : ٢٣٠ ـ ٨١٩ ، الوسائل ٥ : ٥٢١ أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ٦.

٤٤٢

والوطن الذي يتم فيه هو كل موضع له فيه ملك قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا ، متوالية كانت أو متفرقة.

______________________________________________________

كذا تعتبر بين آخر المواطن وغاية مقصده ، فإن كان مسافة قصر عند خروجه من الأخير إلى مقصده ، وإلاّ فلا ، ولا يضم ما بين الوطن الأخير ونهاية المقصد إلى العود ، لأن لكل من الذهاب والإياب حكما برأسه فلا يضم أحدهما إلى الآخر.

قوله : ( والوطن الذي يتمّ فيه هو كل موضع له فيه ملك قد استوطنه ستة أشهر ).

إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الملك بين المنزل وغيره ، وبهذا التعميم جزم العلاّمة (١) ، ومن تأخر عنه (٢) حتى صرحوا بالاكتفاء في ذلك بالشجرة الواحدة ، واستدلوا عليه بما رواه الشيخ في الموثق ، عن عمار بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يخرج في سفر فيمر بقرية له أو دار فينزل فيها؟ قال : « يتم الصلاة ولو لم يكن له إلاّ نخلة واحدة ولا يقصر ، وليصم إذا حضره الصوم » (٣) وهذه الرواية ضعيفة السند باشتماله على جماعة من الفطحية.

والأصح اعتبار المنزل خاصة كما هو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية (٤) ، وابن بابويه (٥) ، وابن البراج (٦) ، وأبي الصلاح (٧) ، والمصنف في النافع (٨) ، لإناطة الحكم به في الأخبار الصحيحة ، ويدل عليه صريحا ما رواه الشيخ وابن‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٩٣ ، وتحرير الأحكام ١ : ٥٦ ، وتبصرة المتعلمين : ٤١.

(٢) كالشهيد الأول في البيان : ١٥٦ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٨٧.

(٣) التهذيب ٣ : ٢١١ ـ ٥١٢ ، الإستبصار ١ : ٢٢٩ ـ ٨١٤ ، الوسائل ٥ : ٥٢١ أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ٥.

(٤) النهاية : ١٢٤.

(٥) الفقيه ١ : ٢٨٨.

(٦) المهذب ١ : ١٠٦.

(٧) الكافي في الفقه : ١١٧.

(٨) المختصر النافع : ٥١.

٤٤٣

______________________________________________________

بابويه في الصحيح ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يقصر في ضيعته؟ فقال : « لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيام ، إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه » فقلت : ما الاستيطان؟ فقال : « أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر ، فإذا كان كذلك يتم فيها متى دخلها » (١).

وبهذه الرواية احتج الأصحاب على أنه يعتبر في الملك أن يكون قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا ، وهي غير دالة على ما ذكروه ، بل المتبادر منها اعتبار إقامة ستة أشهر في كل سنة ، وبهذا المعنى صرح ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه ، فقال بعد أن أورد قوله عليه‌السلام في صحيحة إسماعيل بن الفضل : « إذا نزلت قراك وأرضك فأتم الصلاة » : قال مصنف هذا الكتاب : يعني بذلك إذا أراد المقام في قراه وأرضه عشرة أيام ، ومتى لم يرد المقام بها عشرة أيام قصر إلاّ أن يكون له بها منزل يكون فيه في السنة ستة أشهر فإن كان كذلك أتم من دخلها ، وتصديق ذلك ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع (٢). وأورد الرواية المتقدمة ، والمسألة قوية الإشكال.

وكيف كان فالظاهر اعتبار دوام الاستيطان كما يعتبر دوام الملك ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة علي بن يقطين : « كل منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير » (٣) وفي صحيحة حماد بن عثمان : « إنما هو المنزل الذي توطنه » (٤).

وبمضمون هاتين الروايتين أفتى الشيخ في النهاية فقال : ومن خرج إلى ضيعة له وكان له فيها موضع ينزله ويستوطنه وجب عليه التمام ، فإن لم يكن له‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨٨ ـ ١٣١٠ ، التهذيب ٣ : ٢١٣ ـ ٥٢٠ ، الإستبصار ١ : ٢٣١ ـ ٨٢١ ، الوسائل ٥ : ٥٢٢ أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ١١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٨.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨٨ ـ ١٣١١ ، الوسائل ٥ : ٥٢٠ أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ١.

(٤) المتقدمة في ص ٤٤٢.

٤٤٤

الشرط الرابع : أن يكون السفر سائغا ، واجبا كان كحجة الإسلام ، أو مندوبا كزيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو مباحا كالأسفار للمتاجر. ولو كان معصية لم يقصّر ، كاتّباع الجائر وصيد اللهو.

______________________________________________________

فيها مسكن فإنه يجب عليه التقصير (١).

وقريب منه عبارة ابن البراج في كتابه المسمى بالكامل فإنه قال : من كانت له قرية له فيها موضع يستوطنه وينزل به وخرج إليها وكانت عدة فراسخ سفره على ما قدمنا فعليه التمام ، وإن لم يكن له فيها مسكن ينزل به ولا يستوطنه كان له التقصير.

وألحق العلاّمة (٢) ، ومن تأخر عنه (٣) بالملك اتخاذ البلد دار مقامه على الدوام. ولا بأس به ، لخروج المسافر بالوصول إليها عن كونه مسافرا عرفا.

قال في الذكرى : وهل يشترط هنا استيطان الستة؟ الأشهر الأقرب ذلك ليتحقق الاستيطان الشرعي مضافا إلى العرفي (٤). وهو غير بعيد ، لأن الاستيطان على هذا الوجه إذا كان معتبرا مع وجود الملك فمع عدمه أولى.

قوله : ( الشرط الرابع ، أن يكون السفر سائغا ، واجبا كان كحجة الإسلام ، أو مندوبا كزيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو مباحا كالأسفار للمتاجر ، ولو كان معصية لم يقصّر ، كاتّباع الجائر وصيد اللهو ).

هذا الشرط مجمع عليه بين الأصحاب كما نقله جماعة منهم المصنف في المعتبر (٥) ، والعلاّمة في جملة من كتبه (٦) ، وتدل عليه روايات : منها ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عمار بن مروان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ،

__________________

(١) النهاية : ١٢٤.

(٢) القواعد ١ : ٥٠.

(٣) كالشهيد الأول في الذكرى : ٢٥٧ ، والشهيد الثاني في الروضة البهية ١ : ٣٧٢.

(٤) الذكرى : ٢٥٧.

(٥) المعتبر ٢ : ٤٧٠.

(٦) المنتهى ١ : ٣٩٢ ، والتذكرة ١ : ١٩٠.

٤٤٥

______________________________________________________

سمعته يقول : من سافر قصر وأفطر إلاّ أن يكون رجلا سفره إلى صيد ، أو في معصية الله ، أو رسول لمن يعصي الله عزّ وجلّ ، أو طلب عدوّ وشحناء وسعاية ، أو ضرر على قوم مسلمين » (١) وما رواه الشيخ ، عن عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يخرج إلى الصيد أيقصر أم يتم؟ قال : « يتم ، لأنه ليس بمسير حق » (٢).

وعن أبي سعيد الخراساني قال : دخل رجلان على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام بخراسان فسألاه عن التقصير فقال لأحدهما : « وجب عليك التقصير لأنك قصدتني » وقال للآخر : « وجب عليك التمام لأنك قصدت السلطان » (٣).

وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في السفر المحرم بين من كان غاية سفره معصية كقاصد قطع الطريق بسفره ، وكالمرأة والعبد القاصدين بسفرهما النشوز والإباق ، أو كان نفس سفره معصية (٤) كالفارّ من الزحف ، والهارب من غريمه مع قدرته على وفاء الحق ، وتارك الجمعة بعد وجوبها ، ونحو ذلك.

قال جدي ـ قدس‌سره ـ في روض الجنان : وإدخال هذه الأفراد يقتضي المنع من ترخص كل تارك للواجب بسفره ، لاشتراكهما في العلة الموجبة لعدم الترخص ، إذ الغاية مباحة فإنه المفروض ، وإنما عرض العصيان بسبب ترك الواجب ، فلا فرق حينئذ بين استلزام سفر التجارة ترك صلاة الجمعة ونحوها ، وبين استلزامه ترك غيرها كتعلم العلم الواجب عينا أو كفاية ، بل الأمر في هذا‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٩٢ ـ ٤٠٩ ، الوسائل ٥ : ٥٠٩ أبواب صلاة المسافر ب ٨ ح ٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٢١٧ ـ ٥٣٧ ، الإستبصار ١ : ٢٣٦ ـ ٨٤١ ، الوسائل ٥ : ٥١١ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٢٠ ـ ٦٤٢ ، الإستبصار ١ : ٢٣٥ ـ ٨٣٨ ، الوسائل ٥ : ٥١٠ أبواب صلاة المسافر ب ٨ ح ٦.

(٤) في « ح » زيادة : كسالك الطريق المخوف ، والفارّ.

٤٤٦

______________________________________________________

الوجوب أقوى ، وهذا يقتضي عدم الترخص إلاّ لأوحدي الناس ، لكن الموجود من النصوص في ذلك لا يدل على إدخال هذا القسم ولا على مطلق المعاصي ، وإنما دل على السفر الذي غايته المعصية (١). هذا كلامه رحمه‌الله.

ويشكل بأن رواية عمار بن مروان التي هي الأصل في هذا الباب تتناول مطلق العاصي ، وكذا التعليل المستفاد من رواية عبيد بن زرارة ، والإجماع المنقول من جماعة. لكن لا يخفى أن تارك الواجب كالتعلم ونحوه إنما يكون عاصيا بنفس الترك لا بالسفر إلاّ إذا كان مضادا للواجب وقلنا باقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده الخاص ، وقد تقدم الكلام في ذلك مرارا وأن الظاهر عدم الاقتضاء كما هو اختياره ـ قدس‌سره (٢) ـ مع أن التضاد بين التعلم والسفر غير متحقق في أكثر الأوقات. فما ذكره ـ قدس‌سره ـ من أن إدخال هذا القسم يقتضي عدم الترخص إلا لأوحدي الناس غير جيد.

واعلم أن المعصية في السفر مانعة من الترخص ابتداء واستدامة ، فلو قصد المعصية ابتداء أتم ، ولو رجع عنها في أثناء السفر اعتبرت المسافة حينئذ فلو قصر الباقي أتم.

ولو قصد المعصية في أثناء السفر المباح انقطع ترخصه ، فلو عاد إلى الطاعة قصر ، وهل يعتبر كون الباقي مسافة؟ قيل : نعم ، وبه قطع العلاّمة في القواعد (٣) ، لبطلان المسافة الأولى بقصد المعصية فافتقر في عوده إلى التقصير إلى قصد مسافة جديدة.

وقيل : لا ، بل يكفي بلوغ السفر الواقع في حال الإباحة أولا وآخرا مسافة ، وهو ظاهر اختيار المصنف في المعتبر (٤) ، والعلاّمة في المنتهى (٥) ، وبه‌

__________________

(١) روض الجنان : ٣٨٨.

(٢) تمهيد القواعد : ١٧.

(٣) القواعد ١ : ٥٠.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٧٢.

(٥) المنتهى ١ : ٣٩٢.

٤٤٧

ولو كان الصيد لقوته وقوت عياله قصّر. ولو كان للتجارة ، قيل : يقصّر الصوم دون الصلاة ، وفيه تردد.

______________________________________________________

قطع في الذكرى ، واستدل عليه بأن المانع من التقصير إنما كان المعصية وقد زالت (١). وهو جيد ، وفي بعض الأخبار دلالة عليه (٢).

قوله : ( ولو كان الصيد لقوته وقوت عياله قصّر ، ولو كان للتجارة ، قيل : يقصّر الصوم دون الصلاة ، وفيه تردد ).

أما أنه يجب التقصير إذا كان الصيد لقوته وقوت عياله فلا ريب فيه ، لأنه سعي مأذون فيه ، بل مأمور به فساوى غيره من أسفار الطاعات ، ويؤيده قول الصادق عليه‌السلام في مرسلة عمران بن محمد القمي : « إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر وليقصر » (٣).

والأصح إلحاق صيد التجارة به كما اختاره المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه (٤) ـ وجماعة ، للإباحة ، بل قد يكون راجحا أيضا.

والقول بأن من هذا شأنه يقصر صومه ويتم صلاته للشيخ في النهاية والمبسوط (٥) ، وأتباعه (٦).

قال في المعتبر : ونحن نطالبه بدلالة الفرق ونقول : إن كان مباحا قصر فيهما وإن لم يكن أتم فيهما (٧). وهو جيد ، ويدل على ما اخترناه من التسوية بين قصر الصوم والصلاة ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن وهب ، عن‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٥٨.

(٢) الوسائل ٥ : ٥٠٩ أبواب صلاة المسافر ب ٨.

(٣) الكافي ٣ : ٤٣٨ ـ ١٠ ، الفقيه ١ : ٢٨٨ ـ ١٣١٢ ، التهذيب ٣ : ٢١٧ ـ ٥٣٨ ، الإستبصار ١ : ٢٣٦ ـ ٨٤٥ ، الوسائل ٥ : ٥١٢ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٥.

(٤) لم نعثر عليه كما في الحدائق ١١ : ٣٨٨.

(٥) النهاية : ١٢٣ ، والمبسوط ١ : ١٣٦.

(٦) منهم ابن البراج في المهذب ١ : ١٠٦ ، وابن حمزة في الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧٦ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٩١.

(٧) المعتبر ٢ : ٤٧١.

٤٤٨

الشرط الخامس : ألا يكون سفره أكثر من حضره ، كالبدوي الذي يطلب القطر ، والمكاري ، والملاح ، والتاجر الذي يطلب الأسواق ، والبريد.

______________________________________________________

أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا قصّرت أفطرت وإذا أفطرت قصّرت » (١).

قوله : ( الشرط الخامس ، ألا يكون سفره أكثر من حضره ، كالبدوي الذي يطلب القطر ، والمكاري والملاّح ، والتاجر الذي يطلب الأسواق والبريد ).

اشتهر على ألسنة الفقهاء أن كثير السفر يجب عليه الإتمام ، والمراد به من كان السفر عمله كالمكاري والجمّال فإن من هذا شأنه يصدق عليه أنه كثير السفر عرفا.

وجعل المصنف في المعتبر مكان هذا الشرط أن لا يكون ممن يلزمه الإتمام سفرا ثم قال : وقال بعضهم : أن لا يكون سفره أكثر من حضره. وهذه عبارة غير صالحة ، وقد اعتمدها المفيد ـ رحمه‌الله ـ وأتباعه ، ويلزم على قولهم لو أقام في بلده عشرة وسافر عشرين أن يلزمه الإتمام في السفر ، وهذا لم يقله أحد ، ولا ريب أنها عبارة بعض الأصحاب وتبعه آخرون ، ولو قال : يتقيد ذلك بأن لا يقيم في بلده عشرة. قلنا : فحينئذ لا يبقى بكثرة السفر اعتبار (٢). هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وهو غير واضح ، فإن كون هذه المسألة مقيدة بهذا القيد لا يقتضي عدم اعتبار كثرة السفر ، فإن إتمام كثير السفر مشروط بأن لا يقيم عشرة أيام.

وأورد عليه الشارح أيضا أن أولوية عبارته على عبارة الأصحاب غير واضحة ، لأن العاصي بسفره يدخل فيما ذكره مع أنه غير مراد ، وكذا الهائم ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٢٠ ـ ٥٥١ ، الوسائل ٥ : ٥٢٨ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١٧ ، وأوردها في الفقيه ١ : ٢٨٠ ـ ١٢٧٠.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٧٢.

٤٤٩

______________________________________________________

وطالب الآبق ، ونحوهما (١).

ويمكن دفعه بأن مراده بمن يلزمه الإتمام سفرا من يلزمه ذلك باتخاذه السفر صنعة كما يشعر به آخر كلامه ، والمناقشة في العبارات بعد ظهور المقصود هيّن.

والأصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « ليس على الملاّحين في سفينتهم تقصير ، ولا على المكارين ، ولا على الجمّالين » (٢).

وفي الصحيح ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « المكاري والجمّال الذي يختلف وليس له مقام يتم الصلاة ويصوم شهر رمضان » (٣).

وفي الصحيح ، عن زرارة قال ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : « أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر كانوا أو حضر : المكاري ، والكري ، والراعي ، والاشتقان ، لأنه عملهم » (٤) والكري : المكتري ، ويقال على المكاري ، والحمل على الأول أولى ، لأن العطف يؤذن بالمغايرة. والاشتقان قيل : إنه البريد (٥). وقيل : هو أمين البيدر (٦).

ويستفاد من هذه الرواية أن كل من كان السفر عمله يجب عليه الإتمام ،

__________________

(١) المسالك ١ : ٤٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٢١٤ ـ ٥٢٥ ، الإستبصار ١ : ٢٣٢ ـ ٨٢٧ ، الوسائل ٥ : ٥١٦ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ٨.

(٣) الكافي ٤ : ١٢٨ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢١٨ ـ ٦٣٤ ، الوسائل ٥ : ٥١٥ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٤٣٦ ـ ١ ، الفقيه ١ : ٢٨١ ـ ١٢٧٦ ، التهذيب ٣ : ٢١٥ ـ ٥٢٦ ، الاستبصار ١ : ٢٣٢ ـ ٨٢٨ ، الخصال : ٢٥٢ ـ ١٢٢ ، الوسائل ٥ : ٥١٥ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ٢.

(٥) كما في الفقيه ١ : ٢٨١.

(٦) كما في التذكرة ١ : ١٩١ ، والذكرى : ٢٥٨.

٤٥٠

وضابطه أن لا يقيم في بلد عشرة أيام. فلو أقام أحدهم عشرة ثم أنشأ سفرا قصّر ،

______________________________________________________

وينبغي أن يكون المرجع في ذلك إلى العرف لأنه المحكّم في مثله ، وبه قطع العلاّمة في جملة من كتبه (١) ، والشهيد في الذكرى لكنه قال : إن ذلك إنما يحصل غالبا بالسفرة الثالثة التي لم يتخلل قبلها إقامة تلك العشرة (٢).

واعتبر ابن إدريس في تحقق الكثرة ثلاث دفعات ، ثم قال : إن صاحب الصنعة من المكارين والملاّحين يجب عليهم الإتمام بنفس خروجهم إلى السفر ، لأن صنعتهم تقوم مقام تكرر من لا صنعة له ممن سفره أكثر من حضره (٣).

واستقرب العلاّمة في المختلف تعلق الإتمام في ذي الصنعة وغيره ممن جعل السفر عادته بالدفعة الثانية (٤).

ولم نقف لهذين القولين على مستند سوى ادعاء كل منهما دلالة العرف على ما ذكره ، وحيث قد عرفت أن الحكم بالتمام ليس منوطا بالكثرة وإنما هو معلق على اسم المكاري والجمّال ومن اتخذ السفر عمله وجب اعتبار صدق هذا الاسم ، سواء حصل بدفعتين أو بأزيد. ومن ذلك يعلم أن من لم يكن السفر عمله يجب عليه التقصير وإن سافر عشر سفرات متوالية ، لأن الحكم ليس منوطا بالكثرة وإنما هو بما ذكرناه من الأوصاف.

قوله : ( وضابطه أن لا يقيم في بلده عشرة أيام ، فلو قام أحدهم عشرة ثم أنشأ سفرا قصّر ).

هذا الضابط بمنزلة الشرط في وجوب إتمام كثير السفر كما صرح به في المعتبر حيث قال : وظاهر هذه الروايات لزوم الإتمام للمذكورين يعني المكاري ومن شاركه في الحكم كيف كان ، لكن الشيخ ـ رحمه‌الله ـ يشترط أن لا يقيموا‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٩١ ، والقواعد ١ : ٥٠.

(٢) الذكرى : ٢٥٨.

(٣) السرائر : ٧٦.

(٤) المختلف : ١٦٣.

٤٥١

______________________________________________________

في بلدهم عشرة أيام (١). وهذا الشرط مقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدلوا عليه بما رواه الشيخ ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « المكاري إن لم يستقر في منزله إلاّ خمسة أيام وأقل قصّر في سفره بالنهار وأتم بالليل وعليه صوم شهر رمضان ، وإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام وأكثر قصّر في سفره وأفطر » (٢).

وهذه الرواية ضعيفة السند باشتماله على إسماعيل بن مرار وهو مجهول ، ومع ذلك فهي متروكة الظاهر لتضمنها الاكتفاء في التقصير نهارا بإقامة ما دون الخمسة ، قاصرة الدلالة إذ مقتضاها اعتبار إقامة العشرة في البلد الذي يذهب إليه ، وهو غير صريح في كون المراد به المنزل. لكن الصدوق ـ رحمه‌الله ـ أورد هذه الرواية في كتابه بطريق صحيح ومتنها مغاير لما في التهذيب فإنه قال : « المكاري إذا لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام أو أقل قصر في سفره بالنهار وأتم صلاة الليل وعليه صوم شهر رمضان ، فإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر وينصرف إلى منزله ويكون له مقام عشرة أيام أو أكثر قصر في سفره وأفطر » (٣).

ومقتضى هذه الرواية اعتبار إقامة العشرة في المنزل والمكان الذي يذهب إليه ، ولا أعلم بذلك قائلا ، ومع ذلك فالطعن فيها باشتمالها على ما لا يقول به الأصحاب من الاكتفاء في التقصير نهارا بإقامة ما دون الخمسة باق بحاله. والمسألة محل إشكال إلاّ أن ظاهر الأصحاب الاتفاق على أن إقامة العشرة أيام في البلد قاطعة لكثرة السفر وموجبة للقصر.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٧٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٢١٦ ـ ٥٣١ ، الإستبصار ١ : ٢٣٤ ـ ٨٣٦ ، الوسائل ٥ : ٥١٩ أبواب صلاة المسافر ب ١٢ ح ٦.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨١ ـ ١٢٧٨.

٤٥٢

______________________________________________________

وألحق المصنف في النافع (١) ، والعلاّمة (٢) ، ومن تأخر عنه (٣) بإقامة العشرة في بلده العشرة المنوية في غير بلده. وألحق بها الشهيد في الدروس العشرة الحاصلة بعد التردد ثلاثين (٤). وربما كان مستندهم في ذلك ما رواه الشيخ ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن حد المكاري الذي يصوم ويتم ، قال : « أيما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقل من مقام عشرة أيام وجب عليه الصيام والتمام أبدا ، وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير والإفطار » (٥) وهذه الرواية ضعيفة السند أيضا بالإرسال ، وبأن من جملة رجالها إسماعيل بن مرار الواقع في طريق الرواية الأولى وهو مجهول.

وذكر جمع من المتأخرين أنه لا يشترط في العشرة التوالي ، نعم يشترط عدم تخلل قصد مسافة في أثنائها (٦). وهو حسن.

ومتى وجب القصر على كثير السفر بإقامة العشرة ثم سافر مرة ثانية بدون إقامة فالأظهر وجوب الإتمام عليه مع بقاء الاسم ، كما صرح به ابن إدريس (٧) ، وغيره. واعتبر الشهيد في الذكرى في العود إلى الإتمام هنا المرة الثالثة ، لأن الاسم قد زال بالإقامة فيكون كالمبتدئ (٨). وهو ضعيف ، لأن الاسم لا يزول بمجرد إقامة العشرة كما هو واضح.

__________________

(١) المختصر النافع ١ : ٥١.

(٢) التذكرة ١ : ١٩١ ، القواعد ١ : ٥٠.

(٣) كالشهيد الأول في الذكرى : ٢٥٨ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ١٤٨ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٩١.

(٤) الدروس : ٥١.

(٥) التهذيب ٤ : ٢١٩ ـ ٣٦٩ ، الإستبصار ١ : ٢٣٤ ـ ٨٣٧ ، الوسائل ٥ : ٥١٧ أبواب صلاة المسافر ب ١٢ ح ١.

(٦) الشهيد الأول في البيان : ١٦٠ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٩١.

(٧) السرائر : ٧٦.

(٨) الذكرى : ٢٥٨.

٤٥٣

وقيل : ذلك مختص بالمكاري ، فيدخل في جملته الملاح والأجير ، والأول أظهر. ولو أقام خمسة ، قيل : يتمّ ، وقيل : يقصّر نهارا صلاته دون صومه ويتم ليلا ، والأول أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( وقيل ذلك مختص بالمكاري ، فيدخل في جملته الأجير والجمال ، والأول أظهر ).

هذا القول لم نظفر بقائله ، قال بعض شرّاح النافع : ولعل المصنف سمعه من معاصر له في غير كتاب مصنف (١). وربما ظهر من عبارة المعتبر عدم تحقق الخلاف في ذلك فإنه قال بعد أن أورد رواية ابن سنان : وهذه الرواية تتضمن المكاري فلقائل أن يخص هذا الحكم بهم دون غيرهم ممن يلزمه الإتمام في السفر ، لكن الشيخ قيد الباقين بهذه الشرطية وهو قريب من الصواب (٢).

وكأن وجه القرب أن الظاهر من النصوص تساوي من يلزمه الإتمام ممن اتخذ السفر عمله في الأحكام ، ولا يخلو من قوة.

قوله : ( ولو أقام خمسة ، قيل : يتمّ ، وقيل : يقصّر نهارا صلاته دون صومه ويتم ليلا ، والأول أشبه ).

القول بوجوب الإتمام بإقامة الخمسة لابن إدريس (٣) وأكثر المتأخرين ، تمسكا بإطلاق الروايات المتضمنة لأن كثير السفر يجب عليه الإتمام (٤) ، خرج منه من أقام عشرة بالنص والإجماع إن تم فيبقى الباقي.

والقول بوجوب التقصير في صلاة النهار خاصة للشيخ (٥) ، وأتباعه (٦) ، تعويلا على رواية ابن سنان المتقدمة ، وهي متروكة الظاهر لأنه قال فيها :

__________________

(١) المهذب البارع ١ : ٤٨٨.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٧٣.

(٣) السرائر : ٧٦.

(٤) الوسائل ٥ : ٥١٥ أبواب صلاة المسافر ب ١١.

(٥) المبسوط ١ : ١٤١ ، النهاية : ١٢٢.

(٦) منهم ابن حمزة في الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧٦ ، وابن البراج في المهذب ١ : ١٠٦.

٤٥٤

______________________________________________________

« المكاري إن لم يستقر في منزله إلاّ خمسة أيام أو أقل قصر » (١) والأقل يصدق على يوم بل على بعض يوم ولا قائل به ، مع أنها معارضة بقوله في صحيحة معاوية بن وهب : « هما واحد إذا قصرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصرت » (٢).

واعلم أن الشيخ ـ رحمه‌الله ـ قد روى في التهذيب في الصحيح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « المكاري والجمّال إذا جدّ بهما السير فليقصرا » (٣).

وفي الصحيح ، عن الفضل بن عبد الملك ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المكارين الذين يختلفون فقال : « إذا جدّوا السير فليقصروا » (٤).

واختلف الأصحاب في تنزيلهما ، فقال الشيخ في التهذيب : الوجه في هذين الخبرين ما ذكره محمد بن يعقوب الكليني ـ رحمه‌الله ـ قال : هذا محمول على من يجعل المنزلين منزلا فيقصر في الطريق ويتم في المنزل (٥) ، والذي يكشف عن ذلك ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد ، عن عمران بن محمد بن عمران الأشعري ، عن بعض أصحابنا يرفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « الجمّال والمكاري إذا جدّ بهما السير فليقصرا فيما بين المنزلين ويتما في المنزل » (٦) وهذه الرواية مع ضعف سندها غير دالة على ما اعتبراه.

وحملهما الشهيد في الذكرى على ما إذا أنشأ المكاري والجمّال سفرا غير صنعتهما قال : ويكون المراد بجد السير أن يكون مسيرهما متصلا كالحج ،

__________________

(١) في ص ٤٥٢.

(٢) المتقدمة في ص ٤٤٨.

(٣) التهذيب ٣ : ٢١٥ ـ ٥٢٨ ، الوسائل ٥ : ٥١٩ أبواب صلاة المسافر ب ١٣ ح ١.

(٤) التهذيب ٣ : ٢١٥ ـ ٥٢٩ ، الوسائل ٥ : ٥١٩ أبواب صلاة المسافر ب ١٣ ح ٢.

(٥) التهذيب ٣ : ٢١٥.

(٦) الفقيه ١ : ٢٨٢ ـ ١٢٧٩ ، التهذيب ٣ : ٢١٥ ـ ٥٣٠ ، الإستبصار ١ : ٢٣٣ ـ ٨٣٢ الوسائل ٥ : ٥١٩ أبواب صلاة المسافر ب ١٣ ح ٣.

٤٥٥

الشرط السادس : لا يجوز للمسافر التقصير حتى تتوارى‌

______________________________________________________

والأسفار التي لا يصدق عليها صنعته (١). وهو قريب ، بل لا يبعد استفادة الحكم من تعليل الإتمام في صحيحة زرارة بأنه عملهم (٢).

واحتمل في الذكرى أن يكون المراد أن المكارين يتمون ما داموا يترددون في أقل من المسافة أو في مسافة غير مقصودة ، فإذا قصدوا مسافة قصروا قال : ولكن هذا لا يختص المكاري والجمّال بل كل مسافر (٣). ولعل ذلك مستند ابن أبي عقيل على ما نقل عنه حيث عمم وجوب القصر على كل مسافر ولم يستثن أحدا (٤). ويرده قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « أربعة يجب عليهم التمام في سفر كانوا أو حضر » (٥) فإن المتبادر من السفر المقابل للحضر المقتضي للتقصير.

وقال العلاّمة في المختلف : الأقرب عندي حمل الحديثين على أنهما إذا قاما عشرة أياما قصرا (٦). ولا يخفى بعد ما قرّبه.

وحملهما جدي ـ قدس‌سره ـ في روض الجنان على ما إذا قصد المكاري والجمّال المسافة قبل تحقق الكثرة (٧). وهو بعيد أيضا.

ويحتمل قويا الرجوع في جدّ السير إلى العرف ، والقول بوجوب التقصير عليهما في هذه الحالة للمشقة الشديدة بذلك ، والله تعالى أعلم.

قوله : ( الشرط السادس ، لا يجوز للمسافر التقصير حتى تتوارى‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٥٨.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣٦ ـ ١ ، الفقيه ١ : ٢٨١ ـ ١٢٧٦ ، التهذيب ٣ : ٢١٥ ـ ٥٢٦ ، الاستبصار ١ : ٢٣٢ ـ ٨٢٨ ، الخصال ١ : ٢٥٢ ، الوسائل ٥ : ٥١٥ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ٢.

(٣) الذكرى : ٢٥٨.

(٤) نقله عنه في المختلف : ١٦٣.

(٥) المتقدمة في ص ٤٥٠.

(٦) المختلف : ١٦٣.

(٧) روض الجنان : ٣٩٠.

٤٥٦

جدران البلد الذي يخرج منه أو يخفى عليه الأذان.

______________________________________________________

جدران البلد الذي يخرج منه أو يخفى عليه الأذان ).

ما اختاره المصنف رحمه‌الله من الاكتفاء بجواز التقصير بخفاء الأذان أو الجدران قول أكثر الأصحاب ، واعتبر الشيخ في الخلاف (١) ، والمرتضى (٢) ، وأكثر المتأخرين خفاءهما معا. وقال ابن إدريس : الاعتماد عندي على الأذان المتوسط دون الجدران (٣). وقال الشيخ عليّ بن بابويه : وإذا خرجت من منزلك فقصر إلى أن تعود إليه (٤). والمعتمد الأول.

لنا : أن فيه جمعا بين ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن محمد بن مسلم قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل يريد السفر فيخرج متى يقصر؟ قال : « إذا توارى من البيوت » (٥) وما رواه في الصحيح أيضا ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه سأله عن التقصير فقال : « إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع الأذان فقصر ، وإذا قدمت من سفرك مثل ذلك » (٦).

وهذا الجمع أعني الاكتفاء بخفاء الأذان أو الجدران في لزوم القصر أولى من الجمع بتقييد كل من الروايتين بالأخرى واعتبار خفائهما معا كما اختاره المتأخرون فإنه بعيد جدا.

وذكر الشارح أن المعتبر في رؤية الجدار صورته لا شبحه (٧). ومقتضى الرواية اعتبار التواري من البيوت ، والظاهر أن معناه ( وجود الحائل بينه وبينها‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٢٢.

(٢) جمل العلم والعمل : ٧٧.

(٣) السرائر : ٧٤.

(٤) نقله عنه في المختلف : ١٦٣.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٢٤ ـ ٥٦٦ ، الوسائل ٥ : ٥٠٥ أبواب صلاة المسافر ب ٦ ح ١.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٣٠ ـ ٦٧٥ ، الإستبصار ١ : ٢٤٢ ـ ٨٦٢ ، الوسائل ٥ : ٥٠٦ أبواب صلاة المسافر ب ٦ ح ٣.

(٧) المسالك ١ : ٤٩.

٤٥٧

ولا يجوز له الترخص قبل ذلك ولو نوى السفر ليلا. وكذا في عوده يقصّر حتى يبلغ سماع الأذان من مصره.

______________________________________________________

وإن كان قليلا وأنه لا يضر رؤيتها بعد ذلك ، لصدق التواري أولا ) (١).

وذكر الشهيدان أن البلد لو كانت في علو مفرط أو وهدة اعتبر فيها الاستواء تقديرا (٢). ويحتمل قويا الاكتفاء بالتواري في المنخفضة كيف كان ، لإطلاق الخبر.

والمرجع في الأذان إلى الأذان المتوسط ، فلا عبرة بسماع الأذان المفرط في العلو ، كما لا عبرة بخفاء الأذان المفرط في الانخفاض ، ويكفي سماع الأذان من آخر البلد وكذا رؤية آخر جدرانه ، أما لو اتسعت خطة البلد بحيث تخرج عن العادة فالظاهر اعتبار محلته.

قوله : ( وكذا في عوده يقصّر حتى يبلغ سماع الأذان من مصره ).

ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ في حكم العود أظهر الأقوال في المسألة ، لقوله عليه‌السلام في رواية ابن سنان المتقدمة : « وإذا قدمت من سفرك مثل ذلك » (٣) وإنما لم يكتف المصنف هنا بأحد الأمرين كما اعتبره في الذهاب ، لانتفاء الدليل هنا على اعتبار رؤية الجدران.

وذهب المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه (٤) ـ والشيخ عليّ بن بابويه (٥) ، وابن الجنيد (٦) إلى أن المسافر يجب عليه التقصير في العود حتى يبلغ منزله. وربما كان مستندهم صحيحة عيص بن القاسم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ح » : استتاره عنها بحيث لا يراه من كان في البلد.

(٢) الشهيد الأول في الذكرى : ٢٥٩ ، والدروس : ٥٠ ، والبيان : ١٥٨ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٩٢ ، والمسالك ١ : ٤٩.

(٣) في ص ٤٥٧.

(٤) نقله عنه في المعتبر ٢ : ٤٧٤.

(٥) نقله عنهما في المختلف : ١٦٤.

(٦) نقله عنهما في المختلف : ١٦٤.

٤٥٨

وقيل : يقصّر عند الخروج من منزله ويتم عند دخوله ، والأول أظهر. وإذا نوى الإقامة في غير بلده عشرة أتم ،

______________________________________________________

يزال المسافر مقصرا حتى يدخل بيته » (١).

وموثقه إسحاق بن عمار ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون مسافرا ثم يقدم فيدخل بيوت الكوفة أيتم الصلاة أم يكون مقصرا حتى يدخل أهله؟ قال : « بل يكون مقصرا حتى يدخل أهله » (٢).

وأجاب عنهما في المختلف بأن المراد بهما الوصول إلى موضع يسمع الأذان أو يرى الجدران ، فإن من وصل إلى هذا الموضع يخرج عن حكم المسافر فيكون بمنزلة من دخل منزله (٣). وهو تأويل بعيد. ولو قيل بالتخيير بعد الوصول إلى موضع يسمع فيه الأذان بين القصر والتمام إلى أن يدخل البلد كان وجها حسنا.

قوله : ( ولو نوى الإقامة في غير بلده عشرة أيام أتم ).

هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، وتدل عليه روايات كثيرة ، منها : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ، قلت له : أرأيت من قدم بلده إلى متى ينبغي له أن يكون مقصرا؟ ومتى ينبغي له أن يتم؟ فقال : « إذا دخلت أرضا فأيقنت أن لك بها مقام عشرة أيام فأتم الصلاة ، وإن لم تدر ما مقامك بها تقول غدا أخرج أو بعد غد فقصر ما بينك وبين أن يمضي شهر ، فإذا تم لك شهر فأتم الصلاة وإن أردت أن تخرج من ساعتك » (٤).

وفي الصحيح ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٢٢ ـ ٥٥٦ ، الإستبصار ١ : ٢٤٢ ـ ٨٦٤ ، الوسائل ٥ : ٥٠٨ أبواب صلاة المسافر ب ٧ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣٤ ـ ٥ ، الفقيه ١ : ٢٨٤ ـ ١٢٩١ وفيهما : إلى أهله ، التهذيب ٣ : ٢٢٢ ـ ٥٥٥ ، الإستبصار ١ : ٢٤٢ ـ ٨٦٣ ، الوسائل ٥ : ٥٠٨ أبواب صلاة المسافر ب ٧ ح ٣.

(٣) المختلف : ١٦٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٢١٩ ـ ٥٤٦ ، الإستبصار ١ : ٢٣٧ ـ ٨٤٧ ، الوسائل ٥ : ٥٢٦ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ٩.

٤٥٩

______________________________________________________

قال ، سمعته يقول : « إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيام فأتم الصلاة ، فإن تركه جاهلا فليس عليه شي‌ء » (١) وهما نص في المطلوب.

وهل يشترط في العشرة التوالي بحيث لا يخرج بينها إلى محل الترخص أم لا؟ الأظهر اشتراطه ، لأنه المتبادر من النص ، وبه قطع الشهيد في البيان (٢) ، وجدي ـ قدس‌سره ـ في جملة من كتبه (٣) ، وقال في بعض فوائده بعد أن صرح باعتبار ذلك : وما يوجد في بعض القيود من أن الخروج إلى خارج الحدود مع العود إلى موضع الإقامة ليومه أو ليلته لا يؤثر في نية الإقامة وإن لم ينو إقامة عشرة مستأنفة ، لا حقيقة له ، ولم نقف عليه مسندا إلى أحد من المعتبرين الذين تعتبر فتواهم ، فيجب الحكم باطراحه ، حتى لو كان ذلك في نيته من أول الإقامة بحيث صاحبت هذه النية نية إقامة العشرة لم يعتد بنية الإقامة وكان باقيا على القصر ، لعدم الجزم بإقامة العشرة المتوالية ، فإن الخروج إلى ما يوجب الخفاء يقطعها ونيته في ابتدائها تبطلها (٤). انتهى كلامه رحمه‌الله.

وهو جيد ، لكن ينبغي الرجوع في صدق الإقامة إلى العرف ، فلا يقدح فيها الخروج إلى بعض البساتين والمزارع المتصلة بالبلد مع صدق الإقامة فيها عرفا.

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : إنما يجب الإتمام بنية إقامة عشرة أيام تامة ، فلو نقصت ـ ولو قليلا ـ بقي التقصير. وفي الاجتزاء باليوم الملفق من يومي الدخول والخروج وجهان ، أظهرهما العدم ، لأن نصف اليومين لا يسمى يوما ، فلا تتحقق إقامة العشرة التامة بذلك. وقد اعترف الأصحاب بعدم الاكتفاء بالتلفيق في أيام الاعتكاف وأيام العدة ، والحكم في الجميع واحد.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٢١ ـ ٥٥٢ ، الوسائل ٥ : ٥٣٠ أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٣.

(٢) البيان : ١٥٦.

(٣) روض الجنان : ٣٩٩.

(٤) رسائل الشهيد : ١٩٠.

٤٦٠