مدارك الأحكام - ج ٤

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٤

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

وأما صلاة المطاردة :

وتسمى صلاة شدّة الخوف ، مثل أن ينتهي الحال إلى المعانقة والمسايفة ، فيصلي على حسب إمكانه ، واقفا أو ماشيا أو راكبا. ويستقبل القبلة بتكبيرة الإحرام ، ثم يستمر إن أمكنه ، وإلا استقبل ما أمكن ، وصلى مع التعذر إلى أي الجهات أمكن. وإذا لم يتمكن من النزول صلى راكبا وسجد على قربوس سرجه ، وإن لم يتمكن أومأ إيماء ،

______________________________________________________

أن الأصح أنه لا يجب على المأموم متابعة الإمام في السجود إلاّ مع اشتراكهما في السبب.

قوله : ( وأما صلاة المطاردة ، وتسمى صلاة شدّة الخوف ، مثل أن ينتهي الحال إلى المعانقة والمسايفة ، فيصلي على حسب إمكانه ، واقفا أو ماشيا أو راكبا. ويستقبل القبلة بتكبيرة الإحرام ، ثم يستمر إن أمكنه ، وإلا استقبل ما أمكن ، وصلى مع التعذر إلى أي الجهات أمكن. وإذا لم يتمكن من النزول صلى راكبا وسجد على قربوس سرجه ، وإن لم يتمكن أومأ إيماء ).

المراد أن من لم يتمكن من الإتيان بالصلاة التامة الأفعال بسبب الخوف وجب عليه الصلاة بحسب الإمكان واقفا أو ماشيا أو راكبا ، ويأتي بما أمكن من الركوع والسجود ، ومع التعذر يومئ بهما ، ويستقبل القبلة بما أمكن من صلاته. وهذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، وتدل عليه روايات ، منها : ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن زرارة وفضيل ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « في صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة وتلاحم القتال فإنه يصلّي كل إنسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه ، فإذا كانت المسايفة والمعانقة وتلاحم القتال ، فإن أمير المؤمنين عليه‌السلام ليلة صفين ـ وهي ليلة الهرير ـ لم يكن صلى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء عند وقت كل صلاة إلاّ بالتكبير والتهليل والتسبيح والتمجيد والتحميد والدعاء ، فكانت تلك صلاتهم ،

٤٢١

وإن خشي صلى بالتسبيح ، ويسقط الركوع والسجود ، ويقول بدل كل ركعة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.

______________________________________________________

لم يأمرهم بإعادة الصلاة » (١).

وفي الصحيح ، عن عبيد الله بن عليّ الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « صلاة الزحف على الظهر إيماء برأسك وتكبير ، والمسايفة تكبير بغير إيماء ، والمطاردة إيماء يصلي كل رجل على حياله » (٢).

وفي الصحيح ، عن زرارة قال ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : « الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة المواقفة إيماء على دابته » قال ، قلت : أرأيت إن لم يكن المواقف على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول؟ قال : « يتيمم من لبد سرجه أو دابته أو من معرفة دابته فإن فيها غبارا ويصلّي ، ويجعل السجود أخفض من الركوع ، ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت دابته ، غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه » (٣).

قوله : ( وإن خشي صلى بالتسبيح ، ويسقط الركوع والسجود ، ويقول بدل كل ركعة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ).

المراد من لم يتمكن من الإيماء حال المسايفة يسقط عنه ذلك وينتقل فرضه إلى التسبيح كما صرح به في المعتبر (٤) ، وهذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب أيضا ، ويدل عليه مضافا إلى ما سبق ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن الصادق عليه‌السلام : في صلاة الزحف ، قال : « يكبر ويهلل ، يقول الله عزّ وجلّ ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً ) (٥) » (٦) ثم قال : وفي كتاب عبد الله بن المغيرة : إن الصادق‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٧٣ ـ ٣٨٤ ، الوسائل ٥ : ٤٨٦ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٤ ح ٨.

(٢) التهذيب ٣ : ١٧٤ ـ ٣٨٦ ، الوسائل ٥ : ٤٨٥ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٤ ح ٢.

(٣) التهذيب ٣ : ١٧٣ ـ ٣٨٣ ، الوسائل ٥ : ٤٨٤ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٣ ح ٨.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٦١.

(٥) البقرة : ٢٣٩.

(٦) الفقيه ١ : ٢٩٥ ـ ١٣٤٤ ، الوسائل ٥ : ٤٨٥ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٤ ح ١.

٤٢٢

فروع :

الأول : إذا صلى موميا فأمن أتم صلاته بالركوع والسجود فيما بقي منها ولا يستأنف ، وقيل : ما لم يستدبر في أثناء صلاته.

______________________________________________________

عليه‌السلام ، قال : « أقل ما يجزي في حد المسايفة من التكبير تكبيرتان لكل صلاة ، إلاّ المغرب فإن لها ثلاثا » (١).

وليس فيما وقفت عليه من الروايات في هذه المسألة دلالة على ما اعتبره الأصحاب في كيفية التسبيح ، بل مقتضى رواية زرارة وابن مسلم أنه يتخير في الترتيب كيف شاء (٢) ، لكن قال في الذكرى : إن الأجود وجوب تلك الصيغة يعني : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، للإجماع على إجزائها وعدم تيقن الخروج من العهدة بدون الإتيان بها (٣). ولا ريب أن ما ذكره أحوط.

وينبغي إضافة شي‌ء من الدعاء إلى هذه التسبيحات كما تضمنته الرواية.

وصرح العلاّمة (٤) ومن تأخر عنه (٥) بأنه لا بد مع هذا التسبيح من النية وتكبيرة الإحرام والتشهد والتسليم. وعندي في وجوب ما عدا النية إشكال ، لعدم استفادته من الروايات ، بل ربما كانت ظاهرة في خلافه وإن كان المصير إلى ما ذكروه أحوط.

قوله : ( فروع ، الأول : إذا صلى موميا فأمن أتم صلاته بالركوع والسجود فيما بقي منها ولا يستأنف ، وقيل : ما لم يستدبر في أثناء صلاته ).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٩٦ ـ ١٣٥١ ، الوسائل ٥ : ٤٨٥ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٤ ح ٣.

(٢) المتقدمة في ص ٤٢١.

(٣) الذكرى : ٢٦٤.

(٤) القواعد ١ : ٤٨ ، وتحرير الأحكام : ٥٥.

(٥) كالشهيد الأول في الذكرى : ٢٦٤ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٨٢.

٤٢٣

وكذا لو صلى بعض صلاته ثم عرض الخوف أتمّ صلاة خائف ولا يستأنف.

الثاني : من رأى سوادا فظنّه عدوا فقصّر أو صلى موميا ثم انكشف بطلان خياله لم يعد. وكذا لو أقبل العدو فصلى موميا لشدة خوفه ثم بان هناك حائل يمنع العدو.

الثالث : إذا خاف من سيل أو سبع جاز أن يصلي صلاة شدة الخوف.

______________________________________________________

القول للشيخ في المبسوط (١) ، والأصح عدم وجوب الاستئناف مطلقا ، لصدق الامتثال ، ولأن الاستدبار الواقع في حال الاضطرار مأذون فيه شرعا فيكون كالجزء من الصلاة.

قوله : ( الثاني ، من رأى سوادا فظنّه عدوا فقصّر أو صلى موميا ثم انكشف بطلان خياله لم يعد. وكذا لو أقبل العدو فصلى موميا لشدة خوفه ثم ظهر أن هناك حائلا ، يمنع العدو ).

الوجه في ذلك كله أن الصلاة الواقعة على هذه التقادير صلاة مشروعة مأمور بها فتكون مجزئة ، ولو استند الخوف إلى التقصير في الاطلاع فقد قطع الشهيد في الذكرى بوجوب الإعادة ، للتفريط (٢). ولا بأس به.

قوله : ( الثالث ، إذا خاف من سيل أو سبع جاز أن يصلي صلاة شدة الخوف ).

مقتضى العبارة أن من هذا شأنه يصلّي صلاة شدة الخوف كمية وكيفية ، وبهذا التعميم صرح المصنف في المعتبر وهذه عبارته : كل أسباب الخوف يجوز معها القصر ، والانتقال إلى الإيماء مع الضيق ، والاقتصار على التسبيح إن خشي مع الإيماء وإن كان الخوف من لص أو سبع أو غرق ، وعلى ذلك فتوى علمائنا ، ثم استدل عليه بقوله تعالى :

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٦٦.

(٢) الذكرى : ٢٦٣.

٤٢٤

تتمة ، المتوحّل والغريق يصليان بحسب الإمكان ، ويوميان لركوعهما وسجودهما ، ولا يقصر واحد منهما عدد صلاته إلا في‌

______________________________________________________

( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (١) قال : وهو دال بمنطوقه على خوف العدوّ وبفحواه على ما عداه من المخوفات.

وبروايتي زرارة وعبد الرحمن المتقدمتين (٢) ، وصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يلقى السبع وقد حضرت الصلاة ، ولا يستطيع المشي مخافة السبع ، فإذا قام يصلي خاف في ركوعه وسجوده السبع ، والسبع أمامه على غير القبلة فإن توجه إلى القبلة خاف أن يثب عليه الأسد ، كيف يصنع؟ قال ، فقال : « يستقبل الأسد ويصلي ويومئ برأسه إيماء وهو قائم وإن كان الأسد على غير القبلة » (٣) (٤).

وهذه الروايات إنما تدل على مساواة صلاة خائف الأسد لخائف العدوّ في الكيفية ، أما قصر العدد فلا دلالة لها عليه بوجه ، وما ادعاه من دلالة الآية الشريفة عليه بالفحوى غير واضح.

ومن ثم تردد في ذلك العلاّمة في المنتهى ، وحكى عن بعض علمائنا قولا بأن التقصير في عدد الركعات إنما يكون في صلاة الخوف من العدوّ خاصة (٥). والمصير إليه متعين إلى أن يقوم على قصر العدد دليل يعتد به.

قوله : ( تتمة ، المتوحل والغريق يصليان بحسب الإمكان ، ويوميان لركوعهما وسجودهما ، ولا يقصر واحد منهما عدد صلاته إلا في‌

__________________

(١) النساء : ١٠١.

(٢) في ص ٤٢٠.

(٣) الكافي ٣ : ٤٥٧ ـ ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٩٩ ـ ٩١٢ ، الوسائل ٥ : ٤٨٢ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٣ ح ١.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٦١.

(٥) المنتهى ١ : ٤٠٥.

٤٢٥

سفر أو خوف.

______________________________________________________

سفر أو خوف ).

أما وجوب الصلاة عليهما بحسب الإمكان فلا ريب فيه ، لأن غير الممكن ليس بواجب.

وأما أنه ليس لهما قصر العدد إلاّ في السفر أو الخوف فلأن مقتضى الأصل لزوم الإتمام ، ترك العمل به مع السفر أو الخوف ، ومع انتفائهما يجب بقاء الحكم في الباقي.

وذكر الشهيد في الذكرى : أنه لو خاف من إتمام الصلاة استيلاء الغرق ، ورجا عند قصر العدد سلامته ، وضاق الوقت فالظاهر أنه يقصر العدد أيضا (١). واستحسنه الشارح ـ قدس‌سره ـ نظرا إلى أنه يجوز له الترك فقصر العدد أولى ، قال : لكن في سقوط القضاء بذلك نظر ، لعدم النص على جواز القصر هنا فوجوب القضاء أجود (٢).

وما ذكره ـ قدس‌سره ـ من وجوب القضاء جيّد إلا أنه لا يلائم ما استحسنه من جواز قصر العدد ، إذ مقتضاه وجوب الإتيان بالصلاة المقصورة ، وإذا وجب الأداء سقط القضاء. ومع ذلك فما استدل به على جواز القصر ضعيف جدا ، إذ لا يلزم من جواز ترك الصلاة للعجز جواز قصرها على هذا الوجه.

وبالجملة : فاللازم مما اعترف به من انتفاء دليل القصر مساواة حكم التمكن من الركعتين لحكم التمكن من الركعة الواحدة خاصة في عدم وجوب الإتيان بها منفردة. والله تعالى أعلم بحقائق أحكامه.

__________________

(١) الذكرى : ٢٦٤.

(٢) المسالك ١ : ٤٨.

٤٢٦

الفصل الخامس :

في صلاة المسافر

والنظر في : الشروط ، والقصر ، ولواحقه.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الخامس ، في صلاة السفر ).

روى ابن بابويه في كتابه من لا يحضره الفقيه في الصحيح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم أنهما قالا ، قلنا لأبي جعفر عليه‌السلام : ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي وكم هي؟ فقال : « إن الله عزّ وجلّ يقول ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) (١) فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر » قالا ، قلنا : إنما قال الله عزّ وجلّ : ليس عليكم جناح ولم يقل : افعلوا فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟ فقال عليه‌السلام : « أوليس قد قال الله عزّ وجلّ ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) (٢) ألا ترون أن الطواف واجب مفروض ، لأن الله عزّ وجلّ ذكره في كتابه وصنعه نبيه عليه‌السلام ، وكذلك التقصير شي‌ء صنعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكره الله تعالى ذكره في كتابه ».

قالا ، قلنا : فمن صلى في السفر أربعا أيعيد أم لا؟ فقال : « إن كان قد قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلّى أربعا أعاد ، وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه.

__________________

(١) النساء : ١٠١.

(٢) البقرة : ١٥٨.

٤٢٧

أما الشروط فستة :

الأول : اعتبار المسافة ، وهي مسيرة يوم ، بريدان ، أربعة وعشرون ميلا ، والميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد ، الذي طوله أربع وعشرون إصبعا ، تعويلا على المشهور بين الناس ، أو مدّ البصر من الأرض.

______________________________________________________

والصلوات (١) كلها في السفر الفريضة ركعتان كل صلاة إلاّ المغرب فإنها ثلاث ليس فيها تقصير ، تركها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السفر والحضر ثلاث ركعات ، وقد سافر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى ذي خشب وهي مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان أربعة وعشرون ميلا فقصّر وأفطر فصارت سنّة ، وقد سمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوما صاموا حين أفطر : العصاة ، قال : فهم العصاة إلى يوم القيامة ، وإنا لنعرف أبناءهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا » (٢).

قوله : ( أما الشروط فستة ، الأول : اعتبار المسافة ، وهي مسيرة يوم ، بريدان ، أربعة وعشرون ميلا ، والميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد ، الذي طوله أربع وعشرون إصبعا ، تعويلا على المشهور بين الناس ، أو مدّ البصر من الأرض ).

أجمع العلماء كافة على أن المسافة شرط في القصر ، وإنما اختلفوا في تقديرها ، فذهب علماؤنا أجمع إلى أن القصر إنما يجب في مسيرة يوم تام بريدين أربعة وعشرين ميلا ، حكى ذلك جماعة منهم المصنف في المعتبر (٣) ، وتدل عليه روايات كثيرة ، كصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة ، وصحيحة أبي أيوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن التقصير فقال : « في بريدين أو‌

__________________

(١) في المصدر : والصلاة.

(٢) الفقيه ١ : ٢٧٨ ـ ١٢٦٦ ، الوسائل ٥ : ٥٣٨ أبواب صلاة المسافر ب ٢٢ ح ١.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٦٥.

٤٢٨

______________________________________________________

في بياض يوم » (١).

وصحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن الأول عليه‌السلام عن الرجل يخرج في سفره وهو مسيرة يوم ، قال : « يجب عليه التقصير إذا كان مسيرة يوم وإن كان يدور في عمله » (٢).

وروى ابن بابويه ـ رضي‌الله‌عنه ـ بسند معتبر ، عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا عليه‌السلام أنه قال : « وإنما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك ولا أكثر ، لأن ثمانية فراسخ مسير يوم للعامة والقوافل والأثقال ، فوجب التقصير في مسير يوم ـ قال ـ : ولو لم يجب في مسير يوم لما وجب في مسير سنة ، لأن كل يوم يكون بعد هذا اليوم فإنما هو نظير هذا اليوم ، فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره » (٣).

واتفق العلماء كافة على أن الفرسخ ثلاثة أميال ، وهو مروي في عدة أخبار (٤). أما الميل فلم نقف في تقديره على رواية من طرق الأصحاب سوى ما رواه ابن بابويه مرسلا عن الصادق عليه‌السلام أنه ألف وخمسمائة ذراع (٥). وهو متروك.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢١٠ ـ ٥٠٦ ، الإستبصار ١ : ٢٢٥ ـ ٨٠٢ ، الوسائل ٥ : ٤٩٢ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ٧.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٠٩ ـ ٥٠٣ ، الإستبصار ١ : ٢٢٥ ـ ٧٩٩ ، الوسائل ٥ : ٤٩٣ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ١٦.

(٣) الفقيه ١ : ٢٩٠ ـ ١٣٢٠ ، الوسائل ٥ : ٤٩٠ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ١.

(٤) الوسائل ٥ : أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ١٥ وب ٢ ح ٤.

(٥) الفقيه ١ : ٢٨٦ ـ ١٣٠٣ ، الوسائل ٥ : ٤٩٨ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ١٦.

٤٢٩

______________________________________________________

وقد قطع الأصحاب بأن قدره أربعة آلاف ذراع ، وفي كلام بعض أهل اللغة دلالة عليه. قال في القاموس : الميل قدر مدّ البصر ، ومنار يبنى للمسافر ، أو مسافة من الأرض متراخية بلا حد ، أو مائة ألف إصبع إلاّ أربعة آلاف إصبع (١).

واستدل عليه في المعتبر بأن المسافة تعتبر بمسير اليوم ، وهو مناسب لذلك ، وكذا الوضع اللغوي وهو مدّ البصر من الأرض (٢).

وربما ظهر من عبارة المصنف في هذا الكتاب التوقف في هذا المعنى حيث نسبه إلى الشهرة ، وذكر التفسير الآخر جازما به.

وأما تقدير الذراع بالأصابع فالتعويل فيه على الأغلب ، وقدرت الإصبع بسبع شعيرات عرضا. وقيل : ست. والشعيرة ( بسبع ) (٣) شعرات من شعر البرذون.

وضبط مد البصر في الأرض بأنه ما يتميز به الفارس من الراجل للمبصر المتوسط في الأرض المستوية.

وينبغي التنبيه لأمور :

الأول : تعلم المسافة بأمرين : الاعتبار بالأذرع على الوجه المذكور. ومسير اليوم ، والمراد به يوم الصوم كما يدل عليه قوله عليه‌السلام في‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٥٤.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٦٧.

(٣) أثبتناه من « ض » ، « ح ».

٤٣٠

______________________________________________________

صحيحة أبي أيوب : « أو بياض يوم » (١).

واعتبر المصنف في المعتبر (٢) والعلاّمة في جملة من كتبه (٣) مسير الإبل السير العام. وهو جيد ، لأن ذلك هو الغالب فيحمل عليه الإطلاق ، ولقول الصادق عليه‌السلام في حسنة الكاهلي : « كان أبي يقول : لم يوضع التقصير على البغلة السفواء ، والدابة الناجية ، وإنما وضع على سير القطار » (٤).

قال الجوهري : يقال : بغلة سفواء بالسين المهملة : خفيفة سريعة (٥). وقال أيضا : الناجية : الناقة السريعة تنجو بمن ركبها (٦).

وفي رواية عبد الرحمن بن الحجاج ، قلت : كم أدنى ما تقصر فيه الصلاة؟ فقال : « جرت السنة ببياض يوم » فقلت له : إن بياض اليوم يختلف ، فيسير الرجل خمسة عشر فرسخا في يوم ويسير الآخر أربعة فراسخ وخمسة فراسخ في يوم؟ فقال : « أما إنه ليس إلى ذلك ينظر ، أما رأيت سير هذه الأثقال بين مكة والمدينة » ثم أومأ بيده أربعة وعشرين ميلا يكون ثمانية فراسخ » (٧).

واعتبر الشهيدان اعتدال الوقت والمكان والسير (٨). وهو جيد بالنسبة إلى‌

__________________

(١) المتقدمة في ص ٤٢٩.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٦٧.

(٣) المنتهى ١ : ٣٩٠ ، والتذكرة ١ : ١٨٨.

(٤) الفقيه ١ : ٢٧٩ ـ ١٢٦٩ ، التهذيب ٤ : ٢٢٣ ـ ٦٥٢ ، الوسائل ٥ : ٤٩١ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ٣.

(٥) الصحاح ٦ : ٢٣٧٨.

(٦) الصحاح ٦ : ٢٥٠١.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٢٢ ـ ٦٤٩ ، الوسائل ٥ : ٤٩٣ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ١٥.

(٨) الشهيد الأول في الذكرى : ٢٥٧ ، والدروس : ٥٠ ، والشهيد الثاني في الروضة البهية ١ : ٣٦٩ ، وروض الجنان : ٣٨٣.

٤٣١

______________________________________________________

الوقت والسير ، أما المكان فيحتمل قويا عدم اعتبار ذلك فيه ، لإطلاق النص وإن اختلفت كمية المسافة في السهولة والحزونة.

الثاني : لا ريب في الاكتفاء بالسير عن التقدير. ولو اعتبرت المسافة بهما واختلفا فالأظهر الاكتفاء في لزوم القصر ببلوغ المسافة بأحدهما ، واحتمل جدي ـ قدس‌سره ـ في بعض كتبه تقديم السير ، لأنه أضبط ، ولأن الأصل الذي اعتمد عليه المصنف في تقدير الميل وهو مناسبته لمسير اليوم يرجع إليه (١). وربما لاح من كلام الشهيد في الذكرى تقديم التقدير (٢). ولعله لأنه تحقيق والآخر تقريب. ومبدأ التقدير من آخر خطة البلد المعتدل ، وآخر محلته في المتسع عرفا.

الثالث : لا فرق مع ثبوت المسافة بالأذرع بين قطعها في يوم أو أقل أو أكثر ، وقد يشكل فيما لو تراخى الزمان كثيرا على وجه يخرج به عن اسم المسافر ، كما لو قصد قطع المسافة في شهرين أو ثلاثة. وجزم في الذكرى بعدم الترخص ، لعدم التسمية ثم قال : ومن هذا الباب لو قارب المسافر بلده فتعمد ترك الدخول إليه للترخص ولبث في قرى تقاربه مدة يخرج بها عن اسم المسافر ، ولم أقف في هذين الموضعين على كلام للأصحاب ، وظاهر النظر يقتضي عدم الترخص (٣). هذا كلامه رحمه‌الله.

ويمكن المناقشة في عدم الترخص في الصورة الثانية بأن السفر بعد استمراره إلى انتهاء المسافة فإنما ينقطع بأحد القواطع المقررة من نية الإقامة أو التردد ثلاثين أو الوصول إلى الوطن ، وبدونه يجب البقاء على حكم القصر. أما ما ذكره من عدم الترخص في الصورة الأولى فجيد ، لأن التقصير إنما يثبت في السفر الجامع لشرائط القصر ، فمتى انتفى السفر أو أحد شرائطه قبل انتهاء‌

__________________

(١) روض الجنان : ٣٨٣.

(٢) الذكرى : ٢٥٧.

(٣) الذكرى : ٢٥٧.

٤٣٢

______________________________________________________

السفر انتفى التقصير.

الرابع : البحر كالبرّ ، فلو سافر فيه وبلغ المسافة قصر وإن كان ربما قطعها في ساعة واحدة ، إذ بلوغ المسافة بالأذرع كاف في وجوب القصر. وقال في المنتهى : إنه لا يعرف في ذلك خلافا (١).

الخامس : إنما يجب التقصير مع العلم ببلوغ المسافة بالاعتبار أو الشياع ، أو شهادة العدلين ، ومع انتفاء الأمرين يجب الإتمام. وفي وجوب الاعتبار مع الشك إشكال : منشؤه أصالة البراءة ، وتوقف الواجب عليه.

ولو سافر مع الجهل ببلوغ المسافة ثم ظهر أن المقصر مسافة وجب التقصير حينئذ وإن قصر الباقي عن مسافة ، ولا تجب عليه إعادة ما صلاّه تماما قبل ذلك ، لأنها صلاة مأمور بها فكانت مجزئة.

السادس : لو تعارضت البيّنتان ببلوغ المسافة وعدمها قال في المعتبر : أخذنا بالمثبتة وقصر (٢). وهو جيد مع إطلاق البينتين ، أما إذا كان النفي متضمنا للإثبات كدعوى الاعتبار وتبين القصور فالمتجه تقديم بينة النفي ، لاعتضادها بأصالة التمام. ويتعلق بكل من البينتين حكم ما يعتقده فيقصر المثبت ويتم النافي.

وفي جواز اقتداء أحدهما بالآخر وجهان : من حكم كل منهما بخطإ الآخر ، ومن أن كلا من الصلاتين محكوم بصحتها شرعا ، لإتيان كل منهما بما هو فرضه ، فينتفي المانع من الاقتداء. ورجح الشهيدان الجواز (٣). وهو حسن. لكنهما منعا من الاقتداء مع المخالفة في الفروع ، والفرق بين المسألتين مشكل.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٩٠.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٦٧.

(٣) الشهيد الأول في الذكرى : ٢٥٧ ، والدروس : ٥٠ ، والبيان : ١٥٥ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٨٥.

٤٣٣

ولو كانت المسافة أربعة فراسخ وأراد العود ليومه فقد كمل مسير يوم ووجب التقصير.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كانت المسافة أربعة فراسخ وأراد العود ليومه فقد كمل مسير يوم ووجب التقصير ).

اختلف الأصحاب في حكم المسافر في الأربعة فراسخ ، فذهب المرتضى (١) ، وابن إدريس (٢) ، والمصنف (٣) ، وجمع من الأصحاب إلى وجوب التقصير عليه إذا أراد الرجوع ليومه والمنع من التقصير إذا لم يرد ذلك.

وقال الصدوق في من لا يحضره الفقيه : وإذا كان سفره أربعة فراسخ وأراد الرجوع من يومه فالتقصير عليه واجب ، وإن كان سفره أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع من يومه فهو بالخيار إن شاء أتم وإن شاء قصّر (٤). ونحوه قال المفيد (٥) ، والشيخ في النهاية إلا أنه منع من التقصير في الصوم (٦).

وقال الشيخ في كتابي الأخبار : إن المسافر إذا أراد الرجوع من يومه فقد وجب عليه التقصير في أربعة فراسخ ثم قال : على أن الذي نقوله في ذلك أنه إنما يجب التقصير إذا كان مقدار المسافة ثمانية فراسخ ، وإذا كان أربعة فراسخ كان بالخيار في ذلك إن شاء أتم وإن شاء قصر (٧).

وقال ابن أبي عقيل : كل سفر كان مبلغه بريدين وهو ثمانية فراسخ ، أو بريد ذاهبا وبريد جائيا وهو أربعة فراسخ في يوم واحد أو ما دون عشرة أيام فعلى من سافره عند آل الرسول عليهم‌السلام أن يصلي صلاة السفر‌

__________________

(١) جمل العلم والعمل : ٧٧.

(٢) السرائر : ٧٣.

(٣) المختصر النافع : ٥٠ ، والمعتبر ٢ : ٤٦٧ ، والشرائع ١ : ١٣٢.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨٠.

(٥) المقنعة : ٣٥.

(٦) النهاية : ١٦١.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٠٨ ، والاستبصار ١ : ٢٢٤.

٤٣٤

______________________________________________________

ركعتين (١).

ومنشأ الاختلاف في هذه المسألة أنه ورد في عدة أخبار إطلاق الأمر بالتقصير في أربعة فراسخ ، كصحيحة أبي أسامة زيد الشحام قال ، سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « يقصر الرجل الصلاة في مسيرة اثني عشر ميلا » (٢).

وصحيحة إسماعيل بن الفضل ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التقصير فقال : « في أربعة فراسخ » (٣).

وصحيحة معاوية بن عمار قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن أهل مكة يتمون الصلاة بعرفات فقال : « ويلهم ـ أو ويحهم ـ وأيّ سفر أشد منه ، لا تتم » (٤) وعرفات على أربعة فراسخ من مكة كما نص عليه الأصحاب وغيرهم.

وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « التقصير في بريد ، والبريد أربعة فراسخ » (٥).

وحسنة أبي أيوب قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أدنى ما يقصر فيه المسافر؟ فقال : « بريد » (٦) وفي معنى هذه الروايات روايات كثيرة.

واختلف رأي الأصحاب في وجه الجمع بين هذه الروايات وبين ما تضمن‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف : ١٦٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٠٨ ـ ٤٩٨ ، الإستبصار ١ : ٢٢٤ ـ ٧٩٤ ، الوسائل ٥ : ٤٩٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ٣.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٠٨ ـ ٥٠٠ ، الإستبصار ١ : ٢٢٤ ـ ٧٩٦ ، الوسائل ٥ : ٤٩٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ٥.

(٤) الكافي ٤ : ٥١٩ ـ ٥ ، الفقيه ١ : ٢٨٦ ـ ١٣٠٢ ، التهذيب ٣ : ٢١٠ ـ ٥٠٧ ، الوسائل ٥ : ٤٩٩ أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ١.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٢٣ ـ ٦٥٣ ، الوسائل ٥ : ٤٩٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٤٣٢ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠٧ ـ ٤٩٥ ، الإستبصار ١ : ٢٢٣ ـ ٧٩١ ، الوسائل ٥ : ٤٩٧ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ١١.

٤٣٥

______________________________________________________

تقدير المسافة بثمانية فراسخ ، فحمل الشيخ في أحد وجهيه (١) ، والمصنف (٢) ، ومن قال بمقالتهما هذه الروايات على ما إذا أراد المسافر الرجوع ليومه ، واستدلوا على هذا الحمل بما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة بن أعين ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن التقصير فقال : « بريد ذاهب وبريد جائي ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتى ذبابا قصر ، وذباب على بريد ، وإنما فعل ذلك لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ » (٣).

وما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن وهب قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أدنى ما يقصر فيه المسافر الصلاة؟ فقال : « بريد ذاهبا وبريد جائيا » (٤).

وعن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن التقصير ، قال : « في بريد » قلت : بريد؟ قال : « إنه إذا ذهب بريدا ورجع بريدا شغل يومه » (٥).

ويتوجه على هذا الجمع أولا : أن إطلاق الأمر بالتقصير في الأربعة فراسخ في هذه الروايات المستفيضة مع كونه مشروطا بشرط لا يدل عليه اللفظ بعيد جدا ، بل ربما كان قبيحا فيمتنع صدوره من الحكيم.

وثانيا : أن ما استدل به على هذا الجمع غير واضح الدلالة ، أما روايتا زرارة ومعاوية بن وهب فلأن أقصى ما تدلان عليه ثبوت التقصير إذا كانت المسافة بريدا ذاهبا وبريدا جائيا ، وليس فيهما دلالة على اعتبار وقوع الذهاب‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٠٧ ، والاستبصار ١ : ٢٢٣.

(٢) المختصر النافع : ٥ ، والمعتبر ٢ : ٤٦٧ ، والشرائع ١ : ١٣٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨٧ ـ ١٣٠٤ ، الوسائل ٥ : ٤٩٨ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ١٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٠٨ ـ ٤٩٦ ، الإستبصار ١ : ٢٢٣ ـ ٧٩٢ ، الوسائل ٥ : ٤٩٤ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٢٤ ـ ٦٥٨ ، الوسائل ٥ : ٤٩٦ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ٩.

٤٣٦

______________________________________________________

والعود في يوم واحد.

وأما رواية ابن مسلم فإنها وإن كانت مشعرة بذلك إلاّ أنها غير صريحة فيه ، بل ربما لاح منها أن التعليل بكونه « إذا ذهب بريدا ورجع بريدا شغل يومه » إنما وقع على سبيل التقريب إلى الأفهام ، كما يشعر به إطلاق التقصير في البريد أولا.

وثالثا : أن الظاهر من رواية معاوية بن عمار (١) المتضمنة لتوبيخ أهل مكة على الإتمام بعرفات كون الخروج للحج ، وقد وقع التصريح بذلك في رواية إسحاق بن عمار حيث قال فيها ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : في كم التقصير : فقال : « في بريد ، ويحهم كأنهم لم يحجوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٢).

وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إن أهل مكة إذا خرجوا حجاجا قصروا ، وإذا زاروا ورجعوا إلى منازلهم أتموا » (٣) والخروج للحج لا يتحقق معه الرجوع ليومه.

وجمع الشيخ في كتابي الأخبار بين هذه الروايات بوجه آخر ، وهو تنزيل أخبار الثمانية على الوجوب ، وأخبار الأربعة على الجواز (٤) (٥). وحكاه بعض مشايخنا المعاصرين عن جدي ـ قدس‌سره ـ في الفتاوى ، ومال إليه في روض الجنان حتى أنه استوجه كون القصر أفضل من الإتمام (٦). ولا ريب في قوة هذا‌

__________________

(١) المتقدمة في ص ٤٣٥.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٠٩ ـ ٥٠٢ ، الإستبصار ١ : ٢٢٥ ـ ٧٩٨ ، الوسائل ٥ : ٥٠٠ أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ٦.

(٣) الكافي ٤ : ٥١٨ ـ ٢ ، الوسائل ٥ : ٥٠٠ أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ٨.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٠٨ ، والاستبصار ١ : ٢٢٤.

(٥) في « ح » ، « ض » زيادة : قال في الذكرى : وهو قوي لكثرة الأخبار الصحيحة بأربعة فراسخ فلا أقل من الجواز.

(٦) روض الجنان : ٢٨٤.

٤٣٧

ولو تردد يوما في ثلاثة فراسخ ذاهبا وجائيا وعائدا لم يجز القصر وإن كان ذلك من نيته. ولو كان لبلد طريقان والأبعد منهما مسافة فسلك الأبعد قصّر وإن كان ميلا إلى الرخصة.

______________________________________________________

الوجه ، ولا ينافي ما ذكرناه من التخيير رواية معاوية بن عمار المتضمنة لنهي أهل مكة عن الإتمام بعرفات ، لأنا نجيب عنها بالحمل على الكراهة ، أو على أن المنهي عنه الإتمام على وجه اللزوم. والله تعالى أعلم.

قوله : ( ولو تردد يوما في ثلاثة فراسخ ذاهبا وجائيا ، لم يجز التقصير وإن كان ذلك من نيته ).

هذا الحكم مقطوع به في كلام أكثر الأصحاب ، واستدل عليه في التذكرة بأن من هذا شأنه ينقطع سفره بالرجوع وإن كان في رجوعه لم ينته إلى سماع الأذان ومشاهدة الجدران ، وإلاّ لزم القصر لو تردد في فرسخ واحد ثماني مرات (١). وهو جيد ، ويدل عليه أيضا أن مقتضى الأصل لزوم الإتمام ، خرج منه قاصد الثمانية أو الأربعة التي لا تكون ملفقة من الذهاب والإياب لأنه المتبادر من اللفظ ، فيبقى الباقي على الأصل.

وخالف في ذلك العلاّمة في التحرير فقال : لو قصد التردد في ثلاث فراسخ ثلاث مرات لم يقصر إلاّ أن لا يبلغ في الرجوع الأول مشاهدة الجدران ولا سماع الأذان (٢). وهو ضعيف.

قوله : ( ولو كان لبلد طريقان ، وأحدهما خاصة مسافة فإن سلك الأبعد قصّر وإن كان ميلا إلى الرخصة ).

إذا كان لبلد طريقان أحدهما خاصة مسافة ، فإن سلك الأبعد لعلة غير الترخص قصر إجماعا ، وإن كان للترخص لا غير فالمشهور أنه كالأول ، للإباحة. وقال ابن البراج : يتم ، لأنه كاللاهي بصيده (٣). وهو ضعيف.

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٨٨.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٥٥.

(٣) المهذب ١ : ١٠٧ ، وجواهر الفقه ( الجوامع الفقهية ) : ٤٧٦.

٤٣٨

الشرط الثاني : قصد المسافة ، فلو قصد ما دون المسافة ثم تجدد له رأي فقصد أخرى لم يقصر ولو زاد المجموع على مسافة التقصير. فإن عاد وقد كملت المسافة فما زاد قصّر. وكذا لو طلب دابة شذت ، أو غريما ، أو آبقا.

______________________________________________________

وإن سلك الأقصر أتم في الذهاب وإن نوى الرجوع بالأبعد ، لأنه لم يقصد أولا مسافة والقصد الثاني لا حكم له قبل الشروع فيه. ولو سلك الأبعد في الرجوع كان الحكم فيه كما في الذهاب.

قوله : ( الشرط الثاني ، قصد المسافة : فلو قصد ما دون المسافة ، ثم تجدد له رأي فقصد أخرى لم يقصر وإن زاد المجموع على مسافة التقصير ، فإن عاد وقد كملت المسافة فما زاد قصّر ).

أجمع العلماء كافة على أنه يعتبر في التقصير قصد المسافة ، فلو قصد دون المسافة ثم قصد ما دونها لم يقصر في ذهابه ولو قطع أضعاف المسافة ، وكذا لو خرج غير ناو للمسافة وإن بلغ مسافات. ويدل على اعتبار هذا الشرط أن اعتبار المسافة إنما يتحقق بأحد أمرين إما قصدها ابتداء وإما قطعها أجمع ، والثاني غير معتبر إجماعا فيثبت الأول ، وما رواه الشيخ عن صفوان ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان فقال : « لا يقصر ولا يفطر ، لأنه خرج من منزله وليس يريد السفر ثمانية فراسخ ، وإنما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق فتمادى به السير إلى الموضع الذي بلغه » (١).

ومن الشرائط أيضا استمرار القصد إلى انتهاء المسافة ، فلو قصد المسافة ثم رجع عن قصده قبل بلوغها أتم ، وكذا لو تردد عزمه في الذهاب والرجوع كما نص عليه في الذكرى (٢). ولا يقدح عروض الجنون في الأثناء وكذا‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٢٥ ـ ٦٦٢ ، الإستبصار ١ : ٢٢٧ ـ ٨٠٦ ، الوسائل ٥ : ٥٠٣ أبواب صلاة المسافر ب ٤ ح ١.

(٢) الذكرى : ٢٥٦.

٤٣٩

ولو خرج ينتظر رفقة إن تيسروا سافر معهم ، فإن كان على حدّ مسافة قصّر في سفره وموضع توقّفه. وإن كان دونها أتمّ حتى يتيسّر له الرفقة ويسافر.

______________________________________________________

الإغماء. ولو منع من السفر فكمنتظر الرفقة.

ولو كان قد صلى قصرا قبل الرجوع أو التردد فالأظهر أنه لا يعيد مطلقا ، لأنه صلّى صلاة مأمورا بها فكانت مجزئة ، ولما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن زرارة : أنه سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده فدخل عليه الوقت وقد خرج من القرية على فرسخين فصلّوا وانصرف بعضهم في حاجة فلم يقض له الخروج ، ما يصنع بالصلاة التي كان صلاها ركعتين؟ قال : « تمت صلاته ولا يعيد » (١).

وقال الشيخ في الإستبصار : يعيد مع بقاء الوقت ، واستدل بما رواه عن سليمان بن حفص المروزي ، عن الكاظم عليه‌السلام أنه قال : « وإن كان قد قصر ثم رجع عن نيته أعاد الصلاة » (٢) وهي ضعيفة بجهالة الراوي ، ولو صحت لوجب حملها على الاستحباب جمعا بين الأدلة.

قوله : ( ولو خرج ينتظر رفقة إن تيسروا سافر معهم فإن كان على حدّ مسافة قصّر في سفره وموضع توقّفه ، وإن كان دونها أتمّ حتى يتيسّر له الرفقة ويسافر ).

إنما وجب عليه الإتمام إذا لم يكن انتظاره على حد المسافة ، لانتفاء شرط التقصير ، وهو استمرار القصد إلى انتهائها.

والحاصل أن منتظر الرفقة إن كان على رأس المسافة يجب عليه التقصير ما لم ينو المقام عشرة أو يمضي عليه ثلاثون مترددا لأنه مسافر فيتعلق به حكمه ، وإن كان على ما دون المسافة وهو في محل الترخص وقطع بمجي‌ء الرفقة قبل‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨١ ـ ١٢٧٢ ، الوسائل ٥ : ٥٤١ أبواب صلاة المسافر ب ٢٣ ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٢٦ ـ ٦٦٤ ، الإستبصار ١ : ٢٢٧ ـ ٨٠٨ ، الوسائل ٥ : ٤٩٥ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ٤.

٤٤٠