مدارك الأحكام - ج ٤

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي

مدارك الأحكام - ج ٤

المؤلف:

السيد محمّد بن علي الموسوي العاملي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

ويجب أن يرفع صوته بحيث يسمع العدد المعتبر فصاعدا ، وفيه تردد.

الرابع : الجماعة ، فلا تصحّ فرادى ،

______________________________________________________

له فالمراد المماثلة في الأحكام والشرائط إلا ما وقع عليه الإجماع.

وأجيب عن الأول بمنع كون الاحتياط دليلا شرعيا ، بل منع استلزام هذا القول للاحتياط ، فإن إلزام المكلف بالطهارة بغير دليل إثم كما إن إسقاط الواجب إثم.

وعن الثاني بأن فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعم من الواجب ، فإنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحافظ على المندوبات كمحافظته على الواجبات ، والتأسي إنما يجب فيما علم وجوبه كما تقرر في محله (١).

وعن الرواية بوجوه أظهرها : إن إثبات المماثلة بين الشيئين لا تستلزم أن تكون من جميع الوجوه ، كما تقرر في مسألة نفي المساواة لا يفيد العموم. والمسألة محل تردد وإن كان الاشتراط لا يخلو من رجحان تمسكا بظاهر الرواية.

قوله : ( ويجب أن يرفع صوته بحيث يسمع العدد المعتبر فصاعدا ، وفيه تردد ).

منشؤه أصالة عدم الوجوب ، وأن الغرض من الخطبة لا يحصل بدون الإسماع (٢). والوجوب أظهر ، للتأسي ، وعدم تحقق الخروج من العهدة بدونه. ويؤيده ما روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا خطب يرفع صوته كأنه منذر جيش (٣).

ولو حصل مانع من السمع سقط الوجوب ، مع احتمال سقوط الصلاة أيضا إذا كان المانع حاصلا للعدد المعتبر في الوجوب ، لعدم ثبوت التعبد بالصلاة على هذا الوجه.

قوله : ( الرابع ، الجماعة : فلا تصح فرادى ).

__________________

(١) أجاب عنه في المعتبر ٢ : ٢٨٦.

(٢) في « س » : الاستماع.

(٣) الجامع الصغير ٢ : ٣٢٩ ـ ٦٦٥٦.

٤١

______________________________________________________

أجمع العلماء كافة على اشتراط الجماعة في الجمعة ، فلا يصح الانفراد بها‌ وإن حصل العدد ، بل لا بد من الارتباط الحاصل بين صلاة الإمام والمأموم. ويدل عليه التأسي ، والأخبار المستفيضة ، كقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « منها صلاة واحدة فرضها الله في جماعة ، وهي الجمعة » (١) وفي صحيحة عمر بن يزيد : « إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة » (٢) وغير ذلك من الأخبار (٣).

وتتحقق الجماعة بنية المأمومين الاقتداء بالإمام ، فلو أخلوا بها أو أحدهم لم تصح صلاة المخل. ويعتبر في انعقاد الجمعة نية العدد المعتبر.

وفي وجوب نية الإمام للإمامة هنا نظر ، من حصول الإمامة إذا اقتدي به ، ومن وجوب نية كل واجب.

تفريع :

قال في الذكرى : لو بان أن الإمام محدث فإن كان العدد لا يتم بدونه فالأقرب أنه لا جمعة لهم لانتفاء الشرط ، وإن كان العدد حاصلا من غيره صحت صلاتهم عندنا لما سيأتي إن شاء الله تعالى في باب الجماعة. قال : وربما افترق الحكم هنا وهناك ، لأن الجماعة شرط في الجمعة ، ولم تحصل في نفس الأمر ، بخلاف باقي الصلوات فإن القدوة إذا فاتت فيها يكون قد صلى منفردا ، وصلاة المنفرد هناك صحيحة بخلاف الجمعة (٤).

وأقول : إنه لا يخفى ضعف هذا الفرق ، لمنع صحة الصلاة هناك على تقدير الانفراد ، لعدم إتيان المأموم بالقراءة التي هي من وظائف المنفرد.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٦ ـ ١٢١٧ ، التهذيب ٣ : ٢١ ـ ٧٧ ، أمالي الصدوق : ٣١٩ ـ ١٧ ، الوسائل ٥ : ٢ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٤٥ ـ ٦٦٤ ، الإستبصار ١ : ٤١٨ ـ ١٦٠٧ ، الوسائل ٥ : ٩ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢ ح ١٠.

(٣) الوسائل ٥ : ٧ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢‌

(٤) الذكرى : ٢٣٤.

٤٢

وإذا حضر إمام الأصل وجب عليه الحضور والتقدّم. وإن منعه مانع جاز أن يستنيب.

الخامس : أن لا يكون هناك جمعة أخرى. وبينهما دون ثلاثة أميال ،

______________________________________________________

وبالجملة فالصلاتان مشتركتان في الصحة ظاهرا وعدم استجماعهما الشرائط المعتبرة في نفس الأمر ، فما ذهب إليه أولا من الصحة غير بعيد ، بل لو قيل بالصحة مطلقا وإن لم يكن العدد حاصلا من غيره أمكن ، لصدق الامتثال وإطلاق قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة زرارة وقد سأله عن قوم صلى بهم إمامهم وهو غير طاهر ، أتجوز صلاتهم أم يعيدونها؟ : « لا إعادة عليهم تمت صلاتهم ، وعليه هو الإعادة ، وليس عليه أن يعلمهم ، هذا عنه موضوع » (١).

قوله : ( وإن حضر إمام الأصل وجب عليه الحضور والتقدّم ، وإن منعه مانع جاز أن يستنيب ).

لا ريب أن الإمام عليه‌السلام هو المتّبع قولا وفعلا ، والبحث في هذه المسألة وأمثالها ساقط عندنا.

قوله : ( الخامس ، أن لا تكون هناك جمعة أخرى وبينهما دون ثلاثة أميال ).

أجمع علماؤنا على اعتبار وحدة الجمعة ، بمعنى أنه لا يجوز إقامة جمعتين بينهما أقل من فرسخ سواء كانتا في مصر واحد أو مصرين ، وسواء فصل بينهما نهر عظيم كدجلة أم لا. ولم يعتبر غيرهم الفرسخ لكن اختلفوا ، فقال الشافعي (٢) ومالك (٣) : لا يجمع في بلد واحد وإن عظم إلا في مسجد واحد ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٩ ـ ١٣٩ ، الإستبصار ١ : ٤٣٢ ـ ١٦٧٠ ، الوسائل ٥ : ٤٣٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٦ ح ٥.

(٢) الأم ١ : ١٩٢.

(٣) نقله عنه في المغني والشرح الكبير ٢ : ١٨٢.

٤٣

فإن اتفقتا بطلتا.

______________________________________________________

وأجازه أبو حنيفة في موضعين استحسانا (١). وأجاز بعضهم التعدد في البلد ذي الجانبين إذا لم يكن بينهما جسر (٢). وقال أحمد : إذا كبر البلد وعظم كبغداد والبصرة جاز أن يقام فيه جمعتان وأكثر مع الحاجة ، ولا يجوز مع عدمها (٣).

والأصل في هذا الشرط من طرق الأصحاب ما رواه الشيخ في الحسن ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « يكون بين الجماعتين ثلاثة أميال » يعني لا يكون جمعة إلا فيما بينه وبين ثلاثة أميال « وليس تكون جمعة إلا بخطبة ، وإذا كان بين الجماعتين ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمع هؤلاء ويجمع هؤلاء » (٤).

وروى محمد بن مسلم أيضا في الموثق ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « إذا كان بين الجماعتين ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمع هؤلاء ويجمع هؤلاء ، ولا يكون بين الجماعتين أقل من ثلاثة أميال » (٥).

قيل : ويعتبر الفرسخ من المسجد إن صليت في مسجد ، وإلا فمن نهاية المصلين (٦).

ويشكل الحكم فيما لو كان بعضهم بحيث لا يبلغ بعده عن موضع الأخرى النصاب دون من سواهم وتم العدد بغيرهم ، فيحتمل بطلان صلاتهم خاصة لانعقاد صلاة الباقي باستجماعها شرائط الصحة ، أو بطلان الجمعتين من رأس ، لانتفاء الوحدة بينهما ، ولعل الأول أقرب.

قوله : ( فإن اتفقتا بطلتا ).

__________________

(١) نقله عنه في المبسوط للسّرخسي ٢ : ١٢٠ ، والمجموع ٤ : ٥٩١.

(٢) منهم الكاساني في بدائع الصنائع ١ : ٢٦٠.

(٣) نقله عنه في المغني والشرح الكبير ٢ : ١٨١.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٣ ـ ٧٩ ، الوسائل ٥ : ١٦ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٧ ح ١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٧٤ ـ ١٢٥٧ ، التهذيب ٣٠ : ٢٣ ـ ٨٠ ، الوسائل ٥ : ١٧ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٧ ح ٢.

(٦) كما في جامع المقاصد ١ : ١٣٦.

٤٤

وإن سبقت إحداهما ولو بتكبيرة الإحرام بطلت المتأخرة.

______________________________________________________

لامتناع الحكم بصحتهما ، ولا أولوية لإحداهما ، فلم يبق إلا الحكم‌ ببطلانهما معا. ويجب عليهما الإعادة جمعة مجتمعين أو متفرقين بما يسوغ معه التعدد.

ويتحقق الاقتران باستوائهما في التكبير عند علمائنا وأكثر العامة (١) ، واعتبر بعضهم الشروع في الخطبة لقيامها مقام ركعتين (٢). وقال بعضهم : يعتبر بالفراغ فإن تساوتا فيه بطلتا ، وإن سبقت إحداهما بالسلام صحت دون الأخرى (٣).

وتقبل في ثبوت الاقتران شهادة العدلين إذا كانا في مكان يسمعان التكبيرتين ، ويتصور ذلك بكونهما غير مخاطبين بالجمعة وهما في مكان يسمعان التكبيرتين. ولا حاجة إلى اعتبار تساوي الإمامين في الإذن من الإمام عليه‌السلام على ما بيناه فيما سبق.

قوله : ( وإن سبقت إحداهما ولو بتكبيرة الإحرام بطلت المتأخرة ).

الوجه في بطلان الصلاة المتأخرة ظاهر ، لسبق انعقاد الأولى باستجماعها شرائط الصحة كما هو المقدر.

وقال في التذكرة : إن ذلك ـ أي صحة السابقة وبطلان اللاحقة ـ مذهب علمائنا أجمع (٤).

ويجب على اللاحقة إعادة الظهر إن لم تدرك الجمعة مع السابقة ، أو التباعد بما يسوغ معه التعدد.

واعتبر جدي ـ قدس‌سره ـ في روض الجنان في صحة السابقة عدم علم‌

__________________

(١) منهم ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٢ : ١٨٩ ، ١٩٢ ، والنووي في المجموع ٤ : ٤٩٧ ، والشر بيني في مغني المحتاج ١ : ٢٨١.

(٢) الشر بيني في مغني المحتاج ١ : ٢٨٢ ، والغمراوي في السراج الوهاج : ٨٦.

(٣) منهم النووي في المجموع ٤ : ٤٩٧ ، والشر بيني في مغني المحتاج ١ : ٢٨١.

(٤) التذكرة ١ : ١٥٠.

٤٥

ولو لم يتحقق السابقة أعادا ظهرا.

______________________________________________________

كل من الفريقين بصلاة الأخرى ، وإلا لم يصح صلاة كل منهما ، للنهي عن الانفراد بالصلاة عن الأخرى المقتضي للفساد (١).

ولمانع أن يمنع تعلق النهي بالسابقة مع العلم بالسبق ، أما مع احتمال السبق وعدمه فيتجه ما ذكره ، لعدم جزم كل منهما بالنية لكون صلاته في معرض البطلان.

وهل يفرق في بطلان اللاحقة بين علمهم بسبق الأولى وعدمه؟ إطلاق عبارات الأصحاب يقتضي عدم الفرق لانتفاء الوحدة المعتبرة ، مع احتماله لاستحالة توجه النهي إلى الغافل ، وعدم ثبوت شرطية الوحدة على هذا الوجه. والمسألة محل تردد.

قوله : ( ولو لم تتحقق السابقة أعاد ظهرا ).

عدم تحقق السابقة يشمل ما لو علم حصول جمعة سابقه معينة واشتبهت بعد ذلك ، وما لو علم سابقه في الجملة ولم تتعين. ولا ريب في وجوب الإعادة عليهما معا في الصورتين ، لحصول الشك في كل واحدة ، والتردد بين الصحة والبطلان ، فيبقى المكلف تحت العهدة إلى أن يتحقق الامتثال.

وقد قطع المصنف وأكثر الأصحاب بأن الواجب على الفريقين صلاة الظهر لا الجمعة ، للعلم بوقوع جمعة صحيحة فلا تشرع جمعة أخرى عقيبها ، ولما لم تكن متعينة وجبت الظهر عليهما ، لعدم حصول البراءة بدون ذلك.

وقال الشيخ في المبسوط : يصلون جمعة مع اتساع الوقت ، لأن الحكم بوجوب الإعادة عليهما يقتضي كون الصلاة الواقعة منهما غير معتبرة في نظر الشرع (٢). وهذا متجه ، لأن الأمر بصلاة الجمعة بصلاة عام وسقوطها بهذه الصلاة التي ليست مبرئة للذمة غير معلوم.

__________________

(١) روض الجنان : ٢٩٤.

(٢) المبسوط ١ : ١٤٩.

٤٦

______________________________________________________

وعلى الأول فلو تباعد الفريقان بالنصاب بأن خرج أحدهما من المصر وأعادوا جميعا الجمعة لم تصح ، لإمكان كون من تأخرت جمعته هم المتخلفون في المصر فلا تشرع فيه جمعة أخرى.

أما لو خرجوا منه جميعا وتباعدوا بالنصاب مع سعة الوقت تعين عليهم فعل الجمعة قطعا.

وأعلم أن المصنف ـ رحمه‌الله ـ لم يتعرض للصورة الخامسة ، وهي ما لو اشتبه السبق والاقتران ، وقد اختلف الأصحاب في حكمها ، فذهب الشيخ ـ رحمه‌الله (١) ـ ومن تبعه (٢) إلى وجوب إعادة الجمعة مع سعة الوقت ، تمسكا بعموم الأوامر المقتضية للوجوب ، والتفاتا إلى أصالة عدم تقدم كل من الجمعتين على الأخرى.

وذهب العلامة ـ رحمه‌الله ـ في جملة من كتبه إلى وجوب الجمع بين الفرضين ، لأن الواقع (٣) إن كان الاقتران فالفرض الجمعة ، وإن كان السبق فالظهر ، فلا يحصل يقين البراءة بدون فعلهما (٤). واحتمل في التذكرة وجوب الظهر خاصة ، لأن الظاهر صحة إحداهما لندور الاقتران جدا فكان جاريا مجرى المعدوم ، وللشك في شرط الجمعة وهو عدم سبق أخرى ، وهو يقتضي الشك في المشروط (٥). وضعفه ظاهر ، فإنا لا نسلم اشتراط عدم السبق ، بل يكفي في الصحة عدم العلم بسبق أخرى.

وذكر الشارح قدس‌سره : أنه يمكن إدراج هذه الصورة في عبارة المصنف رحمه‌الله ، فإن السالبة لا تستدعي وجود الموضوع (٦). وهو حسن إلا أنا لم‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٤٩.

(٢) منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٩٤.

(٣) في « ح » زيادة : في نفس الأمر.

(٤) التذكرة ١ : ١٥٠ ، والقواعد ١ : ٣٧.

(٥) التذكرة ١ : ١٥٠.

(٦) المسالك ١ : ٣٤.

٤٧

النظر الثاني : فيمن يجب عليه ، ويراعى فيه شروط سبعة : التكليف. والذكورة. والحرية. والحضر.

______________________________________________________

نقف في هذه الصورة على قول بالاجتزاء بالظهر. ولا يخفى أن إطلاق الإعادة على الظهر غير جيد ، لعدم سبق ظهر قبلها ، وكأنه أطلق الإعادة عليها باعتبار فعل وظيفة الوقت أولا وإن اختلف الشخص. والأمر في ذلك هين.

قوله : ( النظر الثاني ، فيمن يجب عليه : ويراعى فيه سبعة شروط : التكليف ، والذكورة ، والحرية ، والحضر ).

أما اعتبار التكليف بمعنى البلوغ والعقل في هذه الصلاة بل وفي غيرها من الصلوات فمذهب العلماء كافة ، فلا يجب على المجنون ولا الصبي وإن كان مميزا ، نعم تصح من المميز تمرينا وتجزيه عن الظهر. ولو أفاق المجنون في وقت الصلاة خوطب بها خطابا مراعى باستمراره على الإفاقة إلى آخر الصلاة.

وأما اعتبار الذكورة والحرية فقال في التذكرة : إنه مذهب علمائنا أجمع ، وبه قال عامة العلماء (١). ويدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « ووضعها عن تسعة : عن الصغير ، والكبير ، والمجنون ، والمسافر ، والعبد ، والمرأة ، والمريض ، والأعمى ، ومن كان على رأس أزيد من فرسخين » (٢).

وفي صحيحة أبي بصير ومحمد بن مسلم : « منها صلاة واجبة على كل مسلم أن يشهدها إلاّ خمسة : المريض والمملوك ، والمسافر ، والمرأة ، والصبي » (٣).

ولا تنافي بين استثناء الخمسة والتسعة ، لأن المجنون والكبير الذي لا يتمكن الحضور لا ريب في استثنائهما ، والعمى يمكن إدخاله في المرض ،

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٥٣.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٩ ـ ٦ ، الفقيه ١ : ٢٦٦ ـ ١٢١٧ ، التهذيب ٣ : ٢١ ـ ٧٧ ، الوسائل ٥ : ٢ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٤١٨ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٩ ـ ٦٩ ، المعتبر ٢ : ٢٨٩ ، الوسائل ٥ : ٥ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١ ح ١٤.

٤٨

والسلامة من العمى والمرض

______________________________________________________

والبعيد مستثنى بدليل منفصل.

ويخرج بقيد الذكورة المرأة والخنثى ، وبقيد الحرية القن والمدبر والمكاتب مطلقا وإن أدّى بعض ما عليه لأن المبعض ليس بحر.

ويمكن المناقشة في السقوط عن الخنثى والمبعض لانتفاء ما يدل على اشتراط الحرية والذكورة ، وإنما الموجود في الأخبار استثناء المرأة والعبد ممن يجب عليه الجمعة ، والمبعض لا يصدق عليه أنه عبد ، وكذا الخنثى لا يصدق عليها أنها امرأة.

ومن ثم ذهب الشيخ في المبسوط إلى الوجوب على المبعض إذا هاياه المولى فاتفقت الجمعة في نوبته (١). وهو حسن.

وأما اعتبار الحضر ـ والمراد منه ما قابل السفر الشرعي ، فيدخل فيه المقيم وكثير السفر والعاصي به وناوي إقامة العشرة ـ فمجمع عليه بين العلماء أيضا ، حكاه في التذكرة (٢). ويدل عليه ما ورد في الروايات الكثيرة من استثناء المسافر ممن يجب عليه الجمعة (٣) ، والمتبادر منه أنه المسافر سفرا يوجب القصر. أما من لا يتحتم عليه ذلك ـ كالحاصل في أحد المواضع الأربعة ـ فالأظهر عدم وجوب الجمعة عليه ، للعموم ، وإن جاز له الإتمام بدليل من خارج. وجزم العلامة في التذكرة بالوجوب (٤) ، وقيل بالتخيير بين الفعل والترك ، وبه قطع في الدروس (٥).

قوله : ( والسلامة من العمى والمرض ).

إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في العمى والمرض بين‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٤٥.

(٢) التذكرة ١ : ١٥٣.

(٣) الوسائل ٥ : ٢ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١.

(٤) التذكرة ١ : ١٥٤.

(٥) الدروس : ٤٣.

٤٩

والعرج. وأن لا يكون همّا

______________________________________________________

ما يشق معهما الحضور وغيره ، وبهذا التعميم صرح في التذكرة (١).

واعتبر الشارح ـ قدس‌سره ـ فيهما تعذر الحضور أو المشقة التي لا يتحمل مثلها عادة ، أو خوف زيادة المرض (٢). وهو تقييد للنص من غير دليل.

قوله : ( والعرج ).

هذا الشرط ذكره الشيخ في جملة من كتبه (٣) ، ولم يذكره المفيد ولا المرتضى. والنصوص خالية منه ، لكن لو أريد به البالغ حد الإقعاد كما ذكره المصنف في المعتبر (٤) اتجه اعتباره ، لأن من هذا شأنه أعذر من المريض ، ولأنه غير متمكن من السعي فلا يكون مخاطبا به.

قوله : ( وأن لا يكون هما ).

الهم ـ بكسر الهاء ـ : الشيخ الفاني ، والمستفاد من النص سقوطها عن الكبير ، والظاهر أن المراد منه من يشق عليه السعي إلى الجمعة بواسطة الكبر.

ومن الشرائط أيضا ارتفاع المطر ، وقال في التذكرة : إنه لا خلاف فيه بين العلماء (٥) ، وتدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بأن تترك الجمعة في المطر » (٦).

وألحق العلامة (٧) ومن تأخر عنه (٨) بالمطر : الوحل ، والحر والبرد‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٥٣.

(٢) المسالك ١ : ٣٤.

(٣) النهاية : ١٠٣ ، والمبسوط ١ : ١٤٣ ، والاقتصاد : ٢٦٨.

(٤) المعتبر ٢ : ٢٩٠.

(٥) التذكرة ١ : ١٥٣.

(٦) الفقيه ١ : ٢٦٧ ـ ١٢٢١ ، التهذيب ٣ : ٢٤١ ـ ٦٤٥ ، الوسائل ٥ : ٣٧ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢٣ ح ١.

(٧) التذكرة ١ : ١٥٣ ، ونهاية الأحكام ٢ : ٤٣.

(٨) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٣٤٤.

٥٠

ولا بينه وبين الجمعة أزيد من فرسخين.

______________________________________________________

الشديدين إذا خاف الضرر معهما. ولا بأس به تفصيا من لزوم الحرج المنفي

وألحق به الشارح أيضا خائف احتراق الخبز أو فساد الطعام ونحوهم (١). وينبغي تقييده بالمضر فوته.

قوله : ( ولا بينه وبين الجمعة أزيد من فرسخين ).

اختلف الأصحاب في تحديد البعد المقتضي لعدم وجوب السعي إلى الجمعة ، فقيل حده أن يكون أزيد من فرسخين ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط والخلاف (٢) ، والمرتضى (٣) ، وابن إدريس (٤). ومستنده حسنة محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين ، فإذا زاد على ذلك فليس عليه شي‌ء » (٥).

وقيل فرسخان ، فيجب على من نقص عنهما دون من بعد بهما ، وهو اختيار ابن بابويه (٦) ، وابن حمزة (٧). ويدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « ووضعها عن تسعة » إلى قوله : « ومن كان منها على رأس فرسخين » (٨).

وقال ابن أبي عقيل : يجب على كل من إذا غدا من منزله بعد ما صلى الغداة أدرك الجمعة (٩).

__________________

(١) المسالك ١ : ٣٥.

(٢) المبسوط ١ : ١٤٣ ، والخلاف ١ : ٢٣٣.

(٣) جمل العلم والعمل : ٧١.

(٤) السرائر : ٦٣.

(٥) الكافي ٣ : ٤١٩ ـ ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٤٠ ـ ٦٤١ ، الإستبصار ١ : ٤٢١ ـ ١٦١٩ ، الوسائل ٥ : ١٢ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٤ ح ٦.

(٦) الهداية : ٣٤.

(٧) الوسيلة ( الجوامع الفقهية ) : ٦٧٥.

(٨) الكافي ٣ : ٤١٩ ـ ٦ ، الفقيه ١ : ٢٦٦ ـ ١٢١٧ ، التهذيب ٣ : ٢١ ـ ٧٧ ، الوسائل ٥ : ٢ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١ ح ١.

(٩) نقله عنه في مختلف : ١٠٦.

٥١

وكل هؤلاء إذا تكلّفوا الحضور وجبت عليهم الجمعة وانعقدت بهم ، سوى من خرج عن التكليف والمرأة ، وفي العبد تردد.

______________________________________________________

وقال ابن الجنيد بوجوب السعي إليها على من سمع النداء بها إذا كان يصل إلى منزله إذا راح منها قبل خروج نهار يومه (١).

ولعل مستندهما صحيحة زرارة قال ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : « الجمعة واجبة على من إن صلى الغداة في أهله أدرك الجمعة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما يصلي العصر في وقت الظهر في سائر الأيام كي إذا قضوا الصلاة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجعوا إلى رحالهم قبل الليل ، وذلك سنة إلى يوم القيامة » (٢).

وأجاب عنها في الذكرى بالحمل على الفرسخين (٣) ، وهو بعيد. والأولى حملها على الاستحباب كما ذكره الشيخ في كتابي الحديث (٤).

ويبقى التعارض بين الروايتين الأولتين ، ويمكن حمل الأولى على الاستحباب أيضا ، أو حمل الثانية على أن المراد بمن كان على رأس فرسخين أن يكون أزيد منهما ولو بيسير ، لكن لا يخفى أن هذا الخلاف قليل الجدوى ، لأن الحصول على رأس الفرسخين من غير زيادة ولا نقصان نادر جدا.

قوله : ( وكل هؤلاء إذا تكلفوا الحضور وجبت عليهم الجمعة وانعقدت بهم ، سوى من خرج عن التكليف والمرأة ، وفي العبد تردد ).

المشار إليه بقوله : « وكل هؤلاء » من دلت عليهم القيود المذكورة في العبارة ، ويندرج فيها المسافر والأعمى والمريض والأعرج والهمّ والبعيد.

والكلام في هذه المسألة يقع في مواضع :

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ١٠٦.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٣٨ ـ ٦٣١ ، الإستبصار ١ : ٤٢١ ـ ١٦٢١ ، الوسائل ٥ : ١١ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٤ ح ١.

(٣) الذكرى : ٢٣٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٤٠ ، والاستبصار ١ : ٤٢١.

٥٢

______________________________________________________

الأول : إن من لا يلزمه الجمعة إذا حضرها جاز له فعلها تبعا وأجزأته عن الظهر ، وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل قال في المنتهى : لا خلاف في أن العبد والمسافر إذا صليا الجمعة أجزأتهما عن الظهر ، وحكى نحو ذلك في البعيد (١). وقال في التذكرة : لو حضر المريض والمحبوس بعذر المطر أو الخوف وجبت عليهم وانعقدت بهم إجماعا (٢). وقال في النهاية : من لا تلزمه الجمعة إذا حضرها وصلاها انعقدت جمعته وأجزأته ، لأنها أكمل في المعنى وان كانت أقصر في الصورة ، فإذا أجزأت الكاملين الذين لا عذر لهم ، فلأن تجزي أصحاب العذر أولى (٣).

ويمكن المناقشة في هذه الأولوية ، أما أولا ، فلعدم ظهور علة الحكم في الأصل التي هي مناط هذا الاستدلال.

وأما ثانيا ، فللأخبار المستفيضة المتضمنة لسقوط الجمعة عن التسعة أو الخمسة (٤) ، فلا يكون الآتي بها من هذه الأصناف آتيا بما هو فرضه. إلا أن يقال : إن الساقط عنهم : السعي إليها خاصة ، فإذا أتوا به توجه إليهم الخطاب بفعلها ، بدليل أن من جملة التسعة من كان على رأس فرسخين ، ولا خلاف في وجوب الجمعة عليه مع الحضور ( ويشهد له ما رواه الشيخ عن ) (٥) حفص بن غياث ، عن ابن أبي ليلى ، قال : « إن الله عزّ وجلّ فرض الجمعة على جميع المؤمنين والمؤمنات ، ورخص للمرأة والمسافر والعبد أن لا يأتوها ، فلما حضروها سقطت الرخصة ولزمهم الفرض الأول ، فمن أجل ذلك أجزأ عنهم » ‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٢٣ ، ٣٢٢.

(٢) التذكرة ١ : ١٤٧.

(٣) نهاية الإحكام ٢ : ٤٥.

(٤) الوسائل ٥ : ٢ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١.

(٥) بدل ما بين القوسين في « س » ، « م » : وبما ذكرناه صرح المفيد في المقنعة فقال : وهؤلاء الذين وضع الله عنهم الجمعة متى حضروها لزمهم الدخول فيها وأن يصلوها كغيرهم ويلزمهم استماع الخطبة والصلاة ركعتين ، ومتى لم يحضروها لم تجب عليهم وكان عليهم الصلاة أربع ركعات كفرضهم في سائر الأيام ، واستدل عليه الشيخ في التهذيب بما رواه.

٥٣

______________________________________________________

فقلت : عمن هذا؟ فقال : عن مولانا أبي عبد الله عليه‌السلام (١).

وفي الصحيح عن أبي همام ، عن أبي الحسن عليه‌السلام أنه قال : « إذا صلت المرأة في المسجد مع الإمام يوم الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها ، وإن صلت في المسجد أربعا نقصت صلاتها ، لتصل في بيتها أربعا أفضل » (٢) وجه الاستدلال أن نقص الصلاة بالصاد المهملة يقتضي أجزائها في الجملة وإن كانت أقل ثوابا بالنسبة إلى غيرها (٣).

والمسألة قوية الإشكال ، نظرا إلى هاتين الروايتين ، وإطلاق السقوط في الأخبار الصحيحة المستفيضة (٤) المقتضي لعدم التكليف بها ، فلا يخرج المكلف من العهدة بفعلها. ولا ريب أن الاحتياط يقتضي صلاة الظهر ممن لا يجب عليه السعي إلى الجمعة ( سوى البعيد ) (٥) ، والله أعلم.

الثاني : المشهور بين الأصحاب أن من لا يجب عليه السعي إلى الجمعة يجب عليه الصلاة مع الحضور ، وممن صرح بذلك المفيد في المقنعة فقال : وهؤلاء الذين وضع الله عنهم الجمعة متى حضروها لزمهم الدخول فيها ، وأن يصلوها كغيرهم ، ويلزمهم استماع الخطبة والصلاة ركعتين ، ومتى لم يحضروها لم تجب عليهم وكان عليهم الصلاة أربع ركعات كفرضهم في سائر الأيام (٦). ومقتضى كلامه ـ رحمه‌الله ـ وجوبها على الجميع مع الحضور من غير استثناء. ونحوه قال الشيخ في النهاية (٧).

وقال في المبسوط : أقسام الناس في الجمعة خمسة : من تجب عليه وتنعقد‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢١ ـ ٧٨ ، الوسائل ٥ : ٣٤ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١٨ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٤١ ـ ٦٤٤ ، الوسائل ٥ : ٣٧ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢٢ ح ١.

(٣) في « ح » زيادة : نعم لو كانت بالضاد المعجمة انتفت دلالتها على الإجزاء بل دلت على نقيضه.

(٤) الوسائل ٥ : ٢ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١.

(٥) بدل ما بين القوسين في « س » ، « ح » : وعدم الحضور.

(٦) نقله عنه في التهذيب ٣ : ٢١.

(٧) النهاية : ١٠٣.

٥٤

______________________________________________________

به : وهو الذكر الحر البالغ العاقل الصحيح المسلم من العمى والعرج والشيخوخة التي لا حراك معها الحاضر ومن هو بحكمه ، ومن لا تجب عليه ولا تنعقد به : وهو الصبي والمجنون والمسافر والعبد والمرأة ، لكن يجوز لهم فعلها إلا المجنون ، ومن تنعقد به ولا تجب عليه : وهو المريض والأعمى والأعرج ومن كان على رأس أكثر من فرسخين ، ومن تجب عليه ولا تنعقد به : وهو الكافر ، لأنه مخاطب بالفروع عندنا (١). والظاهر أن مراده ـ ; ـ بنفي الوجوب في موضع جواز الفعل : نفي الوجوب العيني ، لأن الجمعة لا تقع مندوبة إجماعا.

وقطع المصنف هنا وفي المعتبر بعدم الوجوب على المرأة. وقال في المعتبر : إن وجوب الجمعة عليها مخالف لما عليه اتفاق فقهاء الأمصار ، وطعن في رواية حفص بن غياث المتقدمة (٢) بضعف حفص وجهالة المروي عنه (٣). وظاهره عدم جواز الفعل أيضا ، وهو متجه لولا رواية أبي همام المتقدمة (٤).

والحق أن الوجوب العيني منتف قطعا بالنسبة إلى كل من سقط عنه الحضور ، وأما الوجوب التخييري فهو تابع لجواز الفعل فمتى ثبت الجواز ثبت الوجوب ، ومتى انتفى انتفى.

الثالث : اتفق الأصحاب على انعقاد الجمعة بالبعيد والمريض والأعمى والمحبوس بعذر المطر ونحوه مع الحضور.

( وأطبقوا ) (٥) أيضا على عدم انعقادها بالمرأة بمعنى احتسابها من العدد.

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٤٣.

(٢) في ص ٥٣.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٩٣.

(٤) في ص ٥٤.

(٥) بدل ما بين القوسين في « س » ، « ح » : كما نقله جماعة. ويدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة الفضل بن عبد الملك : « فإن كان لهم من يخطب جمعوا إذا كانوا خمسة نفر » وفي صحيحة أبي بصير ومحمد بن مسلم : « منها صلاة واجبة على كل مسلم أن يشهدها إلا خمسة‌

٥٥

______________________________________________________

وإنما الخلاف في انعقادها بالمسافر والعبد لو حضرا ، فقال الشيخ في الخلاف والمصنف في المعتبر : تنعقد بهما ، لأن ما دل على اعتبار العدد مطلق فيتناولهما كما يتناول غيرهما (١).

وقال في المبسوط وجمع من الأصحاب : لا تنعقد بهما (٢) ، لأنهما ليسا من أهل فرض الجمعة فكانا كالصبي ، ولأن الجمعة إنما تصح من المسافر تبعا لغيره فلا يكون متبوعا ، ولأنه لو جاز ذلك لجاز انعقادها بجماعة المسافرين وإن لم يكن معهم حاضرون.

وأجيب بأن الفرق بينهما وبين الصبي عدم التكليف ، فإنه لا يتصور في حق الصبي الوجوب بخلاف العبد والمسافر ، وبمنع التبعية للحاضر ، والالتزام بانعقادها بجماعة المسافرين (٣).

وحكى الشهيد في الذكرى أن الظاهر وقوع الاتفاق على صحة الجمعة بجماعة المسافرين وإجزائها عن الظهر (٤). وهو مشكل جدا لاستفاضة الروايات بأن فرض المسافر الظهر لا الجمعة ، كصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قال لنا : « صلوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة » (٥).

وروى محمد بن مسلم في الصحيح أيضا قال : سألته عن صلاة الجمعة‌

__________________

المريض والمملوك والمسافر والمرأة والصبي » ويندرج في غير الخمسة : الكبير والبعيد والأعمى والمحبوس بعذر المطر ونحوه ، وعلى هذا فيجب حمل ما تضمن وضعها عن التسعة بإضافة المجنون والكبير والأعمى ومن كان على رأس أزيد من فرسخين إلى تلك الخمسة ، على أن المراد بذلك سقوط السعي إليها لا سقوط نفس الصلاة بعد الحضور واتفق الأصحاب.

(١) الخلاف ١ : ٢٤١ ، والمعتبر ٢ : ٢٩٢.

(٢) المبسوط ١ : ١٤٣.

(٣) كما في الذكرى : ٢٣٣.

(٤) الذكرى : ٢٣٣.

(٥) التهذيب ٣ : ١٥ ـ ٥١ ، الإستبصار ١ : ٤١٦ ـ ١٥٩٥ ، الوسائل ٤ : ٨٢٠ أبواب القراءة في الصلاة ب ٧٣ ح ٦.

٥٦

ولو حضر الكافر لم تصحّ منه ولم تنعقد به وإن كانت واجبة عليه.

وتجب الجمعة على أهل السواد كما تجب على أهل المدن مع استكمال الشروط ، وكذا على الساكن بالخيم كالبادية إذا كانوا قاطنين.

______________________________________________________

في السفر ، قال : « تصنعون كما تصنعون في الظهر ، ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة وإنما الجهر إذا كانت خطبة » (١).

وروى جميل في الصحيح ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجماعة يوم الجمعة في السفر فقال : « تصنعون كما تصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر ، ولا يجهر الإمام إنما يجهر الإمام إذا كانت خطبة » (٢) (٣)

قوله : ( وإذا حضر الكافر لم تصح منه ولم تنعقد به وإن كانت واجبة عليه ).

أما الوجوب عليه فلأنه مكلف بالفروع كما حقق في محله ، وأما عدم الصحة منه فلاشتراطها بالإسلام بل الإيمان إجماعا كغيرها من العبادات.

قوله : ( وتجب الجمعة على أهل السواد كما تجب على أهل المدن مع استكمال الشرائط ، وكذا على ساكن الخيم كالبادية إذا كانوا قاطنين ).

السواد : القرى. قال الجوهري : سواد الكوفة والبصرة ، قراهما (٤) ، والخيم : جمع خيمة ، وهي ـ على ما ذكره الجوهري ـ بيت تبنيه العرب من عيدان الشجر (٥) ، والمراد منه هنا ما هو أعم من ذلك.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٥ ـ ٥٤ ، الإستبصار ١ : ٤١٦ ـ ١٥٩٨ ، الوسائل ٤ : ٨٢٠ أبواب القراءة في الصلاة ب ٧٣ ح ٩.

(٢) التهذيب ٣ : ١٥ ـ ٥٣ ، الإستبصار ١ : ٤١٦ ـ ١٥٩٧ ، الوسائل ٤ : ٨٢٠ أبواب القراءة في الصلاة ب ٧٣ ح ٨.

(٣) في « س » ، « م » ، « ح » زيادة : وطريق الاحتياط واضح.

(٤) الصحاح ٢ : ٤٩٢.

(٥) الصحاح ٥ : ١٩١٦.

٥٧

وها هنا مسائل :

الأولى : من انعتق بعضه لا تجب عليه الجمعة. ولو هاياه مولاه لم تجب الجمعة ولو اتفقت في يوم نفسه على الأظهر. وكذا المكاتب والمدبّر.

الثانية : من سقطت عنه الجمعة يجوز أن يصلي الظهر في أول وقتها. ولا يجب عليه تأخيرها حتى تفوت الجمعة ، بل لا يستحب.

______________________________________________________

والمعروف من مذهب الأصحاب أن وجوب الجمعة على أهل القرى والبادية كوجوبها على أهل المصر ، لعموم الأمر بالجمعة من غير تخصيص ، وخصوص صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن أناس في قرية ، هل يصلون الجمعة جماعة؟ قال : « نعم يصلون أربعا إذا لم يكن من يخطب » (١).

قوله : ( وهنا مسائل ، الأولى : إن من انعتق بعضه لا تجب عليه الجمعة ، ولو هاياه مولاه لم تجب عليه الجمعة ولو اتفقت في يوم نفسه على الأظهر ).

خالف في ذلك الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في المبسوط ، فحكم بوجوب الجمعة عليه في يوم نفسه ، لأنه ملكها فيه (٢). وهو توجيه ضعيف ، والحق أنه إن ثبت اشتراط الحرية انتفى الوجوب على المبعض مطلقا ، وإن قلنا باستثناء العبد خاصة ممن يجب عليه الجمعة ـ كما هو مقتضى الأخبار ـ اتجه القول بوجوبها عليه مطلقا ، كما بيناه فيما سبق.

قوله : ( الثانية ، من سقطت عنه الجمعة يجوز أن يصلي الظهر في أول وقتها ، ولا يجب عليه تأخيرها حتى تفوت الجمعة ، بل لا يستحب ).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٣٨ ـ ٦٣٣ ، الإستبصار ١ : ٤١٩ ـ ١٦١٣ ، الوسائل ٥ : ١٠ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٣ ح ١.

(٢) المبسوط ١ : ١٤٥.

٥٨

ولو حضر الجمعة بعد ذلك لم تجب عليه.

الثالثة : إذا زالت الشمس لم يجز السفر لتعيّن الجمعة.

______________________________________________________

بل يستحب تقديم الظهر في أول الوقت كغيره من الأيام.

قوله : ( ولو حضر الجمعة بعد ذلك لم تجب عليه ).

أي : ولو صلح لأن يكون مخاطبا بها بعد فعل الظهر ، كما لو أعتق العبد أو حضر المسافر أو بري‌ء المريض أو زال العرج لم تجب عليه الجمعة ، لسقوط التكليف عنه بفعل الظهر ، وامتناع وجوب الفرضين ، واستثني من ذلك الصبي إذا صلى الظهر ثم بلغ في وقت الجمعة ، فإنها تجب عليه كما تجب عليه إعادة الظهر في غير يوم الجمعة لو كان قد صلاها أولا ، لتعلق الخطاب به بعد البلوغ.

قوله : ( الثالثة ، إذا زالت الشمس لم يجز السفر لتعين الجمعة ).

أجمع علماؤنا وأكثر العامة (١) على أنه لا يجوز لمن وجبت عليه الجمعة إنشاء السفر بعد الزوال قبل أن يصليها ، حكى ذلك العلامة في التذكرة والمنتهى (٢) ، واستدل عليه في التذكرة بقوله عليه‌السلام : « من سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة لا يصحب في سفره ولا يعان على حاجته » (٣) والوعيد لا يترتب على المباح ، وبأن ذمته مشغولة بالفرض والسفر مستلزم للإخلال به ، فلا يكون سائغا ، ومبنى هذا الاستدلال على أن الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضده الخاص ، وقد تقدم الكلام فيه مرارا.

ويتوجه عليه أيضا أنه على هذا التقدير يلزم من تحريم السفر عدم تحريمه وكل ما أدّى وجوده إلى عدمه فهو باطل ، أما الملازمة فلأنه لا مقتضي لتحريم السفر إلا استلزامه لفوات الجمعة كما هو المفروض ، ومتى حرم السفر لم تسقط‌

__________________

(١) منهم الشافعي في الأم ١ : ١٨٩ ، وابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٢ : ١٦١ ، ٢١٧ ، والغمراوي في السراج الوهاج : ٨٤.

(٢) التذكرة ١ : ١٤٤ ، والمنتهى ١ : ٣٣٦.

(٣) التذكرة ١ : ١٤٤.

٥٩

______________________________________________________

الجمعة كما تقدم ، فلا يحرم السفر لانتفاء المقتضي. وأما بطلان اللازم فظاهر.

ويمكن أن يستدل على ذلك أيضا بفحوى قوله تعالى ( وَذَرُوا الْبَيْعَ ) (١) إذ الظاهر أن النهي عن البيع إنما وقع لمنافاته السعي إلى الجمعة ، كما يشعر به التعليل المستفاد من قوله عزّ وجلّ ( ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ ) فيكون السفر المنافي كذلك. ويؤيده ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت في البلد فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد » (٢) وإذا حرم السفر بعد الفجر في العيد حرم بعد الزوال في الجمعة بطريق أولى ، لأن الجمعة آكد من العيد.

قال جدي ـ قدس‌سره ـ في روض الجنان : ومتى سافر بعد الوجوب كان عاصيا فلا يترخص حتى تفوت الجمعة ، فيبتدئ السفر من موضع تحقق الفوات ، قاله الأصحاب ، وهو يقتضي عدم ترخص المسافر الذي يفوت بسفره الاشتغال بالواجب من تعليم ونحوه ، أو يحصل في حالة الإقامة أكثر من حالة السفر ، لاستلزامه ترك الواجب المضيق فهو أولى من الجمعة خصوصا مع سعة وقتها ورجاء حصول جمعة أخرى أو لا معه واستلزام الحرج وكون أكثر المكلفين لا ينفكون عن وجوب التعلم فيلزم عدم تقصيرهم أو فوت أغراضهم التي بها نظام النوع غير ضائر ، والاستبعاد غير مسموع (٣).

واعترضه شيخنا المحقق ـ أطال الله بقاءه ـ بأن هذا كله مبني على أن الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضده الخاص ، وهو لا يقول به بل يقول ببطلانه.

ثم أجاب عن هذا الاقتصاد ـ مع تسليم تلك المقدمة ـ بمنع منافاة السفر غالبا للتعلم ، إذ التعلم في السفر متيسر غالبا ، بل ربما كان أيسر من الحضر ،

__________________

(١) الجمعة : ٩.

(٢) الفقيه ١ : ٣٢٣ ـ ١٤٨٠ ، الوسائل ٥ : ١٣٣ أبواب صلاة العيد ب ٢٧ ح ١ وأوردها في التهذيب ٣ : ٢٨٦ ـ ٨٥٣ ( بتفاوت يسير بين المصادر ).

(٣) روض الجنان : ٢٩٥.

٦٠